المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الغَيرة



محمد مفتاح الجد
08-21-2012, 08:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والشكر له على توفيقه العام, والصلاة والسلام على الرسول الهمام وعلى آله وأصحابه, هُداة الأنام ومصابيح الظلام أما بعد:
فإن الغَيرة على العرض والشرف؛ مما تميز به العرب حتى قبل أن تشرق الشمس بنور الرسالة المحمدية؛ فكان العرب يفخرون بذلك؛ ويَبْذِلون في سبيل الحفاظ على أعراضهم الغالي والنفيس؛ حتى إن قائلهم كان يقول:
يَهُونُ عَلَيْنَا أَنْ تُصَابَ جُسُومُنَا
وَتَسْـــلَمَ أَعْرَاضٌ لَنَـا وَعُقـُولُ
ومدح رجل من أهل الجاهلية امرأتَه فقال:
سَقَطَ النَّصِيفُ وَلَمْ تُرِدْ إِسْقَاطَهُ
فَتَنـَاوَلَتْـهُ وَاتَّقَتْـنَا بِالْـــــــيـَـدِ
سقط النصيف (غطاء الوجه) من غير قصد ولا عَمْد؛ فغطت وجهها بيدها مخافة أن يُرى.
ويمدح رجل آخر ( من أهل الجاهلية) قبل الإسلام!! يمدح امرأتَه فيقول:
لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي لَا سُقُوطاً قِنَاعُهَا
إِذَا مـَـــــا مَشَتْ وَلَا بِذَاتِ تَلَفُّتِ
فإن العرب الذين أنتم من سُلالتهم؛ كانوا يتميزون بالخلق العالي وهو الغيرة على الشرف.
والغيرة على الشرف من أعظم المنازل؛ وهي دليل على الفُحولة والرجولة؛ ومن أفلت زمام الأمر؛ عُدَّ من سَقَطِ المتاع فلا قيمة له ولا قدر.
ومن تأمل قَصَصَ الجاهلية رأى من ذلك عجباً !
فمما جاء من قَصَصِهِم؛ أن عُقَيْلَ بنَ عَلَفَةَ نزل في مُنْتَجَعِ ماءٍ؛ فسمع ابنةً له تضحك؛ وقد شَهِقَت في آخِر ضحكتها حتى سمع الرجال الصوت؛ فحَمَلَ عليها بالسيف وهو يقول:
فَرَقْتُ إِنِّي رَجُلٌ فَرُوقُ
لِضِحْكَـةٍ آخِرُهَا شَهِيقُ
وجاء عن هندَ بِنْتِ عُتْبَةَ أنها قبل إسلامها كانت متزوجة برجل يقال له الفَاكِهَ ابنَ المُغِيرَة، والفاكه هذا كان له مجلس يغشاه الرجال فيه، كعادة الرجال في كل زمن؛ وكان مجلسه مُبَرَّزاً عن منـزل نسائه؛ ولا تأتيه النساء في العادة؛ فزارَتْهُ ذاتُ مرة هند وجلست تَسْمُرُ معه حتى غَشِيَهَا النُّعُاس، وغلب عينها النوم فنامت، وذهب الفاكه زوجها ليقضي حاجة، فجاء رجل على عادته يزور هذا المجلس؛ فلما أقبل وجد المرأة نائمة فرجع؛ وصادف رجوعُه أن رآه الفاكه وهو مقبل من مجلسه؛ فجاء الفاكه إلى مجلسه وأيقظ هنداً؛ وقال: مَن هذا الرجل الذي كان عندك؟. قالت: واللهِ ما عَلِمْتُ ولا انتبهتُ حتى أيقظتني.
قال: الْحَقِي بأبيك.
فلما جاءت لعتبة وأخبرته الخبر، قال للفاكه بن المغيرة: إنك قد اتهمت ابنتي، فإما أن تُثْبِتَ وإما أن نتحاكم لأحدِ كهان اليمن.
والكاهن رجل سوء يخبر بما مضى؛ يخاطب القرين فيخبره أنه فلان وأمه فلانة؛ وحدث له في يوم كذا؛ كذا وكذا .
فلما قَفَلُوا إلى كاهن اليمن واقتربوا من منزله اسود وجه هند؛ فقال لها والدها: أيْ بُنية؛ أما كان هذا قبل أن نأتي للكاهن؟!
فقالت: واللهِ يا أَبَتِ ما أَلمَمْتُ بذنب؛ ولكنكم تأتون رجلاً يخطئ ويصيب؛ وخطؤه أكثر من صوابه؛ ولعله يصفني بصفة لا تزول مدى الدهر .
فلما جاءوا للكاهن جعلوها مع مجموعة من النساء؛ وقالوا له: انظر في شأن هؤلاء النسوة؛ فجعل يمر على النساء واحدةً واحدةً ويقول: قومي؛قومي؛ حتى إذا بلغ هنداً قال: قومي لا رَقْحَاءَ ولا زانية .
فلما خرجت أخذ الفاكه بيدها؛ فَنَتَرَتْ يدها من يده؛ وطلّقها فنكحت أبا سفيان.
هذا قبل الإسلام يا عباد الله!!
فلما أسلمت بايعها النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت عادته في مبايعة النساء أن يبايعَهُن على أنْ لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن؛ فلما قال صلى الله عليه وسلم: بايعي على أن لا تشركي بالله شيئاً ولا تسرقي ولا تزني؛ فلما بلغ ولا تزني؛ وضعت يدها على رأسها؛ وصرخت: يا رسول الله أَوَتَزْنِي الحُرَّة؟!
هذا وهي حديثة عهد بالإسلام؛ ولكنها علمت منذ أيام الجاهلية أن الحرة لا تزني.
ففي أيام الجاهلية ما تزني الحرة؛ أما الآن فتزني الحرة؛ وقد تنام في أحضان كلب من الكلاب؛ تنام فاجرةً؛ وأهلُها من رُؤُوسِ الشرف؛ لأنهم تركوا الأرانب تمرح مع الذئاب .
هذا في أيام الجاهلية! تقول هند أوَتزني الحرة؟ وضربت على رأسها حياءً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما جاء هذا الدين العظيم؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّمَا بُعِثْتُّ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ) ؛ يعني أنه كان لدى الناس أخلاق في السابق؛ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم هذه المحاسن؛ وتلك المكارم.
ومن تلك المحاسن التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم ؛ الوصية بالغَيرة على المحارم؛ والتحذير من التهاون بها؛ فالغَيْرَة من أخلاق الكرام؛ والتساهل بها دليل على ضعف الدين ونقص المروءة؛ ومَثَل الرجل الغيور على محارمه مَثَل الجمل؛ لأن هذا رمز العرب؛ فهو يغار؛ ومعروفٌ من أخلاقه أنه لا يرضى على ناقته أن يأتيها جملٌ آخر؛ ولا يرضى مسلمٌ أن يكون مَثَلُه كالخنزير الذي لا يغار على محارمه.
واستمر الحال على الأخلاق الفاضلة؛ حتى رأينا في هذه الأزمنة عَجَبَاً -وقد رأيتم-؛ ولكن المصيبة أن بعض الناس يرى البعيد عند الناس؛ ولا يرى القريب في بيته؛ أعمى؛ وقد يكون الله سبحانه قد طَمَسَ على بصيرته فلا نجاح ولا فلاح.
أَرَى كُلَّ إِنْسَانٍ يَرَى عَيْبَ غَيْرِهِ
وَيَعْمَى عَنِ الْعَيْبِ الَّذِي هُوَ فِيهِ
وَمَـا خَيْرُ مَنْ تَخْفَـى عَلَيْهِ عُيُوبُهُ
وَيَبْدُو لَهُ الْعَيْـبُ الَّــــــذِي لِأَخِيهِ

فيبقى سؤال وهو: مَن الذي يغار على عِرْضِه؟!.
إنما يغار على عرضه الرجل المكتمل الرجولة؛ وأولئك الشباب الذين يعرفون معنى العرض؛ ولكن إذا ظهرت لنا أجيال هم في أنفسهم قد انحرفوا؛ فكيف يُصلحون أخواتهم وبناتهم وزوجاتهم.
فهذا الذي يصطاد بنات المسلمين؛ مع الوقت الذي يموت إحساسه؛ ولعله يرى أن كون أخته تصاحب صديقاً أمراً عادياً؛ ولا يشتد نكيره لذلك.
وهناك شباب في هذا الزمان ظهروا -ومع الأسف الشديد- كالأرانب؛ فكيف يحمون الأرانب؟!

وقد ظهرت موضات جديدة عند بعض الشباب المتشبهين بالنساء؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:) لَعَنَ اللهُ المُخَنَّثِينَ مِنَ الْرِّجَالِ) .
المصدر: رسالة إلى الشرفاء, للشيخ الدكتور سالم العَجْمي حفظه الله, بتصرف .

إلى حب الله
08-21-2012, 11:10 PM
جزاك الله خيرا ًعلى النقل الطيب أخي ...

muslim.pure
08-22-2012, 01:21 PM
جزاك الله خيرا