المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قضية الخلود ..وهادم اللذات



أبو القـاسم
09-04-2012, 11:32 PM
لو جئت بأنعم أهل الأرض ، ومن حوله أملاكه الشامخة ، وقصوره الفاخرة ، فما أسهل أن تفسد عليه نعيمه وتصيبه في مقتل : بتذكيره بالموت ..والحسبة لا تحتاج إلى عبقري : حياة متخمة بالملذات مترفة من كل أصناف الشهوات، هبْها مئة عام ..اقسم المئة على شيء لا نهائي ، يأتيك الجواب صفرًا..هذا الشعور القاهر بطعم (اللا نهائية ) لم يكن ليوجد لولا أن مصدره أراد هذا المعنى فيك لتخترق إيحات الخلود في وجدانك حجب الزمان المحدود فتحملك على القيام بعمارة الأرض بإقامة الفرض الذي استخلفك الله تعالى فيه يوم تفهم أن القصة لا تنتهي فصولها بالموت ..وإلا فما قيمة الإنجاز -أيّا كان- إذا كان من شأنه أن يكون في خبر كان ..ثم لاشيء ..؟

يقول الفيلسوف اليوناني نيكوس كازانتزاكيس معبرا عن هذه الحالة الوجدانية بأسلوبه الخاص: (لو كنتُ إلهًا(!) لوزَّعت الخلود بلا حساب، دون أن أسمح، ولو لمرة واحدة، لجسد جميل أو لروح شجاعة أن تموت) ..وكانت كلمة جان بول سارتر أكثر مباشرة حين قال : (تفقد الحياة معناها في اللحظة التي نفقد فيها وهم كوننا خالدين)..ليس غريبا أن يكون هذا رأس المنغصات مادام الإنسان لم يتهيأ للمضافة في القبر الموحش ،وعلى هذا فكل ملحد أو لاديني: هو في الحقيقة "مشروع " انتحار كامن إذا أراد أن يكون منسجما مع عقيدته..لأنه أقرب طريق لوأد الشعور بأن الحياة ليست ذات معنى...ولا يعكّر على هذا أن يقول الكافر: ها أنذا ..لم أنتحر !، لأن الحديث عن ملحد "مؤمن" ! أي متبع لعقيدته ، ولأن الإنسان قد يكون حاملا للمرض ..ولا يظهر عليه العَرض..

إن ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) هو هو الذي ركَز فيك حب الخلود لا إلى أمد محدود..فافهم ! وكن على قدر الامتحان "ليبلوكم " ..فإن فشلت ، عاملك الله بمقتضى اسمه (العزيز) ، وإن نجحت تجلى فيك آثار اسمه (الغفور)

هشام بن الزبير
09-05-2012, 10:47 AM
ما أعظم هذه الحجة لو صادفت قلبا حيا. يا ترى هل نجد يوما ملحدا شجاعا يقتفي أثر سلفه سارتر الذي نطق بما ينطوي عليه قلب كل ملحد, أذكر ملحدا في الغرفة الصوتية قال إنه حاول الإنتحار, وأوهم نفسه أن الأمر سيكون أشبه بالضغط على زر التلفاز لإطفائه, لكنه حين هم بالأمر وجد أن التشبيه بينه وبين الآلة الصماء تشبيه مع فارق عظيم, إن بين جنبيه شيئا لا يدري كنهه يستمسك بالحياة, ويخوفه أن الموت ليس ختام الرحلة.
إن آية سورة الملك تجمل لنا جميعا مؤمنين وملحدين سر وجودنا هنا لهذه الفترة المحدودة, إن كل إنسان يفهم أن الحياة ابتلاء, كل إنسان يفهم ذلك بحسب عقيدته وفقهه, لكن الملحد الافتراضي الذي ابتلينا به يجتهد ألا يوافقنا في شيء مهما كان واضح جليا, فهل أنتم أعمق إلحادا من سارتر, اللهم عاملنا بعفوه ومغفرتك ولا تعاملنا بعدلك يا أرحم الراحمين.

إلى حب الله
09-05-2012, 12:14 PM
ما أجمل فوائدك يا أبا القاسم لو تجمعها في موضوع واحد تضيف إليه كل حين : فيجد فيه الضال بغيته أو يتنزه في بستانه العقلاء ؟!!..
بارك الله فيك ...
نعم ..
الموت هو من أقوى إعجازات المولى سبحانه للبشر ومن أقوى أدويتهم لو يفقهون ..
فاللهم اجعلنا للموت ذاكرين .. وله من العاملين ..
والله المستعان ...

أبو عثمان
09-05-2012, 12:30 PM
بوركت نفحة واعظة مؤثرة .

أبو القـاسم
09-05-2012, 05:09 PM
بوركت نفحة واعظة مؤثرة .


بارك الله فيكم أجمعين ..وجزاكم خيرًا ونفع بكم العباد والبلاد ..
لفظة الوعظ صارت تدل عند الكثير على الكلام العاطفي الخاوي من الحقيقة العلمية ، وهو ما استنهضني للتعليق لأقول :ما ذكرته هنا من موعظة هو في الحقيقة من جنس البراهين الحقّة غير المدفوعة..وإن كنت أعلم أن الشيخ عثمان سدده الله تعالى لم يقصد ،