د. محمود عبد الرازق الرضواني
03-30-2006, 05:23 AM
الحمد لله الكبير المتعال ، ذي القدرة والجلال ، والكمال والجمال ، والنعم والأفضال ، سبحانه هو العلى الكبير ، هو العليم القدير ، هو اللطيف الخبير ، تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ، أحمده حمد المعترف بالعجز والتقصير ، وأشكره على ما أولانا من نعم وفضل كبير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة من يؤمن بأنه لا معين له ولا ظهير ، ولا وزير له ولا مشير ، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله ، البشير النذير ، والسراج المنير ، المبعوث إلي كافة الخلق من غني وفقير ، ومأمور وأمير ، صلي الله عليه وعلى آله الطاهرين ، وسائر أصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين : يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلحْ لكُمْ أَعْمَالكُمْ وَيَغْفرْ لكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا الأحزاب/71:70 ، يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلمُون (آل عمران/102) أما بعد ..
فحديثنا بإذن الله تعالى يدور حول بداية الكون ونشأة الإنسان ، وقد تكلمنا في المقال الماضي عن أعظم سؤال يتردد على الأذهان ، ما الذي يتميز به الإنسان عن الحيوان ، أو ما هي الميزة التي تجعل الإنسان منفردا عن غيره من الكائنات ؟ أو ما هي قيمة الإنسان بين سائر المخلوقات ؟ تلك القيمة التي جعلته أعلى منزلة من غيره ، يستفيد ممن حوله ولا يستفاد منه ؟ وبينا أن الناس في ذلك مختلفون ، فمنهم من قال تميز الإنسان عن سائر الكائنات بأنه حيوان ناطق يتكلم بأجود الكلمات وأبلغ العبارات ويحسن التعبير عما يجول في صدره من نوازع وخطرات ولا نسمع ذلك من بقية الكائنات ؟
وعلمنا أنه من بداهة العقل ألا نقبل القول بأن الإنسان تميز عن غيره بأنه حيوان ناطق ، لأن ذلك يخالف العقل الصريح ويعارض النقل الصحيح ، فالقرآن يثبت بلا لبث أو غموض أن الإنسان لا يتميز عن الحيوان في إمكانية النطق والبيان ؟ فالله تعالى يقول : تُسَبِّحُ لهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَليمًا غَفُورًا الإسراء/44 .
وقد علمنا كيف أبدعت النملة في خطابها ، ولماذا أدرك سليمان كلامها وتبسم ضاحكا من قولها ، وكيف أخبر الهدهد عن بلقيس وشركها ، وكيف تكلمت البقرة وأنكرت على راكبها ؟
وقد تساءلنا وقلنا : إذا لم يكن الإنسان متميزا عن غيره بالنطق والكلام ، فهل يتميز بأنه عاقل حكيم يحرص على نفعه ويدفع عن نفسه ما يضره ؟ وعلمنا أنه من جهة العقل نجد أن الإنسان لا ينفرد عن هذه المخلوقات بوصف العقل ، بل يمكن القول إنه عند القياس أقل من غيره نصيبا وأكثر معيبا ، وعرفنا المقصود بالعقل ؟ وأنه آلة غيبية مغروزة في الجانب الغيبي من قلب الإنسان لا نعرف كيفيتها ولكن نتعرف على وجودها ووجود أوصافها من خلال أفعال الإنسان في ظاهر البدن ، واليوم نستكمل الحديث في إثبات العقل لدي كثير من المخلوقات فهي أيضا لها آلة غيبية مجهولة الكيفية مغروزة فيها ، تميز بها بين ما ينفعها وما يضرها ، ولديها قدرات عجيبة في التمييز والإحساس ، لا فرق بينها وبين أغلب الناس ، فالنملة مثلا لو وضعتها في إناء ، فيه قطرة من ماء ، ونظرت إلي حركتها ، وتأملت طريقتها في الخلاص من الهلاك ، لرأيتها تدبر أمرها بطريقة لا تقل عن سائر العقلاء ، كيف تتمكن النملة في حساباتها من الابتعاد عن قطرة الماء ؟ ولماذا تبتعد عن الهلاك كالإنسان سواء بسواء ؟ كيف علمت أن الماء يغرقها ويهلكها ؟ .
هذه النملة الضعيفة لديها من الفطنة والحيلة في جمع قوتها وادخاره وحفظه ودفع الآفة عنه ما يعجز عن تدبيره عقل الإنسان ، فإنك تري في ذلك عبرا وآيات ، فتري جماعة النمل إذا أرادت تحصيل قوتها ، خرجت بأسرابها ورسمت لنفسها طريقين ، طريق للنمل الذي يحمل الطعام إلي مساكنها ، وطريق لعودة النمل إلي الحبوب في أماكنها ، يسيرون في طريقين باتجاهين مختلفين ، يراهما الإنسان خطين مرسومين ليس فيهما تجاوز أو اختلاط ، كأنه طريق مزدوج تسير فيه السيارات ، كثير من البشر اعتاد على قطع الإشارات وعكس الاتجاهات ، وتعمد ارتكاب المخالفات ، ولا تجد ذلك في أمة النمل ، ولو حدث حادث لنملة ولم تقو على حمل الحبة لثقلها عليها اجتمعت عليها جماعة من النمل وقمن بالواجب المطلوب ، كما يتعاون الإنسان مع أخيه الإنسان في حمل الشيء الثقيل .
يذكر ابن القيم أنه من عجيب ما ورد في عقل النمل وفطنته ، أنها إذا نقلت الحب إلي مساكنها كسرته لئلا ينبت ، فإن كانت الحبة فيها فلقتان ، كل فلقة تنبت بذاتها كسرته أربعا ، فإذا أصابه ندا أو بلل وخافت عليه الفساد ، أخرجته للشمس ثم ترده إلي بيوتها ، ولهذا تري في بعض الأحيان حبوبا كثيرة مكسورة على أبواب مساكن النمل ، ثم تعود عن قريب فلا تري شيئا من ذلك .
يروي ابن القيم عن بعض الصالحين أنه كان جالس على الأرض يتأمل سلوك النمل وقدرة الخالق في تكونه ، فشاهد منهن عجبا ، يقول : رأيت نملة جاءت إلي جرادة صغيرة فحاولت حمله فلم تستطع ، فذهبت غير بعيد ثم جاءت معها بجماعة من النمل ، يقول : فرفعت الجرادة من الأرض ، فلما وصلت النملة مع أخواتها إلي مكان الجرادة دارت حوله فلم تجده ، ودرن معها يبحثن عن الجرادة فلم يجدن شيئا ، فتركنها وانصرفن كأنهن اتهمنها بالكذب والعبث واللعب وتضيع الأوقات ، يقول : فوضعت الجرادة على الأرض ، فوجدته النملة فحاولت حمله فلم تستطع ، فذهبت غير بعيد ثم جاءت معها بجماعة من النمل ، قال : فرفعت الجرادة من الأرض ، فلما وصلت النملة مع أخواتها إلي مكان الجرادة دارت حوله فلم تجده ، ودرن معها يبحثن عن الجرادة فلم يجدن شيئا ، فتركنها وانصرفن يقول : فوضعت الجرادة على الأرض مرة أخرى ، فوجدته النملة فحاولت حمله فلم تستطع ، فذهبت غير بعيد ثم جاءت معها بجماعة من النمل ، فرفعت الجرادة من الأرض ، فلما وصلت النملة مع أخواتها إلي مكان الجرادة دارت حوله فلم تجده ، ودرن معها يبحثن عن الجرادة فلم يجدن شيئا ، فلما لم يجدن شيئا تحلقن حلقة ، وجعلن تلك النملة في وسطها ، ثم تحاملن عليها ، فقطعنها عضوا عضوا حتى ماتت وأنا انظر .
سبحان الله المخلوقات لديها وعي وعقل وإدراك وتمييز حتى النبات ، اسأل نفسك : ما الذي يجعل النبات يميل إلي ضوء الشمس دائما ؟ وكيف يقوم بحساب حساسية الضوء في مكانه وكيف أدرك ضرورته لإتمام عملية البناء الضوئي ؟ وكيف يحسب الطائر عوامل الاتزان في الهواء أثناء الطيران ؟ أليست لديه تكنولوجيا أرقي وأعلى من عقل الإنسان ؟ هل تري أنه درس في معاهد الطيران ؟ أم تري أنه يجهل قوانين الحركة لنيوتن ، ولا يعلم أن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه ؟
اسأل نفسك من هذا القبيل عن جميع الأشياء من حولك حتى تتأكد أن الإنسان ليس وحده العاقل ؟ بل يمكن القول إن الإنسان أقل من غيره عقلا ، وأردأ في حساباته العقلية ، ويمكن لحيوان صغير أن يخدع الرجل الكبير ، وروي من هذا القبيل الكثير والكثير في تاريخ الحيوان ، يذكر ابن القيم في ذكاء الثعلب أن رجلا كان معه دجاجتان ، فاختبأ الثعلب له ، وخطف إحداهما وفر ، ثم أعمل الثعلب فكره في أخذ الأخرى ، فظهر لصاحبها من بعيد ، وفي فمه شيء شبيه بالدجاجة ، وأطمع الرجل في استعادة الدجاجة ، بأن ترك ما في فمه وفر ، فظن الرجل أنها الدجاجة فأسرع نحوها وترك الأخرى وخالفه الثعلب في خفية فأخذها وذهب .
يقول ابن القيم : ( وكثير من العقلاء يتعلم من الحيوانات البهم أمورا تنفعه في معاشه وأخلاقه وصناعته وحربه وحزمه وصبره ، وهداية الحيوان فوق هداية أكثر الناس قال تعالى : أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ بَل هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا .
ولا يمكن لمن يعلم أسس الحساب من أصحاب العقول ، أن يجعل محصول جمع الدرهمين أو الثلاثة درهما واحدا ، لكن العجب أنه مقبول عند كثير من المنتسبين إلي العقول ، فيشركون بالله ويجعلون الإله اثنين أو ثلاثة ، إن العقل السليم لا يقبل الشرك ولا يرضاه ، فمن المحال عند العقلاء أن يكون الخالق إلهين اثنين متعادلين في وصف القدرة ، لأنه إذا أراد أحدهما شيئا ولم يرده الآخر ، فلا بد عند التنازع من غالب وخاسر ، وسيعود الأمر إلي قوي قادر ، والآخر مربوب مقهور عاجز ، قال الله تعالى : مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذًا لذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِمَا خَلقَ وَلعَلا بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وقال أيضا : أَمْ اتَّخَذُوا آلهَةً مِنْ الأرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ، لوْ كَانَ فِيهِمَا آلهَةٌ إِلا اللهُ لفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ .
وقد ذكر الله في القرآن رأي من خالف الإنسان ، وأنكر عليه اتخاذ الولد للرحمن ، وبين أن هذه المخلوقات يرفضن ذلك بشدة ، فقال سبحانه وتعالي : وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلدًا ، لقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدًّا ، أَنْ دَعَوْا للرَّحْمَنِ وَلدًا ، وَمَا يَنْبَغِي للرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلدًا ، إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ، لقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ، وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدً ا .
أليست هذه هي المخلوقان التي خيرها الله في حمل الأمانة فقال : إِنا عَرَضْنَا الأمانَةَ على السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالجِبَال فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا .
روي ابن جرير الطبري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : ( إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين ، وكادت أن تزول منه لعظمة الله وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين ) وفي رواية أخرى ( اقشعرت الجبال وما فيها من الأشجار ، والبحار وما فيها من الحيتان ، وفزعت السماوات والأرض والجبال وجميع المخلوقات إلا الثقلين وكادت أن تزول ) .
ويروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : ( إن الجبل يقول للجبل : يا فلان هل مر بك اليوم ذاكر لله عز وجل ، فإن قال : نعم سر به ، ثم قرأ عبد الله ابن مسعود : وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلدًا ، لقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدًّا ، أَنْ دَعَوْا للرَّحْمَنِ وَلدً ا قال : أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير ) ، ويروي أيضا عن أنس بن مالك قال : ( ما من صباح ولا رواح إلا تنادي بقاع الأرض بعضها بعضا : يا جاره ، هل مر بك اليوم عبد فصلي لله أو ذكر الله عليك ؟ فمن قائلة : لا ، ومن قائلة : نعم ، فإذا قالت : نعم ، رأت لها بذلك فضلا عليها ) .
ومن المعلوم في الفطرة السليمة أن العاقل هو الحريص على جلب المنفعة وتحصيلها وحب الخيرات وتفضيلها ، ولا نجد عاقلا يفضل الخير الأدنى على الخير الأعلى ، والعاقل أيضا حريص على دفع المضرة وإبعادها ، كما أنه يتحمل ضرراً أدني ليحصِّل منفعة أعلى ، ويضحي بالقليل ليحصِّل الكثير ، ويحرص بفطرته على الباقي ويزهد بسليقته في الفاني ، فالمريض يتحمل مرارة الدواء من أجل إدراك الشفاء .
هذه أوصاف العقلاء النابعة من الفطرة السليمة ، ومن هنا كانت دعوة الإسلام دعوة عظيمة ، لأنها بنيت على إيثار ما عند الله وطلب الجنان ، والبعد عن كل ما يقرب من النيران ، فليس بعد نعيم الجنة من خير ، وليس بعد عذاب النار من شر ، روي مسلم من حديث أَنَسِ بْنِ مَالكٍ ، قَال رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم : ( يُؤْتَي بِأَنْعَمِ أَهْل الدُّنْيَا مِنْ أَهْل النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَل رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَل مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لا وَاللهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَي بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْل الجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَة فِي الجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لهُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَل رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَل مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ ، فَيَقُولُ : لا وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ) ، وقال تعالى : بَل تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا ، وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَي إِنَّ هَذَا لفِي الصُّحُفِ الأُولي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَي .
والقرآن يخبرنا أن المعرض عن ربه يعترف بذنبه ويقر على نفسه بأن الله منحه غريزة العقل لكنه لم ينتفع بها ، وأنه لم يكن عاقلا حين فضل دنياه على أخراه ، وتجاهل العذاب الذي أعده الله للعصاة ، فقال تعالى : إِذَا أُلقُوا فِيهَا سَمِعُوا لهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ، تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الغَيْظِ كُلمَا أُلقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلهُمْ خَزَنَتُهَا أَلمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلي قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلنَا مَا نَزَّل اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ ، وَقَالُوا لوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ، فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ السَّعِيرِ .
فحديثنا بإذن الله تعالى يدور حول بداية الكون ونشأة الإنسان ، وقد تكلمنا في المقال الماضي عن أعظم سؤال يتردد على الأذهان ، ما الذي يتميز به الإنسان عن الحيوان ، أو ما هي الميزة التي تجعل الإنسان منفردا عن غيره من الكائنات ؟ أو ما هي قيمة الإنسان بين سائر المخلوقات ؟ تلك القيمة التي جعلته أعلى منزلة من غيره ، يستفيد ممن حوله ولا يستفاد منه ؟ وبينا أن الناس في ذلك مختلفون ، فمنهم من قال تميز الإنسان عن سائر الكائنات بأنه حيوان ناطق يتكلم بأجود الكلمات وأبلغ العبارات ويحسن التعبير عما يجول في صدره من نوازع وخطرات ولا نسمع ذلك من بقية الكائنات ؟
وعلمنا أنه من بداهة العقل ألا نقبل القول بأن الإنسان تميز عن غيره بأنه حيوان ناطق ، لأن ذلك يخالف العقل الصريح ويعارض النقل الصحيح ، فالقرآن يثبت بلا لبث أو غموض أن الإنسان لا يتميز عن الحيوان في إمكانية النطق والبيان ؟ فالله تعالى يقول : تُسَبِّحُ لهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَليمًا غَفُورًا الإسراء/44 .
وقد علمنا كيف أبدعت النملة في خطابها ، ولماذا أدرك سليمان كلامها وتبسم ضاحكا من قولها ، وكيف أخبر الهدهد عن بلقيس وشركها ، وكيف تكلمت البقرة وأنكرت على راكبها ؟
وقد تساءلنا وقلنا : إذا لم يكن الإنسان متميزا عن غيره بالنطق والكلام ، فهل يتميز بأنه عاقل حكيم يحرص على نفعه ويدفع عن نفسه ما يضره ؟ وعلمنا أنه من جهة العقل نجد أن الإنسان لا ينفرد عن هذه المخلوقات بوصف العقل ، بل يمكن القول إنه عند القياس أقل من غيره نصيبا وأكثر معيبا ، وعرفنا المقصود بالعقل ؟ وأنه آلة غيبية مغروزة في الجانب الغيبي من قلب الإنسان لا نعرف كيفيتها ولكن نتعرف على وجودها ووجود أوصافها من خلال أفعال الإنسان في ظاهر البدن ، واليوم نستكمل الحديث في إثبات العقل لدي كثير من المخلوقات فهي أيضا لها آلة غيبية مجهولة الكيفية مغروزة فيها ، تميز بها بين ما ينفعها وما يضرها ، ولديها قدرات عجيبة في التمييز والإحساس ، لا فرق بينها وبين أغلب الناس ، فالنملة مثلا لو وضعتها في إناء ، فيه قطرة من ماء ، ونظرت إلي حركتها ، وتأملت طريقتها في الخلاص من الهلاك ، لرأيتها تدبر أمرها بطريقة لا تقل عن سائر العقلاء ، كيف تتمكن النملة في حساباتها من الابتعاد عن قطرة الماء ؟ ولماذا تبتعد عن الهلاك كالإنسان سواء بسواء ؟ كيف علمت أن الماء يغرقها ويهلكها ؟ .
هذه النملة الضعيفة لديها من الفطنة والحيلة في جمع قوتها وادخاره وحفظه ودفع الآفة عنه ما يعجز عن تدبيره عقل الإنسان ، فإنك تري في ذلك عبرا وآيات ، فتري جماعة النمل إذا أرادت تحصيل قوتها ، خرجت بأسرابها ورسمت لنفسها طريقين ، طريق للنمل الذي يحمل الطعام إلي مساكنها ، وطريق لعودة النمل إلي الحبوب في أماكنها ، يسيرون في طريقين باتجاهين مختلفين ، يراهما الإنسان خطين مرسومين ليس فيهما تجاوز أو اختلاط ، كأنه طريق مزدوج تسير فيه السيارات ، كثير من البشر اعتاد على قطع الإشارات وعكس الاتجاهات ، وتعمد ارتكاب المخالفات ، ولا تجد ذلك في أمة النمل ، ولو حدث حادث لنملة ولم تقو على حمل الحبة لثقلها عليها اجتمعت عليها جماعة من النمل وقمن بالواجب المطلوب ، كما يتعاون الإنسان مع أخيه الإنسان في حمل الشيء الثقيل .
يذكر ابن القيم أنه من عجيب ما ورد في عقل النمل وفطنته ، أنها إذا نقلت الحب إلي مساكنها كسرته لئلا ينبت ، فإن كانت الحبة فيها فلقتان ، كل فلقة تنبت بذاتها كسرته أربعا ، فإذا أصابه ندا أو بلل وخافت عليه الفساد ، أخرجته للشمس ثم ترده إلي بيوتها ، ولهذا تري في بعض الأحيان حبوبا كثيرة مكسورة على أبواب مساكن النمل ، ثم تعود عن قريب فلا تري شيئا من ذلك .
يروي ابن القيم عن بعض الصالحين أنه كان جالس على الأرض يتأمل سلوك النمل وقدرة الخالق في تكونه ، فشاهد منهن عجبا ، يقول : رأيت نملة جاءت إلي جرادة صغيرة فحاولت حمله فلم تستطع ، فذهبت غير بعيد ثم جاءت معها بجماعة من النمل ، يقول : فرفعت الجرادة من الأرض ، فلما وصلت النملة مع أخواتها إلي مكان الجرادة دارت حوله فلم تجده ، ودرن معها يبحثن عن الجرادة فلم يجدن شيئا ، فتركنها وانصرفن كأنهن اتهمنها بالكذب والعبث واللعب وتضيع الأوقات ، يقول : فوضعت الجرادة على الأرض ، فوجدته النملة فحاولت حمله فلم تستطع ، فذهبت غير بعيد ثم جاءت معها بجماعة من النمل ، قال : فرفعت الجرادة من الأرض ، فلما وصلت النملة مع أخواتها إلي مكان الجرادة دارت حوله فلم تجده ، ودرن معها يبحثن عن الجرادة فلم يجدن شيئا ، فتركنها وانصرفن يقول : فوضعت الجرادة على الأرض مرة أخرى ، فوجدته النملة فحاولت حمله فلم تستطع ، فذهبت غير بعيد ثم جاءت معها بجماعة من النمل ، فرفعت الجرادة من الأرض ، فلما وصلت النملة مع أخواتها إلي مكان الجرادة دارت حوله فلم تجده ، ودرن معها يبحثن عن الجرادة فلم يجدن شيئا ، فلما لم يجدن شيئا تحلقن حلقة ، وجعلن تلك النملة في وسطها ، ثم تحاملن عليها ، فقطعنها عضوا عضوا حتى ماتت وأنا انظر .
سبحان الله المخلوقات لديها وعي وعقل وإدراك وتمييز حتى النبات ، اسأل نفسك : ما الذي يجعل النبات يميل إلي ضوء الشمس دائما ؟ وكيف يقوم بحساب حساسية الضوء في مكانه وكيف أدرك ضرورته لإتمام عملية البناء الضوئي ؟ وكيف يحسب الطائر عوامل الاتزان في الهواء أثناء الطيران ؟ أليست لديه تكنولوجيا أرقي وأعلى من عقل الإنسان ؟ هل تري أنه درس في معاهد الطيران ؟ أم تري أنه يجهل قوانين الحركة لنيوتن ، ولا يعلم أن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه ؟
اسأل نفسك من هذا القبيل عن جميع الأشياء من حولك حتى تتأكد أن الإنسان ليس وحده العاقل ؟ بل يمكن القول إن الإنسان أقل من غيره عقلا ، وأردأ في حساباته العقلية ، ويمكن لحيوان صغير أن يخدع الرجل الكبير ، وروي من هذا القبيل الكثير والكثير في تاريخ الحيوان ، يذكر ابن القيم في ذكاء الثعلب أن رجلا كان معه دجاجتان ، فاختبأ الثعلب له ، وخطف إحداهما وفر ، ثم أعمل الثعلب فكره في أخذ الأخرى ، فظهر لصاحبها من بعيد ، وفي فمه شيء شبيه بالدجاجة ، وأطمع الرجل في استعادة الدجاجة ، بأن ترك ما في فمه وفر ، فظن الرجل أنها الدجاجة فأسرع نحوها وترك الأخرى وخالفه الثعلب في خفية فأخذها وذهب .
يقول ابن القيم : ( وكثير من العقلاء يتعلم من الحيوانات البهم أمورا تنفعه في معاشه وأخلاقه وصناعته وحربه وحزمه وصبره ، وهداية الحيوان فوق هداية أكثر الناس قال تعالى : أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ بَل هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا .
ولا يمكن لمن يعلم أسس الحساب من أصحاب العقول ، أن يجعل محصول جمع الدرهمين أو الثلاثة درهما واحدا ، لكن العجب أنه مقبول عند كثير من المنتسبين إلي العقول ، فيشركون بالله ويجعلون الإله اثنين أو ثلاثة ، إن العقل السليم لا يقبل الشرك ولا يرضاه ، فمن المحال عند العقلاء أن يكون الخالق إلهين اثنين متعادلين في وصف القدرة ، لأنه إذا أراد أحدهما شيئا ولم يرده الآخر ، فلا بد عند التنازع من غالب وخاسر ، وسيعود الأمر إلي قوي قادر ، والآخر مربوب مقهور عاجز ، قال الله تعالى : مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذًا لذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِمَا خَلقَ وَلعَلا بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وقال أيضا : أَمْ اتَّخَذُوا آلهَةً مِنْ الأرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ، لوْ كَانَ فِيهِمَا آلهَةٌ إِلا اللهُ لفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ .
وقد ذكر الله في القرآن رأي من خالف الإنسان ، وأنكر عليه اتخاذ الولد للرحمن ، وبين أن هذه المخلوقات يرفضن ذلك بشدة ، فقال سبحانه وتعالي : وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلدًا ، لقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدًّا ، أَنْ دَعَوْا للرَّحْمَنِ وَلدًا ، وَمَا يَنْبَغِي للرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلدًا ، إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ، لقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ، وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدً ا .
أليست هذه هي المخلوقان التي خيرها الله في حمل الأمانة فقال : إِنا عَرَضْنَا الأمانَةَ على السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالجِبَال فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا .
روي ابن جرير الطبري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : ( إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين ، وكادت أن تزول منه لعظمة الله وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين ) وفي رواية أخرى ( اقشعرت الجبال وما فيها من الأشجار ، والبحار وما فيها من الحيتان ، وفزعت السماوات والأرض والجبال وجميع المخلوقات إلا الثقلين وكادت أن تزول ) .
ويروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : ( إن الجبل يقول للجبل : يا فلان هل مر بك اليوم ذاكر لله عز وجل ، فإن قال : نعم سر به ، ثم قرأ عبد الله ابن مسعود : وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلدًا ، لقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدًّا ، أَنْ دَعَوْا للرَّحْمَنِ وَلدً ا قال : أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير ) ، ويروي أيضا عن أنس بن مالك قال : ( ما من صباح ولا رواح إلا تنادي بقاع الأرض بعضها بعضا : يا جاره ، هل مر بك اليوم عبد فصلي لله أو ذكر الله عليك ؟ فمن قائلة : لا ، ومن قائلة : نعم ، فإذا قالت : نعم ، رأت لها بذلك فضلا عليها ) .
ومن المعلوم في الفطرة السليمة أن العاقل هو الحريص على جلب المنفعة وتحصيلها وحب الخيرات وتفضيلها ، ولا نجد عاقلا يفضل الخير الأدنى على الخير الأعلى ، والعاقل أيضا حريص على دفع المضرة وإبعادها ، كما أنه يتحمل ضرراً أدني ليحصِّل منفعة أعلى ، ويضحي بالقليل ليحصِّل الكثير ، ويحرص بفطرته على الباقي ويزهد بسليقته في الفاني ، فالمريض يتحمل مرارة الدواء من أجل إدراك الشفاء .
هذه أوصاف العقلاء النابعة من الفطرة السليمة ، ومن هنا كانت دعوة الإسلام دعوة عظيمة ، لأنها بنيت على إيثار ما عند الله وطلب الجنان ، والبعد عن كل ما يقرب من النيران ، فليس بعد نعيم الجنة من خير ، وليس بعد عذاب النار من شر ، روي مسلم من حديث أَنَسِ بْنِ مَالكٍ ، قَال رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم : ( يُؤْتَي بِأَنْعَمِ أَهْل الدُّنْيَا مِنْ أَهْل النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَل رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَل مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لا وَاللهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَي بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْل الجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَة فِي الجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لهُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَل رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَل مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ ، فَيَقُولُ : لا وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ) ، وقال تعالى : بَل تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا ، وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَي إِنَّ هَذَا لفِي الصُّحُفِ الأُولي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَي .
والقرآن يخبرنا أن المعرض عن ربه يعترف بذنبه ويقر على نفسه بأن الله منحه غريزة العقل لكنه لم ينتفع بها ، وأنه لم يكن عاقلا حين فضل دنياه على أخراه ، وتجاهل العذاب الذي أعده الله للعصاة ، فقال تعالى : إِذَا أُلقُوا فِيهَا سَمِعُوا لهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ، تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الغَيْظِ كُلمَا أُلقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلهُمْ خَزَنَتُهَا أَلمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلي قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلنَا مَا نَزَّل اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ ، وَقَالُوا لوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ، فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ السَّعِيرِ .