المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يمكن الوصول إلى الحقيقة؟؟



الورّاق
10-04-2012, 10:29 AM
السؤال هل يمكن الوصول للحقيقة ؟ وهل يمكن الوصول لجميع الحقائق؟ وكيف يتم الوصول للحقيقةماهو الطريق او المنهج الموصل لها؟

الرد:

يمكن الوصول للحقيقة وإلى جميع الحقائق بحسب ما أوتي الإنسان من نطاق محدد لمعرفة الحقيقة، لا يمكن أن يتعداه لكنه يكفيه فيما يتعلق بمشاكله وحياته ، قال تعالى {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً}.
أما المعرفة الكاملة في أي شيء فهذا ليس للإنسان ، ولا يوجد شيء واحد يعرفه الإنسان بالكامل ، لكن يعرف منه ما يكفيه ، نحن نعرف العقل لكننا لا نعرفه بنفس الوقت! ومع ذلك نستفيد منه ونعتمد عليه ، نحن نعرف المشاعر ولا نعرفها بنفس الوقت! لكننا نستطيع أن نتعامل معها ، نحن كبشرية نعرف القوانين الطبيعية ونقيم علمنا على أساسها لكننا لا نعلم ماهيتها ولا لماذا لم تكن قوانينها أخرى غيرها! لأننا لا نعرف، نحن نعرف المادة ولا نعرفها بنفس الوقت! فلا نعرف كيف جاءت قوانينها ولا من أين جاءت ولا ما هو أبعد من ذراتها، ومع ذلك نتعامل معها ونستطيع أن نعرف عنها ما يتعلق بحياتنا البشرية وهي حقائق أسميناها بـ "حقائق العلم المادي" ، ومن يتشكك فيها فعليه أن يخالفها إن استطاع!
إذاً توجد حقيقة ولا توجد بنفس الوقت!! فالعلم الكامل لله ، إذا تجاوزنا خيال الماديين والملاحدة الشاطح بأن المختبر المادي يوماً من الأيام سوف يعرف الحقائق الكاملة عن كل شيء ، بينما مادة المختبر نفسها غير مفهومة بالكامل إلا بالقدر الذي نستفيد بها منها .
إن جعلنا أنفسنا بشراً نقول : توجد معرفة وحقائق موهوبة لنا نستفيد منها ولا نحيط بها ، وإذا نصبنا أنفسنا آلهة فسنكون آلهة لكن بلا علم؛ لأنها تريد أن تعرف كل شيء بالكامل أو ترفض المعرفة بالكامل ، وهذا ما ذهب إليه الإلحاد في آخر المطاف حيث يشكك في العلم والعقل ، أي: آلهة بدون علم ولا حتى قليل، لأنهم يتشككون في العلم والمنطق ولا يقرون بوجود حقائق مطلقة، أي: يتشككون بوجود الحقيقة نفسها ونسبية كل شيء ، لكن لا يتشككون بوجود أهوائهم أبداً ولا أهميته.
أما سؤالك عن كيفية الوصول للحقيقة: فأول شرط هو اختيار الحق على الباطل- والخير على الشر- والجمال على القبح ، ولا أقول التجرد الكامل ، لأن التجرد الكامل وهم، ولو كان لكان بلا دافع، أي أن التجرد الكامل لا يدلنا على الحقيقة .
بل محبة الحق والخير والجمال ويجمعها محبة الله هي الدافع إلى المعرفة ، فمن أحب الله سلك طريق الحقيقة والبحث عنها ، وكذلك من أحب الحق والخير والجمال سلك طريق الله الموصل للمعرفة الحقيقية وليست المفبركة، كنظريات التطور والأكوان المتعددة وما شابه ذلك من غير العقلانيات .
أما صاحب الهوى فلن يعرف أبداً إلا هواه ولا يعرف حتى كيف يشبعه ، وسوف يضر نفسه من حيث أراد مصلحتها ، مهما اغتر الإنسان وطالت بناياته وطائرته فليس في حقيقته إلا عبد لخالق أعظم آتاه بعض العلم ليختبره، ولو لم يكن هناك إله لربما أمكنت المعرفة الكاملة .
لا شيء نعرفه أكثر من ذواتنا ، وفي الحقيقة أكثر شيء نجهله هو ذواتنا! نحبها ولا نعرفها! نحب ولا نعرف ما هو الحب! نتذوق الجمال ولا ندرك ما هو الجمال!! هل رأيت أننا عبيد ولا يمكن أن نكون آلهة؟! لأن أكثر شيء نعرفه هو أكثر شيء نجهله . إنه تسخير الله عندما أعطانا هذا الشعور –رحمة منه- الذي يجعلنا نحس بالمعرفة بينما نحن في الحقيقة لا نعرف ، وإلا لقتلنا الخوف والتشكك حتى من أنفسنا .
عندما تقول "أنا" تقولها بملئ فمك ، لكن لو سألك طفل متفلسف : أرني هذا الأنا؟ وأين مكانه في جسمك؟ وما هو؟! وأي شيء في جسمك تقصد عندما تقول "أنا" ؟ وهل هو في جسمك أو خارجه؟؟ لأن هناك من استؤصلت أجزاء من جسمهم ولا تزال الأنا عنده لم تنقص!!
إذا نظرنا إلى الكامل والكلي فنحن لا نعرف شيئاً ، وإذا نظرنا إلى ما يتعلق بوجودنا وحياتنا نجد أننا نستطيع أن نعرف الكثير من ذلك القليل من العلم، لكنها كلها معرفة ناقصة وإن كانت معرفة لا تتشكك في أنها معرفة، فعندما تقول "أنا" فأنت ميّزت شيئاً عن أشياء ، لكن ما هو هذا الشيء بتفاصيله؟؟ لا تعرف .
لا حظ دقة الآية {وما أوتيتم من العلم ...} تدل على السعة ، لكن "من" تفيد التبعيض ، أي: بعضاً من كل العلم – شيئاً من كل شيء ، لكن معرفة كل شيء عن كل شيء فهذا أمر مستحيل أن يصل إليه البشر وليس مسألة وقت ، لأن العقل منحة مجهولة محددة ، وهو وسيلتنا للمعرفة ، أي: نحن نجهل حقيقة وماهية ما نعرف به ، فهل بعد هذا تتفاءل بأن العلم سيعرف كل شيء ما دام لم يعرف ولا حتى وسيلته بالمعرفة؟ فاقد الشيء لا يعطيه .
أما المنهج الموصل للحقيقة فهو حب الحق وكراهية الباطل صغيراً أو كبيراً- قليلاً أو كثيراً- معنا أو ضدنا ، من اختار هذا الاختيار فسيكون الله معه ، قال الله تعالى عن الكفار المعاندين المعرضين عن الحقيقة {ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم} ، فالله يهدي الضال الباحث عن الهداية ، لكنه لا يهدي الضال الذي يكره الهداية ويحب العمى على النور لأجل مصالح وشهوات عاجلة يتوقع أنها ستسعده بينما الحقيقة ليست كذلك؛ لأنه طلبها دون أن يطلب الحقيقة ، والحقيقة هي التي تسعد ، والسعادة مرتبطة بالحقيقة ، والشقاء مرتبط بالباطل .
لاحظ أن أي خطأ نتهاون به يأخذ حقه منا ، فما بالك إذا أخطأنا في الحقائق الكبرى فلابد أنها ستأخذ حقها منا وبشدة أكبر ، كل شيء منضبط ومحكوم ولا مكان للفوضى كما يتمنى الملاحدة المؤمنون بالعبثية واللاهدف من الوجود ، بينما الحقائق الصغيرة تنتقم منهم ، كأن تهمل في قيادة السيارة أو إغلاق محبس الغاز ....الخ ، فما بالك بالحقائق الكبرى؟؟! كالظلم والكذب على الله وإنكار وجوده وظلم الحقائق والتهاون بها والتشكيك بها .
ولنتذكر دائماً أن الأخطاء الصغيرة تنتقم منا لأنها تعتمد على حقائق ، ولهذا فطلب الحقيقة والفلسفة الباحثة عن الحق واجب وفريضة وليست من الترف الفكري كما يتصور الكثيرون ، ما دام مفتاح الباب يعاقبنا إذا أخطأنا ونسيناه داخل الغرفة فما بالك بخالق الكون وتجرؤهم عليه؟! وكلاهما حقائق دل عليها الحس والمنطق ، هم احترموا حقيقة المفتاح ولم يحترموا حقيقة خالق أوجد الوجود ونظمه وهم يعرفون أنهم ليسوا هم من فعل ذلك!
والعقل يشير على أن الإله حقيقة كبرى ، إذاً سيتحقق قوله تعالى {إنا من المجرمين منتقمون} الظانين بالله ظن السوء والقائلين على الله إنكاراً وجحوداً بغير علم ولا إله بديل .

طالبة علم و تقوى
10-04-2012, 01:30 PM
مجرد فهم الإنسان و إدراكه بوضوح لمعنى الحقيقة و إستقرار دلالتها و تأثيرها على نفسه بل و إجماع فهم العقلاء قاطبة لها ! لهو أكبد دليل أن لها وجودا و أن الإنسان كائن قادر على أن يهتدي إليها لا محالة ، و كل من يشككون في وجودها و يقطعون بنسبيتها على مذهب السفسطائين و اللائدريين أو ممن على شاكلتهم من السفهاء المُصابين بداء جنون العقلاء و الفطرة المطموسة : ليهدمون بنائهم الفكري من الداخل لو فقهوا ! لو تكفلوا قبل التفلسف بإستيعاب ماهية مصطلحاتهم المركبة في المعاني التي ينادون بها .. لو بذلوا بعض طاقة تفكير قليلـــــــة قبل الدعوة بنسبية الحقيقة في أفكار يريدون منها " تنوير " الناس إلى معلومة (حقيقيّة) بكشفهم " لنسبية " الحقيقة كحقيقة مطلقة !! ..تأمل الكفر و السفسطة ما تُصيره بالعقول !

أما عن خلط القُدرة على الإهتداء للحق و شرط الإحاطة بالحقائق كلها و الماهيات و قدرة الإنسان الطبيعية المتفق عليها على إكتساب معارف لهو شرط سفيه آخر ...هذه ليست و لن تكون إلا العلي العليم الخبيرصاحب العلم المطلق و المعارف جميعها و الحافظ لها ..وليتأمل المُدعي بخلاف هذا فقط في أن عددا من " الحقائق " التي لا يتسرب لها شكه كوجود نفسه و أحاسيسه و خلجاتها إنما يُكابدها فقط في قسمٍ كبير من وعيه بها فتتكلّف حواسه الجارحة تزويده بتصورات عنها و يمنحه عقله اليقين بتفاسير منطقية عن وجودها إنطلاقا من مبادئ و بديهيات أولية رُكبت هي دورها منحة من الخالق الوهاب علّه يهتـــــــدي للحق سُبحانه بِفضل منه ..

للإنسان نصيب في إكتساب المعارف خصوصا تلك التي ذُللّت لفهمه أجــــل لكن ! ليس أبدا الإحاطـة " المطلقة " بها فضلا عن كلها ..و هنا يحضرني كلام ربي في أعظم آية في القرآن : " وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء " و أيضا الآية الكريمة " قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ " ..

أما عن منهج الوصول للإهتداء للحقيقة و الحق فيكفي الحفاظ على الفطرة السليمة و على عقل يُفكير بطريقة سليمة ولو مستوى متوسط ! و هي نِعَمٌ تكفل الله بخلقها و منحها لكل آدمي يأتي دوره فقط في الحفاظ عليها كما أسلفت ، و خصوصا ! التجرد كل التجرد من الهوى و نوازع النفس و الميل لحظوظها مما تطيب له من فتن الحياة الدنيا بجميع ألوانها ذلك العائق الأكبر ! هنا و هنا فقط يصبح الإهتداء للحق أسهل مما يتصور ..إن الله يهدي من يشاء ، الله الخبير العليم بحقيقة القلوب ما تسر و ما تعلن ..

و آخر دعوانا اللهم يا هادي إهدنا للحق و اجعلنا أهلا له و ثبتنا عليه يا مُقلب القلوب .

بارك الله في صاحب الموضوع و طرحه المتميز و الرد الجيد ، جزاك الله خيرا

ابو ذر الغفارى
10-04-2012, 03:11 PM
بارك الله فيك أخانا الفاضل على هذا الطرح الرائع