مالك مناع
10-09-2012, 03:27 PM
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن لهداه اقتفى . أما بعد:
فاعلم – يا رعاك الله – أن القلب إذا خامرته الشبهة ممزوجة بالهوى قطعته عن الإدراك بغشاوة السُكر. وعلامة سُكْر القلب: اضطراب أقواله وأعماله وحاله من جهة، وانغلاقه الفكري عن محيطه من جهة ثانية . ومن هنا ينشأ (التفكير الرَّغَبي)، وهو عبارة عن مزاج فكري تولد من ميل نفسي أوجبته علل قلبية .
لأن سُكْرَه بخمرة الهوى أعمى بصيرته عن الواقع، فصدرت منه التصرفات موافقة لمقتضى ميله النفسي ورغبته بلا مراعاة للحق الواجب في الواقع . فهو يعمل منقاداً للحظ، لا استجابة للحق – تصوراً وإرادة –، فنظره وفكره يتبع ميله ورغبته .
والسر في ذلك : أن القلب فيه موضع التحكم بالصادرات القولية، والعملية من العبد، وهذا الموضع هو مصدر (الإيعازات السلطوية) في القلب، التي تأتمر بأمرها الأعضاء والجوارح .
وهذه الإيعازات صادرة من (الإرادة)، وهي القوة العملية في القلب، وأصل منشئها ومادة انبعاثها – قوةً وضعفاً، سداداً وغياً – القوة العلمية القلبية، التي هي موضع (النظر والتفكير) في القلب الذي هو أصل (علم القلب)، ومنشأ كل حركة إرادية قلبية وبدنية .
وحقيقة سُكْرِ القلوب: يبدأ من أول مراحل التفكير الرّغبي بنفثة هوى نفسية أو شيطانية منتهياً إلى إطباق سكره وعماه على بصيرة العبد وقصده .
وتبدأ هذه المراحل: بطور ( تسلل الهوى ) إلى مركز القيادة، والتوجيه ( القلبي )، فلا يزال ينبعث الهوى إلى القلب بتزيين (النفس والشيطان) حتى يتسلم زمام قيادته، ويتم له نفوذ كلمته، ويلبس القائد الجديد تاج مملكته معلناً بسط سلطته .
داخلاً بعدها إلى الطور الثاني ، وهو مرحلة (ولادة المزاحم)، فعندها تنعدم، أو تضعف سيطرة المعارف القلبية (الفطرية، والشرعية) على الإرادة منشأ الأعمال الاختيارية البدنية؛ لوجود المزاحم (التصورات الرغبية)، وهو ما يعرف ( بفساد الإرادة، والقصد ) الناشئ من أحد سببين:
إما من غفلة مُنسية .
وإما من هوى مُطغٍ .
والسبب الأول موجب للعصيان، والسبب الثاني موجب للسكر القلبي .
فيصبح (الحاكم الفعلي) فيه ما يصوره الهوى، إذ ينشأ تخيل ذهني متسلط يبعث القناعات والمفاهيم كالقيود والسلاسل تقيد (التصورات القلبية) بما يريده ويهواه، فإذا استحكمت (المفاهيم الوليدة) أورثت النشوة القلبية التي توجب الختم والطبع على القلوب، ولا حيلة للعباد مع صاحبها إلا الاستعانة بالله، والصبر على بلواه .
وهذا هو الطور الثالث ، وهو مرحلة (الانشغال التام) بمنح (الهوى) صبغة عبودية، فتصبح إرادة القلب في أسر الهوى النفسي وسجنه، متطلعة لرضاه، تعمل في ظله على ما يحبه ويرضاه .
وهنا ينعزل (المَفْتون) عن الواقع ويدرك كل من رآه أنه في الفتنة واقع . فينشأ عنده خلل في تصور الواقع، يقوده إلى الكذب في تصويره والإخبار عنه، والظلم في الحكم عليه، والتعامل معه .
ثم تنقله (النفس والشيطان) إلى طور رابع حتى يحكم القيادة، ويجمع جنوداً للحماية، وهذا الطور هو مرحلة (العناد)، فيستكثر من جند الضلالة من المتشابهات، والمجملات .
فيعمد إلى تتبع المتشابهات، وتحريف المحكمات، فيكون مصدقاً بالباطل، مكذباً بالحق . وهذه المرحلة يُؤَسسُ لها على قاعدة (اعتقد ثم استدل) .
و(آلة المعاند) في (صراعه): (الجدل العقيم)، فهو سيفه الضارب لخصومه، وعروسه المزينة لـ(حلفائه) من أقرانه، (وخلفائه) من أتباعه .
فالباعث له على الصراع الانتصار للنفس والهوى، لا طلب الحق والهدى . فلهذا تدخل الأمة (معه) في دوَّامة الفتنة، ويكون أهل الحق منه في محنة .
ثم تكون العقوبة بدخوله طوراً خامساً، هو مرحلة (الافتراق المطبق)، فعند التمادي بالعناد تتولد العداوة والبغضاء، التي لا تترك موضعا لوئام، ولا مجالاً لائتلاف. فيستحكم الافتراق والاختلاف .
وعندها يكثر البغي بتضييع الواجبات ، وانتهاك المحرمات، وحصول التحزبات والتكتلات .
ثم تختم هذه الأطوار بمرحلة (الكبر اليهودي)، وهو استعلاء غضبي، يتمنع به صاحبه من الحق، وهو أخطر وأشنع وأقبح انعكاس لـ(التفكير الرّغبي)، فكل من اعتقد شيئاً فجعله أصلاً حاكماً يرد به الأدلة، ويتبع لأجله الشبه تكذيباً بالحق، وتصديقاً بالباطل فهو من جنس اليهود مستحق للغضب .
والمقصود: أن التفكير الرّغبي عبارة عن مرض قلبي يفسد علمه وإرادته، ويورث صاحبه الجهل المركب بتكذيبه الحق، وظلمه الخلق، ويثمر الاختلاف والشتات، وحب تتبع المتشابهات، ويدعو إلى البغضاء والعداوات، والافتراق والخصومات . حتى ينتهي بصاحبه إلى رد الحق كبراً، وظلم الخلق بغياً. وهو في كل هذا وذاك يفكر إرضاء لنفسه، لا طاعة لربه .
ومآل هذا (التفكير): جهل وتكذيب بالشرع، وظلم وجهل بالواقع، وفتنة ومحنة لأهل الإسلام .
فاعلم – يا رعاك الله – أن القلب إذا خامرته الشبهة ممزوجة بالهوى قطعته عن الإدراك بغشاوة السُكر. وعلامة سُكْر القلب: اضطراب أقواله وأعماله وحاله من جهة، وانغلاقه الفكري عن محيطه من جهة ثانية . ومن هنا ينشأ (التفكير الرَّغَبي)، وهو عبارة عن مزاج فكري تولد من ميل نفسي أوجبته علل قلبية .
لأن سُكْرَه بخمرة الهوى أعمى بصيرته عن الواقع، فصدرت منه التصرفات موافقة لمقتضى ميله النفسي ورغبته بلا مراعاة للحق الواجب في الواقع . فهو يعمل منقاداً للحظ، لا استجابة للحق – تصوراً وإرادة –، فنظره وفكره يتبع ميله ورغبته .
والسر في ذلك : أن القلب فيه موضع التحكم بالصادرات القولية، والعملية من العبد، وهذا الموضع هو مصدر (الإيعازات السلطوية) في القلب، التي تأتمر بأمرها الأعضاء والجوارح .
وهذه الإيعازات صادرة من (الإرادة)، وهي القوة العملية في القلب، وأصل منشئها ومادة انبعاثها – قوةً وضعفاً، سداداً وغياً – القوة العلمية القلبية، التي هي موضع (النظر والتفكير) في القلب الذي هو أصل (علم القلب)، ومنشأ كل حركة إرادية قلبية وبدنية .
وحقيقة سُكْرِ القلوب: يبدأ من أول مراحل التفكير الرّغبي بنفثة هوى نفسية أو شيطانية منتهياً إلى إطباق سكره وعماه على بصيرة العبد وقصده .
وتبدأ هذه المراحل: بطور ( تسلل الهوى ) إلى مركز القيادة، والتوجيه ( القلبي )، فلا يزال ينبعث الهوى إلى القلب بتزيين (النفس والشيطان) حتى يتسلم زمام قيادته، ويتم له نفوذ كلمته، ويلبس القائد الجديد تاج مملكته معلناً بسط سلطته .
داخلاً بعدها إلى الطور الثاني ، وهو مرحلة (ولادة المزاحم)، فعندها تنعدم، أو تضعف سيطرة المعارف القلبية (الفطرية، والشرعية) على الإرادة منشأ الأعمال الاختيارية البدنية؛ لوجود المزاحم (التصورات الرغبية)، وهو ما يعرف ( بفساد الإرادة، والقصد ) الناشئ من أحد سببين:
إما من غفلة مُنسية .
وإما من هوى مُطغٍ .
والسبب الأول موجب للعصيان، والسبب الثاني موجب للسكر القلبي .
فيصبح (الحاكم الفعلي) فيه ما يصوره الهوى، إذ ينشأ تخيل ذهني متسلط يبعث القناعات والمفاهيم كالقيود والسلاسل تقيد (التصورات القلبية) بما يريده ويهواه، فإذا استحكمت (المفاهيم الوليدة) أورثت النشوة القلبية التي توجب الختم والطبع على القلوب، ولا حيلة للعباد مع صاحبها إلا الاستعانة بالله، والصبر على بلواه .
وهذا هو الطور الثالث ، وهو مرحلة (الانشغال التام) بمنح (الهوى) صبغة عبودية، فتصبح إرادة القلب في أسر الهوى النفسي وسجنه، متطلعة لرضاه، تعمل في ظله على ما يحبه ويرضاه .
وهنا ينعزل (المَفْتون) عن الواقع ويدرك كل من رآه أنه في الفتنة واقع . فينشأ عنده خلل في تصور الواقع، يقوده إلى الكذب في تصويره والإخبار عنه، والظلم في الحكم عليه، والتعامل معه .
ثم تنقله (النفس والشيطان) إلى طور رابع حتى يحكم القيادة، ويجمع جنوداً للحماية، وهذا الطور هو مرحلة (العناد)، فيستكثر من جند الضلالة من المتشابهات، والمجملات .
فيعمد إلى تتبع المتشابهات، وتحريف المحكمات، فيكون مصدقاً بالباطل، مكذباً بالحق . وهذه المرحلة يُؤَسسُ لها على قاعدة (اعتقد ثم استدل) .
و(آلة المعاند) في (صراعه): (الجدل العقيم)، فهو سيفه الضارب لخصومه، وعروسه المزينة لـ(حلفائه) من أقرانه، (وخلفائه) من أتباعه .
فالباعث له على الصراع الانتصار للنفس والهوى، لا طلب الحق والهدى . فلهذا تدخل الأمة (معه) في دوَّامة الفتنة، ويكون أهل الحق منه في محنة .
ثم تكون العقوبة بدخوله طوراً خامساً، هو مرحلة (الافتراق المطبق)، فعند التمادي بالعناد تتولد العداوة والبغضاء، التي لا تترك موضعا لوئام، ولا مجالاً لائتلاف. فيستحكم الافتراق والاختلاف .
وعندها يكثر البغي بتضييع الواجبات ، وانتهاك المحرمات، وحصول التحزبات والتكتلات .
ثم تختم هذه الأطوار بمرحلة (الكبر اليهودي)، وهو استعلاء غضبي، يتمنع به صاحبه من الحق، وهو أخطر وأشنع وأقبح انعكاس لـ(التفكير الرّغبي)، فكل من اعتقد شيئاً فجعله أصلاً حاكماً يرد به الأدلة، ويتبع لأجله الشبه تكذيباً بالحق، وتصديقاً بالباطل فهو من جنس اليهود مستحق للغضب .
والمقصود: أن التفكير الرّغبي عبارة عن مرض قلبي يفسد علمه وإرادته، ويورث صاحبه الجهل المركب بتكذيبه الحق، وظلمه الخلق، ويثمر الاختلاف والشتات، وحب تتبع المتشابهات، ويدعو إلى البغضاء والعداوات، والافتراق والخصومات . حتى ينتهي بصاحبه إلى رد الحق كبراً، وظلم الخلق بغياً. وهو في كل هذا وذاك يفكر إرضاء لنفسه، لا طاعة لربه .
ومآل هذا (التفكير): جهل وتكذيب بالشرع، وظلم وجهل بالواقع، وفتنة ومحنة لأهل الإسلام .