المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكايات السيد (أكبر) !!



د. هشام عزمي
10-12-2012, 12:30 PM
654
حكايات السيد (أكبر) !!
د. دسوقي أحمد

حين رأيت اسمه لأول مرة في جدول المناوبات تساءلت عن جنسيته لكني لم أشك للحظة في كونه مسلما ، (إدريس أكبر) اسم ينتمي حتما إلي تلك المنطقة الواقعة بين فارس والباكستان ، ثمة دولة هناك ينتمي إليها الرجل حتما ، حين قابلته في اليوم التعريفي سلمت عليه وسألته : ماهي بلدك ؟ أجابني الرجل : إيران
طبعا تقضي العادات هاهنا ألا تسأل أحدا عن دينه ، لم أسأله بالفعل وربما يأتي هذا بسرعة دون
تساؤل

بعد عدة أيام أحضرت لنا إحدي الزميلات اليونانيات بعضا من الشيكولاتة ، وضعت عبوتين علي سطح مكتب غرفة الأطباء وهي تقول : هذه الشيكولاتة البيضاء بالشمبانيا وهذه العبوة الأخري للزملاء المسلمين ومن لايرغبون في الخمر

أشكرها وأتناول قطعة شيكولاتة فيما تسأل زميلة من كازاخستان صاحبنا الايراني : هل تتناول الكحول والخمر ؟ ، يجيبها الرجل بكل أريحية وهو يهز كتفيه في عدم اكتراث : ليس ثمة مشكلة

تنظر لي الزميلة ثم تسأله مرة أخري : هل تأكل الخنزير أيضا ؟ ويعاود الرجل إجابته ذاتها
ثم يضيف موضحا : إنما حرم قديما لأنه كان يتغذي علي القاذورات أما الآن فمزارع الخنازير جيدة للغاية ويتم الاعتناء به طبيا كذلك ، لست أعتقد أننا يجب أن نوقف حياتنا عند هذه الأشياء كثيرا

حتي تلك اللحظة أبقي صامتا ، أتظاهر بالعمل علي الحاسب فيما أفكر بالأمر ، تسألني الزميلة الكازاخية : وأنت يادسوقي ؟
تبتسم وهي تنظر للزميل الايراني ، تريد أن تستمتع باختلاف بين اثنين مسلمين
أجيبها : أما الخمر والكحول فهذه من قطعيات ماحرم في الاسلام ولاتتغير بمرور الزمان وكذلك الخنزير ، هذا أمر مشهور وأما الحجة بأن الخنزير يتم تربيته الآن بنظافة وغيره فدعيني أذكر لك المثل الألماني الشهير (الخنزير يبقي خنزيرا)
تصمت هي بينما يسرع السيد أكبر بالرد : لكن ينبغي للمسلمين أن يطوروا من عقلياتهم في مثل هذه الأمور ، لايمكن أن يستمر مثل هذا الجمود

أجيبه بهدوء : هل تعتقد أن اليهود أيضا جامدون في هذه الأمور ؟ لديهم ذات الأشياء بل وأكثر تشددا
أنتقل بسؤالي إلي الزميلة الكازاخية : هل تعتقدين أن اليهود جامدون في مثل هذه الأمور أيضا ؟
لاأجد جوابا من أحدهما فأنصرف إلي عملي ، كانت الزميلة قد أظهرت تعاطفا مع الايراني ، كلاهما يتحدث الفارسية لكنهما يفضلان الحديث بالروسية التي يجيدانها ، الحقيقة أن السيد (أكبر) دمث الخلق للغاية ويساعدنا كثيرا بما له من خبرة كبيرة فالرجل يوشك علي أن يعمل رئيسا لأحد أقسام الباطنة في مستشفي قريب

تخلوا الغرفة إلا مني ومنه ، يسألني : هل تعرف معني (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص)؟ ، يقرأالآية بعربية مكسرة ثم يتبعها بضحكات متواصلة

أعيد قراءة الآية بصورة صحيحة ، ثم أجيبه بتفسير الآية بأن الله يندب المسلمين إلي النظام والاصطفاف ، ولهذا تطبيقات عملية ومعنوية مثل الاصطفاف في الصلاة وكون الله لاينظر إلي الصف الأعوج والمعاني المعنوية من التوحد وغيرها أكثر من أن تذكر
يسألني وهو يشير بيده إلي رقبته إشارة الذبح : وقتال الكفار الغير مسلمين ؟
أجيبه : نحن المسلمون لسنا مأمورين بقتل كل غير المسلمين ، إطلاقا ، بل يمكن لنا أن نقيم معهم علاقات جوار حسنة وطيبة كذلك ، لكن القتال هو أمر تفعله كل الأمم ، الأمريكان والأوروبيين في تاريخهم الحديث والقديم حاربوا كثيرا وارتكبوا جرائم حرب كذلك ، حسنا ماهي النصوص القرآنية التي أمرت الأمريكان بالقتال في كل تاريخهم إذن ؟ ينظر إلي دون إجابة فأجيبه : لاأعتقد أنهم قد تأثروا بآيات القرءان ياعزيزي
يتشاغل بشيء في يده ، يطرق برأسه ثم يرفعها موجها نظراته نحوي قائلا : هل تعلم ؟ ، قديما خرجت في تلك المظاهرات التي تنادي بتحرير القدس في إيران
يهز رأسه في سخرية ثم يضيف : كان الخوميني يقتل شعبه ويعتقله باسم الدين ثم يدعوا باسم نفس الدين إلي تحرير القدس

علي صوته واحمر وجهه وهو يقول في تأثر واضح : اعتقلوا أخي الأكبر لأنه كان يساريا وحكموا عليه بالاعدام ، ذهبت أتلمس كل الطرق للإفراج عنه ، ثم سافرت إلي روسيا وقلت لهم سأحارب معكم لأنكم ضد الخوميني وقضيت في أفغانستان ٣ سنوات أحارب مع الروس حتي انتهت الحرب ، قاطعته : وتقتل المسلمين ؟ !! أجابني وهو يشيح بيده : لايهم ثم صاح بي : أوليس هؤلاء الذين اعتقلوا أخي مسلمين أيضا ؟
أجبته دونما تردد : ليسوا هم من اعتقلوا أخيك ، وليس نظام الخوميني نظاما إسلاميا وإنما هو نظام آخر يتستر بالدين ويخدع البسطاء مثله مثل كل النظم القمعية في العالم ، وأنا لاأعتقد أصلا أنه علي دين صحيح

أجابني في مرارة : يأخذ الأموال ثم يدعي أنها للمهدي ، يقتل الناس ثم يقول لأجل المهدي ، سكت قليلا ثم صاح بغضب : تبا لذلك المهدي
كان الرجل في حالة مزاجية سيئة : التفت إلي وعيناه مغرورقتان بالدموع ، حاربت كجندي مع السوفييت طمعا في أن ندخل يوما إيران ونحرر أخي ، لكنهم أعدموه بعد سنة في قلب الميدان ، يضحك في سخرية دامية وهو يقول لي : وجدوه خطرا جدا علي أمن إيران

تراجع في مقعده وهو يكمل حديثه : رجعت إلي روسيا وكان الاتحاد السوفييتي قد تفكك ، درست الطب ثم هاجرت إلي ألمانيا منذ ١٥ سنة وعملت هاهنا دون أي مشاكل
ينظر ناحيتي وهو يهز رأسه : لم تعد تشغلني تلك الأسئلة الخمر ، الخنزير ، الصلاة ، القدس ، الخوميني أو حتي إيران التي لم أرها منذ ٢٥ سنة ، أريد فقط أن أعيش حياتي ولايهمني كثيرا أين أكون بعد الموت ، يهز كتفيه ثم يردف : ليكن مايكون

ينظر إلي ، يبتسم ويقول : لديك حتما شيء لتقوله
أجيبه : في الحقيقة لدي الكثير ، لكني سأكون مختصرا للغاية ، هل حققت ماأردت حين التحقت بالسوڤييت لتقاتل معهم ضد الأفغان المسلمين ؟ أعني هل حررت أخاك ؟
يهز رأسه في أسي وهو يقول : لقد قتلوه
أكمل حديثي : اعتقدت ساعتها أن هذا هو الحل رغم أنه بكل بساطة لم يكن أصلا حلا من الحلول لأن الحرب لم تكن موجهة ضد إيران
يستمر في صمته محدقا بي فأكمل كلامي : كذلك أنت الآن تكرر نفس الخطأ وتحارب في نفس الجبهة الخاطئة ، تتخلي عن كل ميراثك لأنك تعتقد أنه السبب في الأخطاء بينما هو في الحقيقة سوء التطبيق ، تتخيل - ولا أدري لماذا - أننا نحمل أسلحتنا لنقتل الجميع وأننا نريد نشر الخراب وسفك الدماء وأنا أؤكد لك – واسمحلي – أن هذا ليس إلا فهما مشوشا ، هم ظلموك ياعزيزي وأنت ظلمت نفسك وظلمت من حاربت ضدهم ، أدرك حجم معاناتك وحزنك علي أخيك الأكبر لكن ماشعور من قتلت أبناءهم من الأفغان ؟ ماشعوري أنا وأنت تحارب في صف أمة ظالمة معتدية ضد اخوان الدين والعرق ثم تتهمنا جميعا بالارهاب ؟ هل يعتقد السيد (أكبر) أن هذه منهجية علمية في التفكير ؟ أنا لاأحيلك الآن إلي دين أو ضمير ، بل إلي عقلك
يخيم الصمت فيما يعصف التفكير به ، أسأله مرة أخري : أجبني بصراحة هل قرأت عن الإسلام مذ قررت تركه ؟
يهز رأسه قائلا : لا ، في الحقيقة لا
أواجهه بابتسامة قائلا : إذن تحتاج أن تقرأ مرة أخري ياسيد (أكبر)

يمضي السيد أكبر في عمله حتي نهاية الشهر حيث ينتهي تعاقده القصير ، في يومه الأخير يبحث عني ليعطيني رقم هاتفه وبريده ثم يقول لي : أعدك أنني سأفكر بالأمر ، أعدك أنني سأفعلها
أبتسم له ، يبتسم هو ويهز رأسه ثم يمضي في طريقة ، قبل التفاتة الممر ينظر ناحيتي ويلوح بيده ، أبادله التحية وأمضي إلي طريقي

مسلم أسود
10-12-2012, 12:59 PM
هداه الله

قلب معلق بالله
10-12-2012, 01:33 PM
تسجيل متابعة بارك الله فيكم

د. هشام عزمي
10-12-2012, 02:59 PM
أنصح جميع الأخوة الذين لديهم حساب على الفيس بوك أن يتابعوا مقالات الدكتور دسوقي أحمد :
https://www.facebook.com/desokyahmed
وهو طبيب مصري مقيم في ألمانيا للدراسة ، ومن الأخوة السلفيين المشهود لهم ..

إلى حب الله
10-12-2012, 03:01 PM
يبدو أننا سنستمتع كثيرا ًبدروس (أوروبا المحطة) هذه أخانا الحبيب ...
وكنت أود لو تجمع هذه إلى الأولى حتى يصير موضوعا ًمتسلسلا ًينتفع بأوله مَن يدخل على آخره ...
والله الموفق ...

واسطة العقد
10-12-2012, 04:28 PM
جميل جدًا

عَرَبِيّة
10-13-2012, 07:02 AM
ماشاء الله حكاية رائعة ، وما يزيدُ روعتها أنَّها قصص حقيقية ..
نرجو نقل تتمَّتها هنا على الشريط بارك الله في الكاتبِ والناقل .

shahid
10-13-2012, 10:56 AM
تحية للدكتور دسوقي .. حقيقة سرده رائع وومتع وكذا اخلاقه .. ودعني اسجل اعجابي بأخلاق الاطباء عموما الذين هم صفوة المجتمع ووجهه المثالي .
وحقيقة من روعة خلق الحياة ان دخول الطب يتطلب قدرا كبيرا من المثابرة والاجتهاد وصفاء العقل لا يتأتى لمن كان لديه ادنى انحراف اخلاقي – اللهم الا استثناءات قليلة غير جديرة بالذكر – بينما تكون الكليات العسكرية عى النقيض تماما مع استثناءات قليلة ايضا غير جدير بالذكر لتتزن المعادلة ! . وتصور لو كان هؤلاء مكان اؤلئك كيف سيكون الحال ؟
والانكى من ذلك كيف لو كان من لم يتأهل للكلية العسكرية هو من يقوم مقام الطبيب !! صدقاً سنكون امام ماسأة تجعل الحياة جحيما لا يطاق لان الاعراض جميعها ستكون امام فوهة المدفع . ولكن من رحمة الله و لطمأنينة وامن الحياة جعل الله كل شيئ بميزان .
وسبحان الله القائل ( واخرى لم تقدروا عليها قد احاط الله بها ) فهذه من الاشياء التي لا نقدر عليها فكفاناها الله . ( طبعا هذا ليس تاويل للاية ولكن المعنى يحتمل ذلك والله اعلم بمراده) .
دمتم بود

بن حيان
10-13-2012, 11:07 PM
أستاذي هشام
أسلوب الكاتب رائع جدا والأروع إن كانت هذه القصص حدثت حقيقة لأنني أرغب في المتابعة لكن أخشى أن تكون قصصا يراد منها الدعوة بأسلوب قد يتبعه بعض الدعاة ومقصدي لا يخفى على لبيب مثلك
زادك الله علما ونفع بك

shahid
10-14-2012, 10:38 AM
أسلوب الكاتب رائع جدا والأروع إن كانت هذه القصص حدثت حقيقة لأنني أرغب في المتابعة لكن أخشى أن تكون قصصا يراد منها الدعوة بأسلوب قد يتبعه بعض الدعاة ومقصدي لا يخفى على لبيب مثلك
زادك الله علما ونفع بك

الاخ (بن حيان)
لا توجد قصة من اجل القصة فقط . لذلك ان يكون للقصة هدف فهذا امر لا غبار عليه . وحينما قص علينا القرآن القصص قال انها للاعتبار وليست لمحض الرواية . لذلك المشكل ليست في الهدف منها ولكن المشكل في نوع الهدف هل يمثل قضية عادلة ام لا . فإذا كان يمثل قضية عادلة فلا اثم ولا حرج اما اذا كان لا فهنا يكمن الحرج . وفي كل الاحوال كتابات دسوقي مطروحة على صفحته مما يتيح مناقشتها ولهذا طرحها . على عكس ما تجده في روايات الادب العالمي التي لا يمكن مناقشتها ونقدها مع انك تجد فيها تزييف فاضح للحقائق وطرحها بصورة لا تمت الى الواقع بصلة لكي تتماشى مع قناعات الكاتب فحسب .
تحياتي ومودتي

د. هشام عزمي
10-14-2012, 10:46 AM
جزاكم الله خيرا على تعليقاتكم الطيبة .. وهذه القصص التي يرويها الدكتور حقيقية ، لكنها ليس لها تكملة كما يظن البعض ، فهي لأجل واقعيتها لا تكون على حسب هوى او توقع القاريء المعتاد على القصص والحكايات ذات النهاية السعيدة :)