المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فصل الدين عن الدولة



حازم
12-17-2004, 03:15 AM
مجلة البيان

د. جعفر شيخ إدريس

أصبحت قضية فصل الدين عن الدولة، أو ما يسميه الغربيون فصل الدولة عن الكنيسة، من القضايا المسلم بها في الفكر الغربي السياسي، وبالتالي في الفكر السياسي العالمي الدائر في فلك الحضارة الغربية. ودعاة فصل الدين عن الدولة قد يعترفون بأن هذا أمر حدث لظروف تاريخية خاصة بالحضارة الغربية، وبالديانة النصرانية، لكنهم مع ذلك يرون أنه أصبح أمرا لازما لكل دولة حديثة، ويسوغون هذا بأن الأساس في الدولة الحديثة هو المواطنة. وما دام المواطنون في الدولة الواحدة لا ينتمون في الغالب إلى دين واحد، بل تتقاسمهم أديان متعددة، وقد يكون بعضهم ملحدا لا يؤمن بدين، ففي التزام الدولة بدين واحد من هذه الأديان افتئاتا على حقوق المواطنين المنتمين إلى الأديان الأخرى أو المنكرين لها كلها لأنه:

يفرض عليهم دينا لا يؤمنون به،

ويحرمهم من ممارسة الدين الذي اختاروه إما كله أو بعضه،

ويحرمهم من حقهم في شغل بعض الوظائف الكبيرة كرئاسة الدولة،

وقد يكون سببا لخلافات ونزاعات عميقة تفقد الدولة معها الاستقرار اللازم لتطورها.

ويرون لذلك أن تكون الدولة دولة علمانية محايدة لا تلتزم بالدين ولا تحاربه ولا تنكره، بل تترك أمره للمواطينين يختارون ما شاؤوا من عقائد، ويلتزمون بما يريدون من قيم، ويمارسون ما يروق لهم من عبادات.

هذه الصورة للعلمانية التي حرصت على أن أجعلها براقة كأشد ما يريد المدافعون عنها أن تكون، تنطوي على افتراضات هي أبعد ما تكون عن الحقيقة. من ذلك:

أولا: أنها تفترض أن العلمانية يمكن أن تكون محايدة بالنسبة لكل الأديان. لكنها لا تكون كذلك إلا إذا كان مجال الدين مختلفا عن مجال الدولة، إلا إذا كان الدين والدولة يعيشان في منطقتين مستقلتين لا تماس بينهما، وأن دعاة الدولة الدينية يقحمون الدين في مجال غير مجاله، ولذلك يضرون به وبالدولة.

فهل هذا الافتراص صحيح؟ إنه لا يكون صحيحا إلا إذا كان الدين محصورا بطبعه في بعض المعتقدات وبعض الشعائر التعبدية، وبعض أنواع السلوك الشخصي الذي لا علاقة له بالجماعة، ولا يدخل لذلك في مجال الدولة. لكن الواقع أن هذا الوصف لا ينطبق على أي من الأديان الكبيرة المشهورة: اليهودية والنصرانية والإسلام. فما منها إلا وله حكم في العلاقات بين الجنسين، وفي العلاقات الأسرية، والاجتماعية، وفيما يحل أكله وشربه وما يحرم، وهكذا. وكلها أمور تدخل بالضرورة في مجال الدولة.

كيف حل الغربيون هذا الإشكال؟ حلوه بنوع من المساومة: فهم قد أخذوا بعض القيم النصرانية وجعلوها قوانين للدولة. وهم يجعلون اعتبارا كبيرا لقيمهم الدينية في سياستهم الخارجية، ولا سيما في معاملة الإسلام. لكنهم في الجانب الآخر تركوا أشياء من دينهم، وساعدهم على ذلك تاريخهم الملئ بتحريف الدين إما في نصوصه أو في تأويله، ثم جاءت في العصور الأخيرة حركات فكرية تحررية أذاعت القول بأن ما يسمى بالكتاب المقدس ليس كلام الله تعالى، وأنه من كتابة بشر عاديين تأثروا بالجو الثقافي في المرحلة التاريخية التي عاشوا فيها. ولذلك فإن ما قرره هذا الكتاب في مسائل مثل الشذوذ الجنسي ينبغي أن لا ينظر إلا على أنها قيم مجتمعات سابقة. هذا كلام لا يقوله السياسيون والحكام فحسب، وإنما يقوله كثير من رجال الدين، والمختصين بدراسته. لكن حتى هؤلاء المتحررون يشعر الكثيرون منهم الآن أن العلمانية لم تعد محايدة بين الأديان بل صارت هي نفسها دينا يدافع عنه أصحابه ويحاربون به النصرانية. وأذكر أن أحدهم قال لي في أحد المؤتمرات ناصحا: لا تخدعوا كما خدعنا، فتظنوا أن العلمانية موقف محايد، بل هي الآن دين. أو كما قال ذاك الناصح.

فكيف تحل هذه المشكلة بالنسبة لأناس كالمسلمين يرون أن القرآن كلام الله تعالى لم يأته الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن ما صح من سنة رسول الله هو أيضا وحي الله؟

وكيف إذا كان دينهم لا يقتصر على ما ذكرنا من أمور تدخل في نطاق الدولة، بل يتعداها إلى اخرى هي من أخص خصائص الدولة؟

ما ذا يفعل هؤلاء؟ لا خيار لهم بين الحكم بما أنزل الله ورفض العلمانية، أو الحكم بالعلمانية والكفر بما أنزل الله تعالى.

إن أكثر ما يتعلل به دعاة العلمانية في بلادنا هو اختلاف الأديان في البلد الواحد. بأي حق يقولون ـ تفرض على أناس دينا غير دينهم، وقيما ليست قيما لهم؟ ماذا إذا لم يكن في البلد إلا مسلمون، أو كان غير المسلمين أفرادا قلائل؟ لماذا يفصل هؤلاء بين دينهم ودولتهم؟

وحتى لو كان المنتسبون إلى غير الإسالم من أصحاب الديانات الأخرى يمثلون نسبا كثيرة، فإن العلمانية ليست هي الحل العادل. لأن أصحاب هذه الديانات إما أن يكونو في السياسة علمانيين، وإما أن يكونوا ممن يريد للدولة أن تستمسك بعقائده وقيمه وتدافع عنها. فإذا كان من الفريق الأول يكون المسلمون قد تنازلوا عن دينهم بينهما هو لم يتنازل عن شيئ، لأن العلمانية هي مبدؤه سواء كان هنالك مسلمون أو لم يكن. أذكر أنني قلت ذات مرة لبعض الجنوبيين المثقفين عندنا في السودان إنكن لا تعترضون على الحكم إذا كان اشتراكيا كما كان الحال في أوائل حكم الرئيس نميريى، ولا تعترضون عليه إذا أقر الرأسمالية أو الليبرالية، لأنكم تعتقدون أن الدين لا دخل له بهذه المسائل، فلماذا إذن تعترضون على الحكم الإسلامي. إن الإسلام لا يفرض عليكم دينا بالمعنى الذي حصرتم الدين فيه، أعنى العبادات والأحوال الشخصية. فلماذا لا تعاملون جانبه السياسي معاملتكم للإشتراكية والرأسمالية لأنه يعطيكم أكثر مما تعطيم إياه العلمانية؟

يقول أنصار العلمانية في الغرب وفي البلاد الإسلامية، إن هذا قد يكون صحيحا لكنهكم في الحكم الإسلامي تفرقون بين الناس بسبب دينهم، فتمنعون غير المسلم من أن يكون رأس دولة. وأقول لهم دائما: ولكن العلمانية هي الاخرى تفعل ما نفعل. إنها تشترط على الإنسان أن يكون علمانيا لكي يكون رأس دولة، تشترط عليه ان يؤدي القسم للولاء لدستور يفصل الدين عن الدولة، أي أنها تشترط على المسلم أن يعلن كفره بجزء من دينه. وإذا فعل هذا عن اعتقاد كان كافرا خارجا عن الإسالم. وإذن فكما أن الإسلام يشترط في رأس الدولة المسلمة ان يكون دائنا بدين الإسلام، فإن العلمانية تشترط في رئيس دولتها أن يكون دائنا بدينها. فما الفرق.

يقولون: لكن العلمانية ليست دينا. ونقول هذا في مفهومكم أنتم. أما في لغتنا العربية، وديننا الإسلامي، فإن كل ما يلتزم به الإنسان من عادات وتقاليد، ومن باب أولى من قيم وعقائد، هو دينه، سواء كان مبنيا على إيمان بالله او كفر به. ام لم تسمع قول الشاعر العربي عن ناقته:

إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين

تقول إذا شدد لها وضيني أهذا دينه أبدا وديني؟

أكل الدهر حل وارتحال؟ أما ... أما يقيني؟

فإذا كان دوام الحل والارتحال دينا فما بالك باعتياد معتقدات وقيم وسلوك؟ ألم يقل الله تعالى عن سيدنا يوسف (ما كان لياخذ أخاه في دين الملك) يعني ما نسميه نحن الآن بقانونه؟العلمانية ليست إذن حلا لبلد يكون فيه المسلمون أغلبية، بل ولا حتى أقلية معتبرة، إذ أن ما تطلبه العلمانية من المسلمين إنما هو التخلي عن دينهم من أجل دين العلمانيين.

سيف الكلمة
12-17-2004, 04:38 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

علموا أنهم يخسرون معاركهم أمام الإيمان بالإسلام
وكل من الشيوعية والعلمانية والحداثة بفلسفاتها ما هى إلا حركة التفاف لعدم قدرة الفكر المسيحى واليهودى على مواجهة الفكر الدينى الإسلامى فى قلوب العباد يتم بها إحداث انشقاق فى المجتمعات المتدينة لضربها من الداخل بيد أبنائها

بحب دينى
05-13-2013, 09:09 PM
مقالات الدكتور جعفر ما شاء الله رائعة . يرفع لاهميته . جزاك الله خيراً على المقال أخي .

الحر التميمي
05-14-2013, 09:54 PM
ولو ان الموضوع قديم لكنه جميل أخي شكرا ...

لكن للأسف هناك من يتحمس كثيرا للشريعة ... و حماسه في غير محله ...
فحتى ان طبق شرع الله ... هناك من سيظلم و يُقتل و يُرجم ظلما و افتراء ...

و بالطبع ستلعب السلطة دورها و لن يغير وجود الشريعة شيئا ... فلا ننسى انه بظل الشريعة تواجد حكام أمثال عبد الملك بن مروان و يزيد بن معاوية و الوليد بن يزيد ....

و ها هو أردوغان يحكم في ظل سياسي علماني لكن لفهمه الصحيح للاسلام فقد اهتم بالتعليم و النمو و الاقتصاد و و و ...

و بالطبع يزيد حماس الناس و يظنوا انه اذا وُضِع عنوان الشريعة في الاحكام و الحدود اننا بذلك سنعود للمجد و نتسيد العالم ...

فالاسلام بُنيت أساساته على الأخلاق و العدل و الجمال و اليسر لا بدعل الدين في قلب الحكومة

((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ )) صدق الله العظيم

بحب دينى
05-14-2013, 10:14 PM
وفقك الله للخير .

لكن أخي الحر التميمي قولك في غير محله وفقك الله لكل خير

فأنت قلت مثلاً
فحتى ان طبق شرع الله ... هناك من سيظلم و يُقتل و يُرجم ظلما و افتراء ...


فلا ننسى انه بظل الشريعة تواجد حكام أمثال عبد الملك بن مروان و يزيد بن معاوية و الوليد بن يزيد ....


ليتك اخي تضبط عباراتك لان الشريعة عدل كلها خير كلها !
لكن ما تعنيه أنت وفهمته من قصدك ان هناك من يدعي أنه يريد الشريعة وهو من أبعد الناس عنها

فالشريعة إذن بريئة منه فلا يقال سيكون هناك ظلم في الشريعة ! فهذا خطأ وفقك الله للخير
بل يقال ان الشرع يحكم على الناس جميعاً فيصوب الحق منهم ويخطىء الباطل منهم حتى وإن كان الباطل من يدعي انه يريد الشريعة

فالاسلام مثلاً لايدعوا الى قتل الناس ظلماً ولا يدعوا الى الزنا ! الخ : لكن هناك مسلمون أصيبوا ببلية الزنا ! ومنهم من قتل وتاب الخ
فلا يقال ان الاسلام هو الذي يريد القتل والزنا !!! لان هناك مسلمون فعلوا ذلك فهذه العبارة خطأ ! .

أما أردوغان والتجربة التركية او بعض الحكام في بعض الأزمان : فلا علاقة لهذا بالأمر الذي أريد توضيحه وفقك الله للخير بخصوص كلامك .

نسأل الله أن يرزقنا حاكم عادل يقودنا بالشريعة ...اللهم آمين .

متروي
05-14-2013, 10:20 PM
فحتى ان طبق شرع الله ... هناك من سيظلم و يُقتل و يُرجم ظلما و افتراء ...

القوانين مهما كانت لا تقضي على الجرائم لكن أقوى قانون يقضي عليها بشكل شبه كامل هو الشريعة الإسلامية فنحن في بلادنا لو طبقنا القانون الأوروبي كما يطبق عند أهله لقضينا على مظاهر ظلم كثيرة فكيف لو طبقنا شرع الله عز وجل كما أنزل ففي عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم و عهد الخلفاء الصالحين المصلحين ممن جاؤوا بعدهم يكاد من النادر جدا أن نعثر على جرائم كبيرة و لا تلام الشريعة بفعل من لا يلتزمها فمثلا لا فرق بيننا نحن العرب و بين أمريكا فنفس القانون يحكمنا لكنهم يطبقونه ولا نطبقه و لم نسمع عاقلا لام القانون ..

عقلاني بنغازي
05-17-2013, 05:12 AM
هل بلد مثل لبنان ينفع معه تطبيق الشريعه؟

بحب دينى
05-17-2013, 08:52 AM
وهل دمرت لبنان الا لما غابت الشريعة ؟! وبدأت مليشيات حسن نصر الـلات ! في محاربة وتخويف وتهديد المسلمين هناك ؟!
الشيخ أحمد الأسير وما يحدث معه مثال ! .

الشريعة صالحة لكل زمان ومكان ! .
نسأل الله أن يزيل من يحاربها ويمنع من تطبيقها ...اللهم آمين .

عقلاني بنغازي
05-17-2013, 05:39 PM
في لبنان يوجد حوالي 40% مسيح

و الشيعه موجودون من اول ظهور الاسلام

هل تعلم ان المسجد الازهر قام الفاطميون ببنائه في مصر و هم شيعه؟

لو تم تطبيق الشريعه في لبنان فكيف ستُطبق على المسيح و الشيعه و الدروز ؟

متروي
05-17-2013, 05:42 PM
هل بلد مثل لبنان ينفع معه تطبيق الشريعه؟

لبنان طيلة 14 قرنا و هي تحكم بالشرع و لم تفسد و تتقسم إلا بفعل العلمانية ؟؟؟

عقلاني بنغازي
05-17-2013, 05:51 PM
و لماذا لم يتم تطبيق الشريعه الان؟

متروي
05-17-2013, 06:08 PM
لنفس السبب الذي لا تطبق فيه في كل الدنيا ؟؟؟

عقلاني بنغازي
05-17-2013, 06:42 PM
لنفس السبب الذي لا تطبق فيه في كل الدنيا ؟؟؟

ما هو هذا السبب؟