المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاحتمالية و الصدفة



Mahmoud Muhammad
10-30-2012, 10:34 PM
بالرغم من كون مفهوم " الاحتمالية " هو مفهوم شائع و مكون طبيعى من خبراتنا ، فلا يوجد تأويل أو تعريف علمى معين متفق عليه لمصطلح " الاحتمالية " من قِبَل الإحصائيين والفلاسفة وغيرهم من أهل الاختصاص .
فعبر السنين كان كلما طرح بعض جهابذة العلم والفكر والرأى تأويلا معيناً لمصطلح " الاحتمالية " إلا إلا وانبرى بالنقد لهذا التأويل آخرين من نظرائهم .
ولا يزال المعنى الدقيق لمصطلح " الاحتمالية " مثاراً للجدل ومادة للنقاشات الفلسفية ذات التعلق بأسس علم الاحصاء .
وسنعرض هنا لثلاثة من التأويلات أو التعريفات المطروحة والاعتراضات التى عليها
أولها الاحتمالية التكرارية Frequentist probability : ويقصد بها أن احتمالية وقوع نتيجة outcome معينة لعملية ما process يمكن تفسيرها على أنها تعنى عدد مرات حصول هذه النتيجة بالنسبة لباقى النتائج المحتملة للعملية محل الاعتبار اذا ما تم تكرار العملية مرات عديدة تحت نفس الظروف ، فعلى سبيل المثال اذا تم القاء قطعة نقود فى الهواء فإن احتمال الحصول على أحد و جهى العملة بمعنى عدد مرات الحصول على هذا الوجه المعين بالنسبة للوجه الآخر سيكون ½ تقريبا
غير أن مفهوم " تحت نفس الظروف " هو مفهوم غامض بما لا يؤهله ليفى بالغرض كأساس ينبى عليه تعريف علمى " للاحتمالية " بل ان الظروف أو الشروط التى يتم تحتها القاء " العملة " لابد الا تكون متماثلة والا حصلنا على نفس النتيجة كل مرة فلابد أن يكون هناك شىء من العشوائية فى هذه العملية .
كما أن مفهوم " مرات عديدة " غير محدد فلا يوجد هناك تعيين لعدد معين من المرات ، كبير " بدرجة كافية " ، التى يتم القاء قطعة النقود فيها .
كما أنه نُصَّ على أن عدد مرات الحصول على أحد وجهى العملة بالنسبة للآخر يساوى تقريبا ½ إلا أنه لم يُشار إلى أى مدى من الممكن أن تختلف النسبة التى يتم الحصول عليها عند اجراء العملية عن النسبة المذكورة فلو تم إلقاء قطعة النقود 100 ألف مرة فلن نتوقع أن نحصل على أحد وجهى العملة 50 ألف مرة بالضبط بل لو حصلنا على هذه النتيجة سيكون أمرا مثيرا للدهشة ، كما أنه لا يفترض للرقم الذى سنحصل عليه أن يختلف كثيرا عن 50 ألفا
كما يجدر بنا أن نذكر احتمالية الحصول على كل رقم من الارقام المحتمل الحصول عليها لوقوع العملة على أحد وجهيها وهو ما يعتمد بدوره على تعريف او تأويل مصطلح " الاحتمالية " الذى نحن بحاجة للوصول لتعريف أو تأويل له .
كما ان هذا التأويل يمكن تطبيقه من حيث المبدأ على العمليات التى يمكن تكرارها لعدد كبير من المرات بخلاف عمليات أخرى بطبيعتها لا تتكرر مثل احتمالية أن يتزوج أحد الأقارب أو أن يسفر أحد الابحاث العلمية عن نتائج إيجابية ونحو ذلك .
ثانيها التأويل الكلاسيكى Classical interpretation وهذا يعتمد على مفهوم النتائج الواردة بنفس الدرجة فعلى سبيل المثال لو أن لدينا حجر نرد له ستة أوجه كل وجه يحمل رقما ( من 1 - 6 ) ثم قمنا بإلقائه فإن كل وجه وراد الحصول عليه بنفس الدرجة ففى هذه الحالة هناك 6 نتائج محتملة فإذا قمنا بتعيين احتمالية متساوية لجميع النتائج فإن احتمال وقوع أحد النتائج يساوى 1/6 .
غير أن الاشكال فى هذا التأويل يكمن فى كون مفهوم " النتائج الواردة بنفس الدرجة " بدوره يعتمد على مفهوم الاحتمالية الذى نحن بصدد البحث عن تأويل له
كما أننا إذا جوزنا أن النتائج المحتملة فى حالة حجر النرد واردة بنفس الدرجة فليس الأمر كذلك فى كل الحالات فإذا كان الحديث عن احتمال ان تشرق الشمس صباحا مقابل ألا تشرق فلا يمكن أن نقول أن الاحتمالين واردين بنفس الدرجة وبالتالى لا يمكن أن نعين Assign لهما نفس الاحتمالية
وإذا كان الأمر كذلك فنحن بحاجة لآلية لتعيين " درجة ورود " لكل النتائج المحتملة .
ومن هنا نخلص للتأويل الثالث وهو التأويل الذاتى subjective interpretation ومفاده أن الشخص المعنى بدراسة عملية معينة هو الذى يعين assign " درجة ورود " معينة لكافة النتائج المحتملة لهذه العملية استنادا لتقييمه الخاص بناءا على قناعاته و المعلومات المتاحة لديه عن العملية محل الدراسة . **
ولا يخفى بطبيعة الحال اللاموضوعية فى التأويل الأخير
ومن هنا نخلص إلى نتيجة مفادها القول بأن كافة الاحتمالات التى قد يقدرها العقل قد لا تكون واردة بنفس الدرجة بل قد لا تكون واردة بالأساس على الأقل فى تقدير البعض
وهذا يلقى بالضوء على مغالطة يكررها البعض عندما يقول ان الكون والأنظمة البيولوجية ربما نشأت بمحض الصدفة لأن انتظام الذرات والجزيئات على نحو معين لتكون الكون المنظور وتلك الانظمة البيولوجية المعقدة هو أحد الاحتمالات من الناحية النظرية لطريقة انتظام تلك الذرات والجزيئات حتى وان كان احتمال انتظامها على هذا النحو بشكل عشوائى من الناحية النظرية هو ضئيل للغاية ومتناهى فى الصغر بحيث يؤول للصفر إذ قورن بالنسبة لكافة احتمالات الانتظام الأخرى التى تكاد تكون لا متناهية ، إلا أن الأمر من الناحية النظرية لا يزال واردا
والرد على ذلك من وجهة نظرى انه يفرق بين الاحتمالات النظرية وبين واقع الأمر
فواقع الأمر أننا فى وجهة نظرى لابد أن نعين assign درجة ورود واقعية تساوى " الصفر " لهذا الاحتمال النظرى بحيث أنه من الناحية العملية ليس واردا على الطلاق ، بخلاف انتظام الذرات والجزيئات عشوائيا على نحو لا ينجم منه انظمة بيولوجية معقدة مؤدية لوظائف ونظام بيئى متزن يكفل البقاء لهذه الانظمة البيولوجية
فبالدليل التجريبى مثلا لا يمكن للحياة ان تنشأ بمحض الصدفة أو بشكل عشوائى بل الحياة لا تنشأ إلا من حياة سابقة عليها فى الوجود وهو مؤدى تجربة باستير Pasteur والقانون المعروف ب Biogenesis (http://en.wikipedia.org/wiki/Biogenesis).
بل إن العلماء عجزوا على ما أوتوا من العلم والتكنولوجيا أن يخلقوا أكثر أنواع الحياة بدائية من عناصرها الأولية مباشرة ونحن نتكلم هاهنا عمن له عقل وتدبير وغرض وقدرة على التصميم فكيف تعجز أعظم العقول البشرية فى حين يمكن للطبيعة التى لا تعقل وقواها العشوائية التى لا إدارك لها ولا قصد ولا تدبير أن تنجح فيما لم تفلح فيه العقول البشرية
هذا لا يدع عمليا مجالا للشك لأن الشك الذى له مسوغ لابد أن يكون مؤسسا على قاعدة موضوعية
فنحن نطمئن لأمور ولا يساورنا فيها الشك فى حين أنها لا تحظى بهذا القدر من الدليل المقتضى لهذه الدرجة من اليقين ولا نصفه ولا ربعه ولا عشره مثل اطمئنان القارىء لأننى لست برنامج حاسوبى قام بالتسجيل فى هذا المنتدى ويقوم بكتابة المواضيع والمناقشة والجدال أو أننى لست قردا تنهال اصابعه بطريقة عشوائية على لوحة المفاتيح ! .
___________________
** راجع كتاب Probability and Statistics
Fourth Edition
Morris H. DeGroot

د. هشام عزمي
10-30-2012, 10:41 PM
بارك الله فيك .. مقال فريد في طرحه ..

ابو ذر الغفارى
10-30-2012, 10:50 PM
بارك الله فيك

إلى حب الله
10-31-2012, 09:09 PM
موضوع قيم بالفعل أخي الكريم بارك الله فيك ..
وجدير بالنقل لمَن يفهم ويعي ...

Mahmoud Muhammad
10-31-2012, 09:36 PM
بارك الله فيكم

طالبة علم و تقوى
11-01-2012, 05:53 AM
للرفع للضرورة ! حتي يُعرف للبعض الجُدد قدر و محدودية العلم و ليتدبر في ما إكتشفه العلم من حقائق و يكف عن تبجيل أصحابه و أحلام اليقضة ..

بارك الله فيكم فعلا طرح مميز إستفدتُ منه جوزيتم خيرا .

Mahmoud Muhammad
11-01-2012, 02:07 PM
يقول الفزيائيون أنهم تمكنوا من اجراء تجارب توضح وجود الجسمات الاولية كالفوتون والالكترون فى حالة تراكب كمى Quantum superpositon
بمعنى وجود تلك الجسيمات على أكثر من حال وهى جملة الحالات الممكنة وفق معادلات نظرية الكم كأن يكون الالكترون فى مكانين فى نفس الوقت

لكن نحن والاجسام الكبيرة لا نتصرف كعالم ما تحت الذرة وفق من يقول بتراكب الحالات quantum superposition
فنحن مثلا كما يقول أحد هؤلاء الفيزيائيين لا نرى الحافلة ذات الطابقين تتحرك وثابتة فى نفس الوقت وذلك لأن الحافة تخضع لمؤثرات خارجية مما يزيل الحالة الكمية التراكبية وهذا تكون فرصته أكبر كلما كبر حجم الجسم
why don't we see double-decker buses simultaneously stopping and going? Cleland says he believes size does matter: the larger an object, the easier it is for outside forces to disrupt its quantum state
ويقول أن الوسط المحيط أو البيئة معقدة جدا وأن التفاعل مع هذا الوسط المعقد هو الذى يدفع الحالة الكمية كى تتلاشى
فالاشياء وفق رأيهم توجد على الحالة الكمية اذا خلت من القوى والتأثيرات الخارجية التى تتدفعها إلى ان تكون فى حالة واحدة من جملة الحالات الممكنة
"It's that interaction with this incredibly complex system that makes the quantum coherence vanish."
وهذا يعنى أن الحافلة مثلا بتأثير تلك المؤثرات تتصرف على نحو كلاسيكى معهود

فعلى سبيل المثال لا يوجد فيروس أو حياة فى أبسط صورها على أكثر من حال لأن المؤثرات الخارجية تدفعها كى تنحو نحوا كلاسيكيا او وفق تصورتنا المعتادة عن العالم والمادة
وينبغى أولا الوصول بها لما يسمى quantum mechanical ground state
كى تنزلق للحالة الكمية
ومثال حى على ذلك يقولون أنهم تمكنوا من تبريد لوح معدنى دقيق يبلغ طوله حوالى 30 ميكرون ليصل الى ground state و اظهروا أنه يتذبذب وساكن فى ذات الوقت حسب قولهم
ولولا الوصول به الى الحالة المذكورة حيث هو بمعزل عن التأثير
لما انزلق إلى الحالة الكمية

راجع هذا المقال فى مجلة Nature (http://www.nature.com/news/2010/100317/full/news.2010.130.html)

وعندما يكف الجسم عن أن يكون فى حالة كمية ويصبح على حال معين من جملة الحالات الممكنة فهذا فى حد ذاته يخضع للاحتمال
فالاجسام يحتمل بدرجات متفاوتة انها تتخذ حالا معينا فى مقابل الحالات الأخرى الممكنة والتى كان الجسم عليها مجتمعة عندما كان فى الحالة الكمية
وخلاصة القول انه اذا افترضنا جدلا انه اتضح ان عالم الجسيمات الأولية عجيب ولا بديهى من خلال المشاهدة
فالمشاهدة تخبرنا شيئا آخر عن العالم المشاهد بالعين المجردة و عن الانظمة البيولوجية من أنها بديهية و لا تنشأ من خلال العشوائية وإلا لو كان فى الطبيعة آلية لنشأة الحياة تلقائيا لأمكننا ملاحظة ذلك من خلال ملاحظة ولو حالة واحدة لنشأة الحياة فى الطبيعة فى ابسط صورها تلقائيا من جزيئات عضوية أو حتى فى المعامل من خلال محاكاة ظروف الطبيعة او حتى ظروف يمكن تخيل وجودها فى مراحل سابقة من الوجود او فى مكان ما من الفضاء الكونى وليس بطبيعة الحال من خلال آليات لا وجود لها فى الطبيعة كاستخدام تكنولوجيا معقدة ( بالرغم من أن هذا لم يحدث هو الآخر )
وهو ما لم يحدث حتى اللحظة وعليه بالاستقراء نستطيع ان نقول انه لا يوجد آلية فى الطبيعة فى مرحلة من المراحل تسمح بنشأة الحياة فكل صور الحياة التى نراها هى بناءا على حياة سابقة

ابو ذر الغفارى
11-01-2012, 02:54 PM
فالمشاهدة تخبرنا شيئا آخر عن العالم المشاهد بالعين المجردة و عن الانظمة البيولوجية من أنها بديهية و لا تنشأ من خلال العشوائية وإلا لو كان فى الطبيعة آلية لنشأة الحياة تلقائيا لأمكننا ملاحظة ذلك من خلال ملاحظة ولو حالة واحدة لنشأة الحياة فى الطبيعة فى ابسط صورها تلقائيا من جزيئات عضوية أو حتى فى المعامل من خلال محاكاة ظروف الطبيعة او حتى ظروف يمكن تخيل وجودها فى مراحل سابقة من الوجود او فى مكان ما من الفضاء الكونى وليس بطبيعة الحال من خلال آليات لا وجود لها فى الطبيعة كاستخدام تكنولوجيا معقدة ( بالرغم من أن هذا لم يحدث هو الآخر )
وهو ما لم يحدث حتى اللحظة وعليه بالاستقراء نستطيع ان نقول انه لا يوجد آلية فى الطبيعة فى مرحلة من المراحل تسمح بنشأة الحياة فكل صور الحياة التى نراها هى بناءا على حياة سابقة
نعم هذه هى خلاصة القول فعلا وقد كان لى موضوع مشابه يتكلم عن نفس المحور http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?36265-
لكن لا أعلم لماذا بدأت المداخلة بميكانيكا الكم وعموم فإن الأمر ليس عشوائيا فى الحقيقة فى العالم الكمى بل هو مضبوط بضوابطه وقوانينه وتنجلى تلك الصورة عندما تعرف أن الإلكترون ليس جسما ولا موجة بل هو يجمع بعض صفات هذه وبعض صفات هذا فلا عجب إذن أن تجد العجب فى صفاته مثل التشابك الكمى والوضع الفائق الذى أشرت إليه
بارك الله فى جهدك ولا تحرمنا من مقالاتك لقيمة

Mahmoud Muhammad
11-01-2012, 04:07 PM
لكن لا أعلم لماذا بدأت المداخلة بميكانيكا الكم وعموم
لأن بعض الملاحدة يحاول تسويغ نشأة الحياة بمحض الصدفة نتيجة تفاعل عشوائى وبالرغم من كونه أمر غير منطقى من خلال الزعم بأن اللامنطقية ليست سببا كافيا لنرفض فكرة ان الحياة نشأت بشكل عشوائى بدليل أن عالم الجسيمات الأولية عالم لا بديهى ولا منطقى وعشوائى فى زعمهم

ابو ذر الغفارى
11-01-2012, 05:55 PM
نعم لكن هذا يشغبون به على دليل السببية ويرد عليهم ببيان أن للعالم الكمى قوانين لا يمكنه تجاوزها تماما مثل العالم الكلاسيكى وبهذا ينهدم دعواهم واما لو ذهبوا إلى دليل الإلحكام بدعوى عشوائية العالم الكمى فقد جمعوا بين جهلين اولا أن العالم الكمى لم تنهار فيه السببية كما سبق ذكره وثانيا أن العالم الكلاسيكى لا تنطبق عليه قوانين كيكانيكا الكم كما بين أنت هنا بارك الله فيك

فالمشاهدة تخبرنا شيئا آخر عن العالم المشاهد بالعين المجردة و عن الانظمة البيولوجية من أنها بديهية و لا تنشأ من خلال العشوائية

hamzaD
11-01-2012, 06:20 PM
من وجهة نظري ان يجب ان نفرق اين و متى يستخدم الملاحدة الكم. هم يستعملونه في نشاة الكون ولا شيء غير ذلك ( رغم انه اثبت يقينا ان الكم لا يفسر ظهور الكون من العدم المطلق ) و لا يستعمل من اجل تفسير ظهور الانظمة البيلوجية لان ببساطة الكم تنهار قوانينه ادا خرجنا من عالم الجسيمات التحت ذرية. وهذه الجسيمات لا علاقة لها بظهور الانظمة البيلوجية

Mahmoud Muhammad
11-01-2012, 08:00 PM
هذا ما حاولت توضيحه انه لا حجة لهم فى ما يجرى فى الانظمة التى تسلك سلوكا كميا فما ينطبق على هذه لا ينطبق على العالم المشاهد