طالبة علم و تقوى
11-10-2012, 02:29 AM
"يتيم أم " بقلم واسطة العقد
نشرت هذا القصة بإذن صاحبتها لأنها قصة أعجبتني أثّرت بي كثيرا بمعانيها العميقة و لغتها العذبة السهلة ....حفظ الله لنا أمهاتنا و رزقنا بِرّهن يا رب و رحم منهن الأموات وجازى الله خيرا أديبتنا أختنا الفاضلة العزيزة واسطة العقد
صِرت بخير، لستُ بخير
أجمل ابتسامة رأيتها بحياتي، ابتسامة طاهرة لا تنتمي لهذا العالم على محيا طفل بريء لما يدرك مكامن البؤس في واقعه، فلم يسرق منه الواقع برائته ، و لم يبدأ بنحت تجاعيده على وجهه بعد … كان هذا الطفل اجمل ذكرى احفظها بذاكرتي، ذكرى الجئ اليها و استرجع كل دقائقها و ثوانيها، كل الاصوات و الروائح و المناظر..كل ما احفظه بصندوق عقلي الاسود، حتى ملمس الاشياء احاول تذكره و تلمسه بيدي ، احاول قصارى جهدي ان اعيش تلك الايام مرة اخرى و ارجع بجسدي و عقلي و عمري و عمر الكون معي ل 15 سنة مضت.. احاول ان اجبر الزمان ان ينصاع لرغبتي فيرجع، ان تستلم عقارب الساعة فتبدأ بالدوران بالاتجاه المعاكس، ان احكم المكان فاعيده كما كان، اعيد كل حجر و بيت و شارع و عصفور و شجرة لمكانها في تلك القرية، ان اعيد من مات من قبره و ارجع الاطراف المفقودة لاجسادها، ان ارجع كل دمعة لعينها … و كل أهة و أنة خرجت بزفرة، ان ترجع لصدر صاحبها فتخرج مجددا ضحكة او ابتسامة.. احاول ان اعيد الزمن لتلك اللحظة التي التقيت ذاك الطفل بها، و اوقف الزمن و اجمد عقارب الساعة فيسكن الكون و لا يتحرك اي شيء، و نعلق كلنا بلحظة سرمدية لا تنتهي، فلا يمر الوقت و يعبر تلك اللحظة، و لا ارى ما رأيت.
كانت قريةُ فقيره وسط بلدٍ عالق بحرب لا يبدو انها ستنتهي، لولا انها انتهت، شارع من شوارعها و صحفية اجنبية لا تهتم لشيء الا لنقل خبرٍ او صورة تدر عليها رضى مرؤوسيها… الزمان و المكان و الملابسات، و صبي اسمه مصطفى، رث الثياب مهملٌ كغالبية اولاد الفقراء، حافي القدمين مثل اترابه من اطفال القرية، وجهه الجميل و صوته الرخيم نُحتا بذاكرتي فلا انساهما، اخبرني انه يتيم الام يقيم مع والده بمنزل صغير على اطراف القرية، و لم اكن احتاج منه تصريحًا بيتمه فيتيم الام يُعرف، ان كان فقيرًا سيء الحال او غنيًا فاحش الغنى.. يتيم الام يُعرف، للأم لمسة على ابنائها و رائحةٌ تعلق بهم، يتيم الأم تلمح في عينيه فراغًا، ترى وسط ابتسامته شيئًا ناقصًا فيها.. حتى لو كان الولد فقيرًا، فشعره ليس مسرحًا.. لا ام له لتمشطه بيديها، و ثيابه تحتاج ترقيعًا،لا أم له لتخيطها له، و نظرته و كلامه و معانقته لأمرأة غريبة كلمته بلطف لحاجته في نفسها، تُخبر عن حاجة لأم و تلمسه عن واحدة بين النساء… صورته بضع صور و اهديته قلمًا و دفتر فرح بهما اشد الفرح، سئلته عن حلمه فقال: اريد ان احكم العالم! ابتسمت شفقة لحال هذا الولد الفقير تعس الحال و اجبته اجابة لا تخلو من سخرية: ستحكمه يومًا ما… كان يتبعني كل يوم و يبحث عني و يرافقني بمسيرتي و لقاءاتي مع اهل القرية، تعلق بي و تعلقت به مع الوقت و كانت فكرة ان الفراق عنه مسألة وقت تؤلمني لأجله اكثر مما تؤلمني لأجلي، و كم انبت نفسي لأني خرقت بندًا مهمًا من بنود عملي و هو الا ارتبط عاطفيًا مع احد، اضطررت لترك القرية لأغطي احداثًا حصلت بمكان اخر، و عندما عدت كانت الحرب قد وصلت بقسوتها و دمويتها لتلك القرية، و مات.
__
منذ ماتت أمي تغيرت احوالي، لم يعد يهتم بي احد.. و بعد ان كنتُ بؤرة الحياة بعيني شخصٍ ما، بعينيها، اصبحت لا أرى، صرت انتمي لهذا الجزء المنسي من العالم، طفلٌ صغير يراه الاخرون و يعرفون اسمه، لكنهم لا يرونه حقًا و لا ينادونه باسمه، افتقدتها كثيرًا و لا اذكر ان ليلة مرت علي لم اذكرها بها و لم تغالبني دموعي، التي لم اتعب نفسي في منعها.. كنت اذكرها خصوصًا بليالي الشتاء، عندما انظر لثيابي الممزقة التي تحتاج لترقيع او عندما اشعر بالبرد وحدي ليلاً فاذكر انها كانت تاخذ لحافها و تلقيه فوقي و تذهب فأشعر بالدفء فجأة و لا اضطر لفتح عيني لأعلم انها امي، رؤية الامهات الاخريات كانت اقسى شيء عليّ و لطالما تسائلت و انا ارى نبرات الشفقة منهن احيانًا لم لا يتجاوزن مجرد الشفقة و التهامس عني الى التربيت على كتفي او رأسي، او مناداتي ببنيّ، او ترقيع ثوبي المهترئ بخيط لن يكلفهن الكثير و ابرة لن يخسرنها… كنتُ نسيًا منسيًا حتى بالنسبة لوالدي، بيوم من الايام اتت امرأة لقريتنا.. كانت صحفية كما قالت لي، كانت تشبه والدتي كثيرًا.. بشعرها و وجها و طيبة قلبها، تعلقت بها و وجودها سدَ جزءًا من الاحساس بالفقد الذي كنت اعانيه، بعد ان كنتُ افقد اشياء كثيرة جدًا صرت افقد اشياء كثيرة جدًا بنسبة اقل… نعم، كثيرة جدًا، فالام فقدها لا يعوضه انسان.
اذكر انها رأتني مرة و انا احاول سرقة تفاحة تتدلى من بستان لأحد مزارعي القرية، كنت اسرق منه دائمًا عندما اشعر بالجوع… نهرتني بقسوة و انبتني، لكني كنتُ سعيدًا.. كنت سعيدًا جدًا اني صرت املك شخصًا يقول لي لا، يصرخ بوجهي و يخبرني كم خاب امله فيّ، بعد ان كنتً لا املك احدًا، حتى والدي لم اكن املكه… وعدتها الا اعود للسرقة مجددًا، كنت مستعدًا لان اقايض طعم التفاح الذي لا استطيع توفيره، و جوعي الى ان يعود والدي فيطبخ وجبتنا الوحيدة، مقابل الاحساس اني املك امًا مجددًا، بعد فترة اخبرتني انها مضطرة للرحيل مؤقتًا و انها سترجع، بكيت كثيرًا، بكيت مثلما بكيت بجنازة امي.. شعرت اني سافقد امي مجددًا، تشبثت بثيابها و توسلت اليها الا تذهب و ان تأخذني معها لو كانت مضطرة للرحيل لكنها اكتفت بكلمة الى اللقاء، و عدت للجزء المنسي من العالم.. الجزء الذي ينتمي اليه كل ايتام الام.
بعد فترة اقتحم جنودٌ قريتنا، اصوات الرصاص افزعتني جدًا فبكيت و اختبئت بزاوية بيتنا، اختئبت هناك لوقت طويل ثم هدأت الاصوات و جُن الليل.. و خرجت لأبحث عن ابي، رأيت جثثًا لجنودٍ و جثث لاشخاص من قريتنا على الارض و الدماء في كل مكان، كان لونها اسود.. ربما لأني رايتها ليلاً، كنت خائفًا و وحيدًا و جائعًا لكني لم ابك.. تذكرت وعدي لها عندما مررت بجانب تلك المزرعة و لم تمتد يداي لتسرق رغم ان الجوع كان ينهش معدتي، لكني بكيت عندما تذكرتها و صوت بكائي، وحدي بذاك الشارع ليلاً و لا يوجد حولي غير الاموات.. صوت بكائي كان الشيء الحي الوحيد حولي، لكنه لم يدم طويلاً.. سمعت صوتًا من الخلف ثم شعرت بالم مفاجئ في معدتي، خرج من جسدي دم و لم استطع النظر للوراء، تألمت كثيرًا.. فجأة انقطع الالم و صرت بخير.. لم اعد اشعر بجوع او شوق او خوف، اظنني مِت.
نشرت هذا القصة بإذن صاحبتها لأنها قصة أعجبتني أثّرت بي كثيرا بمعانيها العميقة و لغتها العذبة السهلة ....حفظ الله لنا أمهاتنا و رزقنا بِرّهن يا رب و رحم منهن الأموات وجازى الله خيرا أديبتنا أختنا الفاضلة العزيزة واسطة العقد
صِرت بخير، لستُ بخير
أجمل ابتسامة رأيتها بحياتي، ابتسامة طاهرة لا تنتمي لهذا العالم على محيا طفل بريء لما يدرك مكامن البؤس في واقعه، فلم يسرق منه الواقع برائته ، و لم يبدأ بنحت تجاعيده على وجهه بعد … كان هذا الطفل اجمل ذكرى احفظها بذاكرتي، ذكرى الجئ اليها و استرجع كل دقائقها و ثوانيها، كل الاصوات و الروائح و المناظر..كل ما احفظه بصندوق عقلي الاسود، حتى ملمس الاشياء احاول تذكره و تلمسه بيدي ، احاول قصارى جهدي ان اعيش تلك الايام مرة اخرى و ارجع بجسدي و عقلي و عمري و عمر الكون معي ل 15 سنة مضت.. احاول ان اجبر الزمان ان ينصاع لرغبتي فيرجع، ان تستلم عقارب الساعة فتبدأ بالدوران بالاتجاه المعاكس، ان احكم المكان فاعيده كما كان، اعيد كل حجر و بيت و شارع و عصفور و شجرة لمكانها في تلك القرية، ان اعيد من مات من قبره و ارجع الاطراف المفقودة لاجسادها، ان ارجع كل دمعة لعينها … و كل أهة و أنة خرجت بزفرة، ان ترجع لصدر صاحبها فتخرج مجددا ضحكة او ابتسامة.. احاول ان اعيد الزمن لتلك اللحظة التي التقيت ذاك الطفل بها، و اوقف الزمن و اجمد عقارب الساعة فيسكن الكون و لا يتحرك اي شيء، و نعلق كلنا بلحظة سرمدية لا تنتهي، فلا يمر الوقت و يعبر تلك اللحظة، و لا ارى ما رأيت.
كانت قريةُ فقيره وسط بلدٍ عالق بحرب لا يبدو انها ستنتهي، لولا انها انتهت، شارع من شوارعها و صحفية اجنبية لا تهتم لشيء الا لنقل خبرٍ او صورة تدر عليها رضى مرؤوسيها… الزمان و المكان و الملابسات، و صبي اسمه مصطفى، رث الثياب مهملٌ كغالبية اولاد الفقراء، حافي القدمين مثل اترابه من اطفال القرية، وجهه الجميل و صوته الرخيم نُحتا بذاكرتي فلا انساهما، اخبرني انه يتيم الام يقيم مع والده بمنزل صغير على اطراف القرية، و لم اكن احتاج منه تصريحًا بيتمه فيتيم الام يُعرف، ان كان فقيرًا سيء الحال او غنيًا فاحش الغنى.. يتيم الام يُعرف، للأم لمسة على ابنائها و رائحةٌ تعلق بهم، يتيم الأم تلمح في عينيه فراغًا، ترى وسط ابتسامته شيئًا ناقصًا فيها.. حتى لو كان الولد فقيرًا، فشعره ليس مسرحًا.. لا ام له لتمشطه بيديها، و ثيابه تحتاج ترقيعًا،لا أم له لتخيطها له، و نظرته و كلامه و معانقته لأمرأة غريبة كلمته بلطف لحاجته في نفسها، تُخبر عن حاجة لأم و تلمسه عن واحدة بين النساء… صورته بضع صور و اهديته قلمًا و دفتر فرح بهما اشد الفرح، سئلته عن حلمه فقال: اريد ان احكم العالم! ابتسمت شفقة لحال هذا الولد الفقير تعس الحال و اجبته اجابة لا تخلو من سخرية: ستحكمه يومًا ما… كان يتبعني كل يوم و يبحث عني و يرافقني بمسيرتي و لقاءاتي مع اهل القرية، تعلق بي و تعلقت به مع الوقت و كانت فكرة ان الفراق عنه مسألة وقت تؤلمني لأجله اكثر مما تؤلمني لأجلي، و كم انبت نفسي لأني خرقت بندًا مهمًا من بنود عملي و هو الا ارتبط عاطفيًا مع احد، اضطررت لترك القرية لأغطي احداثًا حصلت بمكان اخر، و عندما عدت كانت الحرب قد وصلت بقسوتها و دمويتها لتلك القرية، و مات.
__
منذ ماتت أمي تغيرت احوالي، لم يعد يهتم بي احد.. و بعد ان كنتُ بؤرة الحياة بعيني شخصٍ ما، بعينيها، اصبحت لا أرى، صرت انتمي لهذا الجزء المنسي من العالم، طفلٌ صغير يراه الاخرون و يعرفون اسمه، لكنهم لا يرونه حقًا و لا ينادونه باسمه، افتقدتها كثيرًا و لا اذكر ان ليلة مرت علي لم اذكرها بها و لم تغالبني دموعي، التي لم اتعب نفسي في منعها.. كنت اذكرها خصوصًا بليالي الشتاء، عندما انظر لثيابي الممزقة التي تحتاج لترقيع او عندما اشعر بالبرد وحدي ليلاً فاذكر انها كانت تاخذ لحافها و تلقيه فوقي و تذهب فأشعر بالدفء فجأة و لا اضطر لفتح عيني لأعلم انها امي، رؤية الامهات الاخريات كانت اقسى شيء عليّ و لطالما تسائلت و انا ارى نبرات الشفقة منهن احيانًا لم لا يتجاوزن مجرد الشفقة و التهامس عني الى التربيت على كتفي او رأسي، او مناداتي ببنيّ، او ترقيع ثوبي المهترئ بخيط لن يكلفهن الكثير و ابرة لن يخسرنها… كنتُ نسيًا منسيًا حتى بالنسبة لوالدي، بيوم من الايام اتت امرأة لقريتنا.. كانت صحفية كما قالت لي، كانت تشبه والدتي كثيرًا.. بشعرها و وجها و طيبة قلبها، تعلقت بها و وجودها سدَ جزءًا من الاحساس بالفقد الذي كنت اعانيه، بعد ان كنتُ افقد اشياء كثيرة جدًا صرت افقد اشياء كثيرة جدًا بنسبة اقل… نعم، كثيرة جدًا، فالام فقدها لا يعوضه انسان.
اذكر انها رأتني مرة و انا احاول سرقة تفاحة تتدلى من بستان لأحد مزارعي القرية، كنت اسرق منه دائمًا عندما اشعر بالجوع… نهرتني بقسوة و انبتني، لكني كنتُ سعيدًا.. كنت سعيدًا جدًا اني صرت املك شخصًا يقول لي لا، يصرخ بوجهي و يخبرني كم خاب امله فيّ، بعد ان كنتً لا املك احدًا، حتى والدي لم اكن املكه… وعدتها الا اعود للسرقة مجددًا، كنت مستعدًا لان اقايض طعم التفاح الذي لا استطيع توفيره، و جوعي الى ان يعود والدي فيطبخ وجبتنا الوحيدة، مقابل الاحساس اني املك امًا مجددًا، بعد فترة اخبرتني انها مضطرة للرحيل مؤقتًا و انها سترجع، بكيت كثيرًا، بكيت مثلما بكيت بجنازة امي.. شعرت اني سافقد امي مجددًا، تشبثت بثيابها و توسلت اليها الا تذهب و ان تأخذني معها لو كانت مضطرة للرحيل لكنها اكتفت بكلمة الى اللقاء، و عدت للجزء المنسي من العالم.. الجزء الذي ينتمي اليه كل ايتام الام.
بعد فترة اقتحم جنودٌ قريتنا، اصوات الرصاص افزعتني جدًا فبكيت و اختبئت بزاوية بيتنا، اختئبت هناك لوقت طويل ثم هدأت الاصوات و جُن الليل.. و خرجت لأبحث عن ابي، رأيت جثثًا لجنودٍ و جثث لاشخاص من قريتنا على الارض و الدماء في كل مكان، كان لونها اسود.. ربما لأني رايتها ليلاً، كنت خائفًا و وحيدًا و جائعًا لكني لم ابك.. تذكرت وعدي لها عندما مررت بجانب تلك المزرعة و لم تمتد يداي لتسرق رغم ان الجوع كان ينهش معدتي، لكني بكيت عندما تذكرتها و صوت بكائي، وحدي بذاك الشارع ليلاً و لا يوجد حولي غير الاموات.. صوت بكائي كان الشيء الحي الوحيد حولي، لكنه لم يدم طويلاً.. سمعت صوتًا من الخلف ثم شعرت بالم مفاجئ في معدتي، خرج من جسدي دم و لم استطع النظر للوراء، تألمت كثيرًا.. فجأة انقطع الالم و صرت بخير.. لم اعد اشعر بجوع او شوق او خوف، اظنني مِت.