المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كفر الذبابة



ابن القيم
12-17-2004, 08:09 AM
زعموا أن ذبابة سوداء كانت من حمقى الذبان، وقعت مرة على وجه امرأة زنجية فجعلت تقابل بينها وبين المرأة وقالت: إن هذا لمن أدل الدلائل على أن العالم فوضى لا نظام فيه.. عبث في عبث.. ولا ريب أن الأنبياء قد كذبوا الناس إذ كيف يستوي في الحكمة خلقي (أنا) وخلق هذه الذبابة الضخمة التي أنا فوقها؟
ثم نظرت ليلة إلى السماء فرأت النجوم متلألئة والقمر بينها فقالت: وهذا دليل آخر على ما تحقق عندي من فوضى العالم وكذب الأديان.. وإلا فكيف يستوي في الحكمة وضعي (أنا) في الأرض ورفع هذا الذبان الأبيض ويعسوبه الكبير إلى السماء ؟ ..
ثم انتقلت إلى مزرعة فشاهدت بقرة ضخمة فقالت: هذا أكبر دليل على فوضى الدنيا فهاتان ذبانتان استقرتا على وجه البقرة وظلتا تأكلان من جسمها حتى سمنتا والناس. الأغبياء الجهلة بالعلم الذباني يحسبانهما عينان .. وأنا أمضيت اليوم بطوله ألسع وأعض لأحاول أن أجعل لنفسي مكانا بينهما فلم أفلح.. فهل يستوي في الحكمة رزقي (أنا) ورزقهما ؟
ثم رأت خنفساء تدب على الأرض فنظرت إليها باستعلاء وقالت: تمام هذا لا يصلح دليلا على الكفر؛ فإني (أنا) خير منها فلي أجنحة و(أنا) خفيفة .. ثم تناهى إلى سمعها حديثا بين الخنفساء وأختها: إذا لم يجد المخلوق أنه خلق كما يشتهي فليكفر كما يشاء، فلماذا لم نكن كهذا الجاموس العظيم ؟؟ وما بيننا من فرق إلا أنه وجد من ينفخه ولم نجد !!
هنا أعجبت الذبابة بفطنة الخنفساء وقالت: هذا دليل عقل هذه العاقلة.. إنها لتمشي متثاقلة مشية الوقور مثقلة بأفكارها..
ظلت الذبابة تدندن : أنا أنا أنا أنا أنا أنا أنا... فانتقلت من كفر إلى كفر حتى لكأن الكون كله كان في معركة مع ذبابة ...
ثم جاءت الحقيقة إلى هذا الإلحاد الأحمق.. فبينا الذبابة واقفة على ظهر حائط وقد أكلت من القمامة ما أكلت معجبة بنفسها تحك ذراعيها ببعضهما ـ
دنت بطة صغيرة قد انفلقت عنها البيضة أمس فمدت منقارها فالتقطتها..
ولما انطبق المنقار عليها قالت: آمنت أنه لا إله إلا الذي خلق البطة ...
بتصرف عن كتاب: وحي القلم لمصطفى صادق الرافعي ج2 ص221-229

عَرَبِيّة
04-26-2010, 02:16 AM
مواضيع خفيفة لطيفة ساخرة واقعية , و أخرى عميقة مدججة بالبراهين , كلها تعرض الإلحاد و تعريه وتكشفه و تسحقه .
اختفى أصحاب المواضيع , ولم يتركوا خلفهم سوى علم نافع ينتفع به , أسأل الله أن يكونوا بخير أينما كانوا وجزاهم الله عنّا خير الجزاء .

أما في هذا الزمن فأمثال تلك الذبابة كثير تعج بهم صفحات الشبكة العنكبوتية حتى تكاد تتقيأهم .
هدانا الله و إياهم إلى سواء السبيل .