المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من وقع في الشرك لجهل معجز .. هل يسمى مشرك أو مسلم ؟



الأسمر
04-13-2006, 10:26 PM
سؤال 026:شيخي الفاضل .. حفظكم الله من كل سوء وشر .. هناك سؤال ما زال يحيرني ، ولا أجد له جواباً يشفي القلب .. سؤالي هو عمّن دخل في الإسلام دخولاً صحيحاً ، ثم طرأ على إسلامه شرك أكبر .. كالسجود لصنم، الذبح والنذر لغير الله ، دعاء غير الله ... إلخ . وهو معذور بالجهل .. يعني جهله جهل معجز ملجئ ..طيب ، السؤال يا شيخ .. هو لا نستطيع أن نقول في حق هذا أنه موحد .. لأنه لم يوحد الله سبحانه وتعالى .. بل يشرك معه غيره ..
إذن فحقيقة أمره أنه مشرك .. سواء أكان معذوراً بالجهل أم لا، لأنه يعبد غير الله تعالى .. فيلحقه اسم الشرك ولا بد، ويكون من أهل الفترة .. لأنه يستحيل أن يبقى على إسلامه وهو غير موحد ، عابد لغير الله تعالى .. فمتى ما زال وصف ، خلفه نقيضه .. فقد زال عن هذا وصف التوحيد ، وخلفه نقيضه الذي هو الشرك .. وإليك بعض أقوال العلماء في المسألة:
قال ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحمد بن ناصر آل معمر ، قالا :( إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله ، أو عدم من ينبهه ، لا نحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة، ولكن لا نحكم بأنه مسلم.[ الدرر10/136].
ونقل عبد اللطيف ابن الحفيد الإجماع على أن من أتى بالشهادتين ، لكن يعمل الشرك الأكبر ، أنه لم يدخل في الإسلام ا- هـ. [المنهاج ص 10 ، وفتاوى الأئمة النجدية /93].
وقال ابن تيمية - رحمه الله - : ( ولهذا كان كل من لم يعبد الله فلا بد أن يكون عابداً لغيره ... وليس في ابن آدم قسم ثالث ، بل إما موحد أو مشرك ، أو مَن خلط هذا بهذا، كالمبدلين من أهل الملل والنصارى ، ومن أشبههم من الضُّلال المنتسبين إلى الإسلام ) . [الفتاوى 14 / 284 ، 282] .
قال عبد اللطيف ابن الحفيد في شرح كلام ابن القيم : ( إن ابن القيم جزم بكفر المقلدين لمشايخهم في المسائل المكفرة ، إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته، وتأهلوا لذلك وأعرضوا ولم يلتفتوا ، ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل ، فهو عنده من جنس أهل الفترة ، وممن لم تبلغه دعوة الرسول ، لكنه ليس بمسلم ، حتى عند من لم يكفره ا- هـ [ فتاوى الأئمة النجدية 3/231 ].
عذراً على الإطالة يا شيخي الفاضل .. ما لا أفهمه هو .. قال الله تعالى :{هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} يعني لا صنف ثالث، إما كافر، وإما مؤمن .. فكيف يسوغ لنا أن نقول : هذا رجل غير مسلم، بل هو مشرك، لكن لا يصح تكفيره إلا بعد إقامة الحجة؟
ألا نستطيع أن نصوغها بقولنا : هو كافر، لكنه غير معذب في الآخرة إلا بعد إقامة الحجة .. أليس هذا أقوم وأليق يا شيخ .. وجزاك الله خيراً؟الجواب:الحمد لله رب العالمين. هذه المسألة كما هي أشكلت عليك أشكلت على غيرك كذلك؛ لذا لا بد من بحثها بشيء من التفصيل، عسى أن تتضح لكم إن شاء الله، وينجلي عنك وعن غيرك ما غُم عليكم.
وألخص جوابي في النقاط التالية:
1- يوجد خطأ في طرح السؤال والموضوع؛ رجل دخل الإسلام دخولاً صحيحاً ثم هو مع ذلك يعبد الأصنام، والأوثان عبادة صريحة من دون الله .. وعن جهل معجز!
أقول: هذا غير ممكن الحصول .. وهو طرح لا واقع له إلا في عالم الخيال والتصور .. وهي صورة غير واقعية وغير ممكنة الحدوث .. كيف يدخل الإسلام دخولاً صحيحاً بشهادتي التوحيد وإقامة الصلاة .. ثم هو مع ذلك يعبد الأصنام والأوثان ويسجد لها عن جهل معجز .. من دون أو مع الله؟!!
أي جهل معجز هذا وهو قد دخل الإسلام من باب العلم بالتوحيد وبشهادة التوحيد ..؟!!
لذا فالقول الفصل فيمن كان هذا وصفه؛ أي أتى بشهادة التوحيد لفظاً .. وهو لا يدري معناها ولا ما ترمي إليه من دلالات .. وهو مع ذلك يعبد الأصنام والأوثان ويسجد لها من دون الله .. ولا يجد في ذلك حرجاً ولا تعارضاً مع تلك الشهادة التي تلفظ بها .. فهذا ليس مسلماً، ولم يدخل الإسلام بعد .. كما لا يجوز أن نُقحم موضوع العذر بالجهل أو موانع التكفير في مثل هذه المواضع؛ لأن المرء لم يدخل الإسلام بعد .. فهو لم ينتقل بعد من وصفه الكفري والشركي .. وبالتالي لا يجوز إقحامه فيما تم فيه النزاع!
2- فإن عُلم ذلك، أقول: مورد النزاع في رجل دخل الإسلام دخولاً صحيحاً بشهادتي التوحيد، وثبت له إسلامه، وأقام الصلاة، والأركان الأخرى .. ثم هو لجهل معجز وقع في نوع شرك مما يُستساغ فيه الجهل، كالجهل المتعلق بالطاعة، والمحبة، والاتباع .. والاستحسان .. والتحليل والتحريم .. والتوسل بذات المخلوق ونحو ذلك .. فمثل هذا النوع من الشرك الخفي على كثير من الناس .. ممكن للمرء أن يقع فيه عن جهل معجز لا يمكن دفعه .. فهذا الذي تم عليه النزاع .. وهذا الذي ينبغي أن يدور عليه النقاش .. لا بد من ضبط مورد النزاع أولاً قبل أن نعترض أو نكثر من نقولات أهل العلم ونضعها في غير موضعها!
أنا أقول: هذا الذي تقدم ذكره ووصفه، هو مسلم ..!
وأنت ونفر من ورائك تقولون: لا، بل هو كافر أو مشرك؛ قد فقد مسمى الإسلام مطلقاً .. ويُعامل في الدنيا معاملة الكافرين، قد وقع في نوع من الشرك، وبالتالي لا بد من أن يُسمى مشركاً!
أقول لك: بم نفيت عنه مسمى الإسلام، وأسميته مشركاً ..؟!
تقول لي: وقع في الشرك، ولا بد من أن ينسحب عليه مسمى وحكم المشرك ..!
أقول: يُعترض عليك بالقاعدة الشرعية المتفق عليها، والتي دلت عليها عشرات النصوص، وهي " الكفر العام لا يستلزم دائماً كفر المعين "، وقد قمت بشرحها والتدليل عليها في كتابي قواعد في التكفير، يمكنك مراجعتها.
ويُعترض عليك كذلك بالقاعدة الشرعية والمتفق عليها، والتي تقول:" الإسلام الصريح لا ينقضه إلا الكفر أو الشرك الصريح "، وقد شرحناها كذلك في كتابنا المذكور آنفاً.
ويُقال لك كذلك: هذا المسلم الذي يقع في نوع من أنواع الشرك تحت ظرف الإكراه .. ما حكمه واسمه عندك ..؟!
فإن قلت: هو مشرك لوقوعه في الشرك، فلا بد من أن يُلحق به مسمى ووصف وحكم المشرك ..!
أقول لك: قد خالفت بذلك النص والإجماع .. وهذا قول لم يقل به أحد من أهل العلم.
وإن قلت: هو مسلم مع وقوعه في نوع من أنواع الشرك؛ لوجود عذر ومانع الإكراه الذي يمنع من تكفيره أو الحكم عليه بالشرك.
أقول: قد أصبت النص والإجماع .. ولكن قل في هذا الذي يقع في نوع من أنواع الشرك عن جهل معجز لا يمكن له دفعه، ما قلته في الذي يقع في نوع من أنواع الشرك عن إكراه!
فكما أن الإكراه عذر قاهر يمنع عن المعين المسلم لحوق مسمى الكفر أو الشرك لو وقع في شيء من ذلك .. كذلك الجهل المعجز الذي لا يمكن دفعه هو عذر قاهر يمنع عن صاحبه مسمى وحكم الكفر أو الشرك لو وقع في شيء من ذلك .. فعلام يُعذر المكره ولا يُعذر الجاهل ذو الجهل المعجز الذي لا يستطيع دفع جهله؟!
فإن قلت: النص عذر المكره ..!
أقول لك: كذلك النص عذر العاجز الذي لا يستطيع دفع جهله فيما قد جهل فيه، كما قال تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}البقرة:268. وقال تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا}الطلاق:7. وقال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}التغابن:16. وفي الحديث المتفق عليه:" وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ". وغيرها كثير من النصوص الدالة على أن التكليف على قدر الطاقة والمستطاع، وهذا من نعم الله على عباده ومن سعته عليهم.
فإن قلت: كيف نفهم ونفسر نصوص أهل العلم التي اقتطعتها لك ..؟!
أقول: لا تعارض بين ما اقتطعته من أقوال أهل العلم، ومع قولنا هذا، وهاأنذا أتناول ما ذكرته عن أهل العلم نصاً نصاً:
قلتَ: قال ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحمد بن ناصر آل معمر ، قالا : ( إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله ، أو عدم من ينبهه ، لا نحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة، ولكن لا نحكم بأنه مسلم ) [الدرر10/136].
أقول: مَن هذا الذي يعمل بالكفر والشرك .. وما صفته .. هل هو الكافر الذي دخل الإسلام بكلمة لا يعرف معناها ولا شيء من مقتضياتها .. أم هو المسلم الذي دخل الإسلام وثبت إسلامه بالتوحيد ثم وقع منه نوع شرك عن جهل معجز لا يمكن دفعه .. فالنص المقتطع مبهم ومتشابه وغير واضح .. فليس بمثله تقرر العقائد والأصول!!
ثم كيف هو ليس بكافر ولا مسلم .. فما هو إذاً؟!
إن قلت: هو مشرك ..!
أقول: المشرك هو الكافر لا فرق، كما سيظهر لك ..!
قلتَ: ونقل عبد اللطيف ابن الحفيد الإجماع على أن من أتى بالشهادتين ، لكن يعمل الشرك الأكبر ، أنه لم يدخل في الإسلام ا- هـ. [المنهاج ص 10 ، وفتاوى الأئمة النجدية /93].
أقول: وهذا قولنا الأول المثبت أعلاه؛ فهذا أتى بالشيء وضده؛ وبالتالي لم يثبت له الإسلام لحظة واحدة .. وهو كما ذكرت لك ليس عليه النزاع والخلاف!
وعليه فالنص لا حجة فيه فيما نحن فيه ..!
قلت: وقال ابن تيمية - رحمه الله - : ( ولهذا كان كل من لم يعبد الله فلا بد أن يكون عابداً لغيره ... وليس في ابن آدم قسم ثالث ، بل إما موحد أو مشرك ، أو مَن خلط هذا بهذا ، كالمبدلين من أهل الملل والنصارى ، ومن أشبههم من الضُّلال المنتسبين إلى الإسلام.[الفتاوى 14 / 284 ، 282] .
أقول: أين الشاهد من هذا النص على ما اختلفنا عليه .. هل تراني قلت أو أقول الذي لا يعبد الله .. هو موحد وغير مشرك .. حتى تقتطع مثل هذا النص؟!!
قلت: قال عبد اللطيف ابن الحفيد في شرح كلام ابن القيم : ( إن ابن القيم جزم بكفر المقلدين لمشايخهم في المسائل المكفرة، إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته، وتأهلوا لذلك وأعرضوا ولم يلتفتوا ، ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل ، فهو عنده من جنس أهل الفترة ، وممن لم تبلغه دعوة الرسول ، لكنه ليس بمسلم ، حتى عند من لم يكفره ا_هـ. [ فتاوى الأئمة النجدية 3/231 ].
أقول: تأمل قوله " إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته "، ونحن حديثنا عن الجاهل العاجز الذي لا يستطيع دفع جهله .. فليس في النص دليل على ما تم الخلاف عليه.
وقوله :" ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل ، فهو عنده من جنس أهل الفترة .."، وهذا الكلام على من لم يدخل الإسلام مطلقاً ولا يعرف عنه شيئاً .. ونحن حديثنا عن المسلم الذي عرف الإسلام والتزمه ثم وقع في نوع كفر أو شرك عن عجز لا يمكن له دفعه .. فالخلاف في واد النص المستدل به في واد ..!!
لذا يا أخانا الحبيب .. ليس العبرة في كثرة اقتطاع النقولات عن أهل العلم .. وتسويد عشرات الصفحات بها .. كما يفعل البعض ممن يظنون أنهم يُحسنون صنعاً .. وإنما العبرة والواجب أن تقتطع النص الذي يتناول ما تم النزاع عليه تناولاً مباشراً، ويعنيه من جميع جوانبه .. فهذا الذي يُطالب بإحضاره .. وليس أي نص وأي قول.
بعض الإخوان يرمي أمامي عشرات بل ومئات النصوص المقتطعة من أقوال أهل العلم ـ كحاطب ليل ـ ثم يقول لي: رد عليها إن استطعت .. فهذه النصوص كلها بخلاف قولك .. وبشيء من التأمل السريع أجد أن النصوص المقتطعة في واد .. والمسألة المختلف عليها في واد آخر .. لكن المشكلة الكبرى تكون عندما لا يجدني الأخ مشغولاً في الرد على نصوصه المقتطعة نصاً نصاً؛ فتراه يتيه بين الناس وفي المنتديات قائلاً ألزمت فلاناً الحجة ولم يحر جواباً .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
وتتمة للجواب عما سألت عنه أنقل لك سؤالاً قد أجبت عنه من قبل .. فإليك السؤال والجواب:
س: قال أحد المشايخ أن من فعل الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر وهو جاهل جهلاً ملجئاً معجزاً فإنه يصدق عليه اسم مشرك، ولا يدخل في مسمى المسلمين؛ لأنه مشرك بربه ويعدل، والإسلام هو دين التوحيد، فأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله لا إله إلا الله، ولكنه لا يكفر حتى تقام عليه الحجة .. سؤالي يا شيخ: كيف يتسنى أن نسمي رجلاً مشركاً ثم نقول ليس كافراً، أليس الشرك كفراً؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. هذا الكلام لا نص عليه من كتاب أو سنة، ولم يقل به عالم معتبر ممن سلف، والثابت عن بعضهم أن الكافر المشرك الذي يدخل الإسلام ـ بشهادة التوحيد ـ وهو لا يزال متلبساً بالكفر والشرك فلم يقلع عنه .. فهذا الذي لم يحملوا عليه وصف وحكم واسم الإسلام، وأبقوا عليه وصفه وحكمه الذي كان عليه قبل نطقه لشهادة التوحيد؛ إذ أنه يأتي بالشيء وضده في آنٍ معاً، ومن كان كذلك لا ينتفع بإقراره بالتوحيد لا في الدنيا ولا في الآخرة، ويُسمى قولاً واحداً كافراً مشركاً.
هذا الكلام أو ما في معناه قد تجده لبعض أهل العلم، ولكن لا تجد عالماً واحداً يصف مسلماً موحداً، تُجرى عليه أحكام الإسلام .. ثم هو لسبب قهري وعن عجز وجهل لا يمكن له دفعه .. يقع في فعل كفري أو شركي .. ثم لأجل ذلك ترى هذا العالم يرفع عنه حكم ومسمى الإسلام؛ فلا يُسميه مسلماً ولا كافراً .. ولكن يُسميه مشركاً .. هذا لم يقل به عالم قط ممن سلف .. كما أن الأدلة على خلافه!
ثم نسأل ما قيمة موانع التكفير التي تكلم عنها أهل العلم ـ ودلت عليها نصوص الشريعة ـ إذا كانت لا تمنع ـ عن هذا المسلم الذي وقع في كفر أو شرك عن جهل معجز وملجئ ـ مسمى الشرك، ولا تمنع عنه انتفاء حكم ومسمى الإسلام ..؟!
فموانع التكفير تمنع عن صاحبها مسمى الكفر والشرك، كما تمنع أن تُجرى عليه أحكام الكفر والشرك .. فتمنع عنه الاثنين معاًً!
ثم نسأل أصحاب هذا القول: هذا الذي سلبتموه مسمى الإسلام وحكمه وأجريتم عليه مسمى الشرك .. أي الأحكام تُجرى عليه في الدنيا ـ قبل أن تُقام عليه الحجة ـ أحكام الإسلام أم أحكام الكفر والشرك؟!
فإن قالوا: أحكام الكفر والشرك ..!
نقول لهم: ما قيمة حديثكم إذاً عن عدم تكفيره حتى تُقام عليه الحجة .. ولماذا تُقام عليه الحجة وأحكام الكفر والشرك تُجرى عليه؟!!
وإن قالوا: تُجرى عليه أحكام الإسلام .. ويُعامل معاملة المسلمين من حيث ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات!
قلنا لهم: ما قيمة وصفكم له بالمشرك ونفي مسمى وحكم الإسلام عنه إذا كان سيُعامل معاملة المسلمين وتُجرى عليه أحكامهم؟!
فالأحكام والمسميات يتبعها أحكام ومواقف ومعاملات، ويترتب عليها حقوق وواجبات؛ إذ يستحيل أن تحكم على معين بالشرك وتسميه مشركاً وتنفي عنه مسمى الإسلام ثم تعامله معاملتك للمسلمين ..!
فإن علمت ذلك، وعلمت اضطرابهم فيما ذهبوا إليه، بقي عليك أن تعلم أن كل كفر هو شرك، وكل شرك هو كفر، والمشرك كافر، والكافر مشرك، فإذا أطلق أحدهما فهو يشمل الآخر ولا بد.
كما قال تعالى:{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ}آل عمران:151. فالذين كفروا هم أنفسهم وصفوا بأنهم أشركوا، فدل أن كل من كفر فقد أشرك.
وكذلك قوله تعالى:{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ}التوبة:17. فهم مشركون وبنفس الوقت كافرون يشهدون على أنفسهم بالكفر.
وكذلك قوله تعالى عن صاحب الحديقة المشرك كما في سورة الكهف، ففي آية وصفه بالكفر كما في قوله تعالى:{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً}الكهف:37. وفي آية أخرى وصفه بأنه مشرك وقد أشرك كما في قوله تعالى:{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً}الكهف:42. فدل أن كل كافر مشرك، وكل مشرك كافر.
وكذلك قوله تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ}المائدة:73. ولا شك أن القول بأن الله ثالث ثلاثة هو شرك وأن قائله مشرك، ومع ذلك حكم الله عليه
بالكفر.
وفي الحديث فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك ". وفي رواية:" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "، فمرة حكم عليه بالكفر ومرة حكم عليه بالشرك، مما دل أن أحدهما يستلزم الآخر ولا بد.
وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- :" من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك "، إذ لا فرق بين الكلمتين ـ كفر أو أشرك ـ ولك أن تقول لمن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك؛ لأن لهما نفس المعنى والدلالة من الناحية الشرعية.
وفي قوله -صلى الله عليه وسلم- :" الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل ". قال ابن تيمية في الفتاوى 7/67: قال ابن عباس وأصحابه: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وكذلك قال أهل السنة كأحمد وغيره ا- هـ.
فتأمل كيف فسر الشرك الخفي الوارد ذكره في الحديث والذي يعني الرياء بقول ابن عباس وأصحابه: كفر دون كفر!
ولكن الذي يمكن أن يُقال: أن اللفظين إذا اجتمعا في عبارة أو نص واحد كقولك: هذا كفر وشرك أو هذا كافر مشرك، ففي هذه الحالة يتفقان من حيث الحكم الشرعي وما يترتب عليه، ويختلفان من حيث الدلالة اللغوية لكل كلمة منهما؛ فتكون دلالة الكفر لبيان جانب الجحود والنكران .. وتغطية وستر ما يجب إظهاره .. والشرك لبيان الوقوع في الشرك من جهة الإقرار بتعدد الآلهة، وصرف العبادة لها من دون الله، والله تعالى أعلم.
----
الحوار المفتوح معَ أعضاءِ مُنتدى المأسَدَة

الأسمر
04-14-2006, 01:19 AM
الحوار المفتوح معَ أعضاءِ مُنتدى المأسَدَة
والمجيب هو الشيخ أبو بصير الطرطوسي

ابو مارية القرشي
04-14-2006, 12:34 PM
الحمد لله وبعد،
فالشيخ أبو بصير لم يحقق هذه المسألة على الوجه الصحيح وأخطأ في فهم أقوال أئمة الدعوة النجدية ، وهي صريحة في عدم العذر بالجهل مطلقا وأن من تلبس بالشرك فهو مشرك ، ولكن لا يعذب في الدنيا والآخرة حتى تقوم عليه الحجة، والتفريق بين المشرك الذي لم يتلفظ بكلمة التوحيد أبدا والمشرك الذي تقوم فيه حقيقة الشرك مع سبق إسلامٍ له غير صحيح ألبتة ولا وجه له.

ولشيخنا أبي مريم عبد الرحمن بن طلاع المخلف مقال مهم عن الفرق بين الشرك والكفر تجده على هذا الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=20390&highlight=%C7%E1%DD%D1%DE+%C8%ED%E4+%C7%E1%DF%DD%D 1+%C7%E1%D4%D1%DF

وأرجو أيضا مراجعة كتاب الحقائق في التوحيد للشيخ علي الخضير وكتابه المتممة .

وبارك الله في الشيخ أبي بصير وحفظه وسدده.

الأسمر
04-17-2006, 08:25 PM
بارك الله فيك أخي الحبيب أبومارية وقد اطلعت على كتاب الشيخ الخضير وشرحك له جزاك الله خيراًَ

الحمد لله وبعد،
فالشيخ أبو بصير لم يحقق هذه المسألة على الوجه الصحيح وأخطأ في فهم أقوال أئمة الدعوة النجدية ، وهي صريحة في عدم العذر بالجهل مطلقا وأن من تلبس بالشرك فهو مشرك ، ولكن لا يعذب في الدنيا والآخرة حتى تقوم عليه
وإن تلبّس بالشرك ومات على ما هو عليه وهو جاهل جهل معجز ولم يدرك أنه على الشرك مع بذل الجهد ولم تقم عليه الحجة ؟



الشيخ علي بن خضير الخضير
يدعي بعض خصوم الدعوة السلفية أن في كتب أعلام الدعوة السلفية - في نجد في القرنين السابقين - تكفير وعدم عذر بالجهل وكثير من الأخطاء ، وأن مشايخ السلفية المعاصرين لا يوافقون المتقدمين ولا يجرئون على بيان تخطئتهم تحت ستار احترام العلماء !! وكأنهم معصومين.
والسؤال : الذي أراه أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد انحرف بها المرجئة كثيرا ، أو أن الشيخ تكفيريا كما يقول خصومه ، لأن الجمع بين حال وأقوال المتقدمين والعلماء المتأخرين واضح التكلف. فهل تكرمت شيخنا برد سوء فهمي ؟
والسؤال بصورة أوضح : لو خرج الإمام محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة في هذا الحال فمإذا سيكون مصيره وموقفه بناء على ثوابته ومنهجه.
أرجو الشيخ التفصيل وعدم الإجمال و الله اعلم ؟
الجواب :
أئمة الدعوة منذ الإمام العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى وقتنا الحاضر ، وهم مجمعون بدون استثناء على عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر ، بل من ذبح لغير الله أو استغاث ودعا الموتى أو صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله أو شارك الله في التشريع فإنهم يسمونه مشركا ، ولو كان جاهلا أو متأولا أو مقلدا............الخ الفتوى
--------
الشيخ أبو قتادة الفلسطيني :
لدي سؤال عن عوام المسلمين من يستغيث منهم بغير الله - وهم الأغلب - أو يطوف بالقبور أو يسأل أصحابها أو ينذر لغير الله أو يذبح ما حكمهم هل هم كفار أم لا؟ ومتى يكونون كفارا ؟ وما هو حد إقامة الحجة عليهم حتى يحكم عليهم بالكفر ؟
أرجو من فضيلتكم إفادتي في هذا الموضوع وإشفائي - بإذن الله - بارك الله فيكم وفي علمكم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب :
أخي السائل :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
اعلم أخي أن إعذار هؤلاء بالجهل هو مذهب كبار الأئمة الذين تكلموا في هذه المسائل.
فقد أعذرهم ابن تيمية ولم يقل بكفرهم عندما تكلم عن هذه المسائل في كتابه " الاستغاثة الكبرى " - أو " الرد على البكري " - وعلل ذلك بسبب غياب الكثير من معالم الرسالة، وهذا في عصره وكان يتكلم عن القضاة والمفتين كالبكري مثلا.
وهو ما قاله ابن عبد الوهاب كما هو منتشر في الدرر السنية في مواطن متعددة، وهو قول الكثير من أتباعه كسلمان بن سحمان، وهو قول علامة العراق محمود شكري الألوسي كما في كتابه " غاية الأماني في الرد على النبهاني .......................الخ الفتوى

ابو مارية القرشي
04-17-2006, 08:58 PM
أخي الأسمر بارك الله فيك وجزاك خيراً.
من كان حاله كما ذكرت من حرص على معرفة الحق مع الجهل التام ولكنه متلبس بالشرك فإنه يسمى مشركاً ، وقد نص على ذلك الأئمة ولن تجد أحداً سماهم مسلمين ولكنهم يعذرون من ناحية عدم لحوق العذاب بهم ، بل يمتحنون يوم القيامة على القول الراجح.
فكل من ذكرت أخي الكريم يمنعون لحوق اسم الكفر المتعلق به العذاب في الدنيا والآخرة ولا يمنعون لحوق اسم الشرك واسم الكفر بمعنى الشرك ألبتة ، والناس قبل بعثة الأنبياء في زمن جهل وعدم قيام الحجة ولكنّ الله سمّاهم مشركين ولم ينف عنهم هذا الأسم ، لانهم متلبسون به؛ فالشرك اسم لفعل مذموم لا تعلق له بقيام الحجة ، فمن زنى فإنه يسمى زانٍ ومن سرق يسمى سارق ومن كذب يسمى كاذب ومن أشرك فإنه يسمى مشرك ، وتفصيل هذا الكلام في رسالة شيخنا المخلف عن الفرق بين الكفر والشرك وكذلك في شرح الحقائق ، وقد جمع الشيخ علي الخضير أقوال أئمة الدعوة النجدية في مذكرة رائعة سماها (( المتممة في العذر بالجهل)) فلتراجع فإن لم تكن عندك رفعتها لك إن شاء الله ، وستجد فيها أقوال الأئمة مبسوطة بشكل واضح ، والشيخ علي الخضير من المختصين بأقوالهم ومن أهل السبر التام لأقوالهم.
والله الموفق.