المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلام نفيس لابن المرتضى اليماني



كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-18-2012, 09:22 PM
واعلم أن كثرة التعنت في النظر تؤدي إلى طلب تحصيل الحاصل والتشكيك فيه وقد جربنا ذلك وتأثيره في الموسوسين في الطهارة وفي النية وأمثالهما من الأمور الضرورية فإذا صح مرض العقول في الضروريات بسبب التعنت والغلو في تحصيل الحاصل فكيف إذا وقع هذا السبب في محارات العقول ودقائق الكلام وتوهم المبتلي بالوسوسة أنه لا طريق له إلى معرفة الله تعالى إلا تلك الدقائق الخفية والقواعد المختلف فيها بين أذكياء البرية ومن أمارة عدم اليقين فيها استمرار الخلاف بعد طول البحث من الأذكياء من أهل الإنصاف ومن علماء أهل الإسلام ولا تحسبن أن العلة في ذلك دقتها بل العلة عدم الطريق إلى معرفتها.... ولذلك لا تختلف علماء العربية والمعاني والبيان في كل دقيق بل يتفقون حيث تكون المقدمات صحيحة وإن دقت ولا يختلفون إلا حيث تكون المقدمات ظنية بل المتكلمون في الحقيقة كذلك لكنهم إنما يتفقون في أمور يستغنى في معرفتها عن علم الكلام وعن معرفتها في علم الكلام ثم يختصون من بين أهل العلوم بدعوى القطع في مواضع الظنون وتركيب التعادي والتأثيم والتكفير على تلك الدعاوى إلا أفرادا من أئمتهم وأذكيائهم توغلوا حتى فهموا أنهم انتهوا إلى محارات منتهى العقول فيها الميل إلى إمارات ظنية..

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-18-2012, 09:30 PM
وبهذا نعلم أن النظر العقلي المتعمق فيه مع أنه لا حاجة إليه في معرفة الحق ، فهو مظنة أن يشكك في الحقائق ، ويوقع في اللبس والاشتباه والضلال والحيرة ، وتجد في كلام الغزالي وغيره - ممن خبروا الكلام - ما يصرح بأن النظر العقلي المتعمق فيه لا يكاد ينتهي إلى يقين ، وإنما هي شبهات تتقارع ، وقياسات تتنازع ، فإما أن ينتهي الناظر إلى الحيرة ، وإما أن يعجز فيرضى بما وقف عنده ولا سيما إذا كان موافقاً لهواه ، وإما أن لا يزال يتطوح بين تلك المتناقضات حتى يفاجئه الموت ..

هذا من كلام المعلمي في التنكيل ..

التسليم خير
11-18-2012, 10:27 PM
كلام نفيس يكتب بماء الذهب
رعاك المولى وحفظك وسدد خطاك.

اخت مسلمة
11-19-2012, 09:00 PM
سبحان الله !
كم عقِلوا , وكم فُتحت لهم نفائِسُ العلم والمنطق والفهم والإدراك المتكامِل !!
هؤلاء هم جهابذتنا ولنبحث عن نفائِسهم هذه وننقّب عنها فهيَ أحوج مانحتاجه بالفعل
جزاكَ الله خيراً ولاحرمنا من تنقيباتِك المميزة

اخت مسلمة
11-19-2012, 09:05 PM
وهاهوَ مفصلُ القول مما نحتاجهُ هنا لطبيعة المكان من نفس الكتاب :

فقد اتضح بحمد الله عز وجل أن النظر العقلي المتعمق فيه كثيراً ما يوقع في الغلط ، إما بأن يبنى على إحساس غلط لم يتنبه لغلطه ، و إما بأن يبنى على قضية وهمية يزعمها بديهية عقلية ، و إما بأن يبنى على شبهة ضعيفة فيرد بها البديهية العقلية زاعماً أنها وهمية ، و إما بأن يبنى على لزوم باطل يراه حقاً ، و قد تبين بالفلسفة الحديثة المبنية على الحس و التجربة و تحقيق الاختبار بالطرق و الآلات المخترعة – غلط كثير من نظريات الفلسفة القديمة في الطبيعيات ، و كثير من تلك النظريات كانت عند القوم قطعية يبنون عليها ما لا يحصى من المقالات حتى في الإلهيات ، فما ظنك بغلطهم في الإلهيات ؟ و هم يعتمدون فيها على قياس الغائب على الشاهد ، فقد يقع الغلط في اعتقاد مشاركة الغائب للشاهد في بعض الأمور ، أو في اعتقاد مخالفته له ، أو في اعتقاد اللزوم في الشاهد أبنائه على استقرار ناقص أو غيره من الأدلة التي لا يؤمن الغلط فيها ، أو في اعتقاد أنه غير محقق إذا لزم في الشاهد لزم في الغائب ، أو في تركيب القياس ، أو غير ذلك مما يشتبه و يلتبس ، كما يتضح لمن طالع كتب الكلام و الفلسفة المطولة ، و لاسيما إذا طالع كتب الفريقين المختلفين كالأشاعرة و المعتزلة ، فالنظر العقلي المتعمق فيه مع أنه لا حاجة إليه في معرفة الحق كما تقدم فهو مظنة أن يشكك في الحقائق و يوقع في اللبس و الاشتباه و الضلال و الحيرة ، و تجد في كلام الغزالي و ةغيره ما يصرح بأن النظر العقلي المتعمق فيه لا يكاد ينتهي إلى يقين ، و إنما هي شبهات تتقارع و قياسات تتنازع ، فأما أن ينتهي الناظر إلى الحيرة ، و أما أن يعجز فيرضى بما وقف عنده و لاسيما إذا كان موافقاً لهواه ، و أما أن لا يزال يتطوح بين تلك المتناقضات حتى يفاجئه الموت .

ألا ليتَ القومَ يفهمون !!!