المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طائرة بلا ربان



هشام بن الزبير
11-21-2012, 11:15 PM
كانت طائرة الإيرباص الضخمة تحلق على علو خمسة آلاف قدم, نظر من النافذة فخيل إليه أنها تسبح في حقل من القطن, تمنى لو يمد يده لينتزع قطعة من السحاب المتراكم, تمثلت له نفسه ذرَّة تسبح في الفضاء, كان الناس يأكلون ويشربون ويثرثرون ويضحكون, كأنهم يتفننون في قطع الوقت ودفع الملل, التفت إلى الرجل بجنبه فوجده منهمكا في لعبة إلكترونية, فجأة نبت في عقله سؤال: "من أنا؟ وكيف جئت إلى هنا؟ وأين تنتهي الرحلة؟" إنه لا يذكر شيئا إلا أنه كان قبيل لحظات ينعم بالنظر إلى السحاب دون أن يضطر إلى رفع بصره إليه, عاودته أسئلته فهمَّ أن يسأل جاره حين ارتفع صوت آلي: " مرحبا أيها المسافرون, هذا تسجيل إلكتروني, أنتم وحدكم على متن الطائرة, ليس أحد هنا سواكم, تدبروا أمركم, يمكن لمن شاء أن يحضر شرابا أو طعاما لنفسه, رحلة ممتعة"
لم يصدق أذنيه, قام يمشي حتى بلغ مقصورة القيادة, تردد في الدخول وحين لم يسمع صوتا فتح الباب فكاد قلبه يتوقف لهول الصدمة, لم يكن ثمة أحد! عاد إلى مقعده وهو يرتجف, نادى الركاب بصوت متهدج: "إننا في ورطة عظيمة, الطائرة بلا ربان, سنتحطم حتما!" نظر إليه الناس من حوله نظرة إشفاق, ثم عادوا إلى ما كانوا فيه, زادت حيرته, التفت إلى الرجل عن شماله فوجده منهمكا في لعبه, فصرخ في وجهه: "يا لك من أحمق, أنت في طائرة بلا ربان, ولا تجد شيئا تفعله أفضل من هذه اللعبة الغبية؟" فأجابه دون أن يفارق بصره شاشة حاسوبه: "وما الحاجة لربان, قوانين الطبيعة تتكفل بكل شيء, نطير ونهبط كما نولد ونموت, إيش المشكلة؟ يا رجل استمتع بالرحلة وكف عنا أسئلتك الساذجة."
أغمض صاحبنا عينيه هنيهة ثم فتحهما كأنه يحاول أن يستيقظ من كابوس خانق, لكن شيئا لم يتغير, إن هذا يحدث بالفعل, إنه ليس نائما, غير أنه استيقن شيئا واحدا, استيقن أن الناس من حوله فقدوا عقولهم, إذ كيف يطمئنون إلى طائرة خارجة عن سيطرة قوة عاقلة, كيف ينعمون باللهو على متن مركب لا يُدرى من أين جاء ولا إلى أين يسير, كيف يثقون بعالم هذه حاله ولا كيف يكون مآله؟

muslim.pure
11-22-2012, 10:53 AM
جزاك الله خيرا
قصة توضح عقلية الملحدين المتخلفة هذا ان كان هناك عقل اصلا

أبو كنزى
11-22-2012, 12:10 PM
أعجبتنى كثيرا هذه القصة الصغيره فى كلماتها الكبيره بمفهومها
وكم أشتاق لمعرفة رأى الملحدين فى هذا الموقف
ماذا تفعل لو كنت مكانه؟

أبو عثمان
11-22-2012, 05:59 PM
كعادة أديبنا الأريب هشام متعة فكرية بنكة أدبية !
لا حُرمنا منك , كم اشتقت لك سيدي :)

هشام بن الزبير
11-23-2012, 11:40 PM
بارك الله فيكم جميعا, إنني فكرت في قول الملحدين إن الكون خالق نفسه, وأن كل ما نرى فيه من حكمة ونظام يفسر من داخله, أي أن الكون لا تسيره قوة مريدة حكيمة عادلة, فقلت في نفسي, إذن حُقَّ لمن كانت هذه عقيدته أن يحيا في رعب وجزع وخوف وقلق, فالحمد لله على نعمة الإسلام.

متروي
11-24-2012, 12:05 AM
والله إن الكرة الأرضية الطائرة في الكون أحقر من الطائرة في السحاب و هؤلاء لا ينتهبون ولا يهتمون إلا عند إصطدام طائرة عمرهم بالأجل المحتوم .

هشام بن الزبير
12-04-2012, 08:23 AM
صدقت أخي متروي, وبدل أن يتأمل الملحد في عظمة هذا الخلق والحكمة منه, يتبجح بدعواه المضحكة: لا فائدة من بلايين المجرات إذ ليس فيها حياة!
لكني أتعجب حقا أن الملاحدة العرب لا يلتفتون لمعنى ما ذكرته في قصتي: كون لا ربّ له, لا يُدرى إلى أين يسير, كيف يطمئن إليه الملحد؟ من أين يأتي بشيء اسمه الطمأنينة والسكينة؟ كيف يسألنا في عقيدتنا وهو يؤمن بمثل هذا الهراء؟ كيف يجادل قوما قلوبهم مطمئنة بإيمانهم, يعلمون إلى أين تسير بهم سفينة الحياة, ولو سلمنا جدلا أننا واهمون ,فلماذا يجتهد أن يصرفنا عن يقيننا إلى شكه وحيرته, وعن طمأنينتنا إلى قلقه واضطرابه؟