المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ !



ماكـولا
01-03-2013, 02:30 AM
مما اخبر الله به في كتابه من الحقائق الكونية , منها ما هو مشاهد ومنها ما هو في طور الغيب ولما يخرج الينا في عالم المشاهدة , ومنه ما قد يشترك فيه الامران !
فقد أخبرنا الله عن عظيم صنعه , خلقه , وابداعه في الكون , ومن ذلك ما جاء في السماء , عددها , وبنائها .. الخ
فأخبرنا سبحانه انها بناء قال الله " وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا " وقال " أفلم ينظروا إلى السمآء فوقهم كيف بنيناها وزيناها" وقال " أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها "
قال ابن عاشور " والسمك: بفتح السين وسكون الميم: الرفع في الفضاء كما اقتصر عليه الراغب سواء اتصل المرفوع بالأرض أو لم يتصل بها وهو مصدر سمك.
والرفع: جعل جسم معتليا وهو مرادف للسمك فتعدية فعل {رَفَعَ} إلى "السمك" للمبالغة في الرفع، أي رفع رفعها أي جعله رفيعا، وهو من قبيل قولهم: ليل اليل، وشعر شاعر، وظل ظليل."

وقال الحافظ " أي جعلها عالية البناء بعيدة الفناء مستوية الأرجاء مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء"
قال ابو جعفر " يقول تعالى ذكره: فسوى السماء، فلا شيء أرفع من شيء، ولا شيء أخفض من شيء، ولكن جميعها مستوي الارتفاع والامتداد."

وفي ذكر الحكمة من تكرار لفظ البناء يقول الرازي في مفاتيح الغيب " فما الحكمة فيه نقول فيه وجوه أحدها أن البناء باق إلى قيام القيامة لم يسقط منه شيء ولم يعدم منه جزء وأما الأرض فهي في التبدل والتغير فهي كالفرش الذي يبسط ويطوي وينقل والسماء كالبناء المبني الثابت وإليه الإشارة بقوله تعالى سَبْعاً شِدَاداً وأما الأراضي فكم منها ما صار بحراً وعاد أرضاً من وقت حدوثها ثانيها أن السماء ترى كالقبة المبنية فوق الرؤوس والأرض مبسوطة مدحوة والبناء بالمرفوع أليق كما قال تعالى رَفَعَ سَمْكَهَا "

وأخبر انها بغير عمد " خلق السماوات بغير عمد ترونها"وقال " الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش"

قال الفخر "واعلم أن امتداد الشيء إذا أخذ من أعلاه إلى أسفله سمي عمقاً وإذا أخذ من أسفله إلى أعلاه سمي سمكاً فالمراد برفع سمكها شدة علوها حتى ذكروا أن ما بين الأرض وبينها مسيرة خمسمائة عام و قد بين أصحاب الهيئة مقادير الأجرام الفلكية وأبعاد ما بين كل واحد منها وبين الأرض وقال آخرون بل المراد رفع سمكها من غير عمد وذلك مما لا يصح إلا من الله تعالى"

وأنها طبقات سبع " "الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير"

وقال الفحر " والفطور جمع فطر وهو الشق يقال فطره فانفطر ومنه فطر ناب البعير كما يقال شق ومعناه شق اللحم فطلع قال المفسرون هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ أي من فروج وصدوع وشقوق وفتوق وخروق ... أمر بتكرير البصر في خلق الرحمن على سبيل التصفح والتتبع هل يجد فيه عيباً وخللاً يعني أنك إذا كررت نظرك لم يرجع إليك بصرك بما طلبته من وجدان الخلل والعيب بل يرجع إليك خاسئاً أي مبعداً من قولك خسأت الكلب إذا باعدته قال المبرد الخاسيء المبعد المصغر وقال ابن عباس الخاسيء الذي لم ير ما يهوى وأما الحسير فقال ابن عباس هو الكليل قال الليث الحسر والحسور الإعياء
وذكر الواحدي ههنا احتمالين أحدهما أن يكون الحسير مفعولاً من حسر العين بعد المرئي قال رؤبة يحسر طرف عيناه فضا

الثاني قول الفراء أن يكون فاعلاً من الحسور الذي هو الإعياء والمعنى أنه وإن كرر النظر وأعاده فإنه لا يجد عيباً ولا فطوراً بل البصر يرجع خاسئاً من الكلال والإعياء

وههنا سؤالان

السؤال الأول كيف ينقلب البصر خاسئاً حسيراً برجعه كرتين اثنتين الجواب التثنية للتكرار بكثرة كقولهم لبيك وسعديك يريد إجابات متوالية
السؤال الثاني فما معنى ثُمَّ اْرجِعِ الجواب أمره برجع البصر ثم أمره بأن لا يقنع بالرجعة الأولى بل أن يتوقف بعدها ويجم بصره ثم يعيده ويعاوده إلى أن يحسر بصره من طول المعاودة فإنه لا يعثر على شيء من فطور.." وقال "الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن"

وأخبر أنها سقف محفوظ " وَجَعَلْنَا السّمَآءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ ءَايَاتِهَا مُعرِضُونَ"
قال الرازي " في المحفوظ قولان أحدهما أن محفوظ من الوقوع والسقوط الذين يجري مثلهما على سائر السقوف كقوله وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الاْرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ " وقال وَمِنْ ءايَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالاْرْضُ بِأَمْرِهِ " وقال تعالى إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ أَن تَزُولاَ" وقال وَلاَ يُؤَدّهِ حِفْظُهُمَا "

الثاني محفوظاً من الشياطين قال تعالى وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ثم ههنا قولان أحدهما أنه محفوظ بالملائكة من الشياطين والثاني أنه محفوظ بالنجوم من الشياطين والقول الأول أقوى لأن حمل الآيات عليه مما يزيد هذه النعمة عظماً لأنه سبحانه كالمتكفل بحفظه وسقوطه على المكلفين بخلاف القول الثاني لأنه لا يخاف على السماء من استراق سمع الجن

المسألة الثالثة قوله تعالى وَهُمْ عَنْ ءايَاتِهَا مُعْرِضُونَ معناه عما وضع الله تعالى فيها من الأدلة والعبر في حركاتها وكيفية حركاتها وجهات حركاتها ومطالعها ومغاربها واتصالات بعضها ببعض وانفصالاتها على الحساب القويم والترتيب العجيب الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة

المسألة الرابعة قرىء عن آيتها على التوحيد والمراد الجنس أي هم متفطنون لما يرد عليهم من السماء من المنافع الدنيوية كالاستضاءة بقمرها والاهتداء بكواكبها وحياة الأرض بأمطارها وهم عن كونها آية بينة على وجود الخالق ووحدانيته معرضون.."

وانها خلقت بقوة "والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون" أي: بقوة. قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والثوري، وغير واحد، { وإنا لموسعون } ، أي: قد وسعنا أرجاءها ورفعناها بغير عمد، حتى استقلت كما هي.

واخبر الله أن لها أبوابا ً فقال "وفتحت السماء فكانت أبوابا" وقال " لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ"
والباب هو الحائل بين الجهتين دخولاً وخروجاً , كتنظيم عروج الملائكة ونزولها , وفتح ابواب السماء بالماء المنهمر , والى غير ذلك

واخبر انها ذات حُبك " وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ"
روى الطبري " عن عوف، عن الحسن، قوله( والسماء ذات الحبك ) قال: حبكت بالخلق الحسن، حبكت بالنجوم... وعن عكرمة، عن قوله( والسماء ذات الحبك ) قال: ذات الخلق الحسن، ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب قال: ما أحسن ما حبكه...

وانه سبحانه زينها بالنجوم " وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ" وقال " إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ" وقد جعلها كذلك حفظاً و سداً منيعاً , ورجوماً للشياطين " وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم" وقال " وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ"

ووصف بأنها ذات بروج " والسماء ذات البروج " واختلف في معنى البروج !
قال الشنقيطي "والبروج: جمع برج. واختلف العلماء في المراد بالبروج في الآيات المذكورة، فقال بعضهم: البروج: الكواكب، وممن روي عنه هذا القول مجاهد وقتادة، وعن أبي صالح: أنها الكواكب العظام، وقيل: هي قصور في السماء عليها الحرس، وممن قال به عطية، وقيل: هي منازل الشمس والقمر، قاله ابن عباس: وأسماء هذه البروج الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت.

قال مقيده عفا الله عنه: أطلق تعالى في "سورة النساء" البروج على القصور الحصينة في قوله: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}، ومرجع الأقوال كلها إلى شيء واحد؛ لأن أصل البروج في اللغة الظهور ومنه تبرج المرأة بإظهار زينتها، فالكواكب ظاهرة، والقصور ظاهرة، ومنازل القمر والشمس كالقصور بجامع أن الكل محل ينزل فيه، والعلم عند الله تعالى."

وهو المتعين .. فقد قال الله " ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم" وقال " تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا"

واخبر أن الجنة في السماء ورزقنا فيها " وفي السماء رزقكم وما توعدون " فالرزق المطر ، فإنه سبب الأقوات , والجنة في السماء

واخبر عن ظاهرة النجم الطارق الذي يطرق في فضائها " والسماء والطارق , وما ادراك ما الطارق النجم الثاقب "

وفي آخر الزمان يتلاشى هذا البناء ويتشقق وينفطر قال تعالى " {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} والانفطار في قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} وتقشط "وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ" قال ابن قتيبة والفراء أي نزعتْ فطويتْ كما يقشطُ الغِطاءُ عن الشيء.
وقال سبحانه "يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ"
قال القاسمي " أي : كطي الصحيفة على مكتوبها . فاللام بمعنى على وهو ما اختاره ابن جرير ."

"فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ" قال ابن عاشور " وقد شبه انشقاق السماء بانشقاق الوردة ...والوردة تنشق من أعلاها حين ينفتح برعومها فيوشك إن هن تفطرن أن يخررن على الأرض" وقال ابو جعفر " يقول تعالى ذكره: فإذا انشقت السماء وتفطرت، وذلك يوم القيامة، فكان لونها لون البرذون الورد الأحمر...واختلف أهل التأويل في معنى قوله:( كالدهان )، فقال بعضهم: معناه كالدهن صافية الحمرة مشرقة...وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عني به الدهن في إشراق لونه، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب."

وقال "يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ " قال القاسمي " وهو ردي الزيت ، يعني في لونه الكدر وذوبانه ، لصيرورتها إلى الفناء والزوال"

وقال "يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْراً " اي تدور بما فيها, وتضطرب وتتحرك بسرعة كما قال ابن قتيبة والطبري وغيرهم

فالامر عظيم , والخطب جسيم , وان غداً لناظره لقريب , فلتنظر نفس ما قدمت لغد , فما تنفع نفس ايمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت في ايمانها خيراً , فنعوذ بالله من الخذلان ! فعلى المخذول ان يفيق , وليعلم ان الحادث آيلٌ الى خمود , وانه لن يبقى الا الحيّ القيوم , فعلام الاغترار , وعلام الفرار من العزيز الغفار , وقد خلق الخلق أطواراً , وبنا فوقنا سبعاً طباقاً فمالكم لا ترجون لله وقاراً ! أأنتم أشد خلقا أم السماء , وقد علمتم ما سيحل فيها من الانفطار والانشقاق الكشط , والطوي ..
فنسأل الله السلامة والعافية , وحسن الخاتمة