المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما وراء القصر : رسالة إلى كل ملحد



ابن العربي
02-06-2013, 03:21 PM
القصر

مثلنا و مثل الملحدين كما لو كنا طفلين صغيرين نشئنا وحيدين سويا في قصر عظيم جميل متناسق مترامي الأطراف، و لا نذكر أبدا أننا رأينا بشرا من قبل مثلنا، و مع أننا لا ندري سبب وجودنا في هذا القصر و لا من أين جئنا لكن وجدنا في هذا القصر كل شيء نحتاجه من أكل و شرب و دواء و غرف للنوم و ألعاب و تلفزيون و حتى بعض الحيوانات الظريفة و الطيور الأليفة و أشياء كثيرة ممتعة، و مع أن هذا القصر لم يخل من متاعب فإن فيه على العموم تفاصيل كثيرة جدا تدل على اهتمام (موجده) بنا نحن الاثنين وتدل على صفاته التي لا يمكن أن نتصف بها لأننا لم ننشأ عليها و لم نكتسبها كعلم التصميم و القدرة على الإبداع و القدرة على الخلق أو الإكتساب.

و عشنا في هذا القصر زمنا ثم بلغنا رشدنا و افترقت بنا السبل لما غدا الطفل الأشقر الذي نشأ معي يتعمق أكثر في تفاصيل القصر التي لا تنتهي فعرف عنها أكثر و تمكن من استغلالها حتى صار يبدع و يخترع و بدأ يعجب بنفسه، على عكس ما حصل لي إذ أغرقت نفسي في التسائل عن البدايات و النهايات و عن صاحب هذا القصر العظيم الذي لم يترك شيئا ضروريا إلا و هيأه لنا حتى ورق الحمام، و ظهر غرور زميلي الأشقر واضحا عندما حدثته مرارا عن سر هذا القصر و لماذا نحن فيه و لماذا كل هذه العناية بنا فأبدى اعتزازا بالغا بنفسه و اعتدادا بقدراته و مكاسبه التي تتعلق كلها بمحتويات القصر و شيء مما أبدعه كنتيجة لهذه المحتويات، و استمر في ادعاء المعرفة بالكثير عن هذا القصر حتى مواد صنعه و كيفية تركيبه، فلا يقبل أبدا فكرة من وراء القصر و الحكمة من وجودنا فيه بحجة واحدة و هي أنه لم يره أحد منا قط.

ثم مضينا على هذه الحال إلى أن طرق باب القصر طارق ففتحنا له فبدا لنا في صورة حسنة و أنسنا لحديثه و كان مما حدثنا عنه أنه مرسل من صاحب القصر برسالة يعرفنا به فيها و يدلنا على أشياء كثيرة في قصره لم أكن و لم يكن زميلي الذي هو أعرف مني على دراية بها، و مع أن هذا الزائر نفسه لم يكن على علم بها لأننا لم نره قط، فبادرت إليه أنا فرحا و طلبت منه المزيد لأعرفه عن صاحب القصر و الفضل العظيم أكثر من القصر ذاته، لكن زميلي بدا على وجهه الامتعاض من حديث الزائر الغريب، و عندما استرسل في حديثه بدأ في تنبيهنا إلى ما ينبغي أن نحذره من محاذير خلال مقامنا في القصر ، كما نبهنا إلى أن هذا السكن الفاتن و المريح ليس مثاليا بالنسبة لطموحنا و منتهى رغبتنا، و كان هذا إحساسي من قبل أن أسمع ما سمعته من هذا الزائر الوقور الذي قدم لنا كل بينة على سر وجودنا في هذا القصر و أنه مجرد اختبار من المتفضل علينا فإن آمنا به و شكرنا فضله و عملنا فيه بالحسنى أخذنا إلى قصر فوق ما نرغب فيه و نطمح إليه و شكرنا على قدر عملنا بأضعاف ما نستحق مع أنه هو المستحق للشكر دون أن يرتب على ذلك شكرا، كما أنه وعدنا بان يعوضنا عن كل حادث بغير تأمين فمهما أصابنا من شيء فسيضاعف لنا تعويضه أضعافا مضاعفة، و إن نحن أنكرنا جميع فضله علينا و استكبرنا فلا جزاء غير الحبس المؤبد مع كل أصناف الإهانة. (و تجدر الإشارة هنا إلى أن الله تفضل علينا بوجودنا مطلقا و بشكل واضح و ليس بمجرد قصر).

بدت على وجه زميلي علامات الاضطراب و الاستفهام ثم ما لبث أن أفضى به ذلك إلى الاستنكار و أعلن أن كل القصة كذب و فبركة من الزائر و أيضا ما أخبرنا به من تفاصيل مغيبة عنه مما كان و مما استجد في القصر و حتى ما أرشدنا إليه من مصالح و ما نهانا عنه من مفاسد، بل حتى القدرات المميزة التي بدت على الرسول لم تحرك ساكنا في زميلي فمضى راكبا رأسه لا يعبأ بوعد و لا وعيد، فما كان مني إلا أن حذرته صباحا و مساء بأن مدة لبثنا في هذا القصر قصيرة و أن مردنا إلى صاحب القصر والفضل علينا معا و أننا إن لم نستطع أن نراه الآن فذلك لأننا لم نقم بشيء حتى الآن لنلقاه به، فلماذا نختار الكفر على الشكر و قد جاءنا رسول صادق منه بكل بينة و منطق سليم ؟ و كل ما قدمه لي زميلي كحجة هو أن القصر العظيم لم يوجده أحد، لقد وجد منذ الأزل ثم أردف قائلا : لا لقد أوجد نفسه بنفسه و لم يحتج إلى موجد، ما يهم هو أن نستمتع بمقامنا فيه كما نشاء، فوجد أن هذا أريح له و وقفت همته عنده، أما أنا فآمنت بصاحب الفضل و اشتقت إلى لقائه و رجوت ما عنده و خشيت عقابه الذي إن حل بي لم يكن ظلما لي، و إنما أكون ظالما لنفسي، فيكفي أنه أرسل لي رسول صدق ليثبت لي أنه يحبني ابتداءا و أنه لم يتخل عني.


بسم الله الرحمن الرحيم

{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا اللَّـهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴿٣٥﴾ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ﴿٣٦﴾ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ﴿٣٧﴾ إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ﴿٣٨﴾ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٣٩﴾ إِلَّا عِبَادَ اللَّـهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿٤٠﴾ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ ﴿٤١﴾ فَوَاكِهُ ۖ وَهُم مُّكْرَمُونَ ﴿٤٢﴾ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿٤٣﴾ عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴿٤٤﴾ يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ﴿٤٥﴾ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴿٤٦﴾ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴿٤٧﴾ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ﴿٤٨﴾ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ ﴿٤٩﴾ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴿٥٠﴾ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴿٥١﴾ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ﴿٥٢﴾ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﴿٥٣﴾ قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ ﴿٥٤﴾ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ﴿٥٥﴾ قَالَ تَاللَّـهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ ﴿٥٦﴾ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴿٥٧﴾ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ﴿٥٨﴾ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴿٥٩﴾ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٦٠﴾ لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴿٦١﴾} سورة الصافات

{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} ﴿١٥﴾ سورة الإسراء

إلى حب الله
02-06-2013, 07:54 PM
بارك الله فيك أخي على هذا المثال الدقيق ما شاء الله ..
وأرجو أن نقرأ من كتاباتك دوما ًكل ما هو مفيد كما ظهر لنا إلى الآن ..
وفقك الله ..

ابن العربي
02-07-2013, 10:29 PM
و فيك بارك الله أخي الكريم، بصراحة لقد كفيتم ووفيتم إن شاء الله .. و جزاكم الله خيرا