المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان!



AbuOmar
04-25-2006, 09:41 PM
تَنُص المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة."

يرى العديد من العلمانيين والملحدين أن الإسلام يتناقض تناقضاً صارخاً مع هذا الحق الإنساني! وينطلقون من هذه المادة على أنها مسلّمة من المسلّمات، ولكن...
هل حُرّية تغيير الديانة أو العقيدة هي حق شخصي؟؟ وهل هي حرية بلا قيود كما يظهر في نص هذه المادة؟!!

إن أكثر النقاط المشتركة التي ترتبط بتعريف الثقافة من وجهة نظر علماء الاجتماع هي اللغة والقيم والمعايير والأفكار والسلوكيات والأهداف، ومن ذلك تقول أكثر تعريفات علم الاجتماع عن المجتمع أنه "مجموعة من الأفراد يشتركون في الثقافة، تربطهم علاقات منتظمة من خلال أدوار، لهم هوية وانتماءات وخصائص تميّزهم عن غيرهم من المجتمعات الأخرى".

ويُضيف علماء الاجتماع في معرض الحديث عن الثقافة أنها شيء يتم اكتسابه في إطار الجماعة، ويتم نقله للأجيال عن طريق التنشئة الاجتماعية،هذه الثقافة تنشأ وتتطور بجهد جماعي، وتمثّل طريقة حياة الجماعة، وليست معتقدات فردية... وحتى الأفكار الفردية في إطار الجماعة يمكن أن تتحوّل في حال تبنّي الجماعة لها إلى مخزون جماعي مشترك، الأمر الذي يعني أن الثقافة ليست ترفاً فكرياً وليست أيضاً مُلكاً شخصياً (وأعني بالمُلك الشخصي هنا أن الثقافة ليست شيء مُرتبط بالفرد بمعزل عن المجتمع بحيث أنه يمكن التصرف بها دون التأثير على الغير)، وعندما يُريد شخص تغيير ثقافته (بشكل أَخَصّ عقيدته)، فهو يُريد تغيير طريقة الحياة التي يعيشها في مجتمعه إلى طريقة أخرى (قد تكون موجودة عند مجتمعات أُخرى أو قد تكون غير موجودة أصلاً)، هذه العملية لها سلبياتها الكثيرة والتي سيأتي تفصيلها في مجال المشكلات الاجتماعية.

إضافةً لما سبق، عند وجود حقوق (والتي منها الحريات) بدون واجبات (أو القيود)، أو واجبات بدون حقوق، فإن هذا يُفضي إلى ظهور خلل وعدم اتّزان في المجتمع الذي يمارس الحقوق فقط أو الواجبات فقط ، أي أنه حتى لو تم اعتبار الحرية العقائدية حرية شخصية، فإن التعامل معها كقيمة مُطلقة (كما يظهر في المادة 18) ستُفضي إلى مشكلات اجتماعية في المجتمع، فمثلاً، عندما ننظر إلى الزنا، نجد أن الغرب اعتبره من الحريات الفردية، هذه الحرية نشأ عنها العديد من المشكلات الإجتماعية، مثل التفكك الأسري، آلاف اللقطاء، والعديد من الأمراض الجنسية المستفحلة... (لمزيد من الأمثلة، ارجع لمقال "الحرية...القيمة المستحيلة" مجلة العربي).

يأخذنا الحوار هنا أيضاً للحديث عن العلاقة بين الاعتقاد والسلوك، إذ لا يجوز الفصل بين السلوك والاعتقاد، فعموم السلوكيات الطبيعية التي يمارسها أي فرد في العالم هي سلوكيات نابعة عن اعتقادات وقناعات يؤمن بها، لذلك تغيير السلوك يلزمه تغيير الاعتقادات (قد يُغيّر الإجبار السلوك، ولكنه تغيير سلوك مُرتبط بالمؤثّر فقط-الذي هو الإجبار )، وبالمقابل، تغيّر المُعتقد يتبعه تغيّر السلوك....لذلك لا يمكن القول أن الإنسان يحق له أن يعتنق ما يشاء من الأفكار، ثم لا نناقش تأثير هذا الاعتقاد على السلوكيات، والتأثير على المجتمع.

النظرية التقليدية في المشكلات الاجتماعية:

تنطلق هذه النظرية من أن الجماعة أو المجتمع لا يمكن أن يقوم ويستمر إلاّ بوجود نظام عام (وهذا ما أشار إليه أيضاً ابن خلدون في كتابه المقدمة)، ويتمثل هذا النظام بالبناء الاجتماعي والثقافة، ويتكوّن من أجزاء مترابطة بينها علاقات تبادلية تعمل في مجموعها على حالة من الاستقرار والتوازن، وتُحدَّد المشكلات وتُعرف بخرق هذه الحالة أو جزء منها.

عملية الخرق هذه تُخِل باستقرار المجتمع وحالة التوازن فيه، ينبثق عن هذا التغيير خلط وعدم وضوح في المعايير وعدم اتّفاق حول الأهداف الاجتماعية، فتصبح هذه الحالة من اللانظام والفوضى المعيارية وتفكّك الروابط، الظرف الذي تُولَد المشكلات في رحمه، وينعكس هذا كله عل سلوك الأفراد وأنماط الشخصية، كما أن هذه النظرية تفسّر قيام الثقافات الفرعية والمضادة، والتي تختلف في بعض أو العديد من قيمها ومعاييرها مع الثقافة العامة، مما يؤدي إلى تباين في المواقف والمصالح، الذي يؤشّر سلباً في حالة الاستقرار والتضامن.

إن فكرة إعطاء الحرية بتغيير الدين في المجتمع (أي مجتمع) يعني أن الدولة تسمح بتفكك المجتمع بغض النظر أكانت النوايا في تغيير الدين سيئة أم حسنة، فالنتيجة النهائية لعملية تغيير الدين هي تفكك المجتمع، والنتيجة النهائية لخيانة الوطن هي تفكك المجتمع، حيث تُعطينا هذه النظرية توضيح لأسباب وجود حد الردة وسبب تشابه عقوبة الردة وعقوبة خيانة الوطن (وعقوبة الساحر-الذي يُفرّق بين المرء وزوجه- والذي بالنهاية يعني تفكك وحدات بناء المجتمع (الأسرة)).

يبدو أن المادة (18) وفكرة "حرية تغيير الدين" هي فكرة غارقة حتى أذنيها بالمغالطات، وقبل إنهاء الكلام في هذا الموضوع، لننظر إلى العلمانيين الذين وضعوا هذه المادة، فهم لا يؤمنون بالدين أساساً، فكيف نتوقّع منهم حمايته!!! ثم إن العلمانية أقصت الدين، فلماذا لا تكون معنيّة أيضاً بتقويض أساساته؟؟؟ علاوة على الحرية الدينية المبتورة، حيث لا يحق لك ممارسة أي شيء يتعارض مع قيمهم وقوانينهم، فأي حرية هذه!!

ولمن أراد أن يرى التعامل المزدوج للغرب مع هذا القانون في بلادهم، فلينظر لمشكلة الحجاب في فرنسا، وما حدث مع روجيه جارودي عندما شكك بعدد ما مات بالهولوكوست أو المحرقة، وكيف كانت هناك ضجة إعلامية حول الأفغاني الذي ارتد، وتدخّلت كل من أمريكا وكندا واستراليا وألمانيا وإيطاليا والفاتيكان(وأصبح مثالاً للنصارى المضطهدين!!) بينما كان هناك صمت رهيب حول قضية وفاء قسطنطين (التي اعتنقت الإسلام فاختطفتها الكنيسة وحبستها في دير وحجبت عنها الزوار حتى تراجع دينها!!).


مراجع:

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان / عن موقع الأمم المتحدة) ( http://www.unhchr.ch/udhr/lang/arz.htm)

أحمد العموش ومحمود العليمان-المشكلات الاجتماعية-منشورات جامعة القدس المفتوحة-1998

إبراهيم عثمان-مقدمة في علم الاجتماع-دار الشروق-2004

الحرية...القيمة المستحيلة" مجلة العربي، العدد 558 (http://www.alarabimag.com/arabi/common/showhilight.asp)