المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعلان نقض افتراءات للتشكيك في تواتر و صحة نقل القران الكريم



د.ربيع أحمد
04-22-2013, 12:35 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعـده ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد :


فمن دأب أعداء الإسلام إلقاء الشبهات الواهية إلى المسلمين الفينة بعد الفينة للتشكيك في الإسلام عن طريق قلب الحقائق و المجادلة بالباطل و نشر الأكاذيب و الخرافات و تدعيم الأكاذيب و الخرافات بالأدلة الواهية حتى تصير حقائق مسلمة عند ذوي العقول الضعيفة الجاهلةإذ لا يهدأ بال ، و دين الله في ازدياد .



قال الله - سبحانه و تعالى - :﴿ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾ ( سورة الكهف من الآية 56 ) أي أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُجَادِلُونَ بِالْبَاطِلِ، أَيْ: يُخَاصِمُونَ الرُّسُلَ بِالْبَاطِلِ، كَقَوْلِهِمْ فِي الرَّسُولِ: سَاحِرٌ، شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، وَكَقَوْلِهِمْ فِي الْقُرْآنِ: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، سِحْرٌ، شِعْرٌ، كِهَانَةٌ، وَكَسُؤَالِهِمْ عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَذِي الْقَرْنَيْنِ، وَسُؤَالِهِمْ عَنِ الرُّوحِ عِنَادًا وَتَعَنُّتًا، لِيُبْطِلُوا الْحَقَّ بِجِدَالِهِمْ وَخِصَامِهِمْ بِالْبَاطِلِ[1].


والحق واضح ولكن الذين كفروا يجادلون بالباطل ليغلبوا به الحق ويبطلوه[2].


و فعل أعداء الإسلام إن دل فإنما يدل على سفاهة عقولهم و قصور ثقافتهم و شدة حقدهم على الإسلام .

و رغم سخافة شبهاتهم وشدة بطلانها بما يغني عن إبطالها إلا أن بعض الناس عندما تلقى إليه إحدى هذه الشبه يدخل في قلبه الريبة والشك ، ولو سأل أهل العلم لأجابوه بما يشفي صدره ويروي ظمائه إذ لا يوجد شبهة يرددها أعداء الإسلام إلا و في الإسلام ما يسحقها و يستأصل شأفتها ، و كتب أهل العلم مليئة بالردود على كل شبهة كبيرة كانت أو صغيرة .


و مما أثاره أعداء الإسلام من شبه الزعم بأن القرآن غير متواتر ، و أن حفظة القرآن في العهد النبوي كانوا قليلين و أكثر حفظة القرآن قد ماتوا قبل جمع القرآن وتدوينه وأن وسائل و أدوات حفظ القرآن قبل جمعه كانت بدائية و غير مأمونة لا تكاد تحفظ شيئا فضاع من القرآن الكثير ، وهناك الكثير من الروايات على حد زعمهم تؤكد على ضياع سور و آيات من القرآن إلى غير ذلك من الشبه التي مفادها الطعن في تواتر القرآن و صحة نقله .


و في هذه السطور محاولة عرض شبههم الباطلة و بيان عورها و فسادها فاللهم ارزقني التوفيق و السداد .





[1] - أضواء البيان للشنقيطي 3/306
[2] - في ظلال القرآن لسيد قطب 4/2276

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 12:37 AM
فهرس المحتويات



الرد على زعمهم أن طريقة إثبات المسلمين لعدم تحريف القرآن لا يمكن أن تكون من عند القرآن نفسه
الرد على شبهة أن أدوات حفظ القرآن قبل جمعه كانت بدائية و غير مأمونة لا تكاد تحفظ شيئا فضاع من القرآن الكثير
الرد على سؤال المغرضين كيف يكون قرآن المسلمين متواترا ،و هناك آيات من القرآن لم يعرفها سوى صحابي واحد ؟
الر على شبهة أن الصحابة كانوا يضعون الآيات حسب رغبتهم ، و أن آخر سورة براءة لم يحفظها غير واحد من الصحابة
الرد على سؤالهم كيف يكون القرآن قد وصل إلى المسلمين كاملا و قد مات الكثير من حفظة القرآن ؟
الرد على سؤالهم : لماذا ترك نبي الإسلام الأمة الإسلامية بلا مصحف مجموعو لا كتاب يحوي القرآن كاملا لا مبعثرا ؟
الرد على سؤالهم : كيف يجمع القرآن ثلاث مرات ؟
الرد على شبهة عدم كتابة القرآن في العهد النبوي
الرد على تشكيكهم في تواتر القرآن بدعوى أن حفظة القرآن من الصحابة كانوا قليلين
الرد على استفسارهم كيف جمع القرآن عدد كثير من الصحابة و المعروف بجمع القرآن منهم عدد قليل ؟
هل قول زيد : لو كلّفونى نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علىّ ممّا كان أمرونى به من جمع القرآن يفيد عدم كتابة القرآن في العهد النبوي أو أن زيدا لم يكن من حفظة القرآن ؟ .
الرد على فهم سقيم لقول أبي بكر لعمر وزيد : اقعدا على باب المسجد فمن جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه
الرد على سؤالهم : كَيْفَ وَقَعَتِ الثِّقَةُ بِأَصْحَابِ الرِّقَاعِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ ألا يحتمل كذب أحدهم ؟
الرد على زعمهم أن آية الرجم سقطت من المصحف العثماني
الرد على زعمهم أن آية : لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالًا سقطت من المصحف العثماني
الرد على زعمهم أن آية : ( بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا ) سقطت من المصحف العثماني
الرد على سؤالهم : كيف يكون جمع القرآن عن إجماع من الصحابة و قد اعترض ابن مسعود عليه ؟ و كيف يكون القرآن متواترا عن الصحابة و قد اعترض ابن مسعود على المصحف العثماني ؟
الرد على سؤالهم كيف تقولون أن القرآن متواتر عن الصحابة رغم أن ابن مسعود أنكر المعوذتين و لم يكتبهما في مصحفه ؟
الرد على زعمهم بنقص سورتي الحفد و الخلع من المصحف العثماني
الرد على سؤالهم كيف تقولون أن القرآن متواتر عن الصحابة رغم أن مصاحف بعض الصحابة تخالف المصحف العثماني ؟
الرد على سؤالهم كيف تقولون بتواتر القرآن رغم أن أسانيد قراءات القرآن تنتهى عند القراء العشر ؟
الرد على زعمهم أن آية : ﴿ وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ﴾ زيد فيها ﴿و ما خلق ﴾
الرد على زعمهم أن قوله تعالى : ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ نقص منه و صلاة العصر
الرد على زعمهم بحذف آية " خمس رضعات يحرمن "من القرآن
الرد على زعمهم أن تعدد القراءات يدل على اضطراب النص القرآني وتحريفه ، وسببه عدم تنقيط المصحف العثماني
الرد على زعمهم أن قوله تعالى : ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ نقص منه قد

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 12:39 AM
الرد على زعمهم أن طريقة إثبات المسلمين لعدم تحريف القرآن لا يمكن أن تكون من عند القرآن نفسه




يزعم أحد المغرضين أن طريقة إثبات المسلمين لعدم تحريف القرآن الكريم لا يمكن أن تكون من عند القرآن نفسه و علل ذلك بأن الاستدلال بالقرآن نفسه يؤدي إلى الدور و هو باطل و أخذ يشرح و يقول فإذا افترضنا وقوع زيادة في القرآن جاز أن يكون قوله تعالى : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ ( الحجر الآية 9 )من جملة النصوص المضافة إلى القرآن، و من هنا قال : هذا أمر واضح تدخل فيه كل النصوص القرآنية التي تفيد حفظ القرآن من التبديل .



و قد غفل هذا الكافر أن الذي قال ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ هو الذي قال : ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ﴾ ( سورة النساء الآية 82 ) أي أفلا يتفكرون في معاني القرآن فيعلمون أنه من عند الله تعالى؟ لأنه ﴿ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ أي تناقضاً كثيراً، ويقال: أباطيل وكذباً كثيراً ؛ لأن الاختلاف في قول الناس، وقول الله تعالى لا اختلاف فيه[1] .


و لأن القرآن لا تناقض فيه و لا يعارض بعضه بعضا فهو من عند الله و ليس من كلام بشر ، ولو اعتراه الزيادة أو التبديل لجاز أن يعارض بعضه بعضا ، ولوجد في القرآن ما يخالف أسلوبه البديع و نظمه الفريد ؛ لأن كلام الله لا يشبه كلام البشرو لم يحدث أن وجد في القرآن ما يخالف نظمه الفريد و أسلوبه البديع و ألفاظه الفصيحة و لو حدث لنقل إلينا لتوافر الدواعي على نقله .


و ما يتوهم منه الاختلاف والتعارض في القرآن فهو في ذهن القارئ ، و عند الرد لأهل العلم يتضح عدم وجود التعارض ، وقد أجاب السادة العلماء عن كل ما يتوهم منه التعارض في نصوص القرآن ، و لم يتركوا شاردة و لا واردة .


و الذي قال ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ هو الذي قال :﴿ أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ( سورة يونس الآية 38 ) فكلام الله لا يشبه كلام المخلوقين و لا يمكن لبشر أن يأتي بكلام مشابه لكلام الله ، والقول بجواز الزيادة علي القرآن أو تبديله تستدعي أن يكون باستطاعة البشر الإتيان بكلام يماثل القرآن ، وهذا لم يحدث قط و لو حدث لنقل إلينا لتوافر الدواعي على نقله .


و العلم بتفصيل القرآن و أبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها حتى لو أن مدخلا أدخل في كتاب سيبويه بابا من النحو ليس من الكتاب لُعرِف ومُيّز، وعُلِم أنّه مُلْحَقٌ وليس من أصلالكتاب وكذا القول في كتاب المزني ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء[2].


و العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإن الغاية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته ... وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟!! [3].
ولم ينقل المسلمون القرآن لنا وحده كي يمكن فرض تطرق التحريف إليه ، بل نقل تفسير آياته ، ومعاني كلماته ، وأسباب نزوله ،وإعراب كلماته ، وشرح أحكامه ، و كل من هذا شأنه لا يمكن تغييره ولا إسقاط شيء منه .


و لم ينقل القرآن بالكتابة فقط كي يمكن فرض تطرق التحريف إليه ، بل نقل القرآن بالحفظ في الصدور آلاف عن آلاف و أيضا بالحفظ في السطور و الذي يجتمع فيه الحفظ في الصدور و السطور معا لا يمكن تغييره ولا إسقاط شيء منه .

[1]- بحر العلوم للسمرقندي 1/321
[2] - تفسير الألوسي 1/25
[3] - تفسير الألوسي 1/25

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 12:42 AM
الرد على شبهة أن أدوات حفظ القرآن قبل جمعه كانت بدائية و غير مأمونة لا تكاد تحفظ شيئا فضاع من القرآن الكثير



يقول المغرضون : إن أدوات حفظ القرآن قبل جمعه مثل الحجارة و سعف النخل و العظام أدوات بدائية و غير مأمونة لا تصلح للكتابة عليها ولا تكاد تحفظ شيئا فضاع من القرآن الكثير ، وهذا الكلام يدل على جهلهم الفادح بعلوم القرآن ، و أن القرآن يؤخذ بالسماع و التلقي لا الكتابة و المعول عليه في نقل القرآن التلقي والسماع لا الكتابة .


و من يريد حفظ القرآن لا يحفظه من المصحف دون سماعه القراءة الصحيحة من حافظ متقن سمع القراءة من حافظ متقن آخر و هكذا فلا يؤخذ القرآن من مصحفي .


أضف إلى ذلك أن الحجارة و سعف النخل و العظام التي كتب عليها بعض آيات القرآن لم تكن بحيث يمكن أن يتخيل أولئك الطاعنون أو يخيلوا إلى الناس أنها لا تصلح للكتابة عليها بل كانت العرب لبداوتها ولبعدها عن وسائل الحضارة والعمران تصطفي من أنواع الحجارة الموفورة عندها نوعا رقيقا يكون كالصحيفة يصلح للكتابة وللبقاء أشبه بما نراه اليوم من الكتابة الجميلة المنقوشة على صفحات مصنوعة مما نسميه الجبس .


وكذلك سعف النخل يكشطون الخوص عنه ويكتبون في الجزء العريض منه بعد أن يصقلوه ويهذبوه فيكون أشبه بالصحيفة. وقل مثل هذا في العظام بدليل أن الروايات الواردة في ذلك نصت على نوع خاص منه وهو عظام الأكتاف وذلك لأنها عريضة رقيقة ومصقولة صالحة للكتابة عليها بسهولة [1].


و القول بأن ما كان مكتوبا من القرآن على العظام ونحوها كان غير منظم ولا مضبوط ينقضه أن ترتيب آيات القرآن كان توقيفيا ، و أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يرشد كتاب الوحي أن يضعوا آية كذا في مكان كذا من سورة كذا .


و كان يقرئها أصحابه كذلك ويحفظها الجميع و يكتبها من ساء منهم لنفسه على هذا النحو حتى صار ترتيب القرآن وضبط آياته معروفا مستفيضا بين الصحابة حفظا و كتابة .


ووجدوا ما كتب عند الرسول من القرآن مرتب الآيات كذلك في كل رقعة أو عظمة و إن كانت العظام والرقاع منتشرة و كثيرة مبعثرة [2].


و استنتاجهم من هذا كون القرآن الحالي لا يحتوي جميع الآيات التي نطق بها محمد استنتاج معكوس وفهم منكوس ؛ لأن كتابة القرآن وحفظه في آن واحد في صدور آلاف مؤلفة من الخلق أدعى إلى بقاء ذلك القرآن وأدل على أنه لم تفلت منه كلمة ولا حرف. كيف وأحد الأمرين من الكتابة والحفظ كاف في هذه الثقة فما بالك إذا كان القرآن كله مكتوبا بخطوط أشخاص كثيرين ومحفوظا في صدور جماعات كثيرين[3].


أي لم ينقل القرآن بالكتابة فقط كي يمكن فرض تطرق التحريف إليه ، بل نقل القرآن بالحفظ في الصدور آلاف عن آلاف و أيضا بالحفظ في السطور ، و الذي يجتمع فيه الحفظ في الصدور و السطور معا لا يمكن تغييره ولا إسقاط شيء منه .


و لو أن الاعتماد في حفظ القرآن على الأخذ من الصحف أو من قطع الحجارة أو العظام لجاز هذا الفرض ، و ليس الأمر كذلك ، فالمعول عليه في القرآن هو التلقي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو عمن سمع منه، والحفظ في الصدور، وأما الكتابة فإنما كانت لتأكيد المحفوظ في الصدور و الوقوف على مرسوم الخط الذي هو توقيفي، ولا شك أن الشيء إذا توارد عليه الأمران الحفظ و الكتابة يكون هذا أدعى إلى اليقين ، والوثوق به ، والاطمئنان إليه، وما دام أن المعول عليه في القرآن الحفظ، فاحتمال ضياع بعض المكتوب فيه لا يضيرنا في شيء ، وإن كان هذا الاحتمال بعيدا جدّا ؛ إذ كانوا يحافظون على المكتوب غاية الحفظ[4] .
[1] - مناهل العرفان ص1/ 287
[2] - مناهل العرفان ص1/ 273
[3] - مناهل العرفان ص 287
[4] - المدخل لدراسة القرآن الكريم لمحمد أبي شهبة ص 293

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 12:44 AM
الرد على شبهة أن أدوات حفظ القرآن قبل جمعه كانت بدائية و غير مأمونة لا تكاد تحفظ شيئا فضاع من القرآن الكثير



يقول المغرضون : إن أدوات حفظ القرآن قبل جمعه مثل الحجارة و سعف النخل و العظام أدوات بدائية و غير مأمونة لا تصلح للكتابة عليها ولا تكاد تحفظ شيئا فضاع من القرآن الكثير ، وهذا الكلام يدل على جهلهم الفادح بعلوم القرآن ، و أن القرآن يؤخذ بالسماع و التلقي لا الكتابة و المعول عليه في نقل القرآن التلقي والسماع لا الكتابة .


و من يريد حفظ القرآن لا يحفظه من المصحف دون سماعه القراءة الصحيحة من حافظ متقن سمع القراءة من حافظ متقن آخر و هكذا فلا يؤخذ القرآن من مصحفي .


أضف إلى ذلك أن الحجارة و سعف النخل و العظام التي كتب عليها بعض آيات القرآن لم تكن بحيث يمكن أن يتخيل أولئك الطاعنون أو يخيلوا إلى الناس أنها لا تصلح للكتابة عليها بل كانت العرب لبداوتها ولبعدها عن وسائل الحضارة والعمران تصطفي من أنواع الحجارة الموفورة عندها نوعا رقيقا يكون كالصحيفة يصلح للكتابة وللبقاء أشبه بما نراه اليوم من الكتابة الجميلة المنقوشة على صفحات مصنوعة مما نسميه الجبس .


وكذلك سعف النخل يكشطون الخوص عنه ويكتبون في الجزء العريض منه بعد أن يصقلوه ويهذبوه فيكون أشبه بالصحيفة. وقل مثل هذا في العظام بدليل أن الروايات الواردة في ذلك نصت على نوع خاص منه وهو عظام الأكتاف وذلك لأنها عريضة رقيقة ومصقولة صالحة للكتابة عليها بسهولة [1].


و القول بأن ما كان مكتوبا من القرآن على العظام ونحوها كان غير منظم ولا مضبوط ينقضه أن ترتيب آيات القرآن كان توقيفيا ، و أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يرشد كتاب الوحي أن يضعوا آية كذا في مكان كذا من سورة كذا .


و كان يقرئها أصحابه كذلك ويحفظها الجميع و يكتبها من ساء منهم لنفسه على هذا النحو حتى صار ترتيب القرآن وضبط آياته معروفا مستفيضا بين الصحابة حفظا و كتابة .


ووجدوا ما كتب عند الرسول من القرآن مرتب الآيات كذلك في كل رقعة أو عظمة و إن كانت العظام والرقاع منتشرة و كثيرة مبعثرة [2].


و استنتاجهم من هذا كون القرآن الحالي لا يحتوي جميع الآيات التي نطق بها محمد استنتاج معكوس وفهم منكوس ؛ لأن كتابة القرآن وحفظه في آن واحد في صدور آلاف مؤلفة من الخلق أدعى إلى بقاء ذلك القرآن وأدل على أنه لم تفلت منه كلمة ولا حرف. كيف وأحد الأمرين من الكتابة والحفظ كاف في هذه الثقة فما بالك إذا كان القرآن كله مكتوبا بخطوط أشخاص كثيرين ومحفوظا في صدور جماعات كثيرين[3].


أي لم ينقل القرآن بالكتابة فقط كي يمكن فرض تطرق التحريف إليه ، بل نقل القرآن بالحفظ في الصدور آلاف عن آلاف و أيضا بالحفظ في السطور ، و الذي يجتمع فيه الحفظ في الصدور و السطور معا لا يمكن تغييره ولا إسقاط شيء منه .


و لو أن الاعتماد في حفظ القرآن على الأخذ من الصحف أو من قطع الحجارة أو العظام لجاز هذا الفرض ، و ليس الأمر كذلك ، فالمعول عليه في القرآن هو التلقي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو عمن سمع منه، والحفظ في الصدور، وأما الكتابة فإنما كانت لتأكيد المحفوظ في الصدور و الوقوف على مرسوم الخط الذي هو توقيفي، ولا شك أن الشيء إذا توارد عليه الأمران الحفظ و الكتابة يكون هذا أدعى إلى اليقين ، والوثوق به ، والاطمئنان إليه، وما دام أن المعول عليه في القرآن الحفظ، فاحتمال ضياع بعض المكتوب فيه لا يضيرنا في شيء ، وإن كان هذا الاحتمال بعيدا جدّا ؛ إذ كانوا يحافظون على المكتوب غاية الحفظ[4] .

[1] - مناهل العرفان ص1/ 287
[2] - مناهل العرفان ص1/ 273
[3] - مناهل العرفان ص 287
[4] - المدخل لدراسة القرآن الكريم لمحمد أبي شهبة ص 293

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 12:50 AM
الرد على شبهة أن الصحابة كانوا يضعون الآيات حسب رغبتهم ، و أن آخر سورة براءة لم يحفظها غير واحد من الصحابة



استدل بعض المغرضين بأحاديث ضعيفة فهم منها أن الصحابة كانوا يضعون الآيات حسب رغبتهم ، و أن آخر سورة براءة لم يحفظها غير واحد من الصحابة ، و استدلوا بما رواه ابنأبي داود عن يحيي بن عبد الرحمن بن حاطب و منها : فجاء خزيمة بن ثابت فقال : إني رأيتكمتركتم آيتين فلم تكتبوهما ، قالوا : وما هما ؟ قال : تلقيا من رسول الله - صلى الله عليهوسلم - : لقد جاءكم رسول من أنفسكم ، إلى آخر السورة ، فقال عثمان : و أنا أشهد ، فكيف ترىأن نجعلهما ؟ قال : اختم بهما آخر ما نزل من القرآن .


و الرواية بتمامها عن عُمَر بْن مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ اللَّيْثِي عنمحمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال : أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن ، فقام في الناس فقال : من كانتلقى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً من القرآن فليأتنا ؛ فكانوا كتبوا ذلكفي الصحف و الألواح و العسب ، و كان لا يقبل من أحدٍ شيءً حتى يشهد عليه شاهدان ، فقتلعمر قبل أن يجمع ذلك إليه . فقام عثمان بن عفان فقال : من كان عنده شيءٌ من كتاب اللهفليأتنا به ، وكان لا يقبل من ذلك شيئاً حتى يشهد عليه شاهدان ؛ قال : فجاء خزيمة بنثابت فقال: إني قد رأيتكم قد تركتم آيتين من كتاب الله لم تكتبوها ؛ فقالوا : وماهما ، قال : تلقيت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ﴿ لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكمعزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ ﴾ ، - إلى آخر السورة - , فقالعثمان : و أنا أشهد أنهما من عند الله، فأين ترى أن نجعلها، فقال: اختم بهما آخر مانزل من القرآن؛ فختمت بهما براءة .


و الحديث في سنده عمر بن طلحة بن علقمة بن وقاص الليثي قال أبو زرعة ليس بالقوي[1] ، و قال الذهبي فيه جهالة[2] ، و عليه فالرواية فيها ضعف .


و راوي الحديث يحيى بن عبد الرحمن ،و المعروف في كتب الرجال و التاريخ أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة ولد في خلافة عثمان بن عفان – رضي الله عنه – [3] فكيف يحدث عن عمر بن الخطاب و هو لم يدركه ؟!! فالحديث فيه انقطاع في السند و المحدثون يطلقون على كل انقطاع في السند إرسالا ، والمرسل من أنواع الضعيف فلا يحتج به .


و على التسليم بصحة الرواية فهي تدل على أن الصحابة كانوا لا يخشون في الله لومة لائم ، و أن الصحابة لا يقرون خطاءا و لا نقصا في القرآن الذي كتبه زيد بن ثابت و أن عمل زيد بن ثابت ليس عملا فرديا ، بل كان عملًا جماعيًّا من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ ذلك أنَّ زيدًا أعلن بين الناس ما يريد ؛ ليأتيه كل من عنده من القرآن ما هو مكتوب بما عنده ، و ذهب الصحابة إليه وذهب إليهم .


و عندما وجد أحد الصحابة بعض الآيات لم تكتب لم يسكت بل أنكر ووضعت الآيات في موضعها في المصحف و الاعتراض كان على عدم كتابتها لا على عدم حفظهم لها في الصدور .


و في الرواية شهد عثمان - ضي الله عنه - مع خزيمة بنثابت ، و قد يحفظ الإنسان شيئا و عندما يكتبه لا يكتبه كاملا و عندما يذكره أحد يتذكر و هذا ما حدث .


و قول عثمان – رضي الله عنه – : " فأين ترى أن نجعلها ؟ ، فقال : اختم بهما آخر مانزل من القرآن ؛ فختمت بهما براءة" الرؤية هنا رؤية علمية أي أين مكان الآيتين حسب علمك ؟ ، و في الحديث : « مَن رَأىٰ منكم منكرًا فليغيّرْه بيدِه ، فإن لم يستطع فبلسانِه ، فإن لم يستطع فبقلبه، وذٰلك أضعف الإيمان »[4] رأي أي علم [5] .


و لم يرتب الصحابة آيات القرآن حسب أهوائهم ورأيهم بل رتبوا الآيات كما سمعوها من النبي - صلى الله عليه وسلم - .


و عن ابن الزبير - رضي الله عنه - قال : قلت لعثمان : ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ﴾، وقد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها، أو تدعها؟! قال: يا ابن أخي لا أغير شيئا من مكانه[6]. وفي رد عثمان - رضي الله عنه - دليل على أن ترتيب الآيات كان توقيفيا لا اجتهاديا .


و قال زيد بن ثابت - رضي الله عنه - : " فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ بِهَا ، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ : ﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ ( سورة الأحزاب من الآية 23) فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي المُصْحَفِ "[7] فهم لا يلحقون الآيات حسب رغبتهم بل يضعونها في مكانها في المصحف .


و ترتيب آيات القرآن ترتيب توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه بإجماع العلماء قال الإمام أبو جعفر بن الزبير :«ترتيب الآيات في سورها وقع بتوقيف - صلى الله عليه وسلم - وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين، وإنما اختلف في ترتيب السور على ما هي عليه »[8] .


و قال السيوطي : - رحمه الله - : « الْإِجْمَاعُ وَالنُّصُوصُ الْمُتَرَادِفَةُ عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَ الْآيَاتِ توقيفي لا شبهة في ذلك وأما الْإِجْمَاعُ فَنَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ ، وَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي مُنَاسَبَاتِهِ »[9] .


وَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ – رضي الله عنهم - لِيُرَتِّبُوا تَرْتِيبًا سَمِعُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ عَلَى خِلَافِهِ لشدة تحريهم لهدي النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – و هل يعقل أن من تردد في جمع القرآن في مصحف واحد ؛ لأن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لم يفعل ذلك في حياته يمكن أن يرتب آيات القرآن برأيه ؟!!


و عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، قَالَ : « أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عِنْدَهُ » ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ : إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْآنِ، قُلْتُ لِعُمَرَ: «كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟» .


قَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ، «فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ»، قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ ، « فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ» ، قُلْتُ: «كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ ».


قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، " فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ العُسُبِ وَاللِّخَافِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ ، ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾ حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - "[10]



و استدل بعض المغرضين بما رواه مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ : أَتَى الْحَارِثُ بْنُ خَزَمَةَ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ بَرَاءَةَ : ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ : مَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي ، " وَاللهِ إِلا أَنِّي أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَوَعَيْتُهَا، وَحَفِظْتُهَا "، فَقَالَ عُمَرُ : " وَأَنَا أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "، ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَتْ ثَلاثَ آيَاتٍ لَجَعَلْتُهَا سُورَةً عَلَى حِدَةٍ، فَانْظُرُوا سُورَةً مِنَ القُرْآنِ، فَضَعُوهَا فِيهَا " فَوَضَعْتُهَا فِي آخِرِ بَرَاءَةَ[11].



و الحديث رَوَاهُ أَحْمَدُ في مسنده قال الهيثمي : « وَفِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ » [12].


و قال شعيب الأرنؤوط : « إسناده ضعيف لتدليس محمد بن إسحاق، ولانقطاعه، قال الشيخ أحمد شاكر: عباد بن عبد الله بن الزبير ثقة، ولكنه لم يدرك قصة جمع القرآن بل ما أظنه أدرك الحارثَ بن خزمة، ولئن أدركه لما كان ذلك مصححاً للحديث، إذ لم يَرْوِه عنه، بل أرسل القصةَ إرسالاً»[13] .


و رغم ضعف الحديث سندا فهو أيضا منكر متنا قال الشيخ أحمد شاكر : « وأما حديث عباد بن عبد الله بن الزبير الذي هنا ، فانه حديث منكر شاذ ، مخالف للمتواتر المعلوم من الدين بالضرورة أن القرآن بلغه رسول الله لأمته سوراً معروفة مفصلة ، يفصل بين كل سورتين منها بالبسملة إلا في "براءة" ليس لعمر ولا لغيره أن يرتب فيه شيئاً، ولا أن يضع آية مكان آية، ولا أن يجمع آيات وحدها فيجعلها سورة.


ومعاذ الله أن يجول شيء من هذا في خاطر عمر، ثم من هذا الذي يقول في هذه الرواية هنا: "فوضعتها في آخر براءة" وفي رواية ابن أبي داود: "فألحقتها في آخر براءة"؟ أهو الحارث بن خزمة؟ لا، فإنه لم يكن ممن عهد إليه بجمع القرآن في المصحف، أهو عمر؟ لا، فالسياق ينفيه، لأن هذه الرواية تزعم أنه أمر بوضعها في براءة، فهو غير الذي نفذ الأمر، أم هو الراوي عباد بن عبد الله بن الزبير؟ لا، إنه متأخر جداً عن أن يدرك ذلك.


حتى لقد قال العجلي: "وأما روايته عن عمر بن الخطاب فمرسلة بلا تردد". وأما نصُ تفسير ابن كثير في هذه الكلمة" فوضعوها في آخر براءة" فإنه غير صحيح، ومخالف لنص المسند الذي يروي عنه، ولعلها تحريف أو تغيير من أحد الناسخين، فهذا الحديث ضعيف الإسناد منكر المتن، وهو أحد الأحاديث التي يلعب بها المستشرقون وعبيدهم عندنا، يزعمون أنها تطعن في ثبوت القرآن، ويفترون على أصحاب رسول الله ما يفترون »[14] .


قال ابن حجر – رحمه الله - : « وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ لَوْ كَانَتْ ثَلَاثُ آيَاتٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَلِّفُونَ آيَاتِ السُّوَرِ بِاجْتِهَادِهِمْ وَسَائِرُ الْأَخْبَارِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ »[15] .


قال الألوسي – رحمه الله - : « أما ترتيب الآي فكونه توقيفيا مما لا شبهة فيه حتى نقل جمع منهم الزركشي وأبو جعفر الإجماع عليه من غير خلاف بين المسلمين و النصوص متضافرة على ذلك .


وما يدل بظاهره من الآثار على أنه اجتهادي معارض ساقط عن درجة الاعتبار كالخبر الذي أخرجه ابن أبي داود بسنده عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال : أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر سورة براءة فقال : أشهد أني سمعتهما من رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ووعيتهما فقال عمرو أنا أشهد لقد سمعتهما ثم قال لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة فانظروا آخر سورة من القرآن فألحقوهما في آخرها- فإنه معارض بما لا يحصى مما يدل على خلافه »[16] .


و بعض المغرضين استنتج من هذا الحديث الضعيف أن القرآن الكريم لم يكن كله مكتوبا على زمن الرسول- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، والحديث رغم ضعفه فلا يصلح للاحتجاج إلا أنه أيضا ليس فيه ما يفيد أن القرآن الكريم لم يكن كله مكتوبا على زمن الرسول- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بل يفيد أن القرآن كان مكتوبا مفرقا فآخر سورة التوبة لم توجد مكتوبة إلا عند هذا الصحابي و شهد صحابي آخر أنها مما كتبت بين يدى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكتبت في المصحف .


و على التسليم الجدلي أن القرآن الكريم لم يكن كله مكتوبا على زمن الرسول- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يكون ذلك قادحا في نقل القرآن ؛ لأن التعويل في نقل القرآن و توثيقه إنما هو على الرواية و السماع والتلقي طبقة عن طبقة إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - .


قال ابن الجزري – رحمه الله - : « إِنَّ الِاعْتِمَادَ فِي نَقْلِ الْقُرْآنِ عَلَى حِفْظِ الْقُلُوبِ وَالصُّدُورِ لَا عَلَى حِفْظِ الْمَصَاحِفِ وَالْكُتُبِ، وَهَذِهِ أَشْرَفُ خَصِيصَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنَّ رَبِّي قَالَ لِي: قُمْ فِي قُرَيْشٍ فَأَنْذِرْهُمْ فَقُلْتُ لَهُ: رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي حَتَّى يَدَعُوهُ خُبْزَةً، فَقَالَ: مُبْتَلِيكَ وَمُبْتَلِي بِكَ وَمُنْزِلٌ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ، فَابْعَثْ جُنْدًا أَبْعَثْ مِثْلَهُمْ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ، وَأَنْفِقْ يُنْفَقْ عَلَيْكَ.


فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَحْتَاجُ فِي حِفْظِهِ إِلَى صَحِيفَةٍ تُغْسَلُ بِالْمَاءِ، بَلْ يَقْرَءُوهُ فِي كُلِّ حَالٍ كَمَا جَاءَ فِي صِفَةِ أُمَّتِهِ: " أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ "، وَذَلِكَ بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَا يَحْفَظُونَهُ لَا فِي الْكُتُبِ وَلَا يَقْرَءُونَهُ كُلَّهُ إِلَّا نَظَرًا لَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ»[17] .




الرد على سؤالهم كيف يكون القرآن قد وصل إلى المسلمين كاملا و قد مات الكثير من حفظة القرآن ؟



يردد بعض المغرضين هداهم الله للإسلام أن الكثير من حفظة القرآن قد مات فمن المستحيل أن يكون القرآن الحالي حاويا لجميع ما أنزل و قد قال عُمَر بن الخطاب – رضي الله عنه - لأبي بكر – رضي الله عنه -: إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْآنِ .

و عن الحسن البصريأنعمر بن الخطاب – رضي الله عنه - سأل عن آية من كتاب الله فقيل : كانت مع فلان، قتل يوماليمامة, فقال: إنا لله, فأمر بالقرآن فجمع, فكان أول من جمعه في المصحف .


و عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : « بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ أُنْزِلَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، فَقُتِلَ عُلَمَاؤُهُ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، الَّذِينَ كَانُوا قَدْ وَعَوْهُ فَلَمْ يُعْلَمْ بَعْدَهُمْ وَلَمْ يُكْتَبْ، فَلَمَّا جَمَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يُوجَدْ مَعَ أَحَدٍ بَعْدَهُمْ، وَذَلِكَ فِيمَا بَلَغَنَا، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ يَتَّبِعُوا الْقُرْآنَ فَجَمَعُوهُ فِي الصُّحُفِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ خَشْيَةَ أَنْ يُقْتَلَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَوَاطِنِ مَعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، فَيَذْهَبُوا بِمَا مَعَهُمْ مِنَ الْقُرْآنِ، وَلَا يُوجَدُ عِنْدَ أَحَدٍ بَعْدَهُمْ، فَوَفَّقَ اللَّهُ عُثْمَانَ فَنَسَخَ تِلْكَ الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْأَمْصَارِ، وَبَثَّهَا فِي الْمُسْلِمِينَ » [18] ، و استدل المغرضين بهذا الحديث على أنه كان عند القرّاء الّذين قتلوا في حرب الرّدّة قرآن لم يكن عند غيرهم، ولم يعلمه أحد بعدهم، فهذا يعني ذهاب جزء من القرآن .


وقال سفيان الثوري : «وبلغنا أن ناسا من أصحاب النبي - صلى الله عليه و سلم - كانوا يقرؤون القرآن أصيبوا يوم مسيلمة فذهبت حروف من القرآن ».[19]


و استدلوا بما أخرجه أَبُو عبيد وَابْن الضريس وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن عمر قَالَ : « لَا يَقُولَن أحدكُم قد أخذت الْقُرْآن كُله مَا يدريه مَا كُله قد ذهب مِنْهُ قُرْآن كثير و َلَكِن ليقل : قد أخذت مَا ظهر مِنْهُ » قالوا و هذا يثبت أن القرآن الحالي لا يتضمن جميع ما كان مسطورا في اللوح المحفوظ .

و استدلوا بما رَوَاه أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَيْفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : « كَانَتِ الْأَحْزَابُ مِثْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ أَطْوَلَ وَلَقَدْ ذَهَبَ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ وَلَمْ يَذْهَبْ مِنْهُ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ »[20].


ومن هنا استنتجوا أن كثيرا من آيات القرآن لم يكن لها قيد سوى تحفظ الصحابة وكان بعضهم قد قتلوا في المغازي والحروب وذهب معهم ما كانوا يحفظونه من قبل أن يوعز أبو بكر إلى زيد بن ثابت بجمعه فلذلك لم يستطع زيد أن يجمع سوى ما كان يتحفظه الأحياء .


أما قول عمر – رضي الله عنه - : إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ فالحديث يدل على وجود عدد كثير من القراء الأحياء ؛ لِأَنَّ الْخَشْيَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مِمَّا لَمْ يُوجَدْ مِنَ الْمَكَارِهِ ، و لو كان عدد القراء الأحياء قليلا لقال : أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ في معركة أخرى أو موطن آخر ، وليس أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بالمواطن .


و قال الزرقاني رحمه الله - : « نفس ما كان يتحفظه الشهداء من القراء كان يتحفظه كثير غيرهم أيضا من الأحياء الذين لم يستشهدوا ولم يموتوا بدليل قول عمر : و أخشى أن يموت القراء من سائر المواطن و معنى هذا أن القراء لم يموتوا كلهم . إنما المسألة مسألة خشية وخوف . و معلوم أن أبا بكر كان من الحفاظ وكذلك عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم وهؤلاء عاشوا حتى جمع القرآن في الصحف وعاش منهم من عاش حتى نسخ في المصاحف وحينئذ فكتابة زيد ما كتبه هي كتابة لكل القرآن لم تفلت منه كلمة ولا حرف » [21].


أما أثر الحسن أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله، فقيل: كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة، فقال: إنا لله، فأمر بالقرآن فجمع، فكان أول من جمعه في المصحف فهذا منقطع ؛ فإن الحسن لم يدرك عمر[22] فالرواية ضعيفة من جهة الرواية و السند و عليه فلا يصلح الاستدلال بها و لا يلزمنا ما زعموا.


أما من جهة المتن فقد قال محمد الكردي – رحمه الله - : « ( و يحتار بعضهم ) في فهم هذه الرواية كيف أن الآية التي سأل عنها عمر لا توجد إلا مع فلان الذي قتل يوم اليمامة فنقول أن منطوق الرواية لا يدل على حصر الآية عند فلان فهناك غيره ممن يحفظها أيضا فعمر لما سمع بقتل فلان يوم اليمامة خاف من قتل حفاظ كلام الله تعالى أن يضيع القرآن فراجع أبا بكر في ذلك حتى جمعه في الصحف »[23].


و قال ابن حجر – رحمه الله - : « وَوَقع عِنْد بن أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا بَيَانُ السَّبَبِ فِي إِشَارَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِذَلِكَ فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقِيلَ كَانَتْ مَعَ فُلَانٍ فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَقَالَ إِنَّا لِلَّهِ وَأَمَرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنَ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَهُ فِي الْمُصْحَفِ ، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ فَإِنْ كَانَ - الأثر- مَحْفُوظًا حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَهُ أَيْ أَشَارَ بِجَمْعِهِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَنَسَبَ الْجَمْعَ إِلَيْهِ لِذَلِكَ »[24] .


أما رواية الزهري عن قتل حفظة للقرآن في موقعة اليمامة فهذا من بلاغات الزهري ،و الزّهريّ لم يشهد زمان اليمامة ، بل لم يكن ولد يومئذ ، فحرب المرتدّين كانت سنة (12) للهجرة ، والزّهريّ ولد سنة (50) أو بعدها، فبينه وبين الحدث نحو أربعين عاما أو أكثر، ولم يذكر هذا الخبر عن أحد[25] .


و قالاحمد بن سنان – رحمه الله - : « كان يحيى بن سعيد لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئا, ويقول: هو بمنزلة الريح , ويقول : هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء علقوه »[26] .


وقول الزهري بلغنا كقولهم يقال و يحكى و يذكر و جاء عنه كذاو يروى و روى عنه كذا و هذه كلها صيغة تمريض للسند ، وفي السند انقطاع ، و لا نعرف درجة الساقط من السند و عليه فالرواية ضعيفة سندا فلا يلزمنا ما زعموا .



و على التسليم الجدلي بصحة الخبر فيمكن حمله على ما نسخ تلاوته و ما لم يتواتر ، والقرآن الذي بين أيدينا هو المنقول بالتواتر وهناك آيات نسخت تلاوتها و لم ينسخ حكمها و عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : « كان فيما أنزل آية الرجم فقرأناها ووعيناها وعقلناها. ورجم رسول الله ، و رجمنا بعده . . . »[27].


و قال الألوسي – رحمه الله - : « أجمعوا على عدم وقوع النقص فيما تواتر قرآنا كما هو موجود بين الدفتين اليوم، نعم أسقط زمن الصديق ما لم يتواتر وما نسخت تلاوته وكان يقرأه من لم يبلغه النسخ وما لم يكن في العرضة الأخيرة ولم يأل جهدا رضي الله تعالى عنه في تحقيق ذلك إلا أنه لم ينتشر نوره في الآفاق إلا زمن ذي النورين فلهذا نسب إليه كما روي عن حميدة بنت يونس أن في مصحف عائشة رضي الله عنها إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً - وعلى الذين يصلون الصفوف الأول- وأن ذلك قبل أن يغير عثمان المصاحف »[28] .


و قول الزهري : ( فَجَمَعُوهُ فِي الصُّحُفِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ خَشْيَةَ أَنْ يُقْتَلَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَوَاطِنِ مَعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، فَيَذْهَبُوا بِمَا مَعَهُمْ مِنَ الْقُرْآنِ ) دليل على عدم حدوث قتل لكل حملة القرآن و أن قراء كثيرين ما زاولوا موجودين ؛ لِأَنَّ الْخَشْيَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مِمَّا لَمْ يُوجَدْ مِنَ الْمَكَارِهِ فخَشْيَةَ أَنْ يُقْتَلَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَوَاطِنِ مَعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ أي لم يقتل هؤلاء الرجال بعد .


و أكثر الصّحابة الّذين أمر النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأخذ القرآن عنهم أو عرفوا بحفظه في عهده، كأبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وأبي الدّرداء و عبد الله بن عمرو بن العاص؛ كانوا أحياء عند الجمع الأوّل للقرآن، بل أكثرهم بقي إلى زمان الجمع الثّاني في عهد عثمان .


فقد كان جميع القرآن عند هؤلاء، فلم يكن لمقتل من قتل في حرب الرّدّة من أثر على شيء من القرآن[29].


و هل نص الأثر أن كل حفظة القرآن الكريم كانوا في يوم اليمامة و أن كل حفظة القرآن ماتوا في يوم اليمامة أو مات الكثير منهم ؟!!

وهل نص الأثر ألا يوجد حفظة للقرآن الكريم في باقي المواطن و الأمصار ؟!


أما أثر سفيان الثوري فهو يقول بلغنا و هذا كقولهم يقال و يحكى و يذكر و جاء عنه كذاو يروى و روى عنه كذا و هذه كلها صيغة تمريض و تضعيف للسند ، والثوري لم يشهد زمان اليمامة, بل لم يكن ولد يومئذ, فحرب المرتدين كانت سنة 12ه , و الثوري ولد سنة 95هـ ، ففي السند انقطاع ، و لا نعرف درجة الساقط من السند و عليه فالرواية ضعيفة سندا فلا يلزمنا ما زعموا .


أما أثر ابن عمر فقد ذكره أبو عبيدة في بَابُ مَا رُفِعَ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ نُزُولِهِ وَلَمْ يُثْبَتُ فِي الْمَصَاحِفِ ص 320 ، و ذكره السيوطي في معترك الأقران في إعجاز القرآن فيما نسخ تلاوته دون حكمه ثم قال ، وقد أورد بعضهم فيه سؤالاً ، و هو : ما الحكمة في رفع التلاوة مع بقاء الحكم، وهلاّ أبقيت التلاوة ليجتمع العمل بحكمها و ثواب تلاوتها ؟ .


وأجاب صاحب الفنون بأن ذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به، فيسرعون بأيسر شيء، كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والنائم أدنى طريق الوحيوأمثلة هذا الضرب كثيرة ، قال أبو عبيد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن نافع، عن ابن عمر ، قال : لا يقولَنَّ أحدكم قد أخذت القرآن كله و ما يدريه ما كله ، قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر [30] .


ومن هنا يحمل أثر ابن عمر على ما نسخت تلاوته فقد أسقط زمن أبو بكر – رضي الله عنه - ما لم يتواتر وما نسخت تلاوته ، وكان يقرؤه من لم يبلغه النسخ .


أما أثر مجاهد فمجاهد لم يشهد زمان اليمامة, بل لم يكن ولد يومئذ, فحرب المرتدين كانت سنة 12ه, ومجاهد ولد سنة 21هـ، ففي السند انقطاع ، و لا نعرف درجة الساقط من السند و عليه فالرواية ضعيفة سندا فلا يلزمنا ما زعموا .

و على التسليم الجدلي بصحة الخبر فيمكن حمله على ما نسخ تلاوته .


و في الرّواية الصّحيحة لجمع القرآن على عهد أبي بكر أنّه أمر زيد بن ثابت بذلك، وجرى بينهما مراجعات حتّى اقتنع زيد، فلو كان شيء من القرآن ذهب حقيقة، لكان ذكر ذلك أقوى في حجّة أبي بكر لإقناع زيد، وإنّما دفع أبا بكر لذلك الخوف على مستقبل القرآن من عوارض الزّمن كما يستفاد بوضوح من الرّواية[31] .


أضف إلى ذلك أن أكثر الصّحابة الّذين أمر النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأخذ القرآن عنهم أو عرفوا بحفظه في عهده، كأبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وأبي الدّرداء وعبد الله بن عمرو بن العاص ؛ كانوا أحياء عند الجمع الأوّل للقرآن ، بل أكثرهم بقي إلى زمان الجمع الثّاني في عهد عثمان .


فقد كان جميع القرآن عند هؤلاء، فلم يكن لمقتل من قتل في حرب الرّدّة من أثر على شيء من القرآن[32].


و يمكن أن نقول إن كان لهذه الرّواية أصل، فيكون القرآن الّذي لم يعلم ولم يكتب هو ممّا نسخت تلاوته ، فإنّ بعض الصّحابة بقي يحفظ الشّيء من المنسوخ حتّى بعد جمع القرآن ، ممّا يدلّ على إمكان حمل بعض من قتل في حرب الرّدّة لشيء من ذلك ، ولذلك نقول : كان مستند الجمع المكتوب الّذي خلّفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، معضّدا بحفظ من شهد العرضة الأخيرة زيد بن ثابت ، وإقرار عامّة الصّحابة عليه[33].



و لا شك أن القرآن الكريم قد توافر له من دواعي الحفظ ما لم يتيسر لكتاب غيره قط ،و العلم بتفصيل القرآن و أبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها حتى لو أن مدخلا أدخل في كتاب سيبويه بابا من النحو ليس من الكتاب لُعرِف ومُيّز، وعُلِم أنّه مُلْحَقٌ وليس من أصلالكتاب وكذا القول في كتاب المزني ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء[34].


و العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإن الغاية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته ... وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟!! [35].


و لله در الإمام الباقلاني حيث قال : « ويستحيل أن يكونوا – أي الصحابة - إنّما تركوا إثبات ما سقط عليهم من القرآن لأجلِ هلاك من كان يحفظُ تلك السورِ والآيات، التي ترك القومُ إثباتها إمّا بالقتل أو الموت لأمرين:

أحدهما: أنه كان لا بد في وضع العادة ومستقَرها من أن يتحدث الباقون من الأمّة بأنّه قد ذهب قرآن كثير وسور وآيات من سورٍ بقيت منتثرةً بذهاب حفاظها، لأنه لا بدّ أن يكون علمُ ذلك مشهوراً مستقراً عندنا في الأمّة.

وإن كانوا لا يحفظون ذهاب الذاهب على ترتيبه ونظامه وتعيُّنه كما يعلمُ أهلُ بلدٍ وإقليم من أقاليم المسلمين وقريةٍ من قراهم اليوم أنّ من حفظ من الكهف إلى الناس فإنّه لم يحفظ جميع القرآن، وأن من حفظ عشرين آيةً من سورة البقرة فلم يحفظ سائرها، وإن ما لم يحفَظْه زيد من السور هي السورة التي تُسمَّى كذا وسورةَ كذا، وإن لم يحفظوا هم أيضاً ذلك القدْرَ .


لأنَّ القرآن كان أشهر عندهم وأظهر من أن يُخفى أمرُه ؛ لأنهم كانوا يَتَلَقون ذلك من رسول الله- صلَّى الله عليه -، سُورُهُ مرتبة منظومة على سبيل ما يتلقنه الناسُ اليوم ، وكان من لا يحفظ السورة منه يعلمُ أن في القرآن سورةً تُدعى بكذا وإن كان لا يحفظها، هذه هي العادةُ في علم الناس بالقرآن ومعرفتهم بجملته حُفاظاً كانوا له أو غير حُفاظ.


وإذا كان ذلك كذلك وجب أنه لو سقط من القرآن سورٌ وآياتٌ لهلاك من كان يحفظُ ذلك أن يَعلَم الباقونَ من الأمةِ أنّه قد ذَهَبَ كثيرٌ من القرآن، وأن يتحدثوا بينهم حديثاً لا يمكنُ معه الجهلُ بما ضاع من القرآن لذهاب حَفَظَته .

ولو كان منهم قولٌ في ذلك وتُحُدّثَ به لوجب أن يُنقل ذلك عنهم، ويتسع ذكرُه فيهم، وفي علمنا بأنَ ذلك لم يكن: دليلٌ على بطلان هذه الدعوى .


والوجه الآخر : أنه لا يجوز في مسقرّ العادة أن يتفقَ القتلُ والموتُ والهلاكُ بأي وجهٍ كان بجميع من كان يحفظُ الذاهب من القرآن وبقاءُ الحافظين لغيره، كما أنه لا يجوز أن يتَفق هلاك جميع من يحفظُ سورةَ الكهف وبقاءُ جميع من يحفظُ مريمَ وعَطَبُ كل حافظٍ لشعر جريرٍ وبقاء كل حافظ لشعر الفرزدق، وهلاكُ جميع المرجئة وبقاءُ سائر المعتزلة .


وعَطَبُ جميع من يحفظُ مسائل وبقاءُ جميع الحفَّاظِ للوصايا، كلُّ هذا باطلٌ ممتنعٌ في مستقر العادة، وذلك لا يجوز فيها هلاكُ جميع من حفظ شيئا من كتاب الله، وبقاءُ الحافظين لغيره منهم.


وإذا كان ذلك كذلك ثبت أنّه لا يجوز سقوطُ شيءٍ من القرآن بهذا الضرب من الضياع وهلاكُ الحفاظ له دون الحافظين لغيره، فإذا كان كذلك ثبت بهذه الجملة أنه لا يجوز ضياعُ شيءٍ من كتاب الله تعالى وذهابه على الأمة بوجهٍ من الوجوه التي عددناها ووصفناها، ولا فرق بين أن يقول القائل إنّ الذاهب على الأمة سُورٌ من القرآن أو سورة منه طويلةٌ أو قصيرة أو آيات أو آيةٌ من سورة لأجل أنّ جميع القرآن كان ظاهراً مستفيضا عندهم على
عصر الرسول وحين أدائه إليهم و تبليغهِ لهم » [36].



[1]- الضعفاء لأبي زرعة 3/820
[2] -المغني في الضعفاء للذهبي 2/469
[3]- تاريخ دمشق لابن عساكر 64/309 ،الجرح و التعديل لابن أبي حاتم 9/166 ،مشاهير علماء الأمصار 1/139 ، تاريخ الإسلام للذهبي 3/176
[4]- رواه مسلم في صحيحه حديث رقم 49
[5]- تحفة الأحوذي 6/ 393
[6] - رواه البخاري في صحيحه 4/ 1646 حديث رقم 4256
[7]- رواه البخاري في صحيحه 6/183 حديث رقم 4987
[8]- البرهان في تناسب سور القرآن لأبي جعفر بن الزبير ص 18
[9]- الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/211
[10] - رواه البخاري في صحيحه 6/183 حديث رقم 4986
[11]- مسند أحمد 3/240 حديث رقم 1715 و المصاحف لابن أبي داود ص 111
[12] - مجمع الزوائد للهيثمي 7/35
[13]- تعليق الشيخ شعيب في حاشية المسند 3/240
[14] - تعليق الشيخ شعيب في حاشية المسند 3/241
[15]- فتح الباري لابن حجر 9/15
[16]- روح المعاني للألوسي 1/27
[17]- النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 6
[18] - المصاحف لابن أبي داود ص 99
[19]- رواه عبد الرزاق في مصنفه 7/329 ، و الدر المنثور للسيوطي 6/588
[20] - التمهيد لما في الموطأ من المعاني و الأسانيد 4/275
[21] - مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني 1/272
[22]- فضائل القرآن لابن كثير ص 59
[23]- تاريخ القرآن الكريم لمحمد الكردي الخطاط ص 25 - 26
[24]- فتح الباري لابن حجر 9/ 15
[25]- المقدمات الأساسية في علوم القرآن لعبد الله الجديع ص 169
[26]- تهذيب التهذيب لابن حجر 9/398
[27] - رواه البخاري في صحيحه رقم ( 6442 ) و رواه مسلم في صحيحه رقم ( 1691 ) .
[28]- روح المعاني للألوسي 1/26
[29]- المقدمات الأساسية في علوم القرآن لعبد الله الجديع ص 171
[30] - معترك الأقران في إعجاز القرآن للسيوطي 1/95
[31]- المقدمات الأساسية في علوم القرآن لعبد الله الجديع ص 171
[32]- المقدمات الأساسية في علوم القرآن لعبد الله الجديع ص 171
[33]- المقدمات الأساسية في علوم القرآن لعبد الله الجديع ص 172
[34] - تفسير الألوسي 1/25
[35] - تفسير الألوسي 1/25
[36]- الانتصار للقرآن للباقلاني 1/128

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 12:52 AM
الرد على سؤالهم : لماذا ترك نبي الإسلام الأمة الإسلامية بلا مصحف مجموع و لا كتاب يحوي القرآن كاملا لا مبعثرا ؟



يتساءل كثير من المغرضين عن السر في عدم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة بجمع القرآن في مصحف واحد و ما المانع من جمع القرآن في مصحف واحد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
و الجواب أن المانع من جمع القرآن في مصحف واحد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الوحي كان لا يزال ينزل، فيغير الله ما يشاء ويحكم ما يريد. فلو جمع في مصحف واحد، لتعسر أو تعذر تغييره كل وقت، فلما استقر القرآن بموته ، واستقرت الشريعة بموته - صلى الله عليه وآله وسلم - أمن الناس من زيادة القرآن ونقصه ، وأمنوا من زيادة الإيجاب والتحريم[1] فجمعوا القرآن في مصحف واحد


ويشبه أن يكون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، إنما لم يجمعه في مصحف واحد، لما كان يعلم من جواز ورود النسخ على أحكامه، ورسومه، فلما ختم الله دينه بوفاة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وانقطع الوحي، قيض لخلفائه الراشدين عند الحاجة إليه جمعه بين الدفتين [2].


و قال النووي – رحمه الله - : « وإنما لم يجعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مصحف واحد لما كان يتوقع من زيادته ونسخ بعض المتلو ولم يزل ذلك التوقع إلى وفاته - صلى الله عليه وسلم - فلما أمن أبو بكر وسائر أصحابه ذلك التوقع واقتضت المصلحة جمعه فعلوه رضي الله عنهم »[3] .


و قال الزركشي – رحمه الله - : « وإِنَّمَا تَرَكَ جَمْعَهُ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ كَانَ يَرِدُ عَلَى بَعْضٍ فَلَوْ جَمَعَهُ ثُمَّ رُفِعَتْ تِلَاوَةُ بَعْضٍ لَأَدَّى إِلَى الِاخْتِلَافِ وَاخْتِلَاطِ الدِّينِ فَحَفِظَهُ اللَّهُ فِي الْقُلُوبِ إِلَى انْقِضَاءِ زَمَانِ النَّسْخِ ثُمَّ وُفِّقَ لِجَمْعِهِ الخلفاء الراشدين »[4] .

و يضاف إلى ذلك عدم وجود دواعي لجمع القرآن في مصحف واحد في العهد النبوي بخلاف الدواعي التي وجدت في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، فقد كان المسلمون في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بخير وأمن، والقراء كثيرون، والفتنة مأمونة، وفوق هذا الرسول - صلى الله عليه وسلم – بينهم و كان الصحابة إذا اختلفوا رجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- لا إلى ما هو مكتوب أما في عهد أبي بكر فقد قتل كثير من الحفاظ حتى خيف على ضياع شيء من القرآن الكريم .


و عدم جمع القرآن في مصحف واحد في العهد النبوي دليل على مراعاة الشريعة لأحوال الناس و عدم أمر الناس بما يشق عليهم فقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يترقب نزول الوحي من حين لآخر، وقد يكون منه الناسخ لشيء نزل من قبل، وكتابة القرآن لم يكن ترتيبها بترتيب النزول بل تُكتب الآية بعد نزولها حيث يشير -صلى الله عليه وسلم - إلى موضع كتابتها بين آية كذا وآية كذا في سورة كذا، ولو جُمع القرآن كله بين دفتي مصحف واحد لأدى هذا إلى التغيير كلما نزل شيء من الوحي [5]، و في هذا مشقة على الناس إذ يلزم ذلك تغييراً مستمراً في الأدوات التي كتب عليها .
[1]- اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية ص 250
[2]- المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز لأبي شامة ص 62
[3]التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ص 186
[4]- البرهان في علوم القرآن للزركشي ص 235
[5]- مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص 125

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 12:54 AM
الرد على سؤالهم : كيف يجمع القرآن ثلاث مرات ؟


وقد يشكل على الذهن كيف يجمع الشيء الواحد ثلاث مرات فإذا كان جُمِعَ في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فكيف يجمع في عهد أبي بكر -رضي الله عنه- وإذا جمع في عهد أبي بكر ثانية فكيف يجمع ثالثة ؟.


والجواب: أنه لا يراد بالجمع معناه الحقيقي في جميع المراحل. فالمراد بجمع القرآن في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم "كتابته وتدوينه" والمراد بجمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - "جمع في مصحف واحد".

والمراد بجمع القرآن في عهد عثمان - رضي الله عنه - "نسخه" في مصاحف متعددة ، ويظهر بهذا أن الجمع بمعناه الحقيقي كان في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - [1].
[1]- دراسات في علوم القرآن الكريم لفهد الرومي ص 74

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 12:56 AM
الرد على شبهة عدم كتابة القرآن في العهد النبوي



يردد بعض المغرضين أن القرآن لم يكتب في العهد النبوي و أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - لما قبض لم يكن في أيدي قومه كتاب و يستشهدون بما رواه الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنِ الْقُرْآنُ جُمِعَ فِي شَيْءٍ ، و يستشهدون بقول عمر : إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْآنِ أي سبب الخوف هو قتل القراء، ولو كان القرآن قد جمع وكتب لما كانت هناك علة لخوف عمر .


و كلامهم ينم عن شدة جهلهم و سوء فهمهم فهناك سيل من النصوص يدل على كتابة القرآن في العهد النبوي فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزلت عليه سورة دعا بعض من يكتب فقال : "ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا و كذا" [1] ، و هذا الحديث يدل على اتخاذ النبي - صلى الله عليه وسلم – كتبة للوحي .


و عن زيد بن ثابت قال : كنا عند رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - نؤلف القرآن من الرقاع[2] ،و هذا الحديث يدل على كتابة القرآن في حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - .


و قال زيد بن ثابت - رضي الله عنه – : " فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ العُسُبِ وَاللِّخَافِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ"[3] ، و هذا الحديث يدل على أن القرآن كان مكتوبا في العهد النبوي على العسب و اللخاف .




و عَنْ أبِيْ سَعِيْدٍ الْخُدْرِيِّ ، أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " لاَ تَكْتُبُوْا عَنِّيْ شَيْئاً سِوَى القُرْآنِ ، مَنْ كَتَبَ عَنِّيْ شَيْئاً سِوَى القُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ "[4] ، و هذا الحديث يدل أن الصحابة كانوا يكتبون القرآن في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم – ، و قال السيوطي : « وَكَانَ النَّهْي – أي عن كتابة الحديث - حِين خيف اخْتِلَاطه بِالْقُرْآنِ فَلَمَّا أَمن ذَلِك أذن فِيهَا وَقيل مَخْصُوص بِكِتَابَة الحَدِيث مَعَ الْقُرْآن فِي صحيفَة وَاحِدَة لِئَلَّا يخْتَلط فيشتبه على الْقَارئ»[5] .


و عَنْ البَرَاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، يَقُولُ : لَمَّا نَزَلَتْ : ﴿ لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ ﴾ مِنَ المُؤْمِنِينَ " دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – زَيْدًا ، فَجَاءَ بِكَتِفٍ فَكَتَبَهَا، وَشَكَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ ، فَنَزَلَتْ : ﴿ لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ﴾ ( سورة النساء الآية 95 ) "[6] ، و هذا الحديث يدل أن كان النبي - صلّى الله عليه وسلّم - إذا أنزلت عليه سورة دعا بعض من يكتب ليكتبها .


و عَنِ ابْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ الْوَحْيَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَ كَانَ يَشْتَدُّ نَفَسَهُ ويَعْرَقُ عَرَقًا شَدِيدًا مِثْلَ الْجُمَانِ، ثُمَّ يُسَرَّى عَنْهُ، فَأَكْتُبُ وَهُوَ يُمْلِي عَلَيَّ، فَمَا أَفْرَغُ حَتَّى يَثْقُلَ، فَإِذَا فَرَغْتُ قَالَ: «اقْرَأْ» فَأَقْرَأَهُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ سَقْطٌ أَقَامَهُ [7] ، وهذا الحديث يدل أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - كان له كُتَّاب يكتبون له الوحي، ثم يراجعهم فيما كتبوا، حتى إذا وجد خطأ أمرهم بإصلاحه .


و قول زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَ لَمْ يَكُنِ الْقُرْآنُ جُمِعَ فِي شَيْء أي قبض النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - و لم يكن القرآن جمع مرتب الآيات والسور في مصحف واحد ، وهذا لا ينافي أن القرآن كتب في العهد النبوي مفرقا .


أما قولهم لو كان القرآن قد جمع وكتب لما كانت هناك علة لخوف عمر فهذا الفهم السقيم معارض بكثير من النصوص الدالة على كتابة القرآن في العهد النبوي ،و كلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - واضح حيث قال : إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن أي أنه يخاف أن يشتد قتل القراء أي مازال كثير من القراء موجودين .


وذهاب بعض القراء قد يعني ذهاب قراء آخرين فيما بعد أي يقل عدد حفظة القرآن و من يحفظون الناس القرآن،والقرآن يؤخذ بالتلقي والسماع لا الكتابة و الاعتماد على الحفظ لا الكلام المكتوب لاحتمال التصحيف و الزيادة و النقص ، و الخوف من قلة عدد القراء الذين يرجع إليهم عند الاختلاف على آية ، و الخوف من قلة عدد من يحفظ الناس القرآن و الخوف من قلة عدد من يحفظ القرآن لا يستلزم كون القرآن لم يكتب في العهد النبوي.
[1]- رواه الحاكم في المستدرك 2/ 221 وصححه ووافقه الذهبي
[2]- روه أحمد في مسنده 5/ 184 و 185، والحاكم في المستدرك 2/ 229 وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم503.
[3]- جزء من حديث رواه البخاري في صحيحه 6/183 حديث رقم 4986
[4]- رواه مسلم في صحيحه 8/ 229 حديث رقم 3004
[5]- الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج 6/303
[6]- رواه البخاري في صحيحه 4/24 حديث رقم 2831
[7]- المعجم الكبير للطبراني 5/142 حديث رقم 4888 ، و قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ وَرِجَالُ أَحَدِهِمَا ثِقَاتٌ 8/257
__________________

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 12:58 AM
الرد على تشكيكهم في تواتر القرآن بدعوى أن حفظة القرآن من الصحابة كانوا قليلين





يردد المغرضون أن حفظ القران كان مقتصرا على فئة قليلة من الصحابة وليس على كل الصحابة أو أكثريتهم كما يدعي المسلمين و يردد المغرضون أيضا ما ذكره بعض الكتاب أنه لم يكن شائعا في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حفظ القرآن جميعه كما شاع بعد إنما كانوا يحفظون السورة آو جملة آيات ويتفهمون معانيها فإذا حذقوا ذلك انتقلوا إلى غيرها .


و كان الصحابة إذا تعلموا من النبي عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل و يقولون تعلم عمر سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة ، و يستدلون بقول أنس - رضي الله عنه -: مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يجمع القرآن غير أربعة أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد .


و هذا الكلام ينم عن سوء فهمهم للنصوص و الأحاديث ، و معرفتنا عدد معين من الصحابة قد حفظ القرآن لا يستلزم أن يكون غيرهم لم يحفظ القرآن فليس معنى عدم العلم العدم .


و المعروفون بحفظ القرآن من الصحابة هم المشهورون بحفظ القرآن و عدم الشهرة بحفظ القرآن لا تستلزم عدم الحفظ ، وفي عصرنا آلاف مؤلفة يحفظون القرآن لكن المشهور بالحفظ منهم قليل ، واشتهار بعض الناس في حرفة معينة أو عمل معين ليس معناه أن غيرهم لا يجيدها أو لا يعمل فيها مثلا في مصر آلاف مؤلفة من الأطباء لكن المشتهرين في الطب أقل بقليل ممن لم يشتهروا .


و حال الصحابة يشهد بأن الكثير منهم قد حفظ القرآن فقد كانوا يهتمون بالقرآن و يحبونه و يتدارسونه و يحرصون عليه أكثر منا و في العصور التي بعد الصحابة إلى عصرنا وجدنا آلاف مؤلفة من الناس يحفظون القرآن فكيف بالصحابة و هم كانوا أشد تدينا و أقوى ذاكرة و عجيب بمن يصدق أن أطفالا لا يتجاوزن السادسة من عمرهم يحفظون القرآن و لا يصدق أن يحفظ القرآن الكثير من الصحابة ؟!!


و مما اشتهر عن الصّحابة في عهد النّبيّ - صلى الله عليه وسلم – أنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات من القرآن حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل ، وهذا أدعى للحفظ فالذي يعمل بما علم يسهل عليه تذكر ما علم بخلاف من لا يعمل بما علم و الذي يتأنى في الحفظ و الفهم و العمل أوثق حفظا ممن لا يتأنى في الحفظ .


وما من شك أن العمل بالعلم يقرره في النفس أبلغ تقرير وينقشه في صحيفة الفكر أثبت نقش على نحو ما هو معروف في فن التربية وعلم النفس من أن التطبيق يؤيد المعارف والأمثلة تقيد القواعد ولا تطبيق أبلغ من العمل ولا مثال أمثل من الإتباع خصوصا المعارف الدينية فإنها تزكو بتنفيذها وتزيد بإتباعها [1] .


و مما ساعد الصحابة على حفظ القرآن و مما يسر حفظهم للقرآن و فهمه للقرآن نزول القرآن منجما و عدم نزوله دفعة واحدة فلم ينزل القرآن في سنة أو سنتين بل في ثلاث وعشرين سنة ، و هذا أدعى لتثبت في حفظ القرآن و إتقان حفظ القرآن.


و هل معنى أن عمر - رضي الله عنه - حفظ سورة البقرة في أكثر من عشر سنوات أنه لم يحفظ خلال هذه الفترة سور أخرى و هو يحفظ سورة البقرة ،و سورة البقرة لم تنزل دفعة واحدة كي يحفظها الصحابة في وقت قصير و كذلك الكثير من سور القرآن و هذا أدعى لتثبت في حفظ القرآن و إتقان حفظ القرآن ؟!! و من هنا يتبين تفاهة و سوء فهم من يقول : اعتقد أن الفاروق كان بحاجة إلى ضعفي عمره لحفظ نصف سور القران .


و عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشْغَلُ، فَإِذَا قَدِمَ رَجُلٌ مُهَاجِرٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَّا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ ، فَدَفَعَ إِلَيَّ رَسُولُ الله ِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – رَجُلًا ، فَكَانَ مَعِي فِي الْبَيْتِ أُعَشِّيهِ عَشَاءَ أَهْلِ الْبَيْتِ، فَكُنْتُ أُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ فَانْصَرَفَ انْصِرَافَةً إِلَى أَهْلِهِ، فَرَأَى أَنَّ عَلَيْهِ حَقًّا فَأَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا لَمْ أَرَ أَجْوَدَ مِنْهَا عُودًا وَلَا أَحْسَنَ مِنْهَا عِطْفًا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقُلْتُ : مَا تَرَى يَا رَسُولَ اللهِ فِيهَا ؟ قَالَ : " جَمْرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْكَ تَقَلَّدْتَهَا " أَوْ " تَعَلَّقْتَهَا "[2] ، و هذا الحديث يدل على كثرة الحفظة و على كثرة من يعلم الناس القرآن و يحفظهم .


و عَنْ مَسْرُوقٍ، ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - َ يَقُولُ : « خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْب ٍ»[3]أَيْ تَعَلَّمُوا مِنْهُمْ. وَالْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورُونَ اثْنَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَهُمَا الْمُبْتَدَأُ بِهِمَا وَاثْنَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَسَالِمٌ هُوَ ابْنُ مَعْقِلٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَمُعَاذٌ هُوَ ابْنُ جَبَلٍ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِعْلَامَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَيْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ يَبْقَوْنَ حَتَّى يَنْفَرِدُوا بِذَلِكَ .


وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْفَرِدُوا بَلِ الَّذِينَ مَهَرُوا فِي تَجْوِيدِ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْعَصْرِ النَّبَوِيِّ أَضْعَافُ الْمَذْكُورِينَ وَقَدْ قُتِلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ وَمَاتَ مُعَاذٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَمَاتَ أُبَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَقَدْ تَأَخَّرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ الرِّيَاسَةُ فِي الْقِرَاءَةِ وَعَاشَ بَعْدَهُمْ زَمَنًا طَوِيلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَخْذِ عَنْهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَدَرَ فِيهِ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَلَا يَلْزَمُ من ذلك ألا يَكُونَ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شَارَكَهُمْ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ بَلْ كان الذي يَحْفَظُونَ مِثْلَ الَّذِي حَفِظُوهُ وَأَزْيَدَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَفِي الصَّحِيحِ فِي غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ أَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا بِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ وَكَانُوا سبعين رجلا [4].


و الحديث الشريف لا يدل على حصر القراء و المحفظين في هؤلاء الأربعة لكن هؤلاء أحسن من يؤخذ عنهم القرآن كما تقول خذ التفسير من فلان أو خذ الحديث من فلان أو خذ الطب أو خذ الفقه م من فلان فليس معنى هذا الحصر فيمن ذكرت .



و قول أنس مات النبي - صلى الله عليه وسلم – و لم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، و معاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، و أبو يزيد " فليس هذا من قبيل الإحصاء و التعيين ،و قد يكون مراده لم يجمع القرآن من الأنصار غير أربعة حسب علمه ، أما غيرهم من المهاجرين و الأنصار الذين لا يعلمهم فلا يشملهم النفي جمعا بين هذا الحديث و بين النصوص الأخرى التي تدل على حفظ كثير من الصحابة القرآن .


وقد يكون المقصود بقوله لم يجمع القرآن أي لم يحفظ القرآن و يحفظ ناسخَه ومنسوخَه ، وجميعَ وجوهِه وحروفِه التي أُنزل عليها غير هؤلاء أو يكون المقصود بقوله لم يجمع القرآن أي لم يأخذه ويجمعه مِن في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقرأه عليه كاملا غير هؤلاء .


قال السيوطي – رحمه الله - : « قَالَ الْمَازِرِيُّ : لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ : " لَمْ يَجْمَعُهُ غَيْرُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ سِوَاهُمْ جَمَعَهُ وَإِلَّا فَكَيْفَ الْإِحَاطَةُ بِذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الصَّحَابَةِ وَتَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلَادِ! وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا إِنْ كَانَ لَقِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ وَأَخْبَرَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ لَهُ جَمْعٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - وهذا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فِي الْعَادَةِ وَإِذَا كَانَ الْمَرْجِعُ إِلَى مَا فِي عِلْمِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ كَذَلِكَ .


قَالَ : وَقَدْ تَمَسَّكَ بِقَوْلِ أَنَسٍ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُمْ فِيهِ فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنَ الْجَمِّ الْغَفِيرِ لَمْ يُحَفِّظْهُ كُلَّهُ أَلَّا يَكُونَ حَفِظَ مَجْمُوعَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ و َلَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَحْفَظَ كُلُّ فَرْدٍ جَمِيعَهُ بَلْ إِذَا حُفِظَ الْكُلُّ وَلَوْ عَلَى التَّوْزِيعِ كَفَى .


وَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : قَدْ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ مِنَ الْقُرَّاءِ ، وَ قُتِلَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِئْرِ مَعُونَةَ مِثْلُ هَذَا الْعَدَدِ . قَالَ : وَإِنَّمَا خَصَّ أَنَسٌ الْأَرْبَعَةَ بِالذِّكْرِ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ أَوْ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا فِي ذِهْنِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ »[5] .


و قال ابن بطال – رحمه الله - : « فقول أنس : لم يجمع القرآن غير أربعة. قول يتعذر العلم بحقيقة ظاهره، وله وجوه من التأويل : أحدها : أنه لم يجمعه على جميع الوجوه والأحرف، والقراءات التى نزل بها إلا أولئك النفر فقط وهذا غير بعيد ؛ لأنه لا يجب على سائرهم ولا على أولئك النفر أيضًا أن يجمعوا القرآن على جميع حروفه و وجوهه السبعة .

و الثانى : أنه لم يجمع القرآن ويأخذه تلقينًا من في النبي - صلى الله عليه وسلم - غير تلك الجماعة فإن أكثرهم أخذ بعضه عنه وبعضه عن غيره .


و الثالث : أن يكون لم يجمع القرآن على عهد النبي من انتصب لتلقينه ، وأقرأ الناس له غير تلك الطبقة المذكورة .


وقد تظاهرت الروايات بأن الأئمة الأربعة جمعوا القرآن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- لأجل سبقهم إلى الإسلام وإعظام الرسول - صلى الله عليه وسلم – لهم .


وقد ثبت عن الصديق بقراءته في المحراب بطوال السور التي لا يتهيأ حفظها إلا لأهل القدرة على الحفظ والإتقان، فروى ابن عيينة، عن الزهرى، عن أنس أن أبا بكر الصديق قرأ في الصبح بالبقرة فقال عمر: كادت الشمس أن تطلع فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين.


و قد علم أن كثيرًا من الحفاظ وأهل الدربة بالقرآن يتهيبون الصلاة بالناس بمثل هذه السور الطوال وما هو دونها، وهذا يقتضى أن أبا بكر كان حافظًا للقرآن.


وقد صح الخبر أنه بنى مسجدًا بفناء داره بمكة قبل الهجرة، وأنه كان يقوم فيه بالقرآن ويكثر بكاؤه ونشيجه عند قراءته فتقف عليه نساء المشركين وولدانهم يسمعون قراءته، لولا علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك من أمره لم يقدمه لإمامة المسلمين مع قوله: يؤم القوم أقرؤهم.


وكذلك تظاهرت الروايات عن عمر أنه كان يؤم الناس بالسور الطوال، وقد أمهم بسورة يوسف فى الصبح فبلغ إلى قوله : ﴿ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ ، فنشج حتى سمع بكاؤه من وراء الصفوف.


وقرأ مرة سورة الحج فسجد فيها سجدتين. وروى عبد الملك بن عمير عن زيد بن وهب، عن ابن مسعود قال: كان عمر أعلمنا بالله وأقرأنا لكتاب الله وأفقهنا في دين الله، ولولا أن هذه كانت حالته، وأنه من أقرأ الناس لكتاب الله لم يكن أبو بكر الصديق بالذي يضم إليه زيد بن ثابت، ويأمرهما بجمع القرآن واعتراض ما عند الناس، ويجعل زيدًا تبعًا له ؛ لأنه لا يجوز أن ينصب لجمع القرآن واعتراضه من ليس بحافظ.


وأما عثمان فقد اشتهر أنه كان ممن جمع القرآن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان من أهل القيام به ، وقد قال حين أرادوا قتله فضربوه بالسيف على يده فمدها وقال: والله إنها لأول يد خطت المفصل ، و قالت نائلة زوجته : إن تقتلوه فإنه كان يحيى الليل بجميع القرآن فى ركعة .


وكذلك على بن أبى طالب، قد عرفت حاله في فضله وثاقب فهمه ، وسعة علمه ومشاورة الصحابة له، وإقرارهم لفضله وتربية النبي له وأخذه له بفضائل الأخلاق، وترغيبه - صلى الله عليه وسلم - فى تخريجه وتعليمه، وما كان يرشحه له ويثيبه عليه من أمره نحو قوله: أقضاكم علىّ .


ومن البعيد أن يقول هذا فيه وليس من قراء الأمة، وقد كان يقرأ القرآن، وقرأ عليه أبو عبد الرحمن السلمى وغيره ، وروى همام ، عن ابن أبى نجيح، عن عطاء بن السائب أن أبا عبد الرحمن حدثه قال : ما رأيت رجلاً أقرأ للقرآن من علىّ بن أبى طالب، صلى بنا الصبح، فقرأ سورة الأنبياء فأسقط آية، فقرأ ثم رجع إلى الآية التي أسقطها فقرأها ، ثم رجع إلى مكانه الذي انتهى إليه لا يتتعتع .


فإذا صح ما قلناه مع ما ثبت من تقدمهم وتقدمة الرسول لهم وجب أن يكونوا حفاظًا للقرآن ، و أن يكون ذلك أولى من الأخبار التي ذكر فيها أن الحفاظ كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة ليس منهم أحد من هؤلاء الأئمة القادة الذين هم عمدة الدين و فقهاء المسلمين »[6].


و قال أبو الوليد الباجي – رحمه الله - : « أَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ أَرْبَعَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَسْتَوْعِبْ تَلَقِّي جَمِيعِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ أَرْبَعَةٍ وَأَمَّا سَائِرُ الصَّحَابَةِ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَقِّنُ الرَّجُلَ السُّورَةَ وَالسُّورَتَيْنِ وَيُلَقِّنُهَا هُوَ أَصْحَابَهُ فَمِنْهُمْ مَنْ تَلَقَّنَ مِنْهُ نِصْفَ الْقُرْآنِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَلَقَّنَ مِنْهُ ثُلُثَهُ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ وَتَلَقَّنَ سَائِرَهُ عَنْ الصَّحَابَةِ .


وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ فَخْرٌ عَلَى نُظَرَائِهِ بِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعِينَ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ فَعَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ كَانَ يَأْخُذُ الْآيَةَ مِنْ الْقُرْآنِ عَنْ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ تَلَقَّنَهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ وَجَدَ آلَافًا مِمَّنْ يَقْرَؤُهَا وَيَحْفَظُهَا وَتَلَقَّنَهَا عَنْ الصَّحَابَةِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ لِتَلَقُّنِهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِرْبَةٌ وَدَرَجَةٌ »[7].


و قال القرطبي – رحمه الله - : « قَالَ ابْنُ الطَّيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا تَدُلُّ هَذِهِ الْآثَارُ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَحْفَظْهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ كَمَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، فَقَدْ ثَبَتَ بِالطُّرُقِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنُ الْعَاصِ .


فَقَوْلُ أَنَسٍ لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ وَأَخَذَهُ تَلْقِينًا مِنْ رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ تِلْكَ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ أَخَذَ بَعْضُهُ عَنْهُ وَبَعْضُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الرِّوَايَاتُ بِأَنَّ الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ جَمَعُوا الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَجْلِ سَبْقِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِعْظَامِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ. قُلْتُ: لَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وسالما مولى أبي حذيفة رضى الله عنهم فِيمَا رَأَيْتُ، وَهُمَا مِمَّنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ »[8] .


و قال ابن كثير – رحمه الله - : « فَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ مِنَ الصَّحَابَةِ سِوَى هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ هَذَا هَكَذَا، بَلِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ جَمَعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَيْضًا، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ: لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ مِنَ الْأَنْصَارِ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا ، وَ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ : أَبُو الدَّرْدَاء ِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَكُلُّهُمْ مَشْهُورُونَ إِلَّا أَبَا زَيْدٍ هَذَا، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ »[9] .


و قال ابن كثير أيضا : « وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ أَنَّ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ إِمَامًا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ " فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ لَمَا قدّمه عليهم هذا مضمون ما قرره الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيُّ، وهذا التقرير لا يُدفع ولاشك فِيهِ [10].


وَقَدْ جَمَعَ الْحَافِظُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي ذَلِكَ جُزْءًا، وَقَدْ بَسَطْتُ تَقْرِيرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ مُسْنَدُ الشَّيْخَيْنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.


وَمِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَقَدْ قَرَأَهُ فِي رَكْعَةٍ -كَمَا سَنَذْكُرُهُ- وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُقَالُ: إِنَّهُ جَمَعَهُ عَلَى تَرْتِيبِ مَا أُنْزِلَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا. وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أَيْنَ نَزَلَتْ ؟ وَفِيمَ نَزَلَتْ؟ وَلَوْ عَلِمْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تَبْلُغُهُ الْمَطِيُّ لَذَهَبْتُ إِلَيْهِ.

وَمِنْهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، كَانَ مِنَ السَّادَاتِ النُّجَبَاءِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَتْقِيَاءِ وَقَدْ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا. وَمِنْهُمُ الْحَبْرُ الْبَحْرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآن .
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مَرَّتَيْنِ، أَقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا.


وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكة، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَكِيمِ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "اقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ »[11] .


و قال بدر العيني – رحمه الله - : « فَإِن قلت: فِي رِوَايَة عَن أنس : لم يجمع الْقُرْآن على عهد سيدنَا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - إلاَّ أَرْبَعَة وَكَذَا فِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ .

قلت: قد قُلْنَا إِنَّه لَا مَفْهُوم لَهُ لِأَنَّهُ عدد .


وَلَئِن سلمنَا فَالْجَوَاب من وُجُوه: الأول: أُرِيد بِهِ الْجمع بِجَمِيعِ وجوهه ولغاته وحروفه، وقراءاته الَّتِي أنزلهَا الله عز وَجل. وَأذن للْأمة فِيهَا وَخَيرهَا فِي الْقِرَاءَة بِمَا شَاءَت مِنْهَا.

الثَّانِي: أُرِيد بِهِ الْأَخْذ من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تلقينا وأخذادون وَاسِطَة.

الثَّالِث: أُرِيد، بِهِ أَن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة ظَهَرُوا بِهِ وانتصبوا لتلقيته وتعليمه .

الرَّابِع: أُرِيد بِهِ مرسوما فِي مصحف أَو صحف.

الْخَامِس : قَالَه أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ : أُرِيد بِهِ أَنه لم يجمع مَا نسخ مِنْهُ وَزيد رسمه بعد تِلَاوَته إِلَّا هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة.

السَّادِس : قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: أُرِيد بِهِ أَنه لم يذكرهُ أحد عَن نَفسه سوى هَؤُلَاءِ.

السَّابِع: أُرِيد، بِهِ أَن من سواهُم ينْطق بإكماله خوفًا من الرِّيَاء واحتياطا على النيات. وَهَؤُلَاء الْأَرْبَعَة أظهروه لأَنهم كَانُوا آمِنين على أنفسهم، أَو لرأي اقْتضى ذَلِك عِنْدهم.

الثَّامِن: أُرِيد بِالْجمعِ الْكِتَابَة فَلَا يَنْفِي أَن يكون غَيرهم جمعه حفظا عَن ظهر قلبه، وَأما هَؤُلَاءِ فجمعوه كِتَابَة وحفظوه عَن ظهر الْقلب.

التَّاسِع: أَن قصارى الْأَمر أَن أنسا قَالَ: جمع الْقُرْآن على عَهده - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَرْبَعَة، قد يكون المُرَاد: أَنِّي لَا أعلم سوى هَؤُلَاءِ، وَلَا يلْزمه أَن يعلم كل الحافظين لكتاب الله تَعَالَى.

الْعَاشِر : أَن معنى قَوْله : جمع أَي : سمع لَهُ وأطاع. وَعمل بِمُوجبِه، كَمَا رُوِيَ أَحْمد فِي كتاب الزّهْد: أَن أَبَا الزَّاهِرِيَّة أَتَى أَبَا الدَّرْدَاء، فَقَالَ: إِن ابْني جمع الْقُرْآن، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر، إِنَّمَا جمع الْقُرْآن من سمع لَهُ وأطاع، لَكِن يُعَكر على هَذَا أَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَغَيرهم من الصَّحَابَة كلهم كَانُوا سَامِعين مُطِيعِينَ ، وَأما الَّذين جَمَعُوهُ غَيرهم ، فالخلفاء الْأَرْبَعَة جمعُوا الْقُرْآن على عهد رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ، ذكره أَبُو عَمْرو وَعُثْمَان بن سعيد الداني، وَقَالَ أَبُو عمر: جمعه أَيْضا على عهد رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.

وَعَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ: جمع الْقُرْآن فِي زمن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - عبَادَة بن الصَّامِت وَأَبُو أَيُّوب خَالِد بن زيد، ذكره ابْن عَسَاكِر.


وَعَن الداني: جمعه أَيْضا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَمجمع بن جَارِيَة، ذكره ابْن إِسْحَاق وَقيس ابْن أبي صعصعة عَمْرو بن زيد الْأنْصَارِيّ البدري، ذكره أَبُو عبيد بن سَلام فِي حَدِيث مطول، وَذكر ابْن حبيب فِي المحبر جمَاعَة مِمَّن جمع الْقُرْآن على عَهده - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فيهم: سعد بن عبيد بن النُّعْمَان الأوسي.

وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَمِمَّنْ جمع الْقُرْآن على عَهده - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - : قيس بن السكن وَأم ورقة بنت نَوْفَل، وَقيل: بنت عبد الله بن الْحَارِث وَذكر ابْن سعد أَنَّهَا جمعت الْقُرْآن.


وَذكر أَبُو عُبَيْدَة الْقُرَّاء من أَصْحَاب النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ، فعد من الْمُهَاجِرين الْأَرْبَعَة وَطَلْحَة وسعدا وَابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وسالما وَأَبا هُرَيْرَة وَعبد الله بن السَّائِب والعبادلة.

وَمن النِّسَاء: عَائِشَة وَحَفْصَة وَأم سَلمَة.

وَذكر ابْن أبي دَاوُد من الْمُهَاجِرين أيضا تميم بن أَوْس الدَّارِيّ وَعقبَة بن عَامر .


وَمن الْأَنْصَار : معَاذ الَّذِي يكنى أَبَا حليمة و فضالة بن عبيد و مسلمة بن مخلد ، وَعَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ : توفّي رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد قَرَأت الْقُرْآن وَ أَنا ابْن عشر سِنِين .


وَقد ظهر من هَذَا أَن الَّذين جمعُوا الْقُرْآن على عَهده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحصيهم أحد وَلَا يضبطهم عدد .


وَذكر القَاضِي أَبُو بكر: فَإِن قيل: إِذا لم يكن دَلِيل خطاب فلأي شَيْء خص هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة بِالذكر دون غَيرهم؟ قيل لَهُ : إِنَّه يحْتَمل أَن يكون ذَلِك لتَعلق غَرَض الْمُتَكَلّم بهم دون غَيرهم، أَو يَقُول: إِن هَؤُلَاءِ فيهم دون غَيرهم.


فَإِن قلت: قد حاول بعض الْمَلَاحِدَة فِيهِ بِأَن الْقُرْآن شَرطه التَّوَاتُر فِي كَونه قُرْآنًا، وَلَا بُد من خبر جمَاعَة أحالت الْعَادة تواطئهم على الْكَذِب قلت: ضَابِط التَّوَاتُر الْعلم بِهِ، وَقد يحصل بقول هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة، وَأَيْضًا لَيْسَ من شَرطه أَن يتَقَبَّل جَمِيعهم بل لَو حفظه كل جُزْء مِنْهُ عدد التَّوَاتُر لَصَارَتْ الْجُمْلَة متواترا، وَقد حفظ جَمِيع أَجْزَائِهِ مئون لَا يُحصونَ »[12].

[1] - مناهل العرفان في علوم القرآن 1/311
[2]- رواه أحمد في مسنده 37/427 حديث رقم 22766 قال شعيب الأرناؤوط : إسناده حسن ، و ذكره ضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة و قال إسناده حسن 8/268
[3]- رواه البخاري في صحيحه 6/186 حديث رقم 4999
[4]- الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/244
[5] - الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/246
[6]- شرح صحيح البخاري لابن بطال 10 /244
[7]- المنتقى شرح الموطأ لأبي الوليد الباجي 1/349
[8]- تفسير القرطبي 1/57
[9]- تفسير ابن كثير 1/53
[10] - أما أثر ابنِ سيرين : أن أبا بكر- رَضِيَ الله عنه - مات ولم يَخْتِم القرآن فقد ولد ابن سيرين في خلافة عثمان و الشخص الذي بينه وبين أبي بكر مجهول فالرواية فيها انقطاع .
[11]- تفسير ابن كثير 1/54
[12]- عمدة القاري 20/26 - 27

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:00 AM
الرد على تشكيكهم في تواتر القرآن بدعوى أن حفظة القرآن من الصحابة كانوا قليلين





يردد المغرضون أن حفظ القران كان مقتصرا على فئة قليلة من الصحابة وليس على كل الصحابة أو أكثريتهم كما يدعي المسلمين و يردد المغرضون أيضا ما ذكره بعض الكتاب أنه لم يكن شائعا في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حفظ القرآن جميعه كما شاع بعد إنما كانوا يحفظون السورة آو جملة آيات ويتفهمون معانيها فإذا حذقوا ذلك انتقلوا إلى غيرها .


و كان الصحابة إذا تعلموا من النبي عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل و يقولون تعلم عمر سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة ، و يستدلون بقول أنس - رضي الله عنه -: مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يجمع القرآن غير أربعة أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد .


و هذا الكلام ينم عن سوء فهمهم للنصوص و الأحاديث ، و معرفتنا عدد معين من الصحابة قد حفظ القرآن لا يستلزم أن يكون غيرهم لم يحفظ القرآن فليس معنى عدم العلم العدم .


و المعروفون بحفظ القرآن من الصحابة هم المشهورون بحفظ القرآن و عدم الشهرة بحفظ القرآن لا تستلزم عدم الحفظ ، وفي عصرنا آلاف مؤلفة يحفظون القرآن لكن المشهور بالحفظ منهم قليل ، واشتهار بعض الناس في حرفة معينة أو عمل معين ليس معناه أن غيرهم لا يجيدها أو لا يعمل فيها مثلا في مصر آلاف مؤلفة من الأطباء لكن المشتهرين في الطب أقل بقليل ممن لم يشتهروا .


و حال الصحابة يشهد بأن الكثير منهم قد حفظ القرآن فقد كانوا يهتمون بالقرآن و يحبونه و يتدارسونه و يحرصون عليه أكثر منا و في العصور التي بعد الصحابة إلى عصرنا وجدنا آلاف مؤلفة من الناس يحفظون القرآن فكيف بالصحابة و هم كانوا أشد تدينا و أقوى ذاكرة و عجيب بمن يصدق أن أطفالا لا يتجاوزن السادسة من عمرهم يحفظون القرآن و لا يصدق أن يحفظ القرآن الكثير من الصحابة ؟!!


و مما اشتهر عن الصّحابة في عهد النّبيّ - صلى الله عليه وسلم – أنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات من القرآن حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل ، وهذا أدعى للحفظ فالذي يعمل بما علم يسهل عليه تذكر ما علم بخلاف من لا يعمل بما علم و الذي يتأنى في الحفظ و الفهم و العمل أوثق حفظا ممن لا يتأنى في الحفظ .


وما من شك أن العمل بالعلم يقرره في النفس أبلغ تقرير وينقشه في صحيفة الفكر أثبت نقش على نحو ما هو معروف في فن التربية وعلم النفس من أن التطبيق يؤيد المعارف والأمثلة تقيد القواعد ولا تطبيق أبلغ من العمل ولا مثال أمثل من الإتباع خصوصا المعارف الدينية فإنها تزكو بتنفيذها وتزيد بإتباعها [1] .


و مما ساعد الصحابة على حفظ القرآن و مما يسر حفظهم للقرآن و فهمه للقرآن نزول القرآن منجما و عدم نزوله دفعة واحدة فلم ينزل القرآن في سنة أو سنتين بل في ثلاث وعشرين سنة ، و هذا أدعى لتثبت في حفظ القرآن و إتقان حفظ القرآن.


و هل معنى أن عمر - رضي الله عنه - حفظ سورة البقرة في أكثر من عشر سنوات أنه لم يحفظ خلال هذه الفترة سور أخرى و هو يحفظ سورة البقرة ،و سورة البقرة لم تنزل دفعة واحدة كي يحفظها الصحابة في وقت قصير و كذلك الكثير من سور القرآن و هذا أدعى لتثبت في حفظ القرآن و إتقان حفظ القرآن ؟!! و من هنا يتبين تفاهة و سوء فهم من يقول : اعتقد أن الفاروق كان بحاجة إلى ضعفي عمره لحفظ نصف سور القران .


و عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشْغَلُ، فَإِذَا قَدِمَ رَجُلٌ مُهَاجِرٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَّا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ ، فَدَفَعَ إِلَيَّ رَسُولُ الله ِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – رَجُلًا ، فَكَانَ مَعِي فِي الْبَيْتِ أُعَشِّيهِ عَشَاءَ أَهْلِ الْبَيْتِ، فَكُنْتُ أُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ فَانْصَرَفَ انْصِرَافَةً إِلَى أَهْلِهِ، فَرَأَى أَنَّ عَلَيْهِ حَقًّا فَأَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا لَمْ أَرَ أَجْوَدَ مِنْهَا عُودًا وَلَا أَحْسَنَ مِنْهَا عِطْفًا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقُلْتُ : مَا تَرَى يَا رَسُولَ اللهِ فِيهَا ؟ قَالَ : " جَمْرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْكَ تَقَلَّدْتَهَا " أَوْ " تَعَلَّقْتَهَا "[2] ، و هذا الحديث يدل على كثرة الحفظة و على كثرة من يعلم الناس القرآن و يحفظهم .


و عَنْ مَسْرُوقٍ، ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - َ يَقُولُ : « خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْب ٍ»[3]أَيْ تَعَلَّمُوا مِنْهُمْ. وَالْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورُونَ اثْنَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَهُمَا الْمُبْتَدَأُ بِهِمَا وَاثْنَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَسَالِمٌ هُوَ ابْنُ مَعْقِلٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَمُعَاذٌ هُوَ ابْنُ جَبَلٍ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِعْلَامَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَيْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ يَبْقَوْنَ حَتَّى يَنْفَرِدُوا بِذَلِكَ .


وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْفَرِدُوا بَلِ الَّذِينَ مَهَرُوا فِي تَجْوِيدِ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْعَصْرِ النَّبَوِيِّ أَضْعَافُ الْمَذْكُورِينَ وَقَدْ قُتِلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ وَمَاتَ مُعَاذٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَمَاتَ أُبَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَقَدْ تَأَخَّرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ الرِّيَاسَةُ فِي الْقِرَاءَةِ وَعَاشَ بَعْدَهُمْ زَمَنًا طَوِيلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَخْذِ عَنْهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَدَرَ فِيهِ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَلَا يَلْزَمُ من ذلك ألا يَكُونَ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شَارَكَهُمْ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ بَلْ كان الذي يَحْفَظُونَ مِثْلَ الَّذِي حَفِظُوهُ وَأَزْيَدَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَفِي الصَّحِيحِ فِي غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ أَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا بِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ وَكَانُوا سبعين رجلا [4].


و الحديث الشريف لا يدل على حصر القراء و المحفظين في هؤلاء الأربعة لكن هؤلاء أحسن من يؤخذ عنهم القرآن كما تقول خذ التفسير من فلان أو خذ الحديث من فلان أو خذ الطب أو خذ الفقه م من فلان فليس معنى هذا الحصر فيمن ذكرت .



و قول أنس مات النبي - صلى الله عليه وسلم – و لم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، و معاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، و أبو يزيد " فليس هذا من قبيل الإحصاء و التعيين ،و قد يكون مراده لم يجمع القرآن من الأنصار غير أربعة حسب علمه ، أما غيرهم من المهاجرين و الأنصار الذين لا يعلمهم فلا يشملهم النفي جمعا بين هذا الحديث و بين النصوص الأخرى التي تدل على حفظ كثير من الصحابة القرآن .


وقد يكون المقصود بقوله لم يجمع القرآن أي لم يحفظ القرآن و يحفظ ناسخَه ومنسوخَه ، وجميعَ وجوهِه وحروفِه التي أُنزل عليها غير هؤلاء أو يكون المقصود بقوله لم يجمع القرآن أي لم يأخذه ويجمعه مِن في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقرأه عليه كاملا غير هؤلاء .


قال السيوطي – رحمه الله - : « قَالَ الْمَازِرِيُّ : لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ : " لَمْ يَجْمَعُهُ غَيْرُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ سِوَاهُمْ جَمَعَهُ وَإِلَّا فَكَيْفَ الْإِحَاطَةُ بِذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الصَّحَابَةِ وَتَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلَادِ! وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا إِنْ كَانَ لَقِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ وَأَخْبَرَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ لَهُ جَمْعٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - وهذا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فِي الْعَادَةِ وَإِذَا كَانَ الْمَرْجِعُ إِلَى مَا فِي عِلْمِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ كَذَلِكَ .


قَالَ : وَقَدْ تَمَسَّكَ بِقَوْلِ أَنَسٍ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُمْ فِيهِ فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنَ الْجَمِّ الْغَفِيرِ لَمْ يُحَفِّظْهُ كُلَّهُ أَلَّا يَكُونَ حَفِظَ مَجْمُوعَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ و َلَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَحْفَظَ كُلُّ فَرْدٍ جَمِيعَهُ بَلْ إِذَا حُفِظَ الْكُلُّ وَلَوْ عَلَى التَّوْزِيعِ كَفَى .


وَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : قَدْ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ مِنَ الْقُرَّاءِ ، وَ قُتِلَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِئْرِ مَعُونَةَ مِثْلُ هَذَا الْعَدَدِ . قَالَ : وَإِنَّمَا خَصَّ أَنَسٌ الْأَرْبَعَةَ بِالذِّكْرِ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ أَوْ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا فِي ذِهْنِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ »[5] .


و قال ابن بطال – رحمه الله - : « فقول أنس : لم يجمع القرآن غير أربعة. قول يتعذر العلم بحقيقة ظاهره، وله وجوه من التأويل : أحدها : أنه لم يجمعه على جميع الوجوه والأحرف، والقراءات التى نزل بها إلا أولئك النفر فقط وهذا غير بعيد ؛ لأنه لا يجب على سائرهم ولا على أولئك النفر أيضًا أن يجمعوا القرآن على جميع حروفه و وجوهه السبعة .

و الثانى : أنه لم يجمع القرآن ويأخذه تلقينًا من في النبي - صلى الله عليه وسلم - غير تلك الجماعة فإن أكثرهم أخذ بعضه عنه وبعضه عن غيره .


و الثالث : أن يكون لم يجمع القرآن على عهد النبي من انتصب لتلقينه ، وأقرأ الناس له غير تلك الطبقة المذكورة .


وقد تظاهرت الروايات بأن الأئمة الأربعة جمعوا القرآن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- لأجل سبقهم إلى الإسلام وإعظام الرسول - صلى الله عليه وسلم – لهم .


وقد ثبت عن الصديق بقراءته في المحراب بطوال السور التي لا يتهيأ حفظها إلا لأهل القدرة على الحفظ والإتقان، فروى ابن عيينة، عن الزهرى، عن أنس أن أبا بكر الصديق قرأ في الصبح بالبقرة فقال عمر: كادت الشمس أن تطلع فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين.


و قد علم أن كثيرًا من الحفاظ وأهل الدربة بالقرآن يتهيبون الصلاة بالناس بمثل هذه السور الطوال وما هو دونها، وهذا يقتضى أن أبا بكر كان حافظًا للقرآن.


وقد صح الخبر أنه بنى مسجدًا بفناء داره بمكة قبل الهجرة، وأنه كان يقوم فيه بالقرآن ويكثر بكاؤه ونشيجه عند قراءته فتقف عليه نساء المشركين وولدانهم يسمعون قراءته، لولا علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك من أمره لم يقدمه لإمامة المسلمين مع قوله: يؤم القوم أقرؤهم.


وكذلك تظاهرت الروايات عن عمر أنه كان يؤم الناس بالسور الطوال، وقد أمهم بسورة يوسف فى الصبح فبلغ إلى قوله : ﴿ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ ، فنشج حتى سمع بكاؤه من وراء الصفوف.


وقرأ مرة سورة الحج فسجد فيها سجدتين. وروى عبد الملك بن عمير عن زيد بن وهب، عن ابن مسعود قال: كان عمر أعلمنا بالله وأقرأنا لكتاب الله وأفقهنا في دين الله، ولولا أن هذه كانت حالته، وأنه من أقرأ الناس لكتاب الله لم يكن أبو بكر الصديق بالذي يضم إليه زيد بن ثابت، ويأمرهما بجمع القرآن واعتراض ما عند الناس، ويجعل زيدًا تبعًا له ؛ لأنه لا يجوز أن ينصب لجمع القرآن واعتراضه من ليس بحافظ.


وأما عثمان فقد اشتهر أنه كان ممن جمع القرآن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان من أهل القيام به ، وقد قال حين أرادوا قتله فضربوه بالسيف على يده فمدها وقال: والله إنها لأول يد خطت المفصل ، و قالت نائلة زوجته : إن تقتلوه فإنه كان يحيى الليل بجميع القرآن فى ركعة .


وكذلك على بن أبى طالب، قد عرفت حاله في فضله وثاقب فهمه ، وسعة علمه ومشاورة الصحابة له، وإقرارهم لفضله وتربية النبي له وأخذه له بفضائل الأخلاق، وترغيبه - صلى الله عليه وسلم - فى تخريجه وتعليمه، وما كان يرشحه له ويثيبه عليه من أمره نحو قوله: أقضاكم علىّ .


ومن البعيد أن يقول هذا فيه وليس من قراء الأمة، وقد كان يقرأ القرآن، وقرأ عليه أبو عبد الرحمن السلمى وغيره ، وروى همام ، عن ابن أبى نجيح، عن عطاء بن السائب أن أبا عبد الرحمن حدثه قال : ما رأيت رجلاً أقرأ للقرآن من علىّ بن أبى طالب، صلى بنا الصبح، فقرأ سورة الأنبياء فأسقط آية، فقرأ ثم رجع إلى الآية التي أسقطها فقرأها ، ثم رجع إلى مكانه الذي انتهى إليه لا يتتعتع .


فإذا صح ما قلناه مع ما ثبت من تقدمهم وتقدمة الرسول لهم وجب أن يكونوا حفاظًا للقرآن ، و أن يكون ذلك أولى من الأخبار التي ذكر فيها أن الحفاظ كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة ليس منهم أحد من هؤلاء الأئمة القادة الذين هم عمدة الدين و فقهاء المسلمين »[6].


و قال أبو الوليد الباجي – رحمه الله - : « أَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ أَرْبَعَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَسْتَوْعِبْ تَلَقِّي جَمِيعِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ أَرْبَعَةٍ وَأَمَّا سَائِرُ الصَّحَابَةِ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَقِّنُ الرَّجُلَ السُّورَةَ وَالسُّورَتَيْنِ وَيُلَقِّنُهَا هُوَ أَصْحَابَهُ فَمِنْهُمْ مَنْ تَلَقَّنَ مِنْهُ نِصْفَ الْقُرْآنِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَلَقَّنَ مِنْهُ ثُلُثَهُ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ وَتَلَقَّنَ سَائِرَهُ عَنْ الصَّحَابَةِ .


وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ فَخْرٌ عَلَى نُظَرَائِهِ بِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعِينَ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ فَعَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ كَانَ يَأْخُذُ الْآيَةَ مِنْ الْقُرْآنِ عَنْ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ تَلَقَّنَهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ وَجَدَ آلَافًا مِمَّنْ يَقْرَؤُهَا وَيَحْفَظُهَا وَتَلَقَّنَهَا عَنْ الصَّحَابَةِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ لِتَلَقُّنِهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِرْبَةٌ وَدَرَجَةٌ »[7].


و قال القرطبي – رحمه الله - : « قَالَ ابْنُ الطَّيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا تَدُلُّ هَذِهِ الْآثَارُ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَحْفَظْهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ كَمَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، فَقَدْ ثَبَتَ بِالطُّرُقِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنُ الْعَاصِ .


فَقَوْلُ أَنَسٍ لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ وَأَخَذَهُ تَلْقِينًا مِنْ رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ تِلْكَ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ أَخَذَ بَعْضُهُ عَنْهُ وَبَعْضُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الرِّوَايَاتُ بِأَنَّ الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ جَمَعُوا الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَجْلِ سَبْقِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِعْظَامِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ. قُلْتُ: لَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وسالما مولى أبي حذيفة رضى الله عنهم فِيمَا رَأَيْتُ، وَهُمَا مِمَّنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ »[8] .


و قال ابن كثير – رحمه الله - : « فَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ مِنَ الصَّحَابَةِ سِوَى هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ هَذَا هَكَذَا، بَلِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ جَمَعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَيْضًا، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ: لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ مِنَ الْأَنْصَارِ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا ، وَ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ : أَبُو الدَّرْدَاء ِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَكُلُّهُمْ مَشْهُورُونَ إِلَّا أَبَا زَيْدٍ هَذَا، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ »[9] .


و قال ابن كثير أيضا : « وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ أَنَّ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ إِمَامًا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ " فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ لَمَا قدّمه عليهم هذا مضمون ما قرره الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيُّ، وهذا التقرير لا يُدفع ولاشك فِيهِ [10].


وَقَدْ جَمَعَ الْحَافِظُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي ذَلِكَ جُزْءًا، وَقَدْ بَسَطْتُ تَقْرِيرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ مُسْنَدُ الشَّيْخَيْنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.


وَمِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَقَدْ قَرَأَهُ فِي رَكْعَةٍ -كَمَا سَنَذْكُرُهُ- وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُقَالُ: إِنَّهُ جَمَعَهُ عَلَى تَرْتِيبِ مَا أُنْزِلَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا. وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أَيْنَ نَزَلَتْ ؟ وَفِيمَ نَزَلَتْ؟ وَلَوْ عَلِمْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تَبْلُغُهُ الْمَطِيُّ لَذَهَبْتُ إِلَيْهِ.

وَمِنْهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، كَانَ مِنَ السَّادَاتِ النُّجَبَاءِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَتْقِيَاءِ وَقَدْ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا. وَمِنْهُمُ الْحَبْرُ الْبَحْرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآن .
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مَرَّتَيْنِ، أَقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا.


وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكة، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَكِيمِ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "اقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ »[11] .


و قال بدر العيني – رحمه الله - : « فَإِن قلت: فِي رِوَايَة عَن أنس : لم يجمع الْقُرْآن على عهد سيدنَا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - إلاَّ أَرْبَعَة وَكَذَا فِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ .

قلت: قد قُلْنَا إِنَّه لَا مَفْهُوم لَهُ لِأَنَّهُ عدد .


وَلَئِن سلمنَا فَالْجَوَاب من وُجُوه: الأول: أُرِيد بِهِ الْجمع بِجَمِيعِ وجوهه ولغاته وحروفه، وقراءاته الَّتِي أنزلهَا الله عز وَجل. وَأذن للْأمة فِيهَا وَخَيرهَا فِي الْقِرَاءَة بِمَا شَاءَت مِنْهَا.

الثَّانِي: أُرِيد بِهِ الْأَخْذ من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تلقينا وأخذادون وَاسِطَة.

الثَّالِث: أُرِيد، بِهِ أَن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة ظَهَرُوا بِهِ وانتصبوا لتلقيته وتعليمه .

الرَّابِع: أُرِيد بِهِ مرسوما فِي مصحف أَو صحف.

الْخَامِس : قَالَه أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ : أُرِيد بِهِ أَنه لم يجمع مَا نسخ مِنْهُ وَزيد رسمه بعد تِلَاوَته إِلَّا هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة.

السَّادِس : قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: أُرِيد بِهِ أَنه لم يذكرهُ أحد عَن نَفسه سوى هَؤُلَاءِ.

السَّابِع: أُرِيد، بِهِ أَن من سواهُم ينْطق بإكماله خوفًا من الرِّيَاء واحتياطا على النيات. وَهَؤُلَاء الْأَرْبَعَة أظهروه لأَنهم كَانُوا آمِنين على أنفسهم، أَو لرأي اقْتضى ذَلِك عِنْدهم.

الثَّامِن: أُرِيد بِالْجمعِ الْكِتَابَة فَلَا يَنْفِي أَن يكون غَيرهم جمعه حفظا عَن ظهر قلبه، وَأما هَؤُلَاءِ فجمعوه كِتَابَة وحفظوه عَن ظهر الْقلب.

التَّاسِع: أَن قصارى الْأَمر أَن أنسا قَالَ: جمع الْقُرْآن على عَهده - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَرْبَعَة، قد يكون المُرَاد: أَنِّي لَا أعلم سوى هَؤُلَاءِ، وَلَا يلْزمه أَن يعلم كل الحافظين لكتاب الله تَعَالَى.

الْعَاشِر : أَن معنى قَوْله : جمع أَي : سمع لَهُ وأطاع. وَعمل بِمُوجبِه، كَمَا رُوِيَ أَحْمد فِي كتاب الزّهْد: أَن أَبَا الزَّاهِرِيَّة أَتَى أَبَا الدَّرْدَاء، فَقَالَ: إِن ابْني جمع الْقُرْآن، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر، إِنَّمَا جمع الْقُرْآن من سمع لَهُ وأطاع، لَكِن يُعَكر على هَذَا أَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَغَيرهم من الصَّحَابَة كلهم كَانُوا سَامِعين مُطِيعِينَ ، وَأما الَّذين جَمَعُوهُ غَيرهم ، فالخلفاء الْأَرْبَعَة جمعُوا الْقُرْآن على عهد رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ، ذكره أَبُو عَمْرو وَعُثْمَان بن سعيد الداني، وَقَالَ أَبُو عمر: جمعه أَيْضا على عهد رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.

وَعَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ: جمع الْقُرْآن فِي زمن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - عبَادَة بن الصَّامِت وَأَبُو أَيُّوب خَالِد بن زيد، ذكره ابْن عَسَاكِر.


وَعَن الداني: جمعه أَيْضا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَمجمع بن جَارِيَة، ذكره ابْن إِسْحَاق وَقيس ابْن أبي صعصعة عَمْرو بن زيد الْأنْصَارِيّ البدري، ذكره أَبُو عبيد بن سَلام فِي حَدِيث مطول، وَذكر ابْن حبيب فِي المحبر جمَاعَة مِمَّن جمع الْقُرْآن على عَهده - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فيهم: سعد بن عبيد بن النُّعْمَان الأوسي.

وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَمِمَّنْ جمع الْقُرْآن على عَهده - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - : قيس بن السكن وَأم ورقة بنت نَوْفَل، وَقيل: بنت عبد الله بن الْحَارِث وَذكر ابْن سعد أَنَّهَا جمعت الْقُرْآن.


وَذكر أَبُو عُبَيْدَة الْقُرَّاء من أَصْحَاب النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ، فعد من الْمُهَاجِرين الْأَرْبَعَة وَطَلْحَة وسعدا وَابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وسالما وَأَبا هُرَيْرَة وَعبد الله بن السَّائِب والعبادلة.

وَمن النِّسَاء: عَائِشَة وَحَفْصَة وَأم سَلمَة.

وَذكر ابْن أبي دَاوُد من الْمُهَاجِرين أيضا تميم بن أَوْس الدَّارِيّ وَعقبَة بن عَامر .


وَمن الْأَنْصَار : معَاذ الَّذِي يكنى أَبَا حليمة و فضالة بن عبيد و مسلمة بن مخلد ، وَعَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ : توفّي رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد قَرَأت الْقُرْآن وَ أَنا ابْن عشر سِنِين .


وَقد ظهر من هَذَا أَن الَّذين جمعُوا الْقُرْآن على عَهده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحصيهم أحد وَلَا يضبطهم عدد .


وَذكر القَاضِي أَبُو بكر: فَإِن قيل: إِذا لم يكن دَلِيل خطاب فلأي شَيْء خص هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة بِالذكر دون غَيرهم؟ قيل لَهُ : إِنَّه يحْتَمل أَن يكون ذَلِك لتَعلق غَرَض الْمُتَكَلّم بهم دون غَيرهم، أَو يَقُول: إِن هَؤُلَاءِ فيهم دون غَيرهم.


فَإِن قلت: قد حاول بعض الْمَلَاحِدَة فِيهِ بِأَن الْقُرْآن شَرطه التَّوَاتُر فِي كَونه قُرْآنًا، وَلَا بُد من خبر جمَاعَة أحالت الْعَادة تواطئهم على الْكَذِب قلت: ضَابِط التَّوَاتُر الْعلم بِهِ، وَقد يحصل بقول هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة، وَأَيْضًا لَيْسَ من شَرطه أَن يتَقَبَّل جَمِيعهم بل لَو حفظه كل جُزْء مِنْهُ عدد التَّوَاتُر لَصَارَتْ الْجُمْلَة متواترا، وَقد حفظ جَمِيع أَجْزَائِهِ مئون لَا يُحصونَ »[12].

[1] - مناهل العرفان في علوم القرآن 1/311
[2]- رواه أحمد في مسنده 37/427 حديث رقم 22766 قال شعيب الأرناؤوط : إسناده حسن ، و ذكره ضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة و قال إسناده حسن 8/268
[3]- رواه البخاري في صحيحه 6/186 حديث رقم 4999
[4]- الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/244
[5] - الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/246
[6]- شرح صحيح البخاري لابن بطال 10 /244
[7]- المنتقى شرح الموطأ لأبي الوليد الباجي 1/349
[8]- تفسير القرطبي 1/57
[9]- تفسير ابن كثير 1/53
[10] - أما أثر ابنِ سيرين : أن أبا بكر- رَضِيَ الله عنه - مات ولم يَخْتِم القرآن فقد ولد ابن سيرين في خلافة عثمان و الشخص الذي بينه وبين أبي بكر مجهول فالرواية فيها انقطاع .
[11]- تفسير ابن كثير 1/54
[12]- عمدة القاري 20/26 - 27

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:03 AM
الرد على استفسارهم كيف جمع القرآن عدد كثير من الصحابة و المعروف بجمع القرآن منهم عدد قليل ؟




يردد بعض المغرضين سؤالا و استشكالا ينم عن جهلهم بتاريخ الصحابة و بتاريخ القرآن فيقولون أنتم أيها المسلمون تقولون بأن كم غفير من الصحابة قد حفظ القرآن مع أن المعروف بحفظ القرآن منهم عدد قليل ، و الجواب أن المعروفين بحفظ القرآن من الصحابة هم المشهورون بحفظ القرآن و عدم الشهرة بحفظ القرآن لا تستلزم عدم الحفظ ، وفي عصرنا آلاف مؤلفة يحفظون القرآن لكن المشهور بالحفظ منهم قليل ، واشتهار بعض الناس في حرفة معينة أو عمل معين ليس معناه أن غيرهم لا يجيدها أو لا يعمل فيها مثلا في مصر آلاف مؤلفة من الأطباء لكن المشتهرين في الطب أقل بقليل ممن لم يشتهروا .


أضف إلى ذلك أن عدم العلم ليس علما بالعدم، وعدم الوجدان لا يستلزم عدم الوجود، وعدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول و الشيء الذي لا يثبت بدليل معين قد يثبت بدليل آخر،و الشيء الذي لا يثبت بعبارة الكلام قد يثبت بإشارة الكلام ،و الشيء الذي لا يثبت بالتصريح قد يثبت بالتلويح ، و عدم العلم هو الجهل بالشيء وجودًا وعدمًا، ومنتهى العلم بالعدم هو الجزم بأن الشيءمعدوم ليس له وجود .


و قال الباقلاني – رحمه الله - : « القولَ بأنّ فلاناً جمع القرآنَ كلَّه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دونَ غيره قولٌ يتعذرُ العلمُ بالوصولِ إلى حقيقته، لأنه لا يمكنُ علمُ ذلك مع قيامِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم – بينهم ، واتصالِ نزولِ الوحي عليه .


و العلمِ بتجويزِ قرآنٍ ينزلُ عليه في كل يوم وليلة إلى يوم يموتُ - صلى الله عليه وسلم - مع العلم أيضاً بأنه لا يمكنُ أن يُقال في كلّ سورة نزلت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنّها قد كَمُلت لجوازِ أن ينزلَ بعد ذلك ما يُضَمُّ إليها، ويُكتَبُ معها، على ما كان يأمُرُهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإذا كان ذلك مما اتفق عليه تعذر العلمُ بأنّ فلانا قد حَفِظَ جميعَ القرآنِ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لأن ذلك أمر لا يتحقَق ويتيَقَّن إلا بعدَ وفاةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وانقطاع الوحي.


وإذا كان ذلك كذلك لم يَستجِز كثير من الصحابة أن يُخبِرَ عن نفسه أنه قد حفظَ جميع كتابِ الله وهو لا يدري لعله سينزلُ على الرسول بعدَ ذلك مثلُ قدر ما حفظه عنه، ولا يدري لعل فيما نزل ما قد نُسِخَ ورُفِعَت تلاوتُهُ فلم يحفظه، ولعله قد نزل على الرسول في الساعة التي فارقه عليها قرآن كثير غير الذي قرأه لم يُقرئه الرسول إياه وحفظه غيرُه وألقاه إلى سواه، وإذا كان جوّز العلماءُ والفضلاءُ منهم جميعَ هذه الأمور لم يستجيزوا أن يُخبِرَ كلُّ
واحد منهم عن نفسه ولا عن غيره أنه قد حفظَ جميعَ القرآن وجَمَعَه، بل يجبُ أن يتجنبوا هذا القولَ وأن يَعدِلُوا عنه .

وإذا وجبَ ذلك لم يستفض بينهم عددُ حُفّاظ جميع ما نزل، ولم يكن لهم إلى ذلك سبيل ولا طريق، ولم يُنكَر لأجلِ هذا أَن يكون حفظَ القرآنَ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جماعةٌ لم يُخَبروا بذلك عن أنفسهم ولا خبر به عنهم غيرُهم؛ لأنّ ذلك أمر لا ينتشرُ ويستفيضُ ويتقرَّرُ علمُه إلا بعد موتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وانقطاعِ الوحيِ والعلم بآخرِ ما نزلَ وخُتِمَ به الكتابُ، وأن السورةَ قد كَمُلَت واستقَرّت وتم نَظمُها ورتبت في مواضعها وجُمِعَت فيها آياتُها .


وإذا كان ذلك كذلك وجبَ بهذه الجملة أن لا يكونَ فيما رُوِيَ من هذه الأخبار حجة تدفعُ ما قلناه، وأن يكون القومُ الذين قالوا ذلك وخبّروا بما أخبروا به عن الاجتهاد وغلبةِ الظنّ وأمرٍ غير متيقَّنٍ وعلى قدر ما سمعوه ممَّن قال : حفظتُ جميع القرآن، أو فلان قد حفظ جميعَه ، والظنُّ في هذا لا حجةَ فيه .


وقد يمكن أيضاً أن يكونَ على عهدِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - خلق كثير قد حفظوا القرآنَ وكتموا ذلك على أنفسهم ولم يُذيعوه ولا دعاهم داعٍ إلى إظهاره والتحدُّث به، ورأوا أن كتمانَه وتركَ المفاخَرةِ والتَّبجُّح به أولى وأفضلُ لأجل أن التزينَ بذلك قدح في العمل وشَوْبٌ ونقص يلحق صاحبه، وإن اتفقَ أن يقولَ ذلك قائل من الصحابة فلأجل سببِ يدعوهُ إلى ذلك غيرِ القصد إلى التزيُّن به والإخبار بكثرةِ علمِه وعمله، وعِظَمِ مرتَبته، هذا أولى الأمورِ بالصحابة .


وقد رُوِيَ ذلك عن جلّة منهم ، فرُوِيَ أنّه قيل لعبد الله بن مسعود في رجل يزعم أنه قرأ القرآنَ البارحة ، فقال : "ما له إلا كَلِمتُه التي قال ".


ورُوِيَ عن تميم الداريّ أنّ رجلاً قال له : كم جزءاً تقرأ ، فغضب تميم وقال : لعلَّك من الذين يقرأُ أحدُهم القرآنَ في ليلةٍ ثم يصبحُ فيقول: قرأتُ القرآنَ الليلةَ !


هذا شأنُ القوم و شَجِيتُهم ، فكيف يمكن مع ذلك استفاضةُ حال حفظة القرآن واشتهارُهم به وهذه صفتُهم ؟!


وقد رُوِيَ عن الحسن البصريّ أنه قال : " لقد أدركنا أقواما إنَّ أحدَهم قد جمعَ القرآنَ و ما شعرَ به جارُه ، ولقد أدركنا أقواماً ما كان في الأرض عمل يقدرون على أن يعملوه سراً فيكونُ علانيةً أبدا" »[1].



و قد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْب ٍ»[2] فهؤلاء الأربعة من حفظة القرآن وهم ابن مسعود و سالم ومعاذ بن جبل و أبي بن كعب .


و عن أَنَسِ بن مَالِكٍ قال :« مَاتَ النبي ولم يَجْمَعْ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ : أبو الدَّرْدَاءِ ، وَمُعَاذُ بن جَبَلٍ ، وَزَيْدُ بن ثَابِتٍ ، وأبو زَيْدٍ ، قال وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ » فهؤلاء الأربعة من حفظة القرآن حسب علم أنس – رضي الله عنه - و فيهم أحد من حض النبي - صلى الله عليه وسلم – على حفظ القرآن منه أي عندنا حسب روايتين فقط سبعة من الصحابة يحفظون القرآن .


و من حفظة القرآن من الصحابة عثمان بن أبي العاص فقد قال : « شكوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسيان القرآن ، فضرب صدري بيده فقال : فذكره . قال عثمان : فما نسيت منه شيئا بعد ؛ أحببت أن أذكره »[3] فمن حفظة القرآن عثمان بن أبي العاص أي عندنا ثمانية من الصحابة يحفظون القرآن حسب ثلاث روايات .


و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ: « جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُهُ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُولَ عَلَيْكَ الزَّمَانُ، وَأَنْ تَمَلَّ، فَاقْرَأْهُ فِي شَهْر ٍ» . فَقُلْتُ : دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي عَشْرَةٍ» قُلْتُ: دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي ، قَالَ : « فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ » قُلْتُ: دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي فَأَبَى »[4]فمن حفظة القرآن عبد الله بن عمرو بن العاص أي عندنا تسعة من الصحابة يحفظون القرآن حسب أربع روايات .

وَرَوَى عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ : أَنْ تَمِيْماً الدَّارِيَّ كَانَ يَقْرَأُ القُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ[5]، ومعلوم أن قراءة القرآن في الصلاة لا تكون إلا لمن كان حافظًا لكتاب الله فمن حفظة القرآنمن الصحابة تميم الداري أي عندنا عشرة من الصحابة يحفظون القرآن حسب خمس روايات .


و عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ أَنَّهُ , سَمِعَ أَبَا ثَوْرٍ التَّمِيمِيَّ[6] قَالَ : قَدِمْتُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ خَرَجْتُ , فَإِذَا أَنَا بِوَفْدِ أَهْلِ مِصْرَ، فَرَجَعْتُ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَقُلْتُ: أَرَى وَفْدَ أَهْلِ مِصْرَ قَدْ رَجَعُوا، خَمْسِينَ عَلَيْهِمُ ابْنُ عُدَيْسٍ، قَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَهُمْ؟ قُلْتُ: رَأَيْتُ قَوْمًا فِي وُجُوهِهِمُ الشَّرُّ. قَالَ: فَطَلَعَ ابْنُ عُدَيْسٍ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , فَخَطَبَ النَّاسَ وَصَلَّى لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الْجُمُعَةَ.


وَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَلَا إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ حَدَّثَنِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : « إِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَذَا وَكَذَا» ، وَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَكْرَهُ ذِكْرَهَا، فَدَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مَحْصُورٌ , فَحَدَّثْتُهُ أَنَّ ابْنَ عُدَيْسٍ صَلَّى بِهِمْ. فَسَأَلَنِي مَاذَا قَالَ لَهُمْ؟ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : « كَذَبَ وَاللَّهِ ابْنُ عُدَيْسٍ مَا سَمِعَهَا مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا سَمِعَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَطُّ.


وَلَقَدِ اخْتَبَأْتُ عِنْدَ رَبِّي عَشْرًا، فَلَوْلَا مَا ذَكَرَ مَا ذَكَرْتُ، إِنِّي لَرَابِعُ أَرْبَعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَجَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، وَلَقَدِ ائْتَمَنِّي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ابْنَتِهِ، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ فَأَنْكَحَنِي الْأُخْرَى، وَاللَّهِ مَا زَنَيْتُ، وَلَا سَرَقْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ وَلَا تَغَنَّيْتُ، وَلَا تَمَنَّيْتُ، وَلَا مَسَسْتُ بِيَمِينِي فَرْجِي مُذْ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَقَدْ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَا مَرَّتْ بِي جُمُعَةٌ إِلَّا وَأَنَا أُعْتِقُ رَقَبَةً مُذْ أَسْلَمْتُ، إِلَّا أَنْ لَا أَجِدَ فِي تِلْكَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ أُعْتِقُ لِتِلْكَ الْجُمُعَةِ بَعْدُ »[7]فمن حفظة القرآنعُثْمَان بْنَ عَفَّانَ.


و قال ابن حجر – رحمه الله - : « وصح عن جماعة من الصحابة أنهم أوتروا بواحدة من غير تقدم نفل قبلها ففي كتاب محمدبن نصر وغيره بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد أن عثمان قرأ القرآن ليلة في ركعة لميصل غيرها »[8]، ومعلوم أن قراءة القرآن في الصلاة لا يكون إلا لمن كان حافظًا لكتاب الله .

و في ترجمة أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أنه مُقْرِئُ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِلَا مُدَافَعَةٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ، قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ مسعود[9] مما يدل أن عثمان بن عفان ممن حفظ القرآن من الصحابة .

و في ترجمة أبي الأسود الدؤلي قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ : قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى عُثْمَانَ ، وَ عَلِيٍّ[10] مما يدل أن عثمان بن عفان ممن حفظ القرآن من الصحابة .

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : « قَالَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ حِينَ أَطَافُوا بِهِ : تُرِيدُونَ قَتْلَهُ ؟ إِنْ تَقْتُلُوهُ أَوْ تَتْرُكُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ يَجْمَعُ فِيهَا الْقُرْآنَ »[11] ، ومعلوم أن قراءة القرآن في الصلاة لا تكون إلا لمن كان حافظًا لكتاب الله ، و حسب هذه الروايات يكون عثمان بن عفان - رضي الله عنه - من حفظة القرآن أي عندنا حسب ما تقدم أحد عشر صحابيا يحفظ القرآن .
قال أبو العالية: قرأت القرآن على عمر بن الخطاب أربع مرات، وأكلت معه اللحم[12] و عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيْرِيْنَ، قَالَتْ: قَالَ لِي أَبُو العَالِيَةِ : « قَرَأْتُ القُرْآنَ عَلَى عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثَلاَثَ مِرَارٍ »[13] مما يدل أن عمر بن الخطاب ممن حفظ القرآن من الصحابة أي عندنا حسب ما تقدم اثنا عشر صحابيا يحفظ القرآن .


و قَالَ مُجَاهِدٌ : « قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَقِفُهُ عَلَى كُلِّ آيَةٍ » [14] ، و قال مجاهد : « قرأت القرآن على ابْن عَبَّاس مرات »[15] مما يدل أن ابن عباس ممن حفظ القرآن من الصحابة .


و في ترجمة أبي رجاء العطاردي عمران بن تيم البصري أنه أخذ القراءة عرضا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وتلقن القرآن من أبي موسى، ولقي أبا بكر -رضي الله عنهما[16] مما يدل أن ابن عباس ممن حفظ القرآن من الصحابة .

و قال أبو عمرو الداني أن أبا العالية الرياحي رفيع بن مهران البصري أخذ القراءة عرضا عن أبي وزيد بن ثابت وابن عباس[17] مما يدل أن ابن عباس ممن حفظ القرآن من الصحابة .


و في ترجمة سعيد بن جبير أنه عرض القرآن على ابن عباس [18] مما يدل أن ابن عباس ممن حفظ القرآن من الصحابة أي عندنا حسب ما تقدم ثلاثة عشر صحابيا يحفظ القرآن .

و في ترجمة أبي الأسود الدؤلي قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ : قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى عُثْمَانَ ، وَ عَلِيٍّ[19] مما يدل أن علي بن أبي طالب ممن حفظ القرآن من الصحابة .


و في ترجمة أَبُي عبد الرحمان السّلمِيّ مقرئ الْكُوفَة بِلَا مدافعة قَرَأَ الْقُرْآن على عُثْمَان وَعلي وَابْن مسعودٍ وسمعهم وَتُوفِّي فِي حُدُود الثَّمَانِينَ لِلْهِجْرَةِ وروى لَهُ الْجَمَاعَة[20] مما يدل أن علي بن أبي طالب ممن حفظ القرآن من الصحابة أي عندنا حسب ما تقدم أربعة عشر صحابيا يحفظ القرآن .


و في ترجمة حطان بن عبد الله الدقاشي ويقال السدوسي البصري أنه قرأ على أبي موسى الأشعري[21] مما يدل أن أبا موسى الأشعري ممن حفظ القرآن من الصحابة .

و في ترجمة أبي رجاء العطاردي عمران بن تيم البصري أنه أخذ القراءة عرضا عن ابن عباس - رضي الله عنهما – و تلقن القرآن من أبي موسى ، ولقي أبا بكر - رضي الله عنهما[22] مما يدل أن أبا موسى الأشعري ممن حفظ القرآن من الصحابة أي عندنا حسب ما تقدم خمسة عشر صحابيا يحفظ القرآن .

و الإمام أبو داود عبد الرحمن بن هرمز قد أخذ القراءة عرضا عن أبي هريرة وابن عباس[23] مما يدل أن أبا هريرة ممن حفظ القرآن من الصحابة .

و سَعِيدٌ بن المسيب قد قرأ القرآن عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ[24]مما يدل أن أبا هريرة ممن حفظ القرآن من الصحابة .

و قال أبو عمرو الداني : « رجال نافع الذين سمّاهم خمسة : أبو جعفر يزيد بن القعقاع القارئ مولى عبد الله بن عبّاس بن أبي ربيعة المخزومي، وأبو داود عبد الرحمن بن هرمز الأعرج مولى محمد بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وأبو روح يزيد بن رومان مولى آل الزبير بن العوّام، وأبو عبد الله مسلم بن جندب الهذلي القاضي، وشيبة بن نصاح بن سرجس بن يعقوب القاضي، مولى أمّ سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وقرأ هؤلاء الخمسة على أبي هريرة وعبد الله بن عباس بن أبي ربيعة، وقرآ على أبيّ بن كعب، وقرأ أبيّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - »[25] مما يدل أن أبا هريرة ممن حفظ القرآن من الصحابة .

و في ترجمة أبو جعفر يزيد بن القعقاع القارئ أنه أخذ القراءة عرضاً عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وعن مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - [26] مما يدل أن أبا هريرة ممن حفظ القرآن من الصحابة أي عندنا حسب ما تقدم ستة عشر صحابيا يحفظ القرآن .

و قال ابن الأثير : « قرأ ابن كثير القرآن عَلَى مجاهد، وقرأ مجاهد عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن السائب »[27] مما يدل أن عبد الله بن السائب ممن حفظ القرآن من الصحابة .

و قال الذهبي عن عبد الله بن السائب : « عَرَضَ عَلَيْهِ القُرْآنَ مُجَاهِدٌ، وَيُقَالُ : إنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ كَثِيْرٍ تَلاَ عَلَيْهِ، فَاللهُ أَعْلَمُ »[28] مما يدل أن عبد الله بن السائب ممن حفظ القرآن من الصحابة .

و قال مجاهد : « كنا نفخر على الناس بقارئنا عبد الله بن السائب »[29] مما يدل أن عبد الله بن السائب ممن حفظ القرآن من الصحابة أي عندنا حسب ما تقدم سبعة عشر صحابيا يحفظ القرآن .


و في ترجمة مجمع بن جارية بن عامر العطاف الأنصاري الصحابي قال ابن الجزري : « أحد الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- و كان غلامًا حدثًا وكان أبوه جارية ممن اتخذ مسجد الضرار , و كان مجمع يصلي بهم فيه ثم أخربه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما كان زمان عمر كلم ليصلي بالناس فقال : لا أوليس بإمام المنافقين في مسجد الضرار فقال لعمر : والله الذي لا إله إلا هو ما علمت بشيء من أمرهم فتركه فصلى بهم ، قال الداني : وردت الرواية عنه في حروف القرآن ، مات بالمدينة في خلافة معاوية - رضي الله عنه »[30] مما يدل أن مجمع بن جارية ممن حفظ القرآن من الصحابة أي عندنا حسب ما تقدم ثمانية عشر صحابيا يحفظ القرآن .

و في ترجمة أنس بن مالك بن النضر الأنصاري أنه روى القراءة عنه سماعًا وردت الرواية عنه في حروف القرآن قرأ عليه قتادة ومحمد بن مسلم الزهري، توفي سنة إحدى وتسعين [31] مما يدل أن أنس بن مالك ممن حفظ القرآن من الصحابة أي عندنا حسب ما تقدم تسعة عشر صحابيا يحفظ القرآن .

و عن أَنَس بْنَ مَالِكٍ : أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ، قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَةَ، وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ العِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي القِرَاءَةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ، قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الكِتَابِ اخْتِلاَفَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى.

فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ: «أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي المَصَاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ » ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ العَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي المَصَاحِفِ "، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ : « إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ » فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي المَصَاحِفِ ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ ، وَ أَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا ، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ القُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ ، أَنْ يُحْرَقَ »[32]مما يدل أن عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ممن حفظ القرآن من الصحابة أي عندنا حسب ما تقدم 22 صحابيا يحفظ القرآن .

و كان أبو بكر الصديق من حفظة القرآن فقد قَدَّمَه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار ، مع أنه قال : "يَؤُمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله" ، فلولا أنه كان اقرأهم لكتاب الله لما قدَّمَه عليهم [33] أي عندنا حسب ما تقدم 23 صحابيا يحفظ القرآن .

و قال السيوطي : « ظَفِرْتُ بِامْرَأَةٍ مِنَ الصَّحَابِيَّاتِ جَمَعَتِ الْقُرْآنَ لَمْ يَعُدَّهَا أَحَدٌ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ : أَنْبَأَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قال : حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ قَالَ : حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ – وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزُورُهَا وَيُسَمِّيهَا الشَّهِيدَةَ وَكَانَتْ قَدْ جَمَعَتِ الْقُرْآنَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - َ حِينَ غَزَا بَدْرًا قَالَتْ لَهُ : أَتَأْذَنُ لي فأخرج معك أداوي جَرْحَاكُمْ و َأُمَرِّضَ مَرْضَاكُمْ لَعَلَّ اللَّهَ يُهْدِي لِي شَهَادَة ً؟ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ مُهْدٍ لَكِ شَهَادَةً.

وَ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا وَكَانَ لَهَا مُؤَذِّنٌ فَغَمَّهَا غُلَامٌ لَهَا وَجَارِيَةٌ كَانَتْ دَبَّرَتْهُمَا فَقَتَلَاهَا فِي إِمَارَةِ عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: انْطَلِقُوا بنا نزور الشهيدة »[34] أي عندنا حسب ما تقدم 24 صحابيا و صحابية يحفظ القرآن .

و عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشْغَلُ، فَإِذَا قَدِمَ رَجُلٌ مُهَاجِرٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَّا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ ، فَدَفَعَ إِلَيَّ رَسُولُ الله ِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – رَجُلًا ، فَكَانَ مَعِي فِي الْبَيْتِ أُعَشِّيهِ عَشَاءَ أَهْلِ الْبَيْتِ ، فَكُنْتُ أُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ فَانْصَرَفَ انْصِرَافَةً إِلَى أَهْلِهِ، فَرَأَى أَنَّ عَلَيْهِ حَقًّا فَأَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا لَمْ أَرَ أَجْوَدَ مِنْهَا عُودًا وَلَا أَحْسَنَ مِنْهَا عِطْفًا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقُلْتُ : مَا تَرَى يَا رَسُولَ اللهِ فِيهَا ؟ قَالَ : " جَمْرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْكَ تَقَلَّدْتَهَا " أَوْ " تَعَلَّقْتَهَا "[35] ، و هذا الحديث يدل على كثرة الحفظة و على كثرة من يعلم الناس القرآن و يحفظهم و على حفظ عبادة بن الصامت للقرآن أي عندنا حسب ما تقدم 25 صحابيا و صحابية يحفظ القرآن .

و هذا العدد من الصحابة ممن ثبت عنه حفظ القرآن مع ما تميزوا به من صلاح و تقوى و زهد للمتتبع سيرتهم و تاريخهم يجعل العادة تحيل تواطؤهم على الكذب و يثبت بهم التواتر ؛ لأن التواتر على الصحيح لا يحصل بعدد معين .

و قال ابن تيمية – رحمه الله - : « وأما عدد ما يحصل به التواتر، فمن الناس من جعل له عددًا محصورًا، ثم يفرق هـؤلاء، فقيـل‏:‏ أكثر مـن أربعـة، وقيل ‏:‏ اثنا عشر، وقيل‏:‏ أربعون، وقيل‏:‏ سبعون، وقيل‏:‏ ثلاثمائة وثلاثة عشر، وقيل ‏:‏ غير ذلك‏.‏ وكل هذه الأقوال باطلة ؛ لتكافئها في الدعوي‏ .‏




والصحيح الذي عليه الجمهور أن التواتر ليس له عدد محصور، والعلم الحاصل بخبر من الأخبار يحصل في القلب ضرورة، كما يحصل الشبع عقيب الأكل والرِّي عند الشرب، وليس لما يشبع كل واحد ويرويه قدر معين، بل قد يكون الشبع لكثرة الطعام، وقد يكون لجودته كاللحم، وقد يكون لاستغناء الآكل بقليله، وقد يكون لاشتغال نفسه بفرح، أو غضب، أو حزن، ونحو ذلك‏.‏



كذلك العلم الحاصل عقيب الخبر، تارة يكون لكثرة المخبرين، وإذا كثروا فقد يفيد خبرهم العلم، وإن كانوا كفارًا‏.‏ وتارة يكون لدينهم وضبطهم‏.‏ فرب رجلين أو ثلاثة يحصل مـن العلم بخبرهم ما لا يحصل بعشرة وعشرين، لا يوثق بدينهم وضبطهم، وتارة قـد يحصـل العلم بكـون كل مـن المخـبرين أخبر بمثل ما أخبر به الآخر، مع العلم بأنهما لم يتـواطآ، وأنـه يمتنـع في العادة الاتفـاق في مثـل ذلك، مثـل مـن يـروي حديثًا طويلًا فيـه فصول ويرويـه آخـر لم يلقـه‏.‏ وتارة يحصل العلم بالخبر لمن عنده الفطنة والذكاء والعلم بأحـوال المخـبرين وبما أخبـروا بـه/مـا ليس لمن له مثل ذلك‏.‏ وتارة يحصل العلم بالخـبر؛ لكونـه روي بحضـرة جماعة كثيرة شاركوا المخبر في العلم، ولم يكذبه أحد منهم؛ فإن الجماعة الكثيرة قد يمتنع تواطؤهم على الكتمان، كما يمتنع تواطؤهم على الكذب‏.‏




وإذا عرف أن العلم بأخبار المخبرين له أسباب غير مجرد العدد علم أن من قيد العلم بعدد معين، وسوي بين جميع الأخبار في ذلك فقد غلط غلطًا عظيمًا؛ ولهذا كان التواتر ينقسم إلى‏:‏ عام، وخاص، فأهل العلم بالحديث والفقه قد تواتر عندهم من السنة ما لم يتواتر عند العامة؛ كسجود السهو، ووجوب الشفعة، وحمل العاقلة العقل، ورجم الزاني المحصن، وأحاديث الرؤية وعذاب القبر، والحوض والشفاعة، وأمثال ذلك‏.‏



وإذا كان الخبر قد تواتر عند قوم دون قوم، وقد يحصل العلم بصدقه لقوم دون قوم، فمن حصل له العلم به وجب عليه التصديق به والعمل بمقتضاه، كما يجب ذلك في نظائره، ومن لم يحصل له العلم بذلك فعليه أن يسلم ذلك لأهل الإجماع، الذين أجمعوا على صحته، كما على الناس أن يسلموا الأحكام المجمع عليها إلى من أجمع عليها من أهل العلم؛ فإن الله عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة، وإنما يكون إجماعها بأن يسلم غير العالم للعالم؛ إذ غير العالم لا يكون له قول، وإنما القول للعالم، فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله فمن لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم‏ »[36].‏

و إن قيل لا يستبعد تواطؤ الصحابة على الكذب لمصالح دينية ، والجواب حال الصحابة و سيرتهم العترة تنفي كذب أحد منهم فضلا عن المجموعة منهم أضف إلى ذلك لَو كَانَ هُنَا توهم الِاتِّفَاق على الْكَذِب لظهر ذَلِك فِي عصرهم أَو بعد ذَلِك إِذا تطاول الزَّمَان فقد كَانُوا ثَلَاثِينَ ألفا أَو أَكثر و المواطأة فِيمَا بَين مثل هَذَا الْجمع الْعَظِيم لَا ينكتم عَادَة بل يظْهر كَيفَ وَقد اخْتَلَط بهم المُنَافِقُونَ وجواسيس الْكَفَرَة كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿وَفِيكُمْ سماعون لَهُم ﴾


وَقد كَانَ فِي الْمُسلمين أَيْضا من يلقِي إِلَى الْكفَّار بالمودة وَيظْهر لَهُم سر رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْحَرْب وَغَيره وَالْإِنْسَان يضيق صَدره عَن سره حَتَّى يفشيه إِلَى غَيره ويستكتمه ثمَّ السَّامع يفشيه إِلَى غَيره حَتَّى يصير ظَاهرا عَن قريب فَلَو كَانَ هُنَا توهم المواطأة لظهر ذَلِك فَالْقَوْل بِأَنَّهُ كَانَ بَينهم مواطأة و انكتم أصلا شبه الْمحَال وَهُوَ بِمَنْزِلَة قَول من يزْعم أَن الْكفَّار عارضوا الْقُرْآن بِمثلِهِ ثمَّ انكتم ذَلِك فَإِن هَذَا الْكَلَام بالِاتِّفَاقِ بَين الْمُسلمين شبه الْمحَال لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام تحداهم فِي محافلهم أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن أَو سُورَة مِنْهُ فَلَو قدرُوا على ذَلِك لما أَعرضُوا عَنهُ إِلَى بذل النُّفُوس وَالْأَمْوَال وَالْحرم فِي غَزَوَاته .


وَلَو عارضوه بِهِ لما خَفِي ذَلِك فقد كَانَ الْمُشْركُونَ يَوْمئِذٍ أَكثر من الْمُسلمين وَلَو لم يظْهر الْآن فِيمَا بَين الْمُسلمين لظهر فِي ديار الشّرك إِذْ لَا خوف لَهُم وَتلك الْمُعَارضَة حجَّة لَهُم لَو كَانَت وَالْإِنْسَان على نقل الْحجَّة يكون أحرص مِنْهُ على نقل الشُّبْهَة كَيفَ وَقد نقلت كَلَام مسليمة ومخاريق المتنبئين من غير أَن يكون لشَيْء من ذَلِك أصل فَكَمَا تبين بِهَذَا التَّقْرِير انْقِطَاع توهم الْمُعَارضَة وَكَون الْقُرْآن حجَّة مُوجبَة للْعلم قطعا فَكَذَلِك يَنْقَطِع هَذَا التَّوَهُّم فِي الْمُتَوَاتر من الْأَخْبَار[37] .

[1]- الانتصار للباقلاني 1/175 - 177
[2]- رواه البخاري في صحيحه 6/186 حديث رقم 4999
[3] - أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ، و قال الألباني في السلسلة الصحيحة إسناده حسن 6/1000 حديث رقم 2918
[4] - رواه ابن ماجه في سننه 1/428 حديث رقم 1346 ،و قال الألباني : صحيح
[5] - سير أعلام النبلاء للذهبي 4/76 ،و الزهد لابن المبارك 1/452 حديث رقم 1277 ،وصححه ابن كثير في فضائل القرآن ص 257
[6] - الصواب الفهمي و قد تكرر إسناد هذا الأثر في موضع آخر من تاريخ المدينة قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال، حدثنا عبد الله بن وهب قال، حدثني ابن لهيعة، عن يزيد بن عمرو المعافري، أنه سمع أبا ثور الفهمي 4/ 1218 ، و المعروف أن يزيد بْن عمرو المعافري من بني صنم ، يروي عَن عَبْد اللَّهِ بْن عمرو ، وأبي ثور الفهمي و ليس أبو ثور التميمي كما في تهذيب الكمال وتاريخ المصريين
[7]- تاريخ المدينة لابن شبة 4/1156 و الأثر عن عبد الله بن وهب ، قال : حدثني ابن لهيعة ، عن يزيد بن عمرو المعافري ، أنه سمع أبا ثور الفهمي ،و في سند الأثر ابن لهيعة و قد حدث عنه عبد الله بن وهب أحد العبادلة فالحديث صحيح .
[8]- فتح الباري لابن حجر 2/482
[9] - البداية والنهاية لابن كثير 9/10 ، و تاريخ الإسلام للذهبي 5/326
[10]- سير أعلام النبلاء 4/82
[11]- قال الهيثمي : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌمجمع الزوائد 9/49 حديث رقم 14554، و حسنه ابن كثير ص 257
[12]- المبسوط في القراءات العشر لأبي بكر النيسابوري ص 79
[13]- سير أعلام النبلاء 5/118 ،و غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري 1/285
[14]- فضائل الصحابة 2/959 حديث رقم 1868
[15] - التاريخ الكبير للبخاري 7/412
[16] - معرفة القراء للذهبي ص 31
[17] - معرفة القراء للذهبي ص 32
[18]- غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري ص 305
[19]- سير أعلام النبلاء 4/82
[20] - الوافي بالوفيات للصفدي 17/65
[21]- معرفة القراء للذهبي ص 25
[22] - معرفة القراء للذهبي ص 3
[23]- النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 112 ،، و سير أعلام النبلاء 5/69 ، و انظر السبعة في القراءات لأبي بكر بن مجاهد البغدادي ص 54
[24] - النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 112
[25]- جامع البيان في القراءات السبع لأبي عمرو الداني 1/224
[26]- وفيات الأعيان لابن خلكان 6/274
[27]- أسد الغابة لابن الأثير 3/254
[28] - سير أعلام النبلاء 4/413
[29] - غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري 1/420
[30] - غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري 2/42 ، و انظر أسد الغابة لابن الأثير 5/61 ، و تاريخ الإسلام للذهبي 2/536 ، و إكمال تهذيب الكمال للبكجري 11/84
[31] - غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري 1/172
[32]- رواه البخاري في صحيحه 6/183 حديث رقم 4987
[33]- فضائل القرآن لابن كثير ص 160 و انظر الانتصار للقرآن للباقلاني 1/ 182 - 184
[34] - الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/250 ، و مسند أحمد 6 / 405 حديث رقم 27324
[35]- رواه أحمد في مسنده 37/427 حديث رقم 22766 قال شعيب الأرناؤوط : إسناده حسن ، و ذكره ضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة و قال إسناده حسن 8/268
[36]- مجموع الفتاوى لابن تيمية 18/50 - 51
[37] - أصول السرخسي 1/289

أحمد عبدالله.
04-22-2013, 01:06 AM
متابع... القيت نظرة خاطفة... يبدو اني لن اتحمل ان انتظر حتى أقرأه!
اكمل جزاك الله خيرا...

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:09 AM
الرد على فهم سقيم لقول أبي بكر لعمر وزيد : اقعدا على باب المسجد فمن جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه

فهم بعض المغرضين من قول أبي بكر لعمر وزيد : " اقعدا على باب المسجد فمن جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه " أن من المحتمل أن تكون بعض الآيات لم يتوفر لها شاهدان أو لم يلتفت لها أصلاو استدلوا بأن عمر بن الخطاب جاء شاهدا على جملة ادعى قرآنيتها فرفض زيد بن ثابت دمجها في المصحف لأن ابن الخطاب كان وحده ولم يشهد معه رجلٌ آخر .


و هذا فهم سقيم فمن المعروف أن القرآن يؤخذ بالسماع لا الكتابة و الكتابة كانت للتوثيق و لزيادة التأكد من الحفظ فالكثير من الصحابة كانوا يحفظون القرآن ، و زيد بن ثابت كان من حفظة القرآن و عمر بن الخطاب كان من حفظة القرآن أضف إلى ذلك وجود الكثير من كتبة القرآن و زيد نفسه كان من كتبة القرآن في زمن النبي – صلى الله عليه و سلم - .

و مما يدل على ذلك قول زيد بن ثابت - رضي الله عنه - : " فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ بِهَا ، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ : ﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ ( سورة الأحزاب من الآية 23) فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي المُصْحَفِ "[1] فلأن زيد يعلم هذه الآية لذلك بحث عمن كتبها بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، و لو لم يكن زيد يعلمها ، و يحفظها ما علم بفقدانها أصلا .




أما قولهم بأن عمر بن الخطاب جاء شاهدا على جملة ادعى قرآنيتها فرفض زيد بن ثابت دمجها في المصحف لأن ابن الخطاب كان وحده ولم يشهد معه رجلٌ آخر فهذا مجرد ادعاء ، وعلى التسليم الجدلي بصحته فهو يدل على دقة المنهج الذي اتبعه زيد بن ثابت في جمع القرآن ، و لو كانت هذه الآية من القرآن لحفظها الكثير من الصحابة و لأثبتوها في المصحف ، و كان الصحابة لا يخشون في الله لومة لائم .

[1]- رواه البخاري في صحيحه 6/183 حديث رقم 4987

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:13 AM
الرد على سؤالهم : كَيْفَ وَقَعَتِ الثِّقَةُ بِأَصْحَابِ الرِّقَاعِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ ألا يحتمل كذب أحدهم ؟


يتسائل بعض المغرضين ما أدراكم أيها المسلمون أن من يأتي لكم بآي مكتوبة في رقعة أنه صادق و لم يكن مؤلف لها ، و هذا السؤال ينم عن جهل فادح فمن كان في لجنة جمع القرآن كان من حفظة القرآن فمثل هذا الأمر سيفتضح و الصحابة أنزه من أن يفعلوا مثل ذلك أضف إلى ذلك ِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبْدُونَ عَنْ تَأْلِيفٍ مُعْجِزٍ وَنَظْمٍ مَعْرُوفٍ وَقَدْ شَاهَدُوا تِلَاوَتَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِشْرِينَ سَنَةً فَكَانَ تَزْوِيدُ مَا لَيْسَ مِنْهُ مَأْمُونًا وَإِنَّمَا كَانَ الْخَوْفُ من ذهاب شيء من صحيحه [1].



[1]- البرهان في علوم القرآن للزركشي 1/238

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:15 AM
الرد على زعمهم أن آية الرجم سقطت من المصحف العثماني




ادعى المغرضون أن آية الرجم سقطت من المصحف العثماني و من ثم فالقرآن محرف ، و استدلوا بقول عمر بن الخطاب : « إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ، ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ : أَنْ لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ »[1] .

و عن عائشة قالت لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها[2].


و قول عُمَر - رضي الله عنه – : « لَوْلاَ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، لَكَتَبْتُ آيَةَ الرَّجْمِ بِيَدِي »[3] .


و ليس في كلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – ما يدل على نقص القرآن و أن آية الرجم سقطت من المصحف بل فيه ما يدل أن آية الرجم مما نسخت تلاوته و بقى حكمه أي مما نسخ لفظه دون حكمه و منسوخ التلاوة لا يكتب في المصحف .


و قال المحاسبي : « مَا رفع رسمه من الْكتاب وَلم يرفع حفظه من الْقُلُوب فَأثْبت حكمه بِسنة نبيه - عَلَيْهِ السَّلَام - من ذَلِك آيَة الرَّجْم قَالَ عمر - رَضِي الله عَنهُ - : إِنَّا كُنَّا نَقْرَأ : الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّة »[4].


و ذكر الحديث أبو العباس المستغفري في باب ما رفع أو نسخ من القرآن بعد نزوله ولم يثبت في المصحف[5] .


و قال ابن البازري الحموي : « ما رفع خطه وحكمه ثابت نحو آية الرجم وهي الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة »[6] .
و ذكر الآية السيوطي فيمَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ دُونَ حُكْمِهِ [7] ، و قال : « وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ فِيهِ سُؤَالًا وَهُوَ مَا الْحِكْمَةُ فِي رَفْعِ التِّلَاوَةِ مَعَ بَقَاءِ الْحُكْمِ وَهَلَّا بَقِيَتِ التِّلَاوَةُ لِيَجْتَمِعَ الْعَمَلُ بِحُكْمِهَا وَثَوَابِ تِلَاوَتِهَا .


وَأَجَابَ صَاحِبُ الْفُنُونِ : بِأَنَّ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ بِهِ مِقْدَارُ طَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْمُسَارَعَةِ إِلَى بَذْلِ النُّفُوسِ بِطَرِيقِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْصَالٍ لِطَلَبِ طَرِيقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ فَيُسْرِعُونَ بِأَيْسَرِ شَيْءٍ كَمَا سَارَعَ الْخَلِيلُ إِلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ بِمَنَامٍ وَالْمَنَامُ أَدْنَى طَرِيقِ الْوَحْيِ » [8].



و لو كان لفظ آية الرجم باقيا لبادر عمر لإثباتها في المصحف و لم يعَرِّج على مقالة الناس ، لأن مقال الناس لا يصلح مانعاً من إثبات شيئا من القرآن .


و قول عمر - رضي الله عنه – : " فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ " يدل أن آية الرجم لا توجد في القرآن بل كانت مما نسخ تلاوته و بقي حكمه فيخشى أن يأتي زمان لا يعلم الناس حكم آية الرجم – رغم أن الحكم لم ينسخ - لعدم وجوده في المصحف .


و قول عمر - رضي الله عنه – : " لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم " يدل أن آية الرجم ليست من القرآن إذ لا يقال زاد في كتاب الله لما عرف أنه من القرآن .

و ما الضير من أكل داجن لصحيفة آية منسوخة التلاوة ؟


ولو سلمنا جدلا ضياع آية مكتوبة عند جميع الناس فالآية محفوظة في صدور الكثير ، و المعول عليه الحفظ لا الكتابة .

و لو أكلت داجن صحيفة آية ثابتة عند شخص فليس معنى هذا ضياع هذه الآية ؛ لأن القرآن كان يكتب عند أناس كثيرين و ضياعها عند شخص لا يستلزم ضياعها عند باقي الأشخاص .


[1]- رواه البخاري في صحيحه 8/168 حديث رقم 6830
[2]- حسنه الألباني في صحيح و ضعيف سنن ابن ماجة حديث رقم 1944
[3] - رواه البخاري في صحيحه9/69
[4] - فهم القرآن للمحاسبي ص 398
[5] - فضائل القرآن للمستغفري 1/323
[6] - ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه لابن البازري ص 19
[7] - الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 3/82
[8] - الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 3/81

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:16 AM
الرد على زعمهم أن آية : لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالًا سقطت من المصحف العثماني






ادعى المغرضون أن آية : ( لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالًا ) سقطت من المصحف العثماني ، و من ثم فالقرآن محرف ، و استدلوا بما رواه عطاء عن ابْنَ عَبَّاسٍ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : « لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالًا لَأَحَبَّ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ مِثْلَهُ، وَلاَ يَمْلَأُ عَيْنَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ » قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : « فَلاَ أَدْرِي مِنَ القُرْآنِ هُوَ أَمْ لاَ » ، قَالَ - القائل هو عطاء - : وَسَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ ذَلِكَ عَلَى المِنْبَرِ[1].


و قد بَعَثَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ، فَقَالَ: أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ ، فَاتْلُوهُ ، وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ ، كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً ، كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ ، فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا : لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ ، لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ، وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً ، كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ ، فَأُنْسِيتُهَا ، غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ، فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ ، فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ "[2]



و ليس في كلام ابن عباس - رضي الله عنه – و لا في كلام أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه – ما يدل على نقص القرآن و أن آية ( لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالًا ) سقطت من المصحف بل فيه ما يدل أن آية ( لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالًا ) مما نسخت تلاوته أي مما نسخ لفظه و منسوخ التلاوة لا يكتب في المصحف .


و عن أنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : « لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ، وَلَنْ يَمْلَأَ فَاهُ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ» ، و عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُبَيٍّ ، قَالَ : " كُنَّا نَرَى هَذَا – أي لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا - مِنَ القُرْآنِ ، حَتَّى نَزَلَتْ : ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾ ( سورة التكاثر الآية 1) "[3] فقول أبي حَتَّى نَزَلَتْ : ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾ يدل أن لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا لم يعد قرآنا أي أصبح من المنسوخ فنسخت هذه تلك .


و قول ابن عباس : فَلاَ أَدْرِي مِنَ القُرْآنِ هُوَ أَمْ لاَ أي لا أدري من القرآن المتلو أم من القرآن المنسوخ تلاوته .


و قال ابن الجوزي – رحمه الله - : « وَهَذَا الحَدِيث : مِمَّا كَانَ يُتْلَى فِي الْقُرْآن، ثمَّ نسخ لَفظه وَبَقِي حكمه، وَهَذَا معنى قَول أبي : كُنَّا نرى هَذَا من الْقُرْآن وَقَوله حَتَّى نزلت: ﴿ أَلْهَاكُم التكاثر ﴾ أَي أَنَّهَا أَثْبَتَت هَذَا الْمَعْنى »[4] .


و قال القسطلاني : « ( قال ابن عباس ) - رضي الله عنهما - : ( فلا أدري من القرآن ) المنسوخ تلاوته (هو) أي الحديث المذكور (أم لا) »[5] .
[1]- رواه البخاري في صحيحه 8/92 حديث رقم 6437
[2]- رواه مسلم في صحيحه 2/726 حديث رقم 1050
[3] - رواه البخاري في صحيحه 8/93 حديث رقم 6439
[4] - كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي 2/67
[5] - إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني 9/250

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:20 AM
الرد على زعمهم أن آية : ( بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا ) سقطت من المصحف العثماني



ادعى المغرضون أن آية : (بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا ) سقطت من المصحف العثماني ، و من ثم فالقرآن محرف ، و استدلوا بقول أَنَس بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا يَعْنِي أَصْحَابَهُ بِبِئْرِ مَعُونَةَ ثَلاَثِينَ صَبَاحًا حِينَ يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ، وَلَحْيَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - » قَالَ أَنَسٌ: " فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِينَ قُتِلُوا - أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ - قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ : بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ "[1] .


و ليس في كلام أَنَس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه – ما يدل على نقص القرآن و أن بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا سقطت من المصحف بل فيه ما يدل أنها مما نسخت تلاوته في قوله : حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ .
[1]- رواه البخاري في صحيحه 5/107 حديث رقم 4095

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:22 AM
الرد على سؤالهم : كيف يكون جمع القرآن عن إجماع من الصحابة و قد اعترض ابن مسعود عليه ؟ و كيف يكون القرآن متواترا عن الصحابة و قد اعترض ابن مسعود على المصحف العثماني ؟




كيف يكون جمع القرآن عن إجماع من الصحابة مع أن عبد الله بن مسعود وهو ذو السابقة في الإسلام قد كره أن يتولى زيد جمع المصحف ، وقال : « يا معشر المسلمين كيف أعزل عن جمع المصحف ويتولاه رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر» ، وقال أيضا: «أعزل عن المصاحف وقد أخذت من فيّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة وزيد بن ثابت ذو ذؤابتين يلعب مع الصبيان» و في رواية « بضعا وسبعين سورة ... » .

والجواب :
: أن قول ابن مسعود هذا لا يدل على عدم جواز جمع القرآن في المصحف، ولا على أنه كان مخالفا في الجمع، وكل ما يدل عليه أنه يرى أنه أحق من زيد بجمع القرآن لسوابقه في الإسلام، على أنه قال هذا في وقت غضبه فلما سكت عنه الغضب أدرك حسن اختيار عثمان ومن معه من الصحابة لزيد بن ثابت وقد ندم على ما قال واستحيا منه .


فقد روى أبو وائل هذه القصة ثم قال عقبها: إن عبد الله استحيا مما قال فقال: ما أنا بخيرهم ثم نزل عن المنبر ولم يكن اختيار أبي بكر وعثمان لزيد إلا لما له من المزايا التي تؤهله لهذه المهمة الجليلة وقد أفصح عن هذه المزايا الصديق بقوله : إنك رجل ، شاب، عاقل، لا نتهمك كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .


فقد وصفه بأربع صفات لا بد منها لمن يقوم بهذا العمل وهي الشباب المقتضي للقوة والصبر والجلد ، والعقل وهو جماع الفضائل، والأمانة وعدم التهمة وهي الصفة التي لا بد منها لمن يقوم بهذا العمل، وكتابة الوحي، وبها يتم التوثق والاطمئنان ومع ذلك فقد ضم عثمان إليه ثلاثة من أوثق الصحابة وأعلمهم ، وهذه الخصائص لا تقتضي أفضليته على عبد الله بن مسعود ولا على أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وإنما تقتضي أهليته لما عهد إليه به [1].


و قال ابن حجر : « وَقد شقّ على بن مَسْعُودٍ صَرْفُهُ عَنْ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ حَتَّى قَالَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بن سعد عَن بن شِهَابٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْهُ قَالَ بن شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَرِهَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ نَسْخَ الْمَصَاحِفِ وَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أُعْزَلُ عَنْ نَسْخِ كِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ وَيَتَوَلَّاهَا رَجُلٌ وَاللَّهِ لَقَدْ أَسْلَمْتُ وَإِنَّهُ لَفِي صُلْبِ رَجُلٍ كَافِرٍ يُرِيدُ زيد بن ثَابت .
وَأخرج بن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ خُمَيْرِ بْنِ مَالِكٍ بِالْخَاءِ مصغر سَمِعت بن مَسْعُودٍ يَقُولُ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعِينَ سُورَةً وَإِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَصَبِيٌّ مِنَ الصِّبْيَانِ وَمن طَرِيق أَبى وَائِل عَن بن مَسْعُودٍ بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً وَمِنْ طَرِيقِ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْهُ مِثْلَهُ وَزَادَ وَإِنَّ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ذُؤَابَتَيْنِ .


وَالْعُذْرُ لِعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِالْمَدِينَةِ وَعَبْدُ اللَّهِ بِالْكُوفَةِ وَلَمْ يُؤَخِّرْ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ وَيَحْضُرَ وَأَيْضًا فَإِنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا أَرَادَ نَسْخَ الصُّحُفِ الَّتِي كَانَتْ جُمِعَتْ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَأَنْ يَجْعَلَهَا مُصْحَفًا وَاحِدًا وَكَانَ الَّذِي نَسَخَ ذَلِكَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ هُوَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ كَمَا تَقَدَّمَ لِكَوْنِهِ كَانَ كَاتِبَ الْوَحْيِ فَكَانَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ أَوَّلِيَّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ »[2] .


و كلام ابن مسعود – رضي الله عنه - لا يدل على الطعن في جمع القرآن إنما يدل على أنه كان يرى في نفسه أنه هو الأولى أن يسند إليه هذا الجمع ؛ لأنه كان يثق بنفسه أكثر من ثقته بزيد في هذا الباب ، وذلك لا ينافي أنه كان يرى في زيد أهلية وكفاية للنهوض بما أسند إليه وإن كان هو في نصر نفسه أكفأ وأجدر غير أن المسألة تقديرية .


ولا ريب أن تقدير أبي بكر وعمر وعثمان لزيد أصدق من تقدير ابن مسعود له كيف وقد عرفت فيما سبق مجموعة المؤهلات والمزايا التي توافرت فيه حتى جعلته الجدير بتنفيذ هذه الغاية السامية. أضف إلى ذلك أن عثمان ضم إليه ثلاثة ثم كان هو وجمهور الصحابة مشرفين عليهم مراقبين لهم وناهيك في عثمان أنه كان من حفاظ ومعلمي القرآن![3]


و في تاريخ دمشق لابن عساكر : « وإنما شق ذلك على ابن مسعود ؛ لأنه عدل عنه مع فضله وسنه وفوض ذلك إلى من هو بمنزلة ابنه وإنما ولى عثمان زيد بن ثابت لحضوه وغيبة عبد الله ولأنه كان يكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتب المصحف في عهد أبي بكر الصديق وقد روي عن ابن مسعود أنه رضي بذلك وتابع ووافق رأي عثمان في ذلك »[4] .


ومِمَّا يدل على أن ابن مسعودٍ - رضى الله عنه - قد رجع ووافق رأي عثمان- رضى الله عنه - أن قراءته قد رواها عاصم وحمزة والكسائي، وغيرهم وقراءة هؤلاء الأئمة موافقة للمصاحف العثمانية .


و قال ابن حزم – رحمه الله - : « وَأما قَوْلهم أَن مصحف عبد الله ابْن مَسْعُود خلاف مصحفنا فَبَاطِل وَكذب وإفك مصحف عبد الله بن مَسْعُود إِنَّمَا فِيهِ قِرَاءَته بِلَا شكّ وقراءته هِيَ قِرَاءَة عَاصِم الْمَشْهُورَة عِنْد جَمِيع أهل الْإِسْلَام فِي شَرق الدُّنْيَا وغربها نَقْرَأ بهَا كَمَا ذكرنَا وبغيرها قد صَحَّ أَنه كُله منزل من عِنْد الله تَعَالَى فَبَطل تعلقهم بِهَذَا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين »[5] .


ولو سلمنا جدلا أن ابن مسعود – رضي الله عنه - أراد الطعن في صحة جمع القرآن لا نسلم أنه دام على هذا الطعن والإنكار بدليل ما صح عنه أنه رجع إلى ما في مصحف عثمان وحرق مصحفه في آخرة الأمر حين تبين له أن هذا هو الحق وبدليل ما صح عنه من قراءة عاصم عن زرعة[6] .


و ليس المعتبر في العلم بصحة النقل والقطع على ثبوته أن لا يخالف فيه مخالف ، وإنما المعتبر في ذلك مجيئه عن قوم بهم يثبت التواتر وتقوم الحجة، سواء اتفق على نقلهم أو اختلف فيه [7].


ولو سلمنا جدلا أن ابن مسعود – رضي الله عنه – طعن في صحة الجمع وأنه دام عليه ولم يرجع عنه لا نسلم أنه يدل على إبطال تواتر القرآن فإن التواتر كما أسلفنا يكفي في القطع بصحة مرويه أن ينقل عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب بشروطه وليس من شروطه ألا يخالف فيه مخالف حتى يقدح في تواتر القرآن أن يخالف فيه ابن مسعود أو غير ابن مسعود ما دام جم غفير من الصحابة قد أقروا جمع القرآن على هذا النحو في عهد أبي بكر مرة وفي عهد عثمان مرة أخرى [8] .

[1] - المدخل لدراسة القرآن الكريم لمحمد أبي شهبة ص 284 - 285
[2] - فتح الباري لابن حجر 9/19
[3] - مناهل العرفان للزرقاني 1/283
[4] - تاريخ دمشق لابن عساكر 33/140
[5] - الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 2/65
[6] - مناهل العرفان للزرقاني 1/283
[7] - الانتصار للقرآن للباقلاني 1/97
[8] - مناهل العرفان للزرقاني 1/284

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:23 AM
الرد على سؤالهم كيف تقولون أن القرآن متواتر عن الصحابة رغم أن ابن مسعود أنكر المعوذتين و لم يكتبهما في مصحفه ؟



يتسائل المغرضون كيف تقولون أن القرآن متواتر عن الصحابة رغم أن ابن مسعود أنكر المعوذتين و لم يكتبهما في مصحفه ؟


و الجواب الحجة عندنا في المصحف العثماني الذي أقره جميع الصحابة ، و لم يعترض عليه أحد منهم ،و لو اعترض عليه أحد منهم لنقل ذلك ؛ لأنه مما تتوافر الدواعي على نقله .


و العبرة في التواتر أن يروى عن جمع يحيل العقل تواطئهم على الكذب، لا أن يخالف فيه مخالف فظن ابن مسعود أن المعوذتين ليستا من القرآن لا يطعن في قرآنيتهما ولا ينقض تواتر القرآن .



و إنكار ابن مسعود – رضي الله عنه – للمعوذتين كان قبل أن يستيقن قرآنيتهما ، فلما علم ذلك وتيقنه رجع إلى رأي الجماعة، وليس أدل على ذلك من أن الذين تعزى قراءاتهم إلى ابن مسعود متفقون على أن المعوذتين من القرآنفقراءة ابن مسعود قد رواها عاصم وحمزة والكسائي، وغيرهم وقراءة هؤلاء الأئمة موافقة للمصاحف العثمانية .


ولم يحك عن ابن مسعود – رضي الله عنه – بعد جمع القرآن أي إصرار أو استنكار لكتابة المعوذتين في المصحف ، ولو أنه بقي على موقفه من إنكار المعوذتين لبلغنا ذلك كما بلغنا إصرار بعض الصحابة كابن عباس الذي بقي حتى خلافة عمر وهو يظن أنه لم يرد عن النبي – صلى الله عليه وسلم -كلام حول تحريم زواج المتعة.

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:25 AM
الرد على زعمهم بنقص سورتي الحفد و الخلع من المصحف العثماني


زعم المغرضون أن المصحف العثماني ينقص سورتين - الحفد و الخلع - كان بعض الصحابة يقرأ بـهما في صلاته و يكتبهما بين سور مصاحفهم، وقد جاءت سورتا الخَلْعِ والحَفْدِ في مصحفِ أُبَيِّ بنِ كعب ، وفي مصحفِ ابنِ عباس، وقد صَلّى بهما عمر بن الخطاب .

و نصهما : ( اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق )



و الجواب وجود سورتي الحفد و الخلع في مصاحف بعض الصحابة ليس على أساس أنهما من القرآن الذي استقر أمره بالعرضة الأخيرة ، و مصاحف الصحابة - رضي الله عنهم – لم تكن قاصرة على القرآن المتواتر بل كان فيها التأويل والدعاء و ما نُسخت تلاوته اعتمادًا على أنه لا يُشكل عليهم عدم قرآنية ذلك ولكن ندرة أدوات الكتابة و كونهم يكتبون القرآن لأنفسهم وحدهم دون غيرهم هون عليهمذالك ؛ لأنهم امنوا على أنفسهم اللبس و اشتباه القرآن بغيره .


وهاتان السورتان كانتا مما نزل من القرآن ثم نسخت تلاوتهما ، وبقي بعض الصحابة يقرؤهما في قنوته،و القنوت بهما في الصلاة لا يدل على القرآنية إذ القنوت دعاء يقرأ في الصلاة وليس قرآن يقرأ في الصلاة.


و على فرض أن بعض الصحابة أثبت هاتين السورتين في المصحف على أنهما قرآن فهي رواية آحادية ظنية لا تعارض القطعي الثابت بالتواتر كما أنها لا تكفي في إثبات كونها من القرآن ؛ لأن المعول عليه في ثبوت القرآن التواتر [1].


و الحجة عندنا في المصحف العثماني الذي أقره جميع الصحابة أما المصاحف الخاصة فهي عمل فردي من بعض الصحابة ولم يكن هدفهم كتابة مصحف تلتزم به الأمة ، و إثبات بعض الصحابة لسورة ليست في المصحف العثماني مما أجمع المسلمون على خلافه فلا يعتد به .


ولم يحك عن أحد الصحابة بعد جمع القرآن أي استنكار لعدم كتابة هاتين السورتين في المصحف العثماني .


و قراءة أبي بن كعب قد رواها نافع وابن كثير وأبو عمرو، وغيرهم وقراءة هؤلاء الأئمة ليس فيها سورتا الحفد والخلع .


و لو سلَّمنا جدلا أن أُبَيًّا ظنَّ دعاء القنوت قرآنًا ، فأثبته في مصحفه، فإن ذلك لا يطعن في تواتر القرآن، لأنه انفرد به ، وقد حصل الإجماع على ما بين الدفتين وتواتره، فلا يضر بعد ذلك مخالفة من خالف.
[1]- المدخل لدراسة القرآن الكريم لمحمد أبي شهبة ص 288

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:27 AM
الرد على سؤالهم كيف تقولون أن القرآن متواتر عن الصحابة رغم أن مصاحف بعض الصحابة تخالف المصحف العثماني ؟


يتسائل المغرضون كيف تقولون أيها المسلمون أن القرآن متواتر عن الصحابة رغم أن مصاحف بعض الصحابة تخالف المصحف العثماني ؟

و الجواب الحجة عندنا في المصحف العثماني الذي أقره جميع الصحابة أما المصاحف الخاصة فهي عمل فردي من بعض الصحابة ولم يكن هدفهم كتابة مصحف تلتزم به الأمة، لهذا كانت هذه المصاحف الخاصة غير حجة على الأمة ، فما عدا مصحف عثمان لا يقطع عليه ، وإنما يجري مجرى الآحاد .


وإذا نقل منه ما يخالف المصحف الإمام فهذا طبيعي، لأن الواحد منهم كان يكتب لنفسه ، و لذلك قد يكتبون تفسيراً لبعض الآيات في نفس المصحف وهم آمنون من اللبس، لأنهم إنما يكتبون لأنفسهم [1] .
[1] - أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية لناصر بن عبد الله بن علي القفاري 3/1024

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:29 AM
الرد على سؤالهم كيف تقولون بتواتر القرآن رغم أن أسانيد قراءات القرآن تنتهى عند القراء العشر ؟


ادعى المغرضون أن القرآن غير متواتر مستدلين بأن أسانيد قراءات القرآن تنتهي عند القراء العشر و كأنهم فهموا من انحصار أسانيد قراءات القرآن إلى عدد معين أن القرآن لم يجيء عن غيرهم ، و هذا ينم عن جهلهم بعلوم القرآن خاصة علم القراءات .
و القرآن الكريم رواه جمع عن جمع يستحيل العادة تواطؤهم على الكذب فقد رواه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مئات الصحابة و رواه عن مئات الصحابة آلاف التابعين و هكذا إلى أن وصل إلينا ، و أسانيد القراءات القرآنية ما هي إلا غيض من فيض من الأسانيد .

وقد اشتهر بإقراء الناس القرآن، وتعريفهم أوجه قراءته طائفة من الصحابة قد احتجزوا عن الخروج إلى ميادين الفتح؛ ليعلموا الناس ويفقهوهم في دينهم، ويقرئوهم القرآن الكريم .

ومن هؤلاء عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب فارس الإسلام، احتجز عن الجهاد بالسيف؛ ليكون له جهاد العلم والقرآن, وأُبَيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء .


وعن هؤلاء أخذ كثيرون من الصحابة والتابعين، وأقرءاهم القرآن بوجوه القراءات، وكلها يتفق مع المكتوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.


ولما أخذ المقرئون للقرآن من الصحابة ينقرضون حمل التابعون ذلك العبء الكريم، فقاموا بحقه، ويظهر أنَّ المقرئ كان يقرئ طالب القرآن القراءات كلها، ويختار منها ما يطوع له لسانه من غير إعوجاج، فكان الصحابة وكبار التابعين يقرءون بالأوجه كلها، ولكن يختار المستحفظ ما يقوى عليه لسانه .


وفي آخر عصر التابعين خلَّف من بعد قراء الصحابة والتابعين خلف طيب، وجد التخصص في قراءة من القراءات أولى من حفظ جميعها، فإنه إذا كان ذلك في طاقة الصحابة ومن داناهم من كبار التابعين، فمن وراءهم دون ذلك؛ إذ أخذت الطبيعة العربية تضعف عن حمل العبء كاملًا، فعني من أفاضل القراء من صغار التابعين، وتابعي التابعين برواية كلِّ واحد منهم قراءة واحدة؛ ليسهل عليه نطقها، ورووها متواترة، فكانت الرِّحَال تشَدُّ إليهم يتلقَّون عنهم، ويأخذون بما يقرئه كل واحد .
واشتُهِر من هؤلاء الذين خلفوا عهد الحفاظ من الصحابة الذين كانوا يقرئون الناس من صحابة وتابعين - اشتهر سبعة كانوا من بعد أئمة القراء .

وهم : عبد الله بن عامر المتوفَّى سنة 118هـ، وعبد الله بن كثير المتوفَّى سنة 120هـ، وعاصم بن مهدلة الأسدي المتوفَّى سنة 128هـ، وأبو عمرو بن العلاء شيخ الرواة المتوفَّى سنة 154هـ، وحمزة بن حبيب الزياد العجلي المتوفَّى سنة 156هـ، ونافع بن نعيم المتوفَّى سنة 169هـ، وعلي بن حمزة الكسائي إمام الكوفيين المتوفَّى سنة 159هـ، وقراءات هؤلاء السبعة هي المتفق عليها التي نالت الإجماع، ولكل واحدة منها سندها المتصل المتواتر، وطريقه، وهو محفوظ في علم القراءات، وأجمع المسلمون على التواتر فيها .

وقد ألحق علماء القراءات وأهل الخبرة فيها ثلاثة غيرهم صحت قراءتهم، وثبت تواترها، وهم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع المتوفَّى سنة 132هـ، ويعقوب بن إسحاق الحضري المتوفَّى سنة 185هـ، وخلف بن هشام .

وقراءات هؤلاء بإضافتها إلى القراءات السبع تكون عشرة كاملة[1] .

و تواتر قراءات العشرة ليس عن طريق ما دوّن في الأسانيد، لأنها ترجع إلى عدد محصور، ولكن إذا نظرت إلى أن هذا العدد المحصور لم يختص بها، بل كانت روايته هذه يقرأ بها غيره ممن لا حصر لهم- غاية الأمر أن المدوّنين اقتصروا على هؤلاء ليضبطوا ما دوّنوه ويحرروه- فإنك تعلم قطعا أنها كانت متواترة ولا تزال متواترة .


فليست القراءات كالحديث مخرجها كمخرجه إذا كان مدارها على واحد كانت آحادية- ليس الأمر كذلك- ولكنها إنما نسبت إلى ذلك الإمام اصطلاحا، وإلا فأهل كل بلدة كانوا يقرءونها أخذوها أمما عن أمم، ولو انفرد واحد بقراءة دون أهل العلم بالقراءات لم يوافقه على ذلك أحد، بل كانوا يجتنبونها ويأمرون باجتنابها [2].

و لنضرب مثلا رواية حفص عن عاصم عن أبي عبد الرحمن السُلمي عن عبد الله ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ليس معنى هذا السند تفرد حفص بالرواية عن عاصم فقد روى عن عاصم خلق كثير ،و ليس معنى هذا السند تفرد عاصم بالرواية عن أبي عبد الرحمن السُلمي فقد أقرأ أبو عبد الرحمن السُلمي خلق كثير ،و ليس معنى هذا السند تفرد أبي عبد الرحمن السُلمي بالرواية عن ابن مسعود فقد أقرأ ابن مسعود خلق كثير .


و قال ابن الجزري – رحمه الله - : « إِضَافَةُ الْحُرُوفِ وَالْقِرَاءَاتِ إِلَى أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ وَرُوَاتِهِمُ الْمُرَادُ بِهَا أَنَّ ذَلِكَ الْقَارِئَ وَذَلِكَ الْإِمَامَ اخْتَارَ الْقِرَاءَةَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ مِنَ اللُّغَةِ حَسْبَمَا قَرَأَ بِهِ، فَآثَرَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَدَاوَمَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ حَتَّى اشْتَهَرَ وَعُرِفَ بِهِ، وَقُصِدَ فِيهِ، وَأُخِذَ عَنْهُ ; فَلِذَلِكَ أُضِيفَ إِلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ إِضَافَةُ اخْتِيَارٍ وَدَوَامٍ وَلُزُومٍ لَا إِضَافَةَ اخْتِرَاعٍ وَرَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ »[3] .


و قال شهاب الدين الدمياطي – رحمه الله - : « فإن قيل : الأسانيد إلى الأئمة وأسانيدهم إليه - صلى الله عليه وسلم- على ما في كتب القراءات أحاد لا تبلغ عدد التواتر؟ أجيب بأن انحصار الأسانيد المذكورة في طائفة لا يمنع مجيء القراءات عن غيرهم, وإنما نسبت القراءات إليهم لتصديهم لضبط الحروف وحفظ شيوخهم فيها, ومع كل واحد منهم في طبقته ما يبلغها عدد التواتر »[4] .
و قد حكى ابن الجزري – رحمه الله – عن شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب بيبرود الشافعي– أنه قال : « معذور أبو شامة حيث إن القراءات كالحديث مخرجها كمخرجه إذا كان مدارها على واحد كانت آحادية وخفي عليه أنها نسبت إلى ذلك الإمام اصطلاحا وإلا فكل أهل بلدة كانوا يقرؤنها أخذوها أمما عن أمم ولو انفرد واحد بقراءة دون أهل بلده لم يوافقه على ذلك أحد بل كانوا يجتنبونها ويأمرون باجتنابها » .


ثم قال ابن الجزري – رحمه الله – : « صدق ومما يدل على هذا ما قال ابن مجاهد قال لي قنبل قال لي القواس في سنة سبع وثلاثين ومائتين: الق هذا الرجل -يعني البزي- فقل له: هذا الحرف ليس من قراءتنا يعني "وما هو بميت" [إبراهيم: 17] مخففا وإنما يخفف من الميت من قد مات ومن لم يمت فهو مشدد, فلقيت البزي فأخبرته فقال لي: قد رجعت عنه.

وقال محمد بن صالح؛ سمعت رجلا يقول لأبي عمرو: كيف تقرأ ﴿ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ، وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾ [الفجر: 26] فقال: لا يعذب بالكسر. فقال له الرجل: كيف وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم- "لا يعذب" بالفتح؟ فقال له أبو عمرو: لو سمعت الرجل الذي قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- ما أخذته عنه، وتدري ما ذاك؟ لأني أتهم الواحد الشاذ إذا كان على خلاف ما جاءت به العامة.

قال الشيخ أبو الحسن السخاوي : وقراءة الفتح أيضا ثابتة بالتواتر. قلت: صدق لأنها قراءة الكسائي.

قال السخاوي: وقد تواتر الخبر عند قوم دون قوم وإنما أنكرها أبو عمرو لأنها لم تبلغه على وجه التواتر .

قلت : وهذا كان من شأنهم على أن تعيين هؤلاء القراء ليس بلازم ولو عين غير هؤلاء لجاز، وتعيينهم إما لكونهم تصدوا للإقراء أكثر من غيرهم أو لأنهم شيوخ المعين كما تقدم ومن ثم كره من كره من السلف أن تنسب القراءة إلى أحد، روى ابن أبي داود عن إبراهيم النخغي قال: كانوا يكرهون سند فلان وقراءة فلان »[5] .
[1]- المعجزة الكبرى القرآن ص 26
[2] - الموسوعة القرآنية المتخصصة ص 318
[3] - النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/52
[4] - إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر لشهاب الدين الدمياطي ص 9
[5] - منجد المقرئين ومرشد الطالبين لابن الجزري ص 79

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:33 AM
الرد على زعمهم أن آية : ﴿ وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ﴾ زيد فيها ﴿و ما خلق ﴾




ادعى المغرضون أن آية : ﴿ وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ﴾ زيد فيها : ﴿ و ما خلق ﴾ و استدلوا بقول عَلْقَمَةَ دَخَلْتُ الشَّأْمَ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا ، فَرَأَيْتُ شَيْخًا مُقْبِلًا فَلَمَّا دَنَا قُلْتُ : أَرْجُو أَنْ يَكُونَ اسْتَجَابَ ، قَالَ : مِنْ أَيْنَ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ ، قَالَ : أَفَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالوِسَادِ وَالمِطْهَرَةِ ؟ أَوَلَمْ يَكُنْ فِيكُمُ الَّذِي أُجِيرَ مِنَ الشَّيْطَانِ؟ أَوَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ ؟ كَيْفَ قَرَأَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ وَاللَّيْلِ ، فَقَرَأْتُ : ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ . وَ النَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى . وَ الذَّكَرِ وَ الأُنْثَى قَالَ : « أَقْرَأَنِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَاهُ إِلَى فِيَّ ، فَمَا زَالَ هَؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا يَرُدُّونِي »[1] .


و الجواب أن الثَّابِتُ فِي مَصَاحِفِ الْأَمْصَارِ وَالْمُتَوَاتِرُ ﴿ وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ﴾ ، وَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِرَاءَةٍ : وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى: نَقْلُ آحَادٍ مُخَالِفٌ لِلسَّوَادِ، فَلَا يُعَدُّ قُرْآنًا[2] .

و قَالَ الْقَاضِي ابن العربي - رحمه الله - : « هَذَا مِمَّا لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ بَشَرٌ، إنَّمَا الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا فِي الصُّحُفِ؛ فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ لِأَحَدٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ النَّظَرُ فِيمَا يُوَافِقُ خَطَّهُ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ ضَبْطُهُ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ بِنَقْلِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا؛ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ، وَيَنْقَطِعُ مَعَهُ الْعُذْرُ وَتَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْخَلْقِ » [3].


و قَالَ الْمَازِرِيُّ - رحمه الله - : « يَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قُرْآنًا ثُمَّ نُسِخَ وَلَمْ يُعْلَمْ مَنْ خَالَفَ النَّسْخَ فَبَقِيَ عَلَى النَّسْخِ قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُمْ مُصْحَفُ عُثْمَانَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ الْمَحْذُوفُ مِنْهُ كُلُّ مَنْسُوخٍ وَأَمَّا بَعْدَ ظُهُورِ مُصْحَفِ عُثْمَانَ فَلَا يُظَنُّ بأحد منهم أنه خالف فيه .


وأما ابن مَسْعُودٍ فَرُوِيَتْ عَنْهُ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَمَا ثَبَتَ مِنْهَا مُخَالِفًا لِمَا قُلْنَاهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ فِي مُصْحَفِهِ بَعْضَ الْأَحْكَامِ وَالتَّفَاسِيرِ مِمَّا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَكَانَ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ ذَلِكَ وَكَانَ يَرَاهُ كَصَحِيفَةٍ يُثْبِتُ فِيهَا مَا يَشَاءُ وَكَانَ رَأْيُ عُثْمَانَ وَالْجَمَاعَةِ مَنْعَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ وَيَظُنَّ ذَلِكَ قُرْآنًا »[4] .


و قال ابن عاشور – رحمه الله - : « وَ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ : « دَخَلْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ ( َعْنِي ابْنَ مَسْعُود ٍ) الشَّامَ فَسَمِعَ بِنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ فَأَتَانَا فَقَالَ : أَيُّكُمْ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ ؟ فَقُلْتُ : أَنَا . قَالَ : كَيْفَ سَمِعْتَهُ يَقْرَأُ ؟ وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى قَالَ سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ :
" و َاللَّيْلِ إِذَا يغشى وَالنَّهَار إِذا تَجَلَّى والذَّكَرَ وَالْأُنْثَى " قَالَ : أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ هَكَذَا "


وَسَمَّاهَا فِي الْكَشَّافِ : قِرَاءَةَ النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، أَيْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَرَأَ بِهَا ، وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ : أَنَّهُ أَقْرَأَهَا أَبَا الدَّرْدَاءِ أَيَّامَ كَانَ الْقُرْآن مرخّصا فِيهِ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى بَعْضِ اخْتِلَافٍ ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ التَّرْخِيصُ بِمَا قَرَأَ بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَهُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْقُرْآنِ ، و َكُتِبَ فِي الْمُصْحَفِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - »[5] .


و قال الألوسي – رحمه الله - : « وقرأ ابن مسعود « والذكر والأنثى » وتبعه ابن عباس كما أخرج ذلك ابن النجار في تاريخ بغداد من طريق الضحاك عنه ونسبت لعليّ كرم الله تعالى وجهه .


وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم من علقمة أنه قدم الشام فجلس إلى أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه فقال له أبو الدرداء ممّن أنت؟ فقال: من أهل الكوفة قال: كيف سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -يقرأ وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ؟ قال علقمة : « والذكر والأنثى » فقال أبو الدرداء : " أشهد أني سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يقرأ هكذا وهؤلاء يريدوني على أن أقرأ وما خلق الذكر و الأنثى والله لا أتابعهم " . وأنت تعلم أن هذه قراءة شاذة منقولة آحادا لا تجوز القراءة بها لكنها بالنسبة إلى من سمعها من النبيّ - عليه الصلاة والسلام -في حكم المتواترة نجوز قراءته بها »[6] .

[1]- رواه البخاري في صحيحه 5/28 حديث رقم 3761
[2] - البحر المحيط في التفسير لأبي حيان الأندلسي 10/492
[3] - أحكام القرآن لابن العربي 4/405
[4] -المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 6/109
[5] - التحرير و التنوير لابن عاشور 30/480
[6] - روح المعاني للألوسي 15/366

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:35 AM
الرد على زعمهم أن قوله تعالى : ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ نقص منه و صلاة العصر




زعم المغرضون أن قوله تعالى : ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ نقص منه و صلاة العصر و استدلوا بما رواه أَبو يُونُسَ ، مَوْلَى عَائِشَةَ قَالَ : أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا، قَالَتْ : إِذَا بَلَغْتَ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ ، فَآذِنِّي ، فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا ، فَأَمْلَتْ عَلَيَّ : " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " قَالَتْ : سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[1] قالوا : وفي القرآن لا توجد كلمتي "وصلاة العصر" و من ثم فالقرآن محرف .

و الجواب أن الثَّابِتُ فِي مَصَاحِفِ الْأَمْصَارِ وَالْمُتَوَاتِرُ ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ ، وَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِرَاءَةٍ : ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ : نَقْلُ آحَادٍ مُخَالِفٌ لِلسَّوَادِ، فَلَا يُعَدُّ قُرْآنًا .


و عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ﴾ [ البقرة : 238] وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ، فَقَرَأْنَاهَا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ نَسَخَهَا اللهُ، فَنَزَلَتْ : ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ [البقرة: 238] ، " فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ شَقِيقِ لَهُ: هِيَ إِذَنْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَقَالَ الْبَرَاءِ : قَدْ أَخْبَرْتُكَ كَيْفَ نَزَلَتْ، وَكَيْفَ نَسَخَهَا اللهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ[2] ، و هذا الحديث يدل أن زيادة : و صلاة العصر من منسوخ التلاوة ، و عائشة - رضي الله عنها - لم تعلم بالنّسخ ، لكن غيرها قد علم بالنسخ في الآية .


و قال ابن الجوزي – رحمه الله - : « اعْلَم أَن هَذِه الْآيَة كَذَلِك نزلت، ثمَّ نسخ مِنْهَا ذكر صَلَاة الْعَصْر، وَلم تعلم عَائِشَة أَن ذَلِك نسخ، فقرأتها على الْقِرَاءَة الأولى. وَقد سبق هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ فِي مُسْند الْبَراء بن عَازِب »[3] .

[1]- رواه أحمد في مسنده 5/505 حديث رقم 24448
[2] - رواه مسلم في صحيحه 1/483 حديث رقم 630
[3] - كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي 4/414

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:37 AM
الرد على زعمهم بحذف آية " خمس رضعات يحرمن "من القرآن



زعم المغرضون أن هناك آية في القرآن كانت تتكلم عن عدد الرضعات التي يحرمن و قد حذفت بعد وفاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - و استدلوا على ذلك بقول عَائِشَةَ : " كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ : عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ "[1]


والجواب قول عائشة – رضي الله عنها - : "وهن مما يُقرأ من القرآن" ظاهره بقاء التلاوة، وليس كذلك، فإنه غير موجود في المصحف العثماني. وأجيب بأن المراد : قارَبَ الوفاة ، والأظهر أن التلاوة نُسِخَت ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فتوفي وبعض الناس يقرؤها [2] .



و قال على القاري : « (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ) بِسُكُونِ الشِّينِ وَفَتَحَ الضَّادَ (مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ) أَيْ: مُشْبِعَاتٌ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ مُتَفَاصِلَةٍ عُرْفًا (فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ) أَيْ: آيَةُ خَمْسِ رَضَعَاتٍ (فِيمَا يُقْرَأُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ .


(مِنَ الْقُرْآنِ) تَعْنِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ كَانَ يَقْرَؤُهُ عَلَى الرَّسْمِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي زَمَانِ الْوَحْيِ فَكَيْفَ بَعْدُ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَتْ بِذَلِكَ قُرْبَ زَمَانِ الْوَحْيِ.


قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ تِلَاوَتَهَا قَدْ كَانَتْ بَاقِيَةً فَتَرَكُوهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَفَعَ قَدْرَ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ عَنِ الِاخْتِلَالِ وَالنُّقْصَانِ وَتَوَلَّى حِفْظَهُ وَضِمْنَ صِيَانَتِهِ فَقَالَ عَزَّ مَنْ قَالَ ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ ( سورة الحجر الآية 9 ) فَلَا يَجُوزُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَنْ يَضِيعَ مِنْهُ آيَةٌ وَلَا أَنْ يَنْخَرِمَ حَرْفٌ كَانَ يُتْلَى فِي زَمَانِ الرِّسَالَةِ إِلَّا مَا نُسِخَ مِنْهُ.

قَالَ الْأَشْرَفُ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ عَائِشَةِ وَهُوَ (فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ) عَائِدٌ إِلَى عَشْرِ رَضَعَاتٍ وَحِينَئِذٍ احْتَاجَ الشَّيْخُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى مَا ذَكَرَهُ وَيَقُومُ هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلًا لِمَنْ قَالَ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَحْصُلُ بِأَقَلِّ مِنْ عَشْرِ رَضَعَاتٍ وَلَوْ جَعَلَ الضَّمِيرَ الْمَذْكُورَ عَائِدًا إِلَى خَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ مَعَ قُرْبَةٍ لَقَامَ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَاسْتُغْنِيَ عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَنَّ الْعَشْرَ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ وَاسْتَقَرَّ النَّسَخُ وَتَقَرَّرَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهَا فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ أَيْ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ نَسْخِ الْعَشْرَةِ بِالْخَمْسِ فِي حَالَةِ اسْتِقْرَارِ الْخَمْسِ وَكَوْنِهِ مَقْرُوءًا فِي الْقُرْآنِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)


قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَيْ: أَنَّ النَّسْخَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ تَأَخَّرَ إِنْزَالُهُ جِدًّا حَتَّى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْرَأُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَيَجْعَلُهَا قُرْآنًا مَتْلُوًّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ فَلَمَّا بَلَغَهُمُ النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى »[3] .


و قال محمد أبو شهبة : « هذه الرواية مهما صحت فهي آحادية لا يثبت بها قرآن؛ لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، ثم هي أيضا لا تعارض القطعي الثابت بالتواتر، وهو القرآن الذي بين أيدينا اليوم، وغاية ما تدل عليه هذه الرواية أنها خبر لا قرآن » [4].

[1]- رواه مسلم في صحيحه 2/1075 حديث رقم 1452
[2] - مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص 244
[3] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لعلي القاري 5/2079
[4] - المدخل لدراسة القرآن ص 295

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:39 AM
الرد على زعمهم أن تعدد القراءات يدل على اضطراب النص القرآني وتحريفه ، وسببه عدم تنقيط المصحف العثماني



ادعى المغرضون أن تعدد قراءات القرآن يدل على اضطراب النص القرآني ، و لحوق التحريف به ، و أنه ليس من عند الله مستشهدين بقوله تعالى : ﴿ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ ، و ادعوا أن تعدد القراءات قد يكون مرجعه عدم تنقيط المصحف العثماني .



و كلامهم ينم عن جهلهم بعلوم القرآن خاصة علم القراءات ، و القراءات القرآنية هي الوجوه المختلفة التي سمح النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقراءة النص القرآني بها قصدًا للتيسير، والتي جاءت وفقًا للهجة من اللهجات العربية القديمة .


وقد تكفل الزركشي بالتفرقة بين القرآن والقراءات بقوله: "القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان. فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - للبيان والإعجاز، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كِتبة الحروف، أو كيفيتها، من تخفيف وتثقيل وغيرهما"[1]


و قال المارغني المالكي : « القراءات هي اختلاف الوحي في الحروف وكيفيتها، غير أنها تعتمد كلية على التلقي والمشافهة ؛ لأن هذا العلم الإسلامي الخالص لا يحكم إلا بالسماع والمشافهة ، ولذا فقد اشترط العلماء في صحتها ضوابط منها :
1- أن توافق القراءة رسم المصحف العثماني.
2- أن تنقل بالتواتر؛ لأن القراءات الصحيحة لا تثبت إلا السند الصحيح المتواتر حتى، ولو وافقت رسم المصحف الإمام.
3- أن توافق وجها من وجوه اللغة العربية.
فإذا تحققت هذه الضوابط تحققت صحة القراءة، وإذا اختل ضابط منها اختلت القراءة، وضعف العمل بها.


والقراءات القرآنية وحي من عند الله تلقاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الله بواسطة ملك الوحي جبريل عليه السلام، ولقنه النبي - عليه الصلاة والسلام - لصحابته، وعنه نقلت القراءات القرآنية بالتواتر »[2] .


و إن قيل ما السبب الذي أوجب أن يختلف القراء في قراءة القرآن على قراءاتمتعددة فالجواب ما قاله ابن تيمية : « وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ : مَا السَّبَبُ الَّذِي أَوْجَبَ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْقُرَّاءِ فِيمَا احْتَمَلَهُ خَطُّ الْمُصْحَفِ؟ فَهَذَا مَرْجِعُهُ إلَى النَّقْلِ وَاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِتَسْوِيغِ الشَّارِعِ لَهُمْ الْقِرَاءَةَ بِذَلِكَ كُلِّهِ إذْ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَقْرَأَ قِرَاءَةً بِمُجَرَّدِ رَأْيِهِ ؛ بَلْ الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ .


وَهُمْ إذَا اتَّفَقُوا عَلَى اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ الْمَكْتُوبِ فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِيِّ وَقَدْ قَرَأَ بَعْضُهُمْ بِالْيَاءِ وَبَعْضُهُمْ بِالتَّاءِ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَارِجًا عَنْ الْمُصْحَفِ. وَمِمَّايُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَتَّفِقُونَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَلَى يَاءٍ أَوْ تَاءٍ وَيَتَنَوَّعُونَ فِي بَعْضٍ كَمَا اتَّفَقُوا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ فِي مَوْضِعٍ وَتَنَوَّعُوا فِي مَوْضِعَيْنِ .


وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقِرَاءَتَيْنِ كَالْآيَتَيْنِ فَزِيَادَةُ الْقِرَاءَاتِ كَزِيَادَةِ الْآيَاتِ؛ لَكِنْ إذَا كَانَ الْخَطُّ وَاحِدًا وَاللَّفْظُ مُحْتَمَلًا كَانَ ذَلِكَ أَخْصَرَ فِي الرَّسْمِ .


وَالِاعْتِمَادُ فِي نَقْلِ الْقُرْآنِ عَلَى حِفْظِ الْقُلُوبِ لَا عَلَى الْمَصَاحِفِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " إنَّ رَبِّي قَالَ لِي أَنْ قُمْ فِي قُرَيْشٍ فَأَنْذِرْهُمْ. فَقُلْت: أَيْ رَبِّ إذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي - أَيْ يَشْدَخُوا - فَقَالَ: إنِّي مُبْتَلِيك وَمُبْتَلٍ بِك وَمُنْزِلٌ عَلَيْك كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا ويقظانا فَابْعَثْ جُنْدًا أَبْعَثْ مِثْلَيْهِمْ وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَك مَنْ عَصَاك وَأَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْك " فَأَخْبَرَ أَنَّ كِتَابَهُ لَا يَحْتَاجُ فِي حِفْظِهِ إلَى صَحِيفَةٍ تُغْسَلُ بِالْمَاءِ؛ بَلْ يَقْرَؤُهُ فِي كُلِّ حَالٍ .


كَمَا جَاءَ فِي نَعْتِ أُمَّتِهِ: " أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ " بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَا يَحْفَظُونَهُ إلَّا فِي الْكُتُبِ وَلَا يَقْرَءُونَهُ كُلَّهُ إلَّا نَظَرًا لَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ.


وَ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَالْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ الْمَنْسُوبَةَ إلَى نَافِعٍ وَعَاصِمٍ لَيْسَتْ هِيَ الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ .


وَكَذَلِكَ لَيْسَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعَةُ هِيَ مَجْمُوعَ حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ؛ بَلْ الْقِرَاءَاتُ الثَّابِتَةُ عَنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ - كَالْأَعْمَشِ وَيَعْقُوبَ وَخَلَفٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ يَزِيدَ بْنِ الْقَعْقَاعِ وَشَيْبَةَ بْنِ نِصَاحٍ وَنَحْوِهِمْ - هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْقِرَاءَاتِ الثَّابِتَةِ عَنْ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ عِنْدَ مَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ.


وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا لَمْ يَتَنَازَعْ فِيهِ الْأَئِمَّةُ الْمَتْبُوعُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا تَنَازَعَ النَّاسُ مِنْ الْخَلَفِ فِي الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ الْإِمَامِ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَالْأُمَّةُ بَعْدَهُمْ هَلْ هُوَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةِ وَتَمَامِ الْعَشَرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هَلْ هُوَ حَرْفٌ مِنْ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا؟ أَوْ هُوَ مَجْمُوعُ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ وَالثَّانِي قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْقُرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ لَا يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا خِلَافًا يتضاد فِيهِ الْمَعْنَى وَيَتَنَاقَضُ؛ بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا كَمَا تُصَدِّقُ الْآيَاتُ بَعْضُهَا بَعْضًا.


وَسَبَبُ تَنَوُّعِ الْقِرَاءَاتِ فِيمَا احْتَمَلَهُ خَطُّ الْمُصْحَفِ هُوَ تَجْوِيزُ الشَّارِعِ وَتَسْوِيغُهُ ذَلِكَ لَهُمْ ؛ إذْ مَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى السُّنَّةِ والإتباع لَا إلَى الرَّأْيِ وَالِابْتِدَاعِ .


أَمَّا إذَا قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ هِيَ الْأَحْرُفُ السَّبْعَةُ فَظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى إذَا قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ حَرْفٌ مِنْ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ قَدْ سُوِّغَ لَهُمْ أَنْ يَقْرَءُوهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ مَعَ تَنَوُّعِ الْأَحْرُفِ فِي الرَّسْمِ؛ فَلَأَنْ يُسَوَّغَ ذَلِكَ مَعَ اتِّفَاقِ ذَلِكَ فِي الرَّسْمِ وَتَنَوُّعِهِ فِي اللَّفْظِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ تَرْكِهِمْ الْمَصَاحِفَ أَوَّلَ مَا كُتِبَتْ غَيْرَ مَشْكُولَةٍ وَلَا مَنْقُوطَةٍ؛ لِتَكُونَ صُورَةُ الرَّسْمِ مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرَيْنِ كَالتَّاءِ وَالْيَاءِ وَالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَهُمْ يَضْبِطُونَ بِاللَّفْظِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ وَيَكُونُ دَلَالَةُ الْخَطِّ الْوَاحِدِ عَلَى كِلَا اللَّفْظَيْنِ الْمَنْقُولَيْنِ الْمَسْمُوعَيْنِ الْمَتْلُوَّيْنِ شَبِيهًا بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ الْمَنْقُولَيْنِ الْمَعْقُولَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلَقَّوْا عَنْهُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ إلَيْهِمْ مِنْ الْقُرْآنِ لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ جَمِيعًا »[3]


و على ما تقدم فالقراءات القرآنية وحى من عند الله و ليس اجتهاد من اجتهادات العلماء ، و ليس لقارئ القرآن الحرية في قراءة القرآن بحسب ما يرى ولو شذ بل لابد من التزام الكيفيات أو الوجوه المنقولة إلينا تواتراً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقرأ بوجه منها أو أكثر لكن لا يحل له أن يقرأ بما لم يتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يصح ثبوته ويشتهر وتتوفر فيه صحة السند والموافقة للرسم العثماني وموافقة القواعد النحوية كما قرر ابن الجزري [4].


و القراءات القرآنية ليست في كل كلمات القرآن أي لا تشمل كل كلمات القرآن بل تشمل كلمات محصورة وردت فيها مضبوطة معلومة، لا زيادة فيها ولا نقصفقد تكون كلمة واحدة في الآية كلها .


مثل قوله تعالى : ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ كلمة مالك فيها قراءتان : مالك و مَلِك ، و معنى مالك القاضي المتصرف في شئون يوم القيامة أما ملك أي من بيده الأمر والنهى و مقاليد كل شيء يوم القيامة و كلا المعنيين صحيح لا تعارض فيه بل في القراءتين تنوع يثري المعنى .




قال ابن عثيمين : « و "الملك" أخص من "المالك" وفي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة؛ وهي أن ملكه جلّ وعلا ملك حقيقي؛ لأن مِن الخلق مَن يكون ملكاً، ولكن ليس بمالك : يسمى ملكاً اسماً وليس له من التدبير شيء؛ ومِن الناس مَن يكون مالكاً، ولا يكون ملكاً: كعامة الناس ؛ ولكن الرب عزّ وجلّ مالكٌ ملِك »[5] .



و مثل قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍفَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًابِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ ( سورة الحجرات الآية 6 ) كلمة فتبينوا فيها قراءتان : فتبينوا و فتثبتوا و معنى فتبيّنوا من التبيين ، ومعنى فتثبّتوا منالتثبّتوالتبيين تطلّب بيان الحقيقة من الكذب و الصواب من الخطأ ،ومعنى التثبّت التحري وتطلّب الثبات ، وهوالصدقو كلا المعنيين صحيح لا تعارض فيه بل في القراءتينتلازم فالتبين من الأمر هو الطريق الموصل للتثبت في الأمر و التثبت في الأمر هو ثمرة التبين، ومن تبين فقد تثبت، ومن تثبت فقد تبين .

و مثل قوله تعالى : ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ منْ أَنفسِكمْ﴾ ( سورة التوبة من الآية 128 ) كلمة أنفسكم فيها قراءتان : أَنفُسِكمْ و أَنفَسِكمْ إحداهما بضم الفاء والثانية بفتحها والمعنى على الأول منكم لَا من غيركم، والمعنى على الثانية (من أنفَسكم) أي من أعلاكم نسبًا. وبمجموع الآيتين، وكل آية منهما قرآن بذاتها، أنه بعث فيكم رسولا منكم، لَا من غيركم، وهذه منَّة، ومن أعلاكم نسبا وشرفا وهذا شرف للرسالة، والنبيون يبعثون من أعلى الأوساط[6] .


و عن المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ، أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ، لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاَةِ، فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَبْتُهُ .


فَقُلْتُ : مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ ؟ قَالَ : أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقُلْتُ لَهُ : كَذَبْتَ فَوَاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُوَ أَقْرَأَنِي هَذِهِ السُّورَةَ ، الَّتِي سَمِعْتُكَ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَقُودُهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا ، وَإِنَّكَ أَقْرَأْتَنِي سُورَةَ الفُرْقَانِ .



فَقَالَ : « يَا هِشَامُ اقْرَأْهَا » فَقَرَأَهَا القِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « هَكَذَا أُنْزِلَتْ » ثُمَّ قَالَ : « اقْرَأْ يَا عُمَرُ » فَقَرَأْتُهَا الَّتِي أَقْرَأَنِيهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « هَكَذَا أُنْزِلَتْ » ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « إِنَّ القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ »[7].


و هذا الحديث يبين أن اختلاف القراء في قراءة بعض كلمات القرآن إنما حدث في عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما تلاه عليهم وسمعوه منه مشافهة، ولم يأت هذا الخلاف نتيجة النظر في المصحف المكتوب المقروء الخالي من النقط والشكل كما توهم المغرضون لجهلهم بعلوم القرآن فالقرآن يؤخذ بالتلقي و السماع ،و المسلمون من جيل الصحابة ومن تبعهم بإحسان لم يتعلموا القرآن عن طريق الخط العربي من القراءة في المصاحف , وإنما تعلموه سماعًا واعيًا ملفوظًا كما خرج من فم محمد - صلى الله عليه وسلم - ، و القرآن يجب أن يُسمع بوعى قبل أن يقرأ من المصحف.


و المراد بالأحرف السبعة في الحديث سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد " نحو ( أقبل , وتعال , وهلم , وعجل , وأسرع ) فهي ألفاظ مختلفة لمعنى واحد ، أو لمعانٍ مختلفة و لكن اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد وذلك توسيعًا عليهم، ورحمة بهم، وكان الصحابة يقرؤون مما تعلموا، دون أن يُنكر أحد على أحد ،و عندما حدث إنكار لهذا ، كما كان من أمر عمر - رضي الله عنه - مع هشام بن حكيم بيَّن له - صلى الله عليه وسلم - أن ليس في ذلك ما يُستنكر ، وأقر كل واحدٍ منهما على قراءته ، ولو كان في الأمر شيء لبيَّن لهم ذلك ، أَمَا وإنه لم يفعل فقد دلَّ ذلك على أن الاختلاف في القراءة أمر جائز ومشروع .


و قال ابن حزم – رحمه الله - : « أما قَوْلهم إننا مُخْتَلفُونَ فِي قِرَاءَة كتَابنَا فبعضنا يزِيد حروفاً وبعضنا يُسْقِطهَا فَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافا بل هُوَ اتِّفَاق منا صَحِيح لِأَن تِلْكَ الْحُرُوف وَتلك الْقرَاءَات كلهَا مبلغ بِنَقْل الكواف إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا نزلت كلهَا عَلَيْهِ فَأَي تِلْكَ الْقرَاءَات قَرَأنَا فَهِيَ صَحِيحَة وَهِي محصورة كلهَا مضبوطة مَعْلُومَة لَا زِيَادَة فِيهَا وَلَا نقص فَبَطل التَّعَلُّق بِهَذَا الْفَصْل وَللَّه تَعَالَى الْحَمد »[8] .

[1] - المعجم الموسوعي لألفاظ القرآن الكريم وقراءاته د. أحمد مختار ص 16
[2] - دليل الحيران على مورد الظمآن للمارغني المالكي ص 3
[3] - مجموع الفتاوى لابن تيمية 13/401 - 402
[4] - تقويم طرق تعليم القرآن وعلومه لسعيد أحمد حافظ ص 56
[5] - تفسير الفاتحة و البقرة لابن عثيمين ص 12
[6] - زهرة التفاسير لأبي زهرة 7/3494
[7]- رواه البخاري في صحيحه 6/194حديث رقم 5041
[8] - الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 2/64
__________________

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:41 AM
الرد على زعمهم أن قوله تعالى : ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ نقص منه قد



زعم المغرضون أن قوله تعالى : ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ نقص منه قد و استدلوابحديث ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ﴾ وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ: « يَا صَبَاحَاهْ » فَقَالُوا : مَنْ هَذَا ؟ ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : « أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الجَبَلِ ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيّ َ؟ » قَالُوا : مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا ، قَالَ : « فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ » قَالَ أَبُو لَهَبٍ : تَبًّا لَكَ ، مَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا ؟ ثُمَّ قَامَ ، فَنَزَلَتْ : ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ وَقَدْ تَبَّ، هَكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ[1] .


و الجواب وَقَدْ تَبَّ هذه إحدى القراءات القرآنية غير المتواترة قال ابن العربي : « مَرَّتْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ قِرَاءَتَانِ: إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ: " وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَك الْأَقْرَبِينَ. وَرَهْطَك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ ". وَالثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ وَقَدْ تَبَّ وَهُمَا شَاذَّتَانِ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ رَوَاهُمَا عَنْ الْعَدْلِ، وَلَكِنَّهُ كَمَا بَيَّنَّا لَا يُقْرَأُ إلَّا بِمَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ »[2] .


و قال النووي – رحمه الله -: « مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَعْمَشَ زَادَ لَفْظَةَ قَدْ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ »[3] .


قال ابن حجر – رحمه الله - : « وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ فِيمَا نَقَلَ الْفَرَّاءُ عَنِ الْأَعْمَشِ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ قَرَأَهَا حَاكِيًا لَا قَارِئًا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي هَذَا السِّيَاقِ يَوْمَئِذٍ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَمِرُّ على قرَاءَتهَا كَذَلِك وَالْمَحْفُوظ أَنَّهَا قِرَاءَة بن مَسْعُودٍ وَحْدَهُ »[4]


وَ قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود وَأُبَيٍّ بن كعب " وَقَدْ تَبَّ"[5] بدلا من ﴿ وَتَبَّ ﴾ لا تعارض المعنى بل تؤكده أي و قد خسر أو وقد حصل الهلاك عليه و عليه يكون قَوْله تَعَالَى : ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ كلمة ﴿ تَبَّتْ ﴾ أي هلكت و ﴿ يَدا أَبِي لَهَبٍ ﴾ أي عبد العزى بن عبد المطلب، ﴿ وَتَبَّ ﴾ أي هلك هو ، فالأولى: مشت تمشية الدعاء عليه. والثانية: أخرجت مخرج الخبر، أي وقد حصل الهلاك عليه، فهذه الجملة على هذا على تقدير قد، ويؤيده قراءة ابن مسعود و أبي وقد تب بالتصريح بقد .


هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و كتب ربيع أحمد حامدا لله و مصليا على نبيه - صلى الله عليه وسلم - الأربعاء 15 /جماد أول/1434هـ ، 27/مارس/2013م[1]- رواه البخاري في صحيحه 6/179حديث رقم 4971
[2] - أحكام القرآن لابن العربي 4/467
[3] - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 3/83
[4] - فتح الباري لابن حجر 8/503
[5] - انظر تفسير القرطبي 20/236

د.ربيع أحمد
04-22-2013, 01:46 AM
متابع... القيت نظرة خاطفة... يبدو اني لن اتحمل ان انتظر حتى أقرأه!
اكمل جزاك الله خيرا...

وجزاكم الله مثله أخي الكريم

BStranger
04-22-2013, 05:31 AM
متابع