سبع البوادي
05-04-2006, 02:21 PM
سامي بن عبد العزيز الماجد 5/4/1427
03/05/2006
أليست هذه الآية كاشفة عن قدر استعلاء الغرب على الناس وكبرهم في أنفسهم، وأنهم هم أول المدّعين لاحتكار الحقيقة والصواب؟!
هل الحقيقة مطلقة أو نسبيّة؟ قضية أثارها الفلاسفةُ قديماً، ونوقشت كثيراً في كتبهم وملتقياتهم، وظلت قضيةً فلسفية تتداورُها النخبةُ المثقفة، فأصبحت اليوم من القضايا التي يُحارب بها الإرهاب، بله أصول الإسلام، فطرقتْ أسماع الناس مقولة: (الحقيقة المطلقة لا يطالها أحد)، أو (لا أحد يحتكر الحق والصواب)، أو (ليس ثمةَ إلا الحقيقةُ النسبية)، وفحواها: أنه لا أحد يمكنه القطع بأن معتقده هو الحق، وأن معتقدَ غيره خطأٌ قطعاً، وأقصى ما يمكنه الجزم به أن رأيه صوابٌ يحتمل الخطأ، وأن رأي غيره خطأ يحتمل الصواب، وهو ما يُسمى بنسبية الحقيقة.
ويرى المردّدون لهذه المقولة أن القطعية في الأحكام والآراء، وادّعاء الإنسان بأن مذهبه هو الحق، وأن ما عداه فباطل من أهم أسباب التطرف والإرهاب، وأنه لا سبيل لمحاربة الإرهاب والتطرف إلا بمحاربة هذه اليقينية في الاعتقاد، ويستوجب ذلك تحصينَ فكر النشء من القطعية في تصويب معتقد وتخطئة آخر؛ حتى لا تحرضَه هذه القطعيةُ على إقصاء الآخر وتكفيره والاعتداءِ عليه! ويقولون لكل مستمسك برأي: إن اعتقادك بأنك على الحق ليس بأقوى من اعتقاد غيرك بأنه على حق، فإذا كان قولُه يحتمل الصواب، فاجعل من احتمال صوابه ما يمنحه حقاً عليك أن تعترف به ولا تقصيه، ومنتهى هذا أن تصطلحا فلا تتنازعا، وأن تتعايشا فلا تحتربا.
قال ابن تيمية عن هذه المقولة (19/135) : "حُكي عن بعض السفسطائية أنه جعل جميع العقائد هي المؤثرة في الاعتقادات، ولم يجعل للأشياء حقائق ثابتة في نفسها يوافقها الاعتقاد تارة ويخالفها أخرى، بل جعل الحق في كل شيء ما اعتقده المعتقد، وجعل الحقائق تابعة للعقائد. وهذا القول على إطلاقه وعمومه لا يقوله عاقل سليم العقل". قال بعض أهل العلم: "هذا المذهب - أي القول بأن الحق يتعدّد في العقائد والأصول- أوله سفسطة، وآخره زندقة؛ لأنه في الابتداء يجعل الشيء ونقيضه حقاً، وبالآخرة يخير المجتهدين بين النقيضين عند تعارض الدليلين، ويختار من المذاهب ما يروق لهواه". ويقول د. أحمد عبد الرحمن: (الفلسفة النسبية هي السند الفكري الأخير والمرجع النهائي، لكل التيارات المناوئة لمبدأ الثبات الإسلامي في العقيدة والشريعة والأخلاق والنظم) أساطير المعاصرين ، ص 169 – 170 ذلك أن هذه المقولة تقرّر بأن الحقيقة تتغير بتغير الزمان والمكان والعقول، وأنه ليس ثمة حق مطلق ثابت
في كل الأزمنة والأمكنة والعقول.
والأخذ بهذه المقولة على إطلاقها يفضي إلى المساواة بين قطعيات الشريعة وظنياتها، ومن ثَمّ تصبح أركان الإيمان مما يسع فيه الخلاف، فتخرج بذلك عن دائرة الثوابت القطعية، كما أن
في العمل بإطلاقها منافاةً لمقتضى الإيمان؛ إذ مقتضاه التصديقُ التامُ واليقينُ المطلق بأركان الإيمان وأصول العقيدة، وآيات القرآن تغذي في أهله الشعورَ بامتلاكهم للحقيقة المطلقة، وأنهم على الحق المبين إلى درجة اليقين، وأن غيرهم مبطلون يتبعون باطلاً؛ كقوله: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ)، (والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق) وقوله: (ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)، ولا يجوز لمثل هذه العقيدة المبنية على اليقين المطلق أن تخضع للمساومات والمداهنات؛ فمجرد الشك بأنها هي الحق، أو أن غيرَها من ملل الكفر قد يكون هو الحق، أو هو حق مثلها لهو خطرٌ يزلزل الإيمان من أصوله، (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ).
لو لم تكن ثمةَ حقيقةٌ مطلقة يطالها أحد، لكان أمْرُ الله لنا باتباع الحق عبثاً لا معنى له؛ لأنه على تلك المقولة حقٌ لا وجود له إلا في الأذهان؛ لأن الحقيقة المطلقة لا يمكن أن يطالها أحد، وأنها نسبية يصح أن تكون حقاً في عقلٍ، باطلاً في آخر. ولو لم تكن ثمة حقيقة مطلقة لتعذر الامتثال لقوله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).فأين هذا الصراط المستقيم الذي أُمِرنا باتباعه إذا كان لا أحد يملك الحقيقة؟! وأين تلك السبل الضّالة التي نُهينا عن اتباعها ما دامت الحقيقة نسبية؟! ولو كان الأمر كذلك لما دعا النبي –صلى الله عليه وسلم- بدعائه المشهور: "اللهم فاطر السموات....أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم".
ومن المفارَقات المضحكة أن نُروِّج لفكرة فلسفية مستوردة، لا يلتزمها - أصلاً- مَن استوردت منه إلا داخل حدوده لتحقيق التعددية فيها، وأما معنا فهو يعاملنا معاملة من يملك الحقيقة المطلقة ويحتكر الحقَ والصواب، فالإسلام دين خرافي متخلّف، ونبيه إرهابي شهواني، وأتباعه إرهابيون غيرُ جديرين بالاحترام ومراعاةِ الحقوق، إلا إذا كفروا ببعض دينهم وآمنوا بفلسفة الحضارة الغربية، بل يجب أن تُفرض عليهم فرضاً ليتخلّصوا من تخلّفهم، وصدق الله:
(وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).
فهل أدرك الناعقون بنعيب الغرب ودعواته أنهم يدعون لشيءٍ لا يلتزمه المروِّج له في
تعامله معهم؟! أليست هذه الآية كاشفة عن قدر استعلاء الغرب على الناس وكبرهم في أنفسهم، وأنهم هم أول المدّعين لاحتكار الحقيقة والصواب؟!
فلتُقيَّد المقولة بما يقصِرها عن مخالفة الشريعة، ولتورَدْ المورد الذي يحتملها وتحتمله؛ فإعمالها إنما يجوز في الظنّيات مما لم يرد فيه نصٌ قاطع صريح. فهي التي يصح أن يُقال فيها: لا أحد يحتكر الحق فيها، وهو ما عناه الإمام الشافعي بقوله: "قولي صوابٌ يحتمل الخطأ، وقولُ غيري خطأٌ يحتمل الصواب".
03/05/2006
أليست هذه الآية كاشفة عن قدر استعلاء الغرب على الناس وكبرهم في أنفسهم، وأنهم هم أول المدّعين لاحتكار الحقيقة والصواب؟!
هل الحقيقة مطلقة أو نسبيّة؟ قضية أثارها الفلاسفةُ قديماً، ونوقشت كثيراً في كتبهم وملتقياتهم، وظلت قضيةً فلسفية تتداورُها النخبةُ المثقفة، فأصبحت اليوم من القضايا التي يُحارب بها الإرهاب، بله أصول الإسلام، فطرقتْ أسماع الناس مقولة: (الحقيقة المطلقة لا يطالها أحد)، أو (لا أحد يحتكر الحق والصواب)، أو (ليس ثمةَ إلا الحقيقةُ النسبية)، وفحواها: أنه لا أحد يمكنه القطع بأن معتقده هو الحق، وأن معتقدَ غيره خطأٌ قطعاً، وأقصى ما يمكنه الجزم به أن رأيه صوابٌ يحتمل الخطأ، وأن رأي غيره خطأ يحتمل الصواب، وهو ما يُسمى بنسبية الحقيقة.
ويرى المردّدون لهذه المقولة أن القطعية في الأحكام والآراء، وادّعاء الإنسان بأن مذهبه هو الحق، وأن ما عداه فباطل من أهم أسباب التطرف والإرهاب، وأنه لا سبيل لمحاربة الإرهاب والتطرف إلا بمحاربة هذه اليقينية في الاعتقاد، ويستوجب ذلك تحصينَ فكر النشء من القطعية في تصويب معتقد وتخطئة آخر؛ حتى لا تحرضَه هذه القطعيةُ على إقصاء الآخر وتكفيره والاعتداءِ عليه! ويقولون لكل مستمسك برأي: إن اعتقادك بأنك على الحق ليس بأقوى من اعتقاد غيرك بأنه على حق، فإذا كان قولُه يحتمل الصواب، فاجعل من احتمال صوابه ما يمنحه حقاً عليك أن تعترف به ولا تقصيه، ومنتهى هذا أن تصطلحا فلا تتنازعا، وأن تتعايشا فلا تحتربا.
قال ابن تيمية عن هذه المقولة (19/135) : "حُكي عن بعض السفسطائية أنه جعل جميع العقائد هي المؤثرة في الاعتقادات، ولم يجعل للأشياء حقائق ثابتة في نفسها يوافقها الاعتقاد تارة ويخالفها أخرى، بل جعل الحق في كل شيء ما اعتقده المعتقد، وجعل الحقائق تابعة للعقائد. وهذا القول على إطلاقه وعمومه لا يقوله عاقل سليم العقل". قال بعض أهل العلم: "هذا المذهب - أي القول بأن الحق يتعدّد في العقائد والأصول- أوله سفسطة، وآخره زندقة؛ لأنه في الابتداء يجعل الشيء ونقيضه حقاً، وبالآخرة يخير المجتهدين بين النقيضين عند تعارض الدليلين، ويختار من المذاهب ما يروق لهواه". ويقول د. أحمد عبد الرحمن: (الفلسفة النسبية هي السند الفكري الأخير والمرجع النهائي، لكل التيارات المناوئة لمبدأ الثبات الإسلامي في العقيدة والشريعة والأخلاق والنظم) أساطير المعاصرين ، ص 169 – 170 ذلك أن هذه المقولة تقرّر بأن الحقيقة تتغير بتغير الزمان والمكان والعقول، وأنه ليس ثمة حق مطلق ثابت
في كل الأزمنة والأمكنة والعقول.
والأخذ بهذه المقولة على إطلاقها يفضي إلى المساواة بين قطعيات الشريعة وظنياتها، ومن ثَمّ تصبح أركان الإيمان مما يسع فيه الخلاف، فتخرج بذلك عن دائرة الثوابت القطعية، كما أن
في العمل بإطلاقها منافاةً لمقتضى الإيمان؛ إذ مقتضاه التصديقُ التامُ واليقينُ المطلق بأركان الإيمان وأصول العقيدة، وآيات القرآن تغذي في أهله الشعورَ بامتلاكهم للحقيقة المطلقة، وأنهم على الحق المبين إلى درجة اليقين، وأن غيرهم مبطلون يتبعون باطلاً؛ كقوله: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ)، (والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق) وقوله: (ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)، ولا يجوز لمثل هذه العقيدة المبنية على اليقين المطلق أن تخضع للمساومات والمداهنات؛ فمجرد الشك بأنها هي الحق، أو أن غيرَها من ملل الكفر قد يكون هو الحق، أو هو حق مثلها لهو خطرٌ يزلزل الإيمان من أصوله، (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ).
لو لم تكن ثمةَ حقيقةٌ مطلقة يطالها أحد، لكان أمْرُ الله لنا باتباع الحق عبثاً لا معنى له؛ لأنه على تلك المقولة حقٌ لا وجود له إلا في الأذهان؛ لأن الحقيقة المطلقة لا يمكن أن يطالها أحد، وأنها نسبية يصح أن تكون حقاً في عقلٍ، باطلاً في آخر. ولو لم تكن ثمة حقيقة مطلقة لتعذر الامتثال لقوله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).فأين هذا الصراط المستقيم الذي أُمِرنا باتباعه إذا كان لا أحد يملك الحقيقة؟! وأين تلك السبل الضّالة التي نُهينا عن اتباعها ما دامت الحقيقة نسبية؟! ولو كان الأمر كذلك لما دعا النبي –صلى الله عليه وسلم- بدعائه المشهور: "اللهم فاطر السموات....أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم".
ومن المفارَقات المضحكة أن نُروِّج لفكرة فلسفية مستوردة، لا يلتزمها - أصلاً- مَن استوردت منه إلا داخل حدوده لتحقيق التعددية فيها، وأما معنا فهو يعاملنا معاملة من يملك الحقيقة المطلقة ويحتكر الحقَ والصواب، فالإسلام دين خرافي متخلّف، ونبيه إرهابي شهواني، وأتباعه إرهابيون غيرُ جديرين بالاحترام ومراعاةِ الحقوق، إلا إذا كفروا ببعض دينهم وآمنوا بفلسفة الحضارة الغربية، بل يجب أن تُفرض عليهم فرضاً ليتخلّصوا من تخلّفهم، وصدق الله:
(وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).
فهل أدرك الناعقون بنعيب الغرب ودعواته أنهم يدعون لشيءٍ لا يلتزمه المروِّج له في
تعامله معهم؟! أليست هذه الآية كاشفة عن قدر استعلاء الغرب على الناس وكبرهم في أنفسهم، وأنهم هم أول المدّعين لاحتكار الحقيقة والصواب؟!
فلتُقيَّد المقولة بما يقصِرها عن مخالفة الشريعة، ولتورَدْ المورد الذي يحتملها وتحتمله؛ فإعمالها إنما يجوز في الظنّيات مما لم يرد فيه نصٌ قاطع صريح. فهي التي يصح أن يُقال فيها: لا أحد يحتكر الحق فيها، وهو ما عناه الإمام الشافعي بقوله: "قولي صوابٌ يحتمل الخطأ، وقولُ غيري خطأٌ يحتمل الصواب".