المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف يجتمع اليقين بالمعاد ، والتخلف عن العمل ؟!



مالك مناع
05-21-2013, 08:47 PM
كيف يجتمع اليقين بالمعاد ، والتخلف عن العمل ؟

فإن قلت : كيف يجتمع التصديق الجازم الذي لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل ؟
وهل في الطباع البشرية أن يعلم العبد أنه مطلوب غداً إلى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشد عقوبة ، أو يكرمه أتم كرامة ، ويبيت ساهياً غافلاً، لا يتذكر موقفه بين يدي الملك ، ولا يستعد له ، ولا يأخذ له أهبته؟ .

قيل : هذا لعمر الله سؤال صحيح وارد على أكثر هذا الخلق ؛ واجتماع هذين الأمرين من أعجب الأشياء ، وهذا التخلف له عدة أسباب :

أحدها : ضعف العلم ، ونقصان اليقين ، ومن ظن أن العلم لا يتفاوت ، فقوله من أفسد الأقوال وأبطلها .

وقد سأل إبراهيم الخليل ربه أن يريه إحياء الموتى عياناً بعد علمه بقدرة الرب على ذلك ؛ ليزداد طمأنينةً ، ويصير المعلوم غيباً شهادةً .

وقد روى أحمد في ((مسنده)) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (ليس المُخبِر كالمعايِن) .

فإذا اجتمع إلى ضعف العلم عدم استحضاره ، أو غيبَته عن القلب في كثير من أوقاته أو أكثرها لاشتغاله بما يضاده ، وانضم إلى ذلك تقاضي الطبع ، وغلبات الهوى ، واستيلاء الشهوة ، وتسويل النفس ، وغرور الشيطان ، واستبطاء الوعد ، وطول الأمل ، ورقدة الغفلة ، وحب العاجلة ، ورخص التأويل وإلفُ العوائد ، فهناك لا يمسك الإيمان إلا الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا ، وبهذا السبب يتفاوت الناس في الإيمان والأعمال ، حتى ينتهي إلى أدنى مثقال ذرة في القلب .

وجماع هذه الأسباب يرجع إلى ضعف البصيرة والصبر ، ولهذا مدح الله سبحانه أهل الصبر واليقين ، وجعلهم أئمة في الدين ، فقال تعالى : وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون [ السجدة : 24 ]

الداء و الدواء لابن القيم رحمه الله.