المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلمة حول أدعياء معارضة القران ..



أبو القـاسم
10-08-2012, 05:49 AM
خرج علينا بأخرة :رقيع ٌ من نوع بلغ به الجهل : أن يجهل عن جهله ويذهل عن سماجة ظله ، وما ظنك بدودة أرض تطاول برأس هو كالذنَب ..تبتغي أن تناطح سدرة المنتهى في السماوات العلى ؟!
-لست مع التماشي مع هذا النوع من الديدان ، ولا أرى أن يجارى هؤلاء فيما ابتغوا إليه من سبيل التشويش..وسأفصح لك على مضض حتى تتبين الحقيقة باختصار :

-فهم القضية الدالة على أن القران :كلام إلهي على القطع ، لكونه خارجا بطبيعته عن مقدور البشر، بمعنى :أنه بنظمه الفريد ونسجه وجرسه وتأليفه هو وحده آية مبينة على أنه من مشكاة إلهية دون النظر للمثل التشريعية السامية ، ولا حقائق الكشوف الحديثة المودعة فيه ، ولا الغيوب المستقبلية الصادقة..ومن هنا وقعت أخطاء في مناقشة هذا الدعيّ من قبل بعض الإخوة ما كان ينبغي أن تقع لو فهمت حقيقة البرهان المذخور في هذه الآية "أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " ، ومعنى الإنشاء في الآية إذا حول إلى خبر : أي : لا يتأتى أن يكون ما في القران من عند بشر ، بل هو من عند الله لأولِ تلقّيه بالأذن المرهفة حكمًا على البديهة يقينًا..شريطة أن يكون موقع الحكم مالكًا أعلى أدوات البيان والذوق حائزًا فيها قصب السبق ..على أن ملك الملوك سبحانه ( لم ينصب لهم حكما بل خلى بينهم وبين الحكم على ما يأتون به معارضين له ثقة بإنصافهم في الحكم على البيان فهذه التخلية مرتبة من الإنصاف لا تدانيها مرتبة ) كما يقول العلامة محمود شاكر رحمه الله..وإذا أردت أن تقف على المقصود فلتراقب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مهدها الأول في مكة المشرفة حيث الاستضعاف للمسلمين والمذلة ، لم يكن من شأن النبي يومئذ إلا أن يتلو على الناس مما أوحاه الله إليه، ليكون مجرد سماعه : آية عند القوم على أنه ليس من جنس كلام الناس "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه " ..وعلى سماعه آمن السابقون الأولون وعموم من آمن من بعدهم في حياة النبي ....دون محاجّة جدلية ، ولا مناظرة علمية ..ولا -في الأصل- : خارقة ماديّة

وأنت إذا أسمعت هذا الكلام لفلسفيّ.. لعله أن يقول : جامد سلفيّ ! فخذه إذن من رجل ينتسب إلى قوم يغلون في العقل إلى حد التقديس ثم هو آخذ بزمام البيان حتى عُدّ فيه الإمام بحقّ..وأيّ إمام ! يقول الجاحظ المعتزلي : ( ولو أراد أنطق الناس أن يؤلف من هذا الضرب سورة واحدة طويلة أو قصيرة على نظم القرآن وطبعه وتأليفه ومخرجه لما قدر عليه ولو استعان بجميع قحطان ومعد بن عدنان )

إن هذه القضية لا يمكن أن يبلغ شأوها في الفهم أحد ويحسن تصورها بحيث يستقيم له الإحساس الصارخ بامتناع الإتيان بداهة بمثل القران أو بسورة منه حتى ينشأ على العربية التي نشأ عليها الذين بعث فيهم النبي (ص) ، ولما كان سبق في علم الله تعالى أن الألسنة ستفسد والعجمة ستطغى ، ضمّن كتابه العظيم من أنواع الدلائل التشريعية والعلمية وأخبار الغيب ما فيه دلالة على أنه من عند الله عز شانه ، وهذا شيء آخر مغاير لقضية " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا ".. كأني بك نبغ في عقلك سؤال : فكيف إذن أتبيّن صدق الدعوى وأنت تجعل الأمر كأنه من قبيل المستحيل أو شبهه ؟ أقول حسبك من ذلك وجهان مسفران:

الأول-أن النبي (ص) يوم كان يتلو عليهم هذه الآيات التي تثير في مقاتل كبريائهم أن ينقضوا دعوته دون مؤونة حرب لم يجسر منهم أحد بل ألجمهم نظمُه عند سماعه عن أن يقدموا عليه ، مع تكرير المطالبة بالإتيان بمثله أو بعضه مصحوبة بتسفيه أصنامهم وتقريع أحلامهم ..آثروا كلهم الجراح على الافتضاح إذا هم تصدى أحد منهم ..وقد كان ذلك في مكة أي في زمان كان المسلمون فيه أذلاء ضعفاء..ثم استمر الدور إلى آخر لحظة من حياة النبي (ص) لم ينسخ ..وهو باق إلى يوم القيامة لم يرفع..فلما تصرّم ذلك العصر كله وما بعده إلى أن تسللت العجمة إلى الألسنة وخلا عن المعارض مع قوة الداعي وتوهجه في نفوسهم الجاحدة المعاندة..ثبت بالقطع الجازم أن القوم آنسوا من أنفسهم كل إياس وإبلاس

الثاني – أن المرء كلما علا كعبه في العلم بالعربية وصار أدرى بكلام الأوائل وأجمع لأشعارهم وأخبر بمواقع نسج العبارات على منوالهم في الإبانة عن مخدَّرات نفوسهم صار أحرى في الاقتراب من فهم برهان الكلام الإلهي وأعقل لامتناع محاكاته , فلهذا لا ترونه يتصدر لمثل هذه المعارضات إلا الحُمر إذا ما أصابها جنون البقر ..

على أن شهادة أجدادهم من أهل الكفر تنبيك عن حقيقة الأمر، وأيما دارس للسيرة يعلم ما كان حين اجتمعوا مع الوليد بن المغيرة ، فقال لهم الوليد‏:‏ أجمعوا فيه رأيًا واحدًا،ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا، ويرد قولكم بعضه بعضًا، قالوا‏:‏ فأنت فقل، وأقم لنا رأيًا نقول به‏.‏ قال‏:‏ بل أنتم فقولوا أسمع‏.‏ قالوا‏:‏ نقول‏:‏ كاهن‏.‏ قال‏:‏ لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه‏.‏ قالوا‏:‏ فنقول‏:‏ مجنون ، قال‏:‏ ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، ما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته‏.‏ قالوا‏:‏ فنقول‏:‏ شاعر‏.‏ قال‏:‏ ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر، قالوا‏:‏ فنقول‏:‏ ساحر‏.‏ قال‏:‏ ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنفثهم ولا عقدهم‏.‏ قالوا‏:‏ فما نقول‏؟‏ قال‏:‏ والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا‏:‏ ساحر‏.‏ جاء بقول هو سحر، يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك‏.‏..

وحتى يستبين هذا الأمر الخطير سأضرب مثلا لعله به يعرف أنه ما ينبغي أن يخاض مع هؤلاء في هذا البحر الخضم لما يلزمه من إحاطة بالعربية تغرس في النفس ملكة في التذوق ..تضاهي أهل ذاك القرن ، ومن يك ذا فم مر مريض لم يتميز عنده الفرق بين العسل والحنظل ..
افترضوا : أنه جاء رجل يجرّ ناقته وقال : إيتوني بصنيعة كهذه الناقة ، فحاصوا كلهم.. وبعد لأيٍ طويل جاء أمثلهم طريقة بأفخم سيارة مرسيدس على أحدث طراز زاعمًا أن هذه أسرع وأمتن وأقوى ..إلخ ، لم يدرك من فرط غباوته أن الإبل ذات روح وفيها خصيصة الحياة وفيها وفيها مما لا يبلغ شاوه أحد ولن ..، فتوهم بغروره أنه غالب ولم يفهم أنه مغلوب ..ما فطن لحقيقة الفرق أن هذه صنعة لا يؤتاها بشر وأنها من مصدر إلهي فكان مجرد إقدامه أمارة جهله وعلامة انهزامه ، وكذلك هو كلام الله عز وجل.. أيقن الأوائل أنه من عند الله سبحانه عند سماعه.. فأبلسوا ، من جنس إيقان قوم عيسى عليه السلام أن إحياء الموتى لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، بل قال الإمام ابن تيمية : (فمعلوم أنهم لو كانوا قادرين عليها لفعلوها، فإنه - مع وجود هذا الداعي التام المؤكد - إذا كانت القدرة حاصلة، وجب وجود المقدور، ثم هكذا القول في سائر أهل الأرض فهذا القدر يوجب علما بينا لكل أحد بعجز جميع أهل الأرض، عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن، بحيلة وبغير حيلة .وهذا أبلغ من الآيات التي يكرر جنسها كإحياء الموتى، فإن هذا لم يأت أحد بنظيره )..( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) ..