المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أدلة صدق النبي صلى الله عليه وسلم



أبو القـاسم
09-24-2012, 09:18 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ..

1-تراث النبي (ص) العلمي من سنته يبلغ مجلدات كبارًا أشهرها ما في الكتب التسعة : البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجه والموطأ والدارمي ومسند الإمام أحمد ..فحين يتعذر في كل هذه التركة العلمية الثرة ..ما صح منها ، العثور على كذبة واحدة ، أو على تناقض واحد..فهذا قاطع في ثبوت صدقه صلى الله عليه وسلم

2-وعند النظر في الأحاديث الموضوعة والواهية ، يتبين المرء الكثير مما يصدق عليه أنه كذب ، فآل الضعيف نفسه دليلا على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ..وعلى حفظ الله لهذا الدين ..

3-والكذب كما تقول العامة :حبله قصير ، وهذا حق لا يماري فيه أحد ، فحين يكون له من أصحابه ألوف مؤلفة ثم لا يقف على كذب مزعوم له -حاشاه عليه الصلاة والسلام- واحد منهم ..فهذا يقطع بثبوت المقصود ..

4-والشخص الذي يكذب في طبيعته اضطراب نفسي ولابد -وهذا من ادلة الفطرة على الحق سبحانه-وكان النبي(ص) على العكس من ذلك ، واثق الخطى ،فصيح المنطق ،شجاعًا كريما مهيبًا ، إذا مشى كأنما ينحط من صبب ، وهو أعظم شخصية في التاريخ باتفاق الباحثين المتجردين ، فلو كان في نفسيته شيء من ذلك لما استطاع أصلا أن يقود أمة ..بهذا النجاح الذي لا عِدل له ولا نظير..المبهر في جميع المناحي

5-وقد كان النبي (ص) يأخذ بزمام البدار في امور لو كان يخالجه أدنى شك في صدق نبوته لما أقدم عليها ، ومن ذلك مثلا حين تفل على عين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان فيها رمد لايرى بها فشفيت بإذن الله تعالى ..وهذا برهان مركب من دليلين : أحدهما في أصل الإقدام على هذه الأشياء ، والثاني في تصديق الله له على ما أراد ..وهو المعجزة أو الآية

6-وقد أخبر النبي (ص) عن وقائع كثيرة في قابل الزمان بعضها مما في عصره الميمون وبعضها بعد موته عليه الصلاة والسلام، فكان كما قال في كل ما قال ..ذكر عن الخوارج مثلا ، وعن الخلافة ، وعن أن الحسن رضي الله عنه سيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين إلخ من أشراط الساعة الكثيرة ..التي ما يزال الزمان يكشف عنها اللثام كل حين ..

7-وقد اتفقت كلمة المشركين الذين عرفوه منذ بواكير العمر على أنه أمين وصادق ..وإنما كذبه بعضهم حين جاء بما يكرهون من تسفيه أصنامهم ، فبان أن تكذيبهم كان على سبب معروف لما تكنه قلوبهم ،ومعرفة السبب أبطلت ما زعموا ، مع خلوهم عن الدليل..وهذا ليس بشيء فثبت أنه صادق بإجماع من عرفه في زمانه ..

8-وحين أراد الذين اجترؤوا على تكذيبه أن يوردوا ادلة على دعاويهم ، أضحكوا على أنفسهم ، لأنها كانت من جنس الاستدلال بالمحال ، كمثل رجل ادعى أن اللغة الرسمية في امريكا هي الصينية ، فلما طولب بالدليل ؟ قال لأن رئيسها من أفريقية ! وقد قال الله تعالى "لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين " فلم يحيروا جوابًا ..وإذا كان ما يدعيه الخصم دليلا :غيرَ مرشد للمطلوب ، يكون ذلك دليلا على إفلاسه من الحجة ..فيؤول حجة لاهل الحق

9-ومهما يكن من شأن من يسميه الناس عظيمًا في التحري في كتمان أخباره ، فلا بد أن يكون المقربون منه على دراية ببعض أسراره ..ولهذا ترون مثلا حين يتساقط بعض الطغاة الذين كان يمجدهم الإعلام المنافق ، يخرج بعد حين من يكشف بعض خفايا فضائحه المخزية ..سواء كان هذا الكاشف فعل ذلك عن صحوة ضمير أو لينجو من التبعة ..وكلكم ترون أن أقرب المقربين منه عليه السلام كأزواجه الطاهرات والعشرة المبشرين ونحوهم رضوان الله عليهم..كلمتهم واحدة ..في وصف خلاله النبيلة ونبوته الأصيلة..

10-والمستشرقون المحدثون ..حين أرادوا وصف النبي (ص) لم يجتريء أحد منهم-على حقدهم- أن يصرح بتهمة الكذب لمعرفتهم بسخفها البالغ ، كدعوى أن الشمس مظلمة مثلا ..وإنما قصارى ما حاول بعضهم : أن يتهموه في عقله أو نفسه-وهو من أبطل الباطل بداهة- ،..وكثير منهم أقر بصدقه صراحة وأنه من أبعد الناس عن التكلف فضلا عن الكذب ..ومن شاء أوردنا له من أقوالهم ما يشفي ..وهذا دليل معتبر قوي لانتفاء غرض التعاطف ..مع ثبوت ضده ، ذلك أن دراسات الاستشراق لم تنشأ أصالة إلا لحماية المجتمعات الأوروبية من أن "يخطف" الإسلام قلوب بني قومهم..

11-في كتب أهل الكتاب بشارات جلية ، كل من يقع عليها حتى لو كان مسلمًا تأخذه الدهشة ان تكون صفات النبي الخاتم (ص) كما هي في هذه الكتب ، ووصف مكان رسالته مثبتة في هذه الكتب قبل بعثته الشريفة ..وفي مكتشفات المخطوطات كل حين ما يعضد هذا المعنى ويزيده عمقا في اليقين ..مع كل ما تعاورعلى هذه الكتب من تحريف أبى الله إلا أن يبقي ما فيه لأهل الحق مدكر ، ولأهل الباطل مزدجر ..

12-من يؤمن بالله عز وجل -وكذا من يتخذ الطبيعة ربًا -يعلم أنه يمتنع عليه سبحانه أن ينصر من يفتري عليه الكذب ويؤيده ويعزه..فالكذب على الله عز وجل أي بادعاء النبوة ، أعظم أنواع الكذب ، ومعلوم عند أدنى عاقل :أن الكاذب يخزيه الله ويفضحه ولو بعد حين ، فكيف إن كذب على الله رب العالمين ؟ وكذا الطبيعة :جرت عادتها (!) كما يدرك المربوبون لها :أنها لا تقف في صف الخونة على المدى الطويل ....(وهذا النسق "الأخلاقي" في صلاح الأرض وفسادها من أبلغ ما يرد به على الملحدين )

13-الكذب له جانبان :قولي وعملي ..وأيما احد يراقب سيرة النبي (ص) عن قرب ، ويلحظ مثلا وقوفه في جوف الليل بين يدي ربه حتى تتفطر قدماه الشريفتان ،ويرى وصاله في الصوم ، مع كل ما هنالك من منظومة أخلاقية عبادية واسعة الأرجاء ، ممتدة الانحاء ، يعلم أن هذا لا يجتمع مع الكذب بحال ..لان الكاذب فيه خسة طبع تحمله على ركوب الدنايا ..لا على امتثال المعالي ..
فمن علائم صدقه أنه كان إذا أمر بشيء أو نهى عنه مما اوحى إليه ربه كان اول الناس امتثالًا ..وهذا صدق عملي ينم على امتلائه (ص) بصدقه وصدق دعوته ،

14-كل من له شيء من ملكة الذوق الأدبي والبلاغة يدرك أن أسلوب القران فريد عن أسلوب السنة ، ولو أن النبي كان ينشد عظمة نفسه لكان جعل كذبه بأن ينسب القران لنفسه فهذا أبلغ في بيان العظمة ، ولكن حاشاه أن يفتري على الله فينسب لنفسه ما اوحاه الله إليه ..

15-ولأجل هذا وقع التحدي على الإتيان بمثل القران أو سورة منه ، لا على الحديث النبوي ..فهذا التحدي في نفسه حجة باقية ، وكون موضوعه بلاغة القران لا بلاغة السنة ، دلالة ذات غور عميق ..

16-ثم إن النبي (ص) أخبر عن احوال الأمم الغابرة بما يقطع المطلع أنه يستحيل أن يكون قبسه من أحد ..كذكره بعض من لم يرد لهم ذكر في كتب اهل الكتاب كقوم ثمود مثلا، وكتصويب ما غلط فيه أهل الكتاب في كتبهم المحرفة ، والأمر كما قال الله تعالى :"يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير " ومن أراد أن يشكك في هذا فنحن لمسلمين له بالمرصاد ..ومنجنيق الحقائق معدّ للرمي ..

17-وقد كانت حاشية سيرته المصطفوية التي هي مجال للتطبيق العملي :متمثلة في الشروح العملية لمن كان على نهجه : وهم الصحابة ونحوهم ، ودل دليل حسن العاقبة لهؤلاء على أن مجرد اتباعه علامة على الفوز والفلاح والظفر ، ومظاهر ذلك مما يعز ذكره وحصره ، في قاعدة مستمرة لا تتخلف ، طردا وعكسا ، والمعنى أنه متى وجدت المتابعة للنبي :وقع النصر والظفر والتمكين والسؤدد مع قلة العدد والعتاد ، وإن تخلف هذا الشرط وقع الفشل والهزيمة والانتكاسة وإن بكثرة العدد والعُدة ..على مر التاريخ ..وهذا مخالف لقوانين العسكرية الطبيعية

18-وقد بلغ أمر نبوته من الجلاء أن ذاته الشريفة وما في وجهه من بهاء ونور وإشراق ، كانت هي نفسها دليلا سائقا بعض أهل الفراسة والنظر والعلم ان يعرفوا حقيقة نبوته ، ولهذا قال الحبر اليهودي عبد الله بن سلام :فلما استبنت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، فغدا بعد ذلك الصحابي :عبد الله بن سلام رضي الله عنه ..وكذلك وقع لغيره

19-وفي متابعة فصول سيرته العطرة من آداب قضاء الحاجة.. إلى قتال العدو :سِفر للفضائل النبوية كما مر ما يمتنع معه أن يتوهم عاقل فيه شبة الكذب ، ولكن فيها أشياء يحسن أن تفرد منها مثلا: نصره أبو طالب عمه ونافح عنه حتى مات، ثم نزل عليه "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " فلم يحابه على حساب الحق ،وحين أسلم أبو سفيان رضي الله عنه وكان يعاديه جدا ويحاربه ، قبِل منه وفرح وأولاه مكانته وأكرمه ، ولو كانت رسالته من تلقاء نفسه لكان انتقم لنفسه ، ولعلك تدرك أن الكاذب من أبعد الناس عن مفهوم "المصداقية" حال الانتفاع :أي إجراء الحق حتى على الأقربين دون محاباة ،ومنها زهده كوفاته دون ان يورّث شيئا ، وقال: نحن معاشر الانبياء لا نورث، فهذا من جهة زهد ينافي الطمع الذي هو غاية الكذوب ، ومن جهة تقرير لحقيقة شرعية تنبه على خصيصة في النبوة، ومنها تقديمه أبا بكر الصديق ثم عمر رضي الله عنهما ، والتلميح بخلافة الأول بعده دون أقاربه.. ..وقس على هذا النمط اشياء كثيرة ..فهذه كلها معالم للصدق

20-وثم صفات قلبية لا تجتمع مع الكذب بحال ، من أخصها التواضع مثلا، بيان ذلك :أن الكاذب على الله المفتري عليه بانه رسوله ، يمتنع معه أن يكون متواضعا ..لأنه لم يكن ليكذب على الله بهذه الجراءة إلا ان يكون بلغ من الطغيان الغاية ..وأيما ناظر في سيرته الطاهرة يبصر مواقع التواضع دون عناء..ويدرك معها سرا من أسرار الرفعة التي حباه الله..تبارك وتعالى

21-الكشوف العلمية الحديثة التي أخبر عنها النبي (ص) في وقت يستحيل معه أن تكون الأدوات المعرفية وافية بالبتّ فيها إلا في عهد قريب..وهذا ديوان طويل في القرآن العظيم وفي سنة النبي (ص) الغراء ..وما يزال كثير من خواص الغرب إنما يسلم لأجل هذا ..

22-تراه صلى الله عليه وسلم ينفي عن نفسه أنه شاعر ، مع أن الشعر ممدحة عند القوم وسوقه فيهم رائجة..، نفى ذلك..لأي شيء ؟ بكل يسر :لأنه لم يكن كذلك ..لأنه صادق لا غير..فلو كان كما يزعمون لكان يسعه أن يجاريهم فيقول:أنا شاعر أهدي إلى الحق ..! ولكن حاشاه عليه الصلاة والسلام..أن يقول غير الحق..وقس على هذا غيره من المواقف ..

23-ومما يدل على صدقه عليه السلام تشديده جدا في شان الكذب وشين أهله ، وكان يحرم الخيانة حتى مع العدو كما في وصاياه في الغزو ،بل حرم الكذب حتى لو كان لأجل الترفيه والمزاح ، وكان مزاحه كله صدقًا ..،ولو ذهبت تجمع ما يتعلق بذم الكذب والحث على الصدق من الكتاب والسنة لخرجت بسفر واسع ..ومن كان هذا حاله ، دل على فيضان معاني الإخلاص والصدق في نفسه الشريفة الشفيفة