عياض
07-06-2013, 11:14 PM
بعد ثورة أجمع الشرق و الغرب على الاشادة بها في مصر جعلت
الحكم برضا الناس بمصر بشكل لم تعرفه هذه البلاد منذ أيام
الخلفاء الراشدين , لم تتأخر تناقضات هذا المجتمع الشرقي
المتخلف في الظهور , تناقضات موروثة من تراكمات اجيال
تطاول عليها الأمد مدة قرون أورثت فيها أمراض العصبية و
الاستبداد و الغرور و النخبوية المعرفية و الفرقة و
الغنوصية و الكلام و الخرافات و الفساد الاداري و الاقتصادي
...لم يكن الاستعمار الا صفعة طبيعية أجمعت الكتب
السماوية على حتميتها الطبيعية حين يفسد الجسم و يفقد
القدرة على التداعي بين اطرافه ...ثم ما لبثت هذه
التناقضات ان توارت بحجاب الديكتاتورية التي حرص
المستعمر الغربي ان يتركها كحارس له على هذه الجسم
المريض المنخور المخدر ...حتى أذن الله بانعاش هذا الجسم
مرة اخرى و بعث نوع من الحركة فيه , و الحتمي كان ان
تنبعث مع هذه الحركة -شأن كل حركة - التناقضات و
الدماميل الكامنة , و ما تستصحبه من آلام و صداع و ضعف
رِؤية , و كان الحتمي ايضا ان يتحرك المستعمر القائم على
هذا الجسم و الأكثر وعيا و قوة منه من محاولة توجيه
الحركة مرة اخرى الى الخمود و التخدير و تقييح ما امكن
من هذه التناقضات المتراكمة كونها اكبر القيود المانعة
لهذا الجسم الشرقي من استرجاع قوة التداعي و بالتالي
استرجاع عافيته
قد لا ينازع الكثير في ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد
وجد نوعا من الجاهلية المماثلة بشكل افظع و اكثر تقيحا,
كانت الوصفة التي أتى بها سابقة لعصرها بشهادة الكثير. و
كانت النموذج الأمثل لصناعة مجتمع متجانس بحسب كثيرين
آخرين , كانت الوصفة بكل بساطة تعتمد على ما سماه بعد
ذلك عدد من خبراء فلسفة القانون و الفقه في الدولة
الأموية و العباسية بمبدأي السنة و الجماعة , مبدأ من
الناحية الفلسفية يلامس عمق النظرية المعرفية
الانسانيةللوجود في مختلف فروعها العملية و العلمية في
تناولها للجمع و الفرق و التي تناولها بالبحث المتفسلفة
السياسيون الأوائل في اليونان و دهاقين الفكر الثنوي في
فارس القديمة و اعيان الرهبان الحرانيين في الهند و
العراق...و هذه الروافد ما زالت للأن مصدر الالهام الرئيسي
للفكر السياسي القانوني العلمي و حتى الفكر الطبيعي في
العالم المعاصر , كان ذلك الشاب المتجرد في صحراء فاران
العربية قد بدأ العمل على تكوين جماعة ستكون النواة
الأولى لدولة الديانة الجديدة , وحرص لعشرة اعوام كاملة
على ان يبث فيهم مفهوم هذين المبدأين دون ان يتطرق
لغيرهما , مبادئ الأمانة و العدل و المساواة و التعبير عن
الرأي و الشجاعة عليه و حسن اعتبار المخالف و اهم من كل
هذا مبادئ العبودية لمن يستحق, و الحرية عن كل ما سواه ,
كان هذا المبدأ الأخير هو الذي قام هذا الشاب بربط كل
منظومة القيم الأولى به على اساس مبدأي السنة و الجماعة .
او الفرق و الجمع , او الوحدة و الكثرة و تمثيل كل ذلك
بكلمتين جعلت الشهادة المعبرة و الباب للدخول الى هذه
المنظومة الحضارية الجديدة : لا اله الا الله محمد رسول الله ,
كانت الشهادة الوحيدة التي كان يطلبها من الناس و لا يطلب
غيرها و لا يتجاوزها الى ما سواها لما كان حصيلتها تتضمنه
من المفهوم الفلسفي الوجودي القيمي المعرفي العميق لضمان
خلق الاجماع و المحافظة على حق الاختلاف...تتمثل تطبيقاتها
العلمية في الفناء و التحرر عن كل الأدلجات الانسانية و
التفرقات و التحزبات المعرفية و في نفس الوقت عدم اعتقاد
امتلاك الحقيقة المطلقة الا ما اتى من الحق المطلق الخارج
عن كل البشر و الذي لا يتمثل واقعا الا في ما رآه كل افراد
الرائين مجتمعين لا فردا منهم و لا جهة و فئة و لا طائفة
منهم , و في الناحية التطبيقية العملية تجلت اثرها في
الجرأة التامة على التعبير عن الرأي في تصحيح ما يراه
الفرد خطأ و في نفس الوقت اعتبار مجمل الآراء و عدم
الزامية رأي على أخر الا الزامية ما تراه الجماعة كلها
...كانت نظرة سياسية علمية فلسفية متطورة جدا ما زالت
تسبق عند الكثيرين نظرتنا المعاصرة لمفهوم الاجماع
الدستوري و الاختلاف الفقهي في صنع البيئة الديموقراطية
لتسيير و تكييف الجماعات الانسانية ....
نعم..لعل من يُقرأ الآن يتذكر الآن مصطلحات الاجماع و الاختلاف
و كتبها المصنفة على مختلف العصور الاسلامية في اعتبار
اهمية هذين العاملين في صناعة و صياغية الصورة الاجمالية
للقانون الضروري للمحافظة على حيوية جسم الأمة, هذه
التربية المغروسة في نفوس الرعيل الأول في العصر المكي و
لم ينزل حتى تحريم الخمر و لا فرض الحجاب و لا حتى تجريم
الزنا و السرقة و القتل و الحدود و غيرها مما يقاتل
الناس عليه و يستعجلونه قبل ما هو أهم و اولى , هذه
التربية ظهر دورها المهم بعد موت المربي صلى الله عليه و
سلم و انتهت مرحلة جمع السلطات كلها بيد واحدة لتنتقل
الجماعة الى مرحلة حكم نفسها بنفسهاو توزيع السلطات ,
فكان اختلاف السقيفة الذي ظهر كيف ان هذه الجماعة الأولى
كانت تدرك جيدا قيمة تعبير كل واحد عن رأيه و البحث عن
خلق الاجماع و تلمسه و الانطلاق منه الى مرحلة اكبر تمتن
فيها الاجماعات دون اهدار اي خلاف او كما نسميه اليوم دون
اي اقصاء , ثم لما بدأت حروب الردة اختلفوا اولا لوعيهم
بمفهوم الجماعة ثم لما تبين لهم اجماعا ان المخالفين
قائمون على مفهوم الدولة اصلا اي هدم اصل الجماعة بعد ان
هدموا اصل السنة , لم يختلفوا و اجمعوا على اعادة الدولة
و هو ما يفسر لم ادمجهم الخليفة الثاني باجماع في الدولة
بعد ان قضي على شوكتهم و قبلوا الاختلاف من داخل الجماعة لا
خارجها , هذا الوعي الذي غدته احاديث متكاثرة معتمدة على
ايات متضافرة كثيرة في الكتاب تنص على الاعتصام و عدم
التفريط في الجماعة و عدم الخروج عليها مهما رأى المرء
المصلحة في خلاف ذلك مع عدم السكوت عما يرأه المرء حقاو
عدم اهدار حق التعبير و الاختلاف ما لم يخرج عما اجمعت
عليه الجماعة اجماعا تاما , دون اي اقصاء او اهدار...هذا
التجانس القوي بين هذين المبدأين الديموقراطين حين اسس
في هذا الرعيل الأول على رضا الناس من خلال الالتزام بشرعية
اختيار الناس و رضاهم المنصوص على التزامها ايضا في نصوص
متواترة معنويا عن منشئ هذه الأمة صلى الله عليه و سلم ,
افضى الى ازدهار مهول في عهد عمر بن الخطاب لما اكتسبه
هذه الجسم المتسع من قوة بعد قوة بعد ان استقامت حركة
الناس الجماعية في اتحاد الهدف مع حسن ادارة
الاختلاف....فحفظ لنا هذا العصر اختلافات فقهية و علمية و
اخلاقية ثرية و غنية وصلت الى حد التدافع القوي مع
المحافظة على الاجماعات التامة و عدم اقصاء اي طرف و خلق
اجماعات و توافقات اكبر و اقوى من جمع القرآن الى تمصير
الأمصار الى اقامة الدواوين الى تعليم العلم ارسال الجيوش
و تتميم الفتوحات و توسعة الدولة و انشاء مدونات
القوانين و ارساء القواعد الكبرى للقانون و حفظ الأقليات
و ادماج المهاجرين و الشعوب الجديدة... و غيرها من
القرارات الكبرى و التي تحتاج الى وعي جماعي في الطبقات
الاجتماعية جميعها بمبادئ الاجماع و الاختلاف لكي يمكن
اتخاذها دون عراقيل او تماطلات...
ثم بعد هذا العصر حدث نوع نقص و تفريط في في تعقل و نشر
هذه المبادئ الاسلامية الأولى , ما أنتج معه اول فتنة ستخل
بأحد هذين الأصلين حتى تأتي على الآخر, فكانت بعض الأخطاء
من القيادة المنتخبة الجديدة في تسيير الادارة اتفق معها
بعض الصحابة و اختلف معها البعض الآخر ما ادى الى مظاهرات
متزايدة للضغط على القيادة للتعديل من سياستها , الأمر
الذي رفضته اول الأمر هذه القيادة لكن مع الضغط بدأت
مفاوضات بين القيادة و رؤوس المتظاهرين و المعارضين ..و
تخللتها قرارات من هذا الطرف او ذاك بزيادة الضغط لتحقيق
اكبر قدر من العدالة كما يراها هو , لكن لحد الآن دون ان
يلجأ احدهما الى العنف او رفع السلاح و الاكتفاء بالتدافع
السلمي للتغيير وعيا من الجميع بمبدأي الاجماع و الاختلاف
او السنة و الجماعة في ادارة الاختلافات , لكن خلف من
بعدهم خلف لم يعيشوا الجاهلية الأولى و فرقتها و آلامها
غياب الدولة الجامعة و قيمة التغيير من داخل الاستقرار ,
و امدتهم فلول انظمة سابقة قضت عليها الدولة الجديدة في
فارس و العراق و الشام و مصر , فطالبوا رأسا بانزال
الرئيس المنتخب و الحائز على الرضى الشعبي دون تركه ليتم
ولايته الشرعية التي كانت بحسب مبادئ الجماعة المتفق
عليها آنذاك دستوريا لا تنتهي الا بعزل نفسه او الموت او
ان يرتكب خرقا ظاهرا بينا خارقا لاجماعهم او على تعبير
الحديث: الا ان تروا كفرا بينا عندكم...-و سطر كبير تحت
كلمة تروا و كلمة عندكم -من الله فيه برهان...او ما يسمى
في ادبيات فلسفة اصول الفقه بالاجماع المستند على نص
ظاهر...و هو نفس مبدأ العزل في الفقه الحديث المستند على
الحكم من محكمة عليا ببطلان الولاية استنادا الى خرق لنص
دستوري واضح...
و هو ما اتضح من نقاش بعض الصحابة الذين ناقشوا عثمان في
عزل نفسه و ظهر بقوة اجماعهم انه لا ينعزل الا بعزل نفسه و
ان كانوا لاموه ايضا على تأخره في طرح مبادرات عزل اقاربه
قبل ان يرتفع سقف المطالب و لكن كان هؤلاء جميعا على وعي
مما يستشف من كلامهم و حواراتهم الموثقة ان بفقدان
الشرعية الممثلة لرضا الأمة جميعا دون اقصاء و فرض فريق
لرأيه بالعنف و القوة دون احترام لحق الاختلاف و الاجتهاد
لن تنتج الا فرقة و خلافا سيؤدي بطريقة طبيعية الى الحرب
الأهلية و هو ما سيحدث بعدها ...
فكان كسر الباب كما سماه حذيفة رضي الله عنه , بكسر هذا
التوافق و الائتلاف و رفع السيف , بظهور اول فرقة اسلامية
قتلت الرئيس المنتخب و اعلنت مفهوها المغاير لحرية الرأي
و انكار المنكر الذي لا يراعي الا اصل السنة دون اصل
الجماعة , و افضى بها هذا الى هدم اصل السنة الدستورية
المتوارثة ايضا من اعلانهم مبدأ الاقصاء و الاخراج من
الجماعة بأقل ذنب و اهدار الخلاف و معه اهدار الدم بأقل
خطأ في الاجتهاد ...فاحدثت هذه الخطوة رجة عظيمة اذ لم
يكن المجتمع المسلم المتجانس انذاك معتادا على
غيرالتدافع السلمي و الأثر القوي و الزلزلة الكبيرة لهذا
الحدث غير المسبوق من رفع السيف للتغيير كان اشبه
باغتيال كينيدي مثلا و اثره على مجتمع ديموقراطي متجانس
انذاك كالمجتمع الأمريكي, هذه الزلزلة كان طبيعيا ان تنتج
بعض حظوظ النفس و التقصير و بعض الاستبداد بالرأي و
شهوة الحكم و التسرع في المعالجة لطبيعة النفس الانسانية
المطبوعة على العجلة و الخطأ...اخطاء مرتكبة من بعض
الصحابة و غيرهم ما اجج اكثر هذه الخلافات في خلاف معاوية
و علي رضي الله عنهما و في قتال الزبير و مروان و الحسين و
غيرهما رضي الله عنهما ما كان نتيجته مع بعض التقصير ان
انتقض هذين الأصلين في ادارة الحكم و فرض الحكم الجبري
العاض دون اعتبار رضا الأمة جميعا و هو ما كان حذر منه
اغلبية الصحابة الذين اعتزلوا كل هذه الاختلافات و
اعتبروها نزاعا على الدنيا لا تراعي اصل الآخرة من
المحافظة على اصل الجماعة و السنة معا و لهذا استقر
اجماعهم بأخرة بخلاف يسير عند فقهاء المدارس الفقهية
الكبرى على ادانة الخروج المسلح على الحاكم و اعتبار اصل
الجماعة و الطاعة و الصبر على الحاكم حتى يتم ولايته ما
دامت الولاية برضا الأمة اولا و بعد تمام ولايتها لا يولى
غيره الا برضاهابغض النظر عن التوقيت و الطريقة التي
ترتضيها الأمة للتداول السلمي للسلطة و دون ان يعني منع
الخروج المسلح المنع من الانكار العنلي و التعبير عن
الرأي جماعات و افرادا طول مدة ولايته و جعلها اكبر
الجهاد , و هذا الأصل من كبار فلاسفة القانون السياسي
الاسلامي هو الذي يجمع بين كافة عناصر النصوص السياسية و
هو الذي يجد تطبقياته منسجمة في تصرفات الرعيل الأول,و
لهذا كان هؤلاء لا يدعون الصلاة حتى مع الخوارج الذين خرجوا
على الشرعية و مناكحتهم و مجالستهم و التبادل الثقافي و
العلمي معهم حتى لا تضيع هذه الثقافة الديموقراطية بينهم
, مع ضمان حق الاختلاف و التعبير عن الرأي لكل واحد و
التحذير من الطائفية مما حذرت فيه نصوص كثيرة من التحزب
و التفرق و التسمي بغير اسم الدولة الرسمي الجامع لكل
الجماعة الاسلام ....لهذا كان من اصلهم عدم الدخول بين
الصحابة و ما شجر بينهم لأن تطبيق هذين الاصلين يجعل
الانسان واقعيا عمليا لا يعيش في الماضي و انمايستفيد منه
ليعيش حاضره و يبني مستقبله , فلهذا لم يكن يهمهم من كان
على حق و تحقيق من كان لديه الحق و انما المحافظة على
اللحمة و تمتين الجماعة و تحقيق اخف الأضرار دون اقصاء اي
مكون من مكونات الدولة حتى الكافر و المنافق و الذمي و
غيرهم مادام لا يعمل لشق عصا الجماعة كلها ,
الا ان الفرقة الطائفية الثانية التي لم تراع ايضا احد
هذين الأصلين و هم الشيعة ابت الا المضي في وضع ما رأوه هم
اصلا يبنون عليه كل ما سواه دون اعتبار موقف الجماعة كلها
, فانتقلت من غلوالى غلو حتى محت اصل الجماعة بعيشهافي
الماضي و مآسيه و محت اعتبار رضا الأمة و اجماعها الزمتها
بان يحكمها معصوم بعد معصوم لا يعتبر غير النسب في احياء
لنظرية الدم المقدس في الحضارات الفارسية القديمة , ومع
التطبيق الرجعي لهدمهم لأصل الجماعة كفروا الجماعة الأولى
الا قليلا و بالتالي اهدروا اجماعهم و بالتالي اهدروا
القيم و السنة التي انتقلت من خلالهم , و انتقل الناس الى
استقطاب سياسي عسكري طائفي حاد بين الخوارج و
الشيع...مع تنامي الفساد الاداري و المالي بنقض الشرط
الأول في الحكم رضا الأمة في التولية و الذي ينقض اساس
المحاسبة , ما اضعف مع الوقت جسم الدولة بين تناقص
التعبير عن الرأي و استعظام الاستبداد و توابعه من
الاستبداد و كثرة الخروج العنفي و رفع السيف و انتشار
الطائفية الايديولوجية و السياسية , بعد ان كان الجميع
منتميا لأصل الوطنية الأول الا وهو اسم الاسلام دونما شيئ
سواه حيث كان الجميع يتعلم من الجميع و الجميع يستمع
للجميع , دون ان تكون هناك طبقة من الخواص علميا و
سياسيا و التي نشات من بعد فبدأ جنوح الناس الى التقليد
و بدأت قلة الابتكار من الدولة العباسية و نقص التواصل
بين طبقات المجتمع مبتعدة عن الوسطية البسيطة التي كانت
اساسا في اشتراكية المعرفة بين جميع الطبقات الاجتماعية
دون السقوط في قتل الابتكار المعرفي و المنافسة الاقتصادية
اعتمادا على بناء المنظومة القيمية المجتمعية اساسا على
الأصلين السنة و الجماعة ....لهذا كان من حسن نظر الخليفة
عبقري الادارة عمر بن عبد العزيزالاشراف على مشروع بث
السنة في طبقات المجتمع حتى يمكن بث اللحمة بينها ببث
التواصل المعرفي الذي سيوفر بيئة افضل للاجماع و احترام
الاختلاف و تقليص الهوة التي كانت بدأت تنشأ بين الخاصة و
العامة ....
هذه الهوة الناتجة عن التقليد بعد عصر كبار مؤسسي
المذاهب الفقهية التي بدأت طفيفة مع انصراف الناس الى
الملاهي مع حياة البذخ و الترف الاقتصادي و انصرافهم عن
سياسة واقعهم , ستدعمها حركة الترجمة الكبرى التي جرت
بعيد النهضة العلمية الكبرى للرشيد و ما تقتضيه حياة
البذخ كما نص النبي صلى الله عليه و سلم من الترف المعرفي
و العلمي فبدأت البحوث و التعمقات في مجالات معرفية خاضت
فيها الأمم السابقة و لم تكن لها اي ثمار معرفية تطبيقية
مباشرة , و حتى ذلك العهد كانت البحوث في هذه الميادين
على هامش البحوث في العلوم الطبيعية قد تناسلت و تكاثرت
في العهد الأموي مع خالد بن معاوية و من اتى بعده لكنها
كانت مقبولة في دائرة الاختلاف في المجتمع المسلم ما دام
لم يتعد الأمر الى ادخالها في ما اجمعت عليه الأمة و
بالتالي السعي الى فرضها على بقية الناس , كما كانت جميع
افكار الطوائف تتناسل و تتطور دون ان تسبب فتنا اجتماعية
لكون الجميع كان ملتزما بما تحته عمل و ما اجمعت عليه
الأمة كلها دون ان يبحث احد فرض ما يراه هو او جماعته على
غيره بقوة السيف ما خلا من خرج من الشيعة و
الخوارج...فكان افراد التابعين و كبارهم يحذرون فقط من
الاشتغال بالبحث من هذه الميادين لانعدام ثمارها , و ان
كان قد يحدث من بعض الأمراء لدوافع سياسية ما يهدد هذا
السلم الاجتماعي قتل و ازهاق روح لزعماء هذه الطوائف خاصة
نتيجة انتشار ثقافة الاستبداد مع توالي الحكم العاض و
تبرير نظرية السكوت امام الحاكم , لكن لم تكن قط هذه
الأفعال الاستبدادية تجاه الطوائف الاسلامية محل اجماع و ان
ادعاه كثير من الناس قديما و حديثا فسرعان ما كان
المجتمع الاسلامي يعود الى السلم الاجتماعي و محاولة الدخول
فيه كافة بعد كل فتنة تتلي خروجا من احد من هذه الطوائف
و الاعدامات لأحد امرائها او مفكريها...
لكن كل الأمور تغيرت مع وصول الشاب الفيلسوف المأمون و
وصول طائفة المعتزلة معه و لأول مرة أصبح ما كان قبلا
ممارسة استبدادية معزولة من السلطة الحاكمة او من فقهاء
معينين او من طوائف اديولوجية مع عدم متابعة جميع الأمة
له و الاعراض عنه , اصبح خطا رسميا للدولة حاولت معه خلق
اجماع بالقوة مخلة باصل السنة و الجماعة المذكورين من
عدم احترام الاجماع و الاختلاف ... و الحفاظ على اللحمة
التي تشد بين جميع مكونات المجتمع المسلم بكل طوائف دون
اقصاء حتى منافقوه و كفاره ما لم يسعوا الى تفريق جماعته
, دون ان يعني هذا ان يضيع الحق و بيانه من بينهم كل من
وجهة نظره و عدم خرق الاجماع و القيم الكبرى الواضحة
الظاهرة المجمع عليها الذي لا تجد عضوا في هذا المجتمع الا
و يعلمها كما يقول الامام الشافعي عن معنى السنة و الاجماع
المخرج من الملة مخالفته ...كان هذا الجهل المتناقص بهذه
القيم التي تجعل سياسة الأمة لعلمائها و رؤوسها و وجهائها
و عقلائهاو امرائها سياسة شعبية شاملة غير اقصائية و
الموروثة في الأحاديث و الايات المتواترة هو الجهل الذي
حذر منه النبي صلى الله عليه و سلم و نبه الى نقصه حتى
حمله من حمله بعد الفتن الى تناقص العلم بالحديث و الله
أعلم لا يريدون به الا ما في نفس السنة من التنبيه على اصل
الجماعة و ما في اصل الجماعة من ضمان السياسة السلمية
القويمة لنشر السنة بالتدافع السلمي ....هذه الثقافة
الديموقراطية الواقعية النفعية و النقص فيها هوما ادى
الى هذه الفتنة الكبرى الثانية في عهد المأمون و التي
ارتكبت و كررت فيها نفس ا خطاء الفتنة الكبرى الأولى,مع
الفرق ان الافتئات على المبادئ الديموقراطية كان من الشعب
على الدولة , و الان الافتئات بالعكس..من الدولة على
الشعب...و التي غادر فيها المأمون سياسة ابيه العاقلة من
عدم ا نحياز الدولة الى فئة من الفئات او طائفة من
الطوائف و ان على الدولة ان تمثل جميع طوائف المجتمع دون
اقصاء و ان تلتزم بحفظ شرعية اجماعها , اجماعها الدستوري
على المبادئ التي لا يخالف فيها احد منها حتى يؤدي
التدافع السلمي و الاختلاف السلمي الى خلق اجماعات جديدة
فتلتزم بها مع الزمن , و هذا لب السياسات الحديثة و الذي
كان موجودا قديمافي اول هذه الأمة و لم يكن تفقهه الطوائف
التي استعدت الدولة على غيرها , و اقامت له الدولة اول
محاكم تفتيش عقدية بعد ان كان في عرف الجماعة امتحان
العقائد و الأفكار مستشنعا لانتشار هذه الثقافة العملية
بينهم من ثقافة التعايش السلمي دون البحث عن اثارة الفتن
و التحزب و التعصب داخل المجتمع , و اكثر ما كان مستنكرا
ان رجال الفكر و القانون و التاريخ و الأخلاق قبل هذه
الفتنة اصلا كانوا يسفهون الدخول في هذه المجالات اللاهوتية
الغيبية و ينهون عنها و لا يرفعون لها رأسا و يعتبرونها
مضيعة للوقت و يصرون على سياسة علمية علمانية نفعية من
فصل الغيبي اللامعرفي -الا ماما اخبر به نفس صاحب الغيب-
عن الواقع الفقهي السياسي و يحثون على تعلم ما تحته عمل
بتعبيرهم , فكانت هذه الفتنة الكبرى الثانية مناقضة
تماما لنظريتهم النفعية الاجتماعية التي ورثوها جيلا بعد
جيل و ان كان نقص العلم بها هو ما ادى الى هذه الطفرة
العلمية الاستبدادية و التي ستنتج من الناحية الأخرى ردة
فعل استبدادية من الطرف المخالف من اهل الحديث و الفقه
حين سيتولون الحكم ايضا و سيسعون الى نفس ما فعله من
قبلهم من فرض ما يرونه صحيحا كاجماع للأمة فيما ليس فيها
اجماع , و عدم اعتبار واقع الاختلاف المعاش و الاستعانة
بالدولة لفرض الرأي و الأخطر الدخول في الجدل و الجدال
بحجة الدفاع عن الاسلام في هذه الميادين الغيبية اللاهوتية
اللانفعية التي لا يعرف لمن قبلهم اصلا من الجماعة المسلمة
الأولى اختلاف فيها , ما سيؤدي الى انتقال نفس امراض
الاستبداد اليهم و سينتج فيهم ما انتج في غيرهم من الفرق
الاسلامية و الطوائفية الى انقسامات و تحزبات و تفرقات في
نفس الأغلبية التي كانت ورثت ثقافة اصلي السنة و الجماعة
, و تناسلت من كل هذه الفرق فرق اخرى استتبعها انشغال
الجميع في حروب طائفية علمية و فتن عنفية لا تدور رحاها
الا حول مواضيع لاهوتية غيبية لم يكلفوها و ليس عليها من
دلائل مادية واقعية يمكن ان تحسم الخلاف فلم ينحسم الخلاف و
لم ينتج الخلاف الا خلافا اكبر و قلت بل انعدمت صناعة
الاجماعات الواقعية العملية النفعية و احترام الاختلاف
الواقعي مع الاشتغال بهذه الميادين المجردة الغيبية
الخارجة عن مجال العقل المحض و التي ليس لأحد منهم فيها
ممن هو فوق العقل سلطان, و مع تمزق العقل الفاعل في
المجال المعرفي استتبعه التمزق اكثر فاكثر في العقل
السياسي و الأخلاقي فانتشرت الدويلات الاستبدادية و الطرق
الأخلاقية الاستبدادية كل حزب بما لديهم فرحون و كل طائفة
تكفر غيرها وتعلنها و تخرجها من الجماعة , نتيجة اختلال
التوازن بين الاجماع و الاختلاف , و البعد اكثر فاكثر عن
الانتاج المعرفي الواقعي العملي الذي طغى عليه الانتاج
الميتافيزيقي الغيبي الذهني و كثر التناحر عليه و كثرت
الاختلافات فقام كبار المفكرين و المجددين في محاولة ترقيع
هذه الفتن و العودة الى الأصل الأول و نعوا هذا الاختلاف و
التناحر الغير المثمر في كلمات مشهورة كان اشهرها ما
كتبه الغزالي و ابن رشد و ابن تيمية وغيرهم ...مع ان كل
فرقة من هذه الفرق لم تر في حسم هذا التناحر الا الوصول
الى السلطة و فرض رأيها على الجميع باسم الدين مستخدمة
للسياسة دون مراعاة عدم اقصاء الغير و مراعاة نقص
المعرفة و الجهل و اختلاف الحال و الأحوال, و الزام جميع
الناس تقليد جماعة او قادة دينيين او سياسيين او دولة او
مذهب لا يمثل الا فئة من المجتمع المسلم ...فاعلنوا قفل
باب الاجتهاد و الزام الناس بقوة القانون و الدولة بمذهب
فئة واحدة او طائفة واحدة دون وجود اجماع دستوري واقعي
توافقي يسنده ...كما حدث في اليمن مع الزيدية و في
العراق و خراسان مع الصفوية و في مصر مع الفاطمية و في
المغرب مع المهدوية و الظاهرية و في الشام مع الأشعرية و
في الهند مع الامامية وهكذا...فلم يورث الاستبداد الذي هو
في اصله فرض اجماع بالقوة دون اساس واقعي و اهدار قيمة
الاختلاف الى مزيد من التشرذم و الاختلاف و التناحر , و ان
كان في فترات اخرى تخرج دويلات تصدر منشورات و قوانين
تمنع الجميع من الخوض في الفتن و ان الدولة لا تلتزم الا
ما يجمع عليها افرادها دون الدخول لتأييد طرف او اخر كما
هو شأن المنشور القادري او منشورات نظام الملك او
منشورات بعض البويهيين او صلاح الدين او بعض ملوك الأندلس
او منشورات نور الدين زنكي و غيرهم مما يكون اسبابه
الطبيعية غالبا تعرض الجسم الاسلامي لغزو خارجي يوقظ الوعي
الجمعي بخطورة هذه التحزبات و التفرقات ....
الا انه مع تغلب الجسم الاسلامي برغم هذه الأمراض على الأخطار
التي طوقته من الشرق و من الغرب من جحافل الصليبيين و
المغل ...فما لبثت كثير من هؤلاء الغزاة ان اندمجوا في
نفس الجسم و قلت الأخطار فعادت هذه الفرق الى تعميق
خلافاتها و تخدر معها اكثر فأكثر العقل الاسلامي الجمعوي و
ابتعد مع القرون و طول الأمد عن واقعه المعاش بانغماسه
كافة طبقاته تقريبا في المجال الغيبي اللاهوتي
الغنوصي...و انتشرت الغنوصية في كل الجسد المسلم من شرقه
الى غربه الا قليلا حتى افضى باكثر طبقاته المثقفة و
الواعية الى الحاد غنوصي نرجسي يرى في نفسه نهاية
التاريخ و العالم , ناطقا بلسان حاله انه رب هذا العالم
و سيده الخفي و المتصرف فيه, و هو امر قد يبدو مبالغا
فيه لكن ان تأملت مصنفات المشهورين النخبة في القرون
الأخيرة فلن تجد من يسلم منها من هذه الغنوصية التأليهية
الاستبدادية الالحادية الا قليلا ...و حتى الحركات التجديدية
العملية النفعية الاصلاحية التي خرجت في ايران والهند و
نجد و مصر و اسطنبول و المغرب لم تلبث ان غرقت في نفس
امراض الطائفية الاسلامية و لم تستطع الوصول الى التحرر
التام من قيودها الاستبدادية فاستوطنت بعضا من فيروساتها
في تاويلاتها الخاصة للولاء و البراء او للدخول و الخوض في
المجال الغيبي الكلامي اللاهوتي او في التبرير للعبودية و
الاستبداد السلطوي فلم تلبث ان تفرقت فيما بينها نفسها و
فشلت و تنازعت و ذهب ريحها و اصبحت سهلة للتلاعب بها من
عدوها بعد ان اغرى بينها كما فعلت الدولة الانجليزية فيما
بين الوهابية و الدولة العثمانية و الصفويين و القوميين
العرب و دولة محمد علي ....
و بعد؟؟...بعد هذه الثورات العربية استبشر الناس و
بدؤوا يتفاءلون أن فجر الشرق اوشك ان ينبثق بعد ان
ادلهمت فيه الخطوب , و ان ليس بعد هذا الضيق الا الفرج
سنة الله في خلقه , نصح كثير من الناس الاسلاميين و
الليبراليين و الاشتراكيين الذين كانوا قبلا يحلمون فقط
بحرية التعبير ان لا يستعجلوا , و ان امراض هذه الأمة
تحتاج مددا متطاولة من العمل و البناء و ان لا مجال لفرض
الرأي و لا التكفير و لا رفع السلاح و ان فينا منافقون
سماعون للغرب و ان ليس الشأن الاشتغال بهم او البحث في
تكفيرهم او البحث في اقصائهم ما لم يفعله النبي صلى الله
عليه و سلم للحفاظ على اللحمة و صورة الجماعة و المجتمع
و الدولة ككل و ان استعصى تأويل هديه في ذلك على الكثير
من الطوائف الاسلامية التي لم تعتبر هذا الأصل ..و ان الأولى
خلق الاجماع بالحوار و التدافع لا بالاستعانة بالسلطة , و
استبشر الناس خيرا بعد الانتخابات التي حملت الاسلاميين الى
السلطة ان رأوا بوادر القاعدة لهذه العمل المشترك بين
طوائف الأمة جميعا , اذ شخصيا لم اكن اتصور ان فقهاء و
مفكرين من العيار الثقيل من الليبراليين و الاشتراكيين
سيقبلون الاسلام بشريعته كقاعدة للانطلاق و التعبير عن
ليبراليتهم و اشتراكيتهم من داخل الاجماع الاسلامي نتيجة
صدمتهم مما لم يكونوا ينتظرونه من ان اغلبية الناس تريد
بناء اجماعها على كتابها الذي تراه صحيح السند و المتن
لم يختلفوا فيه بجميع طوائفهم بعد بخلاف غيرهم في الغرب
الذي لم يجد اجماعا على كتابه فلم يبق له الا رميه وراء
ظهره ...لكن هذا ما حدث في اول الفترة الانتقالية ما كان
مبشرا بخير عميم مع الظاهرة الصحية من انعقاد المحاورات
بعد المحاورات بين جميع طوائف المجتمع حول هذا الاجماع
على الكتاب ....كانت النصيحة التي نصحها الكثيرون دون ان
يستمع لهم ان تجعل التيارات الاسلامية السلم الاجتماعي و
اصل الجماعة نصب عينيها و تسعى لتمتينه ما امكنها و ان
الزمها تقديم تنازلات ...و كان اولها نصيحة ان تتنازل عن
محاكمة او متابعة نفس رموز النظام السابق و عدم الاشتغال
بنفسية الانتقام , ليمتصوا ما امكنهم من جذوة الانتقام و
الحقد و الخوف من المتابعة التي ستكون البنزين الذي
سيحرك اقطاب النظام السابق المتخفين في اطراف الدولة
العميقة و الممسكين بدواليبها الى الاتحاد و التسريع
بوتيرة الثورة المضادة و التحالف مع القوى الأجنبية
للانقضاض ...كانت النصيحة ان يهتموا بثورة تغيير المبائ و
القيم لا بثورة تغيير الأشخاص, و ان اقطاب النظام السابق
مهما اجرموا فهم جزء من الجسد لا يمكن استئصاله و ان
الأولى تأليف قلوبهم بدل استعدائها مع ان رؤوس الأموال في
ايديهم و مفاتيح السلطة ما زالت في ايديهم و كثير من
الناس سماعون لهم مع انتشار الجهل و التعصب و الطائفية و
الحزبية امراض ستعرقل اي تقدم ديموقراطي معتمد على اصلي
السنة و الجماعة او اصلي الاجماع و الاختلاف او اصلي
المبادئ الدستورية و دستورية الاختلاف...و هو ما قام به
النبي الأعظم صلى الله عليه و سلم والجماعة المسلمة الأولى
الذي لم يكتف فقط بعدم محاكمة اقطاب النظام السابق الذين
اعتقلوهم و عذبوهم و قتلوهم و ارتكبوا فيهم مجازر و
نفوهم و مثلوا بهم و اخرجوهم من ديارهم , لا محاكمة ثورية
و لا محاكمة مدنية , بل لم يكتف حتى بالعفو عنهم و
اعطائهم الحرية في اموالهم و اعراضهم و حقوقهم , و لم
يكتف حتى باشراكهم في العملية السياسية الشعبية و ان كان
بنوع عزل سياسي عن المناصب القيادية , بل تخطت السياسة
النبوية الى ما هو اكبر من ذلك من تقديمهم في العطاء و
تأليف قلوبهم في الاعلام و منافع الدولة حتى امتص و تألف
اغلبيتهم ..و فسر للثوريين من اصحابه انه يسعى الى تبديل
المبادئ لا الأشخاص و انه تألف هؤلاء بلعاعة من الدنيا و
ترك هؤلاء الثوريين لمبادئهم التي هي ادوم و اكثر مكوثا
في الأرض...فكانت ثورة هذه الجماعة الاسلامية الأولى ثورة
نموذجية بكل المقاييس لا اعرف لحد الآن في تاريخ الثورات
ثورة نجحت في تحقيق اغلب اهدافها في وقت قياسي ...
في تونس و ليبيا و اليمن و المغرب اتبعت نوعا ما هذه
السياسة , لكن الثوريين العرب سواء الاسلاميين منهم او
الليبراليين الاشتراكيين في مصر لم يجرؤوا على مخالفة
المد الشعبي الذي كان ينادي بالقصاص ..فكان ان بدأت
المحاكمات و الخوف والذعر الناتج عنها مضافا الى الحقد
الذي لم يبرد بعد, وحد صفوف اتباع النظام السابق و نسقوا
جهودهم في الاعلام و دوائر السلطة التي يملكونها و تجمعات
الأموال الصناعات التي ما زالت في ايديهم و مراكز القضاء
التي ما زال فيها بعض المخلصين لهم و حاولوا ما امكنهم
شق صف الثوار الذين كانوا بدؤوا الحوار بعد الثورة فيما
بينهم للوصول الى ارضية مشتركة او الاجماع الأول للدولة
الذي ستنطلق منه نحو التدافع السلمي حتى يغلب مع الزمن
المبادئ القوية التي تنفع الناس و يذهب زبد الايديولجيات
جفاءا مع التداول السلمي للسلطة و استتباب السلم و
الحوار الاجتماعي, فكان هدفهم العمل ما امكنهم الى نقض
هذه الأرضية فحاولوا التفريق ما امكنهم بالضرب على نقاط
ضعف الفريقين مستغلين غياب الثقافة الديموقراطية و العلم
باصلي السنة و الجماعة عن الطبقات السفلى للمجتمع التي
هي وقود كل الثورات ...و كان ان ضربوا على وتر الثارات
بين الناصريين و الاشتراكيين و الاخوان و السلفيين باخراج
حقد كل طائفة على الأخرى , بشتى التخويفات ,. فمن تخويف
الاخوان من تحالف الناصريين مع الجيش الذي رباه عبد
الناصر اساسا , و من تخويف الاشتراكيين و الليبراليين و
الناصريين من استحواذ الاخوان بالسلطة و ان هذا هدفهم و
من تخويف الفريقين من السلفيين و انهم سيطبقون الشريعة
بدون سند شعبي و لا توافق و عمل على تحصيل الاجماع اولا او
ما يقرب منه . ومن تخويف السلفيين من اقصائهم عن العمل
السياسي و عدم العبء بهم و الحجر عليهم سياسيا و الصعود
على اكتافهم , مع اغراق الجميع في جزئيات لا يتطلبها
الواقع الآن من تطبيق جزئيات الشريعة و الحدود او تطبيق
العلمانية الصرفة و استيراد النماذج الغربية الكاملة
للحكم , ومع اللعب بصنابير الاقتصاد و التمويل و قطع
مصادر التغذية الأساسية و تجويع الناس و تعطيشهم و قطع
الكهرباء و الغاز عنهم , مع عرقلة اي قرار او جهد لتكوين
مؤسسات الدولة التمثيلية التي ستربط الناس بالحكم مباشرة
و بالتالي احراز اعلى نسبة من الرضا الشعبي الضامن
للتوازن بين اصل السنة و الجماعة او اصل الاختلاف و الاجماع
...و كان ان سقطت جميع هذه الأطراف في تعجلات دون روية و لا
استشارة فعظمت التخوفات وازداد الشرخ بعد ان نفذ صبر
الاخوان و هم يرون ان العام مر و لم تقم قائمة اي مؤسسة
تمثيلية للدولة فارتكبوا اخطاءا قاتلة نتجت اصلا من آثار
العقلية الطائفية الجماعية المتراكمة آثارها تاريخيا
عجلت بخروج البقية الباقي من الليبراليين و السلفيين من
البحث عن الأرضية المشتركة و توغير صدر كل فئة على الأخرى
و اخرجت كل هذه الفئات امراضها و تناقضاتها التي جعلتها
تعتقد ان الحق في صفها وحدها لا في صف غيرها و ان كان
الحق ان الفئة الحاكمة كانت اوسع صدرا و اكثر محاولة
لرأب الصدع لكن حظ النفس من الخوف ان تمر الخمس سنوات
دون ان يحقق الاخوان ما وعدوا به و فقدانهم شعبيتهم نتيحة
انطواءهم في مصلحة الجماعةالاخوانية و تغليبها على مصلحة
الجماعةالمصرية كلها اسقطهم في اخطاء اخرى و منعتهم من
التنازل عن بعض حقوقهم التي نالوها بالانتخاب او ان يعوا
انهم في مرحلة دقيقة اجتمعت عليهم فيها اعداء من الخارج
و الداخل فلا حاجة لتكثير الأعداء و ان تنازلت عن بعض حقك
لتألف القلوب كما فعل غيرهم في تونس وتركياو رغم ذلك ما
زال اعداؤهم يحاولون زلزلة الأرض من تحت اقدامهم....
كل ذلك مع عدم التزام كثير من الاسلاميين لأمر النبي صلى الله
عليه و سلم و هديه من الصفح و العفو في مثل مراحل
التشرذم هذه لتعذر تطبيق القصاص بحكم القانون فردوا على
بغي بمثله و شتيمة بمثلها , دفع الفلول الى ضربتهم
التالية العظمى بعد ان جمعوا الفئة المنشقة من
الليبراليين و الاشتراكيين و جعلوهم هم الواجهة و افراد
الجيش الذي اصلا ما كان يريد في واجهة الدولة
اسلاميايحرجهم مع القوى الغربية , و اضافوا عليهم بخيلهم
و ركبهم و استجروا معهم الآلاف الغاضبة من الجموع التي
انهكها الجوع و العطش و قلة ذات اليد و قلة الأمن و تعطل
تنفيذ وعود الاخوان ..جموع ليس لها اي ثقافة ديموقراطية
و التي لم تعشها من ايام حكم الخلفاء الراشدين , و لا
يعلمون ان الأمر الجامع بين كل التقاليد الديموقراطية و
الشرعية في كل التاريخ ان لا بديل عن اسقاط شرعية
الصناديق و اسقاط رئيس منتخب برضا نفس الأمة و نزع يد
البيعة منه قبل اتمام ولايته لا بديل عن هذا الا الحرب
الأهلية او سيطرة الحاكم المتغلب و عودة الديكتاتورية
...و لهذه الحتمية التاريخية فان كل الدول العريقة في
الديموقراطية تجد افرادها مهما احتجوا فلا يسعى رؤوسهم
الى اسقاط رئيس منتخب الا عبر الصناديق او المؤسسات
المنتخبة كسحب الثقة في البرلمان او عبر محاكم يرضاها
الشعب بنفسه يكون الحاكم قد اتى فيها بخرق دستوري عندهم
من الله فيه برهان ...و من حضر احتجاجات الاوروبيين و
الأمريكيين الذين اغرقوا فقراءهم في الديون و الأزمات لعلم
انه لو اراد جمع توقيعات باسقاط جورج بوش او توني بلير
او ساباطيرو او ساركوزي لجمع توقيعات اغلبية الشعب و مع
ذلك كان من نطق منهم باسقاط النظام بالقوة كانوا
ينتهرونه بأن هذا لا يجوز في شرعهم و انهم رؤساؤك الذين
انتخبتهم برضاك و اعطيتهم عقد بيعتك فيلزمك الصبر وا ن
اخذ مالك و جلد ظهرك الى ان تنتهي ولايته فتختار غيره ما
دام الحق في الانتخابات النزيهة مضمونا, و كذلك كان..
و هنا لم يكن , فدفعت افراد الليبراليين و الاشتراكيين
الذي كان كثير منهم صادقا في البحث عن حل لأمته الى ان
وجد نفسه يهتف باسقاط الرئيس المنتخب و مع الحمية لم
يمكن له ان يتراجع و لا للطرف المقابل ان يتراجع او
يتنازل و وجدوا انفسهم بعد الانقلاب يؤيدون ما كانوا هم
يدينونه في ايام مبارك , و يسكتون و كثير منهم يؤيدون و
يبررون افعالا في الحاكم الشرعي المعزول لم يبررها حتى
قادة الدول التي تمدهم بمخابراتها و دعمها للانقلاب على
الاسلاميين , فاعجب كيف ان القادة الغربيين ينزهون انفسهم
من قلب الحق باطلا امام شعوبهم حتى لا يذهبوا بثقافة
التناوب السلمي في بلدانهم فوصف كثير من القادة
السياسيين الغربيين و الصحافيين و الفلاسفة و الاعلاميين ما
يحصل بالانقلاب الواضح على الشرعية و ان ما يحدث مناقض
تماما للتقاليد الديموقراطية و سيقوض اسس السلم الاجتماعي
مع ان كثير منهم في خبيئة نفسه و في العمل السري
المخابراتي يدعم هذا الانقلاب و يتمناه , وحتى خرج صحافيون
و اعلاميون غربيون بعد اطلاعهم على تأييد نفس ما كان يفترض
فيهم انهم ليبراليون ديموقراطيون للانقلاب و الاعتقالات و
الاعلانات الدستورية , و تنصيب كرزاي مصري , و جمعهم في
سياق واحد لكل ذلك مع تاريخ الانقلابات من العلمانيين على
الاسلاميين في كل البلاد ..خرجوا بنتيجة يشمتون فيها من
الجميع قائلين . ان الشعوب الاسلامية و الاسلام لا يستحقون
الديموقراطية و ان لا حل لهم الا عودة الاستعمار من
جديد....و الحق انه حق لهم ان يشمتوا فما نراه الآن ليس
الا حكم الأحقاد و حكم حظوظ النفس و ان حاول كل طرف تبريره
كما قال عبد الله بن عمر عن المتنازعين في الحرب الأهلية ان
و الله كل منهما لا يقاتل الا لدنيا...
فان كانوا انتقدوا على مرسي اعلانا دستوريا واحدا لمدة
محدودة ففي يومين اصدروا ثلاث اعلانات دفعة واحدة , و ان
كانوا عابوا عليه تعيين نائب عام فقد عين رئيس دولة كامل
بدون استشارة احد , و ان كانوا عابوا عليه تعطيل بعض
مواد الدستور القديم فقد عطلوا دستورا كاملا مصوت عليه
تصويتا نزيها ...و ان كانوا عابوا عليه تحريك دعوى
قانونية للعزل او التحقيق بمسطرة قضائية واضحة فهؤلاء قد
قاموا و برروا و شمتوا باعتقال مئات من القادة السياسيين
بينهم رئيس دولة منتخب و رئيس حكومة منتخبة ورئيس برلمان
منتخب ....دون محاكمة او قانون و بتهم واهية بادية لكل
احد , و ان كانوا عابوا عليه قوانين الطواري لمدة محدودة
و في منطقة محدودة فهم ينفذون احكام الطوارئ حتى من دون
اعلان حالتها , و هذا نتيجة كسر الباب و قتل عثمان قبل ان
تنتهي ولايته ما لا يخلف الا استبدادا و تنازعا و رفع لقميص
عثمان ما لم يتعقل الجميع و يعيدوا الأمور الى نصابها و
يعاد الرئيس الى مكانه و يعترف الجميع بأخطائه بلا
استثناء فكل الفرق وقعت تحت الضغط في اخطاء ادت الى هذا
الوضع المتدهور و يجلس الجميع الى طاولة المفاوضات و
التفاوض لايجاد ارضية مشتركة تضم الجميع بلا اقصاء لأحد
لتحقيق الاجماع الذي سيدفع البلد للتطور للأمام و يخرجه من
هذا الضيق الذي لن يفضي الا لواحدة من ثلاث كما اثبتته
التجارب التاريخية : اما الحرب الأهلية كما في سوريا و
العراق , و اما استبداد تام و ديكتاتورية متواترة , و
اما استعمار بغطاء مصلحي حمائي ...هذا رأيي و لا الزم به
أحدا و ليس الحق المقطوع به عندي الا ما رآه كل المسلمين
حسنا و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحكم برضا الناس بمصر بشكل لم تعرفه هذه البلاد منذ أيام
الخلفاء الراشدين , لم تتأخر تناقضات هذا المجتمع الشرقي
المتخلف في الظهور , تناقضات موروثة من تراكمات اجيال
تطاول عليها الأمد مدة قرون أورثت فيها أمراض العصبية و
الاستبداد و الغرور و النخبوية المعرفية و الفرقة و
الغنوصية و الكلام و الخرافات و الفساد الاداري و الاقتصادي
...لم يكن الاستعمار الا صفعة طبيعية أجمعت الكتب
السماوية على حتميتها الطبيعية حين يفسد الجسم و يفقد
القدرة على التداعي بين اطرافه ...ثم ما لبثت هذه
التناقضات ان توارت بحجاب الديكتاتورية التي حرص
المستعمر الغربي ان يتركها كحارس له على هذه الجسم
المريض المنخور المخدر ...حتى أذن الله بانعاش هذا الجسم
مرة اخرى و بعث نوع من الحركة فيه , و الحتمي كان ان
تنبعث مع هذه الحركة -شأن كل حركة - التناقضات و
الدماميل الكامنة , و ما تستصحبه من آلام و صداع و ضعف
رِؤية , و كان الحتمي ايضا ان يتحرك المستعمر القائم على
هذا الجسم و الأكثر وعيا و قوة منه من محاولة توجيه
الحركة مرة اخرى الى الخمود و التخدير و تقييح ما امكن
من هذه التناقضات المتراكمة كونها اكبر القيود المانعة
لهذا الجسم الشرقي من استرجاع قوة التداعي و بالتالي
استرجاع عافيته
قد لا ينازع الكثير في ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد
وجد نوعا من الجاهلية المماثلة بشكل افظع و اكثر تقيحا,
كانت الوصفة التي أتى بها سابقة لعصرها بشهادة الكثير. و
كانت النموذج الأمثل لصناعة مجتمع متجانس بحسب كثيرين
آخرين , كانت الوصفة بكل بساطة تعتمد على ما سماه بعد
ذلك عدد من خبراء فلسفة القانون و الفقه في الدولة
الأموية و العباسية بمبدأي السنة و الجماعة , مبدأ من
الناحية الفلسفية يلامس عمق النظرية المعرفية
الانسانيةللوجود في مختلف فروعها العملية و العلمية في
تناولها للجمع و الفرق و التي تناولها بالبحث المتفسلفة
السياسيون الأوائل في اليونان و دهاقين الفكر الثنوي في
فارس القديمة و اعيان الرهبان الحرانيين في الهند و
العراق...و هذه الروافد ما زالت للأن مصدر الالهام الرئيسي
للفكر السياسي القانوني العلمي و حتى الفكر الطبيعي في
العالم المعاصر , كان ذلك الشاب المتجرد في صحراء فاران
العربية قد بدأ العمل على تكوين جماعة ستكون النواة
الأولى لدولة الديانة الجديدة , وحرص لعشرة اعوام كاملة
على ان يبث فيهم مفهوم هذين المبدأين دون ان يتطرق
لغيرهما , مبادئ الأمانة و العدل و المساواة و التعبير عن
الرأي و الشجاعة عليه و حسن اعتبار المخالف و اهم من كل
هذا مبادئ العبودية لمن يستحق, و الحرية عن كل ما سواه ,
كان هذا المبدأ الأخير هو الذي قام هذا الشاب بربط كل
منظومة القيم الأولى به على اساس مبدأي السنة و الجماعة .
او الفرق و الجمع , او الوحدة و الكثرة و تمثيل كل ذلك
بكلمتين جعلت الشهادة المعبرة و الباب للدخول الى هذه
المنظومة الحضارية الجديدة : لا اله الا الله محمد رسول الله ,
كانت الشهادة الوحيدة التي كان يطلبها من الناس و لا يطلب
غيرها و لا يتجاوزها الى ما سواها لما كان حصيلتها تتضمنه
من المفهوم الفلسفي الوجودي القيمي المعرفي العميق لضمان
خلق الاجماع و المحافظة على حق الاختلاف...تتمثل تطبيقاتها
العلمية في الفناء و التحرر عن كل الأدلجات الانسانية و
التفرقات و التحزبات المعرفية و في نفس الوقت عدم اعتقاد
امتلاك الحقيقة المطلقة الا ما اتى من الحق المطلق الخارج
عن كل البشر و الذي لا يتمثل واقعا الا في ما رآه كل افراد
الرائين مجتمعين لا فردا منهم و لا جهة و فئة و لا طائفة
منهم , و في الناحية التطبيقية العملية تجلت اثرها في
الجرأة التامة على التعبير عن الرأي في تصحيح ما يراه
الفرد خطأ و في نفس الوقت اعتبار مجمل الآراء و عدم
الزامية رأي على أخر الا الزامية ما تراه الجماعة كلها
...كانت نظرة سياسية علمية فلسفية متطورة جدا ما زالت
تسبق عند الكثيرين نظرتنا المعاصرة لمفهوم الاجماع
الدستوري و الاختلاف الفقهي في صنع البيئة الديموقراطية
لتسيير و تكييف الجماعات الانسانية ....
نعم..لعل من يُقرأ الآن يتذكر الآن مصطلحات الاجماع و الاختلاف
و كتبها المصنفة على مختلف العصور الاسلامية في اعتبار
اهمية هذين العاملين في صناعة و صياغية الصورة الاجمالية
للقانون الضروري للمحافظة على حيوية جسم الأمة, هذه
التربية المغروسة في نفوس الرعيل الأول في العصر المكي و
لم ينزل حتى تحريم الخمر و لا فرض الحجاب و لا حتى تجريم
الزنا و السرقة و القتل و الحدود و غيرها مما يقاتل
الناس عليه و يستعجلونه قبل ما هو أهم و اولى , هذه
التربية ظهر دورها المهم بعد موت المربي صلى الله عليه و
سلم و انتهت مرحلة جمع السلطات كلها بيد واحدة لتنتقل
الجماعة الى مرحلة حكم نفسها بنفسهاو توزيع السلطات ,
فكان اختلاف السقيفة الذي ظهر كيف ان هذه الجماعة الأولى
كانت تدرك جيدا قيمة تعبير كل واحد عن رأيه و البحث عن
خلق الاجماع و تلمسه و الانطلاق منه الى مرحلة اكبر تمتن
فيها الاجماعات دون اهدار اي خلاف او كما نسميه اليوم دون
اي اقصاء , ثم لما بدأت حروب الردة اختلفوا اولا لوعيهم
بمفهوم الجماعة ثم لما تبين لهم اجماعا ان المخالفين
قائمون على مفهوم الدولة اصلا اي هدم اصل الجماعة بعد ان
هدموا اصل السنة , لم يختلفوا و اجمعوا على اعادة الدولة
و هو ما يفسر لم ادمجهم الخليفة الثاني باجماع في الدولة
بعد ان قضي على شوكتهم و قبلوا الاختلاف من داخل الجماعة لا
خارجها , هذا الوعي الذي غدته احاديث متكاثرة معتمدة على
ايات متضافرة كثيرة في الكتاب تنص على الاعتصام و عدم
التفريط في الجماعة و عدم الخروج عليها مهما رأى المرء
المصلحة في خلاف ذلك مع عدم السكوت عما يرأه المرء حقاو
عدم اهدار حق التعبير و الاختلاف ما لم يخرج عما اجمعت
عليه الجماعة اجماعا تاما , دون اي اقصاء او اهدار...هذا
التجانس القوي بين هذين المبدأين الديموقراطين حين اسس
في هذا الرعيل الأول على رضا الناس من خلال الالتزام بشرعية
اختيار الناس و رضاهم المنصوص على التزامها ايضا في نصوص
متواترة معنويا عن منشئ هذه الأمة صلى الله عليه و سلم ,
افضى الى ازدهار مهول في عهد عمر بن الخطاب لما اكتسبه
هذه الجسم المتسع من قوة بعد قوة بعد ان استقامت حركة
الناس الجماعية في اتحاد الهدف مع حسن ادارة
الاختلاف....فحفظ لنا هذا العصر اختلافات فقهية و علمية و
اخلاقية ثرية و غنية وصلت الى حد التدافع القوي مع
المحافظة على الاجماعات التامة و عدم اقصاء اي طرف و خلق
اجماعات و توافقات اكبر و اقوى من جمع القرآن الى تمصير
الأمصار الى اقامة الدواوين الى تعليم العلم ارسال الجيوش
و تتميم الفتوحات و توسعة الدولة و انشاء مدونات
القوانين و ارساء القواعد الكبرى للقانون و حفظ الأقليات
و ادماج المهاجرين و الشعوب الجديدة... و غيرها من
القرارات الكبرى و التي تحتاج الى وعي جماعي في الطبقات
الاجتماعية جميعها بمبادئ الاجماع و الاختلاف لكي يمكن
اتخاذها دون عراقيل او تماطلات...
ثم بعد هذا العصر حدث نوع نقص و تفريط في في تعقل و نشر
هذه المبادئ الاسلامية الأولى , ما أنتج معه اول فتنة ستخل
بأحد هذين الأصلين حتى تأتي على الآخر, فكانت بعض الأخطاء
من القيادة المنتخبة الجديدة في تسيير الادارة اتفق معها
بعض الصحابة و اختلف معها البعض الآخر ما ادى الى مظاهرات
متزايدة للضغط على القيادة للتعديل من سياستها , الأمر
الذي رفضته اول الأمر هذه القيادة لكن مع الضغط بدأت
مفاوضات بين القيادة و رؤوس المتظاهرين و المعارضين ..و
تخللتها قرارات من هذا الطرف او ذاك بزيادة الضغط لتحقيق
اكبر قدر من العدالة كما يراها هو , لكن لحد الآن دون ان
يلجأ احدهما الى العنف او رفع السلاح و الاكتفاء بالتدافع
السلمي للتغيير وعيا من الجميع بمبدأي الاجماع و الاختلاف
او السنة و الجماعة في ادارة الاختلافات , لكن خلف من
بعدهم خلف لم يعيشوا الجاهلية الأولى و فرقتها و آلامها
غياب الدولة الجامعة و قيمة التغيير من داخل الاستقرار ,
و امدتهم فلول انظمة سابقة قضت عليها الدولة الجديدة في
فارس و العراق و الشام و مصر , فطالبوا رأسا بانزال
الرئيس المنتخب و الحائز على الرضى الشعبي دون تركه ليتم
ولايته الشرعية التي كانت بحسب مبادئ الجماعة المتفق
عليها آنذاك دستوريا لا تنتهي الا بعزل نفسه او الموت او
ان يرتكب خرقا ظاهرا بينا خارقا لاجماعهم او على تعبير
الحديث: الا ان تروا كفرا بينا عندكم...-و سطر كبير تحت
كلمة تروا و كلمة عندكم -من الله فيه برهان...او ما يسمى
في ادبيات فلسفة اصول الفقه بالاجماع المستند على نص
ظاهر...و هو نفس مبدأ العزل في الفقه الحديث المستند على
الحكم من محكمة عليا ببطلان الولاية استنادا الى خرق لنص
دستوري واضح...
و هو ما اتضح من نقاش بعض الصحابة الذين ناقشوا عثمان في
عزل نفسه و ظهر بقوة اجماعهم انه لا ينعزل الا بعزل نفسه و
ان كانوا لاموه ايضا على تأخره في طرح مبادرات عزل اقاربه
قبل ان يرتفع سقف المطالب و لكن كان هؤلاء جميعا على وعي
مما يستشف من كلامهم و حواراتهم الموثقة ان بفقدان
الشرعية الممثلة لرضا الأمة جميعا دون اقصاء و فرض فريق
لرأيه بالعنف و القوة دون احترام لحق الاختلاف و الاجتهاد
لن تنتج الا فرقة و خلافا سيؤدي بطريقة طبيعية الى الحرب
الأهلية و هو ما سيحدث بعدها ...
فكان كسر الباب كما سماه حذيفة رضي الله عنه , بكسر هذا
التوافق و الائتلاف و رفع السيف , بظهور اول فرقة اسلامية
قتلت الرئيس المنتخب و اعلنت مفهوها المغاير لحرية الرأي
و انكار المنكر الذي لا يراعي الا اصل السنة دون اصل
الجماعة , و افضى بها هذا الى هدم اصل السنة الدستورية
المتوارثة ايضا من اعلانهم مبدأ الاقصاء و الاخراج من
الجماعة بأقل ذنب و اهدار الخلاف و معه اهدار الدم بأقل
خطأ في الاجتهاد ...فاحدثت هذه الخطوة رجة عظيمة اذ لم
يكن المجتمع المسلم المتجانس انذاك معتادا على
غيرالتدافع السلمي و الأثر القوي و الزلزلة الكبيرة لهذا
الحدث غير المسبوق من رفع السيف للتغيير كان اشبه
باغتيال كينيدي مثلا و اثره على مجتمع ديموقراطي متجانس
انذاك كالمجتمع الأمريكي, هذه الزلزلة كان طبيعيا ان تنتج
بعض حظوظ النفس و التقصير و بعض الاستبداد بالرأي و
شهوة الحكم و التسرع في المعالجة لطبيعة النفس الانسانية
المطبوعة على العجلة و الخطأ...اخطاء مرتكبة من بعض
الصحابة و غيرهم ما اجج اكثر هذه الخلافات في خلاف معاوية
و علي رضي الله عنهما و في قتال الزبير و مروان و الحسين و
غيرهما رضي الله عنهما ما كان نتيجته مع بعض التقصير ان
انتقض هذين الأصلين في ادارة الحكم و فرض الحكم الجبري
العاض دون اعتبار رضا الأمة جميعا و هو ما كان حذر منه
اغلبية الصحابة الذين اعتزلوا كل هذه الاختلافات و
اعتبروها نزاعا على الدنيا لا تراعي اصل الآخرة من
المحافظة على اصل الجماعة و السنة معا و لهذا استقر
اجماعهم بأخرة بخلاف يسير عند فقهاء المدارس الفقهية
الكبرى على ادانة الخروج المسلح على الحاكم و اعتبار اصل
الجماعة و الطاعة و الصبر على الحاكم حتى يتم ولايته ما
دامت الولاية برضا الأمة اولا و بعد تمام ولايتها لا يولى
غيره الا برضاهابغض النظر عن التوقيت و الطريقة التي
ترتضيها الأمة للتداول السلمي للسلطة و دون ان يعني منع
الخروج المسلح المنع من الانكار العنلي و التعبير عن
الرأي جماعات و افرادا طول مدة ولايته و جعلها اكبر
الجهاد , و هذا الأصل من كبار فلاسفة القانون السياسي
الاسلامي هو الذي يجمع بين كافة عناصر النصوص السياسية و
هو الذي يجد تطبقياته منسجمة في تصرفات الرعيل الأول,و
لهذا كان هؤلاء لا يدعون الصلاة حتى مع الخوارج الذين خرجوا
على الشرعية و مناكحتهم و مجالستهم و التبادل الثقافي و
العلمي معهم حتى لا تضيع هذه الثقافة الديموقراطية بينهم
, مع ضمان حق الاختلاف و التعبير عن الرأي لكل واحد و
التحذير من الطائفية مما حذرت فيه نصوص كثيرة من التحزب
و التفرق و التسمي بغير اسم الدولة الرسمي الجامع لكل
الجماعة الاسلام ....لهذا كان من اصلهم عدم الدخول بين
الصحابة و ما شجر بينهم لأن تطبيق هذين الاصلين يجعل
الانسان واقعيا عمليا لا يعيش في الماضي و انمايستفيد منه
ليعيش حاضره و يبني مستقبله , فلهذا لم يكن يهمهم من كان
على حق و تحقيق من كان لديه الحق و انما المحافظة على
اللحمة و تمتين الجماعة و تحقيق اخف الأضرار دون اقصاء اي
مكون من مكونات الدولة حتى الكافر و المنافق و الذمي و
غيرهم مادام لا يعمل لشق عصا الجماعة كلها ,
الا ان الفرقة الطائفية الثانية التي لم تراع ايضا احد
هذين الأصلين و هم الشيعة ابت الا المضي في وضع ما رأوه هم
اصلا يبنون عليه كل ما سواه دون اعتبار موقف الجماعة كلها
, فانتقلت من غلوالى غلو حتى محت اصل الجماعة بعيشهافي
الماضي و مآسيه و محت اعتبار رضا الأمة و اجماعها الزمتها
بان يحكمها معصوم بعد معصوم لا يعتبر غير النسب في احياء
لنظرية الدم المقدس في الحضارات الفارسية القديمة , ومع
التطبيق الرجعي لهدمهم لأصل الجماعة كفروا الجماعة الأولى
الا قليلا و بالتالي اهدروا اجماعهم و بالتالي اهدروا
القيم و السنة التي انتقلت من خلالهم , و انتقل الناس الى
استقطاب سياسي عسكري طائفي حاد بين الخوارج و
الشيع...مع تنامي الفساد الاداري و المالي بنقض الشرط
الأول في الحكم رضا الأمة في التولية و الذي ينقض اساس
المحاسبة , ما اضعف مع الوقت جسم الدولة بين تناقص
التعبير عن الرأي و استعظام الاستبداد و توابعه من
الاستبداد و كثرة الخروج العنفي و رفع السيف و انتشار
الطائفية الايديولوجية و السياسية , بعد ان كان الجميع
منتميا لأصل الوطنية الأول الا وهو اسم الاسلام دونما شيئ
سواه حيث كان الجميع يتعلم من الجميع و الجميع يستمع
للجميع , دون ان تكون هناك طبقة من الخواص علميا و
سياسيا و التي نشات من بعد فبدأ جنوح الناس الى التقليد
و بدأت قلة الابتكار من الدولة العباسية و نقص التواصل
بين طبقات المجتمع مبتعدة عن الوسطية البسيطة التي كانت
اساسا في اشتراكية المعرفة بين جميع الطبقات الاجتماعية
دون السقوط في قتل الابتكار المعرفي و المنافسة الاقتصادية
اعتمادا على بناء المنظومة القيمية المجتمعية اساسا على
الأصلين السنة و الجماعة ....لهذا كان من حسن نظر الخليفة
عبقري الادارة عمر بن عبد العزيزالاشراف على مشروع بث
السنة في طبقات المجتمع حتى يمكن بث اللحمة بينها ببث
التواصل المعرفي الذي سيوفر بيئة افضل للاجماع و احترام
الاختلاف و تقليص الهوة التي كانت بدأت تنشأ بين الخاصة و
العامة ....
هذه الهوة الناتجة عن التقليد بعد عصر كبار مؤسسي
المذاهب الفقهية التي بدأت طفيفة مع انصراف الناس الى
الملاهي مع حياة البذخ و الترف الاقتصادي و انصرافهم عن
سياسة واقعهم , ستدعمها حركة الترجمة الكبرى التي جرت
بعيد النهضة العلمية الكبرى للرشيد و ما تقتضيه حياة
البذخ كما نص النبي صلى الله عليه و سلم من الترف المعرفي
و العلمي فبدأت البحوث و التعمقات في مجالات معرفية خاضت
فيها الأمم السابقة و لم تكن لها اي ثمار معرفية تطبيقية
مباشرة , و حتى ذلك العهد كانت البحوث في هذه الميادين
على هامش البحوث في العلوم الطبيعية قد تناسلت و تكاثرت
في العهد الأموي مع خالد بن معاوية و من اتى بعده لكنها
كانت مقبولة في دائرة الاختلاف في المجتمع المسلم ما دام
لم يتعد الأمر الى ادخالها في ما اجمعت عليه الأمة و
بالتالي السعي الى فرضها على بقية الناس , كما كانت جميع
افكار الطوائف تتناسل و تتطور دون ان تسبب فتنا اجتماعية
لكون الجميع كان ملتزما بما تحته عمل و ما اجمعت عليه
الأمة كلها دون ان يبحث احد فرض ما يراه هو او جماعته على
غيره بقوة السيف ما خلا من خرج من الشيعة و
الخوارج...فكان افراد التابعين و كبارهم يحذرون فقط من
الاشتغال بالبحث من هذه الميادين لانعدام ثمارها , و ان
كان قد يحدث من بعض الأمراء لدوافع سياسية ما يهدد هذا
السلم الاجتماعي قتل و ازهاق روح لزعماء هذه الطوائف خاصة
نتيجة انتشار ثقافة الاستبداد مع توالي الحكم العاض و
تبرير نظرية السكوت امام الحاكم , لكن لم تكن قط هذه
الأفعال الاستبدادية تجاه الطوائف الاسلامية محل اجماع و ان
ادعاه كثير من الناس قديما و حديثا فسرعان ما كان
المجتمع الاسلامي يعود الى السلم الاجتماعي و محاولة الدخول
فيه كافة بعد كل فتنة تتلي خروجا من احد من هذه الطوائف
و الاعدامات لأحد امرائها او مفكريها...
لكن كل الأمور تغيرت مع وصول الشاب الفيلسوف المأمون و
وصول طائفة المعتزلة معه و لأول مرة أصبح ما كان قبلا
ممارسة استبدادية معزولة من السلطة الحاكمة او من فقهاء
معينين او من طوائف اديولوجية مع عدم متابعة جميع الأمة
له و الاعراض عنه , اصبح خطا رسميا للدولة حاولت معه خلق
اجماع بالقوة مخلة باصل السنة و الجماعة المذكورين من
عدم احترام الاجماع و الاختلاف ... و الحفاظ على اللحمة
التي تشد بين جميع مكونات المجتمع المسلم بكل طوائف دون
اقصاء حتى منافقوه و كفاره ما لم يسعوا الى تفريق جماعته
, دون ان يعني هذا ان يضيع الحق و بيانه من بينهم كل من
وجهة نظره و عدم خرق الاجماع و القيم الكبرى الواضحة
الظاهرة المجمع عليها الذي لا تجد عضوا في هذا المجتمع الا
و يعلمها كما يقول الامام الشافعي عن معنى السنة و الاجماع
المخرج من الملة مخالفته ...كان هذا الجهل المتناقص بهذه
القيم التي تجعل سياسة الأمة لعلمائها و رؤوسها و وجهائها
و عقلائهاو امرائها سياسة شعبية شاملة غير اقصائية و
الموروثة في الأحاديث و الايات المتواترة هو الجهل الذي
حذر منه النبي صلى الله عليه و سلم و نبه الى نقصه حتى
حمله من حمله بعد الفتن الى تناقص العلم بالحديث و الله
أعلم لا يريدون به الا ما في نفس السنة من التنبيه على اصل
الجماعة و ما في اصل الجماعة من ضمان السياسة السلمية
القويمة لنشر السنة بالتدافع السلمي ....هذه الثقافة
الديموقراطية الواقعية النفعية و النقص فيها هوما ادى
الى هذه الفتنة الكبرى الثانية في عهد المأمون و التي
ارتكبت و كررت فيها نفس ا خطاء الفتنة الكبرى الأولى,مع
الفرق ان الافتئات على المبادئ الديموقراطية كان من الشعب
على الدولة , و الان الافتئات بالعكس..من الدولة على
الشعب...و التي غادر فيها المأمون سياسة ابيه العاقلة من
عدم ا نحياز الدولة الى فئة من الفئات او طائفة من
الطوائف و ان على الدولة ان تمثل جميع طوائف المجتمع دون
اقصاء و ان تلتزم بحفظ شرعية اجماعها , اجماعها الدستوري
على المبادئ التي لا يخالف فيها احد منها حتى يؤدي
التدافع السلمي و الاختلاف السلمي الى خلق اجماعات جديدة
فتلتزم بها مع الزمن , و هذا لب السياسات الحديثة و الذي
كان موجودا قديمافي اول هذه الأمة و لم يكن تفقهه الطوائف
التي استعدت الدولة على غيرها , و اقامت له الدولة اول
محاكم تفتيش عقدية بعد ان كان في عرف الجماعة امتحان
العقائد و الأفكار مستشنعا لانتشار هذه الثقافة العملية
بينهم من ثقافة التعايش السلمي دون البحث عن اثارة الفتن
و التحزب و التعصب داخل المجتمع , و اكثر ما كان مستنكرا
ان رجال الفكر و القانون و التاريخ و الأخلاق قبل هذه
الفتنة اصلا كانوا يسفهون الدخول في هذه المجالات اللاهوتية
الغيبية و ينهون عنها و لا يرفعون لها رأسا و يعتبرونها
مضيعة للوقت و يصرون على سياسة علمية علمانية نفعية من
فصل الغيبي اللامعرفي -الا ماما اخبر به نفس صاحب الغيب-
عن الواقع الفقهي السياسي و يحثون على تعلم ما تحته عمل
بتعبيرهم , فكانت هذه الفتنة الكبرى الثانية مناقضة
تماما لنظريتهم النفعية الاجتماعية التي ورثوها جيلا بعد
جيل و ان كان نقص العلم بها هو ما ادى الى هذه الطفرة
العلمية الاستبدادية و التي ستنتج من الناحية الأخرى ردة
فعل استبدادية من الطرف المخالف من اهل الحديث و الفقه
حين سيتولون الحكم ايضا و سيسعون الى نفس ما فعله من
قبلهم من فرض ما يرونه صحيحا كاجماع للأمة فيما ليس فيها
اجماع , و عدم اعتبار واقع الاختلاف المعاش و الاستعانة
بالدولة لفرض الرأي و الأخطر الدخول في الجدل و الجدال
بحجة الدفاع عن الاسلام في هذه الميادين الغيبية اللاهوتية
اللانفعية التي لا يعرف لمن قبلهم اصلا من الجماعة المسلمة
الأولى اختلاف فيها , ما سيؤدي الى انتقال نفس امراض
الاستبداد اليهم و سينتج فيهم ما انتج في غيرهم من الفرق
الاسلامية و الطوائفية الى انقسامات و تحزبات و تفرقات في
نفس الأغلبية التي كانت ورثت ثقافة اصلي السنة و الجماعة
, و تناسلت من كل هذه الفرق فرق اخرى استتبعها انشغال
الجميع في حروب طائفية علمية و فتن عنفية لا تدور رحاها
الا حول مواضيع لاهوتية غيبية لم يكلفوها و ليس عليها من
دلائل مادية واقعية يمكن ان تحسم الخلاف فلم ينحسم الخلاف و
لم ينتج الخلاف الا خلافا اكبر و قلت بل انعدمت صناعة
الاجماعات الواقعية العملية النفعية و احترام الاختلاف
الواقعي مع الاشتغال بهذه الميادين المجردة الغيبية
الخارجة عن مجال العقل المحض و التي ليس لأحد منهم فيها
ممن هو فوق العقل سلطان, و مع تمزق العقل الفاعل في
المجال المعرفي استتبعه التمزق اكثر فاكثر في العقل
السياسي و الأخلاقي فانتشرت الدويلات الاستبدادية و الطرق
الأخلاقية الاستبدادية كل حزب بما لديهم فرحون و كل طائفة
تكفر غيرها وتعلنها و تخرجها من الجماعة , نتيجة اختلال
التوازن بين الاجماع و الاختلاف , و البعد اكثر فاكثر عن
الانتاج المعرفي الواقعي العملي الذي طغى عليه الانتاج
الميتافيزيقي الغيبي الذهني و كثر التناحر عليه و كثرت
الاختلافات فقام كبار المفكرين و المجددين في محاولة ترقيع
هذه الفتن و العودة الى الأصل الأول و نعوا هذا الاختلاف و
التناحر الغير المثمر في كلمات مشهورة كان اشهرها ما
كتبه الغزالي و ابن رشد و ابن تيمية وغيرهم ...مع ان كل
فرقة من هذه الفرق لم تر في حسم هذا التناحر الا الوصول
الى السلطة و فرض رأيها على الجميع باسم الدين مستخدمة
للسياسة دون مراعاة عدم اقصاء الغير و مراعاة نقص
المعرفة و الجهل و اختلاف الحال و الأحوال, و الزام جميع
الناس تقليد جماعة او قادة دينيين او سياسيين او دولة او
مذهب لا يمثل الا فئة من المجتمع المسلم ...فاعلنوا قفل
باب الاجتهاد و الزام الناس بقوة القانون و الدولة بمذهب
فئة واحدة او طائفة واحدة دون وجود اجماع دستوري واقعي
توافقي يسنده ...كما حدث في اليمن مع الزيدية و في
العراق و خراسان مع الصفوية و في مصر مع الفاطمية و في
المغرب مع المهدوية و الظاهرية و في الشام مع الأشعرية و
في الهند مع الامامية وهكذا...فلم يورث الاستبداد الذي هو
في اصله فرض اجماع بالقوة دون اساس واقعي و اهدار قيمة
الاختلاف الى مزيد من التشرذم و الاختلاف و التناحر , و ان
كان في فترات اخرى تخرج دويلات تصدر منشورات و قوانين
تمنع الجميع من الخوض في الفتن و ان الدولة لا تلتزم الا
ما يجمع عليها افرادها دون الدخول لتأييد طرف او اخر كما
هو شأن المنشور القادري او منشورات نظام الملك او
منشورات بعض البويهيين او صلاح الدين او بعض ملوك الأندلس
او منشورات نور الدين زنكي و غيرهم مما يكون اسبابه
الطبيعية غالبا تعرض الجسم الاسلامي لغزو خارجي يوقظ الوعي
الجمعي بخطورة هذه التحزبات و التفرقات ....
الا انه مع تغلب الجسم الاسلامي برغم هذه الأمراض على الأخطار
التي طوقته من الشرق و من الغرب من جحافل الصليبيين و
المغل ...فما لبثت كثير من هؤلاء الغزاة ان اندمجوا في
نفس الجسم و قلت الأخطار فعادت هذه الفرق الى تعميق
خلافاتها و تخدر معها اكثر فأكثر العقل الاسلامي الجمعوي و
ابتعد مع القرون و طول الأمد عن واقعه المعاش بانغماسه
كافة طبقاته تقريبا في المجال الغيبي اللاهوتي
الغنوصي...و انتشرت الغنوصية في كل الجسد المسلم من شرقه
الى غربه الا قليلا حتى افضى باكثر طبقاته المثقفة و
الواعية الى الحاد غنوصي نرجسي يرى في نفسه نهاية
التاريخ و العالم , ناطقا بلسان حاله انه رب هذا العالم
و سيده الخفي و المتصرف فيه, و هو امر قد يبدو مبالغا
فيه لكن ان تأملت مصنفات المشهورين النخبة في القرون
الأخيرة فلن تجد من يسلم منها من هذه الغنوصية التأليهية
الاستبدادية الالحادية الا قليلا ...و حتى الحركات التجديدية
العملية النفعية الاصلاحية التي خرجت في ايران والهند و
نجد و مصر و اسطنبول و المغرب لم تلبث ان غرقت في نفس
امراض الطائفية الاسلامية و لم تستطع الوصول الى التحرر
التام من قيودها الاستبدادية فاستوطنت بعضا من فيروساتها
في تاويلاتها الخاصة للولاء و البراء او للدخول و الخوض في
المجال الغيبي الكلامي اللاهوتي او في التبرير للعبودية و
الاستبداد السلطوي فلم تلبث ان تفرقت فيما بينها نفسها و
فشلت و تنازعت و ذهب ريحها و اصبحت سهلة للتلاعب بها من
عدوها بعد ان اغرى بينها كما فعلت الدولة الانجليزية فيما
بين الوهابية و الدولة العثمانية و الصفويين و القوميين
العرب و دولة محمد علي ....
و بعد؟؟...بعد هذه الثورات العربية استبشر الناس و
بدؤوا يتفاءلون أن فجر الشرق اوشك ان ينبثق بعد ان
ادلهمت فيه الخطوب , و ان ليس بعد هذا الضيق الا الفرج
سنة الله في خلقه , نصح كثير من الناس الاسلاميين و
الليبراليين و الاشتراكيين الذين كانوا قبلا يحلمون فقط
بحرية التعبير ان لا يستعجلوا , و ان امراض هذه الأمة
تحتاج مددا متطاولة من العمل و البناء و ان لا مجال لفرض
الرأي و لا التكفير و لا رفع السلاح و ان فينا منافقون
سماعون للغرب و ان ليس الشأن الاشتغال بهم او البحث في
تكفيرهم او البحث في اقصائهم ما لم يفعله النبي صلى الله
عليه و سلم للحفاظ على اللحمة و صورة الجماعة و المجتمع
و الدولة ككل و ان استعصى تأويل هديه في ذلك على الكثير
من الطوائف الاسلامية التي لم تعتبر هذا الأصل ..و ان الأولى
خلق الاجماع بالحوار و التدافع لا بالاستعانة بالسلطة , و
استبشر الناس خيرا بعد الانتخابات التي حملت الاسلاميين الى
السلطة ان رأوا بوادر القاعدة لهذه العمل المشترك بين
طوائف الأمة جميعا , اذ شخصيا لم اكن اتصور ان فقهاء و
مفكرين من العيار الثقيل من الليبراليين و الاشتراكيين
سيقبلون الاسلام بشريعته كقاعدة للانطلاق و التعبير عن
ليبراليتهم و اشتراكيتهم من داخل الاجماع الاسلامي نتيجة
صدمتهم مما لم يكونوا ينتظرونه من ان اغلبية الناس تريد
بناء اجماعها على كتابها الذي تراه صحيح السند و المتن
لم يختلفوا فيه بجميع طوائفهم بعد بخلاف غيرهم في الغرب
الذي لم يجد اجماعا على كتابه فلم يبق له الا رميه وراء
ظهره ...لكن هذا ما حدث في اول الفترة الانتقالية ما كان
مبشرا بخير عميم مع الظاهرة الصحية من انعقاد المحاورات
بعد المحاورات بين جميع طوائف المجتمع حول هذا الاجماع
على الكتاب ....كانت النصيحة التي نصحها الكثيرون دون ان
يستمع لهم ان تجعل التيارات الاسلامية السلم الاجتماعي و
اصل الجماعة نصب عينيها و تسعى لتمتينه ما امكنها و ان
الزمها تقديم تنازلات ...و كان اولها نصيحة ان تتنازل عن
محاكمة او متابعة نفس رموز النظام السابق و عدم الاشتغال
بنفسية الانتقام , ليمتصوا ما امكنهم من جذوة الانتقام و
الحقد و الخوف من المتابعة التي ستكون البنزين الذي
سيحرك اقطاب النظام السابق المتخفين في اطراف الدولة
العميقة و الممسكين بدواليبها الى الاتحاد و التسريع
بوتيرة الثورة المضادة و التحالف مع القوى الأجنبية
للانقضاض ...كانت النصيحة ان يهتموا بثورة تغيير المبائ و
القيم لا بثورة تغيير الأشخاص, و ان اقطاب النظام السابق
مهما اجرموا فهم جزء من الجسد لا يمكن استئصاله و ان
الأولى تأليف قلوبهم بدل استعدائها مع ان رؤوس الأموال في
ايديهم و مفاتيح السلطة ما زالت في ايديهم و كثير من
الناس سماعون لهم مع انتشار الجهل و التعصب و الطائفية و
الحزبية امراض ستعرقل اي تقدم ديموقراطي معتمد على اصلي
السنة و الجماعة او اصلي الاجماع و الاختلاف او اصلي
المبادئ الدستورية و دستورية الاختلاف...و هو ما قام به
النبي الأعظم صلى الله عليه و سلم والجماعة المسلمة الأولى
الذي لم يكتف فقط بعدم محاكمة اقطاب النظام السابق الذين
اعتقلوهم و عذبوهم و قتلوهم و ارتكبوا فيهم مجازر و
نفوهم و مثلوا بهم و اخرجوهم من ديارهم , لا محاكمة ثورية
و لا محاكمة مدنية , بل لم يكتف حتى بالعفو عنهم و
اعطائهم الحرية في اموالهم و اعراضهم و حقوقهم , و لم
يكتف حتى باشراكهم في العملية السياسية الشعبية و ان كان
بنوع عزل سياسي عن المناصب القيادية , بل تخطت السياسة
النبوية الى ما هو اكبر من ذلك من تقديمهم في العطاء و
تأليف قلوبهم في الاعلام و منافع الدولة حتى امتص و تألف
اغلبيتهم ..و فسر للثوريين من اصحابه انه يسعى الى تبديل
المبادئ لا الأشخاص و انه تألف هؤلاء بلعاعة من الدنيا و
ترك هؤلاء الثوريين لمبادئهم التي هي ادوم و اكثر مكوثا
في الأرض...فكانت ثورة هذه الجماعة الاسلامية الأولى ثورة
نموذجية بكل المقاييس لا اعرف لحد الآن في تاريخ الثورات
ثورة نجحت في تحقيق اغلب اهدافها في وقت قياسي ...
في تونس و ليبيا و اليمن و المغرب اتبعت نوعا ما هذه
السياسة , لكن الثوريين العرب سواء الاسلاميين منهم او
الليبراليين الاشتراكيين في مصر لم يجرؤوا على مخالفة
المد الشعبي الذي كان ينادي بالقصاص ..فكان ان بدأت
المحاكمات و الخوف والذعر الناتج عنها مضافا الى الحقد
الذي لم يبرد بعد, وحد صفوف اتباع النظام السابق و نسقوا
جهودهم في الاعلام و دوائر السلطة التي يملكونها و تجمعات
الأموال الصناعات التي ما زالت في ايديهم و مراكز القضاء
التي ما زال فيها بعض المخلصين لهم و حاولوا ما امكنهم
شق صف الثوار الذين كانوا بدؤوا الحوار بعد الثورة فيما
بينهم للوصول الى ارضية مشتركة او الاجماع الأول للدولة
الذي ستنطلق منه نحو التدافع السلمي حتى يغلب مع الزمن
المبادئ القوية التي تنفع الناس و يذهب زبد الايديولجيات
جفاءا مع التداول السلمي للسلطة و استتباب السلم و
الحوار الاجتماعي, فكان هدفهم العمل ما امكنهم الى نقض
هذه الأرضية فحاولوا التفريق ما امكنهم بالضرب على نقاط
ضعف الفريقين مستغلين غياب الثقافة الديموقراطية و العلم
باصلي السنة و الجماعة عن الطبقات السفلى للمجتمع التي
هي وقود كل الثورات ...و كان ان ضربوا على وتر الثارات
بين الناصريين و الاشتراكيين و الاخوان و السلفيين باخراج
حقد كل طائفة على الأخرى , بشتى التخويفات ,. فمن تخويف
الاخوان من تحالف الناصريين مع الجيش الذي رباه عبد
الناصر اساسا , و من تخويف الاشتراكيين و الليبراليين و
الناصريين من استحواذ الاخوان بالسلطة و ان هذا هدفهم و
من تخويف الفريقين من السلفيين و انهم سيطبقون الشريعة
بدون سند شعبي و لا توافق و عمل على تحصيل الاجماع اولا او
ما يقرب منه . ومن تخويف السلفيين من اقصائهم عن العمل
السياسي و عدم العبء بهم و الحجر عليهم سياسيا و الصعود
على اكتافهم , مع اغراق الجميع في جزئيات لا يتطلبها
الواقع الآن من تطبيق جزئيات الشريعة و الحدود او تطبيق
العلمانية الصرفة و استيراد النماذج الغربية الكاملة
للحكم , ومع اللعب بصنابير الاقتصاد و التمويل و قطع
مصادر التغذية الأساسية و تجويع الناس و تعطيشهم و قطع
الكهرباء و الغاز عنهم , مع عرقلة اي قرار او جهد لتكوين
مؤسسات الدولة التمثيلية التي ستربط الناس بالحكم مباشرة
و بالتالي احراز اعلى نسبة من الرضا الشعبي الضامن
للتوازن بين اصل السنة و الجماعة او اصل الاختلاف و الاجماع
...و كان ان سقطت جميع هذه الأطراف في تعجلات دون روية و لا
استشارة فعظمت التخوفات وازداد الشرخ بعد ان نفذ صبر
الاخوان و هم يرون ان العام مر و لم تقم قائمة اي مؤسسة
تمثيلية للدولة فارتكبوا اخطاءا قاتلة نتجت اصلا من آثار
العقلية الطائفية الجماعية المتراكمة آثارها تاريخيا
عجلت بخروج البقية الباقي من الليبراليين و السلفيين من
البحث عن الأرضية المشتركة و توغير صدر كل فئة على الأخرى
و اخرجت كل هذه الفئات امراضها و تناقضاتها التي جعلتها
تعتقد ان الحق في صفها وحدها لا في صف غيرها و ان كان
الحق ان الفئة الحاكمة كانت اوسع صدرا و اكثر محاولة
لرأب الصدع لكن حظ النفس من الخوف ان تمر الخمس سنوات
دون ان يحقق الاخوان ما وعدوا به و فقدانهم شعبيتهم نتيحة
انطواءهم في مصلحة الجماعةالاخوانية و تغليبها على مصلحة
الجماعةالمصرية كلها اسقطهم في اخطاء اخرى و منعتهم من
التنازل عن بعض حقوقهم التي نالوها بالانتخاب او ان يعوا
انهم في مرحلة دقيقة اجتمعت عليهم فيها اعداء من الخارج
و الداخل فلا حاجة لتكثير الأعداء و ان تنازلت عن بعض حقك
لتألف القلوب كما فعل غيرهم في تونس وتركياو رغم ذلك ما
زال اعداؤهم يحاولون زلزلة الأرض من تحت اقدامهم....
كل ذلك مع عدم التزام كثير من الاسلاميين لأمر النبي صلى الله
عليه و سلم و هديه من الصفح و العفو في مثل مراحل
التشرذم هذه لتعذر تطبيق القصاص بحكم القانون فردوا على
بغي بمثله و شتيمة بمثلها , دفع الفلول الى ضربتهم
التالية العظمى بعد ان جمعوا الفئة المنشقة من
الليبراليين و الاشتراكيين و جعلوهم هم الواجهة و افراد
الجيش الذي اصلا ما كان يريد في واجهة الدولة
اسلاميايحرجهم مع القوى الغربية , و اضافوا عليهم بخيلهم
و ركبهم و استجروا معهم الآلاف الغاضبة من الجموع التي
انهكها الجوع و العطش و قلة ذات اليد و قلة الأمن و تعطل
تنفيذ وعود الاخوان ..جموع ليس لها اي ثقافة ديموقراطية
و التي لم تعشها من ايام حكم الخلفاء الراشدين , و لا
يعلمون ان الأمر الجامع بين كل التقاليد الديموقراطية و
الشرعية في كل التاريخ ان لا بديل عن اسقاط شرعية
الصناديق و اسقاط رئيس منتخب برضا نفس الأمة و نزع يد
البيعة منه قبل اتمام ولايته لا بديل عن هذا الا الحرب
الأهلية او سيطرة الحاكم المتغلب و عودة الديكتاتورية
...و لهذه الحتمية التاريخية فان كل الدول العريقة في
الديموقراطية تجد افرادها مهما احتجوا فلا يسعى رؤوسهم
الى اسقاط رئيس منتخب الا عبر الصناديق او المؤسسات
المنتخبة كسحب الثقة في البرلمان او عبر محاكم يرضاها
الشعب بنفسه يكون الحاكم قد اتى فيها بخرق دستوري عندهم
من الله فيه برهان ...و من حضر احتجاجات الاوروبيين و
الأمريكيين الذين اغرقوا فقراءهم في الديون و الأزمات لعلم
انه لو اراد جمع توقيعات باسقاط جورج بوش او توني بلير
او ساباطيرو او ساركوزي لجمع توقيعات اغلبية الشعب و مع
ذلك كان من نطق منهم باسقاط النظام بالقوة كانوا
ينتهرونه بأن هذا لا يجوز في شرعهم و انهم رؤساؤك الذين
انتخبتهم برضاك و اعطيتهم عقد بيعتك فيلزمك الصبر وا ن
اخذ مالك و جلد ظهرك الى ان تنتهي ولايته فتختار غيره ما
دام الحق في الانتخابات النزيهة مضمونا, و كذلك كان..
و هنا لم يكن , فدفعت افراد الليبراليين و الاشتراكيين
الذي كان كثير منهم صادقا في البحث عن حل لأمته الى ان
وجد نفسه يهتف باسقاط الرئيس المنتخب و مع الحمية لم
يمكن له ان يتراجع و لا للطرف المقابل ان يتراجع او
يتنازل و وجدوا انفسهم بعد الانقلاب يؤيدون ما كانوا هم
يدينونه في ايام مبارك , و يسكتون و كثير منهم يؤيدون و
يبررون افعالا في الحاكم الشرعي المعزول لم يبررها حتى
قادة الدول التي تمدهم بمخابراتها و دعمها للانقلاب على
الاسلاميين , فاعجب كيف ان القادة الغربيين ينزهون انفسهم
من قلب الحق باطلا امام شعوبهم حتى لا يذهبوا بثقافة
التناوب السلمي في بلدانهم فوصف كثير من القادة
السياسيين الغربيين و الصحافيين و الفلاسفة و الاعلاميين ما
يحصل بالانقلاب الواضح على الشرعية و ان ما يحدث مناقض
تماما للتقاليد الديموقراطية و سيقوض اسس السلم الاجتماعي
مع ان كثير منهم في خبيئة نفسه و في العمل السري
المخابراتي يدعم هذا الانقلاب و يتمناه , وحتى خرج صحافيون
و اعلاميون غربيون بعد اطلاعهم على تأييد نفس ما كان يفترض
فيهم انهم ليبراليون ديموقراطيون للانقلاب و الاعتقالات و
الاعلانات الدستورية , و تنصيب كرزاي مصري , و جمعهم في
سياق واحد لكل ذلك مع تاريخ الانقلابات من العلمانيين على
الاسلاميين في كل البلاد ..خرجوا بنتيجة يشمتون فيها من
الجميع قائلين . ان الشعوب الاسلامية و الاسلام لا يستحقون
الديموقراطية و ان لا حل لهم الا عودة الاستعمار من
جديد....و الحق انه حق لهم ان يشمتوا فما نراه الآن ليس
الا حكم الأحقاد و حكم حظوظ النفس و ان حاول كل طرف تبريره
كما قال عبد الله بن عمر عن المتنازعين في الحرب الأهلية ان
و الله كل منهما لا يقاتل الا لدنيا...
فان كانوا انتقدوا على مرسي اعلانا دستوريا واحدا لمدة
محدودة ففي يومين اصدروا ثلاث اعلانات دفعة واحدة , و ان
كانوا عابوا عليه تعيين نائب عام فقد عين رئيس دولة كامل
بدون استشارة احد , و ان كانوا عابوا عليه تعطيل بعض
مواد الدستور القديم فقد عطلوا دستورا كاملا مصوت عليه
تصويتا نزيها ...و ان كانوا عابوا عليه تحريك دعوى
قانونية للعزل او التحقيق بمسطرة قضائية واضحة فهؤلاء قد
قاموا و برروا و شمتوا باعتقال مئات من القادة السياسيين
بينهم رئيس دولة منتخب و رئيس حكومة منتخبة ورئيس برلمان
منتخب ....دون محاكمة او قانون و بتهم واهية بادية لكل
احد , و ان كانوا عابوا عليه قوانين الطواري لمدة محدودة
و في منطقة محدودة فهم ينفذون احكام الطوارئ حتى من دون
اعلان حالتها , و هذا نتيجة كسر الباب و قتل عثمان قبل ان
تنتهي ولايته ما لا يخلف الا استبدادا و تنازعا و رفع لقميص
عثمان ما لم يتعقل الجميع و يعيدوا الأمور الى نصابها و
يعاد الرئيس الى مكانه و يعترف الجميع بأخطائه بلا
استثناء فكل الفرق وقعت تحت الضغط في اخطاء ادت الى هذا
الوضع المتدهور و يجلس الجميع الى طاولة المفاوضات و
التفاوض لايجاد ارضية مشتركة تضم الجميع بلا اقصاء لأحد
لتحقيق الاجماع الذي سيدفع البلد للتطور للأمام و يخرجه من
هذا الضيق الذي لن يفضي الا لواحدة من ثلاث كما اثبتته
التجارب التاريخية : اما الحرب الأهلية كما في سوريا و
العراق , و اما استبداد تام و ديكتاتورية متواترة , و
اما استعمار بغطاء مصلحي حمائي ...هذا رأيي و لا الزم به
أحدا و ليس الحق المقطوع به عندي الا ما رآه كل المسلمين
حسنا و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته