المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : روعة القرآن في الايجاز... لا مجال لانكار الاعجاز



أحمد عبدالله.
08-19-2013, 01:48 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله: ( قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ( 64 ) )
القرآن كلام الله... نعم هو كلام الله شاء من شاء وأبى من أبى... من لم يدرك هذه الحقيقة فليصوب أصابع الإتهام إلى نفسه... فإما انه مختوم القلب أو مريضه… وإعجاز القرآن ذو الوان عدة… منها العلمي والتاريخي واللغوي وغير ذلك…

لن أطيل الكلام… فخير الكلام ما قل ودل… اوبس... خير الكلام ما قل ودل... يوه... خير الكلام ما قل ودل… تكرار هذه العبارة ليس خطأ في النسخ واللصق… ولكن أنظر معي... كم من البلغاء الفصحاء يحاولون ان يوجزوا عباراتهم هربا من املال القارئ فيجدوا انفسهم قد اخلوا بالمعنى؟... أما القرآن فأمره عجيب… ان اوجز العبارة فإنه يعطي المعنى حقه... وإن اطال العبارة فإنه اطناب لا ملل معه… والأمثلة على ذلك لا حصر لها… تعالوا نقف عند احداها…

كلمة واحدة … نعم واحدة… قد نمر عليها دون ان نعر لها بالا... ولكنها آية من ايات الاعجاز القرآني...
اعلم ان كل لفظة من الفاظ القرآن… لا والله بل كل حرف من احرفه في مكانه المناسب... فالضوء في القرآن ليس كالنور...
الحية ليست هي الثعبان… وكلاهما ليسا بالأفعى... والعاقر غير العقيم…


قال الله حاكيًّا عن زكريا عليه السلام:
( قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء ( 40 ))
قال الله قال الله حاكيًّا عن السيدة الطاهرة مريم (ام المسيح) عليهما السلام:
(قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( 47 ) )

ألم يلفتك الفرق بين "يفعل ما يشاء " و "يخلق ما يشاء"؟
كلمة واحدة... غيرت المعنى... واي تغيير!... كلمة واحدة عبرت عن فروق ثلاثة… على الاقل…

اولها- وهو الذي دارت في فلكه جميع الاجوبة- تقريبا- على الفايسبوك عندي بعد ان طرحت السؤال...
زكريا عليه السلام كان كبير السن... زوجته عاقر*... ماذا كان ينقصهما للانجاب؟... كبر السن ليس مانعا لتحقيق ذلك كعقر المرأة... قال الله: (فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه) ... فطرفا السبب موجودان مع مشكلة خلقية عند الزوج (يعني الامرأة)… ولا تحتاج إلا لاصلاح هذه المشكلة… فعبر عن ذلك القرآن ب" يفعل " وليس "يخلق"...
أما مريم عليها السلام فلا رجل عندها... القضية اكبر من مشكلة خلقية يصلح أمرها... فكان الفعل "يخلق"

ثانيها- انقل الكلام من كتاب البيان في روائع القرآن للدكتور تمام حسان:
"وبناءً على هذا الفَهْم نرى أن التعبير بلفظ "يفعل" في قول زكريا لا يُثير خواطرَ سيِّئة؛ لأنَّ زكريا وامرأته زوجان، فلا شبهة إن حملت المرأة؛ لأنَّ زوجها بجانبها، وقد كان إخصابها بواسطة تسخير زوْجها لذلك، والتسخير والإخصاب مِن فعل الله، أما في حالة مريم، فإنَّ التعبير بلفظ "يفعل" ربما أثار خواطرَ سيِّئة، فاللفظ لهذا غير مناسب، ومِن هنا جاء الفعل "يخلق" ليوحي بطلاقة القدرة، وهيمنة الإرادة والمشيئة الإلهية"

فلفظة "يفعل" مع مريم عليها السلام قد يتوهم له أمر ليس بمحمود! كأنك قلت: ذلك الرجل يفعل ما يشاء مع مخطوبته... اين سيذهب الفكر مباشرة؟... مع العلم ان الفعل "يفعل" شامل... فقد يكون "يراسلها... يهديها هدية… " ولكن الفكر لا بد ان يذهب لهناك… فجاء الاسلوب رائعا… وحاشا لله ان تكون له صاحبة أي زوج … فالاليق بالسياق… مع امرأة عذراء… ان يعبر القرآن بلفظة "يخلق " لا "يفعل"... (بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم)

ثالثها- يا لروعة القرآن… كم من المرات دمج القصة بالتشريع... ودمج القصة بالبرهان ومقارنة الاديان… بل دمج كيت وكيت باسلوب رائع … ليس بمتكلف... فلا تجد موضع اللحمة بارزا نافرا ناتئا ناطقا بالتكلف … كلا…
وهنا مثال… الموضع موضع قصة … يقص الله علينا أمر مريم عليها السلام ولكنه رد قاسم على من يدعي ألوهية المسيح… الامر بين من الآيات… لماذا يكون المسيح ابن الله؟ لانه خلق من ام دون اب فيحتاج لله أبا؟ كلا… حاشا لله... وحاشا لعيسى عليه السلام ان يدعي لنفسه الألوهية وهو عبد ابن امة… جاء البرهان… (إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون)... فإذا بنا نتذكر الآية: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران... لاحظ... "كن فيكون" مرة أخرى ... انقل لكم تفسير ابن كثير ليبين لنا البرهان…
"يقول جل وعلا: { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ } في قدرة الله؛ حيث خلقه من غير أب { كَمَثَلِ ءَادَمَ } حيث خلقه من غير أب ولا أم، بل { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } فالذي خلق آدم من غير أب وأم، قادر على أن يخلق عيسى بطريق الأولى والأحرى، وإن جاز ادعاء البنوة في عيسى لكونه مخلوقاً من غير أب، فجواز ذلك في آدم بالطريق الأولى، ومعلوم بالاتفاق أن ذلك باطل، فدعواها في عيسى أشد بطلاناً وأظهر فساداً، ولكن الرب جل جلاله أراد أن يظهر قدرته لخلقه حين خلق آدم لا من ذكر ولا من أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، كما خلق بقية البرية من ذكر وأنثى، ولهذا قال تعالى في سورة مريم:
{ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِّلْنَّاسِ } "

ولكن مهلا … ما شأن " يفعل" و "يخلق " في ذلك؟
سبحان الله... القرآن اورد البرهان كما بينا أعلاه… نعم لا شك... ولكنه اورد زعم النصارى بطريقة غير مباشرة... بطريقة موجزة... لم تخل بالمعنى... فهو لم يرد إلا على زعم يزعمه القوم… هذا الزعم عبر عن القرآن بكلمة "يخلق" وليس "يفعل"... بل أنظر الروعة…
(أنى يكون لي غلام) في قصة زكريا عليه السلام (أنى يكون لي ولد) في قصة مريم عليها السلام…
فلماذا هنا غلام وهنا ولد... من جملة ذلك انه ايراد لزعم النصارى بطريقة غير مباشرة ايضا … أنظر بالله عليك ماذا يدعون:

"كتاب قانون الايمان لقداسة البابا شنودة الثالث
مولود غير مخلوق
السيد المسيح -كما قال القديس أوغسطينوس- له ميلادان: ميلاد أزلي من أب بغير أم، قبل كل الدهور. وميلاد آخر في ملء الزمان من أم بغير أب.
هو مولود من الآب، غير مخلوق، إذ أن له ميلاد أزليًا "لا بداءة أيام له، ولا نهاية حياة" (عب7: 3). ومادامت ليست له بداية أيام، إذن هو غير مخلوق. لأن كل مخلوق له بداية، وهي يوم خلقه.
هنا قانون الإيمان يُعطي التعليم السليم، الذي هو ضد تعليم الأريوسيين"
لولا مخالفة القانون في المنتدى وخوفي من نشر الكلام لوضعت الرابط وهو من موقع نصراني مشهور على النت

فإذا بالقرآن يقول لهم بل هو مولود ومخلوق… مولود (أنى يكون لي ولد) ومخلوق (يخلق ما يشاء)... هو مولود ومخلوق... هذا الزعم…يردونه لانه من ام دون اب فيحتاج لاب ازلي... وهذا الرد عليه… (إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون)...
ثم يحدثنا القرآن عن دليل آخر يتخذه النصارى على ألوهية المسيح عليه السلام وذلك بأنه كان يحيي الموتى وغير ذلك من الامور العظام… ولكن رد القرآن عليه بأن ذلك بغير قدرة المسيح عليه السلام ولكنه باذن الله… تماما كمعجزات الأنبياء عليهم السلام… فها هو موسى عليه السلام تتحول عصاه إلى أفعى باذن الله وذلك اصعب من احياء الموتى… فلماذا لا يتخذون من موسى عليه السلام الها؟... بل يخبرنا العهد القديم أو الجديد أو كلاهما عن اشخاص غير المسيح عليه السلام بانهم كانوا يحيون الموتى … فلماذا ليسوا بآلهة؟...
ختام الفصل ولله الحمد والمنة …
---------------------------------------------------
* فرق القرآن بين " العاقر" و "العقيم " وقد فسر ذلك أحد الباحثين- بحسب السياق- ان العاقر هي التي يحتمل شفاؤها على عكس العقيم التي لا يرجى لها ذلك... والله اعلم

أحمد عبدالله.
08-19-2013, 02:00 AM
اضاف منذ قليل أحد الاخوة على الفايس تفسيرا اعجبني وارجو التعليق عليه...
"يفعل" اشمل من "يخلق"... ومن جملة الفعل هو الخلق...
زوج زكريا عليها السلام بحاجة لاصلاح ثم خلق الجنين... فطبعا الذي يخلقنا- مع وجود السبب- هو الله... (( يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ))[الزمر:6]... إذا الزوج بحاجة لفعلين... الاصلاح والخلق... فعبر عنهما القرآن بلفظة شاملة لكليهما..."يفعل"... في حين ان مريم عليها السلام لم تكن بحاجة لاصلاح...

قد يقول قائل هذا يتعارض مع التفسير الاول... اقول ليس بالضرورة... فالاول إذا اخذنا المسألة من زواية الأسباب المعتادة التي امرنا الله ان نأخذ بها...
فكانت المعجزة في "الاصلاح" من دون وجود طبيب معالج لا في "الخلق"... لانه أمر عادي... في حين كانت معجزة السيدة مريم عليها السلام في "الخلق"... فهو حديث القرآن عن المعجزة بشكل خاص...

أما التفسير هذا فهو يردنا فيدلنا إلى السبب المعتاد والمعجزة مجتمعين...

إلى حب الله
08-19-2013, 06:29 PM
بارك الله فيك أخي على هذا المجهود الطيب في تدبر القرآن أنت ومَن معك ...
وأرجو أن تستمر في نقل مثل هذه الفوائد في هذا الشريط ..
وأن تضع له رابطا في توقيعك لتعميم الفائدة ...

وفقكم الله ..

مسلم أسود
08-19-2013, 11:42 PM
حقاً إن له لحلاوة . و قد قال لنا مدرس السنة الماضية أن نتفكر في كل كلمة و حرف نقرأه في كتاب الله . فمثلاً هناك قوله تعالى {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً } . فحين تحدث الله سبحانه عن التسلق و الذي يحتاج خفة قال "ما اسطاعوا" و التي لها نفس معنى "ما استطاعوا" و لكنها أخف . أما حين تحدث عن الحفر و النقب الذي يحتاج إلى قوة و شدة قال "ما استطاعوا" موافقاً الحدث . فسبحان الله العظيم .

أحمد عبدالله.
09-14-2013, 06:53 PM
اسعدني مروركما أحبتي في الله... دعواتكم