المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإمام المتغلب له شرط للطاعة يا جماعة



ابن عبد البر الصغير
08-20-2013, 06:37 AM
بعجالة قد بدأنا بسماع تخريجات فقهية لتبرير ولاية السيسي تحت بند الإمام المتغلب وقد أضاع طرف الخيط كثير من الأفاضل أوضحه بإيجاز :

أن الإمام المتغلب الذي تجب طاعته هو ذاك الذي يقوم بمقاصد الإمامة وليس الذي يريد إبطالها كما نص عامة الفقهاء، والإمام والإمامة عند الفقهاء اصطلاحا يختلف في الوصف عن حال السيسي وحكومته اليوم، حيث أن تعريفها الشرعي هو :

عند العلامة ابن خلدون : [ الإمامة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به ] - المقدمة -

عند الإمام النسفي : [ الإمامة هي نيابة عن الرسول عليه السلام في إقامة الدين بحيث يجب على كافة الأمم الاتباع ] - العقائد النسفية -

عند الإمام الجويني : [ الإمامة رياسة تامة، وزعامة تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا ] - غياث الأمم -

عند الإمام الماوردي : [ الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به ]

ومن هنا كان لفظ الإمام ملازما لمن يحقق مقاصد الإمامة من سياسة الدنيا بالدين وإقامة الواجبات الشرعية والشريعة الإسلامية، ومنه لفظ الإمام المتغلب، فقد كان المتغلبون في عصور السلف مطبقين للشريعة الإسلامية رافعين للواء الجهاد يسوسون الدنيا بالدين، فكان أن مقاصد الإمامة متحققة فيهم وضرورة حفظ الدين متحققة معهم فروعي حفظ النفس على القتال من أجل الأشخاص فأجمعوا على صحة ولاية المتغلب للضرورة .

لكن لو أن المتغلب خرج على إمام مسلم بغية قمع الشريعة وكبح البرنامج الإسلامي ومظاهرة الكفار عليه كان فعله من أقبح القبائح ولا تجوز ولايته ولا طاعته ولا تسقط ولاية الأول المأسور ومنه قول الإمام الماوردي رحمه الله تعالى : [ ... فأما الحجر فهو أن يستولي عليه من أعوانه من يستبد بتنفيذ الأمور من غير تظاهر بمعصية ولا مجاهرة بمشقة فلا يمنع ذلك من إمامته ولا يقدح في صحة ولايته ولكن يُنظر في أفعال من استولى على أموره فإن كانت جارية على أحكام الدين ومقتضى العدل جاز إقراره عليها تنفيذا لها وإمضاء لأحكامها لئلا يقف من الأمور الدينية ما يعود بفساد على الأمة . ]

وهنا اشترط الماوردي كما عامة الفقهاء أن طاعة الإمام المتغلب لا تكون لمجرد أنه متغلب بل إن كانت تتحقق فيه مسألة كبرى وهي إقامة الدين بأحكامه وإلا فيضيف الماوردي : [ وإن كانت أفعاله خارجة عن حكم الدين ومقتضى العدل لم يجز إقراره عليها ولزمه أن يستنصر من يقبض ويزيل تغلبه ]

فكان الشرط الذي تتحقق به الطاعة هي حكمه بالدين لا علمنتها، ثم يضيف في كتابه الأحكام السلطانية : [ وإن أُسر - يعني الإمام الشرعي - بعد أن عقدت له الإمامة فعلى كافة الأمة استنقاذه لما أوجبته الإمامة من نصرته، وهو على إمامته ما كان مرجو الخلاص مأمول الفكاك إما بقتال أو فداء . ]

والشرط مصداق لقول النبي صلى الله عليه وسلم [ اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عبد حبشي رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله تعالى ] - البخاري - فالطاعة مشروطة بإقامة كتاب الله تعالى وإن انعدم الشرط سقطت الولاية، وهذا الحديث يفهم جمعا مع الأحاديث الناهية عن خلع الإمام بغير كفر ووجوب قتل الإمام الذي ينازع الأول في الولاية ...

والتقييد تجده في كتب الفقه مبسطا ومنه قول الإمام ابن عابدين رحمه الله تعالى : [وإذا تغلب آخر على المتغلب وقعد مكانه انعزل الأول وصار الثاني إماما وتجب طاعة الإمام عادلا كان أو جائرا إذا لم يخالف الشرع ] - رد المحتار على الدر المختار -

لكن الأمر مختلف في مصر، فالسيسي عين حكومة علمانية، وجاء انقلابه نصرة للطائفة العلمانية التي تعادي الدين وتزدري الشريعة وتقول بأنها لا تصلح لمكاننا ولا زماننا وأنها أحكام متخلفة من العصور الماضية، ولا يختلف اثنان أن من اعتقد هذا فهو لا يعد من أهل الإسلام جملة وتفصيلا لأنه من المعلوم بالدين بالضرورة، وإن كانت نية السيسي إجهاض حكم الإخوان لأنهم يقولون بالشريعة وتطبيقها تدريجا فهذا أيضا ناقض من نواقض الإيمان، وكفى بها طامة بأن يصرح إيهود باراك بوجوب دعم السيسي والليبراليين أمثال البرادعي وأن الانقلاب في نظره جاء لأن مرسي أراد الحكم بالشريعة !

وفي كلتا الحالتين لا يكون وصف الإمام المتغلب الذي تجب طاعته متحققا في الفريق السيسي، وأفعاله دالة على إرادة ترسيخ العلمانية في البلاد، وهذا ما يسقط مقصود الإمامة جملة وتفصيلا .

وإلا فحدثوني هل هذه مبشرات تطمئنون إليها :

1- الخروج على إمام شرعي بعزله مقابل اغتصابه للسلطة .

2- التنسيق مع الغرب والعصابة العلمانية للتمهيد للانقلاب العسكري .

4- تعيين حكومة علمانية ليبرالية واستبعاد حتى حزب النور المشارك في الانقلاب !

5- الإسهام في حصار أهل غزة عبر إغلاق المعبر .

6- التضييق على الدعوة عبر منع الدعاة وإغلاق القنوات الإسلامية .

7- حصار المساجد وانتهاك حرماتها والتهاون في حمايتها .

8- قتل الأنفس المؤمنة المحرمة شرعا .

9- اعتقال عدد من أهل الفضل وتلفيق التهم إليهم .

10- حصوله على دعم الحكومات الغربية وتأييد الكيان الصهيوني.

لهذا فأرجوا ممن يكرر على المسامع مسألة الإمام المتغلب أن يتحرى هذا المسلك الدقيق .

والله أعلم.

بحب دينى
08-20-2013, 07:52 AM
جزاك الله خير الجزاء أخي الحبيب على ما تفضلت به : نسأل الله أن يهدينا الى ما يحب ويرضى وأن يحفظ بلاد المسلمين من كل شر ..اللهم آمين .

مشرف 10
08-20-2013, 08:00 AM
بارك الله فيكم على هذا المجهود والنقل من تلك المصنفات ....

طالبة علم و تقوى
08-20-2013, 09:03 AM
بارك الله فيكم أستاذنا ورفع مقامكم و زادكم علماً و بصيرة و الثبات و إياكم ....


و ٱسمح لي بهذه المداخلة
_____________________

و لكي نعزّز المبشرات التي تقدمتم بها بذيل المقال التي جاء بها الإنقلاب الدموي و علمانيوا و كفرة مصر ..مع أنه في الحقيقة السيسي الفاجر قالها صراحةً أنه ضد مرسي ل(((مشروعه في الخلافة الإسلامية))) و هو ما يؤكد تواطأه مع الكفرة بالخارج و الداخل و ينعق بمثل نعيقهم كما سنر ى:

هذه هدية بسيطة للمغيبين إما بجهل سببه التعتيم و الخبث الإعلامي أو بعِلم بتأويل فقهي غير سديد لا منطقا و لا شرعاً !.....و لولا موت أحد أقارب والدتي رحمه الله و بعض الإنشغالات الآن الله خير معين.. لسهرت على تجميع دلائل لا تقبل الجدل لتنظيف عقلية من يقول أن القضية بمصر مجرد عراك سياسي و الغلبة للقوي منهما له تجب الطاعة و أنه لا مساس حقيقي للدين إنما المسألة " إخوان مسلمون " بحد ذاتهم! وهم فعلا كذلك عنذ الغرب ليس كتنظيم ولكن "كرمز" فقط للقوة الإسلامية و الخلافة الإسلامية سيتحول لفاعل قوي إن أمسكوا الحكم في بلد محوري في المنطقة كمصر لتحقيق ما يرتعب منه الغرب رعبا و فوبيا...

ملاحظة : الإعلام الغربي بعيدا عن السياسة الخارجية لبلدانهم يسهر على تشويه سمعة الإخوان و الإسلام السياسي عموما و تمرير رسائل لشعوبهم بكونه مشروع للخلافة الإسلامية التي ستعلن الجهاد و هذا يهدد الأمن الأوروبي + الكيان اليهودي + المسيحي القبطي ...بل وصل الأمر من مفكريهم لربط هذا التخوف و تصعيده بسبب الأزمات الإقتصادية التي يعاني منها الغرب و تدهو حال السكان هناك ما يجعلهم أضعف للتأثر بالتيار الإسلامي الديني و السياسي القادم ...***الإعلام الأمريكي الآن ينتقد إدارة أوباما لمواقفها المعارضة للعسكر بمصر رغم أنها مخنثة!...

من الضروري رؤية هذه الأشرطة المترجمة المهمة :



خطاب الإبليس المصري ساويرس النصراني للأمريكان حول الإخوان المسلمين و تنظيم حماس والخلافة الإسلامية و تحذيراته الشديدة الإستهزائية


http://www.youtube.com/watch?v=7nKZAi9Wrz8

تقرير أمريكي حول الخلافة الإسلامية.. الإخوان ...أردوغان ...مرسي...إلخ و ٱنظر كيف يحللون التورات العربية و يكيدون


http://www.youtube.com/watch?v=UyIUMQKDV24

المؤرخ و المفكر البريطاني Niall Ferguson و توقعاته المستقبلية و تحذيراته من الخلافة الإسلامية


http://www.youtube.com/watch?v=srBuqHa6ufA

تحليل أمريكي مفصل و جريئ لكل دول المنطقة يصف ملوكنا و رؤسائنا بالدمى! ..متخوف من الخلافة الإسلامية أيضا


http://www.youtube.com/watch?v=TKMwp37NMOY

زينب من المغرب
08-20-2013, 03:22 PM
جزاكم الله خيرا..
هذا ما يبعث فينا اليقين بأن الإنهزامية إن بثت بين بعضنا( وهو معذور فالدم يعز علينا ويذهب منا قوة الصواب أحيانا) ففينا من يستخدمه الله ليرفع الهمم كما شاء الله لها أن تكون في جنوده على الأرض..
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ دماء إخواننا في مصر وينصرهم نصرا ساحقا لكل دعاوي الباطل وأكاذيبهم وتلاوينهم..
فالله ناصرنا لا محالة لكن هو تمحيص لا بد منه حتى لا يعوج الصف فيما بعد..

السيف الصقيل
08-20-2013, 04:21 PM
يصيبك الأسى عندما ترى الفوضى الفقهية و اصدار الأحكام خاصة عند النوازل !
فمن كانت تتشوف نفسه للمواجه استطاع تتطويع الأحكام لتحقق رغبته و من أحب السلامة وجد من الأحكام ما يبرر فعلته !!
خاصة أن التراث الفقهي يزخر بالآراء المتضاربة فيجد الكل ما يحقق رغبته !
فأبعدنا النصوص الشرعية ( الوحي / الكتاب و السنة ) و العكوف عليها و تتدبرها و معرفة معانيها و كيفية تنزيلها على الواقع فأنتجت لنا هذا الكم الهائل من التناقضات !
ما يحدث اليوم لا يناقش إلا من بعد احكام مسائل الإيمان و معرفة نواقض الإسلام ثم تطبيقها على من كان قبل أو بعد هذا الحدث !
فالأحكام الشرعية لا تحابي أحدا !
خاصة بعد أن تفشت جرثمة الإرجاء في الخلايا الجذعية للفكر الإسلامي !
الخطوة الأولى على الطريق الصحيح أن يتم اعلان التوبة من العمل الديمقراطي و من قبولها !

ابن عبد البر الصغير
08-20-2013, 11:52 PM
شكرا للأساتذة الكرام على هذه التعليقات البهية ... وفي الحقيقة من لم يتجرد من الهوى النفسي فلا يدرك الحق في النوازل يقينا، فالنفس قد تركن إلى مايريحها ويصبح الرجل يلتمس المعاذير ويبحث في أمهات الكتب عن ما ينصر رأيه، لكني في هذه المسألة بالتحديد لا أرى إلا التدليسات والبتر من كلام الأئمة بخصوص المتغلب وإخراجه عن مقصود الفقهاء، نسأل الله السلامة والعافية .

فتصور السلف للإمام سواء كان بطريق شرعي أو متغلبا، عادلا أو جائرا هو غير حال من يحكم مصر الآن، فلم يكونوا رحمهم الله يتساهلون مع من يفرط في مقاصد الإمامة أو يتهاون عن سياسة الدنيا بالدين ، والأدلة الشرعية صريحة واضحة في ذلك وأقوال أهل العلم أيضا لا تقبل جدالا، ولا يوجد وراء ذلك إلا الظن وما تهوى الأنفس .

زينب من المغرب
08-26-2013, 01:28 AM
د. عادل رفوش

هوية بريس - الخميس 22 غشت 2013م

لست غافلاً عن مضايقِ النظر في السياسة الشرعية المعاصرة، والتقاطعات المتناحرة مع السياسة الديمقراطية، بل والتحدي الكبير أمام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضوابطه شرعاً، وبإكراهاته واقعاً بين مجتمعاتٍ انخفض فيها الوازع الديني عملاً، -وإن كان قويا تعاطفاً، وخاصة عند الجدب وركوب أمواجِ المحن؛ ترى ذلك جليا في مستشفيات مجتمعاتنا المسلمة وفي مقابرها، وعند عزاءاتها المنكسرة لجلال الله إيماناً بقضائه وقدره خيره وشره حلوه ومره من الله تعالى-..

وكما انخفضت الرغبة في تشخيص واقعيةِ الشريعةِ وجعْلِهَا دَأَباً في حياة الناس عقيدة وسلوكاً، لأسباب أكبرتِ الوضعَ عبر السنين، فكذلك انخفضت المعرفة الأصيلة بماهية الشريعة ولو في أدنى تصوراتها البعيدة عن تحريف العلمانيين وعن تشكيلها في خلافات المذاهب..

وبعيداً عن تراقيع مُهَجَّنَةً تهاب هجمة الناسِ وتغفل عن "نعم المولى ونعم النصير"، وعن "فإن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين"، وعن "فإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المومنين والملائكة بعد ذلك ظهير"..

هذا التدني العام في تصور الشريعة وطرق تكييفها في حياة الناس لا يشك عاقل في أنه ملقٍ بظلاله، -ظلالٌ محرقةٌ ذات شعبٍ ذات لهبٍ فكريٍّ لا ظليلٍ ولا مخايله بوارفةٍ،- على كثيرٍ من الأنفس والعوالم، ولا يجوز التغافل عنه وعن أزواجه من مفاتيح الأزمات التي قد تساعد في تفسير كثير من المعضلات؛ تقريباً بين الأفهام وتحقيقاً لرحمانية الله "التي وسعت كل شيء" في أن جعل "لكلّ قومٍ هادٍ"..

وغيرَ بعيدٍ عن شجرة الفقه في شاطئ المصالح الأيمن، من واد الاجتهاد غير المقدس في بقعة الشريعة المباركة الشاسعة..

أَيْ يا عبادَ الله اخلعوا نعال التجاذب وأمسكوا بعصا الطاعةِ لله وحده، تهشون بها الشبهات وزاهقَ الباطلِ؛ دون أن تكون لكم فيها مآرب أخرى، ظهرت لغيركم أو تختانون بها أنفسكم، إلى درجة أن تُسَكَّرَ الأبصار فتجادلون عن الذين يختانون أنفسهم أكثر منكم "هأنتم جدلتم عنهم في الحيوة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أَمَّن يكون عليهم وكيلاً".

أو إلى درجة توقعون الضرائر بأنفسكم وتستسلمون للمُضِرّينَ بكم، ثم تقولون: "فقه الضرورات" وأَيُّ ضرورةٍ هذه وهي في حيز إمكانِ الرفعِ أو الدفعِ، وأي ضرورة هذه التي لم تنل شرف الصبر والمصابرة والمرابطة والتقوى "لعلكم تفلحون"؟!

وأي ضرورة هذه "ولما يعلم الله الذين صدقوا"؟

وأي ضرورة هذه وأنت مازلت في أول بوادر الألم في ذات الإله لتكون من الراجين: "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله غفوراً رحيماً".

وأَيُّ ضرورة تلك وأرضُ البدائل واسعة ومساحة المدافعة شاسعة "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها" -وقد كان فيهم مستضعفون تنتابهم الضرورات- أليست المدافعة أذىً هَوَّنَهُ الرحيمُ الودود بقوله: "لن يضروكم إلا أذى وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور"، وجعل في لأوائه حفظ الصوامع والبِيَعِ والصلواتِ من الانهدام..

فليس كل أذى ضرورة، وليس كل مدافعة فتنة، وليس كل حالٍ مكروهةٍ يتخيل في مآلها المُكْفَهِرُّ الأسوأُ "عسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا"، بل قد يفرضُ الشاقُّ شرعاً "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم" فتجاوز به حدّ الخيرية له في نفسه إلى الخيرية لأنفسنا ونحن لا نشعر..

والأنفسُ هنا أبعد وأبلغ من أن تقصر على من يعايش الحدث وإنما نفس الأمة ذات الجسد الواحد "فإذا دخلتم بيوتاً غير مسكونةٍ فسلموا على أنفسكم"؛ فقد نتحمل الأذى الضنكَ في جيلٍ لترتاح أجيال؛ فتكون عين التهلكة جزءًا نجاةً كُلاَّ، وعينُ المفسدةِ سَنَةً مصلحَةَ الدهر والحِقَب: "قال أَخَرَّقْتَهَا لِيَغْرِقَ أَهْلَهَا"؟

"فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا"

وشواهد ذلك في حياة الصابرين بعدد رمل عالج وأضْوَأ من مصابيح السماءِ وأزين.

أي يا عبادَ الله: الحاكم في أصل الشرع:

ولي بايع له أهل الحل والعقد فتابعتهم الأمة، على تفاصيل معروفة في الأوصاف والشورى وصيغة البيعة.. الخ

المهم أن الرضى شرط، ولا يؤمُّ قوما وهم له كارهون، (ولا أريد التطويلَ بنقولٍ فهي باديةُ المظان)..

ولما كانت النزاعات واردة في أقل العقود شأناً في الدراهم والأواقي؛ كان النزاع في عقد الإمامة بأنواعها، وسياسة الناس أكثر احتمالاً؛ لشساعة الرداء ولصعوبة التعميم بالإرضاء، فجاءت الشريعة بفقه"الغلبة" إمعانا في الرحمانية والرحيمية بالناس كافة، ولكن بين المرتبتين -أعنى "الرضى والغلبة"-.

نصت الشريعة بقطع المتواترات على تحريم الخروج، والنهي عن الأخذ بالظنة أو التحامل لفئوية المصالح أو التعلل بتقصيره في نفسه، وجعلت لأقاصي ذلك حد البواح؛ قطعاً للطريق عن العبث في العصب، فجعلت الباب أعقد من الربا في الاقتصاد لا يقبل في عُمَدِ المال "إلا هاءَ وهاء يدا بيد"..

بل استحلت دمَ المنازع مع أنه لا يخلو من متابع كائنا من كان؛ طلبا للقرار والوقار، وحتى لا يصابَ الناس في طُعمَةِ الجوع ولا في مأمنِ الخوف، ورحمة بالجماعة من عذاب الافتراق ، والإعجاب بالرأي والقبيل..

ولم تأذن في جعل كل ظالم خارج غالباً إلا بعد مغالبة، لأن الظالم طاغ ولو تصوّر وجودهم في ملكوت الإلهية!!"لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا سبحانه"؛ فلا يحجز الظالم إلا الأخذ على يده، أو أن يسلم له الاستضعاف.

أما والدلاء سجال، تَنالُ وتُنالُ، فليس إلا مقارعة المدافعة استنصارا للسلام بالحق؛ إذا أيها الناظر: "الحاكم المتغلب" في الشريعة ضرورة لا يجوز إيقاعها بالنفس عند إمكان دفعها دون تهويل أو تهوين؛ "فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم"، "غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه واتقوا الله".

ولا يجوز التجاوز إذعاناً إلى مسغبة الكرهِ دون المدافعة عن أصل مَقْرُبَةِ الرضى، ولا يصح الهرع إلى المستثنيات ولما يستفرغ الوسع في الحفاظ على الأصول، ولا مجال هنا لادعاء الاستبصار في رؤية المآلات قبل إدبار الفتن؛ فإن سلمت كنت حكيم الأمة، وإن ابتليت قلت: ألم أقل لكم! وإن ظفر الحق قلت ألم أكن معكم!!

أما نحن فنعتقد الجزم لمصير من إليه تصير الأمور، ونقول ما قال الرجل الصالح: "فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله"، وما أمره إلا دعوته ولا موعده إلا الآخرة، وما عدا ذلك ما قال إمامنا مالك: "إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين"..

وإنها -والله شهيد- لمدلهماتٌ، ولكن الحديثَ عن كلمة حق تَكْلؤ الكوزَ أن لا يصيرَ "مجَخِّياً لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا" خير من توريع بارد أو اعتزال شارد أو وسط بائد..

ليس ضروريا أن نكون بين خيارين نزاريين "إني خيرتُكِ فاختاري"، أن نستسلم أو الدماء!

الواقع الدنيوي بالمجاهدة سيفرض اختيارات أخرى تبقي على المصالح وتهدي بإذن الله وسنجد أن في الحياة الدنيا على الأعراف رجال لن يروا معك النعيم بادي الرأي ولكن قد لا يستمرؤون تلقاء أصحاب الهاوية؛ وهذا القدر كافٍ في سياسةِ الدولةِ تحقيقا للعدل، ثم تحسن الدعوةُ طريق البر للأنام ..

لماذا لا نجعل الظلمة يفكرون في العدل؟!

لماذا لا نغالب المفسدين حتى يعزموا على الإصلاح؟!

إنَّ عَجَلتنا في تقدير المصالح والمفاسد؛ كثيراً ما تجعلنا في حَيِّزِ من يخافون "عيلةً" وقد فَنَّدهم الله بقوله: "فسوف يغنيهم الله من فضله"، ودونك أمثالَ أرضِ الكنانة -وقد صارت من أيام الله التي يُذَكَّرُ بها، حتى رأينا فيها انبعاثَ من يَهْبِطُها شهوةً في "بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها" يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير-؛ أن تجد في حادثة انقلاب مصر "30يونيو" من يسوي بين "خَلْعِ مبارك" و"الثورة القدرية" عليهِ أَخْذَ عزيزٍ مقتدر، وبين "الخروج على مرسي" و"فئة اللاغين عليه ولم يُسَمِّ بعدُ "لعلهم يغلبون"!

كالذي يسوي بين مدتيهما: "تجريب سنة بصورة حكم"، وبين "خلود ثلاثين سنة فرعونية دكتاتورية"!

ناهيك عن الصوت النشاز بتفضيل حسني!!

يُخَلِّدونَ قولةَ هتلر: "اكذب اكذب حتى يصدقك الناس" فيصير الكذب حقيقة فلا يخترق!

أي ميزان هذا؟؟

وأي كذب على الشريعة؟

وكيف سيلقى الله مثل: "خالد الجندي الأزهري" مواطئا "لعمرو أديب المذيع" في ليلة القدر!!! تغلي قدور حناجرهم بالسوء.

وكمُلَ المشهد حين اتصل "رئيس الانقلابيين الصوري المؤقت" بأهله وعشيرته!!! فكان حسب المذيع المِهْيافِ والأزهري المتلاف أنه من بركات استجابةِ دعائهم في ليلة القدر!!!!

ثم بعدها شاء الله بُكْرَةً أن شهد شاهد من أهل أمريكا -ولي أن الانقلاب انقلاب كما أن البطة بطة، فَنَكَّتَ وبَكَّتَ حتى خرج المسلماني صاحب الجمهورية الثانية عن عقله المصطنع في طبعته الأولى!!!!!

كيف إذا ستقدرون المتغلب في زماننا يا ألسنَ العدل وأنتم لم تحددوا أين الغلبة وعند من القوة والمقاليد ومن الغالبُ والمتغالبُ والمُغَلِّبُ؟!

وإذا كان الأمر محيرا فالوقوف مع الأصل أصل، وأن الحقائق عندنا عقائد لا تزلزل وإن خفيت مآلات حكمها، فنحن عبيدُ "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"، موقنون بـ: "له مقاليد السموات والأرض"، مؤمنون بقوله: "فوجد الله عنده فوفاه حسابه".

أَيْ يا عباد الله؛ إن شريعة الكبير المتعال بناءٌ واحدٌ؛ أذن الله لإبراهيم الخليل وولده إسماعيل برفع قواعد بيته المُحَرَّم ولم يأت ذكر السقف في البيان الكريم؛ تلميحا -والله أعلم بمراده- إلى سموقِ هذا البيت وسُمُوِّ شريعته، وبساقة نخيل الفهم فيه؛ بحيث يمكن البناء على قواعده إلى يوم تبلى السرائر، ما دام المُوَلِّي وجهه شطره ليضع لبنةً أو ما قاربها؛ ويضع ما صنع على عين الرحمن: "ولتصنع على عيني"، ولنفسه سبحانه: "واصطنعتك لنفسي"، ويُقرِّبُهَا لِتَقَرَّ في يده تعالى وكلتا يدي ربكم يمين..

ولا هَمَّ له حينئذٍ إلا أن يُشَدَّ أزره للصدع بما يؤمر "كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيراً"..

زينب من المغرب
08-26-2013, 01:35 AM
عنوان المقال نسيت ارفاقه: الانقلاب وفقه المتغلب..

أمَة الرحمن
08-26-2013, 02:06 AM
أليست المدافعة أذىً هَوَّنَهُ الرحيمُ الودود بقوله: "لن يضروكم إلا أذى وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور"، وجعل في لأوائه حفظ الصوامع والبِيَعِ والصلواتِ من الانهدام..

فليس كل أذى ضرورة، وليس كل مدافعة فتنة، وليس كل حالٍ مكروهةٍ يتخيل في مآلها المُكْفَهِرُّ الأسوأُ "عسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا"، بل قد يفرضُ الشاقُّ شرعاً "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم" فتجاوز به حدّ الخيرية له في نفسه إلى الخيرية لأنفسنا ونحن لا نشعر..


ولا يجوز التجاوز إذعاناً إلى مسغبة الكرهِ دون المدافعة عن أصل مَقْرُبَةِ الرضى، ولا يصح الهرع إلى المستثنيات ولما يستفرغ الوسع في الحفاظ على الأصول، ولا مجال هنا لادعاء الاستبصار في رؤية المآلات قبل إدبار الفتن؛ فإن سلمت كنت حكيم الأمة، وإن ابتليت قلت: ألم أقل لكم! وإن ظفر الحق قلت ألم أكن معكم!!

أما نحن فنعتقد الجزم لمصير من إليه تصير الأمور، ونقول ما قال الرجل الصالح: "فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله"، وما أمره إلا دعوته ولا موعده إلا الآخرة، وما عدا ذلك ما قال إمامنا مالك: "إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين"..

كلماتٌ من ذهب! بارك الله في كاتبها و ناقلها.

زينب من المغرب
08-26-2013, 03:16 AM
وجدته مقالا بليغا فأوردته لعل أهل العلم يشمرون عن سواعدهم لبلورته إلى خطط منهجية للتحريض على حلول لهذه المرحلة دون تجاوزها إلى الظن فيما بعد الإستسلام..
ووفقك الله سبحانه إلى اقتباس ما أردت تلوينه بالأحمر وأرغمت نفسي على عدم فعله لحاجة في نفسي.. والله الهادي إلى الصواب..
والذي لم يدرك بعد أن الهزيمة النفسية في مصر أدت إلى خنق السوريين بدم بارد فهذا لا رجاء منه بعد ولا عزاء في ميتته تلك
والله المستعان لا رب سواه..
بارك الله مسعاك يا كريمة

العزبن عبد السلام
08-31-2013, 04:41 PM
جزاكم الله تعالي خير الجزاء علي هذا المجهود الكبير الذي يشهد لكم بحفظ وافر من العلم والثقافة والاطلاع
وإتماما للفائدة هذه تغريدات للشيخ أحمد سعيد حوا عن إمامة المتغلب وهي من الأهمية بمكان ، وقد أفدت منها كثيرا علي المستوي الشخصي أنقلها لكم علّ الله تعالي ينفع بها ، وإن شا ءالله تعالي أنا أبحث هذا الموضوع باستفاضة وأجمع المادة التي عندي وأرتبها وأضعها هنا
• ولاية المتغلب هي الولاية التي يكتسبها صاحب قوة ولو خرج على الولي الشرعي، ثم تستتب له الأمور ويسيطر على مقاليد الحكم في البلاد.


• فهل تعتبر ولاية المتغلب طريقا شرعيا صحيحا لاكتساب الولاية؟ وما حقيقة ما ينسب إلى الفقهاء القدامى من ذلك؟ وما الخلفية التاريخية لذلك؟


• أنبه أولاً أن ما سأذكره في هذه المسألة هو اختيار لبعض المحققين من أهل العلم، وأنا أتبناه، وأقدّر أن هناك أقوالا أخرى، لكنها اجتهاد لا يلزمنا.


• الراجح لدينا بعد البحث والدراسة أن الطريق الشرعي الصحيح الوحيد في الأحوال العادية لاكتساب الولاية في أمة الاسلام هو: "اختيار أهل الحل والعقد".


• وهذا يعني أن ما قرره بعض الفقهاء من طرق للولاية إنما قالوا به في ظروف استثنائية أو اضطرارية، وليس في أحوال عادية.



• وللتوضيح: فإنه لم يثبت نص واحد على مشروعية ولاية العهد، والنبي -صلى الله عليه وآله، وسلم!- لم يستخلف أحدا، وترك الأمر لأهل الحل والعقد فاختاروا أبا بكر.

• وأبو بكر رضي الله عنه لم يولِّ عمر على الحقيقة، وإنما رشّحه، ولم يلزم الناس ببيعته في حياته، وإنما بايعه أهل الحل والعقد بملء إرادتهم بعد وفاته.

• وأما إقرار بعض الصحابة والتابعين لولاية العهد في زمان معاوية إنما هو اجتهاد استثنائي تحكمه ظروف استثنائية قدروها هم، ويتحملون هم فقط تبعتها.


• ربما خشي بعض الصحابة والتابعين عودة الفتنة والاقتتال بين الناس، فأقروا بولاية العهد دَرْءًا لمفسدة أكبر كانوا يتوقعونها ويخشونها.


• والذي ينبغي أن يُعلم أن الفقه الاستثنائي لا ينبغي بحال من الأحوال أن يصبح فقها أصليا أو حكما عاما مطّرِدًا، بحيث يصبح الأصل استثناءً أو شذوذا.



• لم يعد مقبولا أن تُحكم الأمة بفقه استثنائي ومسألة استثنائية طيلة ثلاثةَ عَشَرَ قرْنا، وتُمنع الأمة من الرجوع إلى قرار أهل الحَلّ والعقد.


• وما قيل في ولاية العهد يقال في ولاية المتغلّب، إذ ليس هناك نص من كتاب أو سنة يسندها، إنما هي الموازنات المبنية على تقدير المفاسد واختيار أخفها.


• ولا يُعقل أن نبقى نقول بإقرار ولاية المتغلب دفعا للمفسدة طيلة ثلاثة عشر قرنا أيضا، بل يجب الرجوع إلى قرار أهل الحل والعقد في الأمة.


• ثم يجب التنبه إلى أمر أهم وأخطر، وهو أن علماءنا قالوا بولاية المتغلب الذي يَحكُم بشرع الله -تعالى!- وليس الذي يأتينا بأنظمة عَلمانية تحارب الدين.



• وأضيف أن المرحلة التي حكمت فيها الأمة بولاية العهد أو بولاية المتغلب هي هي المرحلة التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم "المُلك العَضُوض".


• وجاءت مرحلة الملك العضوض بعد مرحلة الخلافة الراشدة التي شهد لها أنها على منهاج النبوة، فلا شك إذن أن الملك العضوض نَقْصٌ أو نزولٌ عن تلك الرتبة.


• ونستطيع أن نقول: إن مرحلة الملك العضوض انتهت بإسقاط الخلافة العثمانية، لتدخل الأمة في مرحلة هي أخطر وأشد وأسوأ، هي "الملك الجَبْريّ".



• ولمَن لمْ يدرك الفارق بين المرحلتين نقول: إن الشريعة كانت هي مرجعية الأمة في مرحلة "الملك العضوض" على ما كان فيه من نقص أو ظلم.

• فلما دخلنا في مرحلة "الملك الجبري" أقصيت الشريعة وحورب الدين وأهله، وأصبحنا نحكم بأنظمة وضعية صنعها المحتلون الصليبيون لبلادنا في القرن الماضي.



• وبناء عليه فإن كل ما قاله بعض الفقهاء عن الرضا بولاية المتغلب لا محل له في واقعنا، وإنما الواجب الشرعي هو الوقوف في وجه الظلمة وتحكيم الشريعة.



• فإن أمكن الوقوف بوجه الظلمة بالطرق السلمية فليكن، وإلا فيجب اتخاذ الوسائل اللازمة لإعادة الأمور إلى نصابها، مع تقدير الظروف والإمكانات.


• والظروف والإمكانات إنما يُرجَع في تقديرها إلى العلماء الثقات الربانيين الذين شهدت لهم الأمة وسلّمت لهم، وليس علماء السلاطين الذين اقتاتوا على السحت.