المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأويل قوله تعالى : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) وبيان علاقة ذلك بالقضاء



اكرم غانم
08-28-2013, 09:14 AM
تأويل قوله تعالى : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) وبيان علاقة ذلك بالقضاء والقدر :

قال الشيخ الالباني : (اعلم أن المفسرين اختلفوا اختلافاً كثيراً في تفسير آيتي (الرعد) : ( لكل أجل كتاب ۞ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) على أقوال كثيرة ، استوعبها الشوكاني في الفتح ، وذكر بعضها ابن جرير، ثم ابن كثير، واختار هذا ما هو أقرب للسياق ؛ فقال : ( أي : لكل كتاب أجل ، يعني : لكل كتاب أنزله الله من السماء مدة مضروبة عند الله ، ومقدار معين ، فلهذا : (يمحو الله ما يشاء) : منها : (ويثبت) ؛ يعني : حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله صلوات الله وسلامه عليه ).
فالمحو والإثبات فيهما خاص بالأحكام في الكتب المتقدمة أو في الشريعة المحمدية ، ينسخ منها ما يشاء ، ويثبت ما يشاء.
وهو يلتقي مع ما رواه ابن جرير (16/ 485) وغيره بسند فيه ضعف عن ابن عباس : ( يمحو الله ما يشاء )، قال : من القرآن ؛ يقول : يبدل الله ما يشاء فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله. ( وعنده أم الكتاب ) ، يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب، الناسخ والمنسوخ ، وما يبدل، كل ذلك في كتاب.
وقد وجدت ما يقويه من رواية عكرمة عن ابن عباس، من وجهين عن عكرمة:
الأول: رواه يزيد النحوي عنه ابن عباس؛ في قوله: ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها )، وقال: ( وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل ... ) الآية ، وقال : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) ؛ فأول ما نسخ من القرآن القِبلة ... الحديث.
رواه النسائي أواخر الطلاق ، وأبو داود مختصراً.
وإسناده حسن ؛ كما هو مبين في الإرواء (7/ 161/ 2080).
والآخر : رواه سليمان التيمي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما ؛ في قول الله عز وجل : ( يمحو الله ما يشاء ) ، قال : من أحد الكتابين ؛ هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت ، ( وعنده أم الكتاب ) ؛ أي : جملة الكتاب.
رواه ابن جرير (16/ 480،481) ، والحاكم (2/ 349). وقال: صحيح غريب . ووافقه الذهبي.
قلت: وفي رواية لابن جرير (16/ 491) من طريق علي عن ابن عباس : ( وعنده أم الكتاب ) ، يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ؛ الناسخ والمنسوخ ، وما يبدل وما يثبت ، كل ذلك في كتاب.
وفي سنده انقطاع وضعف.
ثم اعلم أنه - وإن كان المحو والإثبات في الآية خاصاً بالأحكام الشرعية ؛ كما تقدم - ؛ فليس في الشرع ما ينفيهما في غيرها ، بل إن ظواهر بعض النصوص تدل على خلاف ذلك ؛ كمثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ) ؛ وهو حديث حسن مخرج في الصحيحة (154). وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من أحب أن يبسط له في رزقه ، وأن ينسأ له في أثره (وفي بعض الطرق : في آجله) ؛ فليصل رحمه ) متفق عليه ، وهو مخرج في المصدر السابق برقم (276).
وقد صح عن ابن عباس أنه قال : لا ينفع الحذر من القدر ، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر.
أخرجه الحاكم (2/ 350). وقال: صحيح الإسناد . ووافقه الذهبي.
إذا عرفت ما تقدم ؛ فاعلم أن المحو المذكور والزيادة في الرزق والعمر ؛ إنما هو بالنسبة للقضاء أو القدر المعلق ، وأما القضاء المبرم المطابق للعلم الإلهي ؛ فلا محو ولا تغيير ، كما كنت شرحت ذلك في تعليقي على مختصر مسلم للمنذري (ص 470) ؛ فراجعه فإنه هام !.
ثم رأيت القرطبي قد أشار إلى ذلك في تفسيره الجامع ، فقال (5/ 332) : والعقيدة أنه لا تبديل لقضاء الله ، وهذا المحو والإثبات مما سبق به القضاء ، وقد تقدم أن من القضاء ما يكون واقعاً محتوماً - وهو الثابت - ، ومنه ما يكون مصروفاً بأسباب - وهو الممحو - والله أعلم.
قال الغزنوي : وعندي أن ما في اللوح خرج عن الغيب ؛ لإحاطة بعض الملائكة ، فيحتمل التبديل ؛ لأن إحاطة الخلق بجميع علم الله محال ، وما في علمه من تقدير الأشياء لا يبدل.
وإذا عرفت هذا ؛ سهل عليك فهم كثير من النصوص المرفوعة والآثار الموقوفة ، وقد تقدم بعضها ، وتخلصت من الوقوع في تأويلها. والله الهادي.
ثم وقفت على كلام جيد لشيخ الإسلام ابن تيمية ، يؤيد ما ذهبت إليه في مجموع الفتاوى (8/516 - 518،540،541) و (14/ 488 - 492) ، فراجعه ؛ فإنه مهم.) ٳھ
قلت : قال ابن كثير في تفسيره بعد أن ذكر اختلاف المفسرين في تفسير قوله تعالى : (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)(الرعد/39) : (ومعنى هذه الأقوال : أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها ، ويثبت منها ما يشاء) ....... (وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : (يمحوا الله ما يشاء ويثبت) يقول : يبدل ما يشاء فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله ، (وعنده أم الكتاب) يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ، الناسخ والمنسوخ ، وما يبدل وما يثبت ، كل ذلك في كتاب.
وقال قتادة في قوله : (يمحوا الله ما يشاء ويثبت) كقوله : (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) (البقرة/106).).

وكتبه
اكرم غانم
الموصل/العراق
28 اب 2013