المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نبذة بأسلوب مبسط عن علم الحديث وكتبه ..



إلى حب الله
08-29-2013, 08:15 PM
نبذة بأسلوب مبسط عن علم الحديث وكتبه ...

الإخوة الكرام ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

1)) مقدمة ...
2)) فكرة مُبسطة عن عِلم الحديث .....
3)) النقل المتواتر والنقل الأ ُحادي ...
4)) درجات الحديث : وشروط الحديث الصحيح ...
5)) أشهر الفروقات بين صحيحي البخاري ومسلم ...
6)) شبهات في اختلاف روايات الصحابة ...
---

1)) مقدمة ...

يقول الإمام (ابن الجوزي) رحمه الله :
" لمّا لم يمكن لأحدٍ أن يُدخِلَ في القرآن ما ليس مِنه : أخذأقوامٌ يزيدون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويضعون عليه : ما لم يقل !.. فأنشأ الله علماءً : يذبون عن النقل !.. ويُوضحون الصحيح !.. ويفضحون القبيح !.. وما أخلى الله منهم عصرا ًمِن العصور !.. غير أن هذا الضرب (أي هذا النوع مِن العلماء) : قد قل في هذا الزمان (يقصد في القرن السادس الهجري ! فما بالنا بوقتنا الحاضر؟!!) فصار أعز مِن عنقاء مغرب (كناية عن شدة النــُدرة) " !
---
وبالفعل :
فقد كان حَملة الحديث : هم حُماة الدين حقا ً! وجهابذة الأمة صدقا ً!.. يقول (سفيان الثوري) رحمه الله تعالى أيضا ً:
" الملائكة حُراس السماء (أي مِن عبث الجن بالوحي) !..وأصحاب الحديث حُراس الأرض (أي مِن عبث الكذابين في سُـنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) " !!!!..
---
يذكر الحافظ (الذهبي) رحمه الله في (طبقات الحفاظ) :
" أن هارون الرشيد أخذ زنديقا ًليقتله (ونحن نتبرأ إلى الله تعالى مِن الأكاذيب التي نسجها الحاقدون على هارون الرشيد رحمه الله) .. فقال الزنديق : أين أنت مِن ألفحديثٍ وضعتها (أي بثثتها كذبا بينكم عن رسول الله) ؟فقال الرشيد : وأين أنت يا عدو الله : مِن أبى إسحاق الفزاري : وعبد الله بن المبارك : ينخلانها : فيُخرجانها حرفا ًحرفا ً" !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!....
---

نعم إخواني ...
لقد أنشأ الله تعالى في هذه الأمة الإسلامية : علماء حديثٍ :كانوا جبالا ًفي الحفظ !.. وأوعية ًعظيمة ًللعلم : لم تعرف أمة مِن الأمم السابقة مثلهم قط : حِفظا ًوتدقيقا ًونقدا ً!.... وتمييزا ًللأخبار !.. وتفتيشا ًوراء كل كلمة : حتى يُعرف مُخرجَها والناطق بها !!!.. وهي مِن أخص خصائص هذهالأمة الإسلامية العظيمة : والتي حسدها عليها الحاسدون وحقد عليها فيها الحاقدون ........
---

وأخيرا : فإن الناظر لِما وضعه هؤلاء العلماء المُحققونالعِظام مِن شروطٍ لقبول الآحاديث والروايات : لا يستغرب مِن كثرة ما أخرجوه لنا مِن آحاديث ضعيفة أو موضوعة أو مكذوبة على النبي : لا !.. بل : يستعجب مِن نجاح عددٍ مِن الآحاديث : للفوز بوصف الحديث الصحيح في كتبهم : مِن بعد هذه الشروط !!!!....
---
(ملحوظة : كانت لأحداث الفتنةبين الصحابة : وظهور فرق الخوارج والشيعة : وصحوة اليهود لإفساد الدين : كان لكل ذلك الدور الأول البارز للفت نظر الصحابة والتابعين للتدقيق في الكلام المنسوب إلى رسول الله والمسلمين) ........
-------------

2)) فكرة مُبسطة عن عِلم الحديث .....

حيث سأعرض هنا بأسلوبي في التبسيط والشرح :كل ما يتعلق بهذا العِلم العظيم مِن مباديء ومفاهيم : لأترك لكم أنفسكم الحُكم بعد ذلك في : هل ترك هؤلاء الأئمة الأفاضل : ثغرة ًواحدة في علمالحديث الذي حفظ لنا تفاصيل هذا الدين عن النبي ؟!!!!!..
ملحوظة :
قد اعتمدت في عرض المعلومات على ما قدمه الدكتور الأشقر رحمه الله في كتابه الماتع (الواضح في أصول الفقه) : والذي لا أرى بديلا عنه لكل طالب علم مبتديء ..
---

فعِلم الحديث ببساطة :
هو عِلم البحث في صحة الروايات والأخبار الدينية :والمنسوبة في المقام الأول بالطبع للنبي .. ثم يليها في الأهمية : المنسوبة إلى صحابته الكرام .. وربما نال بعض التابعين ذلك أيضا ً: لأنهم مَن عايشوا وفهموا عن الصحابة دينهم : والذين بدورهم عايشوا وفهموا عن النبي الدين !..
---

ولضمان النجاح في ذلك البحث والتدقيق : فقد احتاجهؤلاء العلماء لأدوات ...
وهذه الأدوات : مُرتبة كالآتي :
1...
أن يكون هناك رواة ٌوكتبة ثقات عن النبي (وهم الصحابة) ..
ورواة وكتبة ثقات عن الصحابة (وهم التابعين) .. ورواة وكتبة ثقات عن التابعين (وهم تابعيالتابعين) ..
وهكذا :
وإلى أن يتم تدوين الحديث في أول كتاب ٍمِن كتب السُـنة والآحاديث الجامعة المعروفة (وعلى هذا وكما رأينا :فقد تشمل سلسلة عنعنةالحديث وسنده : مِن أربعة إلى خمسة أو ستة أشخاص) ومن أشهر الكتب الجامعة للحديث هي :
موطأ مالك .. المسانيد مثل مُسند أحمد .. الصحاح مثل صحيحي البخاري ومسلم .. السنن مثل سنن الترمذي والنسائي وابن ماجة إلخ ..
2...
ولذلك : وللتأكد مِن سيرة وعدالة كل واحدٍ مِن الرواة : قام المُصنفون قديما ً: بجمع وكتابة الكتب التي نعرفها باسم : (تراجم الرجال) .. حيث تشتمل كل ترجمة لشخص ٍمِن الأشخاص على المعلومات المتوفرة عن : تاريخ ومكان ميلاده ووفاته !.. وبلده التي عاش بها !.. والأماكن التي سافر إليها !.. وموعد تلك السفريات والعودة منها !.. وأسماء مَن التقى بهم في بلده وسمع أو تعلم مِنهم !.. وأسماء الذين التقى بهم في سفره وسمع أو تعلم مِنهم !.. ومَن تتلمذ على يديه أو سمع منه .. كما تشتمل ترجمته أيضا ًعلى :
صفاته .. أخلاقه .. عِلمه .. مدى ضبطه وحِفظه للآحاديث التي يسمعها ..إلى آخر كل ذلك ...
3...
ومِن بعد كتابة كتب (التراجم) : أتت كتبٌ أخرى قائمة عليها وهي كتب : (الجرح والتعديل) ......
حيث يتم فيها فلترة كل ما سبق مِن معلومات : لتكوين التقييم المناسب لكل شخص مِن رواة الآحاديث .. فإذا كان فيه ما يجرح في روايته (كاعتياد الكذب أوالنسيان أو التدليس المتعمد أو غير المتعمد والمقبول والغير مقبول في إسقاط ذكر بعض الرواة من السند أو الوهم والاختلاط .... إلخ) : فيذكره علماء (الجرح والتعديل) بدقة وأمانة في كتبهم (وهو نوع من أنواع الشهادة التي يجوز فيها الغيبة) ....
وإذا كان مشهودا ًله بعدالة روايته (كاستقامة أخلاقهأو علمه الغزير أو قوة ذاكرته وشدة ضبطه لما يسمع فلا يتغير في ذاكرته بمرور الوقت ..... إلخ) : ذكر ذلك أيضا ًعلماء (الجرح والتعديل) في كتبهم ...
وبالطبع كل عالم كان يختلف عن الآخر حسب سعة اطلاعه وسفره وبلده وزمانه ..
ومن هنا فدقة حكم كل عالم على رواة الأحاديث : كانت تتناسب مع سعة ما اطلع عليه من تراجم الرواة وجرحهم وتعديلهم وما وصله عنهم من كتب الآخرين وتراجمهم ..
وهذا أحد أسباب اختلاف بعض العلماء في قبول أو رفض رواية أحد الرواة.. حيث يكون أحدهم قد اطلع على شيء من حاله قد غاب عن الآخر ..
4...
ومِن هنا .....
فقد كان أيضا لكل عالم حديث في تقييمه وقبوله للآحاديث والرواة :شروطا ًمعينة للتصحيح والتضعيف : قد تختلف قليلا ًأو كثيرا ًعن غيره .. وأما أصعب هذه الشروط : فهي ما وضعه البخاري ومسلم في صحيحيهما .. ولذلك : فإن كتابيهما : يُسميان بــــ : (الصحيحين) .. ويُسمى الواحد منهما بــــ : (الصحيح) .. وأما الحديث الذي يرويه الاثنان بنفس المتن والسند (ولو أول راوي في السند) فيُسمى بـ : (متفق عليه) .. أما لو روى الاثنان نفس متن الحديث ولكن بسندين مختلفين (أو عن راويين مختلفيين) فيُقال (رواه الشيخان)
وأما لقوة شروطهما :
فكثيرا ًما يُخرج أحد علماء الحديث حديثا ًقائلا ًفيه :(على شرط الشيخين : ولم يُخرجاه) : ويعني بذلك أن ذلك الحديث : قد التزم شروط البخاري ومسلم في صحيحيهما رغم أنه : لا يوجد في صحيحيهما : وذلك لأنهما لم يضعا كل ما يعرفانه مِن آحاديث صحيحة فيه ........
وهكذا تتدرج قوة شروط كل كتاب في الحديث .. ولذلك نجد في الكتب الأخرى غير الصحيحين : ما هو ضعيف وما دون الضعيف : كـ (الموطأ) للإمام مالك و(المسند) للإمام أحمد و(سُـنن) الترمذي وابن ماجة والنسائي وأبي داود وغيرهم .....
وأما للوقوف على أسباب وأنواع صحة الحديث مِن ضعفه :
فأدعوكم لقراءة التعريفات والقواعد الهامة التالية :
-----------

3)) النقل المتواتر والنقل الأحادي ...

أولا ً: النقل المتواتر ....
والنقل المتواتر : هو أن يكثـُر رواة الحديث الواحد : أوالحدث الواحد : كثرة ً: لا يُمكن معها الكذب .. وخصوصا ً لو كان فيهم : مَن لم يلتق بالآخر قط !.... كالذين أخبرونا مثلا ًعن وجود أمريكا والقطب الشمالي .. كما أنه يُشترط للتواتر أن يكون بأحد الحواس : أي يشتركوا جميعا ًفي (سماع) أو (رؤية) شيءٍ معين ٍ مثلا ً: ولا يجوز في التواتر الظن (ومِن هنا يخرج تواترواتفاق ملايين النصارى ومَن شابههم عن ظنهم بربهم)
---
وأما أنواع التواتر مِن حيث السند .. فهناك مثلا ًما يكونمُفردا ًفي طبقة السند الأولى (وهو الصحابي الذي سمعالحديث مِن رسول الله) : ثم يتواتر الحديث بعد ذلك عن هذا الصحابي .. ومِنهم ما يكون مُفردا ًفي الطبقتين الأولى والثانية (أي الصحابي والتابعي) : ثم يتواتر بعد ذلك .. ومِنه ما يكون مُفردا ًغريبا ًفي كل طبقاته : حتى يتم تدوينه في أحد كتب الحديث : فيبدأ طبعا ًبالتواتر مِن
بعد ذلك التدوين ...
فأما مثال الحديث المُفرد الذي تواتر بعد ذلك : فمِثل حديث :
" إنما الأعمال بالنيات : وإنما لكل امريءٍ ما نوى .... "
فلم يروه مِن الصحابة إلا (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه ! ولم يروه مِن التابعين عنه إلا (علقمة بن وقاص الليثي) رحمه الله !.. ثم تواتر بعد ذلك في رواياتٍ كثيرة ......
وأما مثال الآحاديث المُفردة التي لم تتواتر إلا بعد تدوينها في أحد كتب الحديث : فمثل ما جاء في سُـنن (أبي داود) ..
ولا يُعد مثل هذا النوع أحاديثا ًمتواترة ....
---
وأما إذا أ ُطلق وصف : حديث متواتر هكذا بعمومه : فهو يعني في علم الحديث أنه : متواتر في جميع طبقات السند : بثلاثة أو أكثر في كل طبقة ....
---
وهناك نوعان مِن التواتر :
تواتر لفظي : وفيه تطابق ألفاظ الحديث الواحد برغم كثرة الرواة ..
وتواتر معنوي : وهو ما اختلفت ألفاظه : باختلاف النقل وتباين درجات الحِفظ والضبط والإتقان في كل طبقة : ولكنه يُفيد اليقين أيضا ً: مثل الآحاديث المنقولة عن النبي في (الشفاعة) و(الحوض) وغيرهما : لاتفاق التفاصيل العامة للأحداث والمعاني ..........
---
(ملحوظة : لا يُشترط في النقل المتواتر : أن يكون الرواةمسلمين !!.. لأن العبرة فيه هي استحالة الكذب مِن أكثر مِن طريق ومِن أكثر مِن راو ٍ: لم يلتق بعضهم ببعض) ...
---------

ثانيا ً: النقل الأحادي ...

وهو كما قلنا : هو الذي ينفرد برواية حديثه أو واقعتهعن النبي : صحابي أو اثنان أو ثلاثة .. وعنهم : تابعي أو اثنان أو ثلاثة ... وهكذا (لأن الفاصل بينالمتواتر والأحادي غالبا ًما يحده العلماء بالعدد ثلاثة) وعلى هذا : فآحاديث الآحاد تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1.. الحديث الفرد ..
وقد يُسمى أيضا ًبالغريب : وهو ما انفرد به راو ٍواحد ..
2.. الحديث العزيز ..
وهو ما رواه اثنان : وهو أعلى مِن الفرد ..
3.. الحديث المشهور ..
وهو ما رواه ثلاثة فأكثر بقليل : بحيث لم يصل للتواتر ..
---

هل الحديث الآحاد : حُجة في الدين ؟!..

والآن نأتي لسؤال ٍ: كثيرا ًما تردد في أكثر مِن وسط :وبأكثر مِن نية !!..
حيث مِنهم مَن كانت نيته : الاستفهام البحت لوجه الله تعالى .. ومِنهم مَن كانت نيته : الطعن فيعشرات الآحاديث التي حملت لنا الكثير مِن شرع ربنا عز وجل : وسُـنة نبينا صلى الله عليه وسلم ... ألا وهو : هل الحديث الآحاد : حُجة في الدين ؟!..
فأقول :
هناك خطأ ملحوظٌ أشار إليه الإمام (الشافعي) رحمه الله تعالى : ألا وهو تشبيه الناس لـبعض (الشهادات) في الدين (والتي تتطلب شاهدي عدل) : بـ : (الرواية) في الأخبار والحوادث !!!...
والفرق : أن الأخبار والحوادث : يكفي فقط لتصديقها : الثقة في قائلها وفي ضبطه : لنحكم بصحتها .....!
واستدل مَن استدل على ذلك : بإرسال النبيُ صلى الله عليه وسلم للكثير مِن أصحابه (أفرادا ً) إلى الأمصار والبلاد المُختلفة كرُسل : يُعلمونهم ويُبلغونهم رسالات الدين وأحكامه ..
ولم يقل أحدٌ بسقوط عدالة ما يقولون بسبب (انفرادهم) في نقل ذلك عن النبي !!!!....
بل وحتى في الشهادات نفسها : يجوز الأخذ بشهادة الواحد إذا اطمأن لذلك القاضي .. ومثل الأخذ بشهادة المرأة فيما لا يطلع عليه إلا النساء مثل البكارة والحيضة والرضاعة إلخ .. والتي يترتب عليها أحكام هامة في الزواج والطلاق والميراث إلخ ...
وعلى هذا :
فالحديث الآحاد : إذا عُـلِمَ صحة راويهِ مِنحيث الضبط والعدالة : فيجب الأخذ به والعمل به : سواء كان ذلك في عقيدة أو عبادة أو معاملات !!!!... وخصوصا ًإذا ابتعد الخبر عن الشذوذ والعِلة القادحة .. فبرغم أن أكابر الصحابة : كانوا أحيانا ًلا يقبلون حديثا ً عن النبي : إلا بشاهد آخر مع القائل (وهم جميعا ًمِنالصحابة) : إلا أننا نلمس عدم مواظبتهم على ذلك .... بل : ونزولهم عن تلك العادة مع مَن هم ثقة في الدين ! حتى ذهب بعض العلماء لتفسير ذلك من الصحابة أنه :
كان بغرض تعليم الناس الاستيثاق من حديث رسول الله ..
فها هو (عمر) : يقبل حديث (عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنهما في عدم الدخول في أرض الطاعون ....
وها هو أيضا ً(عليٌ) فيما يُروى عنه : لم يكن يقبل حديثا ًعنالنبي : إلا مِن بعد أن يستحلف قائله : إلا مِن (أبي بكر) رضي الله عن الجميع ....
-----------

4)) درجات الحديث : وشروط الحديث الصحيح ...

يُصنف علماء الحديث : درجات الحديث غالبا ًكالآتي :
(الصحيح) ثم (الصحيح لغيره) ثم (الحسن) ثم (الحسنلغيره)
ثم (الضعيف) و(الموضوع) و(المُنكر) و(الباطل) و(الذي ليس له أصل) ..
---
فأما تعريف الحديث الصحيح فهو :
الحديث الذي نقله :
1.. الراوي العدل ..
2.. الضابط ..
3.. عن مِثله : حتى يتصل بمصدر الخبر مِن غير انقطاع ..
4.. ولا شذوذ ..
5.. ولا عِلة ..
---

1... عدالة الرواة ..

وهو كما ذكرت لكم في كتب (التراجم) و(الجرح والتعديل)بالأعلى : مِن صفات : الإسلام والأمانة والصدق : وتأدية الفرائض : واجتناب المُحرمات والكبائر والكذب .. وأخيرا ً: درجة ضبطه وتثبته في نقل ما سمع أو رأى .. فيُزكى لذلك ويُسمى عندئذٍ : راوي (عدل) أو (ثقة) ..
--
ولا تــُشترط كل هذه الشروط ساعة السماع أو الرؤيا ولكن : ساعة الرواية .. فيُقبل رواية الصغير : عندما يكبر .. والكافر أو الفاسق : بعدما أسلم وأصلح وتاب ..
(ومثاله الكثير مِن الصحابة الذين مَنّ الله تعالى عليهمبالإسلام والهداية : فرووا آحاديثا ًحال كفرهم : مثل أبي سفيان بن حرب وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهم الكثير) ....
--
ومِن مُبطلات العدالة : صغر السن وقت الرواية .. والكفر .. والفسق والمعاصي وأشدها هنا بالطبع الكذب .. وارتكاب الكبائر كالزنا ونحوه (ولا تقدح الصغائر فيعدالة الراوي لأنه لا يخلو بشرٌ مِنها) .. ولكن يُستثنى مِنها ما قد يدل على نذالة الأخلاق مثل : مُصاحبة الفساقوالسرقة ولو يسيرا .. والترخص في الكذب اليسير .. ومِنها أيضا ًالمُقيم على بدعة .. لأن كل صاحب بدعة
في الدين : هو مُغلبٌ لهواه على الشرع حتما ً..
---
ومما سبق : يتضح دقة علماء الحديث في تتبع رواة السند الواحد : بأسمائهم وأحوالهم : للحكم على الحديث ! فالحديث مثلا ًالذي يوجد في سنده أو عنعنته : راو ٍمجهول أو مُبهم : هو حديثٌ (ضعيفٌ) باتفاق العلماء ... سواء كانت هذه الجهالة أو الإبهام :
جهالة (عين) .. أو جهالة (حال) .....
---
فأما جهالة العين (أي عدم ذكر اسم أحد الرواة) :
فهو كمن يقول : حدثني فلان عن فلان عن (مولى) فلان : ولم يُسمي (مولى) فلان هذا : ولم يُعرف مِن كتب التراجم اسمه ..... أو كمن يقول : حدثني فلان عن فلان عمَن حدثه عن فلان : ولم يُسمي هذا الذي حدثه عن فلان !!.. وهكذا ....... فهذا كله مردود ...
---
وأما جهالة الحال (أي عدم معرفة تاريخ أحد الرواة وصفاته وبلده ومِمَن سمع ... إلخ) :
فهي أن يتم ذكر في أحد الرواة : راويا ًباسمه : ولكن :
لا يُعرف عنه شيء !!!.... فهذا أيضا ًمردود ..
---
وبرغم احتمالية معرفة جهالة (العين) : فيما بعد .. أو معرفة جهالة (الحال) : فيما بعد :
إلا أن ذلك لم يمنع العلماء مِن القطع بالضعف لأمثال هذه الآحاديث : لقطع الباب على كل مُدلس : يقوم بتشويه إحدى سلاسل السند أو العنعنة المعروفة : بالعبث بإدخال مجهول عين ٍأو حال فيها : ليتسنى له بعد ذلك وضع ما شاء مِن أكاذيب عن النبي وصحابته !
(ومِن ألاعيبهم أيضا ً: استخدام كـُـنية مشابهة : لأحدكنيات الروات الثقات المعروفين ! وهذه الخدعة أيضا ً يتم كشفها عن طريق معرفة كل راوي : وبلده : ومَن الذي سمع منه وأخذ عنه الآحاديث .. إذ أنه يصعُب عقلا ًاجتماع اثنان بنفس الكنية في نفس البلد في نفس المكان : ويستمعان لنفس الأشخاص : إلا وعُلِمَ ذلك ... فهل رأيتم دقة ًمثل هذه مِن قبل ؟!) ...
---

((ملحوظة للإخوة الذين لا دراية لهم بعلم الحديث : ويستخدمون برامج الحاسب الآلي في البحث عن صحةأو ضعف الآحاديث : فأود بالمناسبة هنا : أن أ ُحذرهم مِن أنهم : قد يجدوا حديثا ًذا متن ٍواحد : مرة ًضعيفا ً! وأخرى صحيحا ً!.. ولإزالة العجب أقول : أنهم عندما يُصادفون مثل هذا : فيجب أن يفطنوا مباشرة ًإلى أن الحديث كمتن ومعنى : صحيح .. ولكن : هناك بعض الروايات المُدلسة في سنده والتي اكتشفها العلماء : فحكموا على ضعف هذه الطرق منه : نسبة ًللسند لا المتن : ولكي يُحذروا الناس من ذلك السند : فلا يمر تدليس المُدلس عليهم بالعبث في الأسانيد كما قلنا))
------

كما تثبت عدالة الراوي أيضا ً: إذا روى عنه أحدأئمة الحديث الثقات : والذين نصوا على شروطهم الصعبة في كتبهم .. وذلك مثل البخاري في صحيحه .. ومسلم في صحيحه مِن غير المتابعات (والمتابعة هي :رواية أخرى لنفس الحديث : وقد يكون فيها بعض الضعف : ولكن المُصنف يذكرها ليؤكد بها على معنى أو حكم ٍمعين في الحديث الأصل) ... ويُستبعد مِن ذلك : الكتب التي لم تلتزم بهذه الشروط : مثل البخاري في تاريخه .. ومسلم في متابعاته كما قلنا .. ومثل صحيح (ابن حبان) ..
---
وإذا اختــُـلِفَ في عدالة وتجريح شخص ٍما : كأنيوجد مَن يُزكيه : ويوجد في كتاب ٍآخر : مَن يجرح في روايته : فهناك مَن يقومون مباشرة ًبتغليب الجرح على التعديللضمان السلامة ... في حين هناك مَن يشترطون أولا ً: أن يذكر الجارح : فِعلا ًبعينه : هو الذي جرح به في الراوي .. فإذا كان الفعل القادح : يستحق فعلا ًالجرح : فبها .. وإن لم يذكر شيئا ً: أو ذكر فعلا ًظن أنه قادحا ً: وكان له ما يُفسره أو يدفع عنه : لم يقبلوا الجرح : وبقي على حاله مِن التزكية .....
--------------

2.. ضبط الراوي ...

وهذا الشرط الثاني مِن شروط صحة الحديث : يتعلقبمدى ضبط وحفظ وتثبت وإتقان الراوي : لِما سمعأو رأى وخصوصا بمرور الزمن .. كما أن فقهه وعلمه أيضا ً: وفهمه لِما يقول : يرفع كثيرا مِن شأن روايته ... حيث أنه ليس مِن شروط الرواية : أن يفهم الراوي كل الحديث : ولكن فقط : ضمان الحفظ والنقل ! وذلك لقول النبي : " نضر الله عبدا ً: سمِـعَ مقالتي : فوعاها .. وحفِظها : ثم أداها إلى مَن لم يسمعها .. فرُبَ حامل فقه : غير فقيه !.. ورُبَ حامل فقه : إلى مَن هو أفقه مِنه " !
رواه ابن ماجة والترمذي وأبو داود وصححه الألباني ..
---
ولعل أقرب الأمثلة لفهم مدى ضبط بعض الرواة عنغيرهم : هو ما ذكره البخاري في صحيحه : مِن أن (مروان بن الحكم) رحمه الله : أراد يوما ًأن يختبر قدرة (أبي هريرة) رضي الله عنه على الحفظ (وكان يتعجبكغيره مِن قوة أبي هريرة في الحفظ : والتي دعا له رسول الله بها) فدعاه إليه .. وأجلس كاتبا ًله وراء حجاب (حتىلا يراه أبو هريرة) ثم طلب مِنه أن يُحدثه أحاديثا ًعن النبي ! ثم بعد عام : دعاه ثانية ً: وأخذ يستقرئه هذه الآحاديث : فما نسي (أبو هريرة) منها شيئا ً!!!!!.....
---
وعلى هذا ..
فالعلماء يُقسمون الرواة مِن حيث الضبط إلى ثلاثة :
1...
مَن قويَ ضبطه وحفظه .. وعُرف بذلك .. وعُرف عنه حُسن الفهم لِما يروي : وذلك مثل (الزهري) و(مالك) و(البخاري) : وغيرهم مِن الصحابة والتابعين والأئمة ! ومِثل هذا النوع مِن الرواة : هم مَن يجعلون مِن الحديث : (صحيحا) باتفاق العلماء .......
2...
والنوع الثاني هو نوع ٌوسط : لم يرزقه الله تعالى قوة الحفظ والضبط الكبيرة مثل النوع الأول .. ولذلك تجده : يضبط غالبا ً.. ويُخطيء أحيانا ً.. فراوية مثل هؤلاء الرواة هي رواية مقبولة عند العلماء .. وهي التي يُسمونها بـ الحديث (الحسن) .. فإذا تضافرت أكثر مِن روايةٍ حسنة لحديثٍ واحد : ارتقت به لمرتبة (الصحيح لغيره) ....
3...
وأما النوع الثالث : فهو النوع الضعيف في حفظه وضبطه .. والذي قد يتساهل في النقل : فلا يهتم بالضبط مثلا ًعلى قدر اهتمامه بالنقل !.. أو كالمتسامح والمتساهل في روايةالحديث كما سمع .. أو الذي يغلب عليه كثرة الخطأ والتوهموالخلط والنسيان .. وخصوصا ًبمرور الوقت وكبر السن .. أو مع ضياع كتب الحديث التي كان يروي منها : فصار يُحدث مِن ذاكرته فجأة بغير تمكن ولا استعداد لذلك ولا تعود عليه ... وأمثال هؤلاء الرواة : يجعلون مِن الحديث (ضعيفا ً) .. فإذا تضافرت أكثر مِن روايةٍ ضعيفة لحديثٍ واحد : ارتقت به لمرتبة (الحسن لغيره) ....
---------
ويجدر الإشارة هنا إلى أن الحديث الضعيف نوعان :
نوع : هو متروك ٌبالكلية لشدة ضعفه أو تدليسه ..
ونوع : يُمكن الاعتبار به وتعضيد غيره به .. وهو يُشبه تعريف الحديث الحسن في اصطلاح الترمذي في سننه ..
مثال :
(عبد الله بن لهيعة) .. يقول عنه الشيخ الألباني رحمه الله :
" أنه كان مِن أكابر علماء المسلمين .. وكان قاضيا ًبمصركثير الحديث .. ولكن احترقت كتبه .. فصار يُحدِث مِن حفظه : فوقع في حديثه غلط ٌكثير : مع أن الغالب على حديثه الصحة !.. يقول الإمام أحمد : قد أكتب حديث الرجل للاعتبار به : مِثل ابن لهيعة " .....
----
ومِن هنا :
يتبين لنا مدى دقة وفضل كتب (التراجم) و(الجرح والتعديل) (وهي ما يُسمى بكتب : رجال الحديث) : في إعطائنا الصورة الدقيقة اللازمة لمعرفة كل راو ٍمِن رواة آحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وغيره !...
ويتبين لنا أيضا ً: مدى دقتها : كلما تقادم تأخر زمانها !.. حيث يتسنى للعلماء المتأخرين : الجمع بين أكثر مِن كتاب مِن كتب (تراجم) و(جرح وتعديل) العلماء المتقدمين .. فلربما قام أحد العلماء المتقدمين مثلا ًبتضعيف حديث : بسبب جهالة أحد رواته : فيجد أحد العلماء المتأخرينترجمة ًلهذا الراوي المجهول : وفيها تزكية ٌله : فينتقل بذلك الحديث مِن الضعف : إلى القوة !!!!!!!!!!!!..
--
ولعل مِن أشهر كتب (رجال الحديث) : وأفضلها مِن جهة الشمول وحُسن الترتيب : هو كتاب (تهذيب التهذيب) للحافظ (ابن حجر العسقلاني) رحمه الله .. والذي كتبه في (12 مجلد) !!!.. ثم قام باختصاره لطلبة العلم وغير المُختصين في كتاب ٍموجز ٍأسماه : (تقريب التهذيب) في مجلدين فقط .......
---------------

3... اتصال الرواة وعدم الانقطاع بينهم ...

وهو الشرط الثالث مِن شروط صحة الحديث .. إذ لو كانرواة الحديث كلهم عدول وضابطين : ولكن : لم يلق أحدهم : مَن فوقه في سند الحديث (كأن يكونسابقٌ لعصره : أو في بلدٍ لم يذهب إليها الآخر) : فيُقال ساعتها أن الحديث (ضعيف) لأن سنده : (مُنقطع) ... فإذا كان الإنقطاع هو في الصحابي : (أي يروي التابعيالحديث عن رسول الله مباشرة ً: بدون ذكر الصحابي الذي سمعه مِنه) : فهذا الانقطاع يُسمى بالحديث (المُرسل) تمييزا ًله عن غيره (وبعض الأصوليين يُسمي كل حديثمُـنقطع : رواته عدول : مُرسلا ً) ..
وهناك مِن أئمة الحديث مَن يقبل مُرسل التابعي : إن كان التابعي ثقة (لأنه بالتأكيد سمعه عن أحد أصحابالنبي : ولم يكذب التابعي في ذلك) .. ولكن الأصوب هو اعتبار الحديث (المُرسل) ضعيفا : إلى أن يتقوى بغيره .. كما أن مُرسل الصحابة يُقبل عن بعضهم البعض لعدالتهم كلهم ..

وأيضا - وبمناسبة ذكر الحديث (المُرسل) - يجدر الإشارة بإيجاز إلى (التدليس) في السند .. والتدليس هو صورة أوسع من الإرسال .. وهو أن ينسب الراوي سماعا من شيخ أو من راوي سابق : لم يلتق به .. أو عاصره ولكن لم يسمع منه وهكذا .. والتدليس في علم الحديث - وخصوصا مع الذين يتوسعون في تعريفه وأنواعه - نجد أنه قد قسمه العلماء إلى طبقات .. وذلك حسب درجة التدليس .. وليست كلها تعني (تعمد) الكذب أو الغش .. فالتدليس في علم الحديث هو وصف حالة للسند : وتماما كما يؤخذ منه جرحٌ أو تعديل .. فالراوي الذي يقول عن راو آخر لم يسمع منه مثلا : " سمعت فلانا " : فهذا مُدلس كذاب .. وأما لو قال " حدثنا " ولم يسمع منه : فهو إما كذاب مُدلس .. وإما يقصد بحدثنا : تحديث الراوي لأهل بلدته ولم يقصد تحديثه له هو على الخصوص .. وقد يقول المُدلس : " عن فلان " أو " قال فلان " : ولم يسمع منه .. وهكذا ..
والتدليس قد يقع من بعض شيوخ الحديث فيما لم يصرحوا فيه بشرطية اتصال السند .. أو بما رأوا فيه أن قبولهم لعنعنة الراوي المُدلس في هذه الرواية تبتعد بالحديث عن وهم كونه ضعيفا : لأنه من طريق هذه الرواية بالذات صحيح .. وذلك كما وقع في عدد من الأحاديث في الصحيحين .. والكلام بمعنى آخر : قبل أن يتعجب أحد من نسبة التدليس إلى شيخ من شيوخ الحديث : يجب أن يعرف أولا معنى التدليس وأنواعه وحالاته في علم الحديث !.. ومن أي طبقة من طبقات التدليس كان هذا الشيخ ولماذا ؟..
---
كما أن الصحابي لو لم يُصرح في حديثه أنه سمعه مِن النبي : سُميَ الحديث : (موقوفا ً) : أي موقوف على هذا الصحابي .. والحديث الموقوف : لا يجب العمل به في كل الأحوال : إذ أن الصحابة كما هو معلوم : يتفاوتون فيمقدار صحبتهم للنبي وسماعهم مِنه وفهمهم عنه .. ولربما يروي أحدهم عن النبي حديثا ً: على غير الوجه المُراد بهطالما لم يسمعه مُباشرة ًمِن النبي .. بل : وربما كان الحديث الموقوف : هو مِن قول الصحابي لا النبي (لأنه لم ينسبهأصلا ًللنبي) .. واختــُلِفَ في آحاديث الصحابة الموقوفة عن بعض الأمور الغيبية .. فقيل : يُؤخذ بها : لأن الحديث عن الغيب : هو حتما ًسمعه الصحابي مِن النبي ...
---
كما أن الصحابي إذا قال مثلا ً: كان رسول الله يفعل كذا وكذا .. فمثل هذا الحديث يُسمى (مرفوعا ً) .. أي رفعه الصحابي إلى النبي : ولم يُصرح بمشاهدته للنبي كأن يقول : رأيت رسول الله يفعل كذا وكذا .. وإنما قال : كان رسول الله يفعل كذا وكذا ... و(كان) هذه : يُحتمل أن لا يكون الصحابي قد باشر رؤية النبي بنفسه ..
(ملحوظة : بمناسبة مسألة رؤية النبي : والتفريق بينسُـنة النبي القولية والفعلية : فإنه يُحتمل أن يكون الصحابي قد شاهد النبي في فعل ٍ: على غير مُراد النبي ! لأن سُـنة النبي القولية : مُقدمة على سُـنته الفعلية .... فربما ينصح أحد الناس أبناءه مثلا ًأن يلبسوا لبسا ًثقيلا ً في الشتاء : ثم يُرى هو نفسه في أحد أيام الشتاء وهو يلبس لبسا ًخفيفا ً.. فيُقدم هنا قوله على فعله .. لأن الفعل : ربما صرفه صارف وقت نزوله) .....
---
والخلاصة : أن كلا ًمِن الحديثين (الموقوف) و(المرفوع) هما : (ضعيفان) في الاحتجاج في مسألةٍ مُعينة - ما عدا الغيبيات - ولكن : إذا تقوى أحدهما برواية أخرى صحيحة : فيها مثلا ً: (التصريح) بسماع النبي أو رؤيته يفعل كذا وكذا : ارتقت حتما ًبالحديث إلى الصحيح أو الصحيح لغيره ....
-----------------

4... عدم الشذوذ ..

وهو الشرط الرابع مِن شروط صِحة الحديث .. ومعناه :أن لا يكون الحديث شاذا ًفي بابه : يتعارض مع رواية أخرى صحيحه .. وخصوصا ًفي الأمور المحسوسة : فتكون إحدى الروايتين شاذة بالتأكيد .. وذلك بالطبع بعد محاولة الجمع بينهما إذا أمكن بإحدى طرق الجمع المعروفة (مثل أن يكون أحدالحديثين ناسخ للآخر : فرأى صحابي مبتدأ الأمر .. في حين شاهد الآخر منتهاه .. أو كأن يكون الاختلاف : هو اختلاف تنوع وتيسير : كوضوء النبي مرة مرة .. ووضوءه مرتان مرتان .. ووضوءه ثلاث ثلاث : ولم يُرخص في أكثر مِن ثلاث .. إلى غير ذلك مِن طرق الجمع)
فإذا لم يُمكن الجمع بينهما : تم تقديم رواية الراوي الأكثر ضبطا ًوحفظا ًعلى الآخر .. ويكون الآخر قد التــُبس عليه !
---
وأيضا ًمِن الشذوذ :
تعارض الحديث مع القرآن بشكل ٍ: لا يمكن الجمع بينهمافيه !!.. أو يتعارض الحديث مع صريح العقل الذي يُجمععليه كل البشر .. أو يُخالف شيئا ًبديهيا ًمحسوسا ً.....
(وفي هذا رد على مَن يتهمون علماء الحديث بعدماهتمامهم بالمتن والمعنى : بقدر اهتمامهم بالسند) ..
---
ومِن الشذوذ أيضا ً: أن يُخالف الحديث : حديثا ًمتواترا ً.. إذ أن المتواتر : هو أقوى مِن المُفرد يقينا ً!.. فالحديث الذي رواه أحد الصحابة : ثم يرويه معه آخر : لا نقول أن قوته زادت الضعف : بل : الأضعاف !!.. وذلك لابتعاد اثنين عن الكذب بنفس التفاصيل !.. فإذا زاد رواة نفس الحديث إلى ثلاثة : تضاعفت قوته أضعافا ًكثيرة ... وهكذا
---
لذلك كان مِن الشذوذ أيضا ً: أن ينفرد راوي عاديالضبط في رواية حديثٍ غريب : ولم يُتابعه عليه أحد برواية أخرى لنفس الحديث .. ولم يكن له شاهد آخر .. فيسمى مِثل هذا الحديث شاذا ًعند بعض العلماء ..
---
وعن الحديث الشاذ : تفرعت آحاديث غاية في النكران وتعارضها مع صحيح الدين : فساءت سندا ًومتنا ً!!.. وهي الآحاديث (المُنكرة) .. وأخرى تعارضت صراحة ً مع ثوابت الدين : فكانت آحاديثا ً(باطلة) ..............
ومعظم الآحاديث (المنكرة) و(الباطلة) : لا توجد بالأصالة في كتب الحديث .. وإنما توجد غالبا في كتب السير والتاريخ : والتي غالبا ًيكتبها غير المتخصصين في علم الحديث : أو يكتبها مَن يعترف بنفسه أن هدفه جمع الأخبار بغير تمحيص لضيق الوقت : فتتغلب بذلك حاجتهم للقصص والتأريخ : على تثبتهم مِن أسانيد ما ينقلونه مِن أخبار .... ومن مثل هذه الكتب يستخرج أعداء الدين شبهاتهم اعتمادا على روايات لا تصح : وما بني على باطل فهو باطل..!
وذلك مثل تاريخ الطبري وتاريخ بغداد إلخ ...

يقول الطبري مثلا رحمه الله في مقدمة كتاب الشهير الضخم (تاريخ الطبري 1 / 8 ) :


"فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين : مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجها من الصحة ولا معنى في الحقيقة : فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا : وإنما أوتي من قبل بعض ناقليه إلينا .. وإنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا " !!!..

ويقول ابن كثير رحمه الله في أوائل تفسيره سورة ( ق ) :
" ( ق ) :حرف من حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور، كقوله: ( ص، ن، الم، حم، طس ) ونحو ذلك، قاله مجاهد وغيره. وقد أسلفنا الكلام عليها، في أول « سورة البقرة » بما أغنى عن إعادته.
وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا ( ق ) :جبل محيط بجميع الأرض، يقال له جبل قاف. وكأن هذا - والله أعلم- من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس، لما رأى من جواز الرواية عنهم فيما لا يصدق ولا يكذب. وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم، يلبسون به على الناس أمر دينهم، كما افترى في هذه الأمة - مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها- أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما بالعهد من قدم، فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى، وقلة الحفاظ النقاد فيهم، وشربهم الخمور، وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه، وتبديل كتب الله وآياته! وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله:« وحدثوا عن بني إسرائيل، ولا حرج » فيما قد يجوزه العقل، فأما فيما تُحيله العقول ويحكم عليه بالبطلان، ويغلب على الظنون كذبه، فليس من هذا القبيل - والله أعلم.
وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين، وكذا طائفة كثيرة من الخلف، من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد، وليس بهم احتياج إلى أخبارهم، ولله الحمد والمنة، حتى إن الإمام أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، رحمه الله، أورد هاهنا أثرا غريبا لا يصح سنده عن ابن عباس فقال:
حدثنا أبي قال:حدثت عن محمد بن إسماعيل المخزومي:حدثنا ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:خلق الله من وراء هذه الأرض بحرًا محيطًا، ثم خلق من وراء ذلك جبلا يقال له « ق » السماء الدنيا مرفوعة عليه. ثم خلق الله من وراء ذلك الجبل أرضا مثل تلك الأرض سبع مرات. ثم خلق من وراء ذلك بحرا محيطًا بها، ثم خلق من وراء ذلك جبلا يقال له « ق » السماء الثانية مرفوعة عليه، حتى عد سبع أرضين، وسبعة أبحر، وسبعة أجبل، وسبع سموات. قال:وذلك قوله: وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ [ لقمان:27 ].
فإسناد هذا الأثر فيه انقطاع، والذي رواه ابن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ( ق ) قال:هو اسم من أسماء الله، عز وجل.
والذي ثبت عن مجاهد:أنه حرف من حروف الهجاء، كقوله: ( ص، ن، حم، طس، الم ) ونحو ذلك. فهذه تُبْعِد ما تقدم عن ابن عباس. "
---------------

5... عدم العِلة ..

وهو الشرط الخامس والأخير .. وهو مِن اختصاصالمُتمرسين في علم الحديث وكثرة تناوله : وهي التي جعلت لهم : خبرة ًفي شم مرضا ًما في الحديث : مهما كانخفيا ًعن غيرهم .. ومهما التبس سنده بالصحة على الناس .. فيُعرفون تلك العِلة (أو المرض) بقولهم :
" سببٌ خفيٌ غامض : طرأ على الحديث : فقدح في صِحته " ................
ويُساعد جهابزة علم الحديث على اكتشاف هذه العلل : إلمامهم التام بحال الرواة : واحتمالية توهم بعض الرواةفي أوقات معينة مِن حياتهم : أو في مواقف معينة .... أو وجود كلمات في متن الحديث ليست من كلام النبي عادة .. أو معرفة ظروف الرواة أو آرائهم في مسائل معينة من الدين .. أو الوقوف على مدى إمكانية مقابلة اثنين مِن الرواة في نفس العصر لبعضهما البعض مِن عدمه .... إلخ ..
ومِن الذين اشتهروا بذلك : (البخاري) رحمه الله .. ومِنأشهر الكتب في ذلك : (علل الحديث لابن أبي حاتم) .. و(علل الترمذي) بذيل كتابه المعروف بـ (سنن الترمذي)
(ملحوظة : من هنا يفرق العلماء بين علم الحديث رواية ودراية .. فالرواية : هي دراسة السند وما يتعلق به ورواته من الصحة والضعف إلخ .. وأما الدراية : فهي أعم وأشمل من ذلك في البحث في السند والمتن والعلة)

يُتبع بالجزء الثاني والأخير إن شاء الله ..

إلى حب الله
08-29-2013, 10:47 PM
5)) أشهر الفروقات بين صحيحي البخاري ومسلم ...

ولو أن الأمر بيدي : لوددت أن أذكر نبذة ًعن كل كتابٍ مِن كتب الحديث .. ولكني سأحاول هنا فقط : إماطة اللثام عن أهم الفروقات بين صحيحي البخاري ومسلم..
---
ولكن بداية ً: إليكم هذه النبذة العامة عن تاريخ تدوين الأحاديث ..
----------
-----------------
حيث من المعروف اعتماد كل الفقهاء مِن الصحابة والتابعين في شتىفتاويهم : على القرآن أولا ً.. ثم سُـنة نبيهم ثانيا ً.. ثم سُـنة الخلفاء الراشدين المهديين مِن بعده ..... وهكذا ..
وكانوا في تناقل سُـنة النبي : بعضهم يكتب : كعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه : والذي أذن له النبي في الكتابة لمعرفته باهتمامه بما يكتب وتخصيصه لصحيفة لحديث النبي فلا تختلط بالقرآن ..
وأما أكثرهم : فكان لا يكتب .. إما لأميته وعدم معرفته للكتابة أصلا .. وإما لقلة مواد الكتابة في ذلك العصر والتي جعلتهم يدخرونها للقرآن .. فكان أولئك يحفظون سنة النبي في صدورهم ثم يتناقلونها شفاهة عند الحاجة أو الوعظ أو التعليم ..
وبالطبع كان على رأس هؤلاء أبو هريرة وأنس وعبد الله بن عمر وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم ..
وظلت السنة مفرقة هكذا (شفاهة وتدوينا) وإلى أن :
بدأ التجميع والتدوين لسُـنة النبي صلى الله عليه وسلم في سنة 99 هـ :
وكان ذلك بأمر ٍمِن الخليفة الراشد (عمر بن عبد العزيز) رحمه الله .. والذي أوكل إلى (أبي بكر بن حزم) أن يجمع مِن البلاد والأمصار : سُـنة رسول الله قائلا ًله :
" انظر إلى سُـنة رسول الله فاكتبها : فإني خفت دروس العلم (أي اندراسه واختفائه) وذهاب العلماء (أي بالموت) " ..
فقام (ابن شهاب الزهري) رحمه الله تعالى بتلك المهمة عنهما ... وهو الذي عاصر أنس بن مالك رضي الله عنه وسهل بن سعد الساعدي وغيرهم ..!
(وهنا ليس لنا إلا أن نضحك على سفهاء الملاحدة والنصارى ومنكري السنة والعلمانيين والشيوعيين الاشتراكيين وغيرهم : أنهم حينما يريدون التشكيك في السنة والأحاديث يدعون أنها لم تكتب إلا بعد قرنين أو ثلاثة أو أربعة - ولاحظوا : مجرد كتابتها وليس حتى جمعها ! - ثم يستدلون بتاريخ حياة وموت البخاري رحمه الله !!.. وكأنه أول مَن قام بكتابة وجمع الأحاديث هكذا من نفسه !!!!.. ونسوا أن النبي كان يملي أحيانا ًالرسائل لصحابته ولرسله إلى الملوك والقبائل ! وأن من الصحابة مَن كان يكتب عنه كعبد الله بن عمرو كما تقدم ! ثم الصحابة يتناقلونها شفاهة .. ويأخذها عنهم التابعين وتابعيهم ! حتى أن أبا حنيفة نفسه في نهاية القرن الأول كان يروي الأحاديث عن حماد : عن نفر من الصحابة ! ومن بعده الإمام مالك .. ثم الشافعي ثم أحمد : ومعهم الكثير من
معاصريهم كابن معين وغيرهم !!.. وما معظم أحاديث البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي وأبي داود وغيرهم إلا من تلك المصادر ولكن مع انتقاء الصحيح منها .. وسبحان الله فعلا ًعلى الجهل) !!
---
واختلفت مصنفات علماء الحديث .. فأكثرهم : كان يهدف لجمع كل ما يتعلق بالنبي مِن أحاديث طالما لها أسانيد : حتى ولو كانت ضعيفة (وذلك لأنه كما قلنا : يُمكن أن تتقوى بعد .. كما أن
بعض العلماء كان يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال كالأذكار والأخلاق الحسنة ونحوه أو الاستئناس به في بعض الأحكام والأخبار .. بل وقد وصل الحال ببعضهم مِن الخوف والورع مِن الابتداع في الدين : أنه كان يُفضل العمل بالحديث الضعيف : على أن يعمل برأيه في مسألةٍ مِن المسائل !!.. على أن يحتفظ برأيه فقط في المسائل التي ليس فيها حديث صحيح أو ضعيف بقدر الإمكان) .. وعلى ذلك :
فمِن العلماء مَن عُرف بالفعل على احتواء كتابه في الحديث : على الحديث الصحيح والضعيف وغيره :
وذلك كالإمام (أحمد) رحمه الله في مسنده ..
ومِنهم مَن عُرف ذلك من تعريفه لمصطلحات كتابه .. ولهذا حذرنا كثيرا أي أحد من التقول على أهل علم الحديث وشيوخه : لو كان بغير علم !.. حيث تخدعه بعض مصطلحاتهم في كتبهم إذا لم يكن يعرف ما يقصدون بها ....
مثال 1 :
ففي (سنن الترمذي) مثلا : وعندما يحكم على خبر أو حديث بأنه (حسن غريب) :
فحسن تعني : خلو متن الحديث ومعناه من الغرابة والنكارة والشذوذ ..
ولكن غريب تعني : أن سند الحديث فيه شيء من الغرابة أو النكارة أو الإشكال : وكلها عرضة للضعف !
ولا يُعد الخبر أو الحديث عنده صحيحا : إلا إذا نص على صحته بوضوح كقوله مثلا :
صحيح .. أو حسن صحيح أو صحيح حسن .. أو صحيح غريب أو غريب صحيح .. أو صحيح حسن غريب ..

مثال 2 :
هناك مَن يُفرق بين وصف الحديث بـ (الصحيح) .. وبين وصفه (صحيح الإسناد) أو (سنده صحيح) ..
حيث صحيح تعني : استيفائه للخمسة شروط كاملة :
عدالة الرواة .. ضبطهم للحفظ .. اتصال سندهم .. الخلو من العلة .. الخلو من الشذوذ ..
ولكن صحيح الإسناد أو سنده صحيح تعني : استيفاء أول ثلاثة شروط فقط والتي تتركز في صحة السند أكثر ..

مثال 3 :
عندما يُقال على سند حديث وما فيه من الرواة : (رجاله ثقات) أو (رجاله رجال الصحيح) :
فذلك يعني استيفاء أول شرطين فقط من الخمسة .. وهما العدالة وقوة الحفظ وضبطه .. ولا يستلزم من ذلك اتصالهم ولا خلو الحديث من العلة والشذوذ ..
فإذا فهمنا مثل هذه المصطلحات :
فهمنا كيف يتلاعب بعض أهل الأهواء بأحاديث ضعيفة أو شاذة في عمل شبهات : ويكون رجالها ثقات ليخدعوا العوام ..
-------

وعلى هذا .. فعدد محدود جدا من علماء السنة : هم الذين اهتموا بإخراج كتبا ًفي الحديث : تعتني فقط بذكر أشهر وأجمع الآحاديث الصحيحة في مختلف أمور الدين (ولذلك مثلا ًسمى البخاري كتابه بـ :
الجامع المُسند الصحيح المُختصر من أمور رسول الله) أي به مجموعة من أصح الأحاديث من كل باب من أبواب الدين وليس كل الآحاديث الصحيحة في كل باب من أبواب الدين ....
فجاء على رأسهم : البخاري - كما قلنا - ومعه الإمام مسلم كذلك رحمهما الله في صحيحيهما - وهما من تلامذة الإمام أحمد بن حنبل - ..
----

أهم الفروقات بين صحيحي البخاري ومسلم رحمهما الله .......

بداية ً.. يجب أن نعلم أن الإمام مسلم : قد عاصر أيضا ًالإمام البخاري وتلقى عنه رحمهما الله .. فنقول في الفرق بين صحيحيهما :

1... مِن ناحية السند ..
يُعتبر الإمام البخاري أقوى في سنده لآحاديثه مِن الإمام مسلم .. لأن البخاري يشترط مع معاصرة الرواة لبعضهم البعض : ثبوت اللقيا بينهم .. في حين يكتفي الإمام مسلم بمعاصرة الرواة العدول لبعضهم البعض : حتى ولو لم تــُذكر اللقيا بينهم .. لأنهم لن يدّعوا السماع في رأيه وقد عاصر بعضهم بعضا ً.. وهذا بالنسبة للآحاديث الأساسية في الأبواب : غير المتابعات .. فإذا جئنا للمتابعات : وجدنا الإمام مسلم وقد صرح بأن متابعاته : يدخل فيها غير الصحيح .. والذي يذكره للاستشهاد أو الاستئناس أو زيادة المعنى بتعدد الروايات للحديث الواحد في مسائل الباب ...

2... مِن ناحية المُقدمة ..
لم يكتب الإمام البخاري مقدمة ًلصحيحه .. بينما فعل الإمام مسلم ذلك .. حيث ذكر فيها أهمية حفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ومدى أهميته الكبيرة للدين وللأمة : ومدى أهمية حمايته مِن التحريف والكذب والوضع .. وقد نقلت منها بعض المقولات في بداية موضوعي هذا ...

3... مِن ناحية حُسن التقسيم ..
اعتنى الإمام مسلم بحُسن تقسيم الآحاديث وتبويبها اعتناءً كبيرا ً: جعل صحيحه أسهل في القراءة ومتابعة المواضيع أكثر مِن الإمام البخاري رحمهما الله .. ويرجع سبب ذلك للاعتناء الكبير مِن الإمام البخاري في المقابل : بالجانب الفقهي في صحيحه .. يُلاحظ ذلك بوضوح في أسماء أبواب صحيح البخاري .. حيث يدل اسم كل باب على نواحي فقهية في آحاديث كل باب : قد لا ينتبه إليها الكثيرون ..
ولذلك : فقد يصعب البحث في صحيح البخاري عن حديثٍ بعينه لِمَن لم يقرأه أكثر مِن مرة واعتاد عليه ... وخصوصا ًوأن الإمام البخاري رحمه الله قد كرر الكثير مِن الآحاديث - أو يقتطع منها بعض الأجزاء - : ليضعها في الأبواب التي تناسبها .. مما أدى أيضا ًلتكرار الحديث الواحد بأجزائه كثيرا ًفي صحيحه .. وهو عكس ما فعله الإمام مسلم .. حيث احتفظ بالآحاديث بأكملها كما هي : ووضعها في أنسب وأعم الأبواب المناسبة لها .. مِثال :
حديث الإسلام الشهير .. وفيه عن الصلاة والزكاة والصوم والحج ... ذكره الإمام مسلم مرة ًواحدة ًفي باب الإيمان : وذلك ليشمل الجميع .. في حين ذكره الإمام البخاري في باب الإيمان مرة .. وفي باب الصلاة مرة .. وفي باب الزكاة مرة .. وهكذا

4... مِن ناحية الفقه ..
تظهر الناحية الفقهية بوضوح شديد في صحيح البخاري .. ويظهر ذلك كما قلنا بوضوح أيضا في تسميته لأبوابه ... حيث تظهر مِن كل تسمية : الناحية الفقهية التي اختار استنباطها مِن آحاديث هذا الباب .... كما يُلاحظ تفرده واجتهاده الخاص في بعض الآراء والاختيارات الفقهية عن غيره مِن العلماء .. مما يدل على تجرده العلمي وابتعاده عن التقليد حتى ولو خالف غيره من المشاهير .. ومِن اختياراته الفقهية مثلا ً:
لا يجب الغسل مِن التقاء الختانين إلا بالإنزال (لحديث عثمان في ذلك) : والغسل أحوط (لحديث عائشة) / فخذ الرجل ليس بعوره (لأنه انكشف عن النبي في بعض المواقف عن غير تعمد) : وستره
أحوط (لنصحه للصحابة بستره) / الماء قل أو كثر : لا يُنجس بوقوع النجاسة فيه : إلا إذا تغير / وجوب قراءة الفاتحة للمُصلي : إماما ًومأموما ً: في السرية والجهرية / جواز القنوت في الصلاة قبل الركوع وبعده / جواز إعطاء المرأة زكاتها لزوجها وأيتامها ...... إلى آخر ذلك ...

5... مِن ناحية الرواية ..
التزم الإمام مسلم في صحيحه تتبع آحاديث النبي : حرفا ً بحرف في الروايات المختلفة .. بينما تجوز الإمام البخاري في ذلك برواية الحديث الواحد بمعناه مِن الرواة الثقات .. فالإمام مسلم في ذلك : أضبط لحروف وكلمات الآحاديث ..

6... مِن ناحية تفسير الكلمات ..
اعتنى الإمام البخاري رحمه الله بتفسير وبيان معاني الكلمات الصعبة أو الغامضة في الآحاديث .. بعكس الإمام مسلم رحمه الله : والذي اعتنى أكثر بسرد الآحاديث ....

7... مِن ناحية التعليق على الآحاديث ..
فكما أن الإمام البخاري اعتنى بشرح الكلمات الصعبة والغامضة في صحيحه : فقد اعتنى أيضا ًبالتعليقات الكثيرة على العديد مِن الآحاديث : فقد يذكر قصصا ً تتعلق بهذه الآحاديث .. وقد يذكر آراءً للصحابة في هذه الآحاديث أيضا ً.. وذلك بعكس الإمام مسلم الذي اعتنى أكثر بالسرد كما قلنا معتمدا ًعلى حسن تقسيمه .. وقليلا ًما يُعلق على أحد الأحاديث ..

8... مِن ناحية الصِنعة الحديثية ..
وهي تتبع صحة ألفاظ الحديث نفسه وضبطها : فالإمام مسلم في ذلك كما قلنا : أكثر دقة مِن الإمام البخاري .. وذلك لاعتناء الإمام البخاري بصحة رجال السند أكثر ..

9... مِن ناحية قوة شروط الرواية ...
نجد كما قلنا أن الإمام البخاري أقوى في شروطه .. فهو مثلا ً: لا يحتج برواية (حماد بن سلمة) عن (ثابت) .. وذلك لأن (حماد بن سلمة) : قد اختلط في آخر عمره .. بينما اجتهد الإمام مسلم في قبول رواية (حماد) ...... فالإمام البخاري رحمه الله : راعى أن تكون آحاديثه :
هي أصح الصحيح : بعيدا ًعن أي شبهة تضعيف ..
ولذلك :
فإن الإمام (الدارقطني) رحمه الله عندما حاول انتقاد آحاديث الصحيحين (وقد ظهر صحتهما فيما ادعى خطأهما فيه فيما بعد) .. لاحظنا أن انتقاداته على صحيح مسلم : كانت أكثر
مِنها لصحيح البخاري ... حيث أن انتقاداته على الصحيحين : بلغت كلها (220) حديثا ً.. نصفهم (أي 110) حديث : اشترك في روايتهم البخاري ومسلم رحمهما الله .. فيتبقى (110) حديث .. انتقد مِنهم (78) حديثا ًفي صحيح مسلم .. و(32) حديثا ًفي صحيح البخاري ....
فظهر بذلك قوة شرط الإمام البخاري أيضا ًعن الإمام مسلم رحمهما الله ..

(ملحوظة : يُعد أشهر كتاب جمع الأحاديث المتفق عليها بين البخاري ومسلم هو كتاب (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان) للشيخ محمد فؤاد عبد الباقي واشتمل على 1906 حديثا) ...
--------------

6)) شبهات في اختلاف روايات الصحابة ...

وأختم هذه الرسالة المتواضعة (فهي لم تحو في الحقيقة إلا القليل) : أختم ببعض الشبهات التي قد تتبادر إلى ذهن البعض : أو التي قد يستغلها البعض الآخر : في الطعن في الرواية عموما ً: أو في رواية الصحابة خصوصا ً.....
---
فأقول وبالله التوفيق ...
اختلف الصحابة في بعض رواياتهم لآحاديث النبي : لظروف خارجة عنهم .. ولاختلافٍ في اجتهاداتهم أنفسهم وكما سنرى الآن .....
---
فأما الظروف الخارجة عنهم :
1...
فهي أنهم مثلا لم يكونوا يواظبون كلهم على سماع آحاديث النبي وعظاته في كل الأوقات .. بل كانوا (وكأي بشر) : تشغلهم مُعافسة الزوجات والأبناء والزراعة والسعي على الرزق بالضرب في الأرض والتجارة والسفر أو حتى الجهاد .... والخلاصة :
أنهم تفاوتوا في مقدار سماعهم عن النبي كثيرا ً.... وذلك مِثل قول (عمر) رضي الله عنه في جزء مِن حديث صحيح (وهو حديث اعتزال النبي لنسائه قرابة الشهر) :
" وكان منزلي بالعوالي (مكان في ضواحي المدينة) في بني أمية .. وكان لي جارٌ مِن الأنصار : كنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : فينزل يوما ً: فيأتيني بخبر الوحي وغيره (أي بالجديد مِن القرآن والسُـنة) .. وأنزل يوما ً: فآتيه بمثل ذلك " ...
ومثالٌ آخر أيضا ً:
وهو عندما اختلف (عمر) و(أبو عبيدة بن الجراح) رضي الله عنهما في دخول جيوش المسلمين أرض الشام : بعدما نزل فيها الطاعون : إلى أن جاء (عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنه : وقد سمع حديثا ًعن الرسول في ذلك : ينهي عن دخول الأرض التي نزل بها الطاعون .. وينهي مَن فيها عن الخروج مِنها .. والشاهد مِن الحديث : أن كلا ًمِن (عمر) و(أبي عبيدة) رضي الله عنهما : لم يكن قد سمع هذا الحديث مِن النبي صلى الله عليه وسلم من قبل ...
2...
كما أنهم لاختلاف أوقات سماعهم مِن النبي .. واختلاف وقت إسلام بعضهم عن الآخر : فقد يروي أحدهم حديثا ً عن النبي في النهي عن شيء : ثم لم يسمع حديث النبي بعد ذلك في إباحته .. وهو ما يُسمى بالناسخ والمنسوخ .. وهذا كما هو موجود ٌ في القرآن : فهو أكثر في السُـنة .. حيث تعلمنا مِنهما : مدى رحمة الله تعالى بالمسلمين : في التدرج بهم إلى تحريم بعض الأشياء مثلا ً: والتي كانوا يستحلونها بكثرة في جاهليتهم ! وغير ذلك من الحكم التي ليس مجال ذكرها الآن ..
وهكذا :
كان الصحابة فيما بينهم وبين بعضهم البعض : حريصين أشد الحرص على إخبار كل ٍمِنهم الآخر بمثل هذا النسخ (وذلك مثل ما حدث مع المهاجرين إلى الحبشة : فقد تغيرت في الصلاة بعض الأشياء مِن بعد هجرة النبي إلى المدينة : ولم يحضروها) .....
وخصوصا ً: وقد تفرق الكثير مِنهم في البلاد مِن بعد موت النبي : في الفتوحات الإسلامية شرقا ًوغربا ً... وكان ذلك مِن أقوى أسباب عدم تجميع الآحاديث مبكرا .. ثم بدأت تتكاثر مع الوقت ومع رواية التابعين عن الصحابة الذين قابلوهم في مختلف الأمصار .....
3...
كما أن بعضهم قد يشاهد النبي في فعل ٍما (مثل الوضوء) مرة ًواحدة : يفعله بشكل ٍمُعين (كأن يتوضأ مرة ًمرة ً مثلا ًفي وقت ندرة الماء) : في حين لم يره يفعله بصورة أخرى (مثل الوضوء مرتين مرتين أو ثلاثا ًثلاثا ً) : فيظن أن الفعل : هو فقط كما رأى (وهو في مثالنا هذا : الوضوء مرة مرة) .. وأنه هو الأصل !!.. فإذا فهمنا ذلك : فهمنا بعض اختلافات رواية الصحابة في بعض أمور الصلاة وغيرها .. لأن النبي صلى الله عليه وسلم : كان يتعمد التنويع في كثير مِن الأفعال : رفعا ًللحرج والتضييق والمشقة عن أمته .. إذ لو كانت أفعاله كلها واحدة : لشق ذلك لاختلاف قدرات البشر : ولاختلاف ظروفهم ... وقد جمع النبي ذلك في قوله :
" ما نهيتكم عنه : فاجتنبوه .. وما أمرتكم به : فأتوا مِنه ما استطعتم " ... رواه مسلم ..
----------

وأما الظروف التي لا دخل لهم فيها :فهي مثل تفاوت بعضهم في السِن : فيتم تقديم رواية الأكبر عن الأصغر في حديثٍ مُعين عند التعارض : لأن الأكبر : كان أوعى للفهم مِن الأصغر قطعا ً... وكتفاوت بعضهم في مقدار صُحبته للنبي : فيتم تقديم الأكثر والأقدم صحبة على غيره عند التعارض : لأنه أكثر فهما ًوفقها ًلأقوال وأفعال النبي ومراداته .. وكاختلاف صحبتهم له في مختلف أحواله : فيتم تقديم كل صحابي : في الحال الذي كان فيه أقرب للنبي ... فمَن صحبه كثيرا ًفي سفره : يتم تقديم روايته في سفر النبي عن غيره عند التعارض .. وأيضا ًمَن صحبه كثيرا ًفي غزوه .. وكذلك مَن كان يعد له وضوءه .. ومَن كان يدخل عليه في بيوتاته وهو مع بعض أزواجه كـ (ابن عباس) رضي الله عنه لصغر سنه وقرابته منه ومِنهن .. وكأبناء (أسماء) بنت أبي بكر رضي الله عنها : لقرابتهم مِن (عائشة) .. وهكذا ..
فكل هذه الظروف التي يتميز فيها بعض الصحابة عن الآخر : يجب مراعاتها في تناول آحاديث النبي إذا وقع التعارض بينها بما لم يُستطع الجمع بين رواياته ... كما أن بعض الصحابة : قد يسمع قولا عاما ًمِن النبي : ولا يعرف أن النبي قد استثنى مِنه بعض أشياءٍ في موقف آخر !
---
كما تجدر الإشارة الأخيرة هنا : إلى شيءٍ هام ٍجدا ًبخصوص بعض الشبهات :
وكثيرا ًما يستغله الأفاقون في التدليس في الدين .. (وخصوصا ًمع عدم علمهم أصلا ًبتراجم الصحابة)
ألا وهو :
أخذهم لظاهر بعض الآحاديث الطاعنة في الحجاب أو المخالطة بين الرجال والنساء إلخ :
مِن غير حتى أن يسألوا أهل العلم !!!...
---
وذلك مثل مَن يجهل مثلا ًقرابة النبي لـ (بني النجار) أخواله في المدينة : فيروي أحاديثا ًعن دخول النبي على بعض خالاته من الرضاعة (مثل أم حرام وأم سليم بنتا ملحان رضي الله عنهما)
مُستدلا ًبذلك على : جواز دخول الرجل الأجنبي على امرأة ليست من محارمه واختلائه بها !!!...
(وكما قلت لكم أن الهوى يُعمي : فلو تمعن هؤلاء الجهلة في الحديث : ونوم رسول الله ورأسه في حِجر أم حرام رضي الله عنها بل : وتفليتها لرأسه مثلا ً: لما جرأوا على
تجويز : ما لا يرضاه أحدهم لزوجته : أن ينام رجلٌ ليس من محارمها ورأسه في حجرها !.. أو أن تفلي رأسه) !!!!...
---
ومِثل مَن يستشهد أيضا بقول صحابي أنه كان يمر هو وأصحابه على (فلانة) بعد كل صلاة جمعة : فتطعمهم !!.. فيقول الجاهل : هذا دليلٌ آخر على جواز الاختلاط بغير شرط ودخول الرجال على
النساء ..... إلى آخر هذا العبث !!.. ولو سأل أهل العلم :
لعرف أن راوي الحديث أصلا : كان طفلا ًساعتها ! والمرأة عجوز !! وهذا مما يؤكد لنا فائدة كتب (تراجم الرجال) كما قلت لكم ..!
------


والخلاصة ..
أن الله تعالى : قد رفع مِن شأن العلم والعلماء في قرآنه .... ولم يجعل الناس في العقل وتحصيل العلم سواء : وذلك لكي يلجأوا إلى العلماء فيما أشكل عليهم : فيتبين لهم فضلهم :
" فاسألوا أهل الذكر : إن كنتم لا تعلمون " ...
" ولو ردوه إلى الرسول : وإلى أولي الأمر مِنهم : لعلمه الذين يستنبطونه منهم " ......

فأرجو إن كان لأحد بعد كل هذه المعلومات : أي استفسار أو مؤاخذة : على منهج علماء الحديث في تتبعهم لسُـنة رسول الله وحفظها مِن أيدي العابثين وضعاف الحِفظ : أن يُراسل أهل العلم به ....
مع نصيحتي لكم بقراءة كتاب (سلسلة الآحاديث الضعيفة والموضوعة) لمُحدث العصر الشيخ (الألباني) رحمه الله لتعرفوا مثالا عن : مدى مجهودات علمائنا الأفاضل في حماية حديث النبي وسُـننه مما لا يصح : سندا ًومتنا ًوعقلا ً!
(مع العلم أن الشيخ الأباني رحمه الله ليس بمعصوم .. وإنما له أخطاء في التصحيح والتضعيف هو أيضا : وقد اعترف بأغلبها وقام بتصحيحها في كتبه .. وإنما أردت الاطلاع على كيفية التصحيح والتضعيف ومدى ما تتطلبه من علم وسعة اطلاع ومجهود ووقت) ..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...