إلى حب الله
08-30-2013, 12:48 PM
الرد على إنكار النسخ في القرآن ...
وفيه :
1)) معنى كلمة النسخ .. والمراد بها في القرآن ...
2)) أهمية معرفة المسلمين للنسخ في القرآن ...
3)) هل النسخ في القرآن يعني البداءة على الله ؟..
4)) هل يوجد في دين اليهود والنصارى المحرفين نسخ وبداءة ؟
5)) ثبوت النسخ في القرآن ... وشمول كلمة آية : لآيات القرآن ..
6)) أنواع النسخ في القرآن ...
7)) أمثلة على النسخ في القرآن ...
8)) ما الحكمة من النسخ في القرآن ...
9)) هل يوجد نسخ في السنة ؟.. وهل تنسخ السنة القرآن أو العكس ؟
10)) خاتمة ....
ونبدأ بحول الله وقدرته ...
---------
1)) معنى كلمة النسخ .. والمراد بها في القرآن ...
النسخ في اللغة : هو محو الشيء وإزالته .. سواء أتيت بغيره بدلا عنه أو لا ... فهي من جهة تحمل معنى الإبطال والإزالة .. ومن الجهة الأخرى تحمل معنى الإثبات وعمل مثل الأصل !
فيقال مثلا ً: نسخ الشيء نسخا ً: أي أزاله ... وذلك مثل قولهم : نسخت الريحُ آثار الديار .. ونسخت الشمسُ الظل .. ونسخ الشيبُ الشباب .. ويقال أيضا ً: نسخ الله الآية : أي أزال حكمها الشرعي السابق .. ويقال كذلك : نسخ الحاكمُ الحكم أو القانون : أي أبطله ...
وأخيرا ًيقال : نسخ فلان ٌالكتاب : أي نقله وكتبه حرفا ًبحرف أو صنع صورة ًمماثلة ًمنه ..
------
فإذا فهمنا تلك المعاني ..
لاستطعنا فهم الكثير من كلام السلف والعلماء عندما يذكرون كلمة (نسخ) في كلامهم في القرآن وغيره !
فهم تارة يذكرون النسخ على أحكام : أبطلها الله ورسوله ... وسواء جاء هذا النسخ مرة ًواحدة ًأو متدرجا ًللتخفيف كنسخ حكم شرب الخمر ..
كقول الله تعالى مثلا ً: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى : حتى تعلموا ما تقولون " ..
عُرف منه أنه يجوز شرب الخمر في غير أوقات الصلاة ..
ثم نزلت الآية الواضحة في تحريم الخمر بالاجتناب :
" إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام : رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه " ...
وتارة يذكرون النسخ مرادفا ًلمعاني الاستثناء وتخصيص العام وتفصيل المُجمل إلخ ..! كقول الله تعالى مثلا ًبعد أن ذكر الشرك والقتل بغير حق والزنا :
" ومَن يفعل ذلك : يلق آثاما ً.. يُضاعف له العذاب يوم القيامة : ويخلد فيه مهانا " ..
ثم نسخ ذلك الحكم بأن استثنى منه فقال عز وجل :
" إلا مَن تاب وآمن وعمل عملا ًصالحا ً.. فأولئك : يُبدل الله سيئاتهم حسنات " ...
وهكذا ...
--------
2)) أهمية معرفة المسلمين للنسخ في القرآن ...
عندما كان المسلم والمسلمة في الماضي يتعلمون دينهم : وما هو معلوم من الدين بالضرورة : كانوا يعلمون بوجود النسخ في القرآن والسنة : ولا غضاضة !... ويعرفون العديد من الأمثلة على كل نوع من أنواع النسخ .. وفي القرآن نفسه وهم يتلونه : فلا يجدون تناقضا ًلمعرفتهم للناسخ من المنسوخ والمتقدم والمتأخر منهما .. وذلك من الفقه ..
وكانوا يعرفون أيضا ً:
أن النسخ لم يعني أبدا ًوصف الله تعالى بالبداءة - وسوف أشرح ذلك بعد لحظات - فانتفى بذلك الحساسية المفرطة التي تم بها استغفال جهلة المسلمين اليوم بدينهم : وذلك عندما زرع الملاحدة والنصارى واللادينيين ومنكري السنة بشبهاتهم في رؤوسهم أن النسخ :
من جهة : يعني البداءة على الله عز وجل وأنه كان يجهل ما لا يعلم : فقام بتغيير أحكامه لما بدا له الأفضل ...!
ومن جهة أخرى : يعني أن آيات القرآن منها ما تغير ومنها ما لم يصلنا فتعارض ذلك مع حفظ الله له !
أقول :
وكل ذلك سأبين بعد قليل بطلانه إن شاء الله تعالى ...
ولكن ما أردت فقط تبيانه الآن هو :
أنه يجب على عوام المسلمين - اليوم - أن يعرفوا من جديد ما لم يعد يتعلمونه لا في مدارس ولا غيره ! فسقطوا بذلك في شباك شبهات الملاحدة والنصارى واللادينيين ومنكري السنة الخبثاء .. ولو علموا وتعلموا :
لاستطاعوا الرد بكل سهولة بإذن الله على شبهاتهم الساقطة جميعا ً...
وهذا ما سنحاول فعله وتعلمه الآن إن شاء الله ...
-------
3)) هل النسخ في القرآن يعني البداءة على الله ؟..
البداءة في عالم البشر : هي أن يحكم الإنسان بشيء : ثم يبدو له خطأ ذلك الحكم مما لم يكن يعلمه :
فيستبدله بغيره أو يزيله ..!!
والسؤال :
هل تجوز البداءة في حق الله تعالى عالم الغيب والشهادة ؟...
والجواب :
هذا ما يقوله الجُهال والمغرضون عندما يربطون بين النسخ : وبين البداءة بالمعنى الذي وضحناه !!!..
والصواب :
أن ذلك منهم هو من الخبث بمكان : حيث قصروا معنى النسخ في خطأ الحكم وتصحيحه أو إلغائه : في حين أن له معان ٍأخرى : هي أظهر في نسبة النسخ إلى الله عز وجل مثل :
نسخ الحكم الأصعب بأيسر : وذلك من باب التخفيف على المسلمين .. وتذكيرهم بفضل الله عليهم ..
التدرج في تحريم ما تعلقت به قلوب الناس في الجاهلية - مثل الخمر وزواج المتعة مثلا ً- رحمة ًبهم ..
نسخ الحكم الأدنى : بآخر أعلى منه أجرا ًوأفضل : مثل تحويل القبلة من بيت المقدس للبيت الحرام ..
نسخ حكم عام من القرآن بتفصيله في السنة أو الاستثناء منه : وفيه بيان فضل وأهمية السنة للمسلمين ..
وهكذا ..... - وسوف أذكر جمعا ًجميلا ًللحِكم من النسخ وأنواعه في النقطة 8 بإذن الله - ..
والشاهد :
أنه لا يوجد عالم محترم من علماء الإسلام القائلين بالنسخ : قد فهم من النسخ (البداءة) على الله عز وجل كما يحاول المرجفون والكذابون ربط ذلك بذا ...! وأتحدى أي مخبول من هؤلاء أن يأتي بكلام لعالم مسلم محترم يقول بـ (البداءة) على الله عز وجل !
ولن يأتوا ......
--------
4)) هل يوجد في دين اليهود والنصارى المحرفين نسخ وبداءة ؟
>>> أما بالنسبة لليهود :
فهم يدعون عدم جواز النسخ على الله : لأن النسخ - هكذا قصروه - : يعني جهل الله وبدو ما كان خافيا ًعنه !!!.. وأما غرضهم أولئك الخبثاء من ذلك : هو التملص من نسخ الله تعالى شرعهم بغيره .. وأحكامهم بغيرها .. والأهم : نسخ رسالتهم بغيرها : فيخدعون أنفسهم والناس بذلك : لتبرير عدم اتباعهم لعيسى أو محمد عليهم الصلاة والسلام !!!!...
والصواب :
أنه معلوم من كتبهم نفسها (التوراة أو العهد القديم) : أن كل رسول وكل رسالة تأتي : يكون في أحكامها ما ينسخ ما قبلها .. وذلك لأن النسخ عند الله تعالى يجري بمقتضى حكمته عز وجل : بما يناسب كل قوم وكل أمة وكل زمان !!!.. فالأحكام الجديدة الناسخة : هي الأفضل في وقتها وظروفها ومكانها .. وتماما ًكما كانت الأحكام القديمة المنسوخة : هي الأفضل في وقتها وطروفها ومكانها !!..
هذا من جهة ...
وأما من الجهة الأخرى العملية - وبالأمثلة - : فهناك نسخ كثير بالفعل عند اليهود الذين ينكرونه !
1...
فمن النسخ مثلا ًأن الطعام كله كان حلا ًلهم : إلا ما حرمه إسرائيل على نفسه (أي نبي الله يعقوب عليه السلام حيث حرم على نفسه أكل الإبل وألبانها) .. ثم حرم الله عليهم أيضا ًبعض الطيبات :
جزاءً لهم ولذنوبهم .. وكل ذلك ذكره القرآن عليهم بوضوح : وهو عين نسخ الأحكام !!!..
2...
نسخ حكم جواز تزويج الأخ والأخت في أولاد وبنات آدم عليه السلام .. حيث كان مقتضى الحكم وقتها أن يُزوج ابنا ًمن بطن (أي من الولادة الأولى) : إلى أخته من البطن الثانية : والعكس ... ولكن بعد انتشار البشر في الأرض : نسخ ذلك الحكم بالتحريم ...
3...
يحرم في التوراة الحالية تسري الزوج على زوجته : في حين أنه ثابت لديهم أن إبراهيم عليه السلام تسرى بهاجر على زوجته سارة .. وهذا هو عين النسخ لو كانوا يعلمون !!!..
4...
أيضا ًيحرم في التوراة الحالية - وكما الإسلام - جمع الزوج بين الأختين معا ًبالزواج .. في حين أنه ثابت لديهم أيضا ًزواج يعقوب عليه السلام من أختين في نفس الوقت ! وذلك أيضا ًدليل على النسخ !
5...
كان مباحا ًلنوح عليه السلام أكل كل الحيوانات بعد خروجه من السفينة : ثم نسخ ذلك بتحريم بعضها !
6...
أوحى الله تعالى لنبيه إبراهيم عليه السلام ذبح ولده البكر - هو عندنا إسماعيل وقد حرفوه إلى إسحاق عليهما السلام - ثم نسخ الله تعالى ذلك قبل الذبح مباشرة : عندما تم الاختبار ونجح فيه إبراهيم وولده !
7...
كما أمر الله تعالى بقتل كل مَن عبد العجل الذهبي من بني إسرائيل بعد عبورهم البحر .. وذلك لبيان عظيم جرمهم لهم وأنه مستحق لقتلهم واستئصالهم جميعا ً: فلما أذعنوا لطاعة الأمر : نسخ ذلك ..
8...
البشارات التي تمتليء بها كتبهم منذ إبراهيم عليه السلام : بمجيء النبي الملك والخاتم : والذي يحمل الشرع الكامل ويتحدث بكل ما سيقوله له الله : كل ذلك يعني لكل عاقل : أنه سيأتي بنسخ لشريعتهم !
9...
فهذا كله يثبت النسخ عند اليهود - والنصارى أيضا ًمن المفترض أنهم يؤمنون بالتوراة أو العهد القديم -
بل :
والأحرى باليهود والنصارى أن يستحيوا من انتقاصاتهم (الصريحة) على الله تعالى وحاشاه في كتبهم : بما لا محل له من تأويل ولا تهرب : وهو أسوأ وأقبح من معنى البداءة الذي أرادوا لصقه بالنسخ زعموا !!!!!..
فالله عندهم يتعب ويستريح بعد خلق السماوات والأرض - عكس القرآن ! - !!!.. وانظروا للنص التالي رغم تعمد سوء الترجمة من محرفي النصارى :
" وفرغ الله في اليوم السادس من عمله : فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل !!!.. وبارك الله السابع وقدسه : لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقاً " سفر التكوين الإصحاح الثاني ..
وأيضا ًوصفه بالجهل بالغيب .. والحزن على ما جهل !!!..
" فحزن الرب أنه عمل الإنسان !!!.. وأن كل تصور أفكار قلبه : إنما هو شرير كل يوم !!.. فحزن الرب أنه عمل الإنسان الذي خلقته !!.. الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء : لأني حزنت أنى عملتهم " !! سفر التكوين الإصحاح السادس ..!
فالله أصلا ًفي العهد القديم لدى اليهود والنصارى : قد صار بالتحريف كالإنسان في نقص صفاته !!!.. حتى جعلوه يتصارع مع يعقوب عليه السلام يدا ًبيد !!!.. هل تصدقون هذا ؟!!.. ولم يتركه يعقوب عليه السلام - زعموا - إلا عندما نال بركته منه - وهي تسميته له بإسرائيل - !!!..
" فبقي يعقوب وحده .. وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر !!.. ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه ! فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه ! وقال : أطلقني ! .. فقال : لا أطلقك إن لم تباركنى !.. فقال له : ما اسمك ؟ فقال : يعقوب .. فقال : لا يُدعى اسمك في ما بعد يعقوب !!.. بل إسرائيل ..! وسأل يعقوب وقال : أخبرني باسمك ؟!!.. فقال : لماذا تسأل عن اسمي ؟.. وباركه هناك ....! فدعا يعقوب اسم المكان : فينيئل .. قائلاً : لأني نظرت الله وجهاً لوجه : ونجيت نفسى " ..!
ما شاء الله ....!
هذا غير ندم الله على الطوفان .. وأنه كان من الثلاثة الذين زاروا إبراهيم في هيئة بشر : فضيفهم : فأكلوا ! ثم بشره بولادة إسحق : ثم يعقوب - والواقعة في القرآن هي لثلاثة ملائكة : ولم يأكلوا أصلا ً!! - :
" وظهر له الرب ..! ونظر : وإذا ثلاثة رجال .. وقال : يا سيد (يقصد الله) : إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك : فلا تتجاوز عبدك ..! فأسرع إبراهيم إلى الخيمة إلى سارة وقال : اعجني واصنعي خبز ملة .. ثم ركض إبراهيم إلى البقر : وأخذ عجلاً رخصاً وحيداً .. وأعطاه للغلام .. فأسرع ليعمله .. ثم أخذ زبداً ولبناً والعجل الذي عمله : ووضعها قدامهم .. وإذا كان هو واقفاً لديهم تحت الشجرة : أكلوا !! وقالوا له ...... " سفر التكوين الإصحاح الثامن عشر !!!..
والشاهد ...
مثل هؤلاء السفهاء : لا يحق لهم أصلا ًالحديث عن النسخ : أو حتى اتهام الله في الإسلام بالبداءة !!!!..
>>> وأما بالنسبة للنصارى :
فالأمر أكثر عجبا ً- بالزيادة عما سبق - .. حيث يزعم بابواتهم ورؤساؤهم أن المسيح - ابن الله أو الله بزعمهم - قد أوكل إليهم وفوضهم للتحليل والتحريم ونسخ وتغيير الأحكام !!!!!..
وذلك كما جاء في إنجيل متى الإصحاح الثامن عشر :
" الحق أقول لكم : كل ما تربطونه على الأرض : يكون مربوطا ًفي السماء .. وكل ما تحلونه على الأرض : يكون محلولا ًفي السماء " !!!..
ومن هنا كان فتح باب التحريف في أحكام الله تعالى و ( نسخها ) لا اعتراض عليه من أكابرهم وخاصة ًكبير محرفيهم : بولس اليهودي !!!.. حتى وصل به الأمر لأمره لهم بترك الختان (عهد الله مع إبراهيم عليه السلام والمؤمنين من بعده) ولم يعده شيئا ً!!!.. وكذلك تحليل أكل لحم الخنزير النجس والخمر المسكر إلخ !!!!!!!..
وعلى هذا :
فأمثال هؤلاء السفهاء المحرفين المتخبطين في دينهم هم أيضا ً: لا وجه لهم للحديث عن النسخ في الإسلام : أو اتهام الله تعالى في الإسلام بالبداءة ...!
--------
5)) ثبوت النسخ في القرآن ... وشمول كلمة آية : لآيات القرآن ..
مما سبق يمكننا تعريف النسخ شرعا ًبأنه :
هو رفع ( أو استبدال ) حكم شرعي : بدليل من الكتاب أو السنة ...
وقد ألحق بعض العلماء بالنسخ : معاني الاستثناء والتخصيص والتفصيل : سواء في نفس الآية أو في غيرها .. والنسخ يكون في الأحكام والشرائع فقط : ولا يكون مثلا ًفي القصص والإخبار ونحوه ... فلا يمكن مثلا ًأن نقول في آية أن هارون أخو موسى : ثم ننسخ ذلك في آية أخرى بأنه كان أبوه مثلا !
----
وقد ذكر الله تعالى النسخ في الآيات التاليات : حيث يقول عز وجل :
" ما ننسخ من آية أو ننسها .. نأتِ بخيرٍ منها أو مثلها .. ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير " ؟!.. البقرة – 106 ..
" وإذا بدلنا آية مكان آية .. قالوا إنما أنت مُفتر ِ .. بل أكثرهم لا يعلمون .. قل : نزله روح القدس من ربك بالحق : ليُثبت الذين آمنوا " .. النحل – 101 : 102 ..
" سنقرئك فلا تنسى .. إلا ما شاء الله " .. الأعلى – 6 : 7 ..
----
ورغم وضوح ذكر النسخ في الآيات ووقوعه : إلا أن منكريه أرادوا قصر معناه على شيء بعيد (فقط) وهو : أن الآيات التي سيستبدلها الله تعالى هي معجزات الأنبياء من قبل : بأن يعطي للنبي مثلها أو أفضل منها : أو أن الآيات التي ستستبدل هي آيات أحكام في الشرائع السابقة : سيتم استبدالها في الإسلام ...
أقول :
وهذا تعنت ظاهر وتنطع مفضوح !!!!..
إذ : النسخ الذي يحاولون نفيه أو إنكاره في الإٍسلام نفسه : هو موجود بالفعل في القرآن !!!!..
وبأوضح الأمثلة !!!!!!!!!..
فلماذا العناد والجهل والتعامي - اللهم إلا معترضي منكري السنة : فغرضهم الطعن في السنة الصحيحة -
أقول :
>>>
فأما الآية الأولى :
فهي من سورة البقرة : وهي سورة مدنية أي : نزلت في المدينة وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم .. حيث بدأت الأحكام الشرعية الإسلامية تتنزل في المدينة بكثرة : بعكس مكة كانت أقل ...
ورغم ذلك : فمنكري النسخ يقولون أن هذه الآية - وإن كانت في المدينة - : إلا أنه يشرحها الآياتان الأخرتان اللتان نزلتا في مكة : حيث لم تكن هناك أية أحكام شرعية (( على الإطلاق )) هكذا يقولون ! فهل الأمر فعلا ًكذلك ؟؟؟..
>>>
في الآية الثانية : نجدها بالفعل في سورة النحل المكية .. وهي التي قال فيها عز وجل للنبي :
" وإذا بدلنا آية مكان آية .. قالوا إنما أنت مُفتر ِ .. بل أكثرهم لا يعلمون .. قل : نزله روح القدس من ربك بالحق : ليُثبت الذين آمنوا " .. النحل – 101 : 102 ..
أقول :
أصل الإشكال الذي اخترعه منكرو النسخ هنا : هو أنهم ظنوا (أو أوهموا أنفسهم وغيرهم بذلك) : أنه لم يكن هناك أية أحكام في زمن مكة أو ما قبل الهجرة : ليمكن نسخها !.. وعلى ذلك بنوا شبهتهم بأن : كلمة آية أو آيات : لم تأت في القرآن على أنها آيات المصحف وإنما : بمعنى معجزة أو معجزات ! وأن المسلمين يجب عليهم فهمها على هذا المعنى فيما جاء في كلام الله تعالى عن النسخ !!!.. وهو أن النسخ يعني : آيات أو معجزات الأمم والشرائع من قبلنا !!!..
أقول :
وهذا مردود عليه من عدة وجوه ...
>>>
أولا ً: وبرغم أن كلمة آية بالفعل تعني المعجزة والعلامة إلخ .. إلا أن كلمة آيات : جاءت كثيرا ًللحديث عن آيات القرآن بالفعل !!!.. وذلك في القرآن والسنة !!..
ففي القرآن مثل قوله عز وجل :
" الر .. كتاب أ ُحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " .. هود -1 ..
" ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ءاعجمي وعربي " ؟!!.. فصلت - 44 ..
" هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات " آل عمران - 7 ..
فهل تدل هذه الآيات هنا على شيء آخر غير جمل القرآن ؟!!!..
وكذلك أيضا ًجاء في السنة في صحيح مسلم مثلا ًقول النبي لأ ُبي بن كعب رضي الله عنه :
" يا أبا المنذر .. أتدري أيّ آية من كتاب الله معك أعظم ؟.. قال : قلت : {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} قال : فضرب في صدري وقال : والله ليهنك العلم أبا المنذر " .. أي أصاب في معرفة أعظم آية في القرآن ..
>>>
وأما الوجه الثاني للرد فهو :
ومَن قال أنه لم يكن هناك أية أحكام شرعية مطلقا ًفي مكة قبل الهجرة ؟!!!!...
ألم تشرع الخمس صلوات قبل الهجرة في معراج النبي - تقريبا ًقبل الهجرة بثلاث سنوات - ؟!!..
ألم يكن هناك صلاة التطوع والتهجد ليلا ًبل كانت واجبة : حتى خففها الله تعالى على المسلمين ؟
ألم يكن ذلك التخفيف هو (( نسخ )) بالمعنى المعروف ؟؟!!.. ألم يكن ما قاله الله تعالى في ذلك التخفيف :
هو تبديل آية مكان آية ؟!!!!!!!!..
ولمَن لا يصدق :
تعالوا معا ًنقرأ فرضية قيام الليل على النبي - والتي تبعه فيها طائفة من الذين معه - حيث قال له عز وجل :
" يا أيها المزمل : قم الليل إلا قليلا ً.. نصفه : أو انقص منه قليلا ً.. أو زد عليه : ورتل القرآن ترتيلا ً" !!..
ثم تعالوا نقرأ نسخ هذا الحكم وتبديله للأخف في آخر آية من نفس سورة المزمل وهي الآية 20 :
" إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل : ونصفه : وثلثه : وطائفة من الذين معك .. والله يقدر الليل والنهار .. علم أن لن تحصوه : فتاب عليكم .. فاقرؤوا ما تيسر من القرآن .. علم أن سيكون منكم مرضى : وآخرون يضربون في الأرض : يبتغون من فضل الله .. وآخرون يقاتلون في سبيل الله : فاقرؤوا ما تيسر منه .. وأقيموا الصلاة .. وآتوا الزكاة .. وأقرضوا الله قرضا حسنا .. وما تقدموا لأنفسكم من خير : تجدوه عند الله هو خيرا : وأعظم أجرا .. واستغفروا الله : إن الله غفور رحيم " ...!
وبذلك : يسقط تعارضهم الموهوم وشبهتهم المبنية على سراب في آية :
" وإذا بدلنا آية مكان آية .. قالوا إنما أنت مُفتر ِ .. بل أكثرهم لا يعلمون .. قل : نزله روح القدس من ربك بالحق : ليُثبت الذين آمنوا " .. النحل – 101 : 102 ..
>>>
وأما الآية الثالثة : والتي أرادوا أن ينفوا فيها أن ينسى الأنبياء وخصوصا ًنبينا محمد حينما قال تعالى :
" سنقرئك فلا تنسى .. إلا ما شاء الله " .. الأعلى – 6 : 7 ..
أقول :
النبي بشر .. ولقد تكرر في القرآن الكريم تأكيد وذكر هذا المعنى الهام في أكثر من موضع مثل قوله :
" قل إنما أنا بشر ٌمثلكم : يوحى إليّ " .. من أواخر سورة الكهف ...
وعلى هذا : فقد جاءت الآيات والأحاديث لا تجد حرجا ًفي نسبة النسيان إلى الأنبياء وإلى النبي محمد مثل نسيان آدم عليه السلام :
" ولقد عهدنا إلى آدم من قبل : فنسي ولم نجد له عزما " طه - 115 ..
ومثل نسيان موسى عليه السلام وفتاه للحوت :
" فلما بلغا مجمع بينهما : نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا " .. الكهف - 61 ..
ومثل قول موسى عليه السلام أيضا ًفي نفس السورة معتذرا ًللخضر :
" قال : لا تؤاخذني بما نسيت : ولا ترهقني من أمري عسرا " .. الكهف - 73 ..
وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :
فقد جاء في الأحاديث أنه نسي في صلاته أحيانا ًعدد الركعات .. وكان ذلك لحكمة ... ألا وهي معرفة المسلمين ماذا يفعلون إذا تعرضوا للنسيان مثله في الصلاة ...
وأما دلالة الآية من سورة الأعلى : " سنقرئك فلا تنسى : إلا ما شاء الله " :
فلو أراد الله تعالى نفي النسيان للوحي عن النبي تماما ً: لكان اكتفى سبحانه بقوله تعالى :
" سنقرئك فلا تنسى " .. أما وقد ذكر عز وجل مستثنيا ً: " إلا ما شاء الله " :
فبين بذلك عدة معاني مستفادة .. من أهمها :
أن الحفاظ على الوحي النهائي الذي يريده الله تعالى للبشر : فهو راجع لمشيئة الله تعالى وحكمته في تثبيت ما يريد : وإنساء ما يريد ..!!! وذلك إلى أن يستقر القرآن على صورته التي ارتضاها الله ..
وعليه : فقد وضح سبحانه بهذه الآية جواز النسيان في الوحي على الرسول ولكن : بمشيئة الله وليس بالنسيان البشري العادي للوحي .. والذي طمأن الله تعالى نبيه منه قائلا ًله وكان يتعجل تكرار
آيات الوحي حين نزولها مخافة نسيانها :
" ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه : وقل : رب زدني علما " طه - 114 ...
" لا تحرك به لسانك لتعجل به : إن علينا جمعه وقرآنه " القيامة - 16 : 17 ..
إذا ًنخلص من آية سورة الأعلى مع الآيتين السابقتين أيضا ًأن نسيان الوحي في حق النبي : ممتنع إن كان من عند نفس النبي : واقع وجائز إذا كان بمشيئة الله تعالى وكما سنرى بعد ... وهذا بالطبع - أي النسيان بالكلية - هو للآيات المنسوخة حكما ًوتلاوة ...
وهذا يؤدي بنا للنقطة التالية وهي :
--------
6)) أنواع النسخ في القرآن ...
يقسم العلماء النسخ في القرآن إلى :
1...
آيات لم تعد موجودة في المصحف (نسخ تلاوة) ولم يعرف حُكمها (نسخ حكم) ..
وهي التي أ ُنسيت بالكلية .. فلم يثبتها جبريل للنبي في العرضة الأخيرة للقرآن قبل موت النبي .. حيث كان جبريل يعارض النبي كل عام في رمضان عرضة ًلمراجعته القرآن : وعارضه في العام الأخير عرضتين - ومنها عرف النبي باقتراب أجله - فالذي تم تثبيته في هذه العرضة هو ما شاء الله حفظ القرآن عليه فيما بعد : وهو الذي يسر الله تعالى له تجميعه وتدوينه بعد ذلك في عهد أبي بكر كما سيأتي .. ومثال هذا النوع من النسخ : ما تم نسخه من سورة الأحزاب : حيث كان طولها يقارب البقرة !!!..
ومعلوم لدينا أن سورة الأحزاب يسميها البعض سورة (النبي) : وذلك لكثرة تعرضها لأحوال النبي وزوجاته وبناته إلخ .. ولعل ما تم نسخه منها كان خاصا بذلك الوقت : فأبدله الله تعالى ما يجمله بعد تفصيله آنذاك ..
والمهم : أن هذا النوع الأول من النسخ يسمى :
نسخ الحكم والتلاوة معا ً...
2...
آيات موجودة في المصحف ولكن : توقف العمل بها .. وهذا يسمى نسخ الحكم وبقاء التلاوة ...
ومثاله : نسخ الله لبقاء المتوفى عنها زوجها سنة ًكاملة ً: إلى أربعة أشهر وعشرا ًوبقت الآية :
" والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً : وصية ًلأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج " البقرة 240 ..
وتركها الله عز وجل بيانا ًللتخفيف على المسلمات من بعض ما كان يجري قبل الإسلام عليهن ..
وهذا النوع من النسخ يسمى :
نسخ الحكم : مع بقاء التلاوة ..
3...
آيات لم تعد موجودة في القرآن : ولكن حكمها باقي .. وفي ذلك النوع من النسخ دلالة على أهمية اطلاع المسلمين على السنة وكما سأشرح بعد قليل بإذن الله ..
ومثال هذا النسخ : نسخ آية الرجم للزاني من تلاوة المصحف : مع بقاء حكمها ..
ومثلها أيضا ًنسخ تحديد عدد الرضعات التي تحرم من الرضاعة بعشر ثم خمس من المصحف : مع بقاء حكمها ..
< وقد كان منتشرا ًفي زمن النبي الاسترضاع : فحد له الله تعالى عددا ً: وتدرج به إلى أن وصل إلى خمسة كما سيأتي > ..
وهذا النوع من النسخ يسمى :
نسخ التلاوة : مع بقاء الحكم ..
4...
نسخ القرآن لما قبله من الشرائع عند التعارض .. بمعنى أنه لو وجد حكمين ( مختلفين ) في مسألة واحدة في شرعنا وشرع مَن قبلنا : فيكون حكم شرع الإسلام : ناسخ ومُبدل لحكم الشرع السابق ... والأمثلة من القرآن كثيرة ...
منها أن أبناء آدم عليه السلام كانوا يتزوجون من بعضهم البعض باديء الأمر للحاجة القطعية لذلك : ولكننا نجده في شرعنا محرما .. وكذلك السجود للبشر : كان مباحا ًعلى سبيل التحية والإجلال : وكما سجد أخوة يوسف وأبواه له .. ولكنه محرم في شرعنا وقال النبي أنه لو أباحه لكان أباحه للزوجة لزوجها .. وأيضا ًلم يكن يباح للمؤمنين من قبل أن يتظاهروا بالكفر ولو اكرهوا عليه لينجون من العذاب أو القتل - مثل فتية الكهف - : ولكنه مباح في شرعنا .. إلخ
وهناك نسخ آخر في السنة وبين السنة والقرآن : ولكني سأذكره فيما بعد ...
يُتبع بالجزء الثاني والأخير إن شاء الله ...
وفيه :
1)) معنى كلمة النسخ .. والمراد بها في القرآن ...
2)) أهمية معرفة المسلمين للنسخ في القرآن ...
3)) هل النسخ في القرآن يعني البداءة على الله ؟..
4)) هل يوجد في دين اليهود والنصارى المحرفين نسخ وبداءة ؟
5)) ثبوت النسخ في القرآن ... وشمول كلمة آية : لآيات القرآن ..
6)) أنواع النسخ في القرآن ...
7)) أمثلة على النسخ في القرآن ...
8)) ما الحكمة من النسخ في القرآن ...
9)) هل يوجد نسخ في السنة ؟.. وهل تنسخ السنة القرآن أو العكس ؟
10)) خاتمة ....
ونبدأ بحول الله وقدرته ...
---------
1)) معنى كلمة النسخ .. والمراد بها في القرآن ...
النسخ في اللغة : هو محو الشيء وإزالته .. سواء أتيت بغيره بدلا عنه أو لا ... فهي من جهة تحمل معنى الإبطال والإزالة .. ومن الجهة الأخرى تحمل معنى الإثبات وعمل مثل الأصل !
فيقال مثلا ً: نسخ الشيء نسخا ً: أي أزاله ... وذلك مثل قولهم : نسخت الريحُ آثار الديار .. ونسخت الشمسُ الظل .. ونسخ الشيبُ الشباب .. ويقال أيضا ً: نسخ الله الآية : أي أزال حكمها الشرعي السابق .. ويقال كذلك : نسخ الحاكمُ الحكم أو القانون : أي أبطله ...
وأخيرا ًيقال : نسخ فلان ٌالكتاب : أي نقله وكتبه حرفا ًبحرف أو صنع صورة ًمماثلة ًمنه ..
------
فإذا فهمنا تلك المعاني ..
لاستطعنا فهم الكثير من كلام السلف والعلماء عندما يذكرون كلمة (نسخ) في كلامهم في القرآن وغيره !
فهم تارة يذكرون النسخ على أحكام : أبطلها الله ورسوله ... وسواء جاء هذا النسخ مرة ًواحدة ًأو متدرجا ًللتخفيف كنسخ حكم شرب الخمر ..
كقول الله تعالى مثلا ً: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى : حتى تعلموا ما تقولون " ..
عُرف منه أنه يجوز شرب الخمر في غير أوقات الصلاة ..
ثم نزلت الآية الواضحة في تحريم الخمر بالاجتناب :
" إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام : رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه " ...
وتارة يذكرون النسخ مرادفا ًلمعاني الاستثناء وتخصيص العام وتفصيل المُجمل إلخ ..! كقول الله تعالى مثلا ًبعد أن ذكر الشرك والقتل بغير حق والزنا :
" ومَن يفعل ذلك : يلق آثاما ً.. يُضاعف له العذاب يوم القيامة : ويخلد فيه مهانا " ..
ثم نسخ ذلك الحكم بأن استثنى منه فقال عز وجل :
" إلا مَن تاب وآمن وعمل عملا ًصالحا ً.. فأولئك : يُبدل الله سيئاتهم حسنات " ...
وهكذا ...
--------
2)) أهمية معرفة المسلمين للنسخ في القرآن ...
عندما كان المسلم والمسلمة في الماضي يتعلمون دينهم : وما هو معلوم من الدين بالضرورة : كانوا يعلمون بوجود النسخ في القرآن والسنة : ولا غضاضة !... ويعرفون العديد من الأمثلة على كل نوع من أنواع النسخ .. وفي القرآن نفسه وهم يتلونه : فلا يجدون تناقضا ًلمعرفتهم للناسخ من المنسوخ والمتقدم والمتأخر منهما .. وذلك من الفقه ..
وكانوا يعرفون أيضا ً:
أن النسخ لم يعني أبدا ًوصف الله تعالى بالبداءة - وسوف أشرح ذلك بعد لحظات - فانتفى بذلك الحساسية المفرطة التي تم بها استغفال جهلة المسلمين اليوم بدينهم : وذلك عندما زرع الملاحدة والنصارى واللادينيين ومنكري السنة بشبهاتهم في رؤوسهم أن النسخ :
من جهة : يعني البداءة على الله عز وجل وأنه كان يجهل ما لا يعلم : فقام بتغيير أحكامه لما بدا له الأفضل ...!
ومن جهة أخرى : يعني أن آيات القرآن منها ما تغير ومنها ما لم يصلنا فتعارض ذلك مع حفظ الله له !
أقول :
وكل ذلك سأبين بعد قليل بطلانه إن شاء الله تعالى ...
ولكن ما أردت فقط تبيانه الآن هو :
أنه يجب على عوام المسلمين - اليوم - أن يعرفوا من جديد ما لم يعد يتعلمونه لا في مدارس ولا غيره ! فسقطوا بذلك في شباك شبهات الملاحدة والنصارى واللادينيين ومنكري السنة الخبثاء .. ولو علموا وتعلموا :
لاستطاعوا الرد بكل سهولة بإذن الله على شبهاتهم الساقطة جميعا ً...
وهذا ما سنحاول فعله وتعلمه الآن إن شاء الله ...
-------
3)) هل النسخ في القرآن يعني البداءة على الله ؟..
البداءة في عالم البشر : هي أن يحكم الإنسان بشيء : ثم يبدو له خطأ ذلك الحكم مما لم يكن يعلمه :
فيستبدله بغيره أو يزيله ..!!
والسؤال :
هل تجوز البداءة في حق الله تعالى عالم الغيب والشهادة ؟...
والجواب :
هذا ما يقوله الجُهال والمغرضون عندما يربطون بين النسخ : وبين البداءة بالمعنى الذي وضحناه !!!..
والصواب :
أن ذلك منهم هو من الخبث بمكان : حيث قصروا معنى النسخ في خطأ الحكم وتصحيحه أو إلغائه : في حين أن له معان ٍأخرى : هي أظهر في نسبة النسخ إلى الله عز وجل مثل :
نسخ الحكم الأصعب بأيسر : وذلك من باب التخفيف على المسلمين .. وتذكيرهم بفضل الله عليهم ..
التدرج في تحريم ما تعلقت به قلوب الناس في الجاهلية - مثل الخمر وزواج المتعة مثلا ً- رحمة ًبهم ..
نسخ الحكم الأدنى : بآخر أعلى منه أجرا ًوأفضل : مثل تحويل القبلة من بيت المقدس للبيت الحرام ..
نسخ حكم عام من القرآن بتفصيله في السنة أو الاستثناء منه : وفيه بيان فضل وأهمية السنة للمسلمين ..
وهكذا ..... - وسوف أذكر جمعا ًجميلا ًللحِكم من النسخ وأنواعه في النقطة 8 بإذن الله - ..
والشاهد :
أنه لا يوجد عالم محترم من علماء الإسلام القائلين بالنسخ : قد فهم من النسخ (البداءة) على الله عز وجل كما يحاول المرجفون والكذابون ربط ذلك بذا ...! وأتحدى أي مخبول من هؤلاء أن يأتي بكلام لعالم مسلم محترم يقول بـ (البداءة) على الله عز وجل !
ولن يأتوا ......
--------
4)) هل يوجد في دين اليهود والنصارى المحرفين نسخ وبداءة ؟
>>> أما بالنسبة لليهود :
فهم يدعون عدم جواز النسخ على الله : لأن النسخ - هكذا قصروه - : يعني جهل الله وبدو ما كان خافيا ًعنه !!!.. وأما غرضهم أولئك الخبثاء من ذلك : هو التملص من نسخ الله تعالى شرعهم بغيره .. وأحكامهم بغيرها .. والأهم : نسخ رسالتهم بغيرها : فيخدعون أنفسهم والناس بذلك : لتبرير عدم اتباعهم لعيسى أو محمد عليهم الصلاة والسلام !!!!...
والصواب :
أنه معلوم من كتبهم نفسها (التوراة أو العهد القديم) : أن كل رسول وكل رسالة تأتي : يكون في أحكامها ما ينسخ ما قبلها .. وذلك لأن النسخ عند الله تعالى يجري بمقتضى حكمته عز وجل : بما يناسب كل قوم وكل أمة وكل زمان !!!.. فالأحكام الجديدة الناسخة : هي الأفضل في وقتها وظروفها ومكانها .. وتماما ًكما كانت الأحكام القديمة المنسوخة : هي الأفضل في وقتها وطروفها ومكانها !!..
هذا من جهة ...
وأما من الجهة الأخرى العملية - وبالأمثلة - : فهناك نسخ كثير بالفعل عند اليهود الذين ينكرونه !
1...
فمن النسخ مثلا ًأن الطعام كله كان حلا ًلهم : إلا ما حرمه إسرائيل على نفسه (أي نبي الله يعقوب عليه السلام حيث حرم على نفسه أكل الإبل وألبانها) .. ثم حرم الله عليهم أيضا ًبعض الطيبات :
جزاءً لهم ولذنوبهم .. وكل ذلك ذكره القرآن عليهم بوضوح : وهو عين نسخ الأحكام !!!..
2...
نسخ حكم جواز تزويج الأخ والأخت في أولاد وبنات آدم عليه السلام .. حيث كان مقتضى الحكم وقتها أن يُزوج ابنا ًمن بطن (أي من الولادة الأولى) : إلى أخته من البطن الثانية : والعكس ... ولكن بعد انتشار البشر في الأرض : نسخ ذلك الحكم بالتحريم ...
3...
يحرم في التوراة الحالية تسري الزوج على زوجته : في حين أنه ثابت لديهم أن إبراهيم عليه السلام تسرى بهاجر على زوجته سارة .. وهذا هو عين النسخ لو كانوا يعلمون !!!..
4...
أيضا ًيحرم في التوراة الحالية - وكما الإسلام - جمع الزوج بين الأختين معا ًبالزواج .. في حين أنه ثابت لديهم أيضا ًزواج يعقوب عليه السلام من أختين في نفس الوقت ! وذلك أيضا ًدليل على النسخ !
5...
كان مباحا ًلنوح عليه السلام أكل كل الحيوانات بعد خروجه من السفينة : ثم نسخ ذلك بتحريم بعضها !
6...
أوحى الله تعالى لنبيه إبراهيم عليه السلام ذبح ولده البكر - هو عندنا إسماعيل وقد حرفوه إلى إسحاق عليهما السلام - ثم نسخ الله تعالى ذلك قبل الذبح مباشرة : عندما تم الاختبار ونجح فيه إبراهيم وولده !
7...
كما أمر الله تعالى بقتل كل مَن عبد العجل الذهبي من بني إسرائيل بعد عبورهم البحر .. وذلك لبيان عظيم جرمهم لهم وأنه مستحق لقتلهم واستئصالهم جميعا ً: فلما أذعنوا لطاعة الأمر : نسخ ذلك ..
8...
البشارات التي تمتليء بها كتبهم منذ إبراهيم عليه السلام : بمجيء النبي الملك والخاتم : والذي يحمل الشرع الكامل ويتحدث بكل ما سيقوله له الله : كل ذلك يعني لكل عاقل : أنه سيأتي بنسخ لشريعتهم !
9...
فهذا كله يثبت النسخ عند اليهود - والنصارى أيضا ًمن المفترض أنهم يؤمنون بالتوراة أو العهد القديم -
بل :
والأحرى باليهود والنصارى أن يستحيوا من انتقاصاتهم (الصريحة) على الله تعالى وحاشاه في كتبهم : بما لا محل له من تأويل ولا تهرب : وهو أسوأ وأقبح من معنى البداءة الذي أرادوا لصقه بالنسخ زعموا !!!!!..
فالله عندهم يتعب ويستريح بعد خلق السماوات والأرض - عكس القرآن ! - !!!.. وانظروا للنص التالي رغم تعمد سوء الترجمة من محرفي النصارى :
" وفرغ الله في اليوم السادس من عمله : فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل !!!.. وبارك الله السابع وقدسه : لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقاً " سفر التكوين الإصحاح الثاني ..
وأيضا ًوصفه بالجهل بالغيب .. والحزن على ما جهل !!!..
" فحزن الرب أنه عمل الإنسان !!!.. وأن كل تصور أفكار قلبه : إنما هو شرير كل يوم !!.. فحزن الرب أنه عمل الإنسان الذي خلقته !!.. الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء : لأني حزنت أنى عملتهم " !! سفر التكوين الإصحاح السادس ..!
فالله أصلا ًفي العهد القديم لدى اليهود والنصارى : قد صار بالتحريف كالإنسان في نقص صفاته !!!.. حتى جعلوه يتصارع مع يعقوب عليه السلام يدا ًبيد !!!.. هل تصدقون هذا ؟!!.. ولم يتركه يعقوب عليه السلام - زعموا - إلا عندما نال بركته منه - وهي تسميته له بإسرائيل - !!!..
" فبقي يعقوب وحده .. وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر !!.. ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه ! فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه ! وقال : أطلقني ! .. فقال : لا أطلقك إن لم تباركنى !.. فقال له : ما اسمك ؟ فقال : يعقوب .. فقال : لا يُدعى اسمك في ما بعد يعقوب !!.. بل إسرائيل ..! وسأل يعقوب وقال : أخبرني باسمك ؟!!.. فقال : لماذا تسأل عن اسمي ؟.. وباركه هناك ....! فدعا يعقوب اسم المكان : فينيئل .. قائلاً : لأني نظرت الله وجهاً لوجه : ونجيت نفسى " ..!
ما شاء الله ....!
هذا غير ندم الله على الطوفان .. وأنه كان من الثلاثة الذين زاروا إبراهيم في هيئة بشر : فضيفهم : فأكلوا ! ثم بشره بولادة إسحق : ثم يعقوب - والواقعة في القرآن هي لثلاثة ملائكة : ولم يأكلوا أصلا ً!! - :
" وظهر له الرب ..! ونظر : وإذا ثلاثة رجال .. وقال : يا سيد (يقصد الله) : إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك : فلا تتجاوز عبدك ..! فأسرع إبراهيم إلى الخيمة إلى سارة وقال : اعجني واصنعي خبز ملة .. ثم ركض إبراهيم إلى البقر : وأخذ عجلاً رخصاً وحيداً .. وأعطاه للغلام .. فأسرع ليعمله .. ثم أخذ زبداً ولبناً والعجل الذي عمله : ووضعها قدامهم .. وإذا كان هو واقفاً لديهم تحت الشجرة : أكلوا !! وقالوا له ...... " سفر التكوين الإصحاح الثامن عشر !!!..
والشاهد ...
مثل هؤلاء السفهاء : لا يحق لهم أصلا ًالحديث عن النسخ : أو حتى اتهام الله في الإسلام بالبداءة !!!!..
>>> وأما بالنسبة للنصارى :
فالأمر أكثر عجبا ً- بالزيادة عما سبق - .. حيث يزعم بابواتهم ورؤساؤهم أن المسيح - ابن الله أو الله بزعمهم - قد أوكل إليهم وفوضهم للتحليل والتحريم ونسخ وتغيير الأحكام !!!!!..
وذلك كما جاء في إنجيل متى الإصحاح الثامن عشر :
" الحق أقول لكم : كل ما تربطونه على الأرض : يكون مربوطا ًفي السماء .. وكل ما تحلونه على الأرض : يكون محلولا ًفي السماء " !!!..
ومن هنا كان فتح باب التحريف في أحكام الله تعالى و ( نسخها ) لا اعتراض عليه من أكابرهم وخاصة ًكبير محرفيهم : بولس اليهودي !!!.. حتى وصل به الأمر لأمره لهم بترك الختان (عهد الله مع إبراهيم عليه السلام والمؤمنين من بعده) ولم يعده شيئا ً!!!.. وكذلك تحليل أكل لحم الخنزير النجس والخمر المسكر إلخ !!!!!!!..
وعلى هذا :
فأمثال هؤلاء السفهاء المحرفين المتخبطين في دينهم هم أيضا ً: لا وجه لهم للحديث عن النسخ في الإسلام : أو اتهام الله تعالى في الإسلام بالبداءة ...!
--------
5)) ثبوت النسخ في القرآن ... وشمول كلمة آية : لآيات القرآن ..
مما سبق يمكننا تعريف النسخ شرعا ًبأنه :
هو رفع ( أو استبدال ) حكم شرعي : بدليل من الكتاب أو السنة ...
وقد ألحق بعض العلماء بالنسخ : معاني الاستثناء والتخصيص والتفصيل : سواء في نفس الآية أو في غيرها .. والنسخ يكون في الأحكام والشرائع فقط : ولا يكون مثلا ًفي القصص والإخبار ونحوه ... فلا يمكن مثلا ًأن نقول في آية أن هارون أخو موسى : ثم ننسخ ذلك في آية أخرى بأنه كان أبوه مثلا !
----
وقد ذكر الله تعالى النسخ في الآيات التاليات : حيث يقول عز وجل :
" ما ننسخ من آية أو ننسها .. نأتِ بخيرٍ منها أو مثلها .. ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير " ؟!.. البقرة – 106 ..
" وإذا بدلنا آية مكان آية .. قالوا إنما أنت مُفتر ِ .. بل أكثرهم لا يعلمون .. قل : نزله روح القدس من ربك بالحق : ليُثبت الذين آمنوا " .. النحل – 101 : 102 ..
" سنقرئك فلا تنسى .. إلا ما شاء الله " .. الأعلى – 6 : 7 ..
----
ورغم وضوح ذكر النسخ في الآيات ووقوعه : إلا أن منكريه أرادوا قصر معناه على شيء بعيد (فقط) وهو : أن الآيات التي سيستبدلها الله تعالى هي معجزات الأنبياء من قبل : بأن يعطي للنبي مثلها أو أفضل منها : أو أن الآيات التي ستستبدل هي آيات أحكام في الشرائع السابقة : سيتم استبدالها في الإسلام ...
أقول :
وهذا تعنت ظاهر وتنطع مفضوح !!!!..
إذ : النسخ الذي يحاولون نفيه أو إنكاره في الإٍسلام نفسه : هو موجود بالفعل في القرآن !!!!..
وبأوضح الأمثلة !!!!!!!!!..
فلماذا العناد والجهل والتعامي - اللهم إلا معترضي منكري السنة : فغرضهم الطعن في السنة الصحيحة -
أقول :
>>>
فأما الآية الأولى :
فهي من سورة البقرة : وهي سورة مدنية أي : نزلت في المدينة وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم .. حيث بدأت الأحكام الشرعية الإسلامية تتنزل في المدينة بكثرة : بعكس مكة كانت أقل ...
ورغم ذلك : فمنكري النسخ يقولون أن هذه الآية - وإن كانت في المدينة - : إلا أنه يشرحها الآياتان الأخرتان اللتان نزلتا في مكة : حيث لم تكن هناك أية أحكام شرعية (( على الإطلاق )) هكذا يقولون ! فهل الأمر فعلا ًكذلك ؟؟؟..
>>>
في الآية الثانية : نجدها بالفعل في سورة النحل المكية .. وهي التي قال فيها عز وجل للنبي :
" وإذا بدلنا آية مكان آية .. قالوا إنما أنت مُفتر ِ .. بل أكثرهم لا يعلمون .. قل : نزله روح القدس من ربك بالحق : ليُثبت الذين آمنوا " .. النحل – 101 : 102 ..
أقول :
أصل الإشكال الذي اخترعه منكرو النسخ هنا : هو أنهم ظنوا (أو أوهموا أنفسهم وغيرهم بذلك) : أنه لم يكن هناك أية أحكام في زمن مكة أو ما قبل الهجرة : ليمكن نسخها !.. وعلى ذلك بنوا شبهتهم بأن : كلمة آية أو آيات : لم تأت في القرآن على أنها آيات المصحف وإنما : بمعنى معجزة أو معجزات ! وأن المسلمين يجب عليهم فهمها على هذا المعنى فيما جاء في كلام الله تعالى عن النسخ !!!.. وهو أن النسخ يعني : آيات أو معجزات الأمم والشرائع من قبلنا !!!..
أقول :
وهذا مردود عليه من عدة وجوه ...
>>>
أولا ً: وبرغم أن كلمة آية بالفعل تعني المعجزة والعلامة إلخ .. إلا أن كلمة آيات : جاءت كثيرا ًللحديث عن آيات القرآن بالفعل !!!.. وذلك في القرآن والسنة !!..
ففي القرآن مثل قوله عز وجل :
" الر .. كتاب أ ُحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " .. هود -1 ..
" ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ءاعجمي وعربي " ؟!!.. فصلت - 44 ..
" هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات " آل عمران - 7 ..
فهل تدل هذه الآيات هنا على شيء آخر غير جمل القرآن ؟!!!..
وكذلك أيضا ًجاء في السنة في صحيح مسلم مثلا ًقول النبي لأ ُبي بن كعب رضي الله عنه :
" يا أبا المنذر .. أتدري أيّ آية من كتاب الله معك أعظم ؟.. قال : قلت : {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} قال : فضرب في صدري وقال : والله ليهنك العلم أبا المنذر " .. أي أصاب في معرفة أعظم آية في القرآن ..
>>>
وأما الوجه الثاني للرد فهو :
ومَن قال أنه لم يكن هناك أية أحكام شرعية مطلقا ًفي مكة قبل الهجرة ؟!!!!...
ألم تشرع الخمس صلوات قبل الهجرة في معراج النبي - تقريبا ًقبل الهجرة بثلاث سنوات - ؟!!..
ألم يكن هناك صلاة التطوع والتهجد ليلا ًبل كانت واجبة : حتى خففها الله تعالى على المسلمين ؟
ألم يكن ذلك التخفيف هو (( نسخ )) بالمعنى المعروف ؟؟!!.. ألم يكن ما قاله الله تعالى في ذلك التخفيف :
هو تبديل آية مكان آية ؟!!!!!!!!..
ولمَن لا يصدق :
تعالوا معا ًنقرأ فرضية قيام الليل على النبي - والتي تبعه فيها طائفة من الذين معه - حيث قال له عز وجل :
" يا أيها المزمل : قم الليل إلا قليلا ً.. نصفه : أو انقص منه قليلا ً.. أو زد عليه : ورتل القرآن ترتيلا ً" !!..
ثم تعالوا نقرأ نسخ هذا الحكم وتبديله للأخف في آخر آية من نفس سورة المزمل وهي الآية 20 :
" إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل : ونصفه : وثلثه : وطائفة من الذين معك .. والله يقدر الليل والنهار .. علم أن لن تحصوه : فتاب عليكم .. فاقرؤوا ما تيسر من القرآن .. علم أن سيكون منكم مرضى : وآخرون يضربون في الأرض : يبتغون من فضل الله .. وآخرون يقاتلون في سبيل الله : فاقرؤوا ما تيسر منه .. وأقيموا الصلاة .. وآتوا الزكاة .. وأقرضوا الله قرضا حسنا .. وما تقدموا لأنفسكم من خير : تجدوه عند الله هو خيرا : وأعظم أجرا .. واستغفروا الله : إن الله غفور رحيم " ...!
وبذلك : يسقط تعارضهم الموهوم وشبهتهم المبنية على سراب في آية :
" وإذا بدلنا آية مكان آية .. قالوا إنما أنت مُفتر ِ .. بل أكثرهم لا يعلمون .. قل : نزله روح القدس من ربك بالحق : ليُثبت الذين آمنوا " .. النحل – 101 : 102 ..
>>>
وأما الآية الثالثة : والتي أرادوا أن ينفوا فيها أن ينسى الأنبياء وخصوصا ًنبينا محمد حينما قال تعالى :
" سنقرئك فلا تنسى .. إلا ما شاء الله " .. الأعلى – 6 : 7 ..
أقول :
النبي بشر .. ولقد تكرر في القرآن الكريم تأكيد وذكر هذا المعنى الهام في أكثر من موضع مثل قوله :
" قل إنما أنا بشر ٌمثلكم : يوحى إليّ " .. من أواخر سورة الكهف ...
وعلى هذا : فقد جاءت الآيات والأحاديث لا تجد حرجا ًفي نسبة النسيان إلى الأنبياء وإلى النبي محمد مثل نسيان آدم عليه السلام :
" ولقد عهدنا إلى آدم من قبل : فنسي ولم نجد له عزما " طه - 115 ..
ومثل نسيان موسى عليه السلام وفتاه للحوت :
" فلما بلغا مجمع بينهما : نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا " .. الكهف - 61 ..
ومثل قول موسى عليه السلام أيضا ًفي نفس السورة معتذرا ًللخضر :
" قال : لا تؤاخذني بما نسيت : ولا ترهقني من أمري عسرا " .. الكهف - 73 ..
وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :
فقد جاء في الأحاديث أنه نسي في صلاته أحيانا ًعدد الركعات .. وكان ذلك لحكمة ... ألا وهي معرفة المسلمين ماذا يفعلون إذا تعرضوا للنسيان مثله في الصلاة ...
وأما دلالة الآية من سورة الأعلى : " سنقرئك فلا تنسى : إلا ما شاء الله " :
فلو أراد الله تعالى نفي النسيان للوحي عن النبي تماما ً: لكان اكتفى سبحانه بقوله تعالى :
" سنقرئك فلا تنسى " .. أما وقد ذكر عز وجل مستثنيا ً: " إلا ما شاء الله " :
فبين بذلك عدة معاني مستفادة .. من أهمها :
أن الحفاظ على الوحي النهائي الذي يريده الله تعالى للبشر : فهو راجع لمشيئة الله تعالى وحكمته في تثبيت ما يريد : وإنساء ما يريد ..!!! وذلك إلى أن يستقر القرآن على صورته التي ارتضاها الله ..
وعليه : فقد وضح سبحانه بهذه الآية جواز النسيان في الوحي على الرسول ولكن : بمشيئة الله وليس بالنسيان البشري العادي للوحي .. والذي طمأن الله تعالى نبيه منه قائلا ًله وكان يتعجل تكرار
آيات الوحي حين نزولها مخافة نسيانها :
" ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه : وقل : رب زدني علما " طه - 114 ...
" لا تحرك به لسانك لتعجل به : إن علينا جمعه وقرآنه " القيامة - 16 : 17 ..
إذا ًنخلص من آية سورة الأعلى مع الآيتين السابقتين أيضا ًأن نسيان الوحي في حق النبي : ممتنع إن كان من عند نفس النبي : واقع وجائز إذا كان بمشيئة الله تعالى وكما سنرى بعد ... وهذا بالطبع - أي النسيان بالكلية - هو للآيات المنسوخة حكما ًوتلاوة ...
وهذا يؤدي بنا للنقطة التالية وهي :
--------
6)) أنواع النسخ في القرآن ...
يقسم العلماء النسخ في القرآن إلى :
1...
آيات لم تعد موجودة في المصحف (نسخ تلاوة) ولم يعرف حُكمها (نسخ حكم) ..
وهي التي أ ُنسيت بالكلية .. فلم يثبتها جبريل للنبي في العرضة الأخيرة للقرآن قبل موت النبي .. حيث كان جبريل يعارض النبي كل عام في رمضان عرضة ًلمراجعته القرآن : وعارضه في العام الأخير عرضتين - ومنها عرف النبي باقتراب أجله - فالذي تم تثبيته في هذه العرضة هو ما شاء الله حفظ القرآن عليه فيما بعد : وهو الذي يسر الله تعالى له تجميعه وتدوينه بعد ذلك في عهد أبي بكر كما سيأتي .. ومثال هذا النوع من النسخ : ما تم نسخه من سورة الأحزاب : حيث كان طولها يقارب البقرة !!!..
ومعلوم لدينا أن سورة الأحزاب يسميها البعض سورة (النبي) : وذلك لكثرة تعرضها لأحوال النبي وزوجاته وبناته إلخ .. ولعل ما تم نسخه منها كان خاصا بذلك الوقت : فأبدله الله تعالى ما يجمله بعد تفصيله آنذاك ..
والمهم : أن هذا النوع الأول من النسخ يسمى :
نسخ الحكم والتلاوة معا ً...
2...
آيات موجودة في المصحف ولكن : توقف العمل بها .. وهذا يسمى نسخ الحكم وبقاء التلاوة ...
ومثاله : نسخ الله لبقاء المتوفى عنها زوجها سنة ًكاملة ً: إلى أربعة أشهر وعشرا ًوبقت الآية :
" والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً : وصية ًلأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج " البقرة 240 ..
وتركها الله عز وجل بيانا ًللتخفيف على المسلمات من بعض ما كان يجري قبل الإسلام عليهن ..
وهذا النوع من النسخ يسمى :
نسخ الحكم : مع بقاء التلاوة ..
3...
آيات لم تعد موجودة في القرآن : ولكن حكمها باقي .. وفي ذلك النوع من النسخ دلالة على أهمية اطلاع المسلمين على السنة وكما سأشرح بعد قليل بإذن الله ..
ومثال هذا النسخ : نسخ آية الرجم للزاني من تلاوة المصحف : مع بقاء حكمها ..
ومثلها أيضا ًنسخ تحديد عدد الرضعات التي تحرم من الرضاعة بعشر ثم خمس من المصحف : مع بقاء حكمها ..
< وقد كان منتشرا ًفي زمن النبي الاسترضاع : فحد له الله تعالى عددا ً: وتدرج به إلى أن وصل إلى خمسة كما سيأتي > ..
وهذا النوع من النسخ يسمى :
نسخ التلاوة : مع بقاء الحكم ..
4...
نسخ القرآن لما قبله من الشرائع عند التعارض .. بمعنى أنه لو وجد حكمين ( مختلفين ) في مسألة واحدة في شرعنا وشرع مَن قبلنا : فيكون حكم شرع الإسلام : ناسخ ومُبدل لحكم الشرع السابق ... والأمثلة من القرآن كثيرة ...
منها أن أبناء آدم عليه السلام كانوا يتزوجون من بعضهم البعض باديء الأمر للحاجة القطعية لذلك : ولكننا نجده في شرعنا محرما .. وكذلك السجود للبشر : كان مباحا ًعلى سبيل التحية والإجلال : وكما سجد أخوة يوسف وأبواه له .. ولكنه محرم في شرعنا وقال النبي أنه لو أباحه لكان أباحه للزوجة لزوجها .. وأيضا ًلم يكن يباح للمؤمنين من قبل أن يتظاهروا بالكفر ولو اكرهوا عليه لينجون من العذاب أو القتل - مثل فتية الكهف - : ولكنه مباح في شرعنا .. إلخ
وهناك نسخ آخر في السنة وبين السنة والقرآن : ولكني سأذكره فيما بعد ...
يُتبع بالجزء الثاني والأخير إن شاء الله ...