المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عشرُ آياتٍ من أقامهن دخل الجنة



أمَة الرحمن
09-07-2013, 11:46 PM
عن عمر الخطاب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله إذا نزل عليه الوحي يُسمعُ عند وجهه كدويِّ النحل، فأُنزل عليه يوماً، فمكثنا ساعةً فَسُرِّيَ عنه. فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تُهِنَّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تُؤثر علينا، وأرْضِنَا وارْضَ عنا. ثم قال: أُنزل عليَّ عشرُ آياتٍ من أقامهن دخل الجنة، ثم قرأ: "قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُون"حتى ختم عشر آياتٍ). أخرجه الترمذي.

يعلّق الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله حول هذا الحديث الشريف في كتابه (المختار من كنوز السنة النبوية) فيقول:

وقال: "اللّهم زدنا ولا تنقصنا": سأل الله الزيادة ولم يبين المزيد منه، ليعم خير الدنيا والآخرة. إلا أن وقوع هذا الدعاء بعد نوعٍ من العطاء –وهو العلم الذي نزل به "جبريل" آنفاً- إن لم يُعين المقصود بالاستزادة وأنه هو العلم فلا أقل من أن يُدخله في المقصود إدخالاً أولياً فيكون هذا الدعاء امتثالاً لقوله تعالى: "وقُلْ رَبِّ زِدْني عِلْماً". واعلموا أن الجمع بين النفي والإثبات ليس لمجرد التأكيد كما قد يُتوهم في بادئ الرأي، لأنك إذا نظرت إلى حقيقة الكلمتين مجردةً لم تجد في إحداهما غناءً عن الأخرى فعدم النقص لا يستلزم الزيادة؛ بل هناك واسطةٌ وهو الوقوف عند حدٍّ من العلم والخير لا يزيد ولا ينقص. كما أن مطلق الزيادة لا تستلزم عدم النقص إذ تتحقق بزيادة واحدةٍ يتبعها نقصٌ. فالجمع بين العبارتين لطلب المزيد المستمر من فضل الله، وكذلك يقالُ في سائر الصيغ.

"وأكرمنا": بالتوفيق للعمل بما علمتنا (إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ).

"وَلاَ تُهِنَّا": بالخذلان عن طاعتك.

"وَأعطنا": ما وعدتنا من وراثة الفردوس.

"ولا تحرمنا": ثوابك الذي أعددت لنا.

"وآثرنا": فضلنا على سائر الأمم.

"ولا تُؤثر علينا": أحداً من خلقك.

فإن قال قائلٌ: أليس قد نَدَبَنا الله إلى الإيثار، ونهانا عن الاستئثار؟ قلنا: ذاك في حظوظ الدنيا العاجلة، أما التماسُ أقرب مراتب الحظوة والزلفى عند الله فهذا مجالٌ يُغبطُ فيه السابقون "وفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنافِسُون". وكأن الرسول قد أُلْهِمَ ما سيكون له ولأمته من الكرامة عند الله، فدعا بها وهو يرجو أنه أحق بها وأهلها، وأنه لا يزاحم فيها أحداً من خلق الله. وقد استجاب الله دعاءه فجعل أمته (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ)، وجعل له من الجنة أعلى درجاتها وجعل أمته أول من يجوز الصراط وأول من يدخل الجنة كما وردت به الأحاديث الصحيحة.

"وأرضنا": بقطع الهمزة، أي هب لنا نعمة الرضى عنك فلا نسخط قضاءك ولا نبطرُ نعمتك.

"وارْضَ عنا": -بهمزة الوصل- فلا تجعلنا من (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ). آمين.

وبعد فارجعوا معي البصر كرَّةً أُخرى لننظر في موقع هذه الجمل بعضها من بعض، فإنكم لا ترون أحسن منها ترتيباً وانسجاماً: بدأ بطلب المزيد من العلم، وثَنَّى بطلب التوفيق للعمل به، وهذا ترتيبٌ مطبوعٌ، لأن العلم مقدمٌ على العمل (فَاعْلَمْ أنَّهُ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ). ثم طلب النَّوال، وهذا يلي مرتبة سابقيه، فمن وفَّى عمله استحق أُجرته (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إلاَّ الإحْسَانُ). ثم ترقى في هذا المطلب فسأل أعلى درجاته. ثم سأل الرضى والرضوان الذي هو نهاية مقاصد الواصلين، وفيه يقول الله تعالى في كتابه بعد وصف نعيم الجنة: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أكْبَرُ). ويقول الله تعالى في حديثه القدسي لأهل الجنة: (يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك! فيقول هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تُعطِ أحداً من خلقك؟ فيقول: ألا أُعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأيُّ شيءٍ أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً). أخرجه البخاري ومسلم.

ثم قال: "أُنزل عليَّ الآن عشر آيات مَنْ أقامهن - أي عمل بهن مُقوماتٍ مُعدلات على الوجه الذي ينبغي، أو حافظ عليهن فلم يضيع منهن شيئاً - دخل الجنة"، تصديقاً لوعد الله في ختام هذه الآيات العشر حيث يقول: (أُولئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

ثم قرأ النبي تلك الآيات وهي: "قَدْ أفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالذين هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالذينَ هُمْ لِلَّزَكَاةِ فَاعِلُونَ وَالذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلاَّ عَلَى أزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُهُمْ فَإنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولئِكَ هَمُ الْعَادُونَ وَالذين هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالذين هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ".

وقد اشتملت هذه الآيات على ثماني خصالٍ من دعائم الدين: (1) الإيمان وهو رأس الأمر كله. (2، 3) الخشوع في الصلاة وإيتاء الزكاة وهما القرينتان في كتاب الله، فالصلاة رأسُ العبادات البدنية، والزكاة أم العبادات المالية. (4، 5) حفظ اللسان والسمع عن اللغو، وحفظ الفرج عما لا يحل ولاشك أن الفرج واللسان هما أكبر مداخل الشيطان في بدن الإنسان؛ قال: (من يضمن لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رجليه أضمن له الجنة). (6، 7) تأدية الأمانات إلى أهلها والوفاء بالعهود وهما رأس الآداب الاجتماعية التي تجب على الإنسان لأخيه الإنسان. وبدونهما تقع الفوضى ويختلُّ بنيان العمران. (8) المحافظة على الصلاة، فانظروا هذه العناية بأمر الصلاة حيث بدأ بها وختم بها، فقد وصى أولاً بالخشوع فيها، ووصى أخيراً بالمواظبة على أدائها. وهي لعمري جديرةٌ بهذه العناية، فقد روى النسائي بسندٍ حسنٍ عن النبي أنه قال: "أول ما يحاسب به العبد الصلاة، وأولُ ما يقضى بين الناس في الدماء".