المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنا ... من وحش النسوان إلى انسنة الانسان



أحمد عبدالله.
09-28-2013, 12:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,
اشتقت اليكم اخواني في الله...

هذه القصة من الله علي بكتابتهـا, وانا اكفل للقارئ بإذن الله ان يستمتع بها لأنها على احداثها الخيالية تعانق الواقع أي معانقة, فهي تعبر عن احساس شخصي من جهة وعن تساؤلات كثيرة من جهة أخرى. ولا أخفي ان فيها صبغة من التجربة الشخصية في جوهرها لا تفصيلها . وهناك بعض الامور الفقهية حاولت الابتعاد عنها قدر المستطاع لقصور علمي في الفقه فارجو من السادة تصحيح مواضع الزلل, وما اضعه بين قوسين () هو تدخل شخصي في القصة وليس من كلام راويها. اترككم معها!

أتعلمون الوحش؟... لقد كنت كذلك … إلى ان جاء ذلك اليوم... واي يوم... مهلا … لن أفشي السر الآن... دعونا نبدأ بالقصة من بدايتها... سافرت إلى باريس كي اتعلم الطب وقد وفقني الله ان اتخصص في طب الاطفال… عشت في باريس سنينا طويلة… وها أنا اعود إلى بيروت لأمارس مهنتي في بلدي... لم اتفاجأ كثيرا بجو باريس... اذ كنت أعيش جوا مماثلا في مدرستي قبل السفر... وكي لا استفيض في الكلام اختصر وصف هذا الجو بكلمة واحدة... ما يزعمون انه "انفتاح"... كنت أعمل في مستشفى Appollo (اسم من خيالي ( ... تعلمون حال العمل... زملاء وزميلات الخ... دخلت لاول مرة قسم طب الاطفال وكنت احمل شيئا من الخوف في قلبي... لعلكم تبررون لي ذلك... الجو جديد وإختصاص جديد الخ... المهم, وجدت طبيبة صغيرة تتجه نحوي وتسأل بلكنة فرنسية قح:
- مرحبا, هل انت دكتور وجيه؟
- أهلا... نعم انا هو …
- شرفت القسم... أنا شارلوت charlotte زميلة لك بدأت بالتخصص هنا من 3 اسابيع...

مددت يدي لاصافحها وقد ازالت عني قسطا من الخوف …
ثم اخذتني بجولة حول القسم تعرفني على الزملاء وعلى الاطباء الذين ساتخصص على يدهم وعلى امور أخرى تخص القسم. شارلوت هذه لا بد لك ان تسلم لها بالذكاء المبهر ما ان تعمل معها لفترة وجيزة... كانت مخلصة لعملها وتمارس مهنتها بكل انسانية... غير انها لم تكن صاحبة جمال يشد الناظر بل هو تحت العادي… ولعل هذا ما جعل علاقتي بها مقتصرة على العمل وكنت ألوذ بها كثيرا ان صعب علي أمر… ولكن إذا دعتني لنتناول وجبة الغداء سويا في كافيتيريا المستشفى أحس ان شيئا يخنقني… نعم هي ذكية ولم أخف ذلك… ولكن مكانها في العمل لا غير... لم اسع يوما للتقرب منها اكثر أو ملاطفتها… طيب سأكون صريحا وآسف على الانانية… كنت اظنها مسكينة… لا تعرف من الحياة الا العمل… بل قل لا تجيد من الحياة إلا العمل… أما العيش برفاهية و boyfriend وهكذا… فلا اظنها أهلا لذلك…
مر أسبوع على بداية التخصص... كنت وشارلوت ندرس حال أحد المرضى... كانت الغرفة صغيرة وتعج بالاطباء المتخصصين أو من هم كحالنا في طور التخصص... كل منكب يعمل في ملف مريض خاص به... إلى ان دخلت فتاة فائقة الجمال… كانت تلبس قميصا ابيضا... قميص الاطباء يعني...بدأت أتأملها بعيون واسعة ونسيت ما كنت أعمل به, فلاحظت شارلوت ذلك… وكزتني بكوعها تريدنا ان ننهي ما بدأنا به من دراسة الملف... فهمست لها:

- من هذه؟
- انها جوليات Juliette , طالبة تخصص سنة أولى ايضا ولكن كانت في اجازة لمدة أسبوع...
- طيب طيب, فلنعد إلى العمل …

قلت هذه الكلمات وأنا لا أريدها… اصبحت أفكر بها… كيف أفاتحها الحديث... مضى 5 دقائق وأنا استرق النظر اليها بين الحين والآخر... قدمت نحو خزانة الملفات تبحث عن ملف أحد المرضى فرأيت ان الفرصة سانحة لاكلمها:

- عفوا, هل يمكن مساعدتك؟...
- ابحث عن ملف المريض Frank ...
- مممم, لم يسبق لي ان درست ملفه... سأحاول ان ابحث معك... آه صحيح… لم أعرفك بنفسي… وجيه زميلكم الجديد هنا…
- Enchante , أنا جوليات…

فإذا بـي وجدت الملف والبسمة ترتسم بشكل تلقائي على وجهي دون اذن مني حتى ...ناولتها اياه ... ولم اكترث حينها لصوت الضمير …اصلا كان صوته همسا... كيف تركت شارلوت تتابع واجبنا وحدها وبدأت بمساعدة جوليات في واجبها ؟... اصلا شارلوت ذكية لا تحتاج الي كثيرا...هكذا كنت أبرر لنفسي...
ومضت الايام … وأنا على هذه الحال... اصبحت انتظر وقت الصباح لأذهب للعمل … ولكني كنت اتقطع من الداخل... فلم أصارح جوليات بما في داخلي... كنت أحبها... لا والله ما كنت افعل... للاسف … لم أحبها … كنت ادعي اني أحبها … ولكني أحب نفسي … نعم... كنت أحب شهوتي... رغبتي … لا اكثر... كنت وحشا … نعم كنت وحشا بعيوني... وبأفكاري... انام على صورة جوليات واستيقظ متذكرا اياها … كنت أكلمها wats up ... أمور سطحية … فقط لاكلمها … أو لأزيح عني بعض تعب الدراسة... كنت اطمع بعلاقة عابرة... علاقة فراش … لم اكن جديا... الطفل يلعب بلعبته ثم يمل منها فيرميها... أريد ذلك … كيف أكون جديا في العلاقة وجوليات تفتن الجميع في المستشفى... ما ان تمر في الكولوار couloire حتى ترى عيون الجميع تلاحقها تتمايل مع تمايلها دون ان تخطئ... رقصة عسكرية بامتياز... هذا مشهد يزعجني... الكل يلاطفها... الكل يعرض عليها تناول وجبة الغداء في الكافيتيريا... وهي ترضي بعضهم وتتحجج بالاعذار لبعض آخر... كنت أريد ان اقطف دورا لي في الطابور... أما ان ادخل معها في علاقة جدية فهذا أمر لا أفكر به... كأن صوت الفطرة يناديني… كأن صوت العرض والغيرة والشرف يرتسم امامي... نعم… كنت اهتم برغبتي أنا … لا اهتم بها... لا يهمني امرها... نجحت في عملها ام لم تنجح... عبدتها ظاهرا ولكني عبدت شهوتي حقيقة... كنت اقفز لمساعدتها عند أي سؤال... أو لاسألها إذا استشكل علي أمر مع انها نادرا ما كانت تجيبني بشكل صحيح … كنت اعود بعدها لاسأل شارلوت المسكينة... وحتى اخلق حديثا مع جوليات إذا جاء دوري في طعام الغداء... تعلمون كيف يسعى العاشق إلى ابتكار الحديث … أي حديث... مهما كان... اصطناع...ويقحم فيه الكثير من النكات والمزاح... لعله يصطاد صيده... كنت للاسف استهزئ بشارلوت امامها حتى أضحكها… هذه ال nerd ... يا لي من حقير… يا لي من ناكر للجميل... يا لي من مغفل...الم اقل لكم اني كنت وحشا… وبأنياب… لم اكن أرى إلا أنا … أنظرني عندما اتمشى على الكورنيش البحري... كنت أسير بقدمي وعيوني تقفز عنها لتستقر عند هذه أو تلك... كعصفور يحط من غصن إلى غصن يلتقم قطعة من الثمرة غير مبال إذا شوهها وتركها مهترئة تموت بمفردها… المهم نصيبه فقط... وإذا كنت أرى عجوزا تمشي... والعجوز عندي ليس السبعينية بل قد تكون عشرينية لا تلفت كثيرا... فهذه اعتبرها خرجت عن دائرة اهتمام عيوني لا بل عن دائرة الانسانية… الم اقل اني كنت وحشا... هكذا كنت أتعاطى مع النساء... وكنت افتخر بشهوتي أمام اصحابي... وهم يفعلون كذلك… فلا تظن اني أساعد هذه أو تلك في مسألة لاني شخص مثالي... ولكني أحب نفسي... عيني على المزيد… تفكيري بعيد… وهكذا كانت حياتي في باريس…
ثم عدت إلى بيروت... إلى ان جاء ذلك اليوم... واي يوم...

(انتظروا التتمة في القريب العاجل ان شاء الله... فلا أريد الاطالة في كل مقطع وقد وعدتكم بامتاعكم... (

أبو يحيى الموحد
09-28-2013, 12:29 PM
متابعون ...

Rengle
09-28-2013, 12:31 PM
تسجيل متابعة ... شوّقتَنا :o:

محبة الاسلام والعلم
09-28-2013, 01:00 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما شاء الله ..حضرتك اللى كاتب هالقصة ؟ كتير حلو اسلوبها ..مشوق :)
متابعون باذن المولى :)

muslim girl1432
09-28-2013, 01:39 PM
طريقة سرد رائعة.. لكن يا حبذا لو تحفظت على بعض الامور; يمكنك الإشارة دون قولها صراحة (كالفراش ..رقصة عسكرية بامتياز)....من باب الترفع لا لشيء آخر

تعليقي: ما الفرق بين الحيوان والرجل ___لا أريد إجابة ليس هذا استفزازا __ هو خاص بأشباه الرجال ومن شاكل بطل القصة ..متابعة

muslim girl1432
09-28-2013, 01:46 PM
لا أريد إجابة

أحمد عبدالله.
09-28-2013, 09:11 PM
وعليكم السلام يا اخوة... وسرني مروركم الطيب...
سأكمل القصة ان شاء الله في اسرع وقت بسبب انشغالي وغيابي من جديد ان شاء الله في مطلع الاسبوع...
أما تحفظي على بعض بعض الالفاظ...
فلفظة علاقة الفراش ذكرتها بشكل خاطف دون استفاضة ولا اظنها خادشة للحياء بهذه الطريقة...
ومسألة الرقصة العسكرية كنت اقصد بها عيون الناظرين وحركة بؤبؤها بطريقة منتظمة...

أحمد عبدالله.
09-28-2013, 09:14 PM
كنت قد غبت عن بيروت حوالي ال 15 سنة... عدت اليها بنفس جديد وبهمة عالية... كيف لا وقد اصبحت دكتورا حائزا على شهادة من جامعة Appollo ... افتتحت عيادة في منطقة راقية واصبحت مقصودا من اقاصي البلد بفضل من الله ومنة... كنت أعمل من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل...خاصة واني كنت أعمل ايضا في مستشفى "نجعان" (من خيالي) فأعود إلى البيت منهكا لا البث ان استحم حتى اسقط في الفراش... واترك نهاية الاسبوع للترفيه… كنت اصطحب معي في مشاويري هذه احدى زميلات المستشفى أو حتى احدى تلميذاتي... كان يتخصص على يدي 8 اطباء… منهم 3 ذكور و5 اناث... كانت تلفتني منهن اثنتان أو ثلاث… وكم كنت اكره نفسي عندما نجلس سويا- اقصد ال 8 - في غرفة ثم أحاول ان أبرز كل طاقتي في المزاح لكي أضحك الطبيبات... كم كنت اكره نفسي وانا أركز اسئلتي على من تلفتني منهن واعلم الأخريات بطريقة سطحية وإن كانت كافية لاسكات قاضي الضمير… كم كنت ساذجا عندما عرضت على احداهن الخروج سويا مقابل رفع معدلها السنوي... ولكني كنت وحشا… هكذا كانت حياتي... لم أسأل نفسي ان كنت سعيدا بها … اذ كنت آلة تعمل إلى ان تنتهي "بطاريتها" ليلا ثم اعود للعمل من جديد مع اشراق شمس اليوم التالي...
طرق احدهم باب عيادتي في مساء يوم الخميس... كان النهار شاقا … لكأني تعبت من التعب... انه الموعد الاخير لهذا اليوم... قلت : "تفضل"... فاذا برجل يحمل ابنه الصغير يدخل مع من؟؟!... يا الهي... امرأة تلبس القماش من أعلى راسها إلى اسفل قدمها … هل هذا الامر حقيقي؟... منذ متى يا بيروت... كنت أسمع عن هؤلاء النسوة في فرنسا في معمعة "حظر النقاب"... ولكن كنت اظنهن من العرب المهاجرات واللاتي لا يتجاوز عددهن عدد الاصابع... وإن كان لا بد من وجودهن في لبنان فقد تكون الضيفة من ضيعة نائية بعيدة عن انفتاح بيروت… نظرت إلى زوجها… يا لك من مجرم... كيف تفعل هكذا بامرأتك؟... يا لها من رجعية… يا له من تخلف… المسكينة أكيد تتعرض للضرب ليل نهار... لا بد من نشر التوعية... حقوق المرأة... الحرية... المساواة... تعليمهـا... تأخير سن الزواج... المساكنة قبل الزواج... باريس... كل هذه الافكار مرت في بالي شريطا في ثوان معدودة ما لبث ان وضع لها صوت الزوج حدا:
- السلام عليكم, دكتور...
- وعليكم السلام
سمعت صوتا خافتا من خلفه يسلم بذات الطريقة ولكن اللكنة لم تكن لبنانية أو هي لبنانية ولكن متكسرة تنم عن صعوبة في النطق... وبعد الترحيب, سألته ما يسأل الطبيب مريضه ثم فحصت الطفل الصغير ونظرت إلى الفحوصات المخبرية ثم جلست خلف مكتبي وانزلت نظارتي إلى مقدمة انفي وبدأت اشرح للاب عن حال ابنه... فقال لي:
- اسمح لي ان أترجم لامرأتي… لا تجيد العربية بشكل صحيح... إلا القليل منها
حدثها بلغة غريبة … ليست بالفرنسية ولا الانكليزية... فقلت له بـحشرية...
- هل هي من اندونيسيا؟ ام من الهند؟ ام باكستان؟
- كلا… بل هي من المانيا!
لم اتمكن ان أخفي حجم الصفعة التي تلقيتها …
- اااا...ااا...الللل...الما... المانيا؟... المانيا يعني ؟
- نعم… هتلر… النازيين, قالها الزوج ممازحا...
يا للهول... هل هذا المجرم يضربها؟... هل يستطيع أصلا ان يفعل ذلك... وفي المانيا!!... حقوق المرأة؟... أهذه مجنونة؟... هل غرها المال؟... هل هي المانية الاصل ام مهاجرة؟... هل أهلوس في آخر النهار؟... حاولت ان ابتسم لمزاح الرجل... ابتسامة ارفع بها عن نفسي اللوم… ابتسامة خافتة خرجت تلقائيا وبإكراه... كتلك التي اهديها لشارلوت... سعلت سعلة مصطنعة حتى استعيد زمام الامور… فتوجهت للرجل:
- ابنك يحتاج لقليل راحة وسأصف له بعض الادوية... انه يعاني من فيروس " HIQ " (من خيالي)...

ترجم لها ذلك ليتيح لي وقتا وجيزا حتى اعود لهلوستي... كنت احتاج لصفعة أخرى حتى استيقظ... فاذا بها تأتي بالفعل... قلت للوالد:
- هذا الفيروس يصيب الكبد ويحتاج لأسبوعين حتى تزول عوارضه... لا داعي للقلق... انه يمزق خلايا الكبد بشكل جزئي ولكنها لا تلبث ان تتجدد في القريب العاجل...
- الحمد لله…

تركت له متسعا من الوقت ليترجم لزوجه... فإذا به يقول:
- وماذا بعد دكتور؟
- ألا تريد ان تترجم لزوجك؟
- لا داعي لذلك... فلا بد انها تعلم قسطا بسيطا كافيا عن الفيروس... كانت تدرس مادة ال pharmacology في MUB Medical University of Berlin (اسم خيالي ( ...
- آه... ممتاز !
أي ممتاز هذا... لم يكن ينقصني ذلك... آخ يا رأسي... هيا يا وجيه... اثبت... هذا آخر موعد... دعهم يخرجوا من عندك بسلام ثم عد إلى التفكير... مهلا... ماذا دعهم ان يخرجوا!!! ... سأجن حتى اعلم السر... الن ينتهي هذا الكابوس...
كان طفلها يمسك بقارورة الحليب... فسقطت من يده... فاذا بها تنحني لتلمها … فبان شقا من قدمها من تحت الجلباب … فاذا بها تخفي قدمها مباشرة من جديد... ان ذلك لا ينم عن انها مجبورة بالضرب على لبس هذا الثوب… ولكن مهلا... أنا بالفعل مهلوس... وجيه... وجيه... جوليات... زميلاتي الطبيبـات... تلامذتي... النساء... أعرف منهن عددا قياسيا... اصبح عندي خبرة في ملاطفتهن تماما كخبرتي في الطب... كثير من الاصحاب يطلبون مساعدتى في تدبير علاقات عابرة لهم … أنا... وجيه... فارس النساء...استحي ان انظر إلى قدم امرأة مغطاة من أعلى إلى اسفل!!!!... نعم … لقد سحبتها هي ولكن كنت سباقا إلى سحب عيوني… لا ادري لماذا!... استحيت… لم استطع... هي لا تريد ذلك... فلماذا انزع عنها حقها... هذه أول مرة في حياتي انظر إلى المرأة بقيمتها الحقيقية… بعلمها... بادبها… باخلاقها… بإنجازاتها… لا بمظهرها الخارجي... نعم... انسنة الانسان… فهي لم تكن في هذا الموقف سلعة بل انسانة... وأنا لم اكن وحشا بل انسانا... لا ابتغي من حواري لها ملاطفتها... أو الظفر بمحاسنها… أخاطبها على انها انسان… له كيانه... له وجوده... ليس من الانا...اعجبني مستواها العلمي… بغض النظر عن مظهرها... بل سأقولها... نعم سأقولها... اعجبني خيارها بأن ترتدي النقاب... فهي ذهبت اليه... هذه حريتها... قرارها... احترمه... بل أعظمه... فهي من بلد الانفتاح بزعمي... لا بد ان في ذلك خطب ما … فاذا بلساني ينطق ببعض ما رقص في عقلي:
- عفوا... هل لي ان اسألك سؤالا؟...
- تفضل دكتور...
- يعني لا أعرف كيف أبدأ...
- خيرا... هل تخفي علينا شيء بخصوص الطفل...
- لا لا لا … ابدا... ولكن … لماذا... احم احم… لماذا ترتدي زوجك النقاب؟...
- سأخبرك القصة بشكل مختصر... كنت أعمل في ادارة الجامعة ذاتها التي تدرس بها … وقد دار مرة بين الزملاء حديثا حول الحضارات... فسألت وقتها وكانت تقصدني في السؤال لانها تعلم اني لبناني … "هل حقا النساء في الشرق الأوسط يرتدين قطعة قماش على رؤوسهن؟ فأجبت: إذا دخلت على متجر يبيع الذهب قد ترين ان الذهب في كل مكان … ولكن ان سألت التاجر عن أغلى قطعة الماس عنده... فانك لن تتفاجئي ان ادخلك إلى غرفة خاصة لتريها مغلفة في زجاجة خاصة ومحمية … المرأة في الاسلام غالية... ليست سلعة معروضة للقاصي والداني... خاصة وانها محط فتنة... يقال المرأة الفاتنة... فهكذا يعاملها الناس على اساس جسدها... لا على اساس انسانيتها... وكلام من هذا القبيل... فمن وقتها بدأت تقرا المزيد عن الاسلام واولعت به فاعتنقته وعرضت عليها الزواج..."
- يااه... قصة رائعة
ودارت بيننا كلمات بسيطة... اعطيتهم قائمة الدواء... وانصرفوا... أما أنا فعدت إلى المنزل... استحممت كالعادة... والقيت بنفسي في احضان السرير... كل شيء كالعادة... الا النوم... لم استطع ان انام لحظة واحدة... وانا اتقلب مع كل تقلب للأفكار في رأسي...
فجاء صباح الجمعة... وكنت اظن ان الليلة ليلة عابرة... فاذا بجمعة كانت اشد ثقلا على راسي ولكنها خفيفة على صدري… حيث تغيرت حياتي... هل تعلمون كيف؟... انتظروا الشق الثالث من القصة ان شاء الله...

إلى حب الله
09-28-2013, 09:47 PM
ما شاء الله أخي الحبيب أحمد .......
قصة تستحق النقل والله والنشر و ..............

الترجمة .......
أي والله ....
ولاسيما إلى الفرنسية والدنماركية ..............

بارك الله فيك على تطويعك الخيّر لهذه الموهبة منذ فترة ملحوظة ...
أدعو المولى عز وجل أن يوفقك إلى كل خير .. وأن يحفظك وأهلك ومَن تحب من كل سوء ...

متابع ............

muslim.pure
09-29-2013, 12:57 AM
+1:thumbup:
تسجيل متابعة
جزاك الله خيرا

عبدالله 20
09-29-2013, 01:22 AM
قصة جميلة
وفقكم الله لما يحب و يرضى

أحمد عبدالله.
09-29-2013, 07:44 AM
جزاكم الله خيرا على مروركم الطيب... واشكر لكم تشجيعكم...
أتمنى لكم قراءة ماتعة ان شاء الله

أحمد عبدالله.
09-29-2013, 07:47 AM
انه يوم الجمعة... اصبحت الساعة الرابعة فجرا... كانت مروحة الافكار لا زالت تدور في جمجمتي … ولكن سرعتها بدأت تخف وكأنها على مشارف ان تنطفئ... لذلك قمت بربط المنبه على الساعة العاشرة... اذ كنت في صبيحة كل يوم جمعة ازور والدي واتناول معهما طعام الفطور... وبعدها اذهب إلى تأدية صلاة الجمعة في المسجد القريب من بيتهما... كنت احتاج لجرعة روحانية كل أسبوع... كإبرة مسكنة للآلام التي لم أعر لها بالا في يوم من الايام… ظننت ان هذا الالم أمر طبيعي... قل مرضا مزمنا... أو حالة فيزيولوجية لدى كل الناس... واني يمكن تخفيف ألمها لا استئصال مصدرها…

وبالفعل... قصدت منزل الوالدين... فإذا بسخونة الافكار تشعل المروحة من جديد... أفكر وانا في الطريق... لم أكن على ما يرام... ولكن حاولت اخفاء ذلك عنهما قدر المستطاع... وقد أفلحت… ثم حان وقت الصلاة... جلست في المسجد وعقلي في مكان آخر... حتى اني قمت إلى الصلاة ولم اتنبه إلى السور التي قرأها الامام بعد الفاتحة... وإن كنت اكاد اجزم انه قرأ )قل هو الله أحد) في الثانية لانها عادته في ذلك... خرجت وانا أريد ان آخذ حذائي فإذا بيد تستقر على كتفي:

- دكتور وجيه! السلام عليكم
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته …
- هل عرفتني؟
- ممممم... وجهك ليس غريبا عني…
- تذكر... ملاحقة القطط… القفز على السيارات... الركض في...
- اهلا اهلا... يا محمد … هذا انت... والله لم اعرفك...تغيرت كثيرا... اشتقت لك!

عانقته عناقا طويلا... انه جارنا … تربينا سويا … كنا اصدقاء مع انه يصغرني بـ 4 أو 5 سنوات... ولكنه كان اكبر من عمره... كان مشاغبا درجة أولى... علمت من اهله انه كان في الامارات ... يعمل فيها منذ اربع سنوات تقريبا... حصل- قبل ذلك - على شهادة الماجستير في هندسة الميكانيك في الجامعة اللبنانية... ويبدو انه قدم إلى بيروت من اجل اجازة...

- ما رايك بفنجان قهوة ؟… لدينا الكثير لنتحدث عنه بعد هذا العمر…
- ممممم... بكل سرور... دوامي في المستشفى يبدأ بعد ساعة... لدينا متسعا من الوقت...

خرجنا سويا وقصدنا مقهى أبو ديب الذي يبعد عن المسجد قرابة ال 100 متر... فإذا بـ "سلوى" تلتقي بنا ونحن في الطريق... مددت يدي وصافحتها... أما محمد فاكتفى بوضع يده على صدره... وبعد حديث لم يدم لثلاث دقائق استأذنت سلوى بالانصراف … فقلت معنفا محمدا:

- ما بك؟ … لماذا لم تصافحها؟... اليست كأختك؟...اصلا هي محترمة ومحجبة...الامارات غيرتك...لا تقل لي أنك...
- ههههه... يبدو أنك اصبحت فرنسي العقل بامتياز...

قالها ممازحا يريد ان يمتص صدمتي وان لا يفوت علي بأني اتهمته بالتأثر بالبلد الذي يعمل به... فرماني بالمثل... وصلنا المقهى وجلسنا على طاولة في زاوية من زواياه... كانت الطاولة بعيدة عن اخواتها ولم يكن هناك إلا أبو ديب المنهمك في عمله وشخصان يلعبان الشطرنج على طاولة بعيدة... كان الجو مناسبا للحديث عن امور شخصية وعن مغامراتي في فرنسا... كيف كنت اقفز من هذه إلى هذه... خضنا في حديث دام لعشر دقائق ثم قلت:

- لو ترى يا محمد... لو تراني ماذا فعلت ببنات فرنسا... لقد نصبت لهن شباكا لا اذكر ان واحدة منهن افلتت منه... وانت كيف حالك مع البنات... احم احم... نسيت... انت معقد … لا تصافح النساء... يا محمد كيف ستتزوج؟... ألا تحب النساء؟

قلت ذلك وانا اسعى إلى استفزازه... فصورة المرأة الألمانية لا تزال في بالي... وإن خفت وطأتها بعد ان ألهاني لقاء محمد... اردت استفزازه لاسحب منه الكلام... لعله يملك الاجابة… فهو لم يصافح سلوى مع اننا نعرفها منذ الصغر... وقد اعفى لحيته وإن كانت خفيفة طبيعة... ولكني جزمت بذلك ان الرجل سلك صراط الالتزام المستقيم...وقد اخبرني بعدها انه ذهب للتدين قبل سفره حتى... فاذا به يبغتني بجوابه... ظننت انه شدد على نفسه... انه عقد الامور... جميل هو الدين… ولكن إذا كان بسيطا... لا مبالغة... المسكين فاته الكثير من اجمل أيام شبابه... نعم... قد يكون محصلا للماجستير... ولكن ماذا يفيد ذلك؟... الدنيا ليست فقط علم ومال... بل كيف نستخدم المال في الترفيه… في المتعة... في اغراء النساء... يا ليتني لم أرك يا محمد بهذه الحال...

فاذا به يقول لي مع ابتسامة لا زلت أحاول ان أفكك رموزها دون جدوى...
المزيد في شق رابع قريب ان شاء الله

محبة الاسلام والعلم
10-07-2013, 09:06 PM
جميلة جدا القصة اخى ..وكالعادة بتوقف عند الموقف المهم ..فالواحد بيتحمس بزيادة :)
اسلوبك مشوق فعلا ... وبسيط بدون تكلفة ...ما شاء الله ..تبارك الرحمن ...




.استحي ان انظر إلى قدم امرأة مغطاة من أعلى إلى اسفل!!!!... نعم … لقد سحبتها هي ولكن كنت سباقا إلى سحب عيوني… لا ادري لماذا!... استحيت… لم استطع... هي لا تريد ذلك... فلماذا انزع عنها حقها... هذه أول مرة في حياتي انظر إلى المرأة بقيمتها الحقيقية… بعلمها... بادبها… باخلاقها… بإنجازاتها… لا بمظهرها الخارجي... نعم... انسنة الانسان… فهي لم تكن في هذا الموقف سلعة بل انسانة...



راااااااااااائع الموقف :)
فعلا ..
ولو كانوا دعاة التحرير فعلا بيهمهم المرأة ..كان لقيناهم بيحترموا المرأة وبيحترموا قرارها ..
وكان لقيناهم اصلا ما بيهتموا كتير للبس المرأة ..كان اهتموا بفكرها وعقلها وانسانيتها ...
كتير من المنقبات بيلبسن النقاب لانهن هنى بدهن يلبسنه ..مش لانه اهلهن اجبروهن على ارتدائه ..
فالمرأة بتلبسه بكامل ارادتها (فيه نسبة منهن بتلبسه طاعة لزوجها او اهلها ) ..فليش ما نحترم قرارها ...
ويا ريت الامر يقتصر على محاربة النقاب ..لاااااا ..كمان الامر بيتعدى لمحاربة الحجاب ..!!!!!!!

اذكر انه مرة ..طلعت معى بالسيارة بنت منقبة ..وكانت مغظية حتى وجهها ..
استغربت ..قلت معقول بيأثر عليها انه تغطى عينيها ...
انه بتكون الرؤية مثلا غير واضحة او ما شابه ..
سألتها ..بتقولى عادى بشوف اللى قدامى ...
وكانت دارسة طب وبتشتغل كطبيبة ..ودرست حتى برا ..مش هان ..
يعنى لو بدى افترض انه اهلها اجبروها على النقاب ..كان على الاقل مستحيل يخلوها تدرس برا ..
وكان على الاقل شالت النقاب ..لانها كانت لوحدها معى بالسيارة ..بقصد بدون مرافق ...صديقة او اهل ...
ونزلت قبلى من السيارة وقتها على مركز عملها ..

فهؤلاء طول الوقت بيستهينوا بالمرأة المسلمة ..وطول الوقت بيحطوها بخانة انها بس للزواج ..وبيتجاهلوا عقلها وابداعها..
لمجرد انها اختارت انها تلبس حجاب او نقاب ..
وما بعرف بجد وين احترام المرأة بنظرهم ..اذا ما احترموا بعض النساء ؟!

بانتظار تكلمة القصة اخى ..:)

أحمد عبدالله.
11-15-2013, 11:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

(انقل دفة الراوي من الدكتور وجيه إلى البش مهندس محمد امعانا في التنويع الذي ينزع فتيل الملل- بإذن الله- من روح القارئ…)

تركت الدكتور يتحدث … اردت ان يفرغ اناء قلبه في كوب واحد... أحسست بصدى يتردد خلف كلامه... عادة ما يكون الصدى تكرار لذات الكلام... غير ان ما وراء كلام وجيه أمر مختلف... كأنه يبحث عن شيء يفتقده... رضيع يبحث عن صدر امه يلتقمه... أو سجين يبحث عن شمس تؤنسه... ولا أبالغ ان ذهبت إلى غريق يبحث عن قشة تنقذه... ابتسمت له... لا رضى بكلامه... بل إعلانا خفيا ان ما يفخر به وجيه قد افتخرت به يوما … ولكن الشجرة ان أثمرت يوما فإنها تذبل آخرا … فبادرته قائلا :

- هههه... تظنني لا أحب النساء؟!… هل هناك من لا يحبهن؟!
- مممم... مممم... (وقد أحس وكأنه اظهر نفسه في موضع سذاجة ناهيك عن صدمة اخفق في إمتصاصها) ... ممممم... ولكنك شيخ! اتمزح معي؟
- يا رجل... أكل من لزم طريق ربه يصبح شيخا؟!... ولماذا امزح معك؟
- إسمع… لا ينقصني ألم رأس جديد… تكفيني آلامي...
- قلت لك أحب النساء... ولكن أحب رب النساء! أحبه حبا شديدا إلى درجة العبادة... لا اتخيل لحظة من حياتي دون هذا الحب… اقدم حبي الحقيقي على حب مزيف ...
- مزيف يا محمد؟!... اراك تبالغ كثيرا...
- دعني أخبرك قصتي... عشت أياما في حب الله... ايام لم اشهد لها مثيلا... أحسست بالسعادة التي تشق صدري... أحسست بصدري يسابق الأفق سعة... هيا اخبرني… إلام يسعى الناس؟ ماذا يبتغون من وراء النساء؟ المال؟ المناصب؟
- يبحثون عن السعادة… عن السرور... عن الامن والامان… عن الطمأنينة...
- احسنت... اتعلم... كيف إذا رضي عنك رب السعادة!... مالك السعادة!... خالق السعادة!… المتصرف بالسعادة؟

قلت هذه الكلمات واحسست بوجيه غير وجيه الساعة الماضية... الذهول يرسم علاماته على وجهه... بل كلمة الذهول لا تكفي للوصف...

- ياااااه.... كم كنت أتمنى ان أسمع مثل هذا الكلام!
- أي شيء يضايقك بعدها… الله راض عنك... الرزاق راض عنك... العليم راض عنك...الرحمن راض عنك... المعز المذل راض عنك... الذي اضحك وابكى راض عنك... اسمع من هو الله : (قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ()أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ() فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ ()الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ()وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ()وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ()وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ()وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) الشعراء
- يا رجل هزيت كياني… اسقطت اصنامي الوهمية …
- تخيل ان محبوبك معك في كل لحظة... انت طبيب وتعلم اكثر مني... قد تصبر على المريض إذا اكثر عليك الاتصالات... قد تحتمله ان دق بابك ليلة أو ليلتين أو ثلاث... ولكن ماذا إن اصبح ذلك عادة؟؟!!... قد تتعلق بزعيم ما ... أو بصديق ما… أو بزوجة ما… قد تسأل قريبا لك ان يساعدك في كيت وكيت... ولكن ستعد إلى المائة قبل ان تطلب منه... لتعد إلى الالف قبل ان تطلب طلبا ثانيا... أما الله... تجده جل جلاله معك في كل حين... طرقت بابه في جوف الليل أو في وسط النهار... طرقت بابه في أي مكان كنت... يسمعك مهما سألت... ومتى سألت... واين سألت... قد تخسر والديك... قد تتركك الزوجة… قد قد... ولكن الله هو الحي الذي لا يموت… تخيل أنك تسيقظ فتذكر حبيبك مباشرة... فهو معك… لا ينام سبحانه... تخيل أنك تنام وانت تذكره... أي سعادة بعد ذلك؟
- سبحان الله... الله اكبر...
قالها وعيونه اصبحت عيون ماء تسير انهارا على وجنتيه…

- عشت هذه الايام… كنت اريد فيها ان اهمس في أذن كل انسان كلمة سر عجيبة: "أعبد الله"... قل لا إله إلا الله تفلح... كان ذلك في أول نضوجي إلى ان زلت قدمي…
- زلت قدمك؟ لم افهم!
- للاسف... هذه الايام عشتها قبل ان ادخل الجامعة... كنت أعيش مع صحبة رائعة... ولكن الايام فرقت بيننا… ففقدت بيئة الخير وصادف دخولي إلى بيئة الفتن... فنسيت أيام سعادتي مع مرور الوقت... خطوة خطوة... كمصيدة خبيثة للشيطان... ثم غصت في جو الفساد… النظر إلى النساء… معاكستهن...و...وذلك لمدة شهر واحد فقط...
- يا للهول!!!… يبدو أنك سبقت صاحبك في هذا الموضوع... قالها ممازحا... ولكن لماذا لمدة شهر؟ ماذا حدث؟
- إلى ان تبت بسبب فيلم اباحي!
- ماذا؟!؟!؟!
- نعم... صحيح اني كنت في أيام معصية… ولكن كنت أحس بضيق... هناك شيء ينقصني... هناك ثغرة احببت ان أرويها… ان اضع القطعة المناسبة لسدها… ولكن كنت افشل مرة بعد مرة… كنت انظر إلى اصدقائي بعجب... كيف يجرون كل هذا الجري وراء النساء... اين هي السعادة التي لا تفوت... نعم... اعلم لماذا... ذلك مبلغهم من العلم… لم يجربوا طعم القرب من الله... يظنون انفسهم على شيء... لو جربوا ذلك لما فرحوا بشيء بعده...ولكن سيصعب عليهم فهم ذلك...
- آه... كأنك تقول مثلا انه ثمة فقير فاحش الفقر اشترى ذات يوم قطعة صغيرة من الحلوى وفرح فرحا شديدا... فرآه أحد الاغنياء الذي اعتاد شراء قطع الحلوى من ذات المكان... قال … اين هذا الفرح كله؟ المسكين لو اعتاد على ذلك لفقد القيمة … لا بد انه فرح فرحا مزيفا لانه خفي عليه الأعظم... ولو جرب يوم ما الأعظم لاستخف بما هو عليه...
- احسنت يا دكتور... لم يخب ظني في سرعة بديهتك... انت قلتها الآن... مزيف... هذا ما اخذته علي في بداية الكلام… أرأيت... غير أنك لا تعتاد على السعادة في القرب من الله فتفقد قيمتها … كحال ملذات الدنيا … فالله أبدا يجدد لك السعادة يوما بعد يوم …
- وماذا حصل بعد ذلك؟
- كنت أحس بنعمة من الله عظيمة رغم معصيتي... نغص الله علي عيشتي في البعد عنه... ليعلمني أني لن اجد ضالتي إلا في مرضاته… بدأت اتدهور دينيا بسرعة... بلغني الامر ان أشاهد الافلام الاباحية... فعلت ذلك لمدة أسبوع… وادمنت... كنت أريد ان امتلك كل نساء العالم... أو كل فتاة أحب ان تكون لي... أمر لم يفز به اكبر ملوك الارض... لعلها عقدة نقص... إلى ان شاهدت فيلما اسبانيا… كان تتخلله مشاهد خليعة... شاهدته لمدة ساعة ونصف... وعيوني تكاد تلتصق في الشاشة… فبطلة الفيلم قمة في الجمال... أحسست اني شخص من اشخاص القصة التي يقصها الفيلم…
- وبعد؟
- بدأت نهاية الفيلم قريبة لاعيش بداية توبتي... بدأت استيقظ من السكرة... انتهى الفيلم... وماذا بعد؟... هل اصبحت شخصا من اشخاصه؟... كلا... اصبحت وحيدا... هل ملكت البطلة في حوزتي؟... كلا... اصبحت وحيدا... ماذا استفدت مما شاهدت؟... اللذة مضت وإنتهت... فأصبحت وحيدا... هيا أشاهد فيلما آخرا... كلا! هل أريد ان أمعن في عذاب نفسي... هل أريد ان اغرس الخنجر في جلدي المجروح اصلا … هل أريد ان أعيش قصة وهمية جديدة؟!... افهم يا محمد... لهذه السعادة حدود... لقدرتك في التلذذ حدود... لقدرتك في امتلاك الاشياء حدود... يا رب... اين تلك السعادة السابقة في القرب من الله...
- جميل… رائع... هذا ما أحس به تماما...اكمل
- رأيت نفسي اسقط على الارض بغير اذني... جلست على ركبتي... رفعت يدي قائلا بكلام نطقه قلبي وإن تحرك له اللسان:
" يا رب اشتقت اليك… يا رب سئمت البعد عنك... يا رب لا احتمل ذلك... يا رحمن"... وعدت بعدها إلى عبادة الله إلى يومي هذا...

وهنا بدت عيون الماء على خدي وجيه اكثر صراحة... فاذا بخرير بكائه اصبح مسموعا كالينبوع المتفجر...فقال:

- هيا … اخبرني اكثر عن الله... استطيع ان أؤجل اجتماعي في المستشفى …
- هو العليم الخبير... فكيف تعصيه ؟ هو العليم الخبير فكيف لا ترضيه؟ (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) سورة لقمان... أنظر إلى علمه: ( اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ () عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ () سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ) سورة الرعد ...أنظر إلى علمه مجددا (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)سورة الأنعام
- هل يغفر الله لي بعد كل ما فعلت؟
- تبسمت قائلا… اسمع قول الله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)سورة الزمر
- يا حبيبي يا رب … ما ارحمك...
- اختم بقول الله: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ () تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) سورة آل عمران دون ان أنسى ان أخبرك ان العبادة هي أولا واخيرا سعادة للعبد... فالله هو الغني الحميد... وقد اخبرتك بنغص العيش بالبعد عن الله : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ () مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ () إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) سورة الذاريات
- سأتوب إلى الله اليوم قبل الغد... هلا اخبرتني عن الجنة ان كان معك وقت...وهل نفوز بها ان عبدنا الله؟
- نعم تفوز ان شاء الله... فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر... قصور فخمة... لو جمعت فخامة قصور الدنيا لعجزت ان تصل مجموعة إلى فخامة قصور الجنة ... اطعمة شهية لذيذة لو جمعت شهية اطعمة الدنيا لعجزت ان تصل مجموعة إلى فخامة الجنة... نساء حسناوات لو جمعت حسن نساء الدنيا لما عدل ذلك مجموعا حسن نساء الجنة...وللنساء أزواجهن ايضا...والأنهار... والولدان...ووو... ليس هناك ثانية واحدة فيها تمتزج بالبؤس … وليس هناك ثانية واحدة فيها لا تحس لا بالبؤس ولا بالسعادة... بل لذة متواصلة أعظمها النظر إلى الله تبارك وتعالى…
- والنار؟ هل في العبادة بعد عنها؟
- نعم طبعا... وهي النقيض تماما… شرابها يغلي له البطون… حتى طعمه مقرف... وشكله مقرف... ورائحته مقرفة... وكذلك الطعام... وحياة نفسية بائسة… ندم... احباط... جحيم… عذاب... إذا خسر الانسان مستقبله الدنيوي بسبب اهماله… كم سيندم… ويتحسر؟... كيف إذا افترى على نفسه بالخلود في عذاب النار...
- اخي... لقد غيرت لي المفاهيم… لا ادري كيف اشكرك بعد الله... لن ادع صلاة بعد اليوم... الآن فهمت قصة السيدة الألمانية...
- ماذا تقصد؟!

بدأ يخبرني بقصته كاملة وانا استمع اليه... وبعدها سلك وجيه خط الالتزام...
يتبع ان شاء الله

أحمد عبدالله.
11-15-2013, 11:31 PM
جميلة جدا القصة اخى ..وكالعادة بتوقف عند الموقف المهم ..فالواحد بيتحمس بزيادة
اسلوبك مشوق فعلا ... وبسيط بدون تكلفة ...ما شاء الله ..تبارك الرحمن ...
جزاكم الله خيرا




اذكر انه مرة ..طلعت معى بالسيارة بنت منقبة ..وكانت مغظية حتى وجهها ..
استغربت ..قلت معقول بيأثر عليها انه تغطى عينيها ...
انه بتكون الرؤية مثلا غير واضحة او ما شابه ..
سألتها ..بتقولى عادى بشوف اللى قدامى ...
وكانت دارسة طب وبتشتغل كطبيبة ..ودرست حتى برا ..مش هان ..
يعنى لو بدى افترض انه اهلها اجبروها على النقاب ..كان على الاقل مستحيل يخلوها تدرس برا ..
وكان على الاقل شالت النقاب ..لانها كانت لوحدها معى بالسيارة ..بقصد بدون مرافق ...صديقة او اهل ...
ونزلت قبلى من السيارة وقتها على مركز عملها ..

فهؤلاء طول الوقت بيستهينوا بالمرأة المسلمة ..وطول الوقت بيحطوها بخانة انها بس للزواج ..وبيتجاهلوا عقلها وابداعها..
لمجرد انها اختارت انها تلبس حجاب او نقاب ..
وما بعرف بجد وين احترام المرأة بنظرهم ..اذا ما احترموا بعض النساء ؟!
حفظ الله المؤمنات العفيفات الطائعات

أحمد عبدالله.
11-15-2013, 11:59 PM
التتمة ان شاء الله في قصة حب محترمة... بطريقة غريبة... فانتظرونا...

محمود عبدالله نجا
11-16-2013, 09:11 AM
ما شاء الله أخي أحمد, أحسنت أحسن الله اليك
و من أحسن ما كتبت
إلام يسعى الناس؟ ماذا يبتغون من وراء النساء؟ المال؟ المناصب؟
- يبحثون عن السعادة… عن السرور... عن الامن والامان… عن الطمأنينة...
- احسنت... اتعلم... كيف إذا رضي عنك رب السعادة!... مالك السعادة!... خالق السعادة!… المتصرف بالسعادة؟

نغص الله علي حياتي ليشعرني بأنه لا سعادة الا معه

حقيقة لا يدركها الا من تألمت نفسه من شهوات الحياة التي لا تنتهي و التي تأخذ من العمر و الصحة و لا تعطينا مقابل ما أخذت
السعادة هي مبتغي كل انسان
اذا وجدها مع الله فقد حقق الغاية من كونه انسان
و اذا بحث عنها بعيدا عن الله متوهما أنه قد يلاقيها فقد فقد انسانيته و صار كالأنعام ترضي بشهوة عابرة تظنها منتهي السعادة في الأرض

نعم أخي أحمد لابد لكل انسان اذا أراد السعادة أن يترك حياة الأنعام ليعود الي الله بعد أن يعود الي انسانيته

أحمد عبدالله.
11-16-2013, 11:03 AM
ما شاء الله أخي أحمد, أحسنت أحسن الله اليك
و من أحسن ما كتبت
إلام يسعى الناس؟ ماذا يبتغون من وراء النساء؟ المال؟ المناصب؟
- يبحثون عن السعادة… عن السرور... عن الامن والامان… عن الطمأنينة...
- احسنت... اتعلم... كيف إذا رضي عنك رب السعادة!... مالك السعادة!... خالق السعادة!… المتصرف بالسعادة؟

نغص الله علي حياتي ليشعرني بأنه لا سعادة الا معه

حقيقة لا يدركها الا من تألمت نفسه من شهوات الحياة التي لا تنتهي و التي تأخذ من العمر و الصحة و لا تعطينا مقابل ما أخذت
السعادة هي مبتغي كل انسان
اذا وجدها مع الله فقد حقق الغاية من كونه انسان
و اذا بحث عنها بعيدا عن الله متوهما أنه قد يلاقيها فقد فقد انسانيته و صار كالأنعام ترضي بشهوة عابرة تظنها منتهي السعادة في الأرض

نعم أخي أحمد لابد لكل انسان اذا أراد السعادة أن يترك حياة الأنعام ليعود الي الله بعد أن يعود الي انسانيته
سعدت بمرورك دكتور... واشكرك على اثراء الموضوع

أحمد عبدالله.
11-18-2013, 11:26 AM
"رحيل " شخصية جديدة تحجز لها مكانا في خضم هذه القصة... فإذا بها تسرق الكلام لها لتقص علينا تجربتها...اعلم عزيزي القارئ ان ما سنكمله ليس عبثا ولكنه يصور عين الواقع… اقصد كيف ينظر المجتمع بنسائه إلى الشاب الملتزم... يظنه انه بسيط سطحي يعيش الحرمان… عسى ان تقوى شوكة بعض الاخوة من خلال ما سنعرضه... لن استفيض في التقديم اكثر واترككم مع هذا الجزء من قصتنا…

انها الساعة السابعة صباحا... يبدو انه يوم ربيعي جميل... كعادتي اتوجه نحو قبلتي اليومية... اقصد المرآة... كم امضي من الاوقات أغازلها... لترد علي باظهار عيوب ساذجة تعكر علي صفو يومي... فامضي في تقويمها ولا اقوم عنها إلا بعد معركة شرسة... واحيانا اترك المعركة دون منتصر مذعنة لصوت والدي:
- يا رحيل... ألا تسمعين!... لقد تأخرنا
- يوه... أنا قادمة!

كان والدي يأخذني في طريقه إلى مستشفى "نجعان " الذي اتخصص فيه... في حين كنت اذهب بسيارتي في أيام أخرى... لم اكن اخرج من السيارة دون ان اطبع قبلة على خد والدي... وهو الذي كان يميزني بين اخوتي... لم اسمعه يوما يلومني على لباسي... انه أمر عادي بالنسبة لنا... بل كان كثيرا ما يستهزئ بجيراننا بسبب الجو المتشدد الذي يعذبون به انفسهم... وابنتهم المحجبة يراها بائسة تستفز الشفقة لديه... كنت اشاطره ذات الرؤية... كيف لا وانا صنعة تربيته... إلى ان كان ما كان... وتقلبت الايام والأزمان...

دخلت المستشفى بالثقة المعتادة... ليس لأني محط انظار الاطباء لجهة ابداعي… بل لاني محط انظار الرجال... فهذا يركض ليلقي تحية الصباح علي وذاك يتحين الفرصة ليشرح لي ما اشكل علي... وهكذا... كان كل ذلك لونا من الفوقية لا اكثر... كان يروق لي ان اكون مركزا تدور في فلكه كواكب شاحبة... تسعى لاقتباس النور من شمسها... انتظرت قدوم المصعد... فعملي على الطابق السابع... كانت ثلة من الناس تنتظره بدورها… يبدو انهم مجموعة واحدة تزور مريضا لها ما خلا أحد الاطباء… اخذ أحد افراد المجموعة يحدق بـي... على الرغم من انه يمسك بيد خطيبته... تظاهرت بعدم الاهتمام واخذت اعبث بهاتفي المحمول... هذه هي تسليتي المفضلة... لا اقصد المحمول طبعا... ولكن ان افتن الرجال ثم اتجاهل احساسهم... وصل المصعد اخيرا... دخلنا جميعا... وكان أول من دخله الطبيب وقد ضغط على زر الطابق 6 ... في حين ضغطت على اخيه الذي يكبره بـسنة...

وصل المصعد إلى الطابق الاول فخرجت المجموعة الأخرى... فوجدت في موقف تتحرج منه النساء... صحيح اني كنت اتعمد اصطياد نظرات الرجال... ولكن ذلك حينما أحس بالامن… واكفل لنفسي عدم الأذية... صعد بنا المصعد... عادة ما أتمنى ان يصل بسرعة البرق... ولكن هذه المرة يا ليته ما وصل... كنت انتظر ان ينظر الي نظرة غريبة بطبعها غير غريبة لمن يعتاد عليها كحالي... نظرة اتأرجح فيها بين خوف على نفسي... وإن كنت اطمع بها طمعا مجنونا متناهي الصغر من اجل ارضاء كرامتي وري ثقتي... فإذا بالطبيب لم يرفع عينيه البتة الي... أهو مجنون؟... أعمى؟... هل هو طبيعي؟... حاولت ان اصطنع السعال... يا هذا... أنا موجودة هنا... الو... دون جدوى... بقي يتمتم بشفتيه كلمات غير مسموعة... منذ ان كان خارج المصعد إلى هذه اللحظة... بدأت أحس احساسا غريبا... لكأن الدنيا تلونت علي... ما هي بالدنيا التي أعرف... اردت ان أمسكه من قميصه الابيض... اردت ان اصرخ في وجهه... الوقت لا يسعفني كثيرا... لقد شارفنا على الوصول... لم اجد شيئا اتوكأ عليه غير هذه الكلمات:

- صباح الخير… كم الساعة ؟!
- صباح النور... انها الثامنة ونصف...

قالهـا ثم عاد إلى تمتمه التي ذكرتني بجدي الذي يتمتم التسابيح ليل نهار وهو الذي اصبح في خريف العمر... قالها ولم ينظر الي حتى … وصلنا إلى الطابق السادس … فخرج وتركني خائرة القوة... كأن الجلاد قام بمهمته وترك سجينه يلملم اثار الضرب... وصلت إلى طابقي ولم اعد اكترث لا بوقت ولا بشيء... قصدت السلم ونزلت إلى السادس حتى ان زميلة لي بادرتني بالسلام وهي في طريق معاكس فما تنبهت للامر لولا ان لامتني فيما بعد... رأيت الطبيب يتجه لقسم الاطفال فانتظرت هنيهة ثم دخلت غرفة الممرضات متظاهرة اني ابحث عن ملف أحد المرضى... فاذا بـي اسأل احداهن:

- من هذا الطبيب الذي مر من هنا قبل دقيقة؟
- انه الدكتور وجيه...
- آه... شكرا
- العفو... ولكن لماذا تسألين؟!
- مم... اووه… لا... لا… لا شيء… فقط أسأل...

ابدت علامة تعجب ثم انصرفت تكمل عملها... طيب يا وجيه… سألقنك درسا لن تنساه ما دمت حيا… عدت إلى عملي أنا كذلك… كنت أعمل والغيظ قد احكم سيطرته علي... كنت أخشى ان يتسلل قسم منه في التعامل مع المرضى...إلى ان جاءت ساعة الطعام في منتصف الظهيرة على خير... قصدت مطعم المستشفى وجلست وحدي... فإذا بزميلتي في ذات القسم تستأذني بالجلوس... اذنت لها على مضض... وبعد عدة دقائق قالت:

- يا رحيل... ما بك... يبدو أنك لست على ما يرام!
- لا ابدا... عادي
- هيا اخبريني … قد استطيع المساعدة...
- اتعرفين وجيه؟! هذا السخيف طبيب الاطفال...
- هههه... يبدو انه عندنا "بنوتة" مغرومة!...
- رجاء… لست بحال يسمح لي بالمزاح...
- ممم... ما القصة إذا؟

اخبرتها بما حصل فأسعفتني بخطة محمكة حفظتها عن ظهر قلب...
اردت ان تبرد المسألة قليلا … حتى اطبق الخطة جيدا ولا أفسدها ... القصة تبرد وقلبي يزيد اشتعالا … انتظرت عدة أيام... إلى ان جاء صباح الشباك... كانت معركتي مع المرآة هذه المرة قصيرة... فالتأخر قد يفوت علي الفرصة... وهي على قصرها خرجت منها منتصرة فلا خيار امامي سوى ذلك... ذهبت بسيارتي إلى المستشفى وانتظرت قليلا خارج بوابتها… إلى ان قدم وجيه... إنتظرته حتى يدخل ثم تبعته وركنت سيارتي بجانب سيارته بعد ان ضمنت بأنه اصبح في حرم المستشفى… كان علي ان انتظر لساعات... لكأن عقارب الساعة اصبحت عقارب حقيقية تلدغني دقيقة بعد أخرى... انتهى دوامي... وكنت اعلم ان دوامه يزيد عني ساعتين أو اكثر... كان محبا لعمله ولا يبالي إن تأخر عن غيره حتى يكفل صحة المرضى… رأيته يتجه صوب سيارته وانا كنت أحوم حول سيارتي... لم أنس ان اغرس مسمارا في الاطار الأمامي... ولم أنس ان اترك الإطار الاحتياطي في مرآب المنزل... رآني على حالي... وعلم أن سيارتي معطلة... فاذا به يبادرني السؤال:

- هل استطيع المساعدة؟

قالها وقد أحسست نزعة من الانتصار تسير في دمي... كنت اعلم ان الامر لم ينته... ولكن اوشكت الخطة ألف على النجاح... وبعدها لكل حادث حديث...

- يا لها من ليلة سيئة... فالاطار الأمامي قد اصبح على الارض...

قلتها بنبرة المسكينة...

- لا عليك... يمكننا استبداله بالاحتياط ثم تأخذينه غدا ان شاء الله لتصلحي العطل...
- مع الاسف... حظي سيء!... الاحتياط ايضا في التصليح...
- مممم... دعينا نفكر بالحل...

ظننته سيدعوني إلى ان يقلني بسيارته إلى المنزل وفق الخطة... احسنت... لقد فعلتها يا رحيل...فاذا به يفسد علي سكرتي...

- طيب... سأذهب إلى أول محطة وقود واطلب المساعدة...
- كلا… رجاء... الوقت متأخر... لا أريد ان أزعجك...

قلتها وقد غدت امارات النصر شاحبة ولكني لم اشأ الاستسلام بهذه السرعة...

- وكيف اتركك هنا إذا؟! لا يعقل ذلك
- هل هناك مشكلة إذا أبقيت السيارة هنا واخذتني بسيارتك…

لا أخبرك عن دقات قلبي هنا... فاما انها ستزيد طرقا أو انها ستنطفئ مرة واحدة...

- لا عليك... سأذهب إلى أول محطة وقود ثم اعود بسرعة...
- طيب... لا بأس... ذلك افضل... متشكرة

لم املك إلا ان اقول هذه الكلمات البغيضة... وإلا سيفتضح امري... وددت لو افضحه بنفسي... ذهب ثم عاد مع رجل آخر... قام الاخير باستبدال الاطار... ثم عاد مع وجيه من حيث اتى... كم كرهت هذا الرجل لأنه اصلح العطل مع اني استفضت في شكره حياء...

عدت إلى المنزل… مرضت مرضا الزمني الفراش... بقيت على حالي لايام... مرضت بعد ان فشلت فشلا متراكما ليجمع علي ركام الامراض... المشكلة ان امي في سفر... فما وجدت إلى جنبي إلا جارتنا التي كنت أستهزئ بها وبـابنتها... لم أحس معها ان أمي مسافرة... لن أنسى لها ذلك ابدا... وهي الآن تحت التراب… ولكني قدستها في تلك اللحظات... ومنذ حينها ندمت على ما اكننت لها … وابي الذي يضعف امامي ورأى صنيعها أكبرها... ولم يجد حرجا في بوح ذلك لي... وإن اخفى طرفا من ندمه بين كلامه لم افشل في اصطياده... كان من اللائي يرتدن علي باستمرار ايضا زميلتي التي أفرغ عندها اسراري... تلك التي جالستها على الطعام... بغض النظر عن زملاء قد زاروني زيارة لا تنم عن براءة الصداقة... جاءتني ذات يوم تعودني بعد عملها... وانا على حالي... فوجدتني اقول لها:

- أريد ان اذهب إلى المستشفى...
- تعلمين ان خير علاج لك هو البقاء في السرير... ولا داعي للمستشفى...
- لم اقصد ان اذهب لتلقي العلاج... أنا أعرف علاج حالتي جيدا... أريد ان القن المعتوه درسا…

قمت من السرير... فأمسكت يدي... وحاولت منعي... ولكن لم أكترث... فاستسلمت لجنوني واقلتني إلى المستشفى... كان الوقت في آخر النهار... قصدت قسم العيادات الخارجية... حيث وجيه هناك في هذا الوقت... هي حاولت ان تتبعني… تريدني ان أخرج ما في جوفي ولكن على الاقل تضبط ذلك بأقل خسائر... وصلت العيادة… سألت السكريتيرة:

- هل الدكتور وجيه في الداخل؟
- نعم ولكن عنده مرضى...

جلست مكان الانتظار... وزميلتي بجانبي... اسناني تأكل شفتي دون رحمة... فاذا بالمريض يخرج من عنده بجانب امه... رأيتني نهضت نهضة واحدة... لم استأذن أحدا... وزميلتي يملكها الخوف والترقب… أما السكريتيرة فقد اخذها العجب فافقدها سرعة التصرف... دخلت… رأيته يكتب شيئا... فاذا بـي اصرخ:

- أأنت مجنون؟ ألست من البشر؟ ألست من الرجال؟ يا عديم القلب... يا حجر القلب... يا معقد... يا من لا يستحق اعجاب النساء... يا فاشل في حياته… يا من لا يعرف من حياته إلا العمل… الحياة تنتظرك... وانت لا تستحقها…

كان ذكيا في هذا الموقف... تركني أفرغ ما في قلبي... حتى افرغت الفراغ ايضا... ثم طلب مني الجلوس وامر السكريتيرة بكوبي شاي لي ولزميلتي... أحسست حينها اني بحاجة للاستماع... فلم يعد عندي شيء اقوله... بدأ كلامه بثقة تامة:

- ليست القضية اني حجر القلب... ولكني اخاف الله... لا احب ان يراني في مكان لا يحبه... اتعلمين... إني اغض بصري لأن الله امرني بذلك... متعة تفوق متعة النظر باضعاف... فانا اترك شيئا حبيبا على القلب من اجل ارضاء الله... وهذا هو الدليل على حبي الحقيقي له… ليست المسألة مسألة ادعاء فقط... الخطيب قد يقدم الغالي لمخطوبته... وهو ان فعل ذلك فيسعد سعادة مضاعفة... على الرغم من انه ضحى بالغالي... ولله المثل الأعلى...
اتعلمين… ان غضضت بصري… فذلك لاحميك من عيوني... واحمي عيوني منك... احميك لأعاملك كانسانة سوية..انظر اليك بعين العقل والاحترام لا بعين الشهوة الانانية... واحمي عيوني من الغوص فيما لا يرضي الله ولا الفطرة ولا الاخلاق... سأروي لك قصتي… فقد عشت واحدة مماثلة...

قص قصته ولم أصدق اني وقفت أمام رجل قد ترك حياة اللهو والعبث وانا الذي ظننته منغلقا لا يعلم شيئا… اخبرني بقصته مع صديقه محمد وحدثني بحديثه... صحيح اني لم افقد حب هذا الرجل الذي كبر في عيني... وان الله وفقني إلى الزواج منه فيما بعد... ولكن ذلك كان بعد ان جلست مع نفسي جلسة طويلة قبل ان اتسرع... لاسلك الصراط المستقيم بحق لا من اجل وجيه... وفعلت... غير اني عانيت من مجتمعي ومن والدي عناء تنوء له الجبال... وذلك بسبب التزامي... فارجو ان تسمعوا ماحصل معي في المرة القادمة ان شاء الله

أحمد عبدالله.
11-18-2013, 11:32 AM
لا تقولن احدى الاخوات اني اثقلت في وصف حالة رحيل... فحسب القارئ ان يعود لقصة وجيه ليرى اطنابا في وصف حاله ايضا... قد حاولت معالجة المسألة من الطرفين دون ان اعلم ما إذا أفلحت بذلك... ولا يفوتك صلابة رحيل في محاربة مجتمعها في تتمة القصة لتعلم معدن النساء الصافي والقاسي عندما يخالط ايمانهن بشاشة القلوب

أحمد عبدالله.
12-05-2013, 11:48 PM
مضى أسبوع على تيك الحادثة … أسبوع كانت فيه الامواج تتخابط في بحر الافكار... فيها مد وجزر بين عزيمة واصرار مع خوف وحذر... ثم جاءنا اكرم الضيوف في وقت مناسب… انه رمضان... اردت ان اصطاد فرصة فاصطاد بها كيد المجتمع… بدأت أحس بحرابه تدغدغ عنقي حتى قبل ان تبدأ المعركة القادمة… معركة قادمة قد بدأت بقرع طبولها … على الاقل أحس بقرعاتها في قرعات قلبي…

كان رمضان بالنسبة لنا عادة اجتماعية بل قل عبادة اجتماعية ان صح التعبير... نصوم لنتلف حول مائدة المغرب عند بيت جدي … سهرة تبدأ منذ ان تقبل الشمس صفحة الأفق إلى ان تقبله ثانية جهة المشرق... ثم ننصرف للنوم حتى نستيقظ على طنين الطناجر والمعالق في المطبخ لكأنها ديكة الصباح... انها جدتي مع بناتها وازواج اخوالي يحضرن طعام الفطور بعيد وقت العصر...لم اكن ابالي بمرور وقت الظهر … لم اكن أصلي البتة... ما خلا بعض المرات خجلا من الحاح جدتي... كان جدي يذهب لصلاة التراويح مع ابنه الاكبر ونفر من احفاده الصغار الذين كانوا يلتقون بأصحابهم في باحة المسجد... وكانت احدى خالاتي كثيرا ما تنشق عن اخواتها لتلحق بركب رواد المسجد... ثم يعود أولئك ليجدوا ان النساء قد فرغن من تنظيف الأواني فيلتقي الجميع حول "الشيشة" لتبدأ تلك المعزوفة الروتينية… قهقهة في زاوية نسائية تتبادل الموسيقى مع وقع فناجين القهوة في الصحون لتخرقها بين فينة وأخرى انغام صاخبة مردها اشكال حول لعبة ال " كوتشينا" بين الرجال ...

غير ان رمضان هذا العام على انه بدأ ينحاز لنهار قصير قد زاد فيه ظمأي لحد بعيد... ليس بـظمأ المسه في جدار حلقي بل اراه يخرقه ليتوغل في اعماق روحي... ما جرى مع الدكتور وجيه قد أماط اللثام عن عيوني لأرى العيون التي تروي هذا الظمأ... قد بقي لي ان اغرف منها فكان لي ان صمت رمضان وافطرت على مائها...
قد آن وقت المغرب في الاول من رمضان… مغرب قد غربت فيه شمس السماء لتغرب معها صفحة كبيرة من حياتي… فأشرقت أخرى حتى قبل ان تشرق صاحبتها التي في السماء... وإذا بوقت العشاء قد تأخر… ان شئت قد تأخر بالنسبة لي... اردت الذهاب إلى المسجد… مع جدي واخوالي… ففعلت آمنة القيل والقال … إما ان يقال اني اذعنت لالحاح الجدة أو اني اردت مرافقة خالتي بشيء من الروحانيات في اول الشهر والتي كثيرا ما تجدها عند كثير من الناس في مثل هذا الوقت... كل ذلك بدا عاديا لم يخالطه أمر يخرج عن المألوف... لولا ان سمعت همسة تعيير من احدى بنات خالتي رقدت على صنوان أذني فما أذنت لها الاذن بالدخول لتعكر علي صفو يومي … دخلت المسجد وقد وضعت على راسي الحجاب كما جميع الاخوات... صليت العشاء ثلاثة مرات … اذ ان التراويح كانت من الخشوع ما جعلني أحس اني في صلاة واحدة... قد انتهت بسرعة بالرغم من ان إمامها كان يسهب في التطويل... لا أخبرك كيف ان "رحيل" قد فقدت السيطرة على بوابة عيونها فانهمرت دموعي ونسيت ان أغلقها... حتى ان خالتي قد أحست ببريقها بعد ان فرغنا من الصلاة فعمدت إلى اخفائها على قدر الاستطاعة... خرجنا من المسجد بعدها والحجاب لا زال يحيطي برأسي احاطة الام برضيعها... شكلا ومضمونا... اما شكلا فلست بحاجة إلى مزيد… أما مضمونا فلعلك علمت حاجة الرضيع إلى أمه… كنت الرضيع ليكون الحجاب تلك الام... شعور لا أبالغ ان ذهبت به إلى حصن منيع يسعى العدو إلى اقتحامه فيتهاوى تلقائيا منكسر الهامة... كنت في حصني اذب عني أسهم العيون التي قد تأتيك على بينة منك أو على حين غفلة...

وصلنا إلى منزل الجد لادخل على ما كنت عليه في المسجد … أما خالتي فقد وضعت عنها تاجها منذ ان خرجت منه...ظن الجمع في السيارة اني لا زلت اضعه اتقاء قرصة البرد... دخلت المنزل وقد وجدت تلك السمفونية المعتادة وإن كانت مبكرة هذه المرة … قهقهة ففنجان فصراخ … قد أضيف عليها دقات قلبي بصوت كاد ان ينفرد بكل المعزوفة... فاذا بصوت كالسهم يخرق كل هذا الجو ما هو بصوت رابح وخاسر هناك … صوت يناديني:

- يا رحيل … هيا انزعي عنك الحجاب وتعالي نبدأ السهرة...

أحسست بالدم يتجمد في عروقي... أحسست به جميعا يتدفق نحو لساني لينطق الاخير بكلمات أحمله مسؤوليتها غير عاتبة عليه البتة...

- أنا من الآن لا أريد ان انزعه… أصبحت محجبة…

هنا... توقف كل شيء وتجمد... لكأنه حسد دم العروق... حتى لساني لم يسلم من ذلك هذه المرة...توقفت المعزوفة بجميع عازفيها... توقف تفكيري... حتى عقارب الساعة توقفت… عجزت عن الكلام كما عجز الجمع... هذه عادة غريبة لم تجد لها مسلكا في عائلتنا… كيف تجرأت على خرقها؟ من اين لها كل هذه القوة؟ من اين لها ان تبدل ما ألفناه؟ من سمح لها بذلك؟ من تظن نفسها؟ وماذا تظن نفسها فاعلة؟ اسئلة قد قرأتها في كل عين مع ان صاحبها قد لزم الصمت... نظرت الساعة فوجدت ان كل هذا الحوار الصامت قد استمر لثوان بين قليلة وكثيرة... إلى ان وجدت خالتي الصغرى تقول:

- كفي عن هذا الهبل...
- يا جماعة... نحل المسألة بهدوء... هل انت جادة يا رحيل؟... قد رد خالي
- لن انزعه شاء من شاء وابى من ابى… سألبـسه في المسجد وفي المستشفى وفي الشارع وفي كل مكان…

فإذا بكف أبي يهوي على خدي الأيمن ليفتح الطريق أمام الدموع التي كنت بالكاد احبسها… ركضت نحو الغرفة وما سمعت إلا قول جدتي من كل ما حدث بعدها :

- يا وائل… لا تحل الامور هكذا... لعلها ثورة عاطفية كحال كثير من الشباب وتنتهي…

وضعت راسي على السرير… وانا اجهش بالبكاء... اردت استرجاع قوتي فعجزت… دخلت الي بنت خالي "هاجر" تحاول استرضائي على غير رضا منها... حاولت بشتى الطرق... حاولت اضحاكي... فما فلحت مع انها هي بالذات تضحك لها الصخور... كنت ابحث عن أمر آخر... عن شيء يرد الي قوتي… وجدت كتابا في ترسانة كتب جدي… قد لونه الزمن بالاصفر … وكانت صفحاته شديدة التعانق لتنم عن عمر مديد على هذه الحال... كان بعنوان "الابتلاء"... فككت هذه الاخوات الصفراء... فوجدتني وقعت على قصة عمار بن ياسر رضي الله عنه… وما حل به من بلاء… وكيف صبرهم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم... إلى ان وصلت إلى استشهاد الكاتب بقول الله: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ()إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ)

الله وعدنا انه الفوز الكبير...مع ان الايات تتحدث عن المؤمنين الذين القوا في نار الأخدود (1)... رغم البلاء… رغم الضراء... الدين غال... لا بد من تضحية... من جهاد... من صبر... فسلعة الله غالية... سلعته الجنة... والسلعة الغالية لا بد من ثمن مناسب لها... ماذا يضرني الناس ان كان معي الله... وهو رب الناس... وهو الههم وملكهم… ازداد عزمي بعد ذلك... اردت ان أواجه… فلست مسؤولة عن نفسي فقط... أولئك في الخارج... اللهم اهدهم فانهم لا يعلمون...وقفت وقفة النمر... وقفة قد وقفتها فيما بعد في المستشفى الذي اتخصص فيه... وفي كل موضع اراد بي فيه الكائدون شرا… تناولت المصحف ... وفتحته لأقرأ الايات التي تلاها الامام في المسجد... فبدأت بهذه الآية:

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ثم وصلت إلى الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) الله هو حبيبي لن أتخذ من دونه ندا... فاذا بي اخرج... والمصحف في يدي... لاكمل الايات علانية... (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ()وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ()يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ () إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ()وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ )

- إني أتبرأ من عملكم قبل ان تتبرؤوا مني في الآخرة... واني اتبع ما أنزل الله لا ما وجدت عليه المجتمع … وهذه حريتي في مظهري… وفي حياتي لا ينازعني احدكم اياها …

فاذا بصوت احدهم يحاول صد حججي العقلية بعيدا عن الجو العاطفي المشحون الذي كان مسيطرا في الجولة الاولى... حاول ان يفعل ذلك مستشهدا بفهمه الخاطئ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال أحد ابناء الخالة:

- الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)... أرأيت ليس عليك شيء في المظهر... فالله لا ينظر اليه… فلماذا تصممين على الحجاب؟...

أجبته بجواب لا ادري كيف استحضرته في تلك اللحظة… صحيح ان الحديث الذي ذكرته يعلمه الجميع وسمعناه كثيرا في التلفاز… ولكن استحضاره في تلك اللحظة بـالذات ليس بسهل... فقلت :

- ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيضا (...ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَتْ ، فسدَ الجَسدُ كُلُّهُ . ألا وهِيَ القَلبُ) فاذا صلح القلب كما نصحتني الآن سيصلح سائر جسدي بما في ذلك مظهري... فأخشى عليك فساد القلب بعد ان رأينا فساد اللسان…

حجة قد تزلزل لها الجو... وقد لمس الجميع عنادي… عادوا إلى سهرتهم وإن ذهب بعض روعتها بالنسبة لهم إن لم يكن كلها... ليس بيدهم حيلة… عناد قد لمسوه في منذ صغري... وليسوا بحاجة لأن يختبروني في هذه اللحظة… أما أنا فعدت إلى الغرفة لاقبل صفحات ذلك الكتاب باصبعي... قبلة بعد كل قلبة... مصافحة أخفف بها عن صفحاته عناء الوحدة ومعانقة الذات…

هذه عينة عن معاناة قد ذقتها في المستشفى ايضا… ولكن ثبت هناك كحالي هنا ... ولم يزل الوالدان يلحان علي بشتى الوسائل دون جدوى... ولا زال وابل السخرية ينهمر من الزملاء فارجمه براجمة من قوة الحجة و اعضده بـالترغيب طورا وبـالترهيب في آخر... إلى ان عزمت بعد اشهر على ضرب الخمار على وجهي لاضرب به اعناق المتربصين… وقد ضجت بي المستشفى… وعلم بـي الدكتور وجيه في هذه المعمعة ... فعرض علي الزواج... وها نحن نحيا مع ابنينا "محمد" و "عمر"...

ختام هذا الشريط ولله الحمد والمنة

---------------------------------------
(1) "وهذا خبر عن قوم من الكفار عمدوا إلى من عندهم من المؤمنين بالله عز وجل، فقهروهم وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم، فأبوا عليهم، فحفروا لهم في الأرض أخدوداً، وأججوا فيه ناراً، وأعدوا لها وقوداً يسعرونها به، ثم أرادوهم فلم يقبلوا منهم، فقذفوهم فيها" من تفسير ابن كثير

زاد المعاد
12-18-2013, 07:54 AM
جزاكم الله خيراً...
عشت أحداثها بين الكلمات.... هذه هي القصص التي تستحق القراءة..........بوركت.

يوسف المغربي
12-27-2013, 02:32 AM
السلام عليكم و رحمة الله
شكرا لكم جزيل الشكر ، قرأت و سأنشرها بين أصدقائي في الفيسبوك و في كل مكان .
أحسست بعول الامور كثيرا عندما قرات الآيات باللون الأزرق ، و الله قبل اقراها خفق قلبي و هطلت الدموع من عيني على وجنتي .
أجمل العبارات قراتها منك أخي
تحياتي
و السلام عليكم

أحمد عبدالله.
01-06-2014, 02:22 AM
جزاكم الله خيراً...
عشت أحداثها بين الكلمات.... هذه هي القصص التي تستحق القراءة..........بوركت.
بارك الله في عمرك اخي... ذكرتني بكتاب ابن القيم :):


السلام عليكم و رحمة الله
شكرا لكم جزيل الشكر ، قرأت و سأنشرها بين أصدقائي في الفيسبوك و في كل مكان .
أحسست بعول الامور كثيرا عندما قرات الآيات باللون الأزرق ، و الله قبل اقراها خفق قلبي و هطلت الدموع من عيني على وجنتي .
أجمل العبارات قراتها منك أخي
تحياتي
و السلام عليكم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته... جعل الله ما تنقله في ميزان الحسنات ونفع الله بك الأمة

الواضحة
01-31-2014, 01:24 PM
قصة رائعة جزاكم الله خيرا
وتفاصيل لا يستطيع الكثير حياكها
وان كنت عرفت منها اشياء جديدة عن مجتمع النساء ان لم يكن فيها مبالغة
- يعني في نساء بيفكروا هكذا ؟!!

أحمد عبدالله.
02-02-2014, 05:12 PM
بارك الله بكم...
لا ادري كم نجحت في تصوير الواقع... ولكن الذي حرصت على التركيز عليه والذي اجزم انه موجود في ساحتنا على الاقل في مجتمعي هو نظرة الشفقة تجاه الملتزمين...
فقد يشعر الناس إلا من رحم ربي ان المسلم محروم من لذة الدنيا وانه في سجن اوقع فيه نفسه... كمن يعطف على شاب أو شابة نصرانية دخلا في سجن الكاهن الذي يحجز نفسه عن كل ما في الدنيا مع غلو ظاهر... وكما يقول ابن القيم ان لم أخطئ... ذلك مبلغهم من العلم... صعب ان يفهم طعم السعادة في القرب من الله إن لم يجربه الناس... وقد مر معي ان أحد السلف دون ان اجزم بالصحة ولكن المعنى صحيح ان الملوك لو علموا حالنا لتركوا الدنيا وحاربونا من اجل ان يأخذوا ما عندنا...

Maro
03-11-2014, 01:12 PM
ما شاء الله أخي الحبيب أحمد .......
قصة تستحق النقل والله والنشر و ..............
الترجمة .......
أي والله ....

وهذا ما دار بخلدى حتى قرأت مداخلتك يا أستاذنا الحبيب...
وإنى أستأذن الأخ الكريم "أحمد" أن أقوم بترجمة قصته هذه إلى الإنجليزية والملايو لكى أنشرها هنا بإذن الله.

أحمد عبدالله.
03-12-2014, 03:22 PM
يشرفني ذلك اخ مارو... واسأل الله ان يجعل ما تخط ثقيلا في ميزان الحسنات ... وقد شوقتني لاقرأ القصة بنسختها الانجليزية اما الملايو فلا قبل لي بها البتة بل اول مرة اسمع بها ان لم اخطئ ... ( ابتسامة)...

Maro
03-12-2014, 05:42 PM
جزاك الله خيراً أخانا الحبيب...

اما الملايو فلا قبل لي بها البتة بل اول مرة اسمع بها ان لم اخطئ ... ( ابتسامة)...
لا عجب، والخطأ ليس خطؤك...
بل خطأ أصحاب هذه البلدة الظالم أهلها...
بعد أن ميّعوا الدين وشوهوا العقيدة...
راحوا يتمسّحون بدول الغرب بمنتهى الخضوع والاستسلام لخريطة الطريق (نسخة المملكة المتحدة)
فأضاعوا ثقافتهم ونسوا هويّتهم وقتلوا لغتهم...

نسأل الله السلامة.
سأطلعك على النسخة الإنجليزية حين أنتهى منها بإذن الله لتخبرنى برأيك قبل نشرها، والله المستعان.