المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإستغناء و التكبر على عبادة الإله .



المتضرع المنكسر لله
10-04-2013, 06:21 PM
( الكبر عن عبادة الله ...
الكبر كذلك من الأمراض التي تصيب (( الفطرة )) فتنحرف بها عن صورتها السوية وتوقعها في الشرك ...
والكبر درجات ... تبدأ بالاستكبار على الناس ، وتنتهي بالاستكبار على عبادة الله ... وكلها خُلق مَقيت مرذولٌ لا يصدر عن نفسٍ سويةٍ مستقيمة ؛
لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " رواه مسلم .

وغالباً ما يكون الكبر في نفوس من حصلوا على شيء من (( متاع الحياة الدنيا )) ، من مال أو جاه أو سلطان. ولكنه ليس وقفاً عليهم، ويمكن أن يتسرب إلى أي نفس مريضة فيصاب صاحبها بما يسميه المعاصرون " جنون العظمة " ولو كان من أحقر الناس!

ويبين لنا الله في كتابه الحكيم أن الكبر من أسباب الكفر والشرك ، كما جاء في قصة النمرود :
( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ (( الْمُلْكَ )) إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [البقرة: 258].
وكما جاء في قصة فرعون :
( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي (( مُلْكُ )) مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ) [الزخرف: 51].
( اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ، فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى ، وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ، فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى ، فَكَذَّبَ وَعَصَى ، ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ، فَحَشَرَ فَنَادَى ، فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ، فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ) [النازعات:17 - 25].
وكما كان من أمر الوليد بن المغيرة :
( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ، وَجَعَلْتُ لَهُ (( مَالًا )) مَّمْدُودًا ، وَبَنِينَ شُهُودًا ، وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ، كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا ، سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ، إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ، ثُمَّ نَظَرَ ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ، فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ، إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ، سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ) [المدثر: 11 - 26].

ثم بيَّن لنا الله أنها قاعدة شاملة وليست ظاهرة فردية : ( إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [غافر: 56].

وهذا الكبر عن عبادة الله أوضح ما يكون في الجاهلية المعاصرة ، فهو ليس وقفاً على أصحاب المال أو الجاه أو السلطان ، إنما سرى المرض في جسم الغرب حتى صار (( أتفه الناس شأناً يستكبر عن عبادة الله )) !
من كتاب : ركائز الإيمان ، لمحمد قطب ... منقول .
،،،
ولاشك أنّ المُسبب لداء ( التكبر عن عبادة الخالق ) هو ليس ذات الغنى والمُلك والسُلطان ، إذ هذه الأمور سلاح ذو حدين ، ولكنها فتنة ، وهم قد فُتنوا بها ، فأردتهم عن الصراط السوى ، والفطرة النقية التقية فى محبة التقرب والخضوع ذلا لرب البرية ،،، ويرجع تأثير ذاك المتاع الفانى فى نفوسهم أنه أورثهم صفة الإستغناء ، فما هى تلك الصفة ؟
،،،
( الإستغناء فى الأصل : إمتلاك الأشياء التى تجعل مالكها غنيا بها عن غيره ، (( غير محتاج )) لأحد ...
وهذا الإستغناء يكون (بـ ) المال ، ويكون بالقوة والسلطان ... إلخ ، ويكون بإمتلاك كل ما يُحتاج إليه ... ويكون الإستغناء (عن) الشئ بعدم الحاجة إليه أصلا ...
والإستغناء قد يكون حقيقيا ، وهو لله تعالى وحده ...
فالله تعالى هو الغنى فى ذاته بصفات الكمال ، وهو المالك لكل شئ ، وهو الغنى فى ذاته عن كل شئ دونه ...
وقد يكون الإستغناء (( شعورا نفسيا كاذبا )) يراه الإنسان لنفسه ، وهو فى حقيقة حاله فقير لربه ، محتاج إليه فى كل مطلب من مطالبه ...
فليس خلق الله للناس عن حاجة به إليهم ، ﻷنه غنى عنهم وعن عبادتهم له ، ولكنه خلقهم بفيض نعمته ورحمته ، بيد أنهم هم الفقراء إليه فى *** أصل وجودهم ، ثم فى إمدادهم بالبقاء وبأسبابه ، ثم فى كل حاجات نفوسهم وقلوبهم وأفكارهم وأرواحهم وأجسامهم *** ...
ولما كانت صفة (( الطغيان )) ملازمة لمن يرى من الناس أنه استغنى ، كان من التربية الربانية للناس أن الله تبارك وتعالى قد جعل الإنسان حبيس الحاجة والإفتقار ، فى كل أمر من أموره ، حتى يرجع دائما إلى ربه ...
فإذا مسه الغرور فطغى ولو طغيانا جزئيا ضمن حدود شعوره الكاذب بالإستغناء ، جاءته (( العقوبة الربانية )) المؤدبة ، فذل وخضع ، ورجع إلى المشاعر الصادقة ، فعرف حدود نفسه ، وعرف إفتقاره الدائم إلى ربه ، وأدرك أن لحظات شعوره بالإستغناء قد كانت أوهاما من وساوس الشيطان ، ومن نزعات المفس والهوى .
المصدر : الأخلاق الإسلامية وأسسها : عبدالرحمن حبنكة الميدانى ...
،،،
ويقول الشيخ عبدالرحمن - رحمه الله - أيضا :
( فالدواء الذى يمنع عن الإنسان الطغيان هو *** الإيمان بالله واليوم الآخر *** الذى يستبقى فى قلبه ونفسه الشعور بالفقر الدائم إلى الله ...
إن إيمانهم بالله واليوم الآخر يشعرهم بالفقر الدائم والحاجة المستمرة إلى الله تعالى ، إنهم يعلمون *** أن كل شئ بيد الله *** ، فهو الذى يعطى ، وهو الذى يمنع ، وإذا شاء سلب النعمة الموجودة ، وإذا شاء جلب النعمة المفقودة ، فهم يخافون سلب النعم الحاضرة ، ويرجون إستدرار النعم الأخرى من فيض كرم الله ...
وهم يشعرون دائما بالحاجة إلى تحصيل الثواب العظيم فى الآخرة ، ودفع العذاب الأليم عنهم فيها ...
فشعورهم لا يفارقه الإحساس بـ (( الإفتقار إلى الله )) ، وهذا هو الذى يجعلهم بعيدين عن الطغيان كل البعد ) ... فإن كان ذا كذاك ، فما هو الإفتقار ؟!
،،،
عرَّفه الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ بقوله : " حقيقة الفقر : ألا تكون لنفسك ، ولا يكون لها منك شيء ؛ بحيث تكون (( كلك لله )) ، وإذا كنت لنفسك فثمَّ ملك واستغناء مناف للفقر" ،
ثم قال : " الفقر الحقيقي : دوام الافتقار إلى الله في كل حال ، وأن يشهد العبد في (( كل ذرة مـن ذراتــه الظاهـرة والباطنـة فاقـة تامـة إلى الله ـ تعالى ـ من كل وجه )) ".

فالافتقار إلى الله ـ تعالى ـ أن يُجرِّد العبد قلبه من كل حظوظها وأهوائها ، و(( يُقبل بكليته )) إلى ربه ـ عـز وجل ـ متذللاً بين يديه ، مستسلماً لأمره ونهيه ، متعلقاً قلبه بمحبته وطاعته ،
قال الله ـ تعالى ـ: " قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْـمُسْلِمِينَ " [الأنعام: 162 ـ 163].
قال يحيى بن معاذ : " النسك هو: العناية بـ (( السرائر )) ، وإخراج ما سوى الله ـ عز وجل ـ من القلب ".

والمتأمل في جميع أنواع العبادة القلبية والعملية يرى أن الافتقار فيها إلى الله هي الصفة الجامعة لها ، فبقدر افتقار العبد فيها إلى الله يكون أثرها في قلبه ، ونفعها له في الدنيا والآخرة ، وحسبك أن تتأمل في الصلاة أعظم الأركان العملية ، فالعبد المؤمن يقف بين يدي ربه في سكينة ، خاشعاً متذللاً ، خافضاً رأسه ، ينظر إلى موضع سجوده ، يفتتحها بالتكبير ، وفي ذلك دلالة جليَّة على تعظيم الله ـ تعالى ـ وحده ، وترك ما سواه من الأحوال والديار والمناصب ، وأرفع مقامات الذلة والافتقار أن يطأطئ العبد رأسه بالركوع ، ويعفِّر جبهته بالتراب مستجيراً بالله منيباً إليه ، ولهذا كان الركوع مكان تعظيم الله _تعالى_، وكان السجود مكان السؤال ،

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فأما الركوع فعظِّموا فيه الرب _عز وجل_ وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم".
ولهذا كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم- في ركوعه : " اللهم ! لك ركعت ، (( وبك آمنت ، ولك أسلمت خشع لك )) سمعي ، وبصري ، ومخي ، وعظمي ، وعصبي" .
قال الحافظ ابن رجب : " إشارة إلى أن خشوعه في ركوعه قد حصل لجميع جوارحه ، ومن أعظمها القلب الذي هو ملك الجوارح والأعضاء ، فإذا خشع خشعت الجوارح والأعضاء كلها ؛ تبعاً له ولخشوعه ". ثم قال : " ومـن تمام خشـوع العبد لله ـ عز وجل ـ وتواضعه في ركوعه وسجوده ؛ أنَّه إذا ذلَّ لربه بالركوع والسجود ، وصف ربه حينئذ بصفات العز والكبرياء والعظمة والعلو ، فكأنه يقول : (( الذل والتواضع وَصْفي، والعلو والعظمة والكبرياء وَصْفك )) ".

إنَّ هذه المنزلة الجليلة التي يصل إليها القلب هي سرُّ حياته وأساس إقباله على ربه _سبحانه وتعالى_، فالافتقار حادٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ يحدو العبد إلى ملازمة التقوى ومداومة الطاعة.
ويتحقق ذلك بأمرين متلازمين ، هما :
الأول : إدراك (( عظمة الخالق وجبروته )) :
فكلما كان العبد أعلم بالله ـ تعالى ـ وصفاته وأسمائه كان أعظم افتقاراً إليه وتذللاً بين يديه ،
قال الله ـ تعالى ـ: " إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ " [فاطر: 28] ،
وقال :" قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَـمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا " [الإسراء: 107 - 109] .
وقال الفضيل بن عياض : " أعلم الناس بالله أخوفهم منه " ، وقال : " (( رهبة العبد من الله على قدر علمه باللّه )) "
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي : " أصل الخشوع الحاصل في القلب إنما هو من (( معرفة الله ، ومعرفة عظمته ، وجلاله وكماله )) ؛ فمن كان بالله أعرف فهو له أخشع ، ويتفاوت الخشوع في القلوب بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له ، وبحسب مشاهدة القلوب للصفات المقتضية للخشوع " .

ومَنْ تدبر الآيات البينات والأحاديث الشريفات التي جاء فيها ذكر صفاته العلى وأسمائه الحسنى ؛ انخلع قلبه إجلالاً لربه ، وتعظيماً لمقامه ، وهيبة لسطوته وجبروته _سبحانه وتعالى_.
قال ـ تعالى ـ : " اللَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الْـحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إلاَّ بِإذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ " [البقرة: 255].
وقال ـ تعالى ـ : " وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْـمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ" [الأنعام: 59 - 61].
وقال ـ تعالى ـ : " وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ " [الزمر: 67].

وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " يطوي الله السموات يوم القيامة ، ثم يأخذهنَّ بيده اليمنى ، ثم يقول : أنا الملك ؛ أين الجبارون ؟ (( أين المتكبرون )) ؟ ثم يطوي الأرض بشماله ، ثم يقول : أنا الملك ؛ أين الجبارون؟ أين المتكبرون ".

قال الإمام ابن القيم : " (( القرآن )) كلام الله ، وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته ، فتارة يتجلى في جلباب الهيبة والعظمة والجلال ، فتخضع الأعناق ، وتنكسر النفوس ، وتخشع الأصوات ، ويذوب الكبر كما يذوب الملح في الماء ، وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال ، وهو كمال الأسماء وجمال الصفات وجمال الأفعال الدال على كمال الذات ، فيستنفد حبُّه من قلب العبد (( قوة الحب كلها )) ؛ بحسب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله ، فيصبح عبده فارغاً إلا من محبته ، فإذا أراد منه الغير أن يعلق تلك المحبة به أبى قلبه وأحشاؤه ذلك كل الإباء ..»،
ثم قال : «... وجماع ذلك أنه ـ سبحانه ـ يتعرف إلى العبد بصفات إلهيته تارة ، وبصفات ربوبيته تارة ، فيوجب له شهود صفات الإلهية المحبة الخاصة والشوق إلى لقائه ، والأنس والفرح به ، والسرور بخدمته ، والمنافسة في قربه ، والتودد إليه بطاعته ، واللهج بذكره ، والفرار من الخلق إليه ، (( ويصير هو وحده همَّه دون ما سواه )) ، ويوجب له شهود صفات الربوبية التوكل عليه ، والافتقار إليه ، والاستعانة به ، والذل والخضوع والانكسار له " .
وعرّف ابن القيم الخشوع بأنه " خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال والوقار والمهابة والحياء ، فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء ، وشهود نعم الله ، وجناياته هو ؛ فيخشع القلب لا محالة ، فيتبعه خشوع الجوارح".


الثاني : إدراك ضعف المخلوق وعجزه :
فمن عرف قدر نفسه ، وأنَّه مهما بلغ في الجاه والسلطان والمال فهو (( عاجز ضعيف لا يملك لنفسه صرفاً ولا عدلاً )) ؛ تصاغرت نفسه ، وذهب كبرياؤه ، وذلَّت جوارحه ، وعظم افتقاره لمولاه ، والتجاؤه إليه ، وتضرعه بين يديه ، قال ـ عز وجل ـ : " فَلْيَنظُرِ الإنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ" [الطارق: 5 ـ 10].
وقد جمع الإمام ابن القيم بين هذين الأمرين بقوله : " مَنْ كملت عظمة الحق ـ تعالى ـ في قلبه ؛ عظمت عنده مخالفته ؛ لأن مخالفة العظيم ليست كمخالفة مَنْ هو دونه ، ومَنْ عرف قدر نفسه وحقيقتها ؛ (( وفقرها الذاتي )) إلى مولاها الحق في كل لحظة ونَفَس ، وشدة حاجتها إليه ؛ عظمت عنده جناية المخالفة لمن هو شديد الضرورة إليه في كل لحظـة ونَفَـس ، وأيضـاً فإذا عـرف حقارتها ـ مع عظم قدر من خالفه ـ؛ عظمت الجناية عنده ؛ فشمَّر في التخلص منها ، وبحسب (( تصديقه بالوعيد )) ويقينه به يكون تشميره في التخلص منها ، وبحسب تصديقه بالوعيد ويقينه به ؛ يكون تشميره في التخلص من الجناية التي تلحق به " .
http://almoslim.net/node/82254
،،،
وإنّ التكبر عن عبادة الملك سُبحانه إضافة إلى أنّ أصله هو ظن الإستغناء بما قد (( أُعطى ))) من رب العالمين ، فإنّ له جوانب أُخرى فى النفس البشرية ، ومنها الشعور بنقص فى ذاته الدنيّة ، أو الشعور بالعلوية ، ومُعاملة الرب تعالى مُعاملة النديّة ، وهذا من آكد الخبل فى العقول ، والمسخ فى الفطر ؛ إذ كيف يستوى رب ، وعبد ،،،
وإنّ نفسا لم تُرد الإقرار بالعظمة للذات الإلهية جديرة بأن تنتفش وتدّعى هى الربوبية والإلوهية ؛ وذاك بداية المحق ، ومعرفة العبد حقيقة الحق ...
فإنّ الكون ليس فيه إلّا رب وعبد ، فإن أبيت الأولى فأنت تُرشح نفسك للثانية تدريجيا ، ويُخشى عليك زيادة مسخ للقلب والعقل والنفس عما أنت فيه ، ثم الختم بالخسف ، قلبا وقالبا .

المتضرع المنكسر لله
10-04-2013, 07:29 PM
وأغوار تلك النفوس المُتكبرة تدل على أشياء منها : إنتفاشهم فى ذاتهم عند نفسهم ، جهلهم التام بربهم ، الجمود العقلى فى فهم معنى العبادة أولا ، وفى أنّ تكون للخالق دون من سواه ثانيا ...