المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سؤال الإنسان بين التسيير والنخيير



*Mahmoud*
10-12-2013, 03:09 AM
السلام عليكم ورحمة الله..

أخواني الكرام منذ فترة بدأت تقلقني أسئلة حول موضوع القضاء والقدر والتسيير والتخيير .. وأنا أعلم أن الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان ، لذلك يجب على المسلم أن يكون على بينة منه ..

هناك مسائل أساسية في القضاء والقدر تعلمتُها ولله الحمد منذ زمن (مثل مسألة علم الله الأزلي وتخيير الإنسان بين الإيمان والكفر) فهذه أمور واضحة بالنسبة إلي بفضل الله وسؤالي ليس عن هذه .. بل سؤالي عن التسيير والتخيير بأمور أخرى ...

فبدأت الإشكالية عندي مع سماعي مصطلحات متداولة ومقارنتها مع إيماني المسبق بالقضاء والقدر ، هذه المصطلحات مثل :

(تزايد معدل الوفيات - زيادة المعدل الوسطي لعمر الإنسان - نقص الأمراض... إلخ)

فما تعلمته هو أن هناك مسيرات وهناك مخيرات ... فمثلاً ما جاء في حديث النبي عن ما يكتبه الملك (إنَّ أحدَكم يُجمَعُ في بطنِ أمِّه أربعينَ يومًا. الحديث) يكون الإنسان مسير بـ (أجله وجنسه) ومخير بـ (دينه رزقه) .. وما يكتبه الملك من رزق وشقي أم سعيد يعتمد على علم الله الأزلي بحال العبد وسعيه في الدنيا .. وما يكتبه من أجل وذكر أم أنثى يعتمد على إرادة الله المطلقة وحكمته البالغة ...

فالشبهة تكمن في تعارض معرفتي بأمور يكون الإنسان مسير فيها (عمره) مع مصطلحات تخرج علينا من بعض الأطباء أو أصحاب الإحصائيات من قبيل :

أن لقاح كذا أنقص من معدل الوفيات - الإجراءات الفلانية زادت من معدل عمر الإنسان ... إلخ

وأيضاً في موضوع الحروب .. فقبل الحرب كان جل الوفيات من المشايخ أو المرضى أما بعد الحرب صارت الوفيات من الشباب الأصحاء !!

وفي نفس الوقت أقرأ قوله تعالى :

يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران : 154]

فكيف نوازن هذه الآيات مع الإيمان بأن لله سنن كونية يجري الإنسان وفقها .. مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم (اعقلها وتوكل) في دلالة واضحة على هدي النبي بالاعتماد على السنن الكونية مع توكيل الله والاعتماد عليه أولاً وأخيراً ...

وأيضاً هل الرزق بيد العبد (مخير) أم الخالق هو من يقرر رزق كل عبد وفق حكمته (مسير) ؟؟

وما تفسير قوله تعالى :

وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [الذاريات : 22 - 23]

أرجو منكم إجابتي على الأسئلة السابقة مع تبيان عقيدة أهل السنة والجماعة الصحيحة المتعلقة بهذه المسألة ..

عبدالعزيز عبدالرحمن
10-12-2013, 11:41 AM
سؤالي عن التسيير والتخيير بأمور أخرى ...

فبدأت الإشكالية عندي مع سماعي مصطلحات متداولة ومقارنتها مع إيماني المسبق بالقضاء والقدر ، هذه المصطلحات مثل :

(تزايد معدل الوفيات - زيادة المعدل الوسطي لعمر الإنسان - نقص الأمراض... إلخ)

فما تعلمته هو أن هناك مسيرات وهناك مخيرات ... فمثلاً ما جاء في حديث النبي عن ما يكتبه الملك (إنَّ أحدَكم يُجمَعُ في بطنِ أمِّه أربعينَ يومًا. الحديث) يكون الإنسان مسير بـ (أجله وجنسه) ومخير بـ (دينه رزقه) .. وما يكتبه الملك من رزق وشقي أم سعيد يعتمد على علم الله الأزلي بحال العبد وسعيه في الدنيا .. وما يكتبه من أجل وذكر أم أنثى يعتمد على إرادة الله المطلقة وحكمته البالغة ...

فالشبهة تكمن في تعارض معرفتي بأمور يكون الإنسان مسير فيها (عمره) مع مصطلحات تخرج علينا من بعض الأطباء أو أصحاب الإحصائيات من قبيل :

أن لقاح كذا أنقص من معدل الوفيات - الإجراءات الفلانية زادت من معدل عمر الإنسان ... إلخ

وأيضاً في موضوع الحروب .. فقبل الحرب كان جل الوفيات من المشايخ أو المرضى أما بعد الحرب صارت الوفيات من الشباب الأصحاء !!

وفي نفس الوقت أقرأ قوله تعالى :

يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران : 154]

فكيف نوازن هذه الآيات مع الإيمان بأن لله سنن كونية يجري الإنسان وفقها .. مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم (اعقلها وتوكل) في دلالة واضحة على هدي النبي بالاعتماد على السنن الكونية مع توكيل الله والاعتماد عليه أولاً وأخيراً ...


بارك الله فيك أخي على حرصك على تصحيح اعتقادك , وعلى الظن الحسن بهذا الموقع المبارك وأنه سبب لكشف الشبهة عنك .
بالنسبة لسؤالك فالجواب أن سبب دخول الشبهة عليك هو تفريقك بين الأسباب والنتائج والمحصلات , وكأن الأسباب ليست داخلة تحت إطار القدر , والصحيح أن الأسباب والنتائج كلها مكتوبة ومقدرة من الله عز وجل , ولذا فالأسباب هي جزأ لايتجزأ من القدر نفسه ويدلك على هذا قول عمر رضي الله عنه في القصة المشهورة نفر من قدر الله إلى قدر الله .
بالنسبة للأقدار الجبرية كالجنس واللون ونحوها فهي بلاشك أنها من تقدير محض من الله عز وجل وهي بلاشك أنها بحكمة ولعلة علمها من علمها وجهلها من جهلها ولكن هذا لايعني أن تقدير الله المحض ليس له علاقة بالمخلوق ألبته فقد يكون هناك سبب من العبد نجهله ومثال على ذلك لو قال قائل هل اصطفاء الصحابة لرسول الله عليه السلام مسألة جبرية محضة ؟ فقد يقول أحدنا نعم من الوهلة الأولى ولكن اسمع ماذا قال ابن مسعود رضوان الله عليه " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ ، ثُمَّ اطَّلَعَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَاخْتَارِهُمْ لِدِينِهِ ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ ، فَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ ، وَمَا رَأَوْهُ سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ " . وبغض النظر عن صحة هذا الحديث إلا أن المعنى صحيح والله أعلم ويدلك عليه قوله تعالى { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن اللّه} والشاهد قوله اصطفينا فإسلام فلان لم يأتي عبثاً بل من تقدير الله .
بالنسبة للأقدار المخيرة فهي مركبة من جزأين جزأ مخير فيها العبد وجزأ مسير فيه وهو من فعل الله المحض وذلك كمثل الرزق فالمخير فيه الإنسان ماهو تحت قدرته والمسير فيه ماهو خارج عن قدرته فمن يسعى في الأرض طالباً للرزق هذا حري بأن يتفح الله عليه أبواب رزقه .




وأيضاً هل الرزق بيد العبد (مخير) أم الخالق هو من يقرر رزق كل عبد وفق حكمته (مسير) ؟؟

وما تفسير قوله تعالى :

وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [الذاريات : 22 - 23]
الرزق بيد الله عز وجل وحده ولكن هذا الرزق له أسباب ومن اتخذ هذه الأسباب كافأه الله .
علماً بأن الرزق عام وشامل ويشمل أمور كثيرة ومنها ماهو جبري كلون البشرة ومنها ماهو اختياري أي بسبب فعل العبد كالإيمان والصبر ونحو ذلك .
وعموماً على المسلم أن يعتقد أنه لايتحرك فيه هذا الكون متحرك ولايسكن ساكن إلا بإذن الله عز وجل والسبب أن الله هو قيوم السماوات والأرض وكل ماعداه هو مفتقر إلى ربوبيته والقيام بشؤونه فالكل لايستغني عنه , وكل ماسواه عدم .
أتمنى أن أكون أوضحت الفكرة ولعل أحد الأخوة إن كان لديه ملاحظة أو تعقيب أو إضافة أن يشاركنا .

عبدالعزيز عبدالرحمن
10-12-2013, 11:47 AM
وفي نفس الوقت أقرأ قوله تعالى :

يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران : 154]
ليس في هذه الآية دليل على أن الموت هو قدر مُنفك عن أسبابه بل المعنى والله تعالى أعلم أن القدر المكتوب لامفر منه ولذا قال : الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ وعليه فالآية تعني أن المكتوب لا مفر منه ولو تحرز منه العبد وليست كما يظن البعض أنها نفي للسبب وهنالك فرق .

عبدالعزيز عبدالرحمن
10-12-2013, 11:52 AM
المهم في باب القدر ألا تعقتد أن الأسباب مستقلة بذاتها بل كل قدر لابد من إذن الله به , وقد يكون إذن الله بالقدر من خلال الأسباب الكونية والتي جرت بها العادة وهذا هو الأصل , وقد يكون الإذن بالقدر من خلال خوارق للعادة كالكرامات والمعجزات وهذا الاستثناء .

إلى حب الله
10-12-2013, 12:19 PM
أهلا بك أخي الكريم ...

أرى أن مكمن الخلل لديك كله يدور في فهم الآية التالية إن شاء الله .. حيث يقول عز وجل :
" يمحو الله ما يشاء ويُـثبت : وعنده أم الكتاب " ...

فالقدر قدران ..
>> قدر مطلق : وهذا هو أم الكتاب أو اللوح المحفوظ الذي كتب الله تعالى فيه من علمه كل شيء كائن : وهو لا يتغير ..
>> قدر مقيد : وهذا هو الذي في أيدي الملائكة وصحائفها .. وهو الذي فيه تقييد أفعال وآجال العباد .. إن فعلوا كذا : فيقع لهم كذا (مثل أن صلة الرحم تزيد في العمر وفي الرزق كما في الحديث الصحيح في البخاري : مَن سره أن يُبسط له في رزقه : أو يُـنسأ له في أثره : فليصل رحمه) ..

وهذا الفرق بين القدرين : فيه ملامح عظيمة تترجم لنا تفرد الله تعالى بالعلم والحكمة وكون الغيب في يده وحده سبحانه ..
لأن معنى وجود قدر مقيد في أيدي الملائكة وصحائفها : أنها هي أيضا لا تعرف مطلق الغيب ولا تطلع على اللوح المحفوظ أو أم الكتاب !

والقدر المطلق الذي يختص الله تعالى بعلمه : فيه مستقر أمر كل شيء ...
فيه أن أحمد لم يصل رحمه : لذلك لم يُنسأ له في عمره : ولم يوسع له في رزقه : ولم ينل إلا ما كتبته له الملائكة على الأصل الذي كان ..
وفيه أن إبراهيم وصل رحمه : لذلك زيد له في عمره : ووسع له في رزقه : وقد اختلف ذلك عما كتبته له الملائكة على الأصل الذي كان ..
فكل ذلك عند الله عز وجل معلوم ...

نقطة أخرى أخي الكريم وهي :
أنك لو علمت أن كل شيء يجري بقدر الله وعلمه وإرادته : من حوادث وموت مفاجيء أو مرض إلخ :
لعلمت أنه ليس لأفكارك ولا الشبهات التي فيها أي وزن في الحقيقة !!!.. وأن كل ما ذكرت من سماعك له من الناس اليوم :
لم يخرج بحال من الأحوال عن علم الله تعالى وقدره : والذي يوجد مثله في الماضي كذلك وليس وليد العصر ولا اليوم فقط !!!..

مثال :
جلال كان سيعيش لعمر 65 سنة في الحال الطبيعي .. ولكن : أصابه مرض قضى عليه في الـ 30 من عمره أو وقعت له حادثة وفاة .. والسؤال :
أليس المرض والحادثة هما من قدر الله تعالى ؟!!!..

مثال 2 :
جلال مصاب بمرض عضال لا شفاء منه .. وتوقع له كل المختصين أنه سيموت في خلال عام واحد في عمر 40 سنة .. السؤال :
أليس لو شفى جلال بأي سبب من الأسباب - اكتشاف عقار جديد - دعاء استجاب الله له - ماء زمزم إلخ - : أليس كله بقدر الله وقضائه ؟!

مثال 3 :
البشر كان متوسط أعمارهم 80 سنة - فرضا - :
ولكنها تناقصت كثيرا في الخمسة آلاف عام الماضية بسبب ظهور أمراض لم تكن من قبل وبسبب تناقص قوتهم :
السؤال : أليس تناقص قوتهم أو ظهور هذه الأمراض : هما من قدر الله تعالى وقضائه ؟! - وربما كان منها بسبب الذنوب والمعاصي التي استحدثوها -

مثال 4 :
البشر زاد متوسط عمرهم من جديد من 60 سنة إلى 90 سنة - فرضا - والسبب : اكتشاف دواء جديد أو تحول جو الأرض إلى الأفضل صحيا إلخ
السؤال : أليس اكتشاف ذلك الدواء الجديد أو قدرة البشر على تحويل جو الأرض لجو أكثر صحة وأفضل للحياة : هما من قدر الله تعالى وقضائه ؟!!..

والآن :
هل يعني زيادة متوسط الأعمار : أن كل الناس ستعيش حتى تصل إليه ؟؟.. أم أن هناك مَن يقضي الله تعالى عليه بالموت قبل ذلك ؟!!..
وسواء بمرض أو في حادث مروري أو في الطريق أو في جريمة قتل أو في حرب إلخ إلخ إلخ ؟؟.. يقول عز وجل :
" أينما تكونوا يُدرككم الموت : ولو كنتم في بروج مشيدة " ...
فقضاء الله تعالى لا راد له ..

تزايد معدل الوفيات - زيادة المعدل الوسطي لعمر الإنسان - نقص الأمراض... إلخ

كلها أسباب - وعلينا الاخذ بها ولكن : - تتبقى الكلمة الأخيرة لرب الأسباب ومُسببها !!!!..
وكل تلك المعاني قد تعلمها المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ...

هل تتذكر اخي حديث رسول الله في الفرار من المجذوم كما تفر من الأسد ؟؟؟.. هل تتذكر نص الحديث بأكمله ؟؟؟
إليك النص كما في صحيح البخاري :
" لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر .. وفر من المجذوم كما تفر من الأسد " ..

والمعنى :
أنه لا عدوى يقع تأثيرها : إلا إذا شاء الله تعالى وإلا : فلن يقع تأثيرها .. مثال :
أنت تعطس أمامي وأمام أخي .. فأصاب أنا بعدوى البرد منك .. ولا يُصاب هو !!!.. إذا :
الأسباب موجودة : ولكن رب الأسباب هو الذي يُـوقع مفعولها أو يصرفه بحكمته أو رحمته أو عدله ..
وكذلك الطيرة والهامة والصفر ....
ولكن رغم ذلك - وحتى لا يظن المسلم أنه ليس عليه اتقاء الأمراض ولا أسبابها - فيختم الرسول بقوله :
" وفر من المجذوم : كما تفر من الأسد " !!!..
أي : خذ بالأسباب ما استطعت ..
ومثله الحديث الصحيح الشهير أيضا :
" ما أنزل الله داء : إلا وأنزل معه دواء .. علِمَه مَن علِمَه .. وجهله مَن جهله " ...

وكذا الرزق وأسبابه : هي بيد الله تعالى وحده .. يصرفها ويعطيها ويمنعها كيفما يشاء سبحانه ... وما على الإنسان إلا العمل بالأسباب ..
وكم من كادح وماله وأجره قليل ..! وكم من خامل - وارث أو ثري - : وماله كثير ...!
ولكن :
رزق الله تعالى في معناه هو أكبر من مجرد مفهوم المال ...
وهو مكتوب في السماء سيصل لكل إنسان ولكل دابة بما أراده الله ...

والله تعالى أعلى وأعلم ..

*Mahmoud*
10-12-2013, 05:14 PM
بارك الله بكما ونفع بكما وزادكما علماً ..

لقد استفدت كثيراً مما سبق وأسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكما ..

سأكرر ما فهمته ...

إن الله تعالى خالق المسببات وعلينا الأخذ بها ، ولا يعني الأخذ بهذا أننا نخالف قدر الله لأنه هو خالق هذه المسببات سبحانه وتعالى ..
ولكن مع ذلك فإن الله فوق المسببات ويستطيع صرفها عن من يشاء وفق إرادته من قبيل الخوارق للعادة .. أما إذا لم يصرفها فهذا هو الأصل ...

وهذا ما يلخصه قول الأخ أبو حب الله :


أنت تعطس أمامي وأمام أخي .. فأصاب أنا بعدوى البرد منك .. ولا يُصاب هو !!!.. إذا :
الأسباب موجودة : ولكن رب الأسباب هو الذي يُـوقع مفعولها أو يصرفه بحكمته أو رحمته أو عدله ..
وكذلك الطيرة والهامة والصفر ....
ولكن رغم ذلك - وحتى لا يظن المسلم أنه ليس عليه اتقاء الأمراض ولا أسبابها - فيختم الرسول بقوله :
" وفر من المجذوم : كما تفر من الأسد " !!!..
أي : خذ بالأسباب ما استطعت ..
ومثله الحديث الصحيح الشهير أيضا :
" ما أنزل الله داء : إلا وأنزل معه دواء .. علِمَه مَن علِمَه .. وجهله مَن جهله " ...


وبصراحة كان منشأ هذه الشبهة هو آية آل عمران : قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ

ففهمت منها أن الله سيميت هؤلاء مهما كانت الأسباب وأن الأسباب لا فائدة منها (في حالة عمر الإنسان على الأقل)، ورسّخ فهمي السابق ما يحصل من حوادث أسمعها عن فلان من الناس كان جالساً في بيته وجاءته شظية صغيرة من مكان بعيد واستقرت في رأسه ومات .. وعن فلان آخر مشى بين الموت ونجى منه .... ومن تلك القصص نشأت لدي عقيدة أن لا فائدة من تجنب أسباب الموت حتى لو كان هناك طريقين في أحدهما خطر على حياتي وفي الآخر السلامة والنجاة؛ فإن الطريقين متساويان بالنسبة للمسلم لأن الله هو من يصرف الموت (عن) أو (إلى) من شاء من عباده ...

بعدما استقرت العقيدة السابقة في نفسي مع فهمي لآية آل عمران على النحو الذي فهمته ... أشكل علي مصطلحات مثل "تناقص عدد الوفيات" أو "زيادة معدل الأعمار" .... فرأيت في ذلك تناقض مع ما استنتجته من قبل من أن عمر الإنسان لا علاقة له بالأسباب والمسببات ..

لذلك أتيت وسألتكم عن المسألة وأحمد الله أن هيأكم لإجابتي :)

أنتظر تعليقاً على ما فهمته (باللون الأزرق) ... وشكراً لسعة صدوركم

إلى حب الله
10-12-2013, 05:56 PM
بارك الله بكما ونفع بكما وزادكما علماً ..

لقد استفدت كثيراً مما سبق وأسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكما ..

سأكرر ما فهمته ...

إن الله تعالى خالق المسببات وعلينا الأخذ بها ، ولا يعني الأخذ بهذا أننا نخالف قدر الله لأنه هو خالق هذه المسببات سبحانه وتعالى ..
ولكن مع ذلك فإن الله فوق المسببات ويستطيع صرفها عن من يشاء وفق إرادته من قبيل الخوارق للعادة .. أما إذا لم يصرفها فهذا هو الأصل ...


نعم أخي ...
هي ما فهمته بالضبط إن شاء الله ...
ولن تجد مؤمنا حقا إلا وهو يعلم بتساوي سبب موته على سريره في بيته : وسبب موته في حرب !!!..
فأمر الله تعالى وقدره النهائي هو الذي سيقع : ومهما اتخذت من أسباب وقاية أو هروب أو نجاة إلخ إلخ !!!..
فترى فلانا ينجو من حادث تصادم رهيب وهو لا حول له ولا قوة : وترى فلانا يموت بشربة ماء أو في ضحكة أو سكتة مفاجأة بغير سبب ظاهر !
وهذا ما حاول الشعراء حتى ترجمته في غير بيت .. منهم قول أحدهم :

وكم من صحيح مات بغير علة ... وكم من عليل عاش حينا من الدهر ..

وأتذكر هنا قصة رجل كان مواظبا على عمل فحص صحي شامل لجسده كل شهر ...
ولكن أصابه المرض الخبيث وقضى عليه في شهور معدودة !!!!..
وغيره - من الناس العاديين البسطاء - أصيب بنفس المرض : ولكنه عاش به سنينا عديدة !!!..
فتأمل ....

ولا أنسى شكر الأخ عبد العزيز عبد الرحمن .. فلم أرى مشاركاته القيمة إلا الآن ...
بالتوفيق ...

*Mahmoud*
10-12-2013, 07:04 PM
شكراً لك مرة أخرى أخي الحبيب ...

فقط بقي استفسار صغير ، بالنسبة لقولي السابق :


نشأت لدي عقيدة أن لا فائدة من تجنب أسباب الموت حتى لو كان هناك طريقين في أحدهما خطر على حياتي وفي الآخر السلامة والنجاة؛ فإن الطريقين متساويان بالنسبة للمسلم لأن الله هو من يصرف الموت (عن) أو (إلى) من شاء من عباده ...

فإن هذا القول مخالف لهدي رسول الله في الفرار من المجذوم وفي عدم الإلقاء بأيدينا إلى التهلكة وفي عدم الدخول إلى بلد فيه طاعون وعدم الخروج منه ... والواجب هو تجنب الطريق الخطر .. أليس كذلك ؟

muslim.pure
10-12-2013, 08:38 PM
شكراً لك مرة أخرى أخي الحبيب ...

فقط بقي استفسار صغير ، بالنسبة لقولي السابق :



فإن هذا القول مخالف لهدي رسول الله في الفرار من المجذوم وفي عدم الإلقاء بأيدينا إلى التهلكة وفي عدم الدخول إلى بلد فيه طاعون وعدم الخروج منه ... والواجب هو تجنب الطريق الخطر .. أليس كذلك ؟


نعم يجب البعد عن الخطر و تجنبه كما قال الاخ عبد العزيز عبد الرحمن

ولذا فالأسباب هي جزأ لايتجزأ من القدر نفسه ويدلك على هذا قول عمر رضي الله عنه في القصة المشهورة نفر من قدر الله إلى قدر الله .
يعني نحن علينا أن نأخذ بالاسباب التي تبعدنا عن الخطر كما أمرنا مع الإيمان بأن تلك الاسباب ليست مؤثرة لوحدها بل خاضعة لله تعالى و لن يحدث إلا ما قدره الله تعالى لنا

عبدالعزيز عبدالرحمن
10-12-2013, 08:45 PM
شكراً لك مرة أخرى أخي الحبيب ...

فقط بقي استفسار صغير ، بالنسبة لقولي السابق :



فإن هذا القول مخالف لهدي رسول الله في الفرار من المجذوم وفي عدم الإلقاء بأيدينا إلى التهلكة وفي عدم الدخول إلى بلد فيه طاعون وعدم الخروج منه ... والواجب هو تجنب الطريق الخطر .. أليس كذلك ؟


تجنب أسباب الموت له أكثر من دافع وكلها مشروعة ومعتبرة بل ومطلوبة :
1-الاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم .
2-غريزة البقاء وهذا أمر فطري مشاهد.
3-أن تجنب أسباب الموت له تأثير على طول عمر الإنسان ولكن هذا التأثير ليس مستقل عن إرادة الله عز وجل , ثم اعلم أن الموت نفسه مكتوب وأن تجنبك لأسباب الموت أيضاً مكتوب , فالأسباب مكتوبة والمسببات أيضاً مكتوبة , وأما كلام أهل العلم عن موت الشخص الصحيح بدنياً وطول عمر المريض لا يقصدون به نفي آثار الأسباب إنما يقصدون أن الأمور والأقدار في الأخير ترجع لله عز وجل وحكمته وتقديره ولذا فالله هو الخالق لكل شيء ولا يكون أمر إلا بتقديره سبحانه .
لا أعلم هل اتضحت الصورة أمامك أم مازالت الصورة غير واضحة .

*Mahmoud*
10-16-2013, 01:44 AM
اتضحت الصورة بإذن الله .. ولكني أخشى أني عدت إلى نقطة الصفر بعدما قرأت هذا الحديث :

وقعَ في نفسي شيءٌ من هذا القدرِ خشيتُ أن يُفسِدَ عليَّ ديني وأمري فأتيتُ أبيَّ بنَ كعبٍ فقلتُ أبا المنذرِ إنَّهُ قد وقعَ في نفسي شيءٌ من هذا القدرِ فخشيتُ على ديني وأمري فحدِّثني من ذلكَ بشيءٍ لعلَّ اللَّهَ أن ينفعَني بهِ فقالَ لو أنَّ اللَّهَ عذَّبَ أهلَ سماواتِهِ وأهلَ أرضِهِ لعذَّبَهم وهوَ غيرُ ظالمٍ لهم ولو رحِمهم لكانت رحمتُه خيرًا لهم من أعمالِهم ولو كانَ لكَ مثلُ جبلِ أحدٍ ذهبًا أو مثلُ جبلِ أحدٍ تنفقُهُ في سبيلِ اللَّهِ ما قبلَ منكَ حتَّى تؤمِنَ بالقدرِ فتعلمَ أنَّ ما أصابكَ لم يكن ليخطئكَ وأنَّ ما أخطأكَ لم يكن ليصيبَكَ وأنَّكَ إن متَّ على غيرِ هذا دخلتَ النَّار ولا عليكَ أن تأتِيَ أخي عبدَ اللَّهِ بنَ مسعودٍ فتسألَهُ فأتيتُ عبدَ اللَّهِ فسألتُه فذَكرَ مثلَ ما قالَ أبيٌّ وقالَ لي ولا عليكَ أن تأتيَ حذيفةَ فأتيتُ حذيفةَ فسألتُه فقالَ مثلَ ما قالا وقالَ ائتِ زيدَ بنَ ثابتٍ فاسألْهُ فأتيتُ زيدَ بنَ ثابتٍ فسألتُه فقالَ سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ لو أنَّ اللَّهَ عذَّبَ أهلَ سماواتِهِ وأهلَ أرضِهِ لعذَّبَهم وهوَ غيرُ ظالمٍ لهم ولو رحِمهم لكانت رحمتُه خيرًا لهم من أعمالِهم ولو كانَ لكَ مثلُ أحدٍ ذهبًا أو مثلُ جبلِ أحدٍ ذهبًا تنفقُهُ في سبيلِ اللَّهِ ما قَبِلَهُ منكَ حتَّى تؤمِنَ بالقدرِ كلِّهِ فتعلمَ أنَّ ما أصابكَ لم يكن ليخطئَكَ وما أخطأكَ لم يكن ليصيبَكَ وأنَّكَ إن متَّ على غيرِ هذا دخلتَ النَّارَ

الراوي: عبدالله بن فيروز الديلمي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 62
خلاصة حكم المحدث: صحيح

فالخلاف في قوله "فتعلمَ أنَّ ما أصابكَ لم يكن ليخطئكَ وأنَّ ما أخطأكَ لم يكن ليصيبَكَ" لأننا اتفقنا فيما سبق أنه سبحانه من رحمته بعباده خلق المسببات حتى يعلم كل إنسان ما يضره وما ينفعه فيبتعد عما يضره ويقترب مما ينفعه ... أما إذا سلمنا بمطلق قول "ما أصابك لم يكن ليخطأك" إذاً لا فائدة من تجنب أسباب ما يضرني لأنه لم يكن ليخطأني في كل حال !!

مشرف 7
10-16-2013, 02:09 AM
" ما أصابك لم يكن ليخطئك " لا نعلم ما الإشكال فيها ؟!
فطالما أصابك الشيء إذن كان مكتوبا عند الله في أم الكتاب أنه سيصيبك !
والحديث ذكر تلك الحقيقة لكي لا يحزن مَن أصابه مكروه فظن أنه لم يكن ليصيبه . وهو أشبه بقول الله تعالى [ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير , لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم] ولم يقل أحد أن ذلك يمنع المسلم من الأخذ بالأسباب . فهلا لديك أنت حديثا صريحا أو آية صريحة تقول لك لا تأخذ بالأسباب لأن ما أراده الله سيكون ؟!
حتى فرعون الذي علم الله تعالى بكفره وموته على الكفر قال الله لموسى وأخيه [فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى] !

عبدالعزيز عبدالرحمن
10-16-2013, 09:31 AM
أخي بارك الله فيك للجواب على سؤالك تفصيلياً فأنصحك بقراءة هذا الكتاب أكثر من مرة :شفاء الضرر بفهم التوكل والقضاء والقدر
http://shamela.ws/index.php/book/96249
وبالنسبة للجواب على سؤالك الحالي باختصار :


فالخلاف في قوله "فتعلمَ أنَّ ما أصابكَ لم يكن ليخطئكَ وأنَّ ما أخطأكَ لم يكن ليصيبَكَ" لأننا اتفقنا فيما سبق أنه سبحانه من رحمته بعباده خلق المسببات حتى يعلم كل إنسان ما يضره وما ينفعه فيبتعد عما يضره ويقترب مما ينفعه ... أما إذا سلمنا بمطلق قول "ما أصابك لم يكن ليخطأك" إذاً لا فائدة من تجنب أسباب ما يضرني لأنه لم يكن ليخطأني في كل حال !!
المعنى : فتعلمَ أنَّ ما أصابكَ من خلال علم الله السابق لا تخاذك للأسباب أو اهمالك لها أو اتخاذك للأسباب ولكن قيام مانع لتأثيرها من خارج قدرتك وثم كتابته وثم مشيئته وثم خلقه لم يكن ليخطئَكَ أي يتجاوزك نزولاً تحت رغبتك المُعارضة لحكمة الله وتقديره النهائي وما أخطأكَ أي ماتجاوزك بسبب اتخاذك للأسباب أو تجاوزك بسبب مؤثر خارجي خارج عن قدرتك ولو أهملت الأسباب لم يكن ليصيبَكَ.
وعلى العموم إليك هذه النقاط المختصرة في باب القدر :

القدر هو تقدير الله للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته أو هو علم
الله وكتابته للأشياء ومشيئته وخلقه لها.
والإيمان بالقدر يقوم على أربعة أركان تسمى مراتب القدر وهي العلم والكتابة والمشيئة والخلق وأفعال العباد داخلة في عموم خلقه عز وجل ولا يُخرجها عن ذلك العموم شيء.
ومفهوم هذه المراتب ما يلي:
1 - العلم: فنؤمن بأن الله تعالى بكل شيء عليم , علم ما كان وما يكون وكيف يكون بعلمه الأزلي الأبدي فلا يتجدد له علم بعد جهل ولا يلحقه نسيان بعد علم.
2 - الكتابة فنؤمن بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة.
3 - المشيئة فنؤمن بأن الله تعالى قد شاء كل ما في السموات والأرض فلا يكون شيء إلا بمشيئته , فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
4 - الخلق فنؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل.
وهذه المراتب الأربع شاملة لما يكون من الله تعالى نفسه ولما يكون من العباد فكل ما يقوم به العباد من أقوال أو أفعال أو تروك فهي معلومة لله تعالى مكتوبة عنده والله تعالى قد شاءها وخلقها ولكننا مع ذلك نؤمن بأن الله تعالى جعل للعبد اختياراً وقدرة بهما يكون الفعل ونرى أنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله تعالى لأن العاصي يُقدم على المعصية باختياره من غير أن يعلم أن الله تعالى قدَرها عليه , إذ لا يعلم أحد قدر الله تعالى إلا بعد وقوع مقدوره ونؤمن بأن الشر لا يُنسب إلى الله تعالى لكمال رحمته وحكمته فنفس قضاء الله تعالى ليس فيه شر أبداًَ لأنه صادر عن رحمة وحكمة وإنما يكون الشر في مقضياته ومع هذا فإن الشر في المقضيات ليس شراً خالصاً محضاً بل هو شر في محله من وجه , خيرٌ من وجه أو شر في محله خيرٌ في محل آخر.
- هل للإنسان قدرة ومشيئة أم لا؟
نعم له مشيئة وقدرة , ومشيئته وقدرته واقعتان بمشيئة الله عز وجل تابعتان لها.
فللعبد قدرة واختيار ومشيئة لا يجبره على فعله الاختياري أحد حتى خالقه بل يفعل ما يفعله بمحض إرادته وحسب مشيئته, لكن فعله هذا وإرادته هذه داخله في خلق الله تعالى له كما أنها مسبوقة بعلم الله الأزلي فلا يعمل عملاً إلا وقد سبق تقديره وإرادته في علم الله الأزلي وكتبه عنده في كتابه الذي جرى بما كان ويكون إلى قيام الساعة وعلم الله كاشف لا مُكره ولا تأثير لما سبق في علم الله وكتابته وتقديره على محض اختيار العبد وإرادته فكتابة الله المقادير في اللوح المحفوظ هي كتابة علم وليست كتابة إجبار والله عز وجل يعلم ما كان , ويعلم ما يكون , ويعلم ما سيكون , ويعلم ما لم يكن لو كان كيف سيكون فعلمه مطلق وقد أحاط بكل شيءٍ علماً ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء , وكتابة أفعال العباد الاختيارية في اللوح المحفوظ فرع عن علمه عن الخلق وما سيعملون وعلى هذا فالمكتوب من أعمال العباد الاختيارية واقع لا محالة , لا, لأن المكتوب جبر للعبد بل لأن المكتوب فرع عن علم الله المُطلق المُحيط بخلقه.
أخيراً أخي اعلم أن الوسواس –كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه ... فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس، فقال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب. اهـ

عبدالعزيز عبدالرحمن
10-16-2013, 09:50 AM
أما إذا سلمنا بمطلق قول "ما أصابك لم يكن ليخطأك" إذاً لا فائدة من تجنب أسباب ما يضرني لأنه لم يكن ليخطأني في كل حال !!

إلزام ما لايلزم غلو وتطرف .
تجنب أسباب المضرة له تأثير ولا ينكره أحد إلا جاهل أو متأول مجتهد مثلكم .
ولكن هل السلامة لها أسباب فقط وليس لها موانع ؟
بالطبع لا فكل نتيجة لا بد لها من أسباب تؤدي لها , ولها موانع تمنع الحصول عليها , ولذا فللسلامة أسباب تجلبها ولكن قد يكون هناك موانع أقوى من هذه الأسباب تمنع من تأثيرها .
ومثال على ذلك لو جاءنا شخص يعتني بصحته كثيراً هل سيخلد ويعيش أبد الدهر ؟ بالطبع لا لأن الموانع أقوى من تلك الأسباب ومن أقوى الموانع مشيئة الله الموت للبشر في الدنيا إذ قال سبحانه "كل نفس ذائقة الموت " ومشيئة الموت لها أسباب من أعظمها الهرم والشيخوخة اللذين يؤثران على الصحة مهما حالونا تجنب آثارهما .
وعليه هذا الحديث السابق لا يُقصد به أن الأسباب ليس لها تأثير إنما المقصود أن هذه الأسباب مرتبطة برب الأسباب وهو الله عز وجل والذي تقتضي أحياناً حكمته بمخالفة رغبة العبد وسعيه , وهذه المخالفة تكون إما مباشرة كالموت بلا سبب وهذا نادر جداً أو تكون تلك المخالفة غير مباشرة أي من خلال موانع تكون أقوى من الأسباب التي اتخذها العبد وهذا الأغلب والأصل .
لا أدري هل اتضحت الصورة أمامك ؟
باختصار آمن بتأثير الأسباب ولكن كتابعة لمشيئة الله وليست مستقلة عن ارادته .

عبدالعزيز عبدالرحمن
10-16-2013, 09:54 AM
أخي في الله أحاديث القدر خاصة حين قراءتها مجزأة سينشأ لديك فهم مغلوط وعليه فخذها قاعدة عامة في باب الدين بشكل عام إذا أردت فهم أي باب من أبواب الدين فعليك بجمع جميع النصوص الواردة في هذه المسألة حتى يتسنى لك حمل المطلق على المقيد وتخصيص العام ونسخ المنسوخ وهكذا .
وهنالك قاعدة أيضاً مهمة وهو أنك قد تقرأ بعض النصوص والتي تحمل أكثر من وجه فهنا أنصحك برد المُحكم للمتشابه , أي حمل النص الذي يحمل أكثر من وجه على النص الصريح الذي لا يحتمل سوى وجه واحد .

*Mahmoud*
10-16-2013, 05:39 PM
أشكرك أخي عبد العزيز شكراً جزيلاً فقد كانت إجابتك تامة، ولقد قمت بتحميل الكتاب الذي أرشدتني إليه وسأقرأه قريباً إن شاء الله تعالى ..


المعنى : فتعلمَ أنَّ ما أصابكَ من خلال علم الله السابق لاتخاذك للأسباب أو اهمالك لها أو اتخاذك للأسباب ولكن قيام مانع لتأثيرها من خارج قدرتك وثم كتابته وثم مشيئته وثم خلقه لم يكن ليخطئَكَ أي يتجاوزك نزولاً تحت رغبتك المُعارضة لحكمة الله وتقديره النهائي وما أخطأكَ أي ماتجاوزك بسبب اتخاذك للأسباب أو تجاوزك بسبب مؤثر خارجي خارج عن قدرتك ولو أهملت الأسباب لم يكن ليصيبَكَ.

استوقفني هذا الجزء من مشاركتك لأنه أجاب سؤالي مباشرة ولم يترك عندي أي سؤال آخر ولكنه يخالف ظاهر الحديث.. فحبذا لو أعرف دليلك الذي استندت إليه في تفسيرك لأن الحديث لم يذكر الأسباب وشعرتُ أنك تحمل الحديث ما لا يحتمل ...

كما أشكر الأخ المشرف 7 على إجابته المختصرة والعميقة .. فلقد فاتني أن هذا الحديث يستند إلى الآية الكريمة في سورة الحديد ..

وكل عام وأنتم بخير ...

عبدالعزيز عبدالرحمن
10-17-2013, 10:20 AM
استوقفني هذا الجزء من مشاركتك لأنه أجاب سؤالي مباشرة ولم يترك عندي أي سؤال آخر ولكنه يخالف ظاهر الحديث.. فحبذا لو أعرف دليلك الذي استندت إليه في تفسيرك لأن الحديث لم يذكر الأسباب وشعرتُ أنك تحمل الحديث ما لا يحتمل ...

وكل عام وأنتم بخير ...
وأنت بخير أخي .
بالنسبة لسؤالك فقد استندت على نصوص أخرى ولولا مخافة البسط والإطالة لذكرت لك ذلك وعليه فالنص مجمل لكنه مبين بنصوص أخرى , وللعلم هذا ماقرره علماؤنا بحسب ماقرأت وبحثت والله أعلم .
ثم إنك قلت "ولكنه يخالف ظاهر الحديث" وهذا جيد أنك أدركت أن دلالة النص هنا على مفهومك ظاهرة وليست صريحة والفرق بين الصريح والظاهر معلوم كما تعرف ولمزيد من الفائدة نذكر الفرق بينهما نقلاً عن أحد كتب ابن عثيمين رحمه الله :
تعريف الظاهر:

الظاهر لغة: الواضح والبين.

واصطلاحاً: ما دل بنفسه على معنى راجح مع احتمال غيره. مثاله قوله صلّى الله عليه وسلّم: "توضؤوا من لحوم الإبل"(24) ، فإن الظاهر من المراد بالوضوء غسل الأعضاء الأربعة على الصفة الشرعية دون الوضوء الذي هو النظافة.

فخرج بقولنا: (ما دل بنفسه على معنى) ؛ المجمل لأنه لا يدل على المعنى بنفسه.

وخرج بقولنا: (راجح) ؛ المؤول لأنه يدل على معنى مرجوح لولا القرينة.

وخرج بقولنا: (مع احتمال غيره) ؛ النص الصريح؛ لأنه لا يحتمل إلا معنًى واحداً.

العمل بالظاهر:

العمل بالظاهر واجب إلا بدليل يصرفه عن ظاهره؛ لأن هذه طريقة السلف، ولأنه أحوط وأبرأ للذمة، وأقوى في التعبد والانقياد.

تعريف المؤول:

المؤول لغة: من الأَوَل وهو الرجوع.

واصطلاحاً: ما حمل لفظه على المعنى المرجوح.

فخرج بقولنا: (على المعنى المرجوح) ؛ النص والظاهر.

أما النص، فلأنه لا يحتمل إلا معنى واحداً، وأما الظاهر فلأنه محمول على المعنى الراجح.

والتأويل قسمان: صحيح مقبول، وفاسد مردود.

1 - فالصحيح: ما دل عليه دليل صحيح؛ كتأويل قوله تعالى:(وسئل القرية)إلى معنى: واسأل أهل القرية، لأن القرية نفسها لا يمكن توجيه السؤال إليها.

2 - والفاسد: ما ليس عليه دليل صحيح؛ كتأويل المعطلة قوله تعالى: )الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5) إلى معنى استولى، والصواب أن معناه العلو والاستقرار من غير تكييف ولا تمثيل.

اوأظن أنك لو قرأت الكتاب ستجد إلإجابة لكل تساؤلاتك بوركت .