المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [ تذكير وتهنئة ]: الإيمان في التآخي



عَرَبِيّة
10-14-2013, 04:12 AM
الإيمان في التآخي

فاطمة سعيد الوادعي - الألوكة



قال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، هذا عقدٌ عقَدَه الله بين المؤمِنين؛ أنَّه إذا وجد من أيِّ شَخْصٍ كان في مَشْرِق الأرض ومغربها، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر؛ فإنَّه أخٌ للمُؤمِنين، أخوَّة تُوجِب أن يحبَّ له المؤمنون ما يُحِبُّون لأنفُسِهم، ويَكرَهوا له ما يَكرَهون لأنفسهم[1]، ومع هذا العقد جاء الحصرُ، فحصَر المؤمِنين في أخوَّتهم، أو حصَر الإيمان في التآخِي؛ ليظهر حُكْمُ هذا التآخِي المطلوب، استِنتاجًا جليًّا من النصِّ الدالِّ على وجوب الأخوَّة بين المسلمين[2].

لهذا؛ كانت أخوَّة الدِّين أَثْبَتَ من أخوَّة النَّسَبِ؛ فإن أخوَّة النَّسَبِ تنقَطِع بمخالفة الدِّين، وأخوَّة الدين لا تنقَطِع بمخالفة النسب[3].

وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع أصحابه يهتمُّ بأمر هذه الأخوَّة، ويَشفَعها في توجِيهاته، وجعَلَها عقدًا نافِذًا، لا لفظًا فارِغًا؛ فعن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تجسَّسوا، ولا تحسَّسوا، ولا تَناجَشُوا، وكونوا عباد الله إخوانًا))[4]، فاجتِماع عددٍ من المعالِم القلبيَّة في هذا الحديث - من ترك الحسد، والبغض، والتحقير - يؤكِّد أهميَّة الأخوَّة بين المسلم وأخيه المسلم[5].

فأعظَم قوَّة تجمَع المسلِمين هي الأخوَّة في الله، وأعظَم أواصِر الأخوَّة أن تكون المحبَّة في الله، التي هي من لَوازِم الإيمان، ومن أصدَق صُوَر التآخِي ما كان بين المهاجِرين والأنصار، فقد حقَّقت هذه المؤاخَاة التي كانت بينَهم ثمارًا يانِعة؛ حيث كانت عَواطِف الإيثار والمُواسَاة والمؤانَسَة تمتَزِج في هذه الأخوَّة وتملأ المجتمَع الجديد بأروع الأمثال، ولولا أنَّ أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - جُبِلوا على شمائِل نقيَّة، واجتَمَعُوا على مَبادِئ رضيَّة تجسَّدت من مخالطتهم له - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما نُقِل عنهم هذا التآخِي الوَثِيق في الله - تعالى - "وأفضَل المحبِّين مَن أحبَّ أخاه المؤمِن لمصلحة دينيَّة؛ كتعليم العلم، والإرشاد إلى طاعة الله، وأفضَل هؤلاء مَن جرَّد محبَّته لأخيه المؤمن لوجه الله الكريم"[6].

ولنا في رسولنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - أسوة حسنة؛ فقد كان غارِسًا لهذا الخلق بين صحابته، ومرغِّبًا فيه في صُوَرٍ بَدِيعة تحمِل النفْس على أنْ تهفو للتخلُّق بهذا الخلق، وتأطرها أطرًا على التمسُّك به؛ فقد كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو الأخ الأكبر لهذه الجماعة المؤمنة.

ومن هذه الصُّوَر:
1 - الدعوة بالمغفرة والتوجُّه بالنصح لِمَن وقع في معصية:
فعن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: أُتِي النبي - صلى الله عليه وسلم - بسكران، فأمر بضربه؛ فمِنَّا مَن يضربه بيده، ومِنَّا مَن يضربه بنعله، ومِنَّا مَن يضربه بثوبه، فلمَّا انصَرَف قال رجل: ما له أخزاه الله؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم))[7]، ففي هذا الحديث تظهَر اللَّفتَة المفعَمة بالحبِّ والأخوَّة من الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لذلك الرجل الذي دعا على أخيه، الذي وقَع في معصِيَة، بأن يستبدل الدعاء عليه بالدُّعاء له بالمغفرة، والتوجُّه إليه بالنُّصح، فبالرغم من وُقوعِه في المعصية إلاَّ أنَّ مصدر التآخِي ومنبع الحب ما زال قائمًا فيه، وما زال رغم معصيته داخلاً في دائرة الإسلام.

2 - التصريح بالمحبَّة لِمَن له منزلة خاصَّة فوق الأخوَّة العامَّة:
فعن أبي ذر الغفاري - رضِي الله عنه -: أنَّه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا أحبَّ أحدُكم صاحبه فليأتِه في منزِلِه فليخبره أنَّه يحبُّه لله - عز وجل))[8].

فهذه من الصُّوَر العظيمة التي تُغذِّي رابِطة الأخوَّة الإيمانيَّة من خِلال التواصُل والزيارة، والتذكير بهذه الأخوَّة والمحبَّة؛ للحِفاظ على أوثق العُرَى، واستِثارة الألفة والمحبَّة.

3 - الإسرار بالدعوات الصالحة في ظهر الغيب:
فعن أبي الدرداء - رضِي الله عنه -: أنَّه سمع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكَّل به: آمين، ولك بمثل))[9].

فالحبُّ كالنبع المتدفِّق يَسِيل وحدَه، ولا يتكلَّف استخراجه بالآلات والأثقال، والأخوَّة لا تُفرَض بقَوانِين ومَراسِيم، وإنما هي أثر تخلُّص الناس من الأَثَرَة والشحِّ، والدُّعاء بظهر الغيب يدلُّ دلالة واضِحَة على صدق الإيمان والأخوَّة، فكون المسلم يدعو لأخيه بظَهْرِ الغيب بدون وصيَّة منه، كان هذا دليلاً على محبَّته إيَّاه[10].

4 - استِشعار استِمرار هذه الأخوَّة إلى الآخِرة:
فعن أبي سعيد الخدري - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا خلَّص الله المؤمنين من النار وأَمِنوا، فما مجادَلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادَلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أُدخِلوا النار، قال: يقولون: ربَّنا، إخواننا كانوا يصلُّون معنا، ويصُومون معنا، ويحجُّون معنا، فأدخلتَهم النار، فيقول: اذهبوا فأخرِجوا مَن عرفتم منهم))[11].

وما هذه المجادَلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أُدخِلوا النار إلا دلالة على نَقاء قلوبهم وصَفاء نفوسهم؛ قال - تعالى -: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ ﴾ [الأعراف: 43]، قال ابن عاشور - رحمه الله -: "ونَزْع الغِلِّ من قلوب أهل الجنة هو إزالة ما كان في قلوبهم في الدنيا من الغِلِّ عند تلقِّي ما يسوء من الغَيْر، بحيث طَهَّر الله نفوسَهم في حياتها الثانية عن الانفِعال بالخواطر الشريَّة التي منها الغِلّ، فزال ما كان في قلوبهم من غِلِّ بعضِهم من بعض في الدُّنيا؛ أي: أزال ما كان حاصِلاً من غلٍّ، وأزال طباع الغلِّ التي في النُّفوس البشريَّة بحيث لا يخطر في نفوسهم"[12].


ـــــــــــــ
[1] "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"؛ السعدي، ص 744.
[2] "تفسير التحرير والتنوير"؛ ابن عاشور، 26/ 234.
[3] "الجامع لأحكام القرآن"؛ القرطبي، 16/ 274.
[4] "صحيح البخاري"، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، رقم 6066، و"صحيح مسلم" كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم التجسس والتنافس والتناجش، رقم 2563.
[5] "الأخوة الإسلامية"؛ د. زيد الزيد، (دار إمام الدعوة: الرياض، ط1، 1427هـ)، ص/ 30، 31.
[6] "أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم"؛ عبدالله بن أحمد قادِري، (دار المجتمع: جدة، ط1، 1409)، ص/ 215.
[7] "صحيح البخاري"، كتاب الحدود، باب ما يكره من لعْن شارب الخمر، وإنه ليس بخارج من الملَّة، رقم 6777.
[8] أحمد في "المسند"، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع" رقم 381.
[9] "صحيح مسلم"، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب، رقم 2732.
[10] "فقه السيرة"؛ محمد الغزالي، ص/ 193، 194، و"زاد المتقين شرح رياض الصالحين"؛ محمدبن عثيمين، 2/ 555.
[11] "سنن ابن ماجه"، المقدمة، باب في الإيمان، رقم 60، 1/ 23، و"صحيح سنن ابن ماجه"؛ الألباني، رقم60، 1/ 132.
[12] "تفسيرالتحرير والتنوير"؛ ابن عاشور، 5/ 302.



وكلّ عامٍ وأنتُم بحبلِ الله مُعتصمين، به مُستعينين، إليهِ راغبين، عليهِ متوكلين، لهُ بإحسانٍ عابدين ، بنعمِ الله مُنعَّمين :emrose:

Maro
10-14-2013, 10:29 AM
كل عام وكل أخ وأخت بالمنتدى من الله أقرب...
أسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم صالح الأعمال وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم...
وأن يتمّ علينا نعمته وفضله بإيذان تحكيم شريعته فى أراضى المسلمين من شرق الأرض إلى غربها...
أسأل الله أن يغفر لنا ولكم ما تقدّم من الذنب وما تأخر، وما سُر منه وما أُعلن، وما هو أعلم به منا...
وأسأل الله ألّا يجعل ذنوبنا سبباً لتأخير نصره المبين...
اللهم تقبّل شهداء المسلمين... اللهم ارحم موتى المسلمين... اللهم أجب دعاء زوار بيتك الحرام...
اللهم إنّا نسألك أن توحّد صفوفنا... وأن تربط على قلوبنا... وأن تثبّت الأرض تحت أقدامنا... وأن تنصرنا على الطاغوت بحولك وقدرتك.
اللهم انصر الإسلام وأعزّ المسلمين.
اللــــــــــــــــهـــــــــــــــــم آمـــــــــــــيــــــــــــــــــن
http://2.bp.blogspot.com/-SAsChU6xmHE/UkpHEEjBWhI/AAAAAAAAGzc/3HHCosCGt1Y/s1600/%D8%B5%D9%88%D8%B1-%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B6%D8%AD%D9%89-17.gif

muslim.pure
10-14-2013, 02:17 PM
كل عام وكل أخ وأخت بالمنتدى من الله أقرب...
أسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم صالح الأعمال وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم...
وأن يتمّ علينا نعمته وفضله بإيذان تحكيم شريعته فى أراضى المسلمين من شرق الأرض إلى غربها...
أسأل الله أن يغفر لنا ولكم ما تقدّم من الذنب وما تأخر، وما سُر منه وما أُعلن، وما هو أعلم به منا...
وأسأل الله ألّا يجعل ذنوبنا سبباً لتأخير نصره المبين...
اللهم تقبّل شهداء المسلمين... اللهم ارحم موتى المسلمين... اللهم أجب دعاء زوار بيتك الحرام...
اللهم إنّا نسألك أن توحّد صفوفنا... وأن تربط على قلوبنا... وأن تثبّت الأرض تحت أقدامنا... وأن تنصرنا على الطاغوت بحولك وقدرتك.
اللهم انصر الإسلام وأعزّ المسلمين.
اللــــــــــــــــهـــــــــــــــــم آمـــــــــــــيــــــــــــــــــن

أمَة الرحمن
10-14-2013, 03:02 PM
كل عام و أنتم بخير، اخوةَ الإيمان :)):

وصايا شهيدة بإذن الله
10-15-2013, 02:06 PM
كل عام وكل أخ وأخت بالمنتدى من الله أقرب...
أسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم صالح الأعمال وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم...
وأن يتمّ علينا نعمته وفضله بإيذان تحكيم شريعته فى أراضى المسلمين من شرق الأرض إلى غربها...
أسأل الله أن يغفر لنا ولكم ما تقدّم من الذنب وما تأخر، وما سُر منه وما أُعلن، وما هو أعلم به منا...
وأسأل الله ألّا يجعل ذنوبنا سبباً لتأخير نصره المبين...
اللهم تقبّل شهداء المسلمين... اللهم ارحم موتى المسلمين... اللهم أجب دعاء زوار بيتك الحرام...
اللهم إنّا نسألك أن توحّد صفوفنا... وأن تربط على قلوبنا... وأن تثبّت الأرض تحت أقدامنا... وأن تنصرنا على الطاغوت بحولك وقدرتك.
اللهم انصر الإسلام وأعزّ المسلمين.
اللــــــــــــــــهـــــــــــــــــم آمـــــــــــــيــــــــــــــــــن