المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ولادة من جديد



يونيتدكوم
11-11-2013, 05:06 PM
ولادة من جديد


168

بسم الله الرحمن الرحيم



"من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" إنها حقاً ولادة من جديد



الحمد لله الذي جعل البيت الحرام مثابة للناس وأمنا ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعد ....



يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم : " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" (متفق عليه).



وتتوافد أفواج الحجاج في هذه الأيام ملبية النداء "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك"



ورحلة الحج المباركة – على ما فيها من مشقة وترك للديار وتكلفة مادية – هي حلم كل مؤمن لما يجده من سعادة و راحة نفسية يلمسها كل من أدى هذه الفريضة المباركة ، فإذا سئل أي حاج عائد من الحج عن أمنيته فسيجيب فوراً : أتمنى أن أعود لأحج بيت الله كل عام !



فما هي أسرار هذه السعادة وتلك الراحة النفسية لكل من أدى هذه العبادة بشكل صحيح ؟



لله در القائل: من أراد السعادة فليلزم عتبة العبادة ، و ها هي بعض الأسباب التي تجيب على هذا السؤال الإيماني مما أفاء الله به علينا فاستنبطناه:



(1) كثرة ذكر الله مصدر للراحة و اطمئنان للقلوب :

يقول الله تعالى: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّـهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد-28) فالذكر الكثير سبب مباشر للاطمئنان ومن ثم للسعادة وراحة البال والسكينة النفسية لمن قضى أياما وليالي خاليا لله لا تشغله الدنيا، بالإضافة إلى أن المسلم يعلم أن الله يذكره بذاته حينما يذكر هو الله لأن الله يقول " فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" (البقرة-152)، وما في ذلك من سعادة كبيرة له في الدنيا والآخرة ، والاستمرار في الذكر أياماً طويلة يحول ذكر الله بالنسبة للمسلم إلى هوى له فيفعله بسعادة ويداوم عليه بانشراح ويأخذ على ذلك ثوابا عظيماً فقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: إن الذين لا تزال ألسنتهم رطبة بذكر الله تبارك وتعالى يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك. وهذا سر أساسي من أسرار الراحة النفسية لمن يحج بيت الله .



(2) التخلص من القوى النفسية السيئة:

يقول المولى عز وجل : "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّـهُ ۗوَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ" (البقرة – 197).



ولقد ثبت في العلوم النفسية أن الإنسان فيه قوى أربع:

1- قهوة شهوانية 2- قوة غضبية

3- قوة شيطانية 4- قوة عقلية تملكيه



فقوله تعالي: " فَلَا رَفَثَ" إشارة إلى قهر القوة الشهوانية ، وقوله تعالي : "وَلَا فُسُوقَ" إشارة إلى قهر القوة الغضبية ، وقوله تعالي: "وَلَا جِدَالَ" إشارة إلى قهر القوة الشيطانية والثلاثة سويا يقهرون القوة التملكية ويخمدون نار حب الذات.



وفي رحلة الحج العظيمة لبس الحجيج الإحرام بعد أن استحضروا النية التي وقرت في القلوب "نية النسك" وانطلقت الألسنة المؤمنة "لبيك اللهم حجاً" أي أن الإحرام عمل قلبي في أساسه نتعلم فيه الإخلاص.. وهى نية تعظيم مناسك الله.وهم قد تجردوا كلياً من الدنيا وزينتها يذكرون الله مكبرين و مهللين .. مطوفين بالبيت العتيق، ساعين بين الصفا والمروة واقفين بعرفة ضيوفا على الرحمن يلتمسون المغفرة من رب العالمين ويرجون رحمته.. وبالتالي فلا مجال لهذه القوى الشهوانية أو الغضبية أو الشيطانية أو التملكية .. ومن نجح فى العودة من الحج قاهراً هذه القوى فى نفسه . وأضفنا إلى ذلك مغفرة الله عز وجل لذنوبه – فقد عاد و كأنه ولد بالفعل من جديد مثلما أخبر الصادق المصدوق.



(3) شحن طاقات الجسم من جديد :

السر – علمياً – فى هذا أن هذه العبادة المباركة إذا أداها المسلم كيفما أداها الرسول عليه الصلاة والسلام القائل "خذوا عنى مناسككم" (رواه مسلم والبيهقي) تفرغ الجسد من الذنوب والمعاصي التي تثقل كاهله وهى الشحنات السلبية وتعيد شحنة بالشحنات الإيجابية فتعيد للجسم طاقاته ويصبح الأكثر إقبالا على الله وأكثر قدرة على العمل وكسب الرزق ، ونجد هذا المعني جلياً في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي رواه عنه ابن مسعود ويقول فيه : " تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة" (رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن خزيمة ) وقال الطيـبي رحمه الله: ".. وإزالته الفقر كزيادة الصدقةِ المالَ، "مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْواٰلَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مّاْئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَـاعِفُ لِمَن يَشَاء وَٱللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ" [البقرة:261]، ومثّل متعة الحج والعمرة في إزالة الذنوب بإزالة النار خبث الذهب الذي استصحبه من معدنه؛ لأن الإنسان في جبلته القوة الشهوانية الغضبية، يحتاج إلى رياضةٍ تزيلها عنه،والحج جامع لأنواع الرياضات التي تروض النفس من إنفاق المال، وجهد النفس بالجوع والعطش والسهر، ومفارقة الأوطان، ومهاجرة الإخوان والأخدان"



(4) الأمن الإلهي لزائر بيت الله الحرام:

يقول تعالي : "... وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا."(آل عمران -97) ،ويقول عز وجل: "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا .." (البقرة-125) ومن دلائل الأمن الإلهي في الحرم :

أ- يقول ربنا تبارك وتعالي علي لسان خاتم أنبيائه صلي الله عليه وسلم ـتعظيما وتحريما لمكة المكرمة ‏:‏"إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَـٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (‏ النمل‏:91)



ب- عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلي مكة : إئذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولاً قال به رسول الله صلي الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح ، سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به : أنه حمد الله وأنني عليه ثم قال : "إن مكة ، حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً ، أو يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلي الله عليه وسلم فيها فقولوا له : إن الله أذن لنبيه ولم يأذن لكم ، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، فليبلغ الشاهد الغائب (‏ صحيح البخاري‏).



ج- عن جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة" (‏ صحيح مسلم).‏



د- الأمن في الحرم المكي ليس للإنسان فقط ، بل هو لكل كائن حيوان كان أم نبات ، فقد حرم رسول الله صلى الله عليه ويلم أن يقطع شجره أو ينفر صيده



أبعد كل هذا الأمن والأمان يعود الحاج و به قلق أو اضطراب ؟ كلا والله يعودون سعداء وفي قمة الراحة النفسية!



(5) البشريات العاجلة من الله عز وجل إلى من حج بيته الحرام:

من يقرأ سورة الحج ويقف عند الآيات التي تحدثت عن فريضة الحج فإنه يجد فيها بشريات في موضعين وهما قوله تعالى : " ..وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴿٣٤﴾ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ "(الحج 34-35)

وقوله تعالى : " لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚكَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ".(الحج 37)

ونستنبط من ذلك أن حجاج بيت الله الذين أدوا الفريضة على الوجه المشروع يحظون بالبشري من رب العالمين لأنهم عظموا شعائر الله فكان ذلك من علامات تقوى القلوب.



(6) الطواف توافق مع نظام الكون:

كل شيء في هذا الكون يطوف – بقدرة الله – حول مركز محدد فالإلكترونات في الذرة تدور حول النواة ،والكواكب تدور حول الشمس، والنجوم في المجرة تدور حول مركز المجرة .. وهكذا ولو تأملنا جميع هذه الدورات نلاحظ أنها تتم من اليسار إلى اليمين (عكس اتجاه عقارب الساعة) ، وسبحان الله تتم حركة الطائفين بالكعبة في نفس الاتجاه تناغماً مع حركة الكون كله: فكل شيء يسبح بحمد الله ويمتثل أمره ، والمؤمن يطوف حول الكعبة سبعة أشواط ويسعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط ويرمى إبليس في كل مرة بسبعة جمرات بل أن القرآن عندما تحدث عن القبلة (وهى الكعبة) ذكرها سبع مرات أيضاً فسبحان الله! ألا يحقق ذلك راحة نفسية وتناغماً مع الكون كله فيعود الحجيج وهم سعداء وقد ذهب ما بهم من هموم وتوتر؟



(7) التأمل والتفكر في قدرة الله وإبداع خلقه:

يعتبر النظر إلى الكعبة المشرفة من العبادات التي لا ينكر الجميع حدوث متعة دائمة لهم باستمرار النظر إلى هذا البيت الذي شرفه الله وكرمه وجعل له حرمة عظيمة عنده تعالي وعند الناس ، ولا يعلوه حرمة إلا حرمة المؤمن كما ذكر الصادق صلى الله عليه وسلم.

كما أن الله تعالى أمرنا بالتدبر و التفكر و أثنى على من يفعل ذلك في القرآن قائلاً: " الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (آل عمران 191).

ويعتبر العلاج بالتأمل أحد أهم أنواع العلاج بالطب البديل، ويعتبر العلماء أن التأمل يعالج القلق والاضطرابات النفسية بشكل كبير ويحسن القدرات العقلية ويزيد نشاط الدماغ ويزيد إفراز بعض المواد الكيمائية المساعدة على الإبداع والقدرة على حل المشاكل، خاصة إذا كان هذا التأمل والنظر إلى ما ترتاح له! ومن منا لا يتمنى أن يظل جالسا أمام الكعبة ومقام إبراهيم عليه السلام متأملا ، شاعرا بسكينة وطاقة داخلية لم يسبق لهما مثيل ؟ أليس هذا سراً من أسرار الراحة النفسية التي يرويها دائما الحجيج عقب عودتهم؟



(8) المشي يقدم فوائد بدنية ونفسية رائعة:

في رحلة الحج يكون هناك الطواف والسعي .. وكثير من الحجيج يمشون للأماكن المقدسة الأخرى مسافات طويلة ويعودون منها إلى مكة مشياً دون الشعور بالتعب.. لأنه في طاعة . وفى دراسة حديثة لجامعة هارفارد أثبت الباحثون أن المشي بسرعة معتدلة (4-5 كم/ س) يؤدى – بإذن الله – إلى تخفيض احتمالات الإصابة بأمراض القلب بنسبة 40% وأكدت الدراسة أن المشي يحسن التنفس عند الإنسان. ويقوى نظام المناعة ، ويقضى على الاكتئاب ويساعد على الوقاية من نخر العظام وعلى التخفيف من مرض السكر كما يساعد على السيطرة على الوزن الزائد.كما تبين – قطعاً – أن المشي يحرض إنتاج "الإندورفين" من المخ وهى تلك المادة التي تقلل الآلام بالجسم وتساعد على الشعور السريع بالتحسن.



ويؤكد علماء النفس أن المشي يكسبك احتراما لذاتك وشعوراً بالارتياح ، كما تنصح الدراسة بأن يكون الزى والحذاء مريحين وهذا ما أمرنا به الإسلام من خلال لباس الإحرام والنعلين ، فسبحان الله الذي أمرنا بهذا رحمة بنا !



وإذا أضفنا لهذه الأسباب الشرب من ماء زمزم المباركة ، وتوسط مكة المكرمة لليابسة - وقد أفردنا بفضل الله لكل واحدة من هاتين مقالا مستقلا – نجد أن رحلة الحج المباركة يعود المسلم منها بالفعل و كأنه ولد من جديد ممتلئا بالسعادة و الراحة النفسية وما عليه إلا أن يحافظ على هذه النعم الكبرى بالاستزادة من الطاعات و هجر المعاصي.



فما أعظم الإسلام الذي أعطانا كل سبل السعادة في الدنيا والآخرة .نسأل الله تعالى أن يرزقنا حج بيته الحرام وأن يتقبل ممن حجه وأن يعيد الحجاج سالمين مغفوراً لهم أجمعين وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. والحمد لله رب العالمين.

منقول من موقع قوت القلوب (http://kootalkoloob.com/)

رشيد الجزائري
11-11-2013, 05:53 PM
اللهم وفقنا لأداء فريضة الحج.
لقد زدت تحمسا و سعادة بعد قرائتي للمقال الرائع
بارك الله فيك أخي
اللهم أعز الاسلام و المسلمين و انصرهم في كل مكان