المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من هو الله ؟



رمضان مطاوع
11-25-2013, 05:34 PM
الله سبحانه وتعالى إله واحد وحيد متفردا في ذاته لا يماثله شيء في ملكوته ليس كمثله شيء لا يخضع للموت ولا حتى للنوم الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم - هو الحق الواجب المطلق العليم الخبير بكل أمر في السموات وفي الأرض
( وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) ولا تسقط ورقة من أوراق الشجر إلا بعلمه ( وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِين ) يعلم الغيب والمجهول يرى المرئي والمخفي هو خبير بالماضي والحاضر والمستقبل هو الخالق الذي خلق كل ذرة من ذرات الكون وأعطاها خواصها وصفاتها وخلق الأنفس ويودعها في أجسادها وينفخ الأرواح
هو الذي يعطي الحياة وهو الذي يتوفى الأنفس لا يحتويه أي مكان ولا يحده أي زمان إنه لا يسكن في السماء فحسب ولا يتواجد على الأرض فقط ولكنه موجود في كل مكان وزمان وهو أقرب إلينا من حبل الوريد مملكته تشمل الكون بأكمله ومشيئته موجودة على الأرض كما هي في السماء فضله لا يختص بجنس من الأجناس وهو قدوس خال من كل عيب ومطهر من كل نقص ومنزه من كل سوء لا يحتويه زمان وكل زمان ينبثق عنه ولا يعتمد على أحد في ملكوته ولا يحتاج إلى ابن ولا إلى زوجه لمساعدته صفاته أذليه لا تتوقف ولا تتعطل ولا تعتمد على وجود غيره كي تظهر وتتجلى ويذكر القرآن حوالي 99 صفة من الصفات الإلهية ولكن هذا لا يعني أن صفاته محدودة بهذا العدد فحيث أنه هو نفسه غير محدود فكذلك صفاته غير محدودة كما وكيفا
وهذه الصفات المذكورة هي التي نستطيع فقط نحن البشر بقدراتنا المحدودة أن نعيها ونفهمها والإسلام هو الدين الحق الوحيد الذي عرف البشرية بالله وبصفاته المنبثقة من الرحمة إذ يقول ( كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) - ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) - ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) وحيث أن رحمة الله وسعت كل شيء فلا بد أن تكون وسعت صفاته أيضا وبذلك تكون جميع الصفات الإلهية قد انبثقت عن الرحمة هذا التعريف الإلهي لا نجد له نظيرا في دين من الأديان الأخرى - وهذه الآية التي أوضحت لنا أن رحمة الله وسعت كل شيء لم تذكر في أي كتاب سماوي آخر وهذا لا يعني أن صفة الرحمة كانت محدودة ولم تسع كل شيء ولكن الله أراد أن يعطي القرآن خصوصية لأنه الكتاب الكامل والختامي الذي أنزله على خاتم النبيين هذا وبالله التوفيق

بحب دينى
11-25-2013, 07:16 PM
لا يحتويه أي مكان ولا يحده أي زمان إنه لا يسكن في السماء فحسب ولا يتواجد على الأرض فقط ولكنه موجود في كل مكان وزمان وهو أقرب إلينا من حبل الوريد

هذه العبارة تحتاج الى تدقيق : فالله جل وعلا في السماء : أي في العلو وقد أستوى على عرشه بائن من خلقه لانقول في كل مكان ولا على الارض فهذا قول - أحسبك لاتقصده - من أقوال الحلولية الذين يعتقدون ان الله يحل في العباد وفي الارض سبحانه وتعالى : ومن أقوى ما يلزمهم ان تخر الجبال دكاً ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين )

فالعقيدة أخي تنضبط بالفاظ الشرع وهو ان تخبر عن الله ورسوله بما أخبر الله ورسوله وتؤمن بما جاء كما جاء : قال تعالى (تعرج الملائكة والروح إليه ) وقال تعالى : (( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون )) وقال تعالى :( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) واليه جل وعلا ترتفع الآيادي في الدعاء طلباً منه ورغبة في فضله وجوده ويسبح المصلي في سجوده : سبحان ربي الأعلى ، وقال تعالى : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت زينب رضي الله عنها تفتخر على أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات. وعن معاوية بن الحكم في حديث طويل قال: وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية, فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنهما, وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون, لكن صككتها صكة, فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعظم ذلك علي قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها قال: "ائتني بها" فأتيته بها فقال لها: "أين الله" قالت في السماء قال: "من أنا" قالت: أنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أعتقها فإنها مؤمنة" أخرجه مسلم

فالزم ما جاء في الكتاب والسنة أخي في تعبيرك عن عقيدتك : والزم الايمان بالصفات كما جاءت بلا تأويل ولا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل : فالاستواء معلوم غير مجهول والكيف مجهول والايمان به واجب .

اما صفة الرحمة فربما تحتاج منك الى تفصيل فالالفاظ والكلام الاخير في موضوعك يحتاج الى توضيح : فقد قلت انت :
وحيث أن رحمة الله وسعت كل شيء فلا بد أن تكون وسعت صفاته أيضا وبذلك تكون جميع الصفات الإلهية قد انبثقت عن الرحمة هذا التعريف الإلهي
فما معنى أنبثقت ؟!!!!

...وفقك الله لكل خير

رمضان مطاوع
11-25-2013, 10:05 PM
أخي الكريم : بحب ديني جزاكم الله خيرا على ردكم :
بالنسبة لعبارة : لا يحتويه أي مكان ولا يحده أي زمان إنه لا يسكن في السماء فحسب ولا يتواجد على الأرض فقط
ماذا جاء بعدها ؟ - إنه حرف استدراك ( ولكنه ) لينفي ما قبله ويثبت ما بعده أليس كذلك ؟ ينفي النسبي ويثبت المطلق
فجاء ليثبت أن الله ( موجود في كل مكان وزمان ) أقصد بصفاته لا بذاته لأنه ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وهو أقرب إلينا من حبل الوريد
فأنا يا أخي الكريم والحمد لله مؤمن بأن الله سبحانه وتعالى العلي العظيم منزه عن أن يحل بذاته في الكون الذي هو مجرد مظهر من مظاهر إلوهيته , وأنا مؤمن بالصفات كما جاءت بلا تأويل ولا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل !!!
ولا تنسى أن الله سبحانه وتعالى قال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ........... ) و ( إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى )
أما معنى كلمة ( انبثقت ) أي اشُتقت
بمعنى أن جميع الصفات الربانية ( كالعفو والمغفرة والسلم والأمن والرزق والعلم والقبض والبسط والخفض والرفع والذل والعزة والسمع والبصر و............... الخ )
جميعها من الرحمة التي خلقنا لها يعني الهدف منها الرحمة , فالرحمة عامة تشمل جميع الصفات والأفعال الربانية

مستفيد..
11-26-2013, 01:39 PM
السلام عليكم أخانا الفاضل رمضان..ومرحبا بك بين إخوانك ولعل الغموض في بعض الألفاظ هو ما دفع بالأخ الحبيب بحب ديني إلى التعقيب وليس هو من سوء الظن في شيء كما نحسب..
لدي تعقيب بخصوص صفة الرحمة وأن باقي الصفات منبثقة عنها كما تفضلتم:


وبصفاته المنبثقة من الرحمة إذ يقول ( كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) - ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) - ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) وحيث أن رحمة الله وسعت كل شيء فلا بد أن تكون وسعت صفاته أيضا وبذلك تكون جميع الصفات الإلهية قد انبثقت عن الرحمة

أما معنى كلمة ( انبثقت ) أي اشُتقت
بمعنى أن جميع الصفات الربانية ( كالعفو والمغفرة والسلم والأمن والرزق والعلم والقبض والبسط والخفض والرفع والذل والعزة والسمع والبصر و............... الخ )
جميعها من الرحمة التي خلقنا لها يعني الهدف منها الرحمة , فالرحمة عامة تشمل جميع الصفات والأفعال الربانية
أرى أن هذا التأويل في غير محله لعدة اعتبارات..أولا استشهادك بقوله تعالى ( كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )..تعني كتب على نفسه أن يرحم وليس المراد بها الصفة المفروضة على باقي الصفات وبالتالي على الذات لنسقط في القول وجوبا بأن الله يرحم نفسه!..الرحمة صفة ذاتية لله واجبة له سبحانه كباقي الصفات الواجبة..أما الوجوب المذكور في الآية فتعني شمول الرحمة للعبيد وليس شمولها لبقية الصفات الإلهية..والدليل قوله تعالى في موضع آخر (( كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم ))
ثانيا استشهدتَ بقوله تعالى (( ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ))..واعتبرتَ أن ((كل شيء)) تعني كل ما في الوجود بما في ذلك الخالق وصفاته..وهذا التأويل فاسد..فكل شيء تعني أن رحمته سبحانه قد أحاطت بجميع المخلوقات كما في قوله تعالى عن صفة العلم ((وسع ربنا كل شيء علما)) ولا يدخل في ذلك الصفات أو الذات الإلهية حاش لله..والدليل على أن كل شيء ليست بالضرورة أن تعني كل شيء في الوجود قوله تعالى عن ريح قوم عاد (( تدمر كل شيء بأمر ربها )) فلو أخذنا بالمعنى الذي ذهبتَ إليه لقلنا أن الريح دمرت كل ما في السموات وما الأرض وحاش لله أن أُكمل..في حين أنها لم تُدمر غير قوم عاد فنفهم من هنا أن (( كل شيء )) تُفهم حسب السياق ولا تُأخذ بعموم اللفظ..
أما قوله تعالى (( ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ))..فيعني أن تعدد الأسماء لا يقتضي تعدد المسمى وفي هذا رد على المشركين..وأيضا ذكر اسم الرحمن في الآية مرتبط بسبب نزول الآية كما جاء في في الكشاف : عن ابن عباس سمع أبو جهل النبي صلى الله عليه و سلم يقول : يا الله يا رحمان . فقال أبو جهل : إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر . وهذا أنسب بالآية لاقتصارها على اسم الله وصفة الرحمن..كما قال بن عاشور..

رمضان مطاوع
11-26-2013, 09:28 PM
وعليكم السلام أخي الكريم ( مستفيد ) ..
أشكرك أخي على هذا التعقيب وإنه لشرف لي وفضل من ربي أن أكون بين أخواني المسلمين العاملين على نصرة دين الله الحق وإن اختلفنا ففي الاختلاف ( رحمة )
أولا :
المقصود بقوله تعالى ( كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ).. الرحمة أخي الكريم لخلقه كما ذكرت أنت وليس لذاته حاش لله
ولأنه خلق الناس لها أي ليرحمهم كما قال ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) سورة هود
أي أن جميع الصفات الإلهية موجودة بلا شك في ذات الله , ولكن تجلي هذه الصفات في الوجود من الرحمة
حيث يستخدمها الله في جميع أفعاله كيفما يشاء ولما يريد لحكمة بالغة لا نعلمها هو في النهاية من الرحمة
ثانيا :
ومعنى أن رحمته وسعت كل شيء يعني كل شيء في الوجود وليس خالق الوجود ( ذات الله )
فكل شيء أي ما هو دون الله في عالم الغيب وعالم الشهادة لا يعزب عن رحمة الله التي أحاطت كل شيء في الوجود
( الله ) اسم الذات الإلهية
و ( الرحمة ) هي الصفة الأم التي هي المصدر والغاية من تجلي كل صفات الواجد في الوجود والتي ينطلق منها ويندرج تحتها جميع الأفعال الإلهية
فمثلا : القداسة السلم الأمن الهيمنة العزة المغفرة القوة الحمد الهبة الرزق الفتح العلم القبض البسط الخفض الرفع الذل السمع البصر العدل القدرة التقديم التأخير البر التوبة اللطف الخبرة الحلم العظمة الشكر العلو الحفظ الحكمة العفو الانتقام الرأفة القسط الجمع الغنى المنع العطاء النفع .................................. إلى ما لا نهاية
• جميعها صفات مصدرها والغاية منها ( الرحمة )
• وتجلي هذه الصفات في الوجود من الرحمة
• وتندرج جميعها في قائمة الرحمة
• وأيضا الأفعال الإلهية الناتجة عن استخدام الله لهذه الصفات من الرحمة
• أفعال الله سببا في تجلي صفاته في الوجود
ثالثا :
أخي الفاضل عندما بلغ الله سبحانه وتعالى وحيه لرسله من البشر فيتكلم ملك الوحي جبريل عليه السلام مع الرسول ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فهو ينطق بسم الله أما الرحمن والرحيم فهما صيغتا مبالغة لاسم الفاعل , ومن هو الفاعل الله الرحمن الرحيم
س - فلماذا ذُكِرتْ الرحمة فقط لتعريف ذات الله الذي تكلم باسمه ملك الوحي عند بداية كل سورة من سور القرآن ؟
إلا أن الرحمة هي الصفة الأم كما قلت والتي تنبثق منها كل الصفات الإلهية التي تتجلى في الوجود
وأيضا قال تعالى ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا ............. ) الله اسم ذات والرحمن اسم من الصفة الأم

وأخيرا ندعوا الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعا لما فيه الخير لصالح الإسلام وعزة المسلمين

مستفيد..
11-27-2013, 05:31 PM
مرحبا أخي الكريم..
في الحقيقة لا إشكال عندي في أن تكون جميع الصفات منبثقة عن صفة الرحمة ولكن بشرط أخي أن تقدم لي الدليل على ما تقول أو من قال بذلك من أهل العلم..وما حججهم في ذلك..فإن فعلت فلك مني جزيل الشكر..ولكن إلى حد الآن لم أرى ذلك فما طرحته من استشهادات تبين أن فيها الكثير من التكلف وأنك حملتَ الآيات ما لا تحتمل..ولذلك لا أقدر أن أقبل منك هذا القول..

أي أن جميع الصفات الإلهية موجودة بلا شك في ذات الله , ولكن تجلي هذه الصفات في الوجود من الرحمة
حيث يستخدمها الله في جميع أفعاله كيفما يشاء ولما يريد لحكمة بالغة لا نعلمها هو في النهاية من الرحمة
ما أفهمه من كلامك أن جميع الصفات هي فقط متعلقات لصفة الرحمة لأنها منبثقة عنها..وهذا المعنى قريب مما قررته الأشاعرة في متعلقات الصفات السبع ..كقولهم أن الخلق ما هو إلا من متعلقات صفة الإرادة..

معنى أن رحمته وسعت كل شيء يعني كل شيء في الوجود وليس خالق الوجود ( ذات الله )
فكل شيء أي ما هو دون الله في عالم الغيب وعالم الشهادة لا يعزب عن رحمة الله التي أحاطت كل شيء في الوجود
( الله ) اسم الذات الإلهية
ولكنك اخي الكريم سبق وأن قلتَ (( وحيث أن رحمة الله وسعت كل شيء فلا بد أن تكون وسعت صفاته أيضا ))
والصفات فرع عن الذات..فإن أدخلتَ الصفات تحت ((كل شيء)) فبالضرورة قد أدخلتَ الذات..

و ( الرحمة ) هي الصفة الأم التي هي المصدر والغاية من تجلي كل صفات الواجد في الوجود والتي ينطلق منها ويندرج تحتها جميع الأفعال الإلهية
فمثلا : القداسة السلم الأمن الهيمنة العزة المغفرة القوة الحمد الهبة الرزق الفتح العلم القبض البسط الخفض الرفع الذل السمع البصر العدل القدرة التقديم التأخير البر التوبة اللطف الخبرة الحلم العظمة الشكر العلو الحفظ الحكمة العفو الانتقام الرأفة القسط الجمع الغنى المنع العطاء النفع .................................. إلى ما لا نهاية
• جميعها صفات مصدرها والغاية منها ( الرحمة )
• وتجلي هذه الصفات في الوجود من الرحمة
• وتندرج جميعها في قائمة الرحمة
• وأيضا الأفعال الإلهية الناتجة عن استخدام الله لهذه الصفات من الرحمة
ذكرتَ هنا العزة والحكمة على أن مصدرها والغاية منها هي الرحمة..والقرآن علمنا في أكثر من موضع أن من مواقف العزة والحكمة ما لا يتماشى مع موقف الرحمة..
مثلا (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ))
الموقف من السرقة كان موقف عزة وحكمة وأبدا لم يكن موقف رحمة وما كان للرحمة أن تتواجد في هكذا موقف ولذلك جاء العقاب..ثم بعد التوبة تحول الموقف إلى موقف للرحمة..ليتبين الفرق بين الموقفين وبالتالي الصفتين..
النقطة الثانية..صفة الغضب مثلا هل يمكن إدراجها تحت نفس الإطار..وكيف يمكن فهم ذلك مع وجود الحديث القدسي (سبقت رحمتى غضبي )..!

أخي الفاضل عندما بلغ الله سبحانه وتعالى وحيه لرسله من البشر فيتكلم ملك الوحي جبريل عليه السلام مع الرسول ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فهو ينطق بسم الله أما الرحمن والرحيم فهما صيغتا مبالغة لاسم الفاعل , ومن هو الفاعل الله الرحمن الرحيم
س - فلماذا ذُكِرتْ الرحمة فقط لتعريف ذات الله الذي تكلم باسمه ملك الوحي عند بداية كل سورة من سور القرآن ؟
إلا أن الرحمة هي الصفة الأم كما قلت والتي تنبثق منها كل الصفات الإلهية التي تتجلى في الوجود
وأيضا قال تعالى ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا ............. ) الله اسم ذات والرحمن اسم من الصفة الأم
ذكرتَ البسملة..وأضيف إلى ذلك ان اسم الله الرحمن مذكور في أكثر من موضع بل وجعل الله سورة كاملة باسم ((الرحمن))..
ولكن أين الدليل في كل هذا على أن جميع الصفات هي من متعلقات صفة الرحمة ؟
ما أعلمه أن بعض أهل العلم كابن العربي ذهب إلى أن (الرحمن الرحيم) هو اسم الله الأعظم..ولا أعرف قولا يعلق جميع صفات الله بصفة الرحمة..
وبخصوص البسملة واقتران الرحمن ارحيم باسم ((الله)) وجدت عدة أقوال لكن ليس فيها شيء مما تقول..
مثلا يقول البيضاوي (( إن المسمي إذا قصد الاستعانة بالمعبود الحق الموصوف بأنه مولي النعم كلها جليلها ودقيقها يذكر علم الذات إشارة إلى استحقاقه أن يستعان به بالذات ، ثم يذكر وصف الرحمن إشارة إلى أن الاستعانة على الأعمال الصالحة وهي نعم ))
يقول الإمام محمد عبده : (( إن النصارى كانوا يبتدئون أدعيتهم ونحوها باسم الأب والابن والروح القدس إشارة إلى الأقانيم الثلاثة عندهم ، فجاءت فاتحة كتاب الإسلام بالرد عليهم موقظة لهم بأن الإله الواحد وإن تعددت أسماؤه فإنما هو تعدد الأوصاف دون تعدد المسميات ، يعني فهو رد عليهم بتغليط وتبليد ))
ويقول الطاهر بن عاشور (( أن البسملة كان ما يرادفها قد جرى على ألسنة الأنبياء من عهد إبراهيم عليه السلام فهي من كلام الحنيفية ، فقد حكى الله عن إبراهيم أنه قال لأبيه يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ، وقال سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ومعنى الحفي قريب من معنى الرحيم . وحكى عنه قوله وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم . وورد ذكر مرادفها في كتاب سليمان إلى ملكة سبأ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين والمظنون أن سليمان اقتدى في افتتاح كتابه بالبسملة بسنة موروثة من عهد إبراهيم جعلها إبراهيم كلمة باقية في وارثي نبوته ، وأن الله أحيا هذه السنة في الإسلام في جملة ما أوحى له من الحنيفية كما قال تعالى ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل ))
وأيضا مما قرأت عن اقتران اسم الله الرحمن بالإسم العلم ((الله))..أن اسم الرحمن يعادل اسم ((الله)) من جهة أن لا شريك لله في هذين الإسمين ومن جهة عدم قابليتهما للصرف..
ومن اللطائف أن مسيلمة الكذاب لما تسمى بهذا الإسم أي الرحمن..كانت عقوبته في الدنيا أن يُنعت بالكذاب جزاء لتجرأه على اسم الله الرحمن..
ولكن أخي الكريم لم أجد قولكم بأن جميع الصفات منبثقة عن صفة واحدة هي صفة الرحمة..نعم قد توجد بعض الصفات القريبة من الرحمة وقد تكون الرحمة صفة عامة لبعض الصفات..ولكن قولكم لم أجد ما يؤيده..فإن كان لديك أخي ما يؤيد هذا القول فهاته مشكورا..

رمضان مطاوع
12-01-2013, 07:58 PM
أخي الفاضل أشكرك كثيرا على هذه التعقيبات وندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما فيه الخير وأن يهدينا إلى سبل الحق حيث قال ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) .. وسوف أعرض لكم بإذن الله جميع المقتبسات التي اخترتها أنت من كلامي وعقبت عليها

بالنسبة للمقتبس الأول :

أي أن جميع الصفات الإلهية موجودة بلا شك في ذات الله , ولكن تجلي هذه الصفات في الوجود من الرحمة
حيث يستخدمها الله في جميع أفعاله كيفما يشاء ولما يريد لحكمة بالغة لا نعلمها هو في النهاية من الرحمة
وهذا تعقيبك عليه :

ما أفهمه من كلامك أن جميع الصفات هي فقط متعلقات لصفة الرحمة لأنها منبثقة عنها..وهذا المعنى قريب مما قررته الأشاعرة في متعلقات الصفات السبع ..كقولهم أن الخلق ما هو إلا من متعلقات صفة الإرادة..
ولذلك أقول لكم :
الصفات المنبثقة عن الرحمة أقصد بهذا القول ما يلي : يقول تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) - (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بما أن كتاب الله يعني كلامه رحمة والخليفة الحقيقي هو أداة لتنفيذ هذه الرحمة وبالتالي كل الصفات المتجلية على العبد تنبثق عن الرحمة لأنها تجلت وظهرت عليه بسبب تنفيذه لهذه الرحمة والرسول (ص) أرسله رحمة فكان قرآن يمشي , الصفات الإلهية موجودة بلا شك في ذات الله , أما صفات عباده يستخدمها في جميع أفعاله كيفما يشاء ولما يريد لحكمة بالغة لا نعلمها هو في النهاية من رحمة الله ( التي وسعت كل شيء ) بما في ذلك صفاته المتجلية على العباد والمنبثقة من رحمته ( كتابه ) والتي يوظفها لرحمة بعضهم البعض , والعبد الحقيقي رحيم كما أن الله رحيم ويكون غفور كما أن الله غفور ويكون عفو كما أن الله عفو ويكون كريم كما أن الله كريم ويكون قوي كما أن الله قوي .................. وهكذا في حدود بشريته , هذه هي صفات الله التي وسعتها رحمته للعالمين , وإليك بعض الآيات التي تدل على أتصاف العبد بصفات الله :
قال تعالى ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) - ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) - ( .......... رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ) - ( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ) وغيرها



بالنسبة للمقتبس الثاني :

معنى أن رحمته وسعت كل شيء يعني كل شيء في الوجود وليس خالق الوجود ( ذات الله )
فكل شيء أي ما هو دون الله في عالم الغيب وعالم الشهادة لا يعزب عن رحمة الله التي أحاطت كل شيء في الوجود
وهذا تعقيبك عليه :

ولكنك اخي الكريم سبق وأن قلتَ (( وحيث أن رحمة الله وسعت كل شيء فلا بد أن تكون وسعت صفاته أيضا ))
والصفات فرع عن الذات..فإن أدخلتَ الصفات تحت ((كل شيء)) فبالضرورة قد أدخلتَ الذات..
ولذلك أقول لك : أقصد صفاته التي تتجلى على عبادة فيرحم بها المخلوقات في الأرض
تدبر أخي في هذه الآيات : (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) - خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار هل هي رحمة الله التي آتاها العبد الصالح أم أن الرحمة ليس لها علاقة بما فعل ؟
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) - إذا كان إيتاء الملك ونزعه والعزة والذل خير فهل الخير من رحمة الله أم ليس له علاقة بها ؟
(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) - (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) - إذا كان الغاية من العذاب وظهور الفساد هو الرجوع عن المعصية فهل هذا فيه رحمة أم ليس له علاقة بها ؟
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) - الله يسوق لعباده الشدائد ليمتحنهم ويربيهم على الصبر والثبات أليس من الرحمة ؟
فإن كان الإبتلاء أو الجزاء سواء بالخير أو بالشر يصيب به ما يشاء ومن يريد لحكمة بالغة غايتها الرحمة - كرحمة الأب لأبناءه يأدبهم ويربيهم ليتخلقوا بأخلاقه - ولله الخالق المثل الأعلى في تأديب خلقه وتربيتهم ليتخلقوا بأخلاقه , فإذا ما استخدم الله صفة من الصفات التي في ظاهرها الذل أو الخفض أو القبض أو التأخير أو الانتقام أو غير ذلك نقول لا علاقة لها بالرحمة فكيف وهو سبحانه وتعالى يذل ليعز ويخفض ليرفع ويقبض ليبسط ويؤخر ليقدم وينتقم ويقهر للعبرة وكل هذه الصفات التي تتجلى في الكون من خلال أفعاله التي يقوم بها بواسطة جنود الأرض إلى غير ذلك من وسائل التأديب التربوي التي يؤدب الله بها عباده , والذي هو في النهاية من الرحمة - قال تعالى (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) - (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) - فإن القصد من أن رحمة الله وسعت ( شملت ) كل شيء بما في ذلك صفاته أي أن صفاته التي تجلت في الكون بسبب أفعاله على أيدي عباده من الرحمة وليس القصد أن الله برحمته يرحم صفاته التي هي فرع عن الذات وبالضرورة كما تقول تسع الذات وهذا لا يجوز وحاش لله العلي العظيم


بالنسبة للمقتبس الثالث :

و ( الرحمة ) هي الصفة الأم التي هي المصدر والغاية من تجلي كل صفات الواجد في الوجود والتي ينطلق منها ويندرج تحتها جميع الأفعال الإلهية
فمثلا : القداسة السلم الأمن الهيمنة العزة المغفرة القوة الحمد الهبة الرزق الفتح العلم القبض البسط الخفض الرفع الذل السمع البصر العدل القدرة التقديم التأخير البر التوبة اللطف الخبرة الحلم العظمة الشكر العلو الحفظ الحكمة العفو الانتقام الرأفة القسط الجمع الغنى المنع العطاء النفع .................................. إلى ما لا نهاية
• جميعها صفات مصدرها والغاية منها ( الرحمة )
• وتجلي هذه الصفات في الوجود من الرحمة
• وتندرج جميعها في قائمة الرحمة
• وأيضا الأفعال الإلهية الناتجة عن استخدام الله لهذه الصفات من الرحمة
وهذا تعقيبك عليه :

ذكرتَ هنا العزة والحكمة على أن مصدرها والغاية منها هي الرحمة..والقرآن علمنا في أكثر من موضع أن من مواقف العزة والحكمة ما لا يتماشى مع موقف الرحمة..
مثلا (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ))
الموقف من السرقة كان موقف عزة وحكمة وأبدا لم يكن موقف رحمة وما كان للرحمة أن تتواجد في هكذا موقف ولذلك جاء العقاب..ثم بعد التوبة تحول الموقف إلى موقف للرحمة..ليتبين الفرق بين الموقفين وبالتالي الصفتين..
النقطة الثانية..صفة الغضب مثلا هل يمكن إدراجها تحت نفس الإطار..وكيف يمكن فهم ذلك مع وجود الحديث القدسي (سبقت رحمتى غضبي )..!
ولذلك أقول لك :
بالنسبة للنقطة الأولى الغاية من عقاب السارق والسارقة بقطع اليد هو الجزاء لهما حيث أن الله يريد لهما العزة , ويكونوا عبرة من الله لغيرهم ألا يسلكوا هذا المسلك وهذه حكمته فهو موقف عزة وحكمة نعم ولمن تاب أيضا من بعد ظلمه وأصلح فله التوبة من الله ثم تليها المغفرة ومن ثم رحمة الله الخاصة للتوابين ( العزة الحكمة التوبة المغفرة -- الرحمة )
إذن كل الصفات من بداية الآية الكريمة والتي سبقت صفة الرحمة الخاصة بالتوابين في النهاية فهي من مستلزماتها
وما الداعي للعقاب حيث تتجلى صفتي العزة والحكمة في الموقف الأول إن لم يكن للرحمة وجود بل هي الغاية فعلا
فمثلا : الأب يربي ابنه السارق ويعاقبه أمام باقي الأبناء ليتوب عن ذلك وتكون هذه العقوبة عبرة للآخرين , فإن لم تكن هذه العقوبة عقوبة تربية وتأديب وهذه رحمة الأب بأبنائه فكيف تكون إذن ؟ ولله المثل الأعلى
إن فلسفة العقاب في الإسلام هي الإصلاح وعدم الرجوع إلى الخطأ مرة أخرى وليس الهدف إيقاع الألم والتنكيل والعقاب لمجرد العقاب حتى تستقيم حياة المخطأ هذه هي الرحمة
وبالنسبة للنقطة الثانية الغضب عقاب والعقاب من وسائل التربية والتي تبدأ
أولا بالهدى البياني وهو إرسال الرسل ومعهم ( الكتاب ) - وثانيا التأديب التربوي الذي يتمثل في الابتلاءات والمصائب - وثالثا الإكرام الإستدراجي (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) - ورابعا البلاء العقابي (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فجميع هذه الوسائل في نهاية المطاف رحمة وهو يمهل ولا يهمل ولذلك رحمته تسبق غضبه


بالنسبة للمقتبس الرابع :

أخي الفاضل عندما بلغ الله سبحانه وتعالى وحيه لرسله من البشر فيتكلم ملك الوحي جبريل عليه السلام مع الرسول ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فهو ينطق بسم الله أما الرحمن والرحيم فهما صيغتا مبالغة لاسم الفاعل , ومن هو الفاعل الله الرحمن الرحيم
س - فلماذا ذُكِرتْ الرحمة فقط لتعريف ذات الله الذي تكلم باسمه ملك الوحي عند بداية كل سورة من سور القرآن ؟
إلا أن الرحمة هي الصفة الأم كما قلت والتي تنبثق منها كل الصفات الإلهية التي تتجلى في الوجود
وأيضا قال تعالى ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا ............. ) الله اسم ذات والرحمن اسم من الصفة الأم
وهذا جزء من تعقيبك عليه :

ذكرتَ البسملة..وأضيف إلى ذلك ان اسم الله الرحمن مذكور في أكثر من موضع بل وجعل الله سورة كاملة باسم ((الرحمن))..
ولكن أين الدليل في كل هذا على أن جميع الصفات هي من متعلقات صفة الرحمة ؟
ما أعلمه أن بعض أهل العلم كابن العربي ذهب إلى أن (الرحمن الرحيم) هو اسم الله الأعظم..ولا أعرف قولا يعلق جميع صفات الله بصفة الرحمة..
وبخصوص البسملة واقتران الرحمن ارحيم باسم ((الله)) وجدت عدة أقوال لكن ليس فيها شيء مما تقول..
وأيضا مما قرأت عن اقتران اسم الله الرحمن بالإسم العلم ((الله))..أن اسم الرحمن يعادل اسم ((الله)) من جهة أن لا شريك لله في هذين الإسمين ومن جهة عدم قابليتهما للصرف.
ولذلك أقول لك :
الرحمة نوعان :
- النوع الأول رحمة عامة ( الرحمن ) والتي اُتصِف بها الذات الإلهية فقط وهي فضل محض تعم كل المخلوقات
- النوع الثاني رحمة خاصة ( الرحيم ) وتتوقف على عمل من يتلقى الرحمة
وأنا لم أقل أن جميع الصفات هي من متعلقات صفة الرحمة ولكنها من مستلزمات وضروريات صفة الرحمة أي لازمة وضرورية لا غنى عنها لتحقيق الرحمة للعباد , وفعلا اسم الرحمن يعادل اسم ((الله)) من جهة أن لا شريك لله في هذين الإسمين ومن جهة عدم قابليتهما للصرف..


ثم ختمت تعقيباتك بهذه الكلمات :

ولكن أخي الكريم لم أجد قولكم بأن جميع الصفات منبثقة عن صفة واحدة هي صفة الرحمة..نعم قد توجد بعض الصفات القريبة من الرحمة وقد تكون الرحمة صفة عامة لبعض الصفات..ولكن قولكم لم أجد ما يؤيده..فإن كان لديك أخي ما يؤيد هذا القول فهاته مشكورا..
وأنا أختم لك كلامي بالنسبة لصفة الرحمة بهذا القول :
إن كان كلامي بعد هذا التوضيح المدعم بالأدلة يخالف الكتاب والسنة فلك وغيرك الحق ألا تقبله , أما إن لم تجد ما يؤيده فاستفتي قلبك

مستفيد..
12-02-2013, 03:30 PM
تحية طيبة أخي رمضان..
لا أختلف معك في الكثير مما قلتَ أخي الكريم..إلا في انبثاق جميع الصفات الإلهية من صفة الرحمة..لذا سأركز فقط على الإعتراضات حتى لا نُضِع وقتا فيما هو محل اتفاق

بالنسبة للنقطة الأولى الغاية من عقاب السارق والسارقة بقطع اليد هو الجزاء لهما حيث أن الله يريد لهما العزة , ويكونوا عبرة من الله لغيرهم ألا يسلكوا هذا المسلك وهذه حكمته فهو موقف عزة وحكمة نعم ولمن تاب أيضا من بعد ظلمه وأصلح فله التوبة من الله ثم تليها المغفرة ومن ثم رحمة الله الخاصة للتوابين ( العزة الحكمة التوبة المغفرة -- الرحمة )
الله يريد العزة للسارق والسارقة !
موقف العزيز تعني أن عزته سبحانه لا تقتضي ظلماً وجوراً..وليس بالضرورة أن يعفُ الله عنهم ويرحمهم
أما الوقف الثاني ألا وهو الرحمة فهي لمن تاب..ومن لم يتب أخي رمضان ؟..هل سينال المغفرة والرحمة..قطعا لا وإنما سيجازى بصفتي العزيز الحكيم ولن ينال شيئا من الغفور الرحيم..
هذا ما أردتُ إيصاله

وبالنسبة للنقطة الثانية الغضب عقاب والعقاب من وسائل التربية والتي تبدأ
الحديث القدسي (سبقت رحمتي غضبي ) جاء في سياق المقابلة بمعنى أن الرحمة نقيض الغضب..وسبق الرحمة للغضب بمعنى أن الله يعفُ ويتجاوز عن الذنوب ولا يعجل بالعقوبة (( ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة)..ولو كان الغضب من الرحمة لما جاءت في سياق السبق..والسبق هنا هو بين متعلقي الإرادة لأن الرحمة هي إرادة إيصال الثواب بينما الغضب هو إرادة إيصال العقوبة..ولا يمكن الجمع بين إرادة إيصال الثواب وبين إرادة إيصال العقوبة في إرادة واحدة..ولا أتحدث هنا عن الإبتلاءات من منطلق التمحيص لتحقيق فائدة وإنما اتحدث عن العقاب بقصد العقاب من جنس ما اهلك الله به القرون السابقة كالذين عقروا الناقة وريح عاد والخسف وغيرها..
نفس المقابلة نجدها أيضا في قوله تعالى (( أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ ))
فالسخط جاء فى مقابلة الرضا والرضوان..وهذا يدل على أن السخط نقيض الرضا والرضوان..وهو ما ذهب إليه ابن منظور فى اللسان كون السخط نقيضًا للرِّضَا..

ذكرتَ نقطة واود أن أعلق عليها من باب الفائدة:

تدبر أخي في هذه الآيات : (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) - خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار هل هي رحمة الله التي آتاها العبد الصالح أم أن الرحمة ليس لها علاقة بما فعل ؟

سبق وأن بينت أن قصدي بالعقاب ليس بالإبتلاءات..وقد ضربتُ أمثلة لطريقة هلاك القرون السابقة..فهذا قصدي
ما أردتُ الإشارة إليه من خلال هذا الإقتباس هو اقتران الرحمة بالعلم..وفي هذا إشارة قرآنية لضرورة هذا الإقتران وإلا فإن العلم بلا رحمة مآله الفساد والإهلاك
(( وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ))
(( رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَاتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم ))
(( يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ))
وكما هو ملاحظ فقد تقدم الرحيم على الغفور في هذه الآية على غير العادة ليقترن العلم بالرحمة مباشرة كما أشار إلى ذلك بعض أهل العلم..

إن كان كلامي بعد هذا التوضيح المدعم بالأدلة يخالف الكتاب والسنة فلك وغيرك الحق ألا تقبله , أما إن لم تجد ما يؤيده فاستفتي قلبك
العقائد تكون بالنص أخي الكريم..فلا تُبنى العقائد لمجرد عدم مخالفتها الكتاب والسنة ربما في باب الأحكام الشرعية لكن العقائد لا تُبنى باستفتاء العقول والقلوب..كما قلت هي بالنص..
وعليه أستطيع أن أقرر أن جميع الصفات بما في ذلك الرحمة مشتقة ومنبثقة من صفة الحكمة او من صفة الخلق..كما أستطيع ان اعلق جميع الصفات بصفة استأثر بها الله في علم الغيب عنده..فصفاته كما قلتَ غير محصورة وتقريرك الذي سطرته بخصوص الرحمة ينفي هذا الحصر..لأنه ما ادراك أن جميع الصفات لم تنبثق من صفة أخرى في علم الغيب لا نعلمها -هذا إن سلمنا بالإنبثاق-..إذن نستطيع أن نبني أي عقيدة شئنا وفق هذا المنطق..
إذن الأصل أخي هو ما ذكره بن عثيميين فيما أرى:
(( التعبد لله بمقتضاها ولذلك وجهان:
الوجه الأول: أن تدعو الله بها لقوله - تعالى-: (فَادْعُوهُ بِهَا ) (الأعراف: من الآية180) بأن تجعلها وسيلة إلى مطلوبك، فتختار الاسم المناسب لمطلوبك، فعند سؤال المغفرة تقول: يا غفور اغفر لي، وليس من المناسب أن تقول يا شديد العقاب اغفر لي، بل هذا يشبه الاستهزاء بل تقول أجرني من عقابك .

الوجه الثاني: أن تتعرض في عبادتك لما تقتضيه هذه الأسماء، فمقتضى الرحيم الرحمة، فاعمل العمل الصالح الذي يكون جالباً لرحمة الله، هذا هو معنى إحصائها، فإذا كان كذلك فهو جدير لأن يكون ثمناً لدخول الجنة .))

مستفيد..
12-02-2013, 05:31 PM
صفاته كما قلتَ غير محصورة وتقريرك الذي سطرته بخصوص الرحمة ينفي هذا الحصر
قصدي ينفي عدم الحصر..

رمضان مطاوع
12-04-2013, 12:12 AM
فلسفة العذاب في الإسلام
معنى كلمة عذاب أو تعذيب : كلمة تعذيب على وزن تفعيل وهي مشتقة من عذب - العذب : الكف - أعذبه عن الطعام : منعه وكفه عنه - العذب : هو الطيب الذي لا ملوحة فيه - العذب : المنع - عذبه : منعه وفطمه عن الأمر - وسمي الماء الحلو عذبا : لمنعه العطش - العذب : كل مستساغ - العذب : الماء الطيب - وكل من منعته شيئا : فقد أعذبته وعذبته - العذاب : التنكيل والعقاب - فكل من العذاب أو التعذيب بمعنى المنع والكف - وعذاب المعاقب لمنعه العودة لجرمه مرة أخرى
يقول القرآن (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا)
ومن الصواب أن نقول تعذيب مياه الشرب ولا نقول تحلية مياه الشرب لأن التحلية تعني إضافة شيء حو كالسكر للشاي وماء الشرب لا يوصف بأنه حلو وإنما يوصف بأنه عذب ومن المعروف أن الماء العذب عديم الطعم واللون والرائحة
ومن هذه المعاني نستطيع أن نستخلص أن منع الملوحة عن الماء يسمى عذاب أو تعذيب الماء - وتطهير الماء المالح يسمى عذاب أو تعذيب - وتعذيب الماء تنقيته من الأملاح العالقة به , والعذاب أو التعذيب لا يمنع المعذب من ارتكاب الجرم فحسب بل ينقي أيضا المعذب من الذنوب التي علقت به ويجعله نقيا من ذنوبه - تماما كما أن تعذيب الماء يعني تنقيته من الأملاح ويجعله عذبا نقيا من الملوحة
والقرآن الكريم يستعمل كلمة العذاب بالنسبة للإنسان أي تعذيب النفس البشرية التي هي حقيقة الإنسان , لأن الإنسان من المعروف أنه عبارة عن روح ونفس وجسد ( الروح هو الوحي والنفس هي الإنسان والجسد هيكل تسعى به ) والله سبحانه وتعالى خلق النفس عذبة نقية طاهرة (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)) وهى المكلفة بالعبادة والمنوطة بالعذاب من عدمه وهي قلب الإنسان الروحي وليس المادي
والعذاب في الإسلام ليس لمجرد العذاب , الغرض من العذاب هو المنع والكف عن المعصية كل ذلك فإن الصفات الخاصة بالعذاب تنبثق أيضا من الرحمة يقول تعالى (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) ويقول (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ولتوضيح كيف أن الصفات الإلهية التي تختص بالعذاب إنما تختص أيضا بالرحمة أو تنبثق أيضا من الرحمة فنتصور المشهد التالي :
نفترض أنه يوجد طبيب حادق وجراح ماهر وهذا الطبيب رب أسرة , وبما أنه السبب في وجود هذه الأسرة فمن حبه ورحمته بأفرادها يعطف ويشفق ويخشى عليهم من التعرض للأمراض , ولذلك فهو دائما ينصح أفراد أسرته نصيحة الخبير بحقائق الأمور , ويحذرهم تحذير الحريص المحب بأن لا يتناولوا الخضروات والفواكه بدون أن يغسلوها جيدا لإزالة جميع آثار المواد الكيماوية التي ترش بها هذه النباتات , لأنه يعلم تماما أن تناول هذه المواد تسبب سرطان لمن يتناولها , ولكن واحد من أولاده لا يلقي بالا لنصائح أبيه ولا يعبأ بتحزيراته ويغافل أمه ومن وراءها يتناول بعض الفاكهة التي لم تُغسل جيدا , وهذا الأب الطبيب الجراح يعلم بطريقته الخاصة أن ابنه كان بيخالف أمره وبيعصيه ولا كان بيقدر نصائحه ولا كان بيهتم بتحزيراته وكان بيأكل من الخضروات والفواكه بدون غسل , ورغم ذلك لم يتوانى الأب لحظة واحدة عن النصح والتحذير من مخاطر سموم المواد الكيماوية التي في الخضروات والفواكه وكان يسوق له بعض الأبناء لينصحوه ويحذروه بل ويحرضهم على معاقبته , ولكنه كان لا يأخذ بكل ما سبق , وبعد مرور فترة من الزمان والابن مستمر في معصية أبيه , وبعد أن تتراكم سموم المواد الكيماوية في جسمه تبدأ آثار السرطان في الظهور عليه , ويصاب بدوار وصداع أليم نتيجة لورم خبيث أصاب خلايا مخه والعياذ بالله , ويكاد يفقد بصره ويكاد يفقد القدرة على السمع والكلام بل تأثرت هذه المراكز المخية بالسرطان ويكاد الطفل يفقد حياته , فالأب الطبيب رغم عناد ابنه واستمراره في العصيان إلا أن حبه ورحمته له يدفعه لتخليص ابنه من المصير المؤسف الذي ينتظره فيسير به إلى المستشفى لإجراء العلاج اللازم , وهذا العلاج متمثل في إجراء عملية جراحية شديدة جدا تقتضي نشر عظام جمجمة الابن العاصي بالمنشار لكي يفتح الأب الطبيب الجراح الماهر جمجمة ابنه ثم يستأصل من المخ الأجزاء التي أصابها الورم الخبيث وبعدين يعالج آثار السرطان وتأثيره على جسم الطفل , وهو يعلم بطبيعة الحال أنه سوف يعرض ابنه لكثير من الآلام سواء في مرحلة إعداده لإجراء العملية الجراحية أو أثناء الجراحة نفسه أو بعدها , إلا أنه يعلم أن هذا الألم الذي سوف يتعرض له الطفل رغم شدته وقسوته إلا أنه سوف يأتي له بالشفاء ويخلصه من سموم المرض , وبعد ذلك لم يعصى الابن أبيه أبدا , وسوف يزداد حبه لأبيه تقديرا لصنيعه معه , وإجلالا لقدرته على تخليصه من آلامه ومعاناته 0
هكذا حال الإنسان هو الذي يعصي الله تعالى وهو الذي يتباعد عنه ويخالف أمره ويعصاه ولا يعمل بنصائحه فيرتكب الآثام ويمتلأ قلبه ( نفسه ) بالأمراض فتكون نتيجة ذلك أنه يحرم نفسه من الاستفادة بالصفات الربانية الخاصة بالأمن والسلام وغيرها فيفقد الإحساس بالأمن والسلام ودائما ينتابه الشعور بالحزن والألم والفزع والهلع وتظهر عليه جميع نتائج أعماله التي اقترفها في الدنيا ولأن صفة المحبة والرحمة من الصفات الإلهية فإنه لا يتخلى أبدا حتى عن هؤلاء الذين عصوه ولا يهمل حتى أولئك الذين لم يطيعوه وإنما يسرع بهم إلى المستشفى ( جهنم ) كي يعالج أمراضهم ويطهر قلوبهم ( نفوسهم ) ويزيل عنهم سموم الإثم والمعصية , صحيح إن في هذا العلاج الكثير من الآلام والمعاناة والتعذيب , ولكن إحداث الألم وفرض المعاناة وإيقاع التعذيب ليس لمجرد التشفي والإيلام وإنما هو للعلاج وتطهير القلب ( النفس ) من كل ما علق بها من آثار آثام البعد عن الله تعالى ومخالفة أمره ومعصيته وعدم العمل بنصائحه
(يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)) أي قلب روحي سليم عذب خالي من الأمراض الدنيوية
ولعل هذا المشهد بين الأب الطبيب وأحد أبناءه قد أعطى للعذاب المعنى الحقيقي له - ولله المثل الأعلى - هذا والله أعلم

مستفيد..
12-04-2013, 12:32 PM
أولا أرجو من الإشراف تغيير العنوان إلى -فلسفة العذاب في عقيدة بن عربي-
ثانيا كان الأولى أخي رمضان أن تضع هذا الكلام في الحوار الدائر بيني وبينك في الموضوع السابق..فهو تكملة لما قيل هناك..-بل والحلقة المفقودة-..لا أن تُفرد له موضوعا خاص !
الآن صار العذاب من العذوبة وجهنم مستشفى !! ..ولم يتبق إلا أن تُحدثنا عن معنى الراحة في الريح التي أهلكت عاد !...لتكتمل جميع سفاهات بن عربي في حديثه عن نعيم جهنم !
والآن فهمنا سر هذا التمسك العجيب بانبثاق جميع الصفات من الرحمة بما في ذلك (( صفة الغضب )) ضاربا عرض الحائط بقوله تعالى (( ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ))..ولا أستبعد أن تُفسر ((هوى)) على انه الحب والهيام !!..فعندما نرى الزنديق بن عربي وهو يفسر كيف يتحول العذاب إلى عذوبة في جهنم بقوله: (( فعند ذلك تعلقت الرحمة بهم ورفع عنهم العذاب، مع أن العذاب بالنسبة إلى العارف الذي دخل فيها، بسبب الأعمال التي تناسبها، عذب من وجه، وإن كان عذابا من وجه آخر ))..يبطل العجب من كلامك أخي رمضان ونكون قد فهمنا سر نظرية الإنبثاق العظيم !!!
لما سألتك في الموضوع الآخر عمن قال بهذا القول من أهل العلم..لم تقل أنه بن عربي..ولك الحق في هذا فهو ليس من أهل العلم !..لكن كان عليك التحلي بالشجاعة في هذا الموضوع وتصرح في العنوان أنها فلسفة الزنديق بن عربي لا أن تفتري على الإسلام وتنسب له زورا مثل هذه السخافات..لا وبالخط العريض واللون لحمر !!!!
ولو كان الأمر بيدي..لغيرتُ العنوان إلى: دُعَاة على أبواب جهنَّم..مَن أجابَهُم إليها قذَفُوه فيها !

رمضان مطاوع
12-04-2013, 08:36 PM
أولا أرجو من الإشراف تغيير العنوان إلى -فلسفة العذاب في عقيدة بن عربي-
أخي الكريم ماذا قلت أنا بما يتفق مع كلام ابن عربي في موضوع انبثاق الرحمة وموضوع عذاب جهنم كي تستعجل بحكمك على أي مسلم أيا كان فهمه للعقيدة الإسلامية بأنه من دعاة جهنم ؟ - يا أخي الفاضل (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) فأرجوا منك أن تقتبس ما أنا قلته نقطة بنقطة وتأتي لنا بما قاله بن عربي ليتبين لنا - أين وجه المماثله بيننا ؟
وأرجوا من فضيلتكم أن تتفضل علينا جميعا بما عندك من علم عن صفة الرحمة وأيضا عذاب جهنم

ا
لآن صار العذاب من العذوبة وجهنم مستشفى !! ..ولم يتبق إلا أن تُحدثنا عن معنى الراحة في الريح التي أهلكت عاد !...لتكتمل جميع سفاهات بن عربي في حديثه عن نعيم جهنم !
والآن فهمنا سر هذا التمسك العجيب بانبثاق جميع الصفات من الرحمة بما في ذلك (( صفة الغضب )) ضاربا عرض الحائط بقوله تعالى (( ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ))..ولا أستبعد أن تُفسر ((هوى)) على انه الحب والهيام !!..فعندما نرى الزنديق بن عربي وهو يفسر كيف يتحول العذاب إلى عذوبة في جهنم بقوله: (( فعند ذلك تعلقت الرحمة بهم ورفع عنهم العذاب، مع أن العذاب بالنسبة إلى العارف الذي دخل فيها، بسبب الأعمال التي تناسبها، عذب من وجه، وإن كان عذابا من وجه آخر ))..يبطل العجب من كلامك أخي رمضان ونكون قد فهمنا سر نظرية الإنبثاق العظيم !!!
الآن شيخنا الفاضل لن أعقب على كلامك لأنه صار آخر زمن فأصبح كل شيء جائز من وجهة نظرك , ودعك الآن مما أنا قلته وأرجو منك تدبر هذه الآيات من الكتاب العزيز وتجيب على الأسئلة يقول تعالى :
- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
- قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)

- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)
- فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)
- إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)
- وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)

السؤال الأول : إذا كانت أبدية العذاب تعني لا نهائيته رغم تعذيب النفس وتخليصها من الأمراض التي أصابتها فماذا يعني الاستثناء بإلا وحتى ؟
الحديث الشريف :
الحديث الشريف التالي ورد في صحيح البخاري ( جزء 20 - صفحة 349 - رقم 6168 )
قال رسول الله (ص) : لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط قط وعزتك ، ويزوى بعضها إلى بعض . صدق رسول الله (ص)
الحديث الشريف ورد في صحيح مسلم ( جزء 13 - صفحة 496 - رقم 5084 )
قال رسول الله (ص) : لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع فيها رب العزة تبارك وتعالى قدمه فتقول قط قط وعزتك ، ويزوى بعضها إلى بعض . صدق رسول الله (ص)
الحديث الشريف ورد في مسند أحمد ( جزء 29 - صفحة 16 - رقم 13967 )
قال رسول الله (ص) : إذا ميز أهل الجنة وأهل النار فدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قامت الرسل ، فشفعوا ، فيقول انطلقوا أو اذهبوا فمن عرفتم فأخرجوه فيخرجونهم قد انتحشوا فيلقونهم في نهر أو على نهر يقال له الحياة قال فتسقط محاشهم على حافة النهر ويخرجون بيضا مثل السعارير ثم يشفعون فيقول اذهبوا أو انطلقوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قيراط من إيمان فأخرجوه قال فيخرجون بشرا ثم يشفعون فيقول اذهبوا أو انطلقوا فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردلة من إيمان فأخرجوه ثم يقول الله عز وجل أنا الآن أخرج بعلمي ورحمتي قال فيخرج أضعاف ما أخرجوا وأضعافه صدق رسول الله (ص)

السؤال الثاني : هل جهنم تنتهي بانتهاء عذاب جميع الأنفس أم لا ؟ - فإن كانت لا تنتهي فماذا تعني هذه الأحاديث ؟


لما سألتك في الموضوع الآخر عمن قال بهذا القول من أهل العلم..لم تقل أنه بن عربي..ولك الحق في هذا فهو ليس من أهل العلم !..لكن كان عليك التحلي بالشجاعة في هذا الموضوع وتصرح في العنوان أنها فلسفة الزنديق بن عربي لا أن تفتري على الإسلام وتنسب له زورا مثل هذه السخافات..لا وبالخط العريض واللون لحمر !!!!
ظنك لا يختلف كثيرا عن ظن أخيك الحبيب ( بحب ديني ) الذي نسب موضوعي السابق إلى الأشاعرة وأنت الآن تنسب هذا الموضوع لابن عربي وتتهمون المسلمين بالافتراء على الإسلام , ماذا تقصد بالافتراء هل علي آيات الله أم على أحاديث الرسول (ص) أم على اجتهادات العلماء من البشر - فما كتبته لا يمس الكتاب والسنة بشيء أما إذا كان على أقوال العلماء فالعلماء بشر والبشر قد يصيب ويخطأ في اجتهاداته وأنا وأنت منهم - فلعلك أنت توضح لنا الصواب في هذه الأمور وجازاك الله خيرا

مستفيد..
12-04-2013, 11:42 PM
دعك من مسألة الظن اخي الكريم..فنحن نناقش الأفكار ليس إلا..وما قلتُه مبني على ما قلتَه..يعني لم أقولك شيئا لم تقله..

فأرجوا منك أن تقتبس ما أنا قلته نقطة بنقطة وتأتي لنا بما قاله بن عربي ليتبين لنا - أين وجه المماثله بيننا ؟
ذكر هذا في ارد السابق

وأرجوا من فضيلتكم أن تتفضل علينا جميعا بما عندك من علم عن صفة الرحمة وأيضا عذاب جهنم
الرحمة هي الرحمة والعذاب هو العذاب..هذا ما تعرفه العرب من كلامها..ومن زعم أن هذه من تلك فعليه بالدليل..وقد قدمتَ لك اعتراضين بسيطين عن ((صفة الغضب)) وآية السارق والسارقة وهو ما أبطل قولك..وإلى الآن: لا شيء..بل لو شئنا لأغرقنا الشريط بالأمثلة من القرآن والسنة ولكن اكتفينا بمثالين بُغية النقاش وهو ما لم يحصل ولن يحصل !
---

السؤال الأول : إذا كانت أبدية العذاب تعني لا نهائيته رغم تعذيب النفس وتخليصها من الأمراض التي أصابتها فماذا يعني الاستثناء بإلا وحتى ؟
قلتها بنفسك استثناء..والإستثناء لا يلغي الأصل وهو أبدية جهنم..وليس المراد من هذا الاستثناء وأمثاله نفي خلودهم في النار..فإنه قد أخبرنا سبحانه في كتابه بخلود الكافرين خلودا أبديّا ..
((وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا))..((فلا يخفف عنهم العذاب))..((والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا))..والآيات الدلة على أبدية العذاب كثيرة
أما الإستثناء الوارد في بعض الآيات فحجتك فيه مردودة من اكثر من وجه:
أولا: هو استثناء خاص بعصاة الموحدين كما دلت على ذلك الأحاديث .. يقول بن القيم ((فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض))..
الوجه الثاني: ليس المراد بالاستثناء في الآيات التي ذكرتَ الإخراج..وإنما هو استثناء معلَّق بالمشيئة..فكأن الله سبحانه وتعالى يقول: "خالدين فيها خلودًا أبديًّا إن شاء ربُّك ذلك"..إذ كل شيء خاضع لمشيئة الله وإرادته..وفي هذا إرشاد إلى أن الله لا يجب عليه شيء..فكل شيء راجع لمشيئته وإرادته سبحانه..بمعنى: أن هذه الأمور الثابتة الدائمة كانت كذلك بمشيئة الله تعالى لا بطبيعتها في نفسها..ولو شاء الله تعالى أن يغيِّرها لفَعَل..
الوجه الثالث: الاستثناء المعلَّق بالمشيئة قد استعمله الله في القرآن للدلالة على الثبوت والاستمرار..كقوله تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللهُ}..
وفي قوله تعالى (( لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ))..استدلالك بها على فناء النار مردود من أوجه عدة:
اولا: قوله "لابثين فيها أحقابا" متعلِّق بما بعده وهو قوله تعالى (( لا يَذُوقُونَ فِيْهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ))..]، أي: لابثين فيها أحقابا لا يَذُوقُونَ فِيْهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا: فإذا انقضت تلك الأحقابُ عذِّبوا بأنواع أخَر من أنواع العذاب غير الحميم والغساق..ويدل لهذا تصريحه تعالى بأنهم يعذبون بأنواع أخر من العذاب: ((هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ))
ثانيا: لا ينفي أنه إذا انقضت تلك الاحقاب أن لا لا يزيدهم الله احقابا أخرى والدليل قوله تعالى في آخر آيات هذا المشهد (( فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا ))
ثالثا: (لابثين فيها أحقابا ))..هي من باب الكناية التي تُفيد التأبيد ونفي الإنقطاع وهو مما تعرفه العرب من كلامها..يقول العلامة الطاهر بن عاشور: (( فجاءت هذه الآية على المعروف الشائع في الكلام كناية به عن الدوام دون انتهاء ))

السؤال الثاني : هل جهنم تنتهي بانتهاء عذاب جميع الأنفس أم لا ؟ - فإن كانت لا تنتهي فماذا تعني هذه الأحاديث ؟
أحاديث الشفاعة التي أثرتها لا تُثبت شيئا من فناء النار..فهي تفصيل للإستثناءات الواردة في بعض الآيات وتعني خروج عصاة المسلمين بعذ انقضاء الجزاء..
والأحاديث الصريحة الواردة في أبدية جهنم ودوام الكفار فيها اكثر من أن تُحصى..كحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يُدْخِلُ اللهُ أهْلَ الجَنَّةِ الجَنَّةَ وَيُدْخِلُ أهْلَ النَّارِ النَّارَ ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُ: يَا أهْلَ الجَنَّةِ لا مَوْتَ وَيَا أهْلَ النَّارِ لا مَوْتَ كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ" -أخرجه البخاري في كتاب الرقاق--ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها--
كما قال صلى الله عليه وسلم: "فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ فَأُدْخِلُهُمْ الجَنَّةَ فَمَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ"، وكان قتادة يقول عند هذا "أَي: وَجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ" --البخاري في التوحيد ومسلم في الإيمان
فأنتَ أخي رمضان لم تجمع بين الأدلة وعممت الإستثناء وقمتَ بإلغاء الدليل الأقوى..فإعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما..وقد أطبق العلماء على وجوب الجمع إذا أمكن..فمنهجك في الإستدلال بإلغاء أحد الأدلة بدل الجمع بينهما ليس بمنهج أهل العلم..

فما كتبته لا يمس الكتاب والسنة بشيء
ليس فقط مسستَ..أنت خالفتَ ما هو معلوم من الدين بالضرورة..ورددتَ آيات وأحاديث قطعية الدلالة قطعية الثبوت..

فالعلماء بشر والبشر قد يصيب ويخطأ في اجتهاداته وأنا وأنت منهم - فلعلك أنت توضح لنا الصواب في هذه الأمور وجازاك الله خيرا
لستُ بعالم ولستُ أهلا للإجتهاد..ولا أحسبك كذلك..
فللإجتهاد أصوله وحدوده..والقاعدة تقول (( يجوز أن يستنبط من النص معنى يزيد على ما دل عليه وهذا هو القياس المعروف..ويجوز أن يستنبط منه معنى يساويه وهو العلة القاصرة ومعنى يخصصه ،..ولا يجوز أن يستنبط منه معنى يكر على أصله بالبطلان ))..
وأنت أتيتنا بهذا الذي لا يجوز...

رامي ملكاوي
12-25-2013, 03:20 PM
أنتم مزوّرون ودمويون وإرهابيون!

مشرف 7
12-25-2013, 04:34 PM
أنتم مزوّرون ودمويون وإرهابيون!

وأنت أجهل من نعل حذاءك :) وإليك الدليل يا من لا تعرف ألف باء إسلام وتريد المناظرة !
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?55463-%CF%DA%E6%C9-%C5%E1%EC-%E3%E4%C7%D9%D1%C9
متابعة إشرافية

واسطة العقد
12-25-2013, 04:38 PM
ناس عجيبة
مسجل بالمنتدى كي يسب؟

رمضان مطاوع
12-25-2013, 10:10 PM
أخي الكريم في مشاركتك الأخيرة أنت قلت في بدايتها
نحن نناقش الأفكار ليس إلا - ثم قلت في نهايتها
ليس فقط مسستَ..أنت خالفتَ ما هو معلوم من الدين بالضرورة !! - فأيهما تؤمن ؟ أم أن أفكار الناس عندك إذا خالفت أفكارك فتُعَد مساس بالكتاب والسنة ومخالفة ما هو معلوم من الدين بالضرورة !!

وما قلتُه مبني على ما قلتَه..يعني لم أقولك شيئا لم تقله - لا يا سيدي الفاضل أنت قلت ما لم أقله
أنا قلت : العذاب في الإسلام ليس لمجرد العذاب , الغرض من العذاب هو المنع والكف عن المعصية أي الرجوع عن الكفر والمعصية أما وسائل العذاب ذاته في جهنم فهي ( الألم والشقاء والمعاناة والخزي والهوان وغيره ) كل هذه وسائل تمنع وتكف العاصي عن الاستمرار في الكفر والمعصية لعله يرجع إلى الإيمان والطاعة
وأنت قلت :
بالطبع..وقتها لن تخاف الأخت..وإنما ستستمتع بنعيم جهنم وعذوبته !! - فهذا ما فهمته أنت للأسف وهذا شأنك بالطبع ثم بنيت على ذلك ما رميتني به والله على ما نقول شهيد


الآن صار العذاب من العذوبة وجهنم مستشفى !! ..ولم يتبق إلا أن تُحدثنا عن معنى الراحة في الريح التي أهلكت عاد !...لتكتمل جميع سفاهات بن عربي في حديثه عن نعيم جهنم !
والآن فهمنا سر هذا التمسك العجيب بانبثاق جميع الصفات من الرحمة بما في ذلك (( صفة الغضب )) ضاربا عرض الحائط بقوله تعالى (( ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ))..ولا أستبعد أن تُفسر ((هوى)) على انه الحب والهيام !!..فعندما نرى الزنديق بن عربي وهو يفسر كيف يتحول العذاب إلى عذوبة في جهنم بقوله: (( فعند ذلك تعلقت الرحمة بهم ورفع عنهم العذاب، مع أن العذاب بالنسبة إلى العارف الذي دخل فيها، بسبب الأعمال التي تناسبها، عذب من وجه، وإن كان عذابا من وجه آخر ))..يبطل العجب من كلامك أخي رمضان ونكون قد فهمنا سر نظرية الإنبثاق العظيم !!!
وسبق أن أرجلت التعقيب على هذا المقتبس في المشاركة السابقة وسألتك سؤالين فأجبتني عنهم مشكورا
فيجب علينا جميعا يا أخي أن نتحلى بالأمانة العلمية في النقل عن الناس فأنا لم أقل ذلك قط - ولك أن تراجع كلامي جيدا فأنا قلت أن العذاب بمعنى المنع والكف - وعذاب المعاقب يعني منعه العودة لجرمه مرة أخرى ولم أقل ما قاله ابن عربي وأنا قلت لك أن ظنك لا يختلف عن ظن أخيك بيحب دينه فما لدي من أفكار فهي نقلا عن شيوخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وكثير من علماء السلف - وذكرت مشهد الطبيب والمستشفى كمثال فقط لتوضيح الفكرة - ولكنك سرعان ما أخذت بالحرفية وبنيت عليها باقي ظنونك بأني سوف أفسر
( أن الريح التي أهلكت عاد هي الراحة !! - وأن كلمة هوى هي الحب والهيام !! ) - وعلى العموم تعالى معي يا أخي (نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) , ما قلته في معنى العذاب هو المنع والكف ولن تذوق النفس فيه سوى ( الألم والشقاء والمعاناة والخزي والهوان والضنك وغيره ) هكذا هي طبيعة العذاب , وكل هذه الأشياء هي التي تمنع الكافر عن استمراره في الكفر وتكف العاصي عن استمراره في المعصية , هذا هو جحيم جهنم وليس نعيمها يا أخي الفاضل كما فهمت أنت للأسف!! - واستخدمت كلمة المستشفى في عالم الشهادة لبيان وجه المماثلة بينها وبين جهنم في عالم الغيب , حيث أن المريض في المستشفى يتألم ويعاني ويشق عليه العلاج والقيود المفروضة عليه فيها إلا أنه في النهاية سوف يعود عليه بالشفاء - وأيضا المريض في جهنم يتألم ويعاني ويشق عليه العذاب والقيود المفروضة عليه فيها إلا أنه في النهاية سوف يعود عليه بالشفاء - وأنت يا أخي للأسف أخذت بالحرفية ولم تعي ما أقصده جيدا
يقول تعالى : يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)
وكأن الله يقول لبني إسرائيل ( يا بني إسرائيل أنا عملت معكم كذا وكذا وكذا كل هذا لطفا مني ورحمة بكم وإحسانا إليكم ) , ولهذا قال تعالى: {كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي} أي كلوا من هذا الرزق الذي رزقتكم, ولا تطغوا في رزقي فتأخذوه من غير حاجة, وتخالفوا ما أمرتكم به {فيحل عليكم غضبي} أي أغضب عليكم {ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أي فقد شقي. وقال شفي بن مانع: إن في جهنم قصراً يرمى الكافر من أعلاه, فيهوي في جهنم أربعين خريفاً قبل أن يبلغ الصلصال, وذلك قوله ورآه أيضا ابن أبي حاتم. -- هذا هو معنى الهوى وليس الحب والهيام !! كما تفسر أنت وترمي به المؤمنين وتؤذيهم (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) , فيا أخي الكريم الله سبحانه وتعالى يعلم تماما أن الغضب ليس فيه إلا الشقاء والهلاك في الدنيا , ورغم ذلك الله سبحانه وتعالى من رحمته بالناس يحذرهم من غضبه أن يحل عليهم وهو هو نفسه يعد التائب منهم بالمغفرة والرحمة , نعم الرحمة رحمة والغضب غضب ولكن الغضب إن لم يكن له هدف وله نهاية تأخذ بالمغضوب عليه إلى الرحمة فلن يكون إلا قسوة , هذا إلا إذا كان الأب قاسي القلب والعياذ بالله لا يعرف الرحمة !!! , والعياذ بالله من ذلك وأي إنسان في الدنيا سواء مسلم أو ينتمي لأي ديانة أخرى لا يعاقب ابنه إذا أخطأ لمجرد العقاب بدون هدف أو غاية أو أنه يتسلى أو يتلذذ أو يستمتع بهذا العقاب كلا بل رحمته به تقتضي منعه وكفه ( عذابه ) كوسيلة ردع لئلا يستمر في الخطأ , وحتى إذا عاقبه فلن يعاقبه إلا العقاب المساوي لجرمه , ورحمة الأب أيضا تقتضي الحكمة في تصريف الأمور أين يقع العقاب ومتى وكيف هذا فضلا عن باقي صفات الكمال الأخرى , الفطرة السليمة تعلمنا ذلك والتي تتفق مع العقل الصريح والنقل الصحيح والواقع الموضوعي أليس كذلك ؟ - أم أن الرحمة عندك رحمة لا تعرف الغضب والغضب عنك غضب لا يعرف الرحمة يعني 1+1 = 2 , هذه هي الرحمة عندك يا أخي مستفيد وأنت تعلم بأن الله وله المثل الأعلى في نهاية كل موقف عقابي يعاقب به عباده كموقف السارق والسارقة أو غيره من مواقف العقاب ينتظر توبة عبده كي يتوب عليه بل ويفرح بها فما إن تاب عن المعصية تاب هو عليه ويغفر ذنوبه ويدخله في رحمته التي خلقهم لها (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) ألا إنه (هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ؟ , فالرحمة عند أي أب لأبناءه تقتضي أن يحذرهم من غضبه أولا وإن لم يجدي التحذير فيحل عليهم غضبه وبالتالي يعاقبهم وهو يعلم تماما أن هذا الغضب لا ينالهم منه سوى الألم والشقاء والمعاناة ولكن كل هذا سيعود عليهم بالتقويم والإصلاح والكف عن الخطأ هذه هي الرحمة التي نعرفها - ثم ماذا يستفيد الأب من عقاب أبنائه إذا هم أطاعوه ؟ .. فكذلك (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ) - أليس كذلك ؟
الرحمة هي الأساس تقتضي باقي صفات الكمال يعني هي موجودة قبل وبعد الغضب ( العذاب ) فالغضب الذي يترتب عليه عقاب الكافر فعقابه لن يكون هو الأساس بل هو شيء عارض أو صفة استثنائية لردعه ولا بد أن يدخل في رحمة الله لكن بعد أن ينال جزاء ما أفسد بسبب كفره في الدنيا ويتحقق العدل الإلهي , ثم يؤمن بالله الواحد القهار وبأن لا ملجأ منه إلا إليه , عندئذ إذا شاء ربك له بالخروج من جهنم ودخوله رحمة الله الواسعة فعل , لأن ربك فعال لما يريد
ثم إن كتاب الله رحمة وهدى وذكر للناس - فمن اتبع هذه الرحمة واطمأن بها قلبه فقطعا لا يصدر منه أي فعل إلا وهو رحمة وإن كان في ظاهر بعضها قسوة كالغضب والعقاب والعذاب وغيره من صور الشر ولكنها تنطوي جميعها تحت مظلة الرحمة - ومن يدع الرحمة جانبا عند غضبه فلم ولن يصدر منه إلا القسوة والقسوة شر والشر لا ينسب إلى الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا - والله أعلم
وأنا يا أخي الكريم لا أختلف معك فيما أجمعت عليه الأمة من أفكار في مسألة ( انتهاء جهنم بانتهاء عذاب من فيها ) من عدمه ولكني أصارحك بأني أميل لأفكار ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وما نقلوه عن بعض الصحابة وعلماء السلف , فالكل بشر والبشر يجتهد لمعرفة الحق والحق لا يعلم به إلا الحق سبحانه وتعالى , ولا يمكن أن يجزم أي إنسان على وجه الأرض أن يقر شيئا وخصوصا في الآيات الإخبارية عن الغيب إلا الأنبياء ونحن ليس أنبياء
ولدي الأسباب التي جعلتني أؤيد أفكار شيوخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم ولا يسعني الوقت لذكرها الآن وسوف أذكرها متى تيسر ذلك بإذن الله

وأخيرا يا أخي مستفيد نصيحة أخ لأخيه :
قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). أخي الكريم لقد جعل النبي (ص) الرفق سبباً من أسباب الكمال والنجاح؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة؛ إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه). وفي حديث جرير بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حُرِمَ الرفق حُرِمَ الخير) فمن حرم الرفق واللين حرم التوفيق، ولن تصل الفكرة وصولا كاملا إذا افتقد صاحبها الرحمة واللين. وعلى هذه القاعدة العظيمة في التعامل (الرفق والرحمة) كان تعامل النبي (ص) مع أصحابه؛ فعن أبي هريرة رضي الهي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أُعَلِّمُكُم.....) ثم أخذ في تعليمهم أمور دينهم فأمرهم بأشياء ونهاهم عن أخرى ، فتأمل كيف ابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم تربيته وإرشاده، بهذا الأسلوب اللطيف في التعليم، فكم سيكون له من أثر في نفس السامع؟ - وعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً؛ فلما ظن أنَّا قد اشتقنا أهلنا، سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه قال: (ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلِّموهم) الحديث.إن هذه الرحمة من النبي (ص) بهؤلاء الشباب فيها التوجيه إلى ضرورة مراعاة طبائع النفوس، الشيء الذي قد يغفل عنه بعض المربين والدعاة بحجة (الجدية والحزم وحتى يمتثل ولا يعود) فربما كلفوا النفوس ما لا تطيق، وحَمَلوها على ما يسبب لها الانقطاع. وتتأكد الحاجة إلى الرفق والرحمة عند وقوع الخطأ غير المتعمد إن كان هناك خطأ؛ لأن النفوس أحياناً قد يستثيرها الخطأ أو سوء الظن أو الفهم الخاطئ فتنسى التعامل معه بالرحمة والرفق، وتميل بقوةٍ إلى الردع والتأديب؛ فعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: «بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ عطس رجُلٌ من القوم، فقلت: رحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكل أمِّيَاه! ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم؛ فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه؛ فو الله ما نهرني ولا ضربني، ولا شتمني، قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن).
وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء أعرابي، فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذَنوب من ماء فأُهريق عليه، وفي رواية: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر؛ إنما هي لذكر الله عزَّ وجل والصلاة وقراءة القرآن).
تأمل معي أخي مستفيد هذا الموقف لو وقع في مسجد وأنت تصلي فيه إمام بالناس فكيف يكون رد فعلك ؟!!! ، أتتعامل مع الموقف بروح الحكمة والموعظة الحسنة ؟ - أم أنك تجزم بحكمك عليه بأنه من أهل جهنم وغير مستبعد أن تكفره ؟ - فيبدو أن هذا هو منهجك في الدعوة إلى الله!!! - لن ألومك أخي على ذلك لأنه يبدو أن الهجوم هو منهجك في الدعوة وبأنك نصبت نفسك حكما عن الله في الناس بمن يتفق وأفكارك فهو من أهل الجنة ومن يخالفها فهو من ( دعاة على أبواب جهنم ,,,,,, ) والعياذ بالله - ولأن عندك أيضا العذاب أي منع وكف العاصي أو المخطأ حال وجود خطأ لا مكان للرحمة - فلن نذهب بعيدا - في وقتنا الحاضر لو أن رضيعاً بال في مصلى النساء فكم ستنهال على أمه كلمات التعنيف وربما السب والشتم ، وسيكون ذلك حديث جماعة المسجد، وأهل الحي أياماً وأيام - هذا للأسف حال الأمة الإسلامية التي أصبحت أمة ميتة في سبات وسكون إلى أن يشاء الله ويأخذ بيدها ,
فإلى التعامل بالرفق والرحمة يا أخي ؛ فإنه يورث في النفس نوعاً من الطمأنينة والهدوء، ويجعل تَفَهُّم المشكلة والتعامل معها أكثر نجاحاً وتحقيقاً للأهداف بخلاف ما لو صَحِب ذلك نوعٌ من التوتر والتعنيف والتأفيف

مستفيد..
12-26-2013, 01:06 PM
----



** مقدمة يسيرة **
سبحان الله العظيم ...
هذا موضوع قدّر الله تعالى لي الوقوع عليه منذ أيام قليلات على النت ..
http://www.saaid.net/monawein/taimiah/20.htm

فقمت بحفظه في رسالة لنفسي بالإيميل - وكعادتي في حفظ كل مهم تقع عليه يدي للرجوع إليه فيما بعد -
حيث كنت أنوي وضعه في القسم هنا وفي مدونتي ساعتها ..
ولكني تكاسلت لطوله وما سيتطلبه تنسيقه وتلوينه من وقت وجهد قد يشق عليّ الآن ..
ولكني رأيت الحاجة إليه وقد ظهرت اليوم .. وأخص بها أحد أقرب أحبابي وإخواني في الله ...
والله الموفق ...
-----------------





إثبات خلود النار وأهلها وعدم فناءها المنسوب لشيخ الإسلام ...








د. عبد الله بن صالح بن عبد العزيز الغصن




< من كتابه " دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية " دار ابن الجوزي بالدمام - ومن أراد الهوامش فعليه بالكتاب >

** المبحث الأول **
دلالة نصوص الكتاب والسنة على خلود النار

دلت النصوص على خلود النار، من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة : فمن الكتاب قول الله سبحانه وتعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } [البقرة: 161 - 162] . ففي هذه الآية دلالة على أن عذاب أهل النار لا ينقطع أبداً، ولا يخفف عنهم العذاب فيها فهم في عذاب مستمر.
قال ابن جرير الطبري (ت - 310هـ) رحمه الله: (خبر من الله تعالى ذكره، عن دوام العذاب أبداً من غير توقيت ولا تخفيف) (1).
وقال ابن عطية (2) رحمه الله: (ثم أعَلَم - تعالى - برفع وجوه الرفق عنهم؛ لأن العذاب إذا لم يخفف ولم يؤخر فهو النهاية) (3).
وقال ابن كثير (ت - 774هـ) رحمه الله: (لا يخفف عنهم العذاب فيها أي لا ينقص عما هم فيه، ولا هم ينظرون أي لا يغير عنهم ساعة واحدة، ولا يفتر بل هو متواصل دائم فنعوذ بالله من ذلك) (4).
وقال أبو السعود (5) رحمه الله: (ولا هم ينظرون: إيثار الجملة الاسمية لإفادة دوام النفي واستمراره أي لا يمهلون، ولا يؤجلون) (6).

وقال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } [البقرة: 167] . أي أن هؤلاء الكفار وإن ندموا، واشتدت ندامتهم على أعمالهم الخبيثة، فلا ينفعهم ذلك، ولن يخرجوا من النار، ويؤكد الطبري (ت - 310هـ) رحمه الله هذا المعنى راداً على من زعم أن النار تفنى بقوله: (وفي هذه الآية الدلالة على تكذيب الله الزاعمين أن عذاب الله أهل النار من أهل الكفر منقضٍ، وأنه إلى نهاية، ثم هو بعد ذلك فانٍ؛ لأن الله - تعالى ذكره - أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، ثم ختم الخبر عنهم بأنهم غير خارجين من النار، بغير استثناء منه وقتاً دون وقت، فذلك إلى غير حد ولا نهاية) (7).
ويقول القرطبي (ت - 671هـ) رحمه الله عن هذه الآية: (دليل على خلود الكفار فيها، وأنهم لا يخرجون منها) (8).

وقال عزّ وجل: { ِإنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً } [النساء: 168 - 169] ، فهذا مصير الكفار، وطريقهم في الآخرة: جهنم يدخلونها، ويخلدون فيها لا يخرجون منها، وهذا يسير على الله عزّ وجل فلا يقدر أحد من الكفار أن يمتنع من ذلك، ولا يستطيع أحد أن يمنع الله من ذلك الفعل، فالخلق خلقه، والأمر أمره، يقول الطبري (ت - 310هـ) رحمه الله عن هذه الآية (يقول: مقيمين فيها أبداً) (9).

ومن أدلة أهل السنة على عدم فناء النار من القرآن، قول الله - تبارك وتعالى -: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } [المائدة: 36 - 37] ، فقد أخبر الله عن الكفار أنهم باقون في النار وعذابهم دائم لا يتخلف ولا ينقطع، يقول شيخ المفسرين أبو جعفر ابن جرير الطبري (ت - 310هـ) رحمه الله: (يريد هؤلاء الذين كفروا بربهم يوم القيامة أن يخرجوا من النار بعد دخولها، وما هم بخارجين منها، (ولهم عذاب مقيم) يقول: لهم عذاب دائم ثابت لا يزول عنهم، ولا ينتقل أبداً) (10).
وقال ابن عطية (ت - 546هـ) رحمه الله: (أخبر - تعالى - عن هؤلاء الكفار أنهم ليسوا بخارجين من النار بل عذابهم فيها مقيم متأبد) (11).
وقال القرطبي (ت - 671هـ) رحمه الله: (معناه: دائم ثابت لا يزول ولا يحول) (12).

ومنها قوله تعالى: { َيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ } [الأنعام: 128] ، فبين الله عزّ وجل أن مصير عبدة الأوثان هو النار يستقرون فيها أبداً، ويفسر ابن جرير (ت - 310هـ) رحمه الله الاستثناء في الآية بقوله: (يعني إلا ما شاء الله من قَدْر مدة ما بين مبعثهم من قبورهم إلى مصيرهم إلى جهنم، فتلك المدة التي استثناها الله من خلودهم في النار) (13)، وهناك أقوال أخرى في معنى الاستثناء في هذه الآية ليس هذا موضع ذكرها (14).

ومن الأدلة - أيضاً - قول الله - تبارك وتعالى -: { فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [هود: 106 - 107] ، وهذه الآية هي التي أطال فيها المفسرون.
ويفسر ابن جرير (ت - 310هـ) رحمه الله ربط خلود أهل النار في النار بدوام السماوات والأرض بأنها للتأبيد (ذلك أن العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبداً قالت: هذا دوام السماوات والأرض، بمعنى أنه دائم أبداً.. فخاطبهم - جل ثناؤه - بما يتعارفون به بينهم) (15) ، ويشهد لذلك قول زهير 16)
ألا لا أرى على الحوادث بواقيا *** ولا خالداً إلا الجبال الرواسيا(17)
وقيل: إنها سماوات الآخرة وأرضها لبقائها على الأبد(18) ، ودليل ذلك قول الله عزّ وجل: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ } [إبراهيم: 48] ، وقوله تعالى: { وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء} [الزمر: 74] .

وأما الاستثناء في هذه الآية فقد توقف عنده المفسرون طويلاً (19)، وحاصل أقوالهم ما يلي:
1 - خالدين فيها ما دامت سماء الدنيا وأرضها إلا ما شاء ربك من الزيادة عليها بعد فناء مدتها.
2 - ما دامت سماوات الآخرة وأرضها إلا ما شاء ربك من قدر وقوفهم في القيامة.
3 - ما دامت السماوات والأرض، أي مدة لبثهم في الدنيا.
4 - خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من أهل التوحيد أن يخرجهم منها بعد إدخالهم إليها، فيكونون أشقياء في النار سعداء في الجنة، ويشهد لهذا قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحمحمة(20) أخرجوا منها وأدخلوا الجنة فيقال لهم: الجهنميون»(21) ، ويرى الطبري (ت - 310هـ) وابن كثير (ت - 774هـ) - رحمهما الله - أن هذا هو القول الصواب(22) .
5 - إلا ما شاء الله من أهل التوحيد أن لا يدخلهم إليها.
6 - إلا ما شاء ربك من كل من دخل النار من موحد ومشرك أن يخرجه منها إذا شاء.
7 - أن الاستثناء راجع إلى قوله: { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } [هود: 106] إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي ليست بزفير ولا شهيق ممالم يسم ولم يوصف، ومما قد سُمّي ووصف، ثم استأنف { مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ } [هود: 107] .
8 - أن الاستثناء واقع على معنى: لو شاء ربك أن لا يخلدهم لفعل، ولكن الذي يريده، ويشاؤه، ويحكم به تخليدهم(23) .

وقد أجاب ابن عطية (ت - 546هـ) رحمه الله على من فهم من هذا الاستثناء أن جهنم تخرب، ويعدم أهلها بقوله: (هذا قول مختل، والذي روي ونقل عن ابن مسعود وغيره، إنما هو الدرك الأعلى المختص بعصاة المؤمنين، وهو الذي يسمى جهنم، وسمي الكل به تجوزاً)(24) .
وقال أبو السعود (ت - 951هـ) رحمه الله عن الاستثناء في الآية: (استثناء من الخلود على طريقة قوله تعالى: { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى } [الدخان: 56] ، وقوله: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } [النساء: 22] ، وقوله تعالى: { حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ } [الأعراف: 40] ، غير أن استحالة الأمور المذكورة معلومة بحكم العقل، واستحالة تعلق المشيئة بعدم الخلود معلومة بحكم النقل يعني أنهم مستقرون في النار في جميع الأزمنة إلا زمان مشيئة الله - تعالى - لعدم قرارهم فيها، إذ لا إمكان لتلك المشيئة ولا لزمانها بحكم النصوص القاطعة الموجبة للخلود فلا إمكان لانتهاء مدة قرارهم)(25) .

ومن الأدلة القرآنية على عدم فناء النار قول الحق - تبارك وتعالى -: { وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء: 97] ، وهذه الآية تفيد بقاء أهل النار في النار أو أن النار باقية، لقوله: (كلما) التي تفيد التعميم والاستمرار، ومعنى (خبت) عند المفسرين وجهان:
أحدهما : كلما طفئت أوقدت.
ثانيهما : كلما سكن التهابها زدناهم سعيراً والتهاباً، وسكون التهابها من غير نقصان في آلامهم، ولا تخفيف من عذابهم(26) .

وقال تعالى:{إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى}[طه:74].
فهذه الآية دلالتها على عدم فناء النار، واستمرار العذاب فيها، مثل دلالة قوله تعالى: { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: 36] ،

وقوله: { وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [الأعلى: 11 - 13] ، ويذكر الماوردي(27) رحمه الله أن هذا السياق يحتمل وجهين:
أحدهما : لا ينتفع بحياته، ولا يستريح بموته.
الثاني : أن نفس الكافر معلقة بحنجرته، كما أخبر الله عنه، فلا يموت بفراقها ولا يحيا باستقرارها(28) .

وقال تعالى: { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان: 65 - 66] ، فعذاب الآخرة ملازم دائم لمن هو خالد في النار من الكفار، ولذا يقول الطبري (ت - 310هـ) رحمه الله: (إن عذاب جهنم كان غراماً ملحاً دائماً لازماً غير مفارق من عذِّب به من الكفار، ومهلكاً له)(29) ، ومنه سمي الغريم لملازمته لغارمه. ومنه قول الأعشى(30) :
إن يعاقب يكن غراماً وإن يعـ *** ـط جزيلاً فإنه لا يبالي(31)

وقال تعالى: { وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة: 20] ، ففي هذه الآية دلالة على استقرار الكفار في النار، وأنها دائمة، فكلما أرادوا أن يخرجوا من شدة العذاب، ولأن لهب جهنم يدفعهم إلى أعلاها، ثم يضربون بمقامع من حديد ليعودوا فيها، ويقال لهم من باب التقريع والتوبيخ: ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون(32) ، وهم مستمرون في ذلك أبد الآباد.

ومن الآيات قول الله - تبارك وتعالى -: { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً} [الأحزاب: 64 - 65] ، فالكافر في السعير، ومكثه مؤبد فيها، لا يخرج منها أبداً، يقول ابن جرير (ت - 310هـ) رحمه الله: (ماكثين في السعير أبداً إلى غير نهاية)(33) ويقول ابن كثير (ت - 774هـ) رحمه الله: (ماكثين مستمرين فلا خروج لهم منها، ولا زوال لهم عنها)(34) .

ومن الأدلة لأهل السنة والجماعة على عدم فناء النار - قول الله تعالى -: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } [الزخرف: 74 - 78] ، فهم خالدون في عذاب دائم لا يخفف عنهم، ولا يخرجون منه، جزاء وفاقاً، فينادون خازن النار طالبين الموت، فيتركهم ولا يجيبهم ما شاء الله من السنين ثم يأتيهم الجواب الذي يزيدهم في العذاب، ويخبرهم بالبقاء في النار والمكوث فيها، فيلجأ الكفار مستغيثين بربهم { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 107] ، - فيرد عليهم - رب العزة والجلال - { قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108](35) .

وقال تعالى: { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلْطَّاغِينَ مَآباً * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} [النبأ: 21 - 23] ، أي أن النار موضع أهل الكفر، وهي مآلهم ومرجعهم، فإذا دخلوا فيها لا يخرجون منها، فهم لا بثون مقيمون فيها أبداً.
وذكر المفسرون لهذه الآيات معنيين:
المعنى الأول: أن الأحقاب مُدَدٌ طويلة، وآجال متعددة لا تنقطع، ولا نهاية لها، قال الماوردي (ت - 450هـ) رحمه الله: (كلما مضى حقب جاء حقب، وكذلك إلى الأبد)(36)
وقال القرطبي (ت - 671هـ) رحمه الله في كلام طويل له: (ماكثين في النار ما دامت الأحقاب، وهي لا تنقطع، فكلما مضى حقب جاء حقب.. والمعنى في الآية: لابثين فيها أحقاب الآخرة التي لا نهاية لها.. وذكر الأحقاب لأن الحُقُب كان أبعد شيء عندهم، فتكلم بما تذهب إليه أذهانهم ويعرفونها، وهي كناية عن التأبيد، أي يمكثون فيها أبداً.. وإنما المعنى - و الله أعلم - ما ذكرناه أولاً: أي لابثين فيها أزماناً ودهوراً، كلما مضى زمن يعقبة زمن، ودهر يعقبه دهر، هكذا أبد الآبدين من غير انقطاع)(37) ، وقال القاسمي(38) رحمه الله: (أي دهوراً متتابعة إلى غير نهاية)(39) .
وأما المعنى الثاني فهو: أنهم يلبثون أحقاباً ومدداً طويلة على نوع من العذاب، ثم يحدث الله لهم أنواعاً أخرى من العذاب، ويميل إلى هذا الإمام الطبري (ت - 310هـ) رحمه الله إذ يقول: (يحتمل أن يكون معنى ذلك: لابثين فيها أحقاباً في هذا النوع من العذاب أنهم: { لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً } [النبأ: 24 - 25] ، فإذا انقضت تلك الأحقاب صار لهم من العذاب أنواع غير ذلك، كما قال - جل ثناؤه - في كتابه: { هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ *جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } [ص~: 55 - 58] ، وهذا القول عندي أشبه بمعنى الآية)(40) ، وقال الشوكاني (ت - 1250هـ) رحمه الله: (الأحقاب وقت لشربهم الحميم والغساق، فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العذاب)(41) . وكلا المعنيين يدل على التأبيد والخلود، فلا انقضاء لعذابهم، ولا يخفف عنهم من عذابها. نسأل الله السلامة والعافية.

والآيات في إثبات خلود أهل النار في النار، وأنهم لا يخرجون منها كثيرة جداً - غير ما ذكرت - فمنها قول الله سبحانه وتعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 39] ، وقال - سبحانه -: { بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81] ، ومنها قوله - تبارك وتعالى -: { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217] ، وقال عزّ وجل: { وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257] ، وقال سبحانه: { وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] ، وقال تعالى: { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } [آل عمران: 88] ، وقال: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 116] ، وقال: { وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: 14] ، وقال تعالى: { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 63] ، وقال - سبحانه -: { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [التوبة: 68] ، وقال تعالى: { وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن: 23] .

والآيات كثيرة وصريحة في بيان أن أهل النار خالدون في النار خلوداً مؤبداً، وأن العذاب لا يخفف عنهم، وأنهم لا يخرجون من النار، وأنه كلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها زيادة لهم في العذاب، وأن هذا العذاب ليس مصروفاً عنهم، وأنهم ليس لهم في الآخرة إلا النار فلا يخرجون منها، وأنهم لا يقضى عليهم فيموتوا، وأن عذابهم مقيم دائم، وأن النار مؤصدة عليهم، نسأل الله أن يحفظنا بحفظه، وأن يجيرنا من عذاب النار، إنه سميع مجيب.

وأما الأحاديث الدالة على بقاء النار، واستمرار عذاب الكفار فيها فهي كثيرة - أيضاً - ومنها: قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون »(42) ، قال الإمام النووي (ت - 676هـ) رحمه الله: (الظاهر والله أعلم من معنى الحديث أن الكفار الذين هم أهل النار، والمستحقون للخلود لا يموتون فيها، ولا يحيون حياة ينتفعون بها، ويستريحون معها، كما قال الله تعالى: { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36] ، وكما قال تعالى: { ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [الأعلى: 13] ، وهذا جار على مذهب أهل الحق أن نعيم أهل الجنة دائم وأن عذاب أهل الخلود في النار دائم)(43) .

وقال عليه الصلاة والسلام: «يجاء بالموت يوم القيامة، كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال. يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون ، وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: ويقال: يا أهل النار: هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون(44) وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، قال: ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، قال: ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39] ، وأشار بيده إلى الدنيا»(45) .

وقال صلّى الله عليه وسلّم: «يُدخل الله أهل الجنة الجنة، ويُدخل أهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت كل خالد فيما هو فيه» (46).

وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وصار أهل النار إلى النار، أُتي بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم»(47).

وقال صلّى الله عليه وسلّم في حديث الشفاعة الطويل: «.. فأقول: يارب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن - أي وجب عليه الخلود -»(48) .
قال الإمام النووي (ت - 676هـ) رحمه الله: (أي وجب عليه الخلود، وبيّن مسلم رحمه الله أن قوله: أي وجب عليه الخلود هو تفسير قتادة(49) الراوي(50) ، وهذا التفسير صحيح ومعناه: من أخبر القرآن أنه مخلد في النار وهم الكفار، كما قال الله تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } [النساء: 48، 116] ، وفي هذا دلالة لمذهب أهل الحق، وما أجمع عليه السلف أنه لا يخلد في النار أحد مات على التوحيد والله أعلم)(51) . وقال الحافظ ابن حجر (ت - 852هـ) رحمه الله في معنى إلا من حبسه القرآن: (أي من أخبر القرآن أنه يخلد في النار)(52) .

وأما أقوال سلف الأمة وعلمائها في تقرير عقيدة خلود النار وبقائها أبد الآباد، وأنها لا تفنى، فهي متواترة يتلقاها اللاحق عن السابق، ولعلي أتوقف قليلاً؛ لأذكر نماذج من مقولاتهم في تقرير هذه العقيدة:
قال إمام أهل السنة الإمام أحمد (ت - 241هـ) رحمه الله: (وإن الله خلق الجنة قبل الخلق، وخلق لها أهلاً، ونعيمها دائم، ومن زعم أنه يبيد من الجنة شيء فهو كافر، وخلق النار قبل خلقه الخلق، وخلق لها أهلاً وعذابها دائم)(53) .
وقال أبو زرعة الرازي (ت - 264هـ) ، وأبو حاتم الرازي (ت - 273هـ) - رحمهما الله -: (والجنة حق، والنار حق، وهما مخلوقان لا يفنيان أبداً، والجنة ثواب لأوليائه، والنار عقاب لأهل معصيته إلا من رحم الله عزّ وجل)(54) .
وقال الطحاوي(55) رحمه الله: (والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً، ولا تبيدان) (56).
وقال الإمام البربهاري (ت - 329هـ) رحمه الله: (وكل شيء مما أوجب الله عليه الفناء يفنى، إلا الجنة والنار، والعرش والكرسي، والصور، والقلم، واللوح ليس يفنى شيء من هذا أبداً)(57) .
وقال الإمام الآجري (ت - 360هـ) رحمه الله: (وقد ذكر الله عزّ وجل في كتابه أهل النار الذين هم أهلها، يخلدون فيها أبداً.. وأن أهل النار الذين هم أهلها في العذاب الشديد أبداً)(58) .
وقال ابن أبي زمنين (ت - 399هـ) رحمه الله: (وأهل السنة يؤمنون بأن الجنة والنار لا يفنيان، ولا يموت أهلوها... ولو لم يذكر الله - تبارك وتعالى - الخلود إلا في آية واحدة لكانت كافية لمن شرح الله صدره للإسلام، ولكن ردد ذلك ليكون له الحجة البالغة)(59) .
وقال الإمام الصابوني (ت - 449هـ) رحمه الله: (ويشهد أهل السنة: أن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما باقيتان، لا يفنيان أبداً، وأن أهل الجنة لا يخرجون منها أبداً، وكذلك أهل النار الذين هم أهلها خلقوا لها، لا يخرجون منها أبداً)(60) .
وقد نقل ابن حزم (ت - 456هـ) رحمه الله الاتفاق والإجماع على أن الجنة والنار باقيتان، لا تفنيان، فقال: (اتفقت فرق الأمة كلها على أنه لا فناء للجنة ولا لنعيمها، ولا للنار ولا لعذابها..)(61) .
وقال في مراتب الإجماع: (وأن النار حق، وأنها دار عذاب أبداً، لا تفنى ولا يفنى أهلها أبداً بلا نهاية، وأنها أعدت لكل كافر مخالف لدين الإسلام) (62) ،
وقال الأصبهاني (ت - 535هـ) رحمه الله: (والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان؛ لأنهما خلقتا للأبد لا للفناء)(63).
وقال - أيضاً -: (وليس تفنى الجنة والنار والعرش والكرسي واللوح والقلم، والصور، ليس يفنى شيء من هذه الأشياء)(64) .
وقال الحافظ عبد الغني المقدسي (ت - 600هـ) رحمه الله: (والإيمان بأن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً، خلقتا للبقاء لا للفناء، وقد صح في ذلك أحاديث عدة)(65) .
وقال ابن قدامة (ت - 620هـ) رحمه الله: (والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان، فالجنة مأوى لأوليائه، والنار عقاب لأعدائه، وأهل الجنة مخلدون)(66) .
وقال القرطبي (ت - 671هـ) رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث الدالة على الخلود لأهل الدارين فيها: (هذه الأحاديث مع صحتها نص في خلود أهل النار فيها، لا إلى غاية ولا إلى أمد، مقيمين على الدوام والسرمد من غير موت ولا حياة، ولا راحة ولا نجاة...، فمن قال: إنهم يخرجون منها، أو أن النار تبقى خالية بجملتها خاوية على عروشها، وأنها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى العقول، ومخالف لما جاء به الرسول، وما أجمع عليه أهل السنة والأئمة العدول)(67) .
وقال مرعي الحنبلي (ت - 1033هـ) رحمه الله: (اعلم - وفقك الله تعالى - أن مذهب أهل الحق هو الحق في كل مسألة، ومذهبهم أن الجنة والنار موجودتان الآن خلافاً للمعتزلة، وإنما هما باقيتان لا يفنيان، ولا يفنى أهلهما خلافاً للجهمية حيث ذهبوا إلى أنهما يفنيان ويفنى أهلهما)(68) .
وقال السفاريني(69) رحمه الله: في الدرة المضية:
واجزم بأن النار كالجنة في *** وجودها وأنها لم تتلف(70)
وقال الصنعاني(71) رحمه الله: (إن هذه المسألة وهي فناء النار لا تعرف في عصر الصحابة، ولا دارت بينهم، فليس نفي ولا إثبات، بل الذي عرفوه فيها هو ما في الكتاب والسنة من خلود أهل النار أبداً، وأن أهلها ليسوا منها بمخرجين، وعرفوا ما ثبت من خروج عصاة الموحدين)(72) .
وقال صديق حسن خان(73) رحمه الله: (والجنة دار أوليائه، والنار عقابه لأعدائه، وأهل الجنة فيها مخلدون، والمجرمون في عذاب جهنم { لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: 75] ، وقد خلقت الجنة وما فيها، وخلقت النار وما فيها، خلقهما الله عزّ وجل قبل القيامة، وخلق لهما، ولا يفنيان أبداً)(74) .
وقال الشيخ حافظ حكمي(75) رحمه الله:
والنار والجنة حق وهما *** موجودتان لا فناء لهما(76)
ويعتقد الشيح حافظ (ت - 1377هـ) رحمه الله في الجنة والنار: (دوامهما وبقاؤهما بإبقاء الله لهما، وأنهما لا تفنيان أبداً، ولا يفنى من فيهما)(77) .

هذه نقولات لبعض مقولات سلف الأمة وعلمائها تبين عقيدة أهل السنة والجماعة في أبدية الجنة، وأبدية النار، وأن الله خلقهما للبقاء، لا للفناء، وقد آثرت إكثار النقل عن أئمة أهل السنة والجماعة، على مختلف العصور ليتبين أن هذه المسألة - أي أبدية النار - هي من العقائد المتواترة، المجمع عليها، والراسخة على مر العصور بين علماء أهل السنة والجماعة، ومن اعتمد على غير هذا القول فهو مائل عن الجادة، وغاية مستنده ومعتمده النصوص الضعيفة، أو الاستدلالات الواهية، أو الأقيسة العقلية الفاسدة وهذا ما سيتبين في هذا المبحث - إن شاء الله -:

وقبل مناقشة القائلين بفناء النار يحسن بي أن أعرض لمذاهب الناس في هذه المسألة، وهي ما نقلها أهل العلم في كتبهم، وهي ثمانية مذاهب:
الأول: أن كل من دخل النار لا يخرج منها أبد الآباد، وهذا قول الخوارج والمعتزلة، بناء على أصلهم الفاسد، في تكفير مرتكب الكبيرة، وإنكار الشفاعة.
الثاني : أن أهل النار يعذبون فيها، ثم تنقلب طبيعتهم، وتبقى طبيعة نارية يتلذذون بها؛ لموافقتها لطبعهم، وهذا قول إمام الاتحادية ابن عربي الطائي (ت - 638هـ)(78) .
الثالث : أن أهل النار يعذبون فيها إلى وقت محدود، ثم يخرجون منها، ويخلفهم فيها قوم آخرون، وهذا القول حكاه اليهود للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد أكذبهم الله - تعالى - في كتابه الكريم فقال: { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 80 - 81] .
الرابع : أن أهل النار يخرجون من النار بعد حين، ثم تبقى النار على حالها ليس فيها أحد (79).
الخامس : أن النار تفنى بنفسها؛ لأنها حادثة، وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه، وهذا قول الجهم (ت - 128هـ) ، ومن وافقه، وهؤلاء يقولون بفناء الجنة والنار.
السادس : أن الفناء يكون لحركات أهل النار، لا للنار، فيصير أهل النار جماداً، لا يحسون بألم، وهذا قول أبي الهذيل العلاف (ت - 235هـ) (80).
السابع : أن الله يخرج منها من يشاء، كما ورد في السنة ثم يبقيها ما يشاء ثم يفنيها، فإنه جعل لها أمداً تنتهي إليه، وهؤلاء يقولون بفناء النار فقط(81) .
الثامن : أن الله - تعالى - يخرج منها من يشاء، كما ورد في السنة، ويبقي فيها الكفار، بقاءً أبدياً لا انقضاء له(82).

هذه مذاهب الناس في أبدية النار، أو فنائها، وسيكون النقاش للمذهب السابع الذي يرى دخول الكفار، وعصاة المؤمنين في النار، ويرى أن عصاة المؤمنين يعذبون ما شاء الله أن يعذبوا، ثم يخرجون بعد انقضاء مدة تطهيرهم، أو يخرجون من النار، بشفاعة الشافعين، وأما الكفار فإنهم يمكثون في النار آماداً طويلة إلى أن يأذن الله بفناء النار، فتفني، وينتهي العذاب.

فالآيات التي استدل بها القائلون بفناء النار، وهي آية سورة هود، وسورة النبأ، وغيرها، وقد مرَّ في بداية هذا المبحث ذكرها، وذكر أقوال المفسرين في بيان أنه لا دلالة لهم فيما استدلوا به، وإنما تدل على أن النار باقية لا تفنى كالجنة، ويمكن الوقوف بعض الوقفات - إضافة إلى ما ذُكر - في استدلالهم بالآيات على فناء النار:
أ - أن الآيات المجملة التي فرح بها القائلون بفناء النار، قد بينتها النصوص الأخرى من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي صرحت بأن أهل النار خالدون فيها أبداً، وظاهرها أنه خلود لا انقطاع له(83) .
ب - أن القائلين بفناء النار، قد فرّقوا بين النصوص الشرعية من حيث الدلالة من غير مفرِّق، أو مرجح، فقد ذكر الله الخلود في كتابه الكريم لأهل الجنة ولأهل النار، والخلود الذي علمنا به من النصوص الشرعية بقاء الجنة قد ذكر مثله في النار، وليس هناك دليل يصار إليه، وركن من الأدلة ركين يعتمد عليه في التفريق، خاصة إذا علمنا أن الخلود في كتب اللغة: (دوام البقاء في دار لا يخرج منها.. ودار الخلود الآخرة لبقاء أهلها فيها)(84) .
ج - أن الخلود في النصوص الشرعية مقابل بالموت الذي هو الفناء، فمن كان خالداً فهو لا يفنى كما قال سبحانه وتعالى: { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 34 - 35] ، فالخلود دوام البقاء، والموت هو الفناء والزوال والانتهاء من هذه الدنيا.
د - أن الله عزّ وجل أخبر عن دوام النار، ودوام عذابها بنصوص أخرى بغير ألفاظ الخلود والتأبيد، فمما قاله - سبحانه -: { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [المائدة: 37] ، وقال: { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى} [طه: 74] ، وقال - سبحانه -: { وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة: 20] ، وقوله - سبحانه - عن أهل النار: { وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} [الزخرف: 77] ، وغيرها من الآيات الدالة على استمرار عذاب أهل النار إلى ما لا نهاية.
هـ - أن الآيات التي فيها الاستثناء بالمشيئة لا تستلزم فناء النار، وانقطاع عذاب أهلها من الكفار، بل لها معانٍ توقف المفسرون عندها - كما بينت ذلك - في عرضي للآيات، وأقوال المفسرين حولها في بداية هذا المبحث.
و - أن آية سورة النبأ دليل على الخلود من حيث معنى الأحقاب - كما تقدم -، ومن حيث سياق الآيات بعدها، فقد قال الله عزّ وجل في نهاية السياق: { إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً} [النبأ: 40] . ففي هذه الآية دليل على أن الكافر يتمنى أن يكون تراباً، ولا يعذب في النار خالداً فيها، ولو كان يظن أن النار تفنى من الآن لظل على أمله ورجائه في رحمة الله (85).

وأما الأحاديث والآثار التي يستدل بها القائلون بفناء النار، فلأهل العلم وقفات حولها:
أولاً : حديث: «ليأتين على جهنم يوم كأنها زرع هاج، وآخر تخفق أبوابها)(86) ، وهذا حديث باطل موضوع، وآفته: جعفر بن الزبير، وأيضاً الراوي عنه: عبد الله بن مسعر بن كدام.
أما جعفر بن الزبير، فقد وضع أربعمائة حديث على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكذبه شعبة بن الحجاج(87) ، وقال ابن معين (ت - 233هـ) رحمه الله: ليس بثقة. وقال البخاري (ت - 256هـ) رحمه الله: تركوه، وقال ابن عدي (ت - 365هـ) رحمه الله: الضعف على حديثه بيّن، وذكر الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله هذا الحديث، وقال: إسناده مظلم(88) .
وأما عبد الله بن مسعر فهو متروك - أيضاً - وذكر الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله حديثه هذا وقال: هذا باطل(89) .

ثانياً : الأثر المروي عن عمر بن الخطاب (ت - 23هـ) رضي الله عنه: (لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه)، وهذا الأثر ضعيف بسبب الانقطاع بين عمر (ت - 23هـ) والحسن البصري (ت - 110هـ) رحمه الله فلم يسمع الحسن (ت - 110هـ) من عمر (ت - 23هـ) رضي الله عنه، ومراسيل الحسن عند الأئمة واهية؛ لأنه كان يأخذ عن كل أحد، كما قال ذلك ابن سيرين (ت - 110هـ) رحمه الله(90) ، وإذا سقط سند هذا الحديث، ولم نحتجّ به لضعفه، لم يكن بنا حاجة إلى أن نوجه دلالته على أن المقصود به نار الموحدين (91).

ثالثاً : الأثر المروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص (ت - 65هـ) رضي الله عنهما قال: (ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقاباً)، وهذا الأثر ضعيف لا يصح لا مرفوعاً ولا موقوفاً، وآفته: أبو أبلج يحيى بن سليم، وهذا الرجل ثقة في نفسه، إلا أن تضعيف الحفّاظ له جاء من قبل حفظه، فقال الحافظ ابن حجر (ت - 852هـ) رحمه الله عنه: (صدوق ربما أخطأ)(92) ، وقد جعل الإمام الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله هذا الحديث من بلاياه، وحكم عليه بأنه منكر(93) .

رابعاً : أثر أبي سعيد الخدري (ت - 74هـ) رضي الله عنه في قوله - تعالى -: { إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [هود: 107] قال: هذه الآية قاضية على القرآن كله(94) .
وهذا الأثر وإن كان صحيحاً موقوفاً، إلا أنه لا دلالة فيه على فناء النار، بل كما يقول الإمام الصنعاني (ت - 1182هـ) رحمه الله: (غاية ما فيه أن كل وعيد في القرآن ذكر فيه الخلود لأهل النار، فإن آية الاستثناء حاكمة عليه، وهي عبارة مجملة لا تدل على المدعى بنوع من الدلالات الثلاث)(95) .
ويجاب - أيضاً - بأن هذا الأثر محمول على عصاة المؤمنين من الموحدين الذي يبقون في النار - ما شاء الله - ثم يخرجون منها بهذه المشيئة الربانية، وعلى هذا يبطل الاستدلال به على فناء النار.

خامساً : أثر عبد الله بن مسعود (ت - 32هـ) رضي الله عنه قال: (ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد)، وهذا الأثر رواه ابن جرير (ت - 310هـ) رحمه الله في تفسيره(96) بإسناد تالف مظلم(97) ، وأما البغوي(98) رحمه الله فقد ذكره بدون إسناد، ثم قال: (ومعناه عند أهل السنة - إن ثبت - أنه لا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان، وأما مواضع الكفار فممتلئة أبداً)(99) .

سادساً : الأثر المروي عن أنس بن مالك (ت - 93هـ) رضي الله عنه: (ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها، وما فيها من أمة محمد أحد).
وهذا الأثر موضوع(100) ، وآفته: العلاء بن زيدل، فقد كان يضع الحديث كما قال البخاري (ت - 256هـ) وغيره: منكر الحديث(101) ، وقال أبو حاتم (ت - 277هـ) : هو متروك الحديث، قال ابن حبان (ت - 354هـ) : لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل التعجب(102) ، وذكر ابن عدي (ت - 365هـ) هذا الحديث في ترجمته وقال: (منكر الحديث)(103) ، وقال الذهبي (ت - 748هـ) : تالف، وذكر هذا الحديث(104) .

سابعاً : وأما الأثر المروي عن أبي هريرة (ت - 57هـ) رضي الله عنه قوله: (ما أنا بالذي لا أقول إنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد)، وقد ذكره بسنده ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله في حادي الأرواح(105) ، وإسناده صحيح(106) ، ومع هذا فإنه لا يدل على فناء النار، بل لم يفهم رواته منه ذلك؛ ولذا قال أحد رواة الحديث وهو عبيد الله بن معاذ(107) كما في تتمة الأثر: (كان أصحابنا يقولون: يعني به الموحدين)(108).
ويجاب - أيضاً - على هذا الأثر بما أجاب الإمام الصنعاني (ت - 1182هـ) رحمه الله بقوله: (فإن قوله: (ليس فيها أحد) دال على بقائها، فإنك إذا قلت: ليس في الدار أحد، فإنه دال على بقاء الدار لا على فنائها)(109) .
ولو سلمنا أن هذا الأثر فيه دلالة على فناء النار فهو قول صحابي، لا يقف أمام النصوص الصحيحة من القرآن والسنة، واتفاق العلماء على عدم فناء النار، وبقائها أبد الآباد(110) .

وبهذا نعلم أنه لم يصح حديث أو أثر يثبت فناء النار، وأما ما صح سنده مما استدل به من قال بفناء النار فإنه لا يدل على فناء النار: - كما تم بيانه - ولله الحمد والمنة(111) .

ومما ينبغي أن يعلم في مقام مناقشة القائلين بفناء النار: أن دوام عذاب أهل النار من الكفار هو من حكمة أحكم الحاكمين سبحانه وتعالى ولا ينافي ذلك حكمته، بل هو من حكمته، واستمرار عذابهم في النار لا يعارض رحمة أرحم الراحمين، فرحمته - سبحانه - لا تنافي حكمته، وحكمته عزّ وجل تقتضي دوام عذاب أهل النار من الكفار؛ لأن الله سبحانه وتعالى قضى وحكم في كتابه الكريم، وشرعه المطهر أن يستمر عذابهم، وقضاء الله سبحانه وتعالى مبني على حكمته - سبحانه - وفرقٌ بين عذاب الكفار الخُلَّص، وبين عذاب العصاة من المؤمنين، فعذاب الكفار هو للإهانة والانتقام فهو أبدي، وأما عذاب العصاة فهو للتطهير والتمحيص: فإذا مُحِصوا وطُهِروا خرجوا من النار(112) .

وأما من قال: إنه ليس من حكمته استمرار العذاب بالنسبة للكفار، فهذا ليس بصحيح، بل الحكمة هي وضع الشيء في موضعه، وليست هي اللين أو الضعف أو الرحمة لمن يستحقها ومن لا يستحقها، ولا يصح أن يقطع بأن هذا مخالف لحكمته حيث لم يرد نص يدل عليه، ولا هو مخالف لمجموع النصوص، أو هو مخالف لعدل الله عزّ وجل، وللأدلة العقلية، بل للمتأمل في حكمة الله عزّ وجل أن يقول: إن الحكمة تقتضي دوام عذاب الكفار.
ومن الحكم: دوام ظهور آثار أسماء الرب عزّ وجل التي بها تتحقق الألوهية، ويتحقق العقاب الرادع للكفار كالعزيز والقهار وغيرها.
ومن الحكم: جعل العقاب بحيث يترتب على العلم به غايته التي أُريد لأجلها من منع انتشار الكفر إلى حد يفسد الكون قبل أجله المسمى.
ومنها: جعل العقاب مناسباً للجريمة في عدم التناهي، لما علم من أن خبث الكفر لا حد له، هذا إضافة إلى ما ذكره أهل العلم من بعض الحكم من خلق الشرور(113) .
ومن حكمته - سبحانه - إنفاذ وعيد الكفار، بخلاف وعيد المؤمنين فيجوز إخلافه كما قال تعالى: { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48، 116] أي ما دون الشرك من المعاصي، وقد أوجب الله على نفسه إنفاذ الوعيد في حق الكفار كما قال تعالى: { قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [ق~: 28 - 29] .
وقال سبحانه: { إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [لقمان: 33] ، بعد قوله: { وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً} [لقمان: 33] ، وقال - سبحانه -: { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } [الطور: 7] ، هذا إضافة إلى أن النصوص الشرعية قد أكدت وقررت دوام النار وعذابها لأهلها من الكفار، والله أعلم(114) .

وفي الجملة فإن القائلين بفناء النار يمكن أن يكون النقاش معهم على طرق متعددة - كما سبق - ويمكن أن يقال لهم: أين يذهب أهل النار بعد فناء النار؟ إن قيل: يبقون بلا عذاب، فهذا لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه، فقد أخبر الله عزّ وجل أن الناس يوم القيامة فريقان لا ثالث لهما { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7] ، وأخبر أن عذاب الكفار دائم لا يخفف عنهم، ولا هم ينظرون، وأنه لا يفتر عنهم، وأنهم ماكثون، وخالدون، ولو كانت النار تفنى لكان هذا من تخفيف العذاب عنهم.

وإن قيل: إنهم يموتون ويفنون بعد حين: فقد دل الدليل على خلافه؛ بأن أهل النار { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36] ، وما ورد في الحديث الصحيح من ذبح الموت حين يؤتى به على صورة كبش، ويقال لأهل الجنة ولأهل النار: خلود فلا موت.
وإن قيل إنهم يخرجون منها: فقد دل الدليل على خلافه، ذلك أن الله عزّ وجل قال عنهم: { كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} [الحج: 22] ، ولم يحدد في النصوص مقرهم لو خرجوا منها، وهم - قطعاً - لا يذهبون إلى الجنة.

وتلاحظ الحرفية الزائدة، والظاهرية المتكلفة عند القائلين بفناء النار، فهم يذكرون أن الله سبحانه وتعالى أخبر بخلود أهل النار فيها، لكنه لم يخبر أنها لا تفنى!، وهل الخلود الأبدي إلا أبدية النار ودوام عذابها؟.
ويمكن أن يعكس عليهم الدليل فيقال: إن الله عزّ وجل لم يخبر عن النار أنها تفنى، بل ذكر المشيئة - كما ذكرها في الجنة -، ولأهل العلم تفسيرات لهذه المشيئة متعددة في خروج بعض أهل النار منها، بخلاف الجنة فمن دخلها فلا يخرج منها.

ثم إن القائلين بالفناء، غاية استدلالهم: إما بأحاديث وآثار غير صحيحة، وهذه لا يعوّل عليها في تقرير مسألة أو حكم شرعي، لاسيما الأحكام الاعتقادية التي هي من جملة اعتقاد المسلمين التي تتعلق باليوم الآخر والجزاء.
وإما بنصوص محتملة غير صريحة فهي من المتشابه المجمل. فترد إلى المحكم المبين وهي النصوص الواضحة.

ويحسن بعد مناقشة القائلين بفناء النار أن يُفرق بين قولهم هذا، وبين قول الجهمية القائلين بفناء الجنة والنار.
فمنشأ القولين مختلف: إذ منشأ قول الجهمية هو امتناع وجود مالايتناهى من الحوادث لا في الماضي ولا في المستقبل، وقد ناقشتهم في الفصل الثالث من هذا البحث.
يقول ابن أبي العز(115) رحمه الله: (وقال بفناء الجنة والنار الجهم بن صفوان إمام المعطلة، وليس له سلف قط، لا من الصحابة، ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين، ولا من أهل السنة، وأنكره عليه عامة أهل السنة، وكفرّوه به، وصاحوا به وبأتباعه من أقطار الأرض، وهذا قاله لأصله الفاسد الذي اعتقده وهو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث..)(116) .

وأما منشأ قول القائلين بفناء النار - وحدها - فهو الاعتماد على نصوص مجملة، أو ضعيفة لا تقوم بها حجة، والاعتماد على تغليب جانب الرحمة على الحكمة، فمنشأ قول أكثر هؤلاء بهذا هو الاعتماد على أحاديث وآثار ظنوا أنها تدل على ما ذهبوا إليه، ولذا لم يحكم أهل السنة على القائلين بهذا القول إنهم مبتدعة، بل قالوا: إنه خطأ صدر عن اجتهاد - لما قام في أذهانهم من صحة الأدلة التي استدلوا بها - وهو مغفور لهم - بإذن الله تعالى - كما جاء في الحديث الصحيح «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد »(117) ، يقول ابن تيمية رحمه الله في المسائل الاجتهادية: (وحقيقة الأمر: أنه إذا كان فيها - أي المسألة - نص خَفِيَ على بعض المجتهدين، وتعذر عليه علمه، ولو علمه لوجب عليه اتباعه، لكنه لما خفي عليه اتبع النص الآخر... والمجتهد المخطئ له أجر؛ لأن قصده الحق وطلبه بحسب وسعه، وهو لا يحكم إلا بدليل.. ففي الجملة: الأجر هو على اتباعه الحق بحسب اجتهاده، ولو كان في الباطن حق يناقضه هو أولى بالاتباع لو قدر على معرفته لكنه لم يقدر..)(118) .

ويفرق ابن تيمية رحمه الله بين العالم المتقدم الذي قال بقول يخالف الصواب، ويجانب الكتاب والسنة؛ لأجل أن الحجة لم تبلغه، فلم يعلم بالدليل المخالف لقوله، أو ظنه ضعيفاً، أو غير ذلك، وبين العالم الذي بلغته الحجة، وعلم الإسناد وصحته من ضعفه، وجمع الأدلة واتضحت له ثم هو يخالف ذلك كله إلى قول آخر، فالأول لا يبدع، والثاني يبدع، يقول رحمه الله: (إذا رأيت المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم فاغتفرت لعدم بلوغ الحجة له فلا يغتفر لمن بلغته الحجة. ما اغتفر للأول، فلهذا يبدع من بلغته أحاديث عذاب القبر ونحوها إذا أنكر ذلك، ولا تبدع عائشة ونحوها ممن لم يعرف بأن الموتى يسمعون في قبورهم فهذا أصل عظيم فتدبره فإنه نافع) (119).
--------------------------------------
** المبحث الثاني **
دعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار ومناقشتها
-------

** المطلب الأول **
دعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار

يذكر المناوئون لابن تيمية رحمه الله مسألة فناء النار حين يذكرون المسائل المنتقدة عليه.
ويجعلون القول بفناء النار هو قول ابن تيمية رحمه الله الذي لا يقول بغيره في هذه المسألة، يقول الحصني (ت - 829هـ) : (واعلم أنه مما انتقد عليه زعمه أن النار تفنى، وأن الله - تعالى - يفنيها، وأنه جعل لها أمداً تنتهي إليه، وتفنى، ويزول عذابها، وهو مطالب أين قال الله عزّ وجل وأين قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصح عنه) (120).
وذكر أن القول بفناء النار بعد أمد نزعة يهودية (121)، مستدلاً بقول الله تعالى: { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً}.
وقال المناوئون عنه: إنه يتابع الجهمية في شطر معتقدهم، فالجهمية يقولون بفناء الجنة والنار، وأما ابن تيمية رحمه الله فهو يقول بفناء النار (122).
وقالوا: إن القول بفناء النار كفر (123).
وأشار ابن حجر (ت - 852هـ) إلى ميل ابن تيمية رحمه الله إلى القول بفناء النار، فبعد أن ذكر الأقوال في فناء النار عن ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله ذكر القول السابع الذي هو القول بفناء النار ثم قال بعد ذلك: (وقد مال بعض المتأخرين إلى هذا القول السابع، ونصره بعدة أوجه من جهة النظر، وهو مذهب رديء مردود على قائله، وقد أطنب السبكي الكبير في بيان وهائه فأجاد) (124).
ويقصد ابن حجر (ت - 852هـ) رحمه الله بهذا كتاب (الاعتبار ببقاء الجنة والنار) (125).
** المطلب الثاني **
مناقشة الدعوى

اعلم - وفقك الله لطاعته - أن الناس بعد ابن تيمية رحمه الله من محبيه ومن مناوئيه قد اختلفوا في بيان موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من هذه المسألة إلى ثلاثة أقوال:
الأول : القائلون بأنه يقول بفناء النار، وهذا قول عامة مناوئيه، وهو قول بعض من يوافقه في الاعتقاد، ويثني عليه في المسائل الأخرى (126)، وقد قال الصنف الثاني بهذا القول ومالوا إليه تأثراً بأقوال المناوئين، وقوة عرضهم للمسألة، وصاحب ذلك عدم بحث وتدقيق وتحقيق لهذه المسألة في كتب شيخ الإسلام في مظانها وغير مظانها.
الثاني : القائلون بأنه لا يقول بفناء النار، وأنه يرى خلودها كالجنة؛ اعتماداً على أن هذا قول السلف، وهو يقول به؛ إذ هو يعد من أكبر شراح عقيدة السلف، هذا إضافة إلى اعتمادهم على نصوص من كتب ابن تيمية رحمه الله تثبت أبدية النار.
وكذلك: عدم وقوفهم على نصوص أخرى تقابل هذه النصوص في أنه يرى فناء النار، ولو ذُكر لهم بعض النصوص المجملة المتشابهة لشككوا في دلالتها على المراد، أو في صحة نسبتها إلى ابن تيمية رحمه الله (127).
الثالث : وقالت طائفة ثالثة بأن ابن تيمية رحمه الله يميل إلى القول بفناء النار، لكنه لا يصرح بذلك، وقالوا بهذا القول لما وقفوا على بعض أقوال له رحمه الله لا تنص على فناء النار، إلا أن مجمل الكلام يشعر بأنه يرتضي هذا القول، وإن لم يصرح به، مع وقوفهم على أقوال له أخرى تدل على أنه يرى أبدية النار، فخرجوا بهذا القول ويرون أنه وسط بين الأقوال وهو الحكم بميل ابن تيمية رحمه الله إلى القول بفناء النار (128).
وسيركز البحث هنا على استقراء النصوص الواردة عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حول هذه المسألة من كتبه، سواء أكانت نصوصاً تشعر بالقول بفناء النار، أم النصوص الصريحة في عدم فناء النار، ثم دراسة دلالة هذه النصوص.

وتنقسم هذه النصوص إلى قسمين:
أ - نصوص يستدل بها القائلون بأنه يقول بفناء النار، أو يميل إلى القول به.
ب - ونصوص يستدل بها القائلون بأن ابن تيمية رحمه الله يرى أبدية النار موافقاً بذلك أئمة المسلمين في القول الصواب في هذه المسألة.

فأما القسم الأول من هذه النصوص: فمنها قوله رحمه الله:
(لم أجد نقلاً مشهوراً عن أحد من الصحابة يخالف ذلك، بل أبو سعيد وأبو هريرة هما رويا حديث ذبح الموت، وأحاديث الشفاعة، وخروج أهل التوحيد، وغيرهما، قالا في فناء النار ما قالا) (129)،
وقال رحمه الله: (لكن إذا انقضى أجلها، وفنيت كما تفنى الدنيا، لم يبق فيها عذاب) (130).
وقال: (وحينئذ، فيحتج على فنائها بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة - مع أن القائلين ببقائها ليس معهم كتاب، ولا سنة، ولا أقوال الصحابة..) (131).
وقال: (ليس في القرآن ما يدل على أنها تفنى، بل الذي يدل عليه ظاهر القرآن أنهم خالدون فيها أبداً...) (132).
وقال - أيضاً -: (أحدها: أن الله أخبر ببقاء نعيم الجنة ودوامه، وأنه لا نفاد له ولا انقطاع في غير موضع من كتابه، كما أخبر أن أهل الجنة لا يخرجون منها، وأما النار وعذابها فلم يخبر ببقاء ذلك، بل أخبر أن أهلها لا يخرجون منها.
الثاني : أنه أخبر بما يدل على أنه ليس بمؤبد في عدة آيات.
الثالث : أن النار لم يذكر فيها شيء يدل على الدوام) (133).
وقال - أيضاً -: (فإذا قدر عذاب لا آخر له، لم يكن هناك رحمة ألبته) (134).

ويلاحظ في هذه النصوص أنها جميعاً منقولة من كتاب واحد فقط، وهو (الرد على من قال بفناء الجنة والنار)، ويلاحظ - أيضاً - من قراءة الكتاب أن ابن تيمية رحمه الله كان يظن صحة الآثار الواردة عن بعض السلف في فناء النار، ولذا حاول توجيه دلالة الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية إلى معنى الآثار التي ظن رحمه الله صحتها.

وأما القسم الثاني من هذه النصوص: وهي التي وافق فيها ابن تيمية رحمه الله القول الصواب في المسألة، وهو القول بأبدية النار، وعدم فنائها فمنها (135):
1 - حين سئل رحمه الله عن حديث فيه ذكر الأمور التي لا تفنى، أجاب بأن هذا من كلام بعض العلماء، وليس من كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم قال في نص صريح: (وقد اتفق سلف الأمة، وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم، ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار، والعرش وغير ذلك) (136)، فهذه حكاية للإجماع، واتفاق من إجماعه حجة، ولا يسوغ مخالفة هذا الاتفاق، ولذا قال رحمه الله في لاميته:
والنار يصلاها الشقي بحكمة *** وكذا التقي إلى الجنان سيدخل (137)
2 - حكى ابن حزم (ت - 456هـ) رحمه الله الإجماع على أن النار لا تفنى كالجنة، في قوله: (وأن النار حق، وأنها دار عذاب أبداً لا تفنى، ولا يفنى أهلها أبداً، بلا نهاية، وأنها أعدت لكل كافر مخالف لدين الإسلام، ولمن خالف الأنبياء السالفين قبل مبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعليهم الصلاة والتسليم، وبلوغ خبره إليه) (138)، ولم يتعقبه ابن تيمية رحمه الله -، ولو كان يرى فناء النار لتعقبه، ونقده في كتابه (نقد مراتب الإجماع لابن حزم)، فلما لم يتعقبه دل ذلك بدلالة المفهوم أنه رحمه الله يرى ما يراه ابن حزم (ت - 456هـ) رحمه الله من القول بأبدية النار.
3 - في مناقشة مسألة (التسلسل) ذكر أن التسلسل في المستقبل جائز عند جماهير المسلمين وغيرهم من أهل الملل، وغير أهل الملل، ثم قال: (فإن نعيم الجنة، وعذاب النار دائمان، مع تجدد الحوادث فيهما) (139)، فتقريره رحمه الله وجزمه بدوام عذاب أهل النار، كدوام نعيم أهل الجنة دليل على أنه يرى في النار من حيث الأبدية كما يرى في الجنة، وعقب على ذلك بتجدد الحوادث فيهما، واستمرارها إلى مالا نهاية.
4 - ناقش رحمه الله المتكلمين القائلين بأن أجسام العالم تفنى حتى الجنة، والنار - أيضاً -، وحكم على هذا القول بأنه - بدعة باطلة باتفاق سلف الأمة وأئمتها، فقال: (وهذا الذي يذكره كثير من أهل الكلام الجهمية، ونحوه في الابتداء نظير ما يذكرونه في الانتهاء من أنه تفنى أجسام العالم حتى الجنة والنار، أو الحركات... وهذا الذي ابتدعه المتكلمون باطل باتفاق سلف الأمة وأئمتها) (140).
5 - قرر رحمه الله أن القرآن الكريم قد أخبر ببقاء الجنة، وبقاء النار بقاءاً مطلقاً، يمتنع معه الفناء، وأما الذي لم يرد في القرآن فهو تفاصيل ما سيكون بعد استقرار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، قال رحمه الله: (ثم أخبر ببقاء الجنة والنار بقاءاً مطلقاً، ولم يخبرنا بتفصيل ما سيكون بعد ذلك..) (141).
6 - نقل رحمه الله عن الأشعري (ت - 324هـ) الخلاف في أفعال الله هل لها آخر أم لا آخر لها؟ وقد ذكر الأشعري (ت - 324هـ) رحمه الله قول الجهمية في هذه المسألة وهو قولهم بأن لها آخراً، وهذا هو الذي بنوا عليه مذهبهم في أن الجنة والنار تفنيان، ويفنى أهلهما، حتى بيقى الله - سبحانه - آخراً لا شيء معه، ثم قال بعد ذلك:
(وقال أهل الإسلام جميعاً: ليس للجنة والنار آخر، وإنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون، وأهل النار لا يزالون في النار يعذبون، وليس لذلك آخر) (142)، وقد نقل هذا النص ابن تيمية رحمه الله مقراً له ومؤيداً، ولم يتعقبه، أو يرد عليه فدل على أنه يرى ما يراه أهل الإسلام جميعاً (143).
7 - نقل ابن تيمية رحمه الله عن ابن خفيف (144) رحمه الله من كتابه (اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات) (145) نقولاً كثيرة في الفتوى الحموية (146)، وقد نقل عنه مرتضياً كلامه قوله: (ونعتقد أن الله خلق الجنة والنار، وأنهما مخلوقتان للبقاء لا للفناء) (147).
8 - نقل في تفسير قول الله عزّ وجل: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] قول الضحاك (148)- مرتضياً له - في أن كل شيء يهلك إلا الله والجنة والنار والعرش (149).
9 - فرّق رحمه الله بين الكفار، وعصاة المؤمنين في المآل، فالكفار محلهم النار، ولا يخرجون منها، وأما عصاة المؤمنين فيدخلون النار، ثم يخرجون من النار، قال رحمه الله: (ومما يبين الفرق - أيضاً - أنه - سبحانه - قال هناك: { وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} [الأحزاب: 57] ، والعذاب إنما أعد للكافرين؛ فإن جهنم لهم خلقت؛ لأنهم لابد أن يدخلوها، وما هم منها بمخرجين، وأهل الكبائر من المؤمنين يجوز أن يدخلوها إذا غفر الله لهم، وإذا دخلوها فإنهم يخرجون منها ولو بعد حين، قال سبحانه: { وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131] ، فأمر - سبحانه - المؤمنين أن لا يأكلوا الربا، وأن يتقوا الله، وأن يتقوا النار التي أعدت للكافرين، فعُلم أنهم يُخاف عليهم من دخول النار إذا أكلوا الربا وفعلوا المعاصي، مع أنها معدة للكافرين لا لهم) (150).
10 - في تفسير قول الله تعالى: { وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [الأعلى: 11 - 13] ، قسّم الصلي إلى قسمين: صلي خلود وهو صلي مطلق، وصلي مؤقت وهم الذين يدخلون النار ثم يخرجون منها.
فقال رحمه الله: (وتحقيقه: أن الصلي هنا هو الصلي المطلق، وهو المكث فيها والخلود على وجه يصل العذاب إليهم دائماً.
فأما من دخل وخرج فإنه نوع من الصلي، ليس هو الصلي المطلق) (151).
وفي تفسير قوله تعالى: { لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى } [الليل: 15 - 17] ذكر قولين للمفسرين ارتضى قول: (لا يصلونها صلي خلود) قال: (وهذا أقرب) (152).
فدل على أن غير المتقين من الكفار يصلونها صلي خلود دائم، يتجدد معه العذاب إلى ما لا نهاية.

هذه النصوص تدل دلالة ظاهرة على أن ابن تيمية رحمه الله يقول بأبدية النار، واستمرار عذابها، ويبقى بعد عرض هذه النصوص، والنصوص التي قبلها تمييز القول الذي يمكن أن يُعد قولاً لابن تيمية رحمه الله في مسألة فناء النار أو أبديتها، ولترجيح أحد الأقوال على غيرها يمكن أن أضع بعض المقدمات والملاحظات التي تساعد في الترجيح:

أولاً : أن جميع الأقوال التي استدل بها القائلون بأنه يرى فناء النار، إنما استندوا إلى كتاب واحد، وهو (الرد على من قال بفناء الجنة والنار)، ولم تكن المعلومات متوفرة عن الكتاب - سابقاً -، حتى ظن البعض أن الردود على ابن تيمية رحمه الله كانت ردوداً على ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله في (حادي الأرواح) (153)؛ ذلك أن ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله قد نقل أغلب كتاب ابن تيمية رحمه الله آنف الذكر في كتاب (حادي الأرواح)، إضافة إلى أن المطبوع من كتاب ابن تيمية رحمه الله لم يخل - أيضاً - من بعض الملحوظات - كما سيأتي -.
وأما قول القائلين بأنه يقول بأبدية النار، فينقلون نصوصاً مبثوثة في أغلب كتب ابن تيمية رحمه الله كمنهاج السنة، ودرء تعارض العقل والنقل، وبيان تلبيس الجهمية، وغيرها، وهذا مظنة تأييده ونصرته لهذا القول، بخلاف القول الأول الذي لم تكن مادته إلا من كتاب واحد، قد يكون لتأليفه، وكتابته، ثم مخطوطاته، ومَن نَسخها ظروف قد تضعف من دلالة هذه النصوص - كما سيأتي -.

ثانياً : أن النصوص التي يستدل بها القائلون بأن ابن تيمية رحمه الله يرى فناء النار مجملة، غير صريحة في أنه يرى فناء النار، أما النصوص التي يستدل بها القائلون بأنه يرى أبدية النار، فهي مبينة صريحة في أنه يرى أبديتها، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أن المجمل مما في نصوص الكتاب والسنة يرد إلى المحكم، ولا يتعلق بالمتشابه والمجمل ويترك المحكم والمبين إلا أهل الزيغ والضلال كما قال تعالى: { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: 7] ويؤيد هذا القول حكايته اتفاق سلف الأمة، وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة على أبدية النار (154)، وهذا كافٍ في أنه يقول بهذا القول وينصره.

ثالثاً : أن كتاب ابن تيمية رحمه الله الموجود (الرد على من قال بفناء الجنة والنار)، لم يخل من بعض الخروم - في نظري - ومن الملحوظات عليه ما يلي:
أ - أن بداية الكتاب لم يفتتح بالبسملة والحمدلة، كغيره من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بل ابتدأ بكلام معطوف على ما قبله، وهو قوله: (وللناس في ذلك أقوال..) (155) ثم ذكرها.
ب - أن المخطوط ابتدأ بذكر: (فصل في فناء الجنة والنار) (156)، وهذه قرينة على أن هذا ليس أول كلامه رحمه الله في الرسالة، خاصة وأن الاعتماد في الصفحات الأولى في الكتاب على نسخة واحدة، وهي المقطع الأول من نسخة دار الكتب المصرية (157).
ج - تدخل النُسَّاخ في صلب الرسالة، فقالوا: (وقد تكلم الشيخ رحمه الله على الجهمية والهذيلية (158)... ورجح أدلة أهل السنة، وهدم شبه أهل البدعة، وأشار إلى بعض أدلة غلبة الرضا على الغضب..) (159)، وهذا كله ليس من كلام ابن تيمية رحمه الله -.
د - أن ابن تيمية رحمه الله قال في الكتاب: (والفرق بين بقاء الجنة والنار: شرعاً وعقلاً، فأما شرعاً فمن وجوه) (160)، ثم ذكر ثمانية أوجه شرعية، ولم يذكر الأوجه العقلية، حيث انتهت نسخة المكتب الإسلامي، وأكمل من نسخة دار الكتب المصرية في موضوع آخر قد ذُكر في بداية الكتاب حين رد على الجهمية وهو آيات بقاء الجنة وقد ذكرها بحرف العطف على ما قبلها (وأما آيات بقاء الجنة) (161)، ولم يكن ما قبلها يصح أن يعطف عليه ما بعده، والله أعلم.
هـ - أن الإمام الصنعاني (ت - 1182هـ) رحمه الله في رده على ابن تيمية رحمه الله ذكر بعض النصوص، والأحاديث التي لم ترد في الكتاب المطبوع، وهي النصوص التي فيها تغليب جانب الرحمة، قال الصنعاني (ت - 1182هـ) رحمه الله: (ثم استدل شيخ الإسلام على سعة رحمة الله - تعالى -، وأنها أدركت أقواماً ما فعلوا خيراً، وساق أحاديث دالة على أن الرحمة أدركت من كان من عصاة الموحدين..) (162) وقد نقلت كلام النُسّاخ لكتاب ابن تيمية رحمه الله في ذكرهم أن ابن تيمية رحمه الله أشار إلى بعض أدلة غلبة الرضا على الغضب (163).
وقد ذكر الصنعاني (ت - 1182هـ) رحمه الله بعض الأدلة التي استدل بها ابن تيمية رحمه الله ومنها حديث الرجل الذي أوصى أهله أن يحرقوه إذا مات (164)، وأحاديث أخرى (165)، ولم يرد ذكر هذه الأحاديث في الكتاب المطبوع.

رابعاً : أن كتاب ابن تيمية رحمه الله لا يدل على أنه يقول بفناء النار، وذلك لأمور:
1 - أن ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله تعالى - وهو الذي نقل أغلب أجزاء كتاب ابن تيمية رحمه الله في كتاب (حادي الأرواح)، وهو يرتضي ما يقول به، لم يصرح بالقول بفناء النار، إنما اكتفى بذكر قول الله - تعالى -: { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] ، ولو كان قال ابن تيمية رحمه الله غير ذلك لقاله، أو لناقشه ورد عليه، لكنه لم يفعل، فصار ذلك قرينة على أن ابن تيمية رحمه الله لم يصرح بالقول بفناء النار في هذا الكتاب.
2 - أن الكتاب قائم على حكاية قول القائلين بفناء النار على هيئة مناظرة وحوار، فذكر أدلة الطائفتين، وحين ذكر أدلة القائلين بفناء النار عرضها عرضاً يوحي بأنه منهم، ويستند هذا التعليل إلى أمور منها:
أ - أن ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله حين ذكر أدلة القائلين بأبدية النار ودوامها وبدأ مناقشة هذه الأدلة، صرّح بأنه يحكي هذا القول فقال: (قال أصحاب الفناء: الكلام على هذه الطرق يبين الصواب في هذه المسألة) (166).
وحين انتهى من ذكر مناقشاتهم قال: (فهذا نهاية أقدام الفريقين في هذه المسألة) (167).
ب - أن ابن تيمية رحمه الله ذكر في أبدية النار اتفاق سلف الأمة، وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة على هذا، ولا يسع ابن تيمية رحمه الله وأمثاله أن يخالف هذا الاتفاق، ولا سيما أنه حكى قول القائلين بالفناء بأنه يحتج على فناء النار بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، مع أن القائلين ببقائها ليس معهم كتاب ولا سنة، ولا أقوال الصحابة (168)، فكيف يحكي الاتفاق والإجماع على مسألة، ويركز عليها في كتبه المتعددة. ثم هو يقول بهذا النص، لا شك أن هذا النص هو حكاية لقول القائلين بالفناء لا أنه يرتضيه.
ج - يتفق ابن تيمية رحمه الله وابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله أنهما حكيا قول القائلين بالفناء، وذلك؛ لأن ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله نقل أغلب كلام ابن تيمية رحمه الله الذي ذكره في كتابه (الرد على من قال بفناء الجنة والنار)، وذلك بعدما سأل ابن القيم (ت - 761هـ) شيخه ابن تيمية رحمه الله عن هذه المسألة (169)، ثم يجمعهما - أيضاً - أنهما قالا بقول أهل السنة والجماعة في أبدية النار في مواضع متعددة من كتبهما.

أما ابن تيمية رحمه الله فقد ذكرت في هذا المبحث ما وقفت عليه من كلامه الصريح في أبدية النار، وأما ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله فهو - أيضاً - له كلام صريح في أبدية النار في بعض كتبه، فقد قال رحمه الله: (وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب، ودار الخبيثين، فالله - تعالى - يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشيء لتراكب بعضه على بعض، ثم يجعله في جهنم مع أهله، فليس فيها إلا خبيث، ولما كان الناس على ثلاث طبقات:
طيب لا يشوبه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب، كانت دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان. ودار لمن معه خبث وطيب، وهي الدار التي تفنى، وهي دار العصاة، فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد) (170).
ونقل ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله عقيدة ابن الحداد (171) رحمه الله وفيها (الجنة حق والنار حق وأنهما مخلوقتان لا يبيدان ولا يفنيان) (172)، وقد أقره على ذلك ووافقه (173).

خامساً : مما يدل على أن ابن تيمية رحمه الله وابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله لم يقولا بفناء النار أنه لم ينقل أحد من تلامذتهما عنهما هذا القول، ولم يقل به أحد منهم، وتلاميذهما علماء محققون وهم كُثُر، ومن الأمثلة على ذلك أن الإمام الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله لما ذكر سيرة ابن برهان (174)، وهو من القائلين بفناء النار من علماء القرن الخامس (175)، ردّ عليه وقال: قلت: (حجته في خروج الكفار هو مفهوم العدد من قوله: { لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً } [النبأ: 23] ، ولا يتفق ذلك لعموم قوله: { وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 167] ولقوله: { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً } [النساء: 169] إلى غير ذلك) ثم ذكر أنه أفرد بحث هذه المسألة في جزء (176).
وكذلك الحافظ ابن كثير (ت - 774هـ) رحمه الله لما ذكر في ترجمة ابن برهان (ت - 456هـ) قوله بفناء النار، نقل كلاماً لابن الجوزي (ت - 597هـ) مرتضياً له في أن القول بهذا يخالف اعتقاد المسلمين (177).
وقال الحافظ ابن رجب (ت - 795هـ) رحمه الله: (وعذاب الكفار في النار لا يفتر عنهم، ولا ينقطع، ولا يخفف بل هو متواصل أبداً) (178).
وقال: (ولا يزال أهل جهنم في رجاء الفرج إلى أن يذبح الموت، فحينئذ يقع منهم الإياس، وتعظم عليهم الحسرة والحزن) (179).
وفي مقابل ذلك لم نجد من التلامذة من يذكر قولاً لابن تيمية رحمه الله في فناء النار، ولا رداً عليه في أي من كتبهم.

سادساً : على التسليم بأن كتاب ابن تيمية رحمه الله (الرد على من قال بفناء الجنة والنار) فيه تأييد ونصرة للقول بفناء النار، فإن الذي يغلب على ظني وتقديري أن هذا الكتاب ليس من آخر ما كتب ابن تيمية رحمه الله -، فإن الكتب المتأخرة هي التي ذكر فيها ابن تيمية رحمه الله أبدية النار، فدرء تعارض العقل والنقل، تم تأليفه في السنوات من عام 713هـ إلى عام 717هـ (180)، وكتاب (منهاج السنة النبوية) كان تأليفه عام 710هـ تقريباً (181)، وفي تأريخ قريب منه كتاب (بيان تلبيس الجهمية) فقد أُلف هذان الكتابان مع غيرهما في مصر من عام (705 - 712هـ) (182)، وهذه الكتب قد ذكر فيها ابن تيمية رحمه الله القول بأبدية النار، وصرح بوضوح برأيه في هذه المسألة، وتعد هذه الكتب من مؤلفات ابن تيمية رحمه الله المتأخرة؛ فقد بدأ التأليف في مرحلة مبكرة، أي - تقريباً - قبل تأليف (درء تعارض العقل والنقل) بثلاثين سنة فأكثر، كما يقول ابن تيمية رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل: (وقد كنا صنفنا في فساد هذا الكلام مصنفاً قديماً من نحو ثلاثين سنة) (183)؛ ولذا فالغالب على الظن أن تكون الكتب التي يصرح فيها بأبدية النار هي المتأخرة زمناً، إذ هي من أواخر مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -، وأما الكتاب الذي يحوي في طياته ألفاظاً مجملة عن الموضوع فالذي يغلب على الظن أنه قد تم تأليفه في مرحلة مبكرة من وقت ابن تيمية رحمه الله الطويل الذي قضاه في التأليف (184)، وهذا قول بعض المحققين (185).

وفي الجملة فالذي يترجح لدي - والله أعلم - أن ابن تيمية رحمه الله يقول بما قال به سلف الأمة، وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة من أن النار لا تفنى ولا تبيد كالجنة، وهذا هو الذي يصرح به في عامة كتبه والله أعلم وأحكم.
وإذا كان هذا هو قول ابن تيمية رحمه الله -، فلست في حاجة - بعد ذلك - أن أبين أقوال المعتذرين لابن تيمية رحمه الله عن مقالاته التي يظنون أنه بها يقول بفناء النار، أو مناقشة أقوال المكفرين له (186)؛ لأجل قوله بهذه المسألة (187)، والله أعلم.

مستفيد..
12-26-2013, 01:08 PM
---

نقل طيب من أخي أبو حب الله..يؤكد أن الأخ رمضان لا يشترط الصحة فيما ينقل او التحقيق في أقوال المنقول عنهم..
فالآثار المنقولة عن الصحابة الكرام لا تصح وبعضها لا تصريح فيها بما يحتجون به..
أما بن تيمية رحمه الله فهو براء مما نُسب له وأكتفي بما ذُكر في النقل..
أما بن القيم رحمه الله فهو على ثلاثة أقوال لا كما أشار الأخ رمضان إلى أنه على قولين: مع فناء النار..ثم فوض المسألة إلى المشيئة..
فلا أدري لماذا لم يذكر الأخ رمضان قوله الثالث وهو الأقوى من بين أقواله والموافق للإجماع ولما عليه أهل السنة والجماعة: أهو سهو منه أم هو وجدنا فنقلنا..
خاصة واننا استشهدنا في موضوعه السابق ((من هو الله ؟)) بالقول الثالث لابن القيم : (( فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض ))..
وقوله الثالث هذا موجود في كتاباته رحمه الله تلميحا كما في مقدمة زاد المعاد وفي اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية..حيث أورد مقولة السلف بعدم الفناء وسكت عنها..ثم تصريحا كما في كتاب طريق الهجرتين:
(( فصل: فى أن الله خلق داريْن وخصَّ كل دار بأهل ... فهاتان الداران هما دارا القرار. ))..أو في الوابل الصيب من الكلم الطيب وهو ما نقلنا جزء منه حيث قال: ((وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشئ لتراكب بعضه على بعض ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث ولما كان الناس على ثلاث طبقات : طيب لا يشينه خبيث وخبيث لا طيب فيه وآخرون فيهم خبث وطيب دورهم ثلاثة : دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض وهاتان الداران لا تفنيان ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة ولا يبقي إلا دار الطيب المحض ودار الخبث المحض ))
وهذا القول الثالث لابن القيم هو الذي ينبغي أن ينسب إليه لا القول الشاذ الآخر أو على الأقل من أراد أن ينسب لعالم قولا فليذكر كل أقواله في المسألة لا أن يذكر القول الضعيف المخالف للأدلة ويترك القول الذي يوافق محكم القرآن وصريح السنة وإجماع الامة..

مستفيد..
12-26-2013, 01:10 PM
--

أخي الفاضل رمضان..أراك تخلط بين مفهوم الإبتلاء ومفهوم من حقت عليه كلمة العذاب..فإن كنت تحاول الإستدلال بالأولى على الثانية فاعلم أخي أنك تناقش شخصا آخر لم يشاركنا قط في هذا النقاش..
فعندما تستدل بهذا القول:
((( قلت أن العذاب ليس فيه إلا الشعور ( بالألم والشقاء والمعانات والتنكيل ) وهذه الأشياء تمنع وتكف المعذب عن استمراره في المعصية )))
لتستنتج بها هذا:
((( هذا الإله الحق الذي وسعت مظلة رحمته كل شيء بما في ذلك باقي الصفات التي في ظاهرها العذاب ولكن باطنها الرحمة )))
فاعلم أخي إما أن في الأمر مغالطة للفارق في القياس..أو أنك تناقش شخصا آخر..
متى أنكرنا نحن مفهوم الإبتلاء في الدنيا لغاية تحقيق مصلحة للمبتلين أنفسهم ؟..نحن متفقون في هذا بارك الله فيك..نقطة الخلاف هي في الإستدلال بهذا المفهوم على مفهومك المغلوط للرحمة التي وسعت من أخرجهم الله من رحمته..!
سأوضح أكثر لأننا في الحقيقة مللنا التكرار..تقول أخي الفاضل:
((( فلابد أن يمنع ويكف العاصي عن استمراره في المعصية أي الرجوع عنها إلى رحمته - فما إن تاب هذا العاصي عن المعصية فيتولاه الله ويغفر له كل ما مضي من معاصي ثم يدخله في رحمته )))
ومن لم يتب أخي الكريم وأصرّ على انتهاك أوامر الخالق ومبارزته بالمعاصي رغم تحذيره بالعذاب والإهلاك إن استمر هل يُدخله الله في رحمته..أم يخرج منها ويناله غضبه وسخطه ؟؟
أرجو ان تُجيب إجابة مباشرة عن هذا السؤال..لأن لديك مفهوم مغلوط عن صفة الرحمة وتظن أنها بمثابة الحصانة للمجرمين والظلمة والكفرة..ولا يقول بهذا الكلام عاقل فضلا على ان يقوله شرع ودين..
ولو تدبرتَ الآيات وأحاديث النبي لوجدت خلاف الذي تعتقده..فجهنم لا تفنى كما تبين من الموضوع الأسبق ومن هذا الموضوع فجميع حججكم ضعيفة تدور حول متشابه القرآن وآثار لم تصح ولو رددتَ الامر لمحكم القرآن وصريح السنة بل وإلى العقل إن شئت..فلازم قولكم أن ابليس الذي أطرد من رحمة الله سيأتي عليه يوم ويدخل الجنة !!
(((( , والله سبحانه وتعالى لم ولن تكون غايته أبدا حاش لله إيقاع ( الألم والشقاء والمعاناة والتنكيل ) بالناس هكذا بدون غاية أو هدف أسمى ألا وهي الرحمة ))))
هذا ينطبق على الإبتلاء ولا ينطبق على من حقت عليه كلمة العذاب..فالفرق شاسع أيها الفاضل..فالأولى تدخل في باب القدر وبالتالي حكمة الله هنا تقتضي رحمته..أما الثانية فحكمة الله تقتضي عدله..ولا يتحقق هذا إلا بإحقاق الحق والإيفاء بالوعيد ((يا عباد فاتقون))..(( واتقون يا أولي الألباب))..((من يعمل مثال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره))..وإهلاك القرى والقرون السابقة هو من باب الإيفاء بالوعيد فهو نتيجة ظلمهم وإصرارهم على الكفر وليس مقدمة كما هو حال الإبتلاء..(( وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَـٰهُمْ لما ظلموا ))..(( وَكَأِيّن مّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَـٰهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَـٰهَا عَذَاباً نُّكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَـٰقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً ))..(( وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَـٰهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا ))..(( وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ))..(( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ))
والسؤال هنا:
هؤلاء القرى الذين أهلكوا ودمروا هل ترجو لهم من توبة فيشملهم الله برحمته ؟..وإن كان نعم أين ستحصل توبتهم فهم قد أهلكوا وهم ظالمون..هل تكون التوبة في الآخرة !!؟؟
نقول..تدبر جيدا هذه الآية:
(( يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ))
معنى الآية واضح فهي تفصل بين فريقين..فريق داخل رحمة الله وفريق خارجها..أما وسع الرحمة فنعم وسعت رحمته سبحانه كل شيء بما في ذلك الكافر فمأكله ومشربه هو من رحمة الله العامة..وهذه الرحمة هي من سنن الله الكونية الضرورية لتحقق الإختبار الذي من أجله أنزل الإنسان الأرض وليس لأن الله يحب الخير للكفرة والظلمة..فحديث النبي صريح في هذا (( لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ))..ولو تاب هذا الكافر ورجع لربه لوسعته رحمة الله الخاصة..ومفهوم وسع الرحمة يوضحها أكثر الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه (( لما قال أعرابي وهو في الصلاة ‏ ‏اللهم ارحمني ‏ ‏ومحمدا ‏ ‏ولا ترحم معنا أحدا فلما سلم النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال للأعرابي لقد حجرت واسعا ))..
فالحديث يبين ان كل من أراد رحمة الله وحقق أسبابها فهي ستشمله لأنها واسعة ولا يُفهم من الحديث أن الرحمة تجوز لمن لا يستحق..فكما قلنا الخارجين من رحمة الله غير معنيين بهذا الحديث كالذي مات على الكفر والشرك وكل ما يستوجب خروجه من رحمة الله..والجمع بين الأدلة كما قلنا أيضا واجب:
(( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ))
(( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين ))
(( سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ))
والإستغفار هو مجلبَة للرحمة وجزمه سبحانه بأنه لن يغفر لهم هو جزم بخروجهم من رحمته..وانهم قد حقت عليهم كلمة العذاب..

وسؤالنا الثالث هنا للأخ رمضان سيكون في سياق قرآني:
(( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ )) ؟؟

رمضان مطاوع
12-26-2014, 04:29 AM
الأخ ( مشرف 7 )

بدون مقدمات - وبدون تعقيب
على أسلوبك في سرعة إما بحذف أو غلق أو خنفشرة الموضوعات التي تعتبرها مخالفة
ولعلها إنشاء الله سوف تكون المشاركة الأخيرة من جانبي بخصوص مسألة أبدية العذاب من عدمه , الأخيرة لا لشيء إلا لأنني أحسست بضيق كثير من الأخوة من فتح مواضيع أكثر أهمية وحساسية

وتعقيبا على مشاركتك الأخيرة والتي أغلقت بها موضوعي هذا :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?59162-%E5%E1-%C3%C8%CF%ED%C9-%C7%E1%DA%D0%C7%C8-%DD%ED-%CC%E5%E4%E3-%CA%DA%E4%ED-%C7%E1%E1%C7%E4%E5%C7%C6%ED%C9-%BF

أولا : ألا تدل هذه الآيات على العدل الإلهي المطلق ؟
تأمل يا أخي : سؤال استنكاري يعقبه استثناء
- وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)
- ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)
وتأمل أيضا : نفي يعقبه استثناء
- مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)
- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَملَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ..... (40)
- مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)
- إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40)
- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7)
ماذا يُفهم من هذه الآيات ؟ - العدل الإلهي يقتضي بأن يكون الجزاء محدود على قدر العمل وإلا كان ظلما والعياذ بالله , والله العدل منزه عن ظلم الناس , وكلمة محدود ليس معناه أن الإنسان الكافر لو عاش في الدنيا مدة زمنية بالحسابات الأرضية 60 عاما مثلاً , ليس معناه أن يمكث في عذاب جهنم 60 عاما أيضا بالحسابات الأرضية المعروفة , كلا - هذا كلام لا يقول به عاقل - يا أخي الفاضل حسابات الدنيا شيء وحسابات الآخرة شيء آخر علمها عند الله تعالى في عالم الغيب ولا نعلم سوى ما أخبرنا الله عنه , فمثلا يقول تعالى ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) , فهل يشك في ذلك أحد ؟
وبناءا على هذه القاعدة بأن اليوم الواحد في عالم الغيب = 1000 ألف سنة بالحسابات الأرضية
يمكن لأي شخص حساب الـ 60 عام المماثلة التي سينالها الكافر في الآخرة في عالم الغيب - كم تُعادل من السنين بالحسابات الأرضية ؟؟؟ - وقس على ذلك ما شئت - هذا من ناحية الكم
أما من ناحية الكيف - تأمل الآيات التالية :
- وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى @
- عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ @ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ @
- لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ @
- وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ @
- ................ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ @
- وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ @
ألا تكفيك هذه الأدلة ؟
فالسبب في عذاب الكفار إنما هو أعمالهم في الدنيا , ولا شك أن استطاعة الإنسان متناهية سواء في الخير أو الشر
فإذا كان شره مهما طال وعظم متناهي ، فمن العدل الإلهي أن يكون عقابه مهما طال وعظم متناهي أيضا مثل شره
لكن هيهات هيهات بين حسابات الدنيا وحسابات الآخرة كماً وكيفاًً

ثانيا : كيف نلوم على المسيحية في عقائدهم ؟ :
حيث يعتقدون أن آدم عليه السلام أخطأ وأساء في حق الله , إذن المُسيء ( آدم ) وآدم محدود .. والمُساء إليه ( الله ) والله غير محدود .. وبما أن آدم أخطأ في حق الله فبالتالي العدل في زعمهم لابد أن تكون عقوبة آدم غير محدودة !!! لأن الإساءة وقعت في حق الله الغير محدود .. برغم أن آدم محدود وخطيئته أو معصيته مهما عظمت فهي محدودة بالنسبة لله الغير محدود , وبصرف النظر عن مكان الخطيئة ( يعني الأكل من شجرة معرفة الخير والشر ) سواء كانت في جنة الغيب أم في جنة الدنيا , إلا أنهم نفخوا في العقوبة وضخموها وأصروا على إطلاقها لتطول نسله من بعده , ولكي يبرروا عقيدة الفداء ( صلب المسيح ) الذي جاء في زعمهم ليخلص نسل آدم من بعده من الخطيئة التي ورثوها عن أبيهم آدم , أل أيه لازم يكون الفادي غير محدود , ولا يوجد غير محدود إلا الله علشان كده بص وشوف محبة ربنا أد أيه لازم ينزل بنفسه ويتجسد في جسد المسيح , أهذا منطق ؟!! - أن تكون العقوبة غير مساوية أو معادلة للخطية .. أهذا الإفراط يسمى عدل ؟ !!
وما هذه إلا خطة فداء رسموها لأنفسهم ونسبوها إلى الله العلي القدير سبحانه وتعالى عن ذلك !!
والأغرب من هذا كله أننا نحن المسلمون الآن ننكر عليهم ذلك , وفي نفس الوقت نعتقد بأن العذاب في جهنم لا نهائي !!! , أليس هذا الاعتقاد يتعارض من العدل الإلهي والذي نصت عليه الآيات القرآنية العديدة , أليس هذا الفكر يماثل تماما عقيدة المسيحية في تضخيم عصيان آدم عليه السلام والذي صدر منه عن نسيان , بأن تكون عقوبته غير محدودة لأنها في حق الله الغير محدود ؟؟ !!!! ( أعتذر عن الخروج في بعض الجُمل عن نطاق اللغة )

ثالثا : ألا تتعارض اللانهائية مع الغاية من خلق الإنسان :
باختصار شديد - لا نهائية العذاب تتعارض مع الغاية من خلق الإنسان وهي العبادة , برغم أن الكافر لبث في جهنم أحقاب وآماد وذاق العذاب أشكال وألوان ومن شكله أزواج و ......... الخ , وكل ذلك كان وفق ما عمل في الدنيا أو بما كسبت نفسه , يعني نال جزائه الذي استحقه أي تحقق العدل الإلهي فيه , فإذا بقي الإنسان الكافر في عذاب جهنم إلى ما لا نهاية دون الخروج منها , فلن تتحقق الغاية من خلق الإنسان حيث قال تعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) , ربنا خلق أنفسنا ( أرواحنا ) في الجنة أي في عالم الغيب , بغاية العبادة هناك بصرف النظر عن كيفية العبادة هناك كيف ستكون , المهم إن الله سبحانه وتعالى يُرسل أنفسنا مع ملك نفخ النفس ( الروح ) في جسد الجنين في رحم الأم , ليؤهلها إلى العبادة الحقيقية المُثلى من خلال ابتلاءها مدة زمنية مقدرة في علم الغيب عنده , يعني الدنيا دار ابتلاء تدريب وتأهيل بهدف الوصول بالنفس البشرية ( الروح ) إلى العبادة الحقيقية , لترجع في النهاية إلى حيث جاءت تعبد الله هناك
الخلاصة : إن كان العذاب في جهنم لا نهائي - ألا يتعارض ذلك مع الغاية التي خُلقنا لها ؟؟

رابعا : أيهما أولى بالخروج من جهنم المنافق أم الكافر ؟
- يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ......
- إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا
• أهل الدرك الأعلى : الكافرين
• أهل الدرك الأسفل : المنافقين ( المنافق بيوحد ربنا ولكنه من عصاة الموحدين )
ولو كان إيمانه سليما وتوحيده صحيحا لما نافق وعصى وكان من المخادعين
السؤال - أيهما أولى بالشفاعة قبل الآخر المنافقين أم الكافرين ؟ علما بأن المنافق موجود في الدرك الأسفل من النار !!
فإن كنت تريد أن تقول أن المنافقين المخادعين العصاة , أولى بالخروج من النار لمجرد أنهم موحدين ونطقوا بالشهادتين وصلوا وزكوا وصاموا وحجوا من الكافرين السلميين , وليس الكافرين الذين قاتلوا المؤمنين في الدين وأخرجوهم من ديارهم وظاهروا على إخراجهم وصدوا عن سبيل الله
فالناس ونعوذ بالله من ذلك تختار النفاق بدلا من الكفر - لأن عذاب المنافق رغم عِظم فساده وعصيانه سيكون متناهي وأولى من الكافر السلمي !!!

هذا هو كل ما لدي بخصوص مسألة ( أبدية العذاب هل تعني اللانهائية من عدمه )

والعلم عند الله تعالى

رمضان مطاوع
12-26-2014, 04:33 AM
كلمات أخيرة أقولها للأخ ( مشرف 7 ) ولمن على شاكلته :
يا أخي الفاضل لابد أن تضع في اعتبارك شيء هام - أنه ليس من حق أي باحث أو ناقد أن يرفض تفسيرا مغايرا لمجرد أنه يختلف عن التفاسير التقليدية الأخرى , فمن أسلوب النقد الصحيح هو ما إذا كان الرأي المُقدم : هل يتفق مع بقية الآيات الكريمة أم لا ؟ , أو أنه هل يتعارض مع العقل والمنطق أم لا ؟ , أو أنه هل يشذ عن المعاني اللغوية التي نزل بها القرآن الكريم أم لا ؟ , أو أنه هل يُخرج الآية من سياقها أم لا ؟ , أما أن يكون معيار الاعتراض الوحيد هو أن هذا الرأي لم يقل به المفسرون السابقون فهذا ما لا ينبغي أن يكون منهاجا سليما للبحث , ولا يصح أن يكون أساسا صحيحا للنقد
فالباحث والناقد عليه أن ينتقد بموضوعية الباحث وعقلانية المفكر , أما أن يعترض على الرأي المقدم لا لشيء إلا لأنه لم يقل به أحد من قبل , أو أنه يخالف رأي المسلمين جميعا , وبطبيعة الحال فإن هذا الأسلوب مرفوض وغير مقبول , ولا ينم إلا عن عدم القدرة على الرد وتفنيد الحجة بالحجة , كما أنه يدل على الهروب والاختفاء وراء التمسك بآراء المفسرين الأقدمين وحسب
الذي يريد الحقيقة عليه أن يضع في اعتباره أن الحقيقة تقتضي الموضوعية , وليس التمسك بأقوال الأقدمين لمجرد أنها أقوال السابقين من المفسرين رحمهم الله , ثم أن الناقد والباحث لا ينبغي أن يبني نقده على آراء المفسرين في النص الشرعي , أو يطالب المسلمين بالالتزام بآراء المفسرين كما هي بما فيها من غث وثمين , فهذا لا يدل على البحث السليم أو النقد الصحيح

هدانا الله جميعا وإياكم للحق

مستفيد..
12-26-2014, 01:52 PM
هذا السؤال طرح في المنتدى عشرات المرات وأجيب عنه بنفس العدد أو أكثر..

أولا : ألا تدل هذه الآيات على العدل الإلهي المطلق ؟
تأمل يا أخي : سؤال استنكاري يعقبه استثناء
- وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)
- ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)
وتأمل أيضا : نفي يعقبه استثناء
- مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)
- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَملَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ..... (40)
- مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)
- إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40)
- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7)
ومن قال أن العذاب الأبدي لا يساوي عمل الكفار ؟
الله سبحانه وتعالى يقول فيمن نسب إليه الولد فقط بالقول : (( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ))..هؤلاء قالوا ولم يفعلوا شيئا..هو مجرد قول..مجرد كلمة وحيدة صاحبها اعتقاد..ماذا كانت عاقبتها ؟..(( تكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ))..تخيل المشهد تخيل حال السماوات والتي بالنسبة إلينا غير محدودة تخيل حال الأرض تخيل حال الجبال..هذا المشهد المرعب لمجرد قول كلمة في حق الله..فما بالك بمن اتخذ هذا الولد المزعوم إلاها وخصه بالعبدودية من دون الله !
ولمن يقول أن العذاب الأبدي عقاب غير منطقي وغير عقلي والفعل لا يستحق هكذا عقاب..نقول من يقرر إن كان الأمر يستحق او لا يستحق..عادل أم غير عادل ؟
نحن البشر ؟..البشر لم يتفقوا في ما هو أوهن من ذلك بكثير..انظر إلى من يرى في الإعدام عدلا وغيره يراه ظلما أو من يرى سجن مدمن الخمر عدلا في حين يرى غيره أنه ظلم والحل في العلاج..العقل ؟..العقل قاصر في مسائل تافهة كهذه فهل نجعله حكما على الخالق مطلق العلم والحكمة والعدل ؟..فهل من الحكمة أن يُقِّيم الناقص القاصر ..الكامل ؟..

ثم ألا توجد في محاكم العالم ما يسمى بحكم المؤبد -مع الإختلاف حسب الدول-..ألا يعتبر هذا الحكم عادلا قضائيا..تخيل لو استمر عمر المحكوم عليه إلى ما لا نهاية هل تقدح هذه الإسمرارية في عدالة حكم المؤبد ؟..القاضي حينما يصدر حكم المؤبد يصدره من منطلق انه حكم عادل..ولا ينظر هل سيعيش ذلك الشخص خمسين سنة مائة مائتين أو حتى ألفي سنة..فتأمل..

ثم لو قيل لك أن العدل هو أن يسجن السارق على قدر الفترة الزمنية التي سرق فيها..أو أن يسجن المغتصب مدة الإغتصاب..وأي فترة زمنية تفوق فترة الجرم هو ظلم....صحيح الطرح ساذج ولكن للأسف هذا هو طرحك ونظرتك للعذاب الأبدي..فكأني بك تطالب بنفس ما طالب به السارق والمغتصب..فتأمل بارك الله فيك..أما قولك : (( عدل الإلهي يقتضي بأن يكون الجزاء محدود على قدر العمل وإلا كان ظلما والعياذ بالله , والله العدل منزه عن ظلم الناس , وكلمة محدود ليس معناه أن الإنسان الكافر لو عاش في الدنيا مدة زمنية بالحسابات الأرضية 60 عاما مثلاً , ليس معناه أن يمكث في عذاب جهنم 60 عاما أيضا بالحسابات الأرضية المعروفة , كلا - هذا كلام لا يقول به عاقل - يا أخي الفاضل حسابات الدنيا شيء وحسابات الآخرة شيء آخر علمها عند الله تعالى في عالم الغيب ولا نعلم سوى ما أخبرنا الله عنه , فمثلا يقول تعالى ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) , فهل يشك في ذلك أحد ؟
وبناءا على هذه القاعدة بأن اليوم الواحد في عالم الغيب = 1000 ألف سنة بالحسابات الأرضية ))

نقول:
هل من العدل وفق نفس المنطق الذي تتبعه أن يقترف المذنب ذنب بحجم يوم أرضي فيحاسب بعقاب في حجم ألف سنة أرضية !!!!
بنفس المنطق الذي احتججتَ به نُقض طرحك..فتأمل !

من جهة اخرى أثر العقوبة هي تدليل على قدر من وقعت معصيته..تخيل أنك عصيتَ زميل لك..أقصى عقوبة ممكن ان تصدر من هذا الصديق هو الهجر..تخيل لو كانت المعصية لأمر أمين شرطة..العقوبة ستكون ضرب أو سجن ليوم أو يومين..تخيل لو كان وزير أقلها ستكون سنوات سجن ثم تصور لو كان الرئيس أو الملك هو الإعدام بعيد عنك..ألم تلاحظ أن العقوبة ترتفع كلما ارتفع قدر من وقعت معصيته...ولو لاحضت أيضا ان التدرج في العقوبة لم يتأثر بنوع المعصية فجميعها رفض تنفيذ أمر ولكن كلما ارتفع قدر الآمر اشتدت العقوبة..
تخليد الكافر في النار لم يخرج عن هذا التسلسل المنطقي..فالله سبحانه وتعالى يقول في الكفار (( وما قدروا الله حق قدره ))..تخيل لو مكثوا في جهنم ألف سنة هل هذا هو قدر الله ؟ ألف سنة !!..تخيل لو ألف ألف ألف ألف سنة ؟....نفس الشيء والله العظيم..فالله سبحانه وتعالى مطلق وأي فترة زمنية منتهية (إلا ان تكون رحمة منه) هي قدح في قدر الله عز وجل..فوجبت بذلك اللا نهاية في العقوبة كدليل على اللا نهاية في معرفة قدر الله ووبالخلود فقط يعرف الكافر قدر من عصاه..
وأما قولك : (( عصيان آدم عليه السلام والذي صدر منه عن نسيان , بأن تكون عقوبته غير محدودة لأنها في حق الله الغير محدود ؟؟ !!!! ))
نقول: غاب عنك أهم معطى..وهو ان آدم عليه السلام تاب (وضع تحتها سطرين)..فتاب الله عليه وأدخله في رحمته..ولكن الذي لم يتب ؟..ومن لم يكن في قلبه ذرة إيمان تدخله في رحمة الله ؟..ومن أخرجه الله من رحمته ؟..أرأيت أن القياس فاسد ولا يصمد في الإستدلال..

من جهة العدل أيضا هو حكم عادل أولا لأنه صدر من إله حرم الظلم على نفسه وهو إله خبير بنفوس هؤلاء الذين خلدوا في جهنم ويعلم سبحانه انهم مستحقون للعذاب ولم يظلمهم وسيشهدون هم بذلك على أنفسهم..ثانيا لو خلد هذا الكافر في الدنيا لاستمر في كفره وطغيانه إلى ما لا نهاية فكان تخليده في جهنم من باب العدل ..
أما قولك :
(( باختصار شديد - لا نهائية العذاب تتعارض مع الغاية من خلق الإنسان وهي العبادة , برغم أن الكافر لبث في جهنم أحقاب وآماد وذاق العذاب أشكال وألوان ومن شكله أزواج و ......... الخ , وكل ذلك كان وفق ما عمل في الدنيا أو بما كسبت نفسه , يعني نال جزائه الذي استحقه أي تحقق العدل الإلهي فيه , فإذا بقي الإنسان الكافر في عذاب جهنم إلى ما لا نهاية دون الخروج منها , فلن تتحقق الغاية من خلق الإنسان حيث قال تعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ))
نقول:
ألم يقل سبحانه : (( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين..بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ))
يعني لو أخرجهم الله من جهنم -بنص القرآن- فسيعودن لكفرهم...يعني لن يتحقق بخروجهم معنى العبادة الذي تحتج به ..وقد جزم القرآن في هذا !!!
بل على العكس تماما..مكوثهم في جهنم يتحقق من خلاله معنى العبادة..أقتبس من كلام الأخ horisonsen هذا الكلام البديع:
(( بالنسبة للعذاب الأبدي فقد نص الله على حكمة لذلك في هذه الآية:
{ولَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}
فنص على أنهم لن يؤمنوا إذا أخرجوا من النار، فكان العدل أن يبقوا فيها مؤمنين، ولننظر في هذه الآية:
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
أي أن بعض القلوب كقلوب اليهود قاسية أكثر من الحجارة فلا تؤمن ولا تلين للإيمان، فكانت كالحجارة لا تلين إلا مع التعرض للنار في عذاب الجحيم، وبهذا تنصهر وتؤمن بالله {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} لكن مع إيمانها بوحدانية الله فيما يختص به، في حال الانصهار فهي كالحجارة المنصهرة إذا أخرجت من الجحيم تعود فتتجمد لتصبح جلمودا صلبا فتعود قاسية لا تؤمن بالله{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}، وقد أخبرني أحد زنادقة الفلاسفة الإيرانيين شخصيا أن الجحيم فرضا لو أنه دخلها فإنه لن يؤمن بها لأنه من الاحتمال أن تكون خيالا وأحلاما وسرابا، فقلت له ما فائدة السراب أو المنام إن كان أبديا؟ فتلعثم ولم يحر جوابا، فقلت في نفسي أنه سيحكم أنها سراب فقط في حال خروجه من العذاب الأليم.

د. هشام عزمي
12-26-2014, 02:49 PM
من يرى أن العذاب الأبدي مخالف للعقل ، فعليه أن يقر كذلك بأن النعيم الأبدي مخالف للعقل ، وأن عدم خلود النار بناءً على هذا المنطق يستوجب عدم خلود الجنة .

ابن سلامة القادري
12-26-2014, 02:56 PM
أخي رمضان مطاوع .. لقد رجعت بنا إلى الصفر و كأنك تجاهلت كل ما قلناه.
أولا : النصوص التي استدللت بها على رأيك أولا لا علاقة لها البتة بما ذهبت إليه بل حاولت فقط صرف معناها إلى ما قررته، ثانيا تعلم أن هناك نصوصا غيرها محكمة تتحدث في صميم الموضوع .. و كل ما فعلته أنك ضربت النصوص ببعض لإقرار رأيك في الموضوع و الذي خالف القرآن و السنة و الإجماع.
فأنت هنا تحاول أن تقرر بنفسك حجم الجريمة و تريد أن تُعَرّف منتهى أعظم جرم على الإطلاق و هو جرم الإنسان في حق ربه الذي هو الشرك و الكفر و ما في مقتضاه من جحود النعمة الإلهية و التكبر على الله و آياته و معاداه و معاداة أوليائه و ما لا يبقى ذرة إيمان معه أو خير .. تُعرّفه مكان التعريف الإلهي على أنه جرم محدود .. ثم كأنك تقول معترضا على الله : أنت قلت يارب إنك لا تغفر أن يُشرك بك لكنك ستغفر و إن لم تقل ذلك .. و تقول إنك لن تغفر للمنافقين لكنك ستغفر و إن لم تقل ذلك .. فيا عجبا لاعتراضك هذا !!!!!!!

ثانيا : كيف تساوي بين تقرير الله الخالق العليم بكل شيء بتقرير الأمة الضالة بل كيف ساويت خطيئة آدم و التي تاب عنها بخطيئة إبليس و التي لم يتب عنها ؟

ثالثا : تقول : لا تتعارض اللانهائية مع الغاية من خلق الإنسان ؟

الجواب : أنت خلطت بين الحكمة من خلق الله للإنسان في هذه الدنيا دار الإختبار و بين الجزاء في دار الجزاء حيث لا عمل و لا عبادة بالمفهوم الشرعي للآية. و يترتب على قولك أن لا جدوى مطلقا من الجزاء .. فتطون قد نفيت مبدئيا وجوده لأنه لا يدخل في نطاق الآية !!!!!

رابعا : تقول : أيهما أولى بالخروج من جهنم المنافق أم الكافر ؟

هذا من سوء تعريفك للنفاق الذي يترتب عليه الخلود في النار .. و هو نفاق أهل الكفر .. و معناه بكل تأكيد إظهار الإسلام مع إخفاء الكفر. و هذا من التجديف و التخليط الذي أستغربه من طالب علم مثلك يحبث سويت بين منافقي المسلمين بالإصطلاح الذي أحدثه الناس بمنافقي الكافرين بالإصطلاح القرآني !!!!!!

مشرف 7
12-26-2014, 08:24 PM
والله يا أخي الذي أراه أن الخلل في فهمك الخاص ثم أنت تريد حمل المسلمين على قدر عقلك !!
وقلنا لك مرارا وتكرارا أن الله تعالى هو الذي حدد جزاء الكفر والشرك به بالخلود في النار
افهم افهم افهم - سيئة الكفر والشرك بلا ذرة إيمان جزاءها الخلود في النار
والآن إليك الآيات التي ذكرتها
وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه
- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه
- ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه
وتأمل أيضا : نفي يعقبه استثناء [ ولا أعرف ما دخل النفي والاستثناء هنا !!!! ]
- مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه
- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَملَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ..... (40)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه
- مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه
- إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه
- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه

وفي النهاية - نحن لن نتعقب كل موضوع تقفز فيه لتجادل بجهلك لكي نغلقه !
المرة القادمة سيكون الحل جذريا وأنت تعرفه !
هدانا وهداك الله

رمضان مطاوع
12-27-2014, 05:46 PM
الأخ مستفيد


ولمن يقول أن العذاب الأبدي عقاب غير منطقي وغير عقلي والفعل لا يستحق هكذا عقاب..نقول من يقرر إن كان الأمر يستحق او لا يستحق..عادل أم غير عادل ؟
لا أحد يقول بذلك - الاستثناءات الواردة في النصوص الشرعية هي التي تنفي لانهائية العذاب , وليس أنا أو غيري يتطاول على الذات الإلهية ويقول إن كان الأمر يستحق او لا يستحق..عادل أم غير عادل ؟


نحن البشر ؟..البشر لم يتفقوا في ما هو أوهن من ذلك بكثير..انظر إلى من يرى في الإعدام عدلا وغيره يراه ظلما أو من يرى سجن مدمن الخمر عدلا في حين يرى غيره أنه ظلم والحل في العلاج..العقل ؟..العقل قاصر في مسائل تافهة كهذه فهل نجعله حكما على الخالق مطلق العلم والحكمة والعدل ؟..فهل من الحكمة أن يُقِّيم الناقص القاصر ..الكامل ؟..
كلا - لا يمكن ذلك ولا يجوز والعياذ بالله - بل هذا ما نفهمه فقط من الكتاب والسنة


ثم ألا توجد في محاكم العالم ما يسمى بحكم المؤبد -مع الإختلاف حسب الدول -..ألا يعتبر هذا الحكم عادلا قضائيا..تخيل لو استمر عمر المحكوم عليه إلى ما لا نهاية هل تقدح هذه الإسمرارية في عدالة حكم المؤبد ؟..القاضي حينما يصدر حكم المؤبد يصدره من منطلق انه حكم عادل..ولا ينظر هل سيعيش ذلك الشخص خمسين سنة مائة مائتين أو حتى ألفي سنة..فتأمل..
قياسك للأسف ليس في محله : لأن القاضي الذي يحكم بالسجن المؤبد يعلم تماما أن عمر الإنسان الافتراضي لا يتجاوز ال 70 أو 80 عام , خليها 100 عام أو أكثر لكن يعلم تماما أن المؤبد له نهاية وهو الموت , وأن المدة التي يعيشها في السجن أيا كان عمره عدلاً , حيث أنها تساوي إلى حد ما الجرم الذي ارتكبه , وقد غاب عنك أمر هام ألا وهو أن هذا القاضي العادل في حكمه يحكم ويفصل بين طرفين أمامه بنص القانون ولا يخرج عن نص القانون , لأنه قاضي يحكم فقط وليس مالك , أما عندما نتحدث عن الله سبحانه وتعالى مالك يوم الدين فالأمر يختلف تماما , فهو الحكم العدل المطلق بلا شك ويحكم بين الإنسان كطرف وهو نفسه كطرف , وهذا الحكم العدل مالك يوم الدين يعلم تماما أن الإنسان في الآخرة لا يذوق الموت , وبالتالي يحكم بالعفو أو بالمغفرة أو بالعذاب المحدود أو المؤبد كيف يشاء ومتى شاء تتدخل المشيئة الإلهية بالرحمة , هذا هو ما تؤكده الاستثناءات الواردة في الدستور الإلهي


ثم لو قيل لك أن العدل هو أن يسجن السارق على قدر الفترة الزمنية التي سرق فيها..أو أن يسجن المغتصب مدة الاغتصاب..وأي فترة زمنية تفوق فترة الجرم هو ظلم....صحيح الطرح ساذج ولكن للأسف هذا هو طرحك ونظرتك للعذاب الأبدي..فكأني بك تطالب بنفس ما طالب به السارق والمغتصب..فتأمل بارك الله فيك..
وهل أصلا في حسابات الآخرة في عالم الغيب شيء اسمه فترة زمنية ؟ !!! , نحن نقول فترة زمنية تجاوزاً لأن عالم الغيب خارج حدود الزمان والمكان - فلنسميها كما قلت فترة زمنية - وعلى ذلك يكون :
• اليوم في عالم الغيب فترة زمنية معلومة بنص القرآن
• اليوم في عالم الشهادة فترة زمنية معلومة بحسابات الأرض
فكل فترة زمنية منهما تسمى يوم , لكن شتان بين هذا وذاك من ناحية الكم
أما الكيف فيتوقف طبيعة العذاب وكيفيته على طبيعة الجريمة أو المعصية التي اقترفها المجرم أو الكافر
والله سبحانه وتعالى أخبرنا عن طبيعة اليوم عنده في عالم الغيب - ألم يقل ( كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) ؟ , إذن هذا النص القرآني حجة علينا , ومعلوم لدينا جميعا , فإذا ما تم تنفيذه في الآخرة نعتبره ظلما ؟!!! - كلا والله


نقول:
هل من العدل وفق نفس المنطق الذي تتبعه أن يقترف المذنب ذنب بحجم يوم أرضي فيحاسب بعقاب في حجم ألف سنة أرضية !!!!
بنفس المنطق الذي احتججتَ به نُقض طرحك..فتأمل !
هذا قانون حدده الله تعالى سلفا ومعلوم لدى كل الناس , وبالتالي ليس ظلما إذا ما تم تنفيذه


من جهة اخرى أثر العقوبة هي تدليل على قدر من وقعت معصيته..تخيل أنك عصيتَ زميل لك..أقصى عقوبة ممكن ان تصدر من هذا الصديق هو الهجر..تخيل لو كانت المعصية لأمر أمين شرطة..العقوبة ستكون ضرب أو سجن ليوم أو يومين..تخيل لو كان وزير أقلها ستكون سنوات سجن ثم تصور لو كان الرئيس أو الملك هو الإعدام بعيد عنك..ألم تلاحظ أن العقوبة ترتفع كلما ارتفع قدر من وقعت معصيته...ولو لاحضت أيضا ان التدرج في العقوبة لم يتأثر بنوع المعصية فجميعها رفض تنفيذ أمر ولكن كلما ارتفع قدر الآمر اشتدت العقوبة..
تسلسل يبدو في ظاهره منطقي عقلاني ومقبول , لكن للأسف الشديد أنت تحتج بما تستدل به المسيحية , على أن خطيئة آدم طالما كانت في حق الله الغير محدود لابد أن تكون خطيئته غير محدودة , ثم بنوا على ذلك عقيدة الصلب والفداء , أما من ناحية العدل فهو في جميع الكتب السماوية وفي جميع القوانين الوضعية لا يُقاس لا بقيمة المجرم ولا بقيمة المساء إليه , بل يُقاس بقيمة وحجم الضرر الناتج عن الجريمة التي ارتكبها المجرم
سؤال : بنفس المنطق لو أخطأ طفل صغير ورجل كبير خطأ من نوع واحد ( يعني نفس الخطأ ) وهو العصيان في حق الله , فهل يتساوى العمل ؟ طبعا لا - لأن الطفل محدود بالنسبة للرجل والرجل محدود بالنسبة لله الغير محدود
قياسا على ذلك : خطأ آدم عليه السلام وإبليس الملعون خطأ من نوع واحد ( يعني نفس الخطأ ) وهو العصيان في حق الله , فهل يتساوى العمل ؟ طبعا لا - لأن آدم محدود بالنسبة لإبليس وإبليس محدود بالنسبة لله الغير محدود


تخليد الكافر في النار لم يخرج عن هذا التسلسل المنطقي..فالله سبحانه وتعالى يقول في الكفار (( وما قدروا الله حق قدره ))..تخيل لو مكثوا في جهنم ألف سنة هل هذا هو قدر الله ؟ ألف سنة !!..تخيل لو ألف ألف ألف ألف سنة ؟....نفس الشيء والله العظيم..فالله سبحانه وتعالى مطلق وأي فترة زمنية منتهية (إلا ان تكون رحمة منه) هي قدح في قدر الله عز وجل..فوجبت بذلك اللا نهاية في العقوبة كدليل على اللا نهاية في معرفة قدر الله ووبالخلود فقط يعرف الكافر قدر من عصاه..
خلينا نقبل بأن الخلود الأبدي معناه اللا نهائية كدليل على اللا نهاية في معرفة قدر الله , لكن الاستثناءات الواردة في النصوص الشرعية وتدخل المشيئة الإلهية بالرحمة ( بهدف تحقيق معنى العبادة في الجنة التي خُلقنا فيها في البدء ولابد من الرجوع إليها في النهاية ) تنفي ذلك المعنى


وأما قولك : (( عصيان آدم عليه السلام والذي صدر منه عن نسيان , بأن تكون عقوبته غير محدودة لأنها في حق الله الغير محدود ؟؟ !!!! ))
نقول: غاب عنك أهم معطى..وهو ان آدم عليه السلام تاب (وضع تحتها سطرين)..فتاب الله عليه وأدخله في رحمته..ولكن الذي لم يتب ؟..ومن لم يكن في قلبه ذرة إيمان تدخله في رحمة الله ؟..ومن أخرجه الله من رحمته ؟..أرأيت أن القياس فاسد ولا يصمد في الإستدلال..
أنا بستنكر الفكر الذي يماثل فكر المسيحية وليس قياس , من خلال هذا السؤال :
( أليس هذا الفكر يماثل تماما عقيدة المسيحية في تضخيم عصيان آدم عليه السلام والذي صدر منه عن نسيان , بأن تكون عقوبته غير محدودة لأنها في حق الله الغير محدود ؟؟ !!!! )
كان من المفترض التعقيب على السؤال بالكامل , فلماذا تركت الجزء المشار إليه بالأحمر من السؤال الاستنكاري وعقبت على الباقي ؟ الأمانة العلمية في النقل بارك الله فيك


نقول:
ألم يقل سبحانه : (( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين..بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ))
يعني لو أخرجهم الله من جهنم -بنص القرآن- فسيعودن لكفرهم...يعني لن يتحقق بخروجهم معنى العبادة الذي تحتج به ..وقد جزم القرآن في هذا !!!
وهل معنى العبادة لن يتحقق إلا بخروج الكفار من عذاب جهنم وعودتهم إلى الدنيا ؟ - معنى العبادة الحقيقي لن يتحقق إلا في الجنة في الآخرة , لأن الإنسان مخلوق لعبادة الله في الجنة إلى أبد الآبدين وليس مخلوق للنار كي يمكث فيها إلى ما لانهاية , عذاب جهنم شيء عارض أما نعيم الجنة دائم ولا يزول , بدليل أن هذه الجنة هي التي خُلقت فيها الأنفس وفيها أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى , ومنها بعث الأنفس ( الأرواح ) إلى الدنيا ولابد من الرجوع إلى دارهم الأصلي من حيث أتوا , يعني حياتهم الحقيقية , هذه هي الجنة الحقيقية في عالم الغيب التي لا يذوقون فيها الموت وما هم منها بمخرجين , أما عذاب جهنم فهو شيء عارض أي دار لعلاج أنفس العصاة المذنبين والكفار والمشركين , ولتخليصهم من سموم الآثام والذنوب

المسجون لو أُخرج من السجن قبل انتهاء مدة العقوبة المقررة , سوف يعود بلا شك لما كان عليه من جرم , ولذلك لابد من بقاءه في السجن طول مدة العقوبة التي نص عليها القانون , وحكم بها القاضي , والإشكال ليس في المُشرع الذي شرّع القانون لأنه يعلم تماما أن مدة العقوبة التي شرّعها لأي جريمة هي كافية لردع المجرم وعدم عودته لجرمه مرة أخرى , ولا الإشكال في القاضي العادل الذي يحكم بما نص عليه القانون ( الشرع ) , لكن الإشكال كل الإشكال هو : سوء فهم الناس لنص القانون

والله تعالى أعلم

رمضان مطاوع
12-27-2014, 05:56 PM
من يرى أن العذاب الأبدي مخالف للعقل ، فعليه أن يقر كذلك بأن النعيم الأبدي مخالف للعقل ، وأن عدم خلود النار بناءً على هذا المنطق يستوجب عدم خلود الجنة .
لا يا دكتور هذا هو ما يقول به الجهمية - أما قولنا يختلف تماما
بارك الله فيك

رمضان مطاوع
12-27-2014, 06:01 PM
الأخ الفاضل ابن سلامه


أولا :
فأنت هنا تحاول أن تقرر بنفسك حجم الجريمة و تريد أن تُعَرّف منتهى أعظم جرم على الإطلاق و هو جرم الإنسان في حق ربه الذي هو الشرك و الكفر و ما في مقتضاه من جحود النعمة الإلهية و التكبر على الله و آياته و معاداه و معاداة أوليائه و ما لا يبقى ذرة إيمان معه أو خير .. تُعرّفه مكان التعريف الإلهي على أنه جرم محدود .. ثم كأنك تقول معترضا على الله : أنت قلت يارب إنك لا تغفر أن يُشرك بك لكنك ستغفر و إن لم تقل ذلك .. و تقول إنك لن تغفر للمنافقين لكنك ستغفر و إن لم تقل ذلك .. فيا عجبا لاعتراضك هذا !!!!!!!
أخي الفاضل بارك الله فيك - زادك الله علما ونورا - أعتقد ما قلته في ردي على مشاركة الأخ مستفيد يكفي لكشف ما بقلبي , وربنا يهدينا جميعا للحق


ثانيا : كيف تساوي بين تقرير الله الخالق العليم بكل شيء بتقرير الأمة الضالة بل كيف ساويت خطيئة آدم و التي تاب عنها بخطيئة إبليس و التي لم يتب عنها ؟
أنا لم أذكر إبليس على الإطلاق في نقاشنا هذا ولم أساوي بينه وبين آدم عليه السلام الذي تاب - فكيف بك تقول ذلك ؟ , أنت يا أخي للأسف الشديد ذهبت إلى ما ذهب إليه الأخ مستفيد في هذه النقطة بالذات


ثالثا : تقول : لا تتعارض اللانهائية مع الغاية من خلق الإنسان ؟

الجواب : أنت خلطت بين الحكمة من خلق الله للإنسان في هذه الدنيا دار الإختبار و بين الجزاء في دار الجزاء حيث لا عمل و لا عبادة بالمفهوم الشرعي للآية. و يترتب على قولك أن لا جدوى مطلقا من الجزاء .. فتكون قد نفيت مبدئيا وجوده لأنه لا يدخل في نطاق الآية !!!!!
على حد علمي - أعلم والله أعلم أن الجزاء في الآخرة يكون على عمل الإنسان في الدنيا يعني على عبادته لله عندما كان في الدنيا ( مركز التدريب والتأهيل ) , ثم يوم القيامة ينال الجزاء الأكبر الذي يتفق وعمله , ثم يستأنف العبادة التي خلقه لها هناك في الجنة , وبالتالي تحققت الغاية من خلق الإنسان


رابعا : تقول : أيهما أولى بالخروج من جهنم المنافق أم الكافر ؟

هذا من سوء تعريفك للنفاق الذي يترتب عليه الخلود في النار .. و هو نفاق أهل الكفر .. و معناه بكل تأكيد إظهار الإسلام مع إخفاء الكفر. و هذا من التجديف و التخليط الذي أستغربه من طالب علم مثلك يحبث سويت بين منافقي المسلمين بالإصطلاح الذي أحدثه الناس بمنافقي الكافرين بالإصطلاح القرآني !!!!!!
يعني المنافق الذي يُظهر الإسلام مع إخفاء الكفر يستوجب العذاب اللا نهائي ؟ أم ماذا بالضبط ؟

رمضان مطاوع
12-27-2014, 06:07 PM
والله يا أخي الذي أراه أن الخلل في فهمك الخاص ثم أنت تريد حمل المسلمين على قدر عقلك !!
وقلنا لك مرارا وتكرارا أن الله تعالى هو الذي حدد جزاء الكفر والشرك به بالخلود في النار
افهم افهم افهم - سيئة الكفر والشرك بلا ذرة إيمان جزاءها الخلود في النار
والآن إليك الآيات التي ذكرتها
وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه
- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه
- ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه
وتأمل أيضا : نفي يعقبه استثناء [ ولا أعرف ما دخل النفي والاستثناء هنا !!!! ]
- مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه
- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَملَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ..... (40)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه
- مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه
- إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه
- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7)
جزاء عمل الكفر والشرك هو الخلود في النار - وهنا لا يُجزى الكافر المشرك إلا ما حدده الله له سلفا وحذره منه

وفي النهاية - نحن لن نتعقب كل موضوع تقفز فيه لتجادل بجهلك لكي نغلقه !
المرة القادمة سيكون الحل جذريا وأنت تعرفه !
هدانا وهداك الله
بارك الله فيك يا أخي الكريم
لي طلب عنك لوسمحت : الرجاء ألا تستعجل علينا بهذه الإنذارات - حتى يتبين لي عما إذا كنت على حق أم على باطل
وجزاكم الله كل خير

ابن سلامة القادري
12-27-2014, 09:36 PM
لا أحد يقول بذلك - الاستثناءات الواردة في النصوص الشرعية هي التي تنفي لانهائية العذاب


أخي رمضان مطاوع،
أما الاستثناءات و التي هي مُعتمدك النقلي الوحيد فأعتقد أننا أجبنا عنها فراجع كلام الإمام الشنقيطي رحمه الله، و لا بأس بأن أعيد بعضه عليك :

دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب

قوله تعالى :

{{ قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ }} الآية
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ يُفْهَمُ مِنْهَا كَوْنُ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ غَيْرَ بَاقٍ بَقَاءً لَا انْقِطَاعَ لَهُ أَبَدًا
وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى:
{{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ }} [هود 106 - 107] ،
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {{ لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا }} [النبأ 23] .
وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَذَابَهُمْ لَا انْقِطَاعَ لَهُ كَقَوْلِهِ: {{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}} [النساء \ 57] .

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {{إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ }} مَعْنَاهُ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ عَدَمَ خُلُودِهِ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ.
وَقَدْ ثَبَتَ فَى الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ النَّارِ يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَهُمْ أَهْلُ الْكَبَائِرِ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ،


و أما الأدلة العقلية التي سقتها ففي الحقيقة هي ليست مخرجا للتوفيق بين الآيات :
أولا : لأنها لا تنبني على دليل نقلي.
ثانيا : للأحاديث التي ذكرنا و في مقدمتها حديث إخراج من كان في قلبه ذرة إيمان.
ثالثا : لأن العقل يوافق صريح القرآن في وجوب خلود الكافرين في جهنم لأن خبثهم لا سبيل لتطهيره كما أخبر الله تعالى. و هذا بخلاف قولك :


أما عذاب جهنم فهو شيء عارض أي دار لعلاج أنفس العصاة المذنبين والكفار والمشركين , ولتخليصهم من سموم الآثام والذنوب
المسجون لو أُخرج من السجن قبل انتهاء مدة العقوبة المقررة , سوف يعود بلا شك لما كان عليه من جرم ...


فكلامك يناقض الحديث الذي ذكرنا .. أعني حديث إخراج الله تعالى من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان فلا يبقى فيها إلا الخبث الخالص الذي لا سبيل إلى تطهيره. كما يناقض الآية ذاتها التي تتحدث عنهم بأنهم لو رُدّوا لعادوا، فهو إطلاق لا مقيّد له ما دامت استمرارية العذاب الشديد لآماد طويلة جدا لم تغني عنهم فيؤمنوا بالله و يدعوا التكذيب بآياته لأن المسألة هنا اعتقادية محضة فحتى يقينهم بمواجهة العذاب الأليم و مقاساته لا ينفعهم و معلوم أن عذاب الله شديد، و لأن الله تعالى أخبر أنهم كاذبون في دعواهم و أنهم سيعودون لما نُهوا عنه .. فقال تعالى : وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28). كما أن الله تعالى يخبر هنا عن أمر مستقبل و بصيغة التوكيد و ليس عن أمر حصل أو هو حاصل الآن ليقال إنه سينتهي في أمد.

قال الشنقيطي رحمه الله :
وَعَذَابُ الْكُفَّارِ لِلْإِهَانَةِ وَالِانْتِقَامِ لَا لِلتَّطْهِيرِ وَالتَّمْحِيصِ، كَمَا أَشَارَ لَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ
{{وَلَا يُزَكِّيهِمْ}} [البقرة \ 174] ، وَبِقَوْلِهِ: {{وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}} [آل عمران \ 178] ،


و قال الإمام ابن القيم رحمه الله و قد ترجح لديه القول بخلود النار بلا انقطاع :

( ولما كان المشرك خبيث العنصر خبيث الذات لم تطهر النار خبثه بل ( لو أخرج ) منها عاد خبيثا كما كان كالكلب إذا دخل البحر ثم خرج منه ( فلذلك حرم الله تعالى على المشرك الجنة ) من كتاب زاد المعاد 1/68
وقال أيضا :-
( وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشيء لتراكب بعضه على بعض ثم يجعله مع أهله فليس فيها إلا خبيث
ولما كان الناس على ثلاث طبقات : طيب لا يشوبه خبث , وخبث لا طيب فيه , وآخرون فيهم خبث وطيب كانت دورهم ثلاثة :
- دار الطيب المحض
- دار الخبث المحض , ( وهاتان الداران لا تفنيان )
- ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد فإنهم إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبث المحض
(الوابل الصيب صفحة 26 )

و أما القول الذي يذهب ظني إلى أنه الأقوى في تأويل الإستثناءات - و إخال أنك لم تذكره- فهو فناء النار ذاتها، و قد ردّ العلماء على هذا القول بحجج ظاهرة مثلما ذكره ابن العثيمين رحمه الله هنا :

من العلماء ذهبوا إلى أن النار تفنى بناء على علل عليلة لمخالفتها لمقتضى الكتاب والسنة وحرفوا من أجلها الكتاب والسنة فقالوا : إن "خالدين فيها أبداً" أي : ما دامت موجودة . وكيف يصح هذا ؟! إذا كانوا خالدين فيها أبداً ، لزم أن تكون هي مؤبدة أنهم خالدون "فيها" فهم كائنون فيها ، وإذا كان الإنسان خالداً مؤبداً تخليدُه ، لزم أن يكون مكان الخلود مؤبداً ، لأنه لو فني مكان الخلود ما صح تأبيد الخلود ، والآية واضحة جداً . والتعليلات الباردة المخالفة للنص مردودة على صاحبها ، وهذا الخلاف الذي ذكر عن فئة قليلة من أهل العلم خلاف مطرح لأنه مخالف للنص الصريح الذي يجب على كل مؤمن أن يعتقده ، ومن خالفه لشبهة قامت عنده فيعذر عند الله ، لكن من تأمل نصوص الكتاب والسنة عرف أن القول بتأبيدها هو الحق الذي لا يحق العدول عنه" اهـ . مجموع فتاوى ابن عثيمين (2/55-56).

قولك :


خطأ آدم عليه السلام وإبليس الملعون خطأ من نوع واحد ( يعني نفس الخطأ ) وهو العصيان في حق الله , فهل يتساوى العمل ؟ طبعا لا - لأن آدم محدود بالنسبة لإبليس وإبليس محدود بالنسبة لله الغير محدود


هنا بالفعل سويت بين خطأ آدم و خطيئة إبليس .. فإبليس كما أخبر الله تعالى أبى واستكبر وكان من الكافرين لكن آدم عليه السلام لم يكفر و إنما عصى بداعي الشهوة فقط :

يقول ابن تيمية رحمه الله في ''كتاب الإيمان ص102ـ109'' :

لا يسمون إبليس مؤمناً بالله وإن كان مصدقا بوجوده وربوبيته، ولا يسمون فرعون مؤمناً وإن كان عالما بأن الله بعث موسى، وأنه هو الذي أنزل الآيات وقد استيقنت بها أنفسهم مع جحدهم لها بألسنتهم، ولا يسمون اليهود مؤمنين بالقرآن والرسول وإن كانوا يعرفون أنه حق كما يعرفون أبناءهم. فلا يوجد قط في كلام العرب أن من علم وجود شيء مما يخاف ويرجى، ويجب حبه وتعظيمه، وهو مع ذلك لا يحبه, ولا يعظمه, ولا يخافه, ولا يرجوه، بل يجحد به ويكذب به بلسانه، أنهم يقولون هو مؤمن، بل ولو عرفه بقلبه وكذب به بلسانه لم يقولوا: هو مصدق به، ولو صدق به مع العمل بخلاف مقتضاه لم يقولوا: هو مؤمن به.

و قد سويت معصية آدم و التي لا تعد حتى مجرد كبيرة بكفر إبليس الذي هو أكبر الكبائر على الإطلاق .. و قلت إن خطأ إبليس (و سميته خطأ ) محدود فهل الكفر خطأ محدود بما أن الذي كفر به إبليس و هو الله تعالى كما وصفته غير محدود ؟؟؟

و عليه فكلامك عن النصارى و ما يعتقدونه في غير محله هنا فالقياس فاسد أساساً إذ هم استعظموا معصية آدم التي لا تعد كبيرة و أنزلوها منزلة الكفر الذي لا يُغفر إلا بالتوبة منه.



على حد علمي - أعلم والله أعلم أن الجزاء في الآخرة يكون على عمل الإنسان في الدنيا يعني على عبادته لله عندما كان في الدنيا ( مركز التدريب والتأهيل ) , ثم يوم القيامة ينال الجزاء الأكبر الذي يتفق وعمله , ثم يستأنف العبادة التي خلقه لها هناك في الجنة , وبالتالي تحققت الغاية من خلق الإنسان


العبادة كما نعرفها و التي لأجلها خلق الله الإنسان في هذه الحياة هي عبادة الله بالأعمال الصالحة و اجتناب الشرك المعاصي.
يقول ابن عثيمين في شرح ثلاثة الأصول : ( واعلم أن العبادة نوعان: عبادة كونية وهي الخضوع لأمر الله تعالى الكوني وهذه شاملة لجميع الخلق لا يخرج عنها أحد لقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [سورة مريم، الآية: 93] فهي شاملة للمؤمن والكافر، والثاني: عبادة شرعية وهي الخضوع لأمر الله تعالى الشرعي وهذه خاصة بمن أطاع الله تعالى واتبع ما جاءت به الرسل مثل قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} [سورة الفرقان، الآية: 63]. فالنوع الأول لا يحمد عليه الإنسان لأنه بغير فعله لكن قد يحصل منه من شكر عند الرخاء وصبر على البلاء بخلاف النوع الثاني فإنه يحمد عليه).


و أنت تتحدث عن عبادة بمفهوم غريب لم يرد به النص إلا في حدود ما نعتقد به من أن المؤمنين في الجنة يُلهمون التسبيح و التحميد كما يُلهمون النفس .. و هذا نوع ثالث من العبادة ليس هو الغرض المقصود من قوله تعالى في سورة الذاريات.

و قد خلق الله الجن و الإنس ليعبدوه فهل عبدوه كلهم ؟؟ أم أنك تقصد أنهم بعد دخول الكافرين النار ستكون هناك فرصة ليصبحوا عبادا صالحين بمحض مشيئتهم ؟؟؟؟؟؟ هذا ممتنع بنصوص الآيات. ذلك أن الآخرة دار جزاء مطلق و أما ما خلقهم الله لأجله فقد فرطوا فيه و ليس إلزاميا لهم أو سيجبرون عليه في هذه الحياة أو في حياة أخرى كما يُفهم من قولك.



يعني المنافق الذي يُظهر الإسلام مع إخفاء الكفر يستوجب العذاب اللا نهائي ؟ أم ماذا بالضبط ؟


نعم و هذا واضح وضوح الشمس. فصفات المنافقين في القرآن تدل على كفرهم خاصة في السورة التي فضحتهم فضحا و هي سورة التوبة، و لهذا توعدهم الله تعالى بالخلود في جهنم و ليس هذا فقط بل في أشد عذابها نسأل الله السلامة و العفو و العافية لنا و لكم و لسائر المسلمين، قال تعالى :
وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} التوبة.

ابن سلامة القادري
12-28-2014, 11:07 AM
إضافة :
و مما يحدد معنى العبادة و أنها العبادة المطلوبة شرعا في أوامر الله و نواهيه بدءاً بالتوحيد و انتهاء بإماطة الأذى عن الطريق و أنها ليست مطلقا أو للأبد قول الله تعالى لنبيه الكريم : واعبد ربك حتى يأتيك اليقين.
قال القرطبي :
قوله تعالى : واعبد ربك حتى يأتيك اليقين فيه مسألة واحدة : وهو أن اليقين الموت. أمره بعبادته إذ قصر عباده في خدمته ، وأن ذلك يجب عليه . فإن قيل : فما فائدة قوله : حتى يأتيك اليقين وكان قوله : واعبد ربك كافيا في الأمر بالعبادة . قيل له : الفائدة في هذا أنه لو قال : واعبد ربك مطلقا ثم عبده مرة واحدة كان مطيعا ; وإذا قال حتى يأتيك اليقين كان معناه لا تفارق هذا حتى تموت . فإن قيل : كيف قال سبحانه : واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ولم يقل أبدا ; فالجواب أن اليقين أبلغ من قوله : أبدا ; لاحتمال لفظ الأبد للحظة الواحدة ولجميع الأبد . وقد تقدم هذا المعنى . والمراد استمرار العبادة مدة حياته ، كما قال العبد الصالح : وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. ويتركب على هذا أن الرجل إذا قال لامرأته : أنت طالق أبدا ، وقال : نويت يوما أو شهرا كانت عليه الرجعة . ولو قال : طلقتها حياتها لم يراجعها . والدليل على أن اليقين الموت حديث أم العلاء الأنصارية ، وكانت من المبايعات ، وفيه : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما عثمان - أعني عثمان بن مظعون - فقد جاءه اليقين وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به وذكر الحديث . انفرد بإخراجه البخاري - رحمه الله -

رمضان مطاوع
12-28-2014, 02:30 PM
إضافة :
و مما يحدد معنى العبادة و أنها العبادة المطلوبة شرعا في أوامر الله و نواهيه بدءاً بالتوحيد و انتهاء بإماطة الأذى عن الطريق و أنها ليست مطلقا أو للأبد قول الله تعالى لنبيه الكريم : واعبد ربك حتى يأتيك اليقين.
قال القرطبي :
قوله تعالى : واعبد ربك حتى يأتيك اليقين فيه مسألة واحدة : وهو أن اليقين الموت. أمره بعبادته إذ قصر عباده في خدمته ، وأن ذلك يجب عليه . فإن قيل : فما فائدة قوله : حتى يأتيك اليقين وكان قوله : واعبد ربك كافيا في الأمر بالعبادة . قيل له : الفائدة في هذا أنه لو قال : واعبد ربك مطلقا ثم عبده مرة واحدة كان مطيعا ; وإذا قال حتى يأتيك اليقين كان معناه لا تفارق هذا حتى تموت . فإن قيل : كيف قال سبحانه : واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ولم يقل أبدا ; فالجواب أن اليقين أبلغ من قوله : أبدا ; لاحتمال لفظ الأبد للحظة الواحدة ولجميع الأبد . وقد تقدم هذا المعنى . والمراد استمرار العبادة مدة حياته ، كما قال العبد الصالح : وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. ويتركب على هذا أن الرجل إذا قال لامرأته : أنت طالق أبدا ، وقال : نويت يوما أو شهرا كانت عليه الرجعة . ولو قال : طلقتها حياتها لم يراجعها . والدليل على أن اليقين الموت حديث أم العلاء الأنصارية ، وكانت من المبايعات ، وفيه : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما عثمان - أعني عثمان بن مظعون - فقد جاءه اليقين وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به وذكر الحديث . انفرد بإخراجه البخاري - رحمه الله -



نعم اليقين قد يعني الموت : والدليل على ذلك قوله تعالى إخباراً عن أهل النار أنهم قالوا ( لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين } , وبالنسبة للآية الكريمة ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) كأن الله سبحانه وتعالى يقول لرسوله (ص) : عليك الآن أن تواصل عبادة الله وأنت مطمأن حتى يأتيك الموت , بمعنى أنه لن يستطيع الآن أحد الحيلولة دون الغلبة التي سوف نكتبها للإسلام , وسوف تتمكن من عبادة الله طيلة حياتك , نهارا جهارا دون أي عرقلة أو مضايقة , لأننا سوف نستأصل شأفة هؤلاء الذين يمنعونك عن عبادتنا
فليس معنى أن الله سبحانه وتعالى خاطب الرسول (ص) وهو في الدنيا وقال له ذلك , أن العبادة تقتصر على الدنيا فقط دون الآخرة - لا - لا يا عزيزي الفاضل - العبادة بصرف النظر عن طبيعتها وكيفيتها أيضا هي في الآخرة بل هي العبادة الحقيقية , وما كان في الدنيا من عبادة في مجرد تدريب وتأهيل وتمهيد للعبادة الحقيقية التي خُلقنا لها - يقول تعالى (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ )

والله تعالى أعلم

ابن سلامة القادري
12-28-2014, 03:52 PM
طيب أخي رمضان لتنازل في التفسير و لنذهب إلى قولك بأن العبادة التي يريدها الله تعالى من العباد لا متناهية في الزمن فإلى ماذا ترمي (هذا مع العلم أن العبادة بمفهومها الشرعي أي الركوع و السجود و الخضوع للأوامر و النواهي الشرعية و التي عليها مدار الإبتلاء لا مكان لها البتة في دار الجزاء) ؟

و سأعيد عليك التساؤل الذي لم تجب عليه :


قد خلق الله الجن و الإنس ليعبدوه فهل عبدوه كلهم ؟؟ أم أنك تقصد أنهم بعد دخول الكافرين النار ستكون هناك فرصة ليصبحوا عبادا صالحين بمحض مشيئتهم ؟؟؟؟؟؟ هذا ممتنع بنصوص الآيات. ذلك أن الآخرة دار جزاء مطلق و أما ما خلقهم الله لأجله فقد فرطوا فيه و ليس إلزاميا لهم أو سيجبرون عليه في هذه الحياة أو في حياة أخرى كما يُفهم من قولك.

و باختصار شديد أرجو أن تستوعبه أقول : أنت أطلقت بغير دليل المقيد بدليل و هو العبادة و قيدت بغير دليل المطلق بدليل و هو خلود الكافرين أبدا في جهنم !!!

رمضان مطاوع
12-29-2014, 04:42 PM
الأخ الفاضل ابن سلامة

أرجوا يا أخي أن تستوعب كلامي جيدا وفيه الرد على أسئلتك التي طرحتها
الإشكال ليس في إطلاق المقيد أو في تقييد المطلق بدون دليل كما تقول
لكن الإشكال كل الإشكال غفلة الناس عن أن هناك غاية ووسيلة لتحقيق الغاية , طيب ما هي الغاية ؟ وما هي الوسيلة لتحقيق الغاية ؟ الغاية هي العبادة والوسيلة هي العذاب
إذن العبادة في الجنة غاية والعذاب في جهنم مجرد وسيلة لتحقيق الغاية , ومعلوم أن الغاية تُبرر الوسيلة
الدنيا والآخرة كل منهما دار ( عبادة وجزاء ) - لكن الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء - وبالتاي :
• الدنيا نسبية ولابد أن تكون العبادة فيها نسبية أما الآخرة مطلقة ولابد أن تكون العبادة فيها مطلقة
• الدنيا نسبية ولابد أن يكون الجزاء فيها نسبي أما الآخرة مطلقة ولابد أن يكون الجزاء فيها مطلق
إذن :
• الإنسان يعبد الله في الدنيا باختياره ويجازى على عبادته جزاء نسبي
• وسوف يعبد الله في الآخرة باختياره ويجازى على عبادته جزاء مطلق

معنى العبادة :
أن يتخلق الإنسان بأخلاق الله ويتصف بالصفات الإلهية ويصطبغ بصبغته سبحانه وتعالى , يقول تعالى ( صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ) , أي أن العبادة الحقيقية هي الاصطباغ بصبغة الله , يعني الاتصاف بالصفات الربانية , والصفات الإلهية هي النور الإلهي الذي يتجلى ويظهر آثاره في الكون ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ونعلم أن صفات الله غير محدودة ( يعني نور الله غير محدود ) لأنه سبحانه تعالى غير محدود , وبالتالي فإن عملية الاتصاف بالصفات الإلهية ( في حدود القدرة البشرية ) هي عملية دائمة مستمرة ولا نهاية لها , ولو نظرنا إلى هذا الموضوع من منظور آخر , نقول , إن عبادة الله والتخلق بأخلاقه يستلزم أن يكون الإنسان على شيء من العلم بصفات الله تعالى , وهو ما يقوم به الله تعالى , فإنه هو الذي يعرف الإنسان عن نفسه عن طريق الوحي الذي يوحي به إلى أنبياءه , ويكلفهم بتبليغ هذا الوحي لجميع الناس , وجميع الناس عن بكرة أبيهم في كل أمة من الأمم , نالوا هذه النعمة بشكل أو بآخر , وكلما انحرف فهم الإنسان للصفات الإلهية ( النور الإلهي ) , وحاد عن المعرفة الحقيقية الصحيحة بالله تعالى نتيجة اختلاط فكر الإنسان وتفسيراته الخاطئة لوحي الله تعالى , كان سبحانه وتعالى يعيد مرة أخرى تعريف الإنسان بحقيقة صفاته وجميل أسماءه
فالله لا ينتظر إلى أن يتعرف عليه الإنسان ولا يمكن أن يكون مدينا للإنسان باكتشافه , وإنما هو الذي يتولى المبادرة ويسعى بفضله وجوده وإحسانه ورحمانيته ومحبته للإنسان , فيعرفه بنفسه ويعلمه أسماءه الحسنى , بعد أن وضع في فطرة الإنسان الرغبة في معرفته سبحانه وتعالى , فإذا تعرف الإنسان على أسماءه الحسنى وعرف صفاته العظمى , فإنه يحبه وينجذب إليه ويسعى للتقرب إليه , وعندما يتقرب الإنسان إلى الله تعالى فيعرفه أكثر فيحبه أكثر وينجذب إليه بقوة أشد مما سبق , وبذلك يزداد قربه من الله تعالى وعندما يزداد قربه من الله تزداد معرفته به فيزداد حبه له وهكذا , أي كلما عرف الإنسان ربه كلما ازداد حبا له , وكلما ازداد حبا له ازداد قربا منه , وكلما ازداد قرب الإنسان من الله تعالى ازداد نورا وكلما ازداد نورا عرفه أكثر , فيزداد حبا له , ثم يزداد قربا منه , فيزداد نورا من النور الإلهي , وهكذا حلقة مستمرة لا نهاية لها , ( معرفة ← حب ← قرب ← نور ) وهذا النور ( الصفات ) الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يتخلق به ويتجلى ويظهر في الإنسان هو العبادة الحقيقية , وليس نور أي نبي من الأنبياء الذي اكتسبه من النور الإلهي العظيم , أن هذا النبي أو ذاك كان إله أو أصبح إله والعياذ بالله كما ظنت المسيحية , لأنه لا يمكن لأحد المخلوقات أن يعرف الله بشكل تام وكامل كما يعرف الله سبحانه وتعالى نفسه , ومهما عرف الإنسان من صفات الله الحسنى ( النور الإلهي ) واصطبغ بها فسوف تظل هناك صفات لا يعرفها , لأن صفاته عز وجل غير محدودة , وبذلك فإن معرفة الله لا حد لها ولا يمكن أن يكون لها نهاية , وكذلك مهما تقرب الإنسان إلى الله تعالى فلم يصل إليه فإن الله أسمى من أن يصل إليه الإنسان أو أن يصل إليه مخلوق , أما الشعائر الدينية التي نعرفها كالركوع والسجود والخضوع للأوامر والنواهي الشرعية , هي وسائل ضرورية لتحقيق الغاية وهي العبادة كما تقدم

أما الدليل على تقييد العذاب وإطلاق العبادة :
قضاء الله سبحانه وتعالى الحكم العدل بلا شك لم ولن تكون إلا عدلا مطلقا , ونحن البشر لا نحيط بصفات الله قطعا لا في الدنيا ولا في الآخرة , ولا يمكن لأي إنسان أن يحيط بعلم الله وعدله كي يجزم بالقول أن الله سوف يُعذِب فلان مدة مقدارها كذا أو كذا !! , أو يجزم بالقول أن الله تعالى سوف يُخرج فلان الكافر من جهنم بعد مدة كذا أو كذا !! , هذه كلها أمور غيبية ولا يعلم الغيب إلا الله , لأنه هو وحده العليم بعمل الإنسان في الدنيا وما يستحقه من جزاء سواء الجزاء الأدنى في الدنيا أو الجزاء الأكبر في الآخرة , وبالتالي هو العليم بكل الأحكام على كل الناس , فعلى سبيل المثال وليس القطع منهم من سيحكم عليه بيوم عذاب ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) وقس على ذلك , ومنهم من سيحكم عليه بسنة عذاب , ومنهم من سيحكم عليه بألف سنة عذاب , ومنهم من سيحكم عليه بمليون سنة عذاب , ومنهم من سيحكم عليه بالعذاب المؤبد ( الغير مُحدد ) إلا إذا تدخلت المشيئة الإلهية بالرحمة , هذا مثال فقط كما قلت لفهم التصور ولا نقطعً بالقول على الله بغير علم فهو الخبير بعمل كل إنسان خيرا كان أو شر , وهو العليم بما سوف يقضيه من أحكام جزاءاً بما كانوا يعملون
المهم أنه في النهاية بعد أن يُعاقب كل إنسان عقابه الذي استحقه والمساوي لجرمه الذي اقترفه في الدنيا , سوف يخرج في النهاية لاستئناف العبادة التي خُلق لها في الجنة
ولتوضيح الأمر أكثر : نحن نعلم جميعا أن الغرض من العقاب هو العذاب وما هو العذاب ؟ ( هو منع وكف النفس البشرية عن المعصية ) , يعني الإصلاح والرجوع عن المعصية سواء كان في الدنيا أو الآخرة , حيث يقول تعالى ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) ويقول ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) , فهل الله تعالى ولي أمر الناس الذي خلقهم ويربي أنفسهم يتابعهم في الدنيا ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويسوق لهم الابتلاءات ليقومهم ويهديهم لصراطه المستقيم , حتى تتحقق الغاية التي أرادها من خلقهم , هل يتركهم في الآخرة بلا تربية وبلا نور يمدهم به , ولو افترضنا ذلك يعني إن لم تكن عبادة في الجنة فما معنى أن أهل الجنة يُريدون إتمام النور ( يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا ) , لكن الكافرين (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) , وأيضا يقول ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) هذه هي إرادة الله أن يفيض بنوره في الدنيا والآخرة من خلال عباده في السماوات والأرض , يعني الله تعالى هو الذي يُريد أن يُتم نوره على النبي والذين آمنوا معه أي عموم المؤمنين وهم في الدنيا , وعندما يدخلون الجنة في الآخرة هم الذين يُريدون من الله تعالى أن يُتمم لهم نورهم الذي جاءوا به من الدنيا , ويغفر لهم تقصيرهم فيما لم يصلوا إليه من نور
أما من كفر بالله فيتولاه الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات , ولذلك لا يُخفف عنهم العقاب الذي يؤدي إلى تعذيب النفس البشرية ( يعني منعها وكفها ورجوعها ) , والله سبحانه وتعالى لا يستفيد شيء من عقاب الإنسان بهدف تعذيبه , ولا يستمتع أو يتلذذ بذلك وحاشاه ذلك , يقول تعالى ( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ) , المهم أن العقاب في الآخرة أكبر وأعظم وأشد مما في الدنيا وفي زيادة مستمرة , حتى يتبين لله سبحانه وتعالى أن هذا العقاب أدى إلى تعذيب يعني ( تطهير ) أو تخليص قلب هذا الإنسان ( نفسه ) مما أصابها من أمراض كالشك والكذب والرياء والغيبة والخداع والنميمة وحب النفس و ,,,,,,,,,, الخ من الأمراض التي تغلغلت وعششت في نفس هذا المُعذب والتي كانت على الفطرة النقية , والتي كانت سببا في سواد وجهه يوم القيامة

وهذا يماثل تماما الإنسان الذي يُهمل في جسده المادي ولا يتبع تعليمات الطبيب المعالج والخبير بالأمراض التي قد تُصيب الجسد وتؤدي إلى فساده كالحُمى والسرطان والأيدر و ............ الخ , فلابد من دخوله المستشفى لعلاج الجسد من المرض الذي أصابه , وكلما تحسنت حالته تقل القيود المفروضة عليه , ولكن لا يخرج من المستشفى حتى يتم استئصال ذلك المرض تماما ويعود جسد المريض إلى طبيعته الأولى سليما معافى ( هذا مثال للمقارنة فقط )

هكذا الإنسان الذي يُهمل في قلبه يعني نفسه ( روحه ) ولا يتبع تعليمات خالقا الخبير بالأمراض التي قد تُصيب النفس ( الروح ) كأمراض كالشك والكذب والرياء والغيبة و ,,,,,,,,,, الخ كما ذكرت , فلابد من دخوله جهنم لعلاج النفس من المرض الذي أصابها , وكلما تحسنت حالته تقل القيود المفروضة عليه , ولكن لا يخرج من جهنم حتى يتم استئصال ذلك المرض تماما وتعود نفس المريض إلى طبيعتها الأولى سليمة طاهرة
وعلينا أن نحذر هذا العذاب - يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)

ولن يُخفف العذاب عن نفس هذا المريض ( كافر كان أو مشرك أو منافق أو عاص ) عند دخوله مباشرةً , ( وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ) , حتى يتحول عمل هذا المريض المُعذَب في النار والذي كان متعود عليه في الدنيا و ( الذي هو رجس من عمل الشيطان بسبب ما أصاب قلبه من أمراض ) , إلى عمل صالح ولا يعصى الله ولا يخرج عن أمره أبدا بسبب ما ذاقه من مرارة العلاج , يعني لن يُخفف عنه العذاب حتى يتم شفائه من الأمراض الروحية التي تصيب النفس البشرية وليس الأمراض المادية التي تصيب الجسد المادي , فإذا ما نودي يوم القيامة ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ؟ ) يكون رد جميع المخلوقات في صوت واحد إقرارا منهم ( لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) , هكذا عذاب جهنم مهما ( أَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ) , وهكذا العذاب أحقاب وآماد لا يعلم إحصاءها إلا الله سبحانه وتعالى , ومهما اختلفت مدة العذاب من شخص لآخر فهي بلا شك عدل لأن الذي حكم بها هو الله العدل المطلق فإذا ما أطاعوا الله طاعة طوعية , إيماناً منهم بألوهية الله بعد كفر , ويقيناً منهم بوحدانيته بعد شك , وإقرارا منهم بمالكيته ليوم الدين بعد نكران
عندئذ يُمكن أن يُخفف عنهم العذاب والله أعلم , أي تقل القيود المفروضة على المريض بالأمراض الروحية كلما تحسنت حالته
وللعلم هذه الأمراض التي تصيب النفس البشرية في الدنيا تؤدي إلى تحويل عمل الإنسان من الفطرة النقية إلى رجس من عمل الشيطان , ولكن هيهات هيهات أن يُخفف عنهم العذاب أو أن يخرجوا من جهنم حتى ينال عذابه المستحق عليه أي يتحقق العدل الإلهي في عذابه , بالعامية لازم ( يتظبط الأول ) حتى يقول ( حقي برقبتي ) حرّمت وتوبت , ولابد أن يتم علاجه من كل الأمراض ولابد ولابد ولابد .................. الخ , والله تعالى أعلم - لمن ومتى وكيف تتدخل المشيئة الإلهية بالرحمة ؟ , لكي يُخفف العذاب عن المُعذب تدريجا حتى يخرج من جهنم ويدخل أدنى درجة في الجنة
والسؤال : لمن تتدخل المشيئة الإلهية بالرحمة ؟ , هل لمن تحقق فيه العدل الإلهي ؟ , أم لمن شُفي من جميع أمراضه ؟ , أم لمن عاد لربه وأدى كل ما عليه من حقوق ؟ , أم لمن عبد الله وهو في جهنم ؟ , هذا أمر يتعلق بالغيب ولا دخل لنا فيما يفعله الله سبحانه وتعالى , هذا التصور فقط ما نستنبطه نحن البشر من النصوص الشرعية وما تدل عليه الآيات

والله تعالى أعلم

ابن سلامة القادري
12-30-2014, 12:08 AM
الإشكال ليس في إطلاق المقيد أو في تقييد المطلق بدون دليل كما تقول


إذن فهذه رخصة منك لتتحدث و يتحدث من يشاء في دين الله على كيفه و في أمر يجب التوقف فيه تماما على النص و هو أمر الغيب ؟؟؟؟

كل ما قلته يا أخي تكرار لما سبق الرد عليه و أنت تقوله و كأن الكافر لا يندم في الآخرة على تجاوزه العظيم في حق الله تعالى و كأنك لا تعلم أنه يعترف فعلا بعظيم جرمه في حق الله و الذي لا يُغفر أبدا فيُعذّب بحسب رأيك ليُهذب و ليُنقّى و ليُُعطى فرصة أخرى !!! .. إقرأ قول الله تعالى من سورة المؤمنون :

حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)

فهل تظن أن هذا أسلوب تهذيب من الله تعالى أم تبكيت ؟

و اقرأ قوله تعالى من سورة غافر :

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)

ثم كيف يدخل النار من يدخلها و يرى أهوالها ثم يصر بعد ذلك على كفره و قد عذّبه الله بملايين السنين ؟؟؟

الإنسان العادي في الدنيا مهما بلغ شره إذا وضعت أمامه تهديدات بقدر جريمته ثم واجه هذه التهديدات ثم أصر عليها بعد ذلك ألا يستحقها فعلا استحقاقا أبديا ؟؟؟؟

هذا يدل دلالة واضحة على أن الكفر ليس عاديا وفي نفس السورة يقول الله تعالى في وصف الكفر البالغ الذي يأتي على كل ذرة إيمان :

إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)

إن الكافر المصر على كفره ما فتأ ينازع الله كبريائه و عزته و جبروته و لا بد أن في نفس كل كافر من هذا النوع ما في نفس فرعون و إبليس و أبي جهل بحيث لا و لن تنفع معه الآيات و لا التعذيب الشديد كما أخبر الله تعالى : وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)

فهل أنت أعلم من الله بنفسية الكافر الشقي لتضع احتمال برجوعه إلى صراط الله المستقيم .. فما الداعي بعد داعي العذاب الشديد ؟ بل ما الداعي و قد جائه اليقين ؟ اليقين المطلق ؟؟
أليس قد غلب عليه شقائه و طُبع على قلبه و نُزعت الرحمة من قلبه بالمرة فلم يعد يصلح المحل للتهذيب فكيف يُرحم ؟

قال أبو بكر الحصني في ذلك : لأن العذاب يدوم بدوام سببه بلا شك ولا ريب، وهو قصد الكفر، وبقاء العزم عليه، ولا شك أنهم لو عاشوا أبد الآباد لاستمروا على كفرهم، وكذلك المؤمن يستحق الخلود، وهذا معنى قوله: نية المؤمن خير من عمله. انتهى.

ثم ما الذي طُلب من المشرك و الكافر و الملحد الذي يصر على كفره بمقتضى ما فطره الله عليه و ما شهد به في ظهر أبيه آدم أكثر من أن يقول لا إله إلا الله فاستكبر عنها ؟
يقول النبي صلى الله عليه و سلم :
يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء . أكنت مفتدياً به ؟ قال فيقول : نعم، قال فيقول : قد أردت منك أهون من ذلك قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً، فأبيت إلا أن تشرك بي.

رواه البخاري (3156)، مسلم (2805) عن أنس بن مالك.

ثم عن أي تهذيب تتحدث و هذا حال الكافر يصفه الله تعالى : يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ (14) كَلَّا ۖ إِنَّهَا لَظَىٰ (15) نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ (18)

ثم أليس الله تعالى قد أسماه يوم الدين فأين مكان العبادة التي تتوهمها من ذلك اليوم ؟؟؟؟
ألم تقرأ سورة الفاتحة : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)

فالعبادة مؤقتة بالوقت الحاضرة آنية ما دامت الحياة و يوم الدين حساب و لا عبادة فإما نعمة من الله و إما غضب و انتقام.

ثم قبل هذا كله و بعده أين أنت من سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم و حديثه الذي أخبر فيه - و أذكرك بهذا مجددا - أن الله يخرج برحمته و شفاعته من كان في قلبه ذرة إيمان و لم يذكر أنه سيخرج الكافرين الذين حقت عليهم كلمة العذاب الأبدي ؟؟

و في الأخير و ما دمت قد ذكرت النور الإلهي سأحدثك حديثا حاسما لا يدع مجالا للنقاش بعده .. لما يفيده من الحكم الأزلي الأبدي في حق كل نفس منفوسة و هو قول النبي صلى الله عليه و سلم : " إن الله خلق خلقه في ظلمة و ألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى به و من أخطأه ضل "
رواه الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، 5/ 26، برقم 2642، وقال: ((هذا حديث حسن))، وأخرجه أحمد، 2/ 176، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 1/ 30، وصحح إسناده العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1076.

يقول المباركفوري شارحا هذا الحديث في تحفة الأحوذي : وهذا الحديث يبيّن أن الله - عز وجل - خلق الخلق في ظلمة، وألقى عليهم شيئاً من نوره، فمن أصابه شيء من ذلك النور اهتدى إلى طريق الجنة، ومن أخطأه ذلك النور وجاوزه ولم يصل إليه ضل وخرج عن طريق الحق؛ لأن الاهتداء والضلال قد جرى على علم الله وحكم به في الأزل لا يتغير ولا يتبدل، وجفاف القلم عبارة عنه. وقيل: من أجل عدم تغير ما جرى في الأزل تقديره: من الإيمان، والطاعة، والكفر، والمعصية، أقول: جف القلم.

و في هذا المعنى وردت أحاديث السعادة و الشقاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم :

فعَنْ عَلِيٍّ قَالَ : كُنَّا فِى جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ : ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاَّ وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَإِلاَّ وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً ) قَالَ : فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ ؟ فَقَالَ : ( اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ) ، ثُمَّ قَرَأَ ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) .

رواه البخاري ( 4666 ) ومسلم ( 2647 ) .

أرأيت إلى قول النبي صلى الله عليه و سلم : اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ؟
إن في قوله هذا دلالة مطلقة على أن الله تعالى حكم عدل و أنه لا يدخل الكافر الجحيم المؤبد إلا بعد أن يسر له السبيل لذلك فاختار الشقاء فخُلق له الشقاء و خُلق للشقاء .. فهل بعد كل هذا سيقال : ربما أعطي فرصة ففي المسالة نظر و الله لم يخلقه لهذا .. إنما خلقه لعبادته ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.

هداك الله.

رمضان مطاوع
12-30-2014, 03:04 AM
أخي الفاضل ( ابن سلامه )

بارك الله فيك وشرُفت بمرورك الكريم المحترم في هذا الموضوع

وأُقسم لك بالله العظيم أنه بقدر ما لدي من تحفظ على بعض النقاط البسيطة , لأنني أثقلت عليك كثيراً

إلا أنني استفت كثيراً من ردودك الطيبة المباركة التي توظفها لخدمة الإسلام وعزة المسلمين

هدانا الله جميعا للحق - وجزاكم الله كل خير

انتهى

ابن سلامة القادري
12-30-2014, 02:31 PM
لا بأس أخي الكريم رمضان -بارك الله فيك و نفع بك- فنحن هنا لنستفيد بعضنا من بعض .. و لنعمق البحث في المسائل التي تبدو عالقة في زماننا و تحتاج فعلا إلى تأصيل متين و دراسة من كل الأوجه.
و هذا الموضوع بالذات لطالما أرقني زمانا و كنت فيه على المذهب الأول للإمام ابن القيم رحمه الله إلى أن استقر بي الأمر على ما استقر عليه أخيرا. نسأل الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل و أن يجيرنا و إياكم من عذابه الأليم و أن يغفر لنا ما قصرنا فيه و ما نسينا.