المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المستدرك على حياة نلسون مانديلا !



أحمد بن مسفر العتيبي
12-08-2013, 11:10 PM
المستدرك على حياة نلسون مانديلا !

نقد الرموز من الصعوبة بمكان لأن القلوب تتعلَّق بها ، ومفارقة العوائد عسيرة إلا ما ندر ، وقد تعجبتُ من العاطفة الإسلامية الندية لبعض العوام الذين يتسابقون خلف رايات هذا الرجل ومآثره وذكرياته ويتألمون لرحيله ، وكأنه إحدى المعجزات السبع ! .


وفي هذا المقال سوف أناقش اتجاهين مختلفين ، لإبطال العلة بالنقض ، ولاستخراج الحكم بالقلب والمعارضة ، كما يُقرِّره الأصوليون .


من العدل أن يُقال عن مانديلا إنه كان متسامحًا صابرًا مكافحاً ، كرَّس حياته لمكافحة العنصرية العرقية ، وكان صاحب عزيمة صلبة لا تلين ، نابذًا للشهرة والجاه ، منتصراً للحقوق الإنسانية لبني جلدته . وقد قال الله تعالى : " ولا تبخسوا الناس أشياءهم " ( الأعراف : 85 ) . وهذه جائزته في الدنيا قد استوفاها ! .


ومن العدل أن يُقال إنه لم ينتفع بحياته وقد عاش نحو قرن من الزمان ، وقد كان فيلسوفًا مُلهماً وعبقريًا فذَّاً عند مُحبِّيه ومبغضيه ، وكم من ذكي غير زكي ؟! .


فكم من الحجج مرَّت على حياة هذا الرجل في ليله ونهاره ، وفي صحته وسقمه ؟! ، وكم من البراهين طالعها أو سمع بها أو تبلَّغ بها ، لكن تلقفتها آذانٌ صمٌّ وأعينٌ عميٌ وقلبٌ لاهٍ ، لم يتعرف على النور الصحيح ، فلم يميِّز بين الحق والباطل ، ولم يدرك أن هذه الحياة القصيرة تعقبها حياة طويلة سرمدية، إما فوز ونجاة أو حسرة وندامة .
وسبحان الله القائل في كتابه المجيد : " وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون " ( العنكبوت : 64) .
وهذا العلم يكون يقينًا عند توديع هذه الفانية ، وانبلاج صبح الباقية . ومن أصدق من الله قيلا ً .


كثير من علماء الطب والمستشرقين أسلموا ، ألم يؤثِّر إسلامهم في قلبه وعقله ؟! أم أنه خشي على صِّيته وجاهه وحياته إن أسلم وخضع لربِّه ؟! .


بعض المشاهير يكونون فتنة لمن عاصرهم أو جاء بعدهم ، وقد نهى الله تعالى عن الإعجاب بمثل حال هذا الرجل ، كما في قوله تعالى :" فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذِّبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون " ( التوبة : 55 ) .


درج على هذه البسيطة ملايين الناس من الملل التي لا تدين بالإسلام ، بعضهم خدم البشرية بإبداع أو اختراع ، في التعليم أو في الطب أو في التقنية بعامة ، ومنهم من يُقدَّم اسمه على المسلمين في الجامعات والمعاهد اعجابًا بهم وافتخاراً بتقدمهم . وهذا حق كل من تجلَّد للصعاب .


من المؤسف أن هذا الرجل رحل ولم يكتب سطراً واحداً عن مآسي المسلمين في الشام أو العراق أو بورما أو غيرها من بلاد الدنيا . واليقين أن هذا الرجل لم يشتهر إلا بآلة الإعلام الغربي التي تُقدِّم كل من يمجِّدها وتؤخِّر كل من يقدحها ، وكان لبني جلدته دور في إظهاره وإشهاره ، وقد كان للبابا شنوده الهالك ، صِّيت بنحو صيت هذا الرجل ، ومثلهما غاندي الهندي الوثني ، فلا غرابة فهم يعرفون وزن رموزهم ! ، والبعرة تدل على البعير ، وكم من ممالك هلكت – وقد كانت على الحق - ولم يعرفها أحد إلى اليوم ؟! .



ولو نبش جريٌء ملفات التحقيق عند النصارى ومن ناصرهم ، لعلم أن كثيراً من علماء الإسلام والعروبة تم اغتيالهم عمداً واخفاء أدلة قتلهم ، لئلا يظهروا على أندادهم من الغربيين ومن شايعهم ! ، وهذا متفق عليه عند الخاصة والعامة ، لكن الحمية الكافرة تأباه .


ولو تأملت الإختراعات العلمية من بندول الساعة مروراً بآلة غزل القطن إلى البندقية والطائرة ، لوجدت لها أثراً إسلامياً قديماً ، لكن أخفاها ضعف العرب وتفرقهم وتدليس الغرب ونفوذهم على مكتسباتنا ، وإلى الله المشتكى .


القيِّم السامية التي دافع ونافح عنها مانديلا ليست من تراث النصارى ، بل من تراث المسلمين الذي تلاعبت بها الملل الكافرة ، كما دوَّنه الكاتب المنصف مايكل هاميلتون مورجان ، رئيس ومؤسِّس منظمة أُسس جديدة للسلام الأمريكية ، والذي عمل دبلوماسياً في الخارجية الأمريكية في الفترة من 1980 وحتى عام 1987م .


فقد أفاد وأبان في هذا الكتاب بأن الحضارة الإسلامية بقيمها وعلومها مختطفة عمداً وقد غُيِّبت شخوصها ورموزها . ولا يعرف العالم الغربي هذه الحقيقة إلا على نطاق ضيق من المستشرقين وعلماء التربية .
يندر أن يُنكِّس الغرب أعلامهم إلا لمن سار سيرتهم واتبع مِلَّتهم واقتفى أثرهم ونافح عن ديانتهم .


نحن نعلم أن منهم منصفون ، لكن الإعلام الغربي الذي يسيطر على الإبداع البشري بكافة أنواعه يتعمَّد تأخير كل إسلامي ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال : " ألا إن القوة الرمي " أخرجه مسلم.
فهم غلبونا بقوتهم وسهامهم في التجارة والصناعة والسلاح والنفوذ ، وكل مجالات الغلبة التي تحملها الدلالة اللفظية .


نريد من حكام المسلمين أن يقيموا مؤتمرًا إسلاميًا عن عدل عمر بن عبد العزيز وإنصافه ، أو عن صلاح الدين الأيوبي وشجاعته ، أو عن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وفقهه ، رحمهم الله تعالى ، وليكن هذا المؤتمر في لندن أو باريس أو جوهانسبرج . فهل يوافق الغرب على مثل هذا الطرح ؟! .


لقد راقبتُ النشر الإعلامي بعد وفاة كل رمز نصراني فوجدتُ ضجةً في كل القنوات الفضائية والصحف الإلكترونية ، وراقبتها بعد وفاة كل رمز من رموز المسلمين فوجدتُ الجفاء والتكتم والصمت المطبق ، مما يدل على أن القوة الإسلامية في الإعلام وغيره تجرُّ أذيالها في عصر الثورة الإلكترونية والعلمية التي خطَّط لها الغرب منذ مئات السنين ، ونحن في سبات عميق ! .


الحلُّ الجامع لهذه المعضلة هو إصلاح النيات ، وتصحيح التعليم والإعلام من الدخيل والباطل وتنقية ما تخلَّلهما بقوة الوحي والسلطان . وهذه مهمة العلماء ولا يجسر عليها إلا من ثبَّته الله وقوَّى جَنَانه .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

أ/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
__________________

مؤسِّس مُدوَّنة المتوقِّد التأصيلية
http://ahmad-mosfer.com/

ابن عبد البر الصغير
12-09-2013, 01:16 AM
بارك بالأخ الفاضل وشكر الله له هذه المقالة لتنبيه العوام لعقيدة الولاء والبراء، فإن نلسون منديلا كان مناضلا في سبيل بلده معارضاً للاستعمار وهي فضيلة فيه، غير أن هذا لا ينسينا ولا يلهينا عن الحقيقة المؤلمة أنه لم يعتنق الإسلام، وأن أفكاره تؤخذ منه وتُرد ويُستفاد من النافع ويُترك الزّبد .

لكن بما أن أهل السنة والجماعة يزنون الأشخاص بالقسطاس المستقيم، ويعطون لكلّ ذي حق حقه وإن كان غير مسلم، فاسمح لي بالتعقيب على شيء :


من المؤسف أن هذا الرجل رحل ولم يكتب سطراً واحداً عن مآسي المسلمين في الشام أو العراق أو بورما أو غيرها من بلاد الدنيا .

الحقيقة أن للرّجل مواقف مشهودة في هذا الصّدد :

فنلسون مانديلا كان معارضا للحرب على العراق أيام كان رئيساً لجنوب إفريقية، وصلت إلى أنه التقى الرئيس الفرنسي أيامها جاك شيراك، وقال له بالحرف : " يا سيدي الرئيس أترجّاك أن تُعارض التدخل العسكري في العراق "، وعيناه اغرورقت بالدموع حينها يُضيف الصحفي الذي حضر اللقاء واسمه " نيكولاس هيلوت " .

وتصريحاته ومعارضته مشتهرة وصلت أن نعت بوش بالرئيس الذي لا بصيرة عنده ولا يفكر تفكيرا سليما وسيغرق العالم في محرقة، وله تصريحات معادية للولايات المتحدة الأمريكية، وقد كانت تنعته بالإرهابي لحدود سنة 2008 م - إن لم تخني الذاكرة - وبعدها أزالته من قائمة الإرهاب .

أما بخصوص فلسطين فقد كان يشجع المقاومة الفلسطينية وله كلمة شهيرة تقول : " نحن نعلم جيدا أن حريتنا ناقصة من دون حرية الفلسطينيين " .. وله خطاب مسجل خلال لقاءه مع توماس فريدمان وهو صحفي يهودي سنة 2001 يدافع فيه عن الفلسطينيين .

وغير ذلك مما يقع في يد الباحثين ومتوفر على الشبكة وأرشيفات الفيديو .

والأعمال دون عقيدة صحيحة لا تغني عن صاحبها شيئا، لأن جوهر الحياة قائم على العقيدة في الخالق سبحانه وتعالى، ثم بعدها عمارة الأرض بالخير، وكم من ولي غير معروف لا يؤبه له، عظيم الدرجة عند الله وله منزلة في الإسلام، وكم من عظيم شهير لا يساوي عند الله جناح بعوضة !

والله أعلم

معتز
12-09-2013, 10:19 AM
موضوع جميل جدا والرد أجمل

شكرا لكما

أحمد بن مسفر العتيبي
12-09-2013, 02:02 PM
فتح الله عليكم وسدَّدكم وزادكم علماً وإيماناً
فرق بين ما يُطرح في دهاليز السياسه ، وبين ما يُقرِّره المرء بقلمه . فالثاني معتبر ، والأول لا يُجزم بحاله . والله الهادي .

أ/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
__________________

مؤسِّس مُدوَّنة المتوقِّد التأصيلية
http://ahmad-mosfer.com/