أسلمت لله 5
12-11-2013, 02:52 AM
[المطلب الأول]
ماهية العقل والنقل ومدارك اليقين
· ما المقصود بالعقل ؟
· ما هى الغاية الرئيسية من وجود العقل ؟
· ماهى حدود المعرفة بالعقل ؟
· ماهى العتبات المطلقة للحواس الخمس ؟
· انعدام رؤية الأشياء يكون لسببين اثنين .
· العقل الصريح ومدارك اليقين .
· ما المقصود بالنقل ؟
· جملة النقل تمثلت فى القرآن وصحيح السنة .
· النقل الصحيح حجة ، ولايثبت إلا بقواعد المحدثين .
ماهية العقل والنقل ومدارك اليقين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
من أهم الأمور التى ترسخ العقيدة السليمة فى قلوب المسلمين ، وتزيل الخلاف بينهم ، وتقرب القلوب إلى التمسك بالكتاب والسنة على فهم سلف الأمة : بيان حقيقة العقل والنقل ، فالعلاقة بينهما تعد عاملا حاسما فى تحديد هوية المسلم واعتقاده ، لاسيما فى باب الغيبيات.
ما المقصود بالعقل؟
" العقل غريزة وضعها الله في قلوب الممتحنين من عباده ، تابعة للروح ،
موضوعة في الجانب الغيبي من قلب الإنسان ، لا نعرف كيفيتها ،
نتعرف على وجودها من خلال أفعال الإنسان في ظاهر البدن."
فالعقل غريزة لا نعرف كيفيتها ، ولكن نتعرف على وجودها من أفعال الإنسان فى ظاهر البدن، فيقال هذا عاقل إذا فعل أفعال العقلاء ، وهذا مجنون إذا لم يتصف بها .
والعقل موجود فى القلب ، والدليل قوله تعالى :
" أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" ( الحج:46)
ما هي الغاية الرئيسية من وجود العقل؟
دور العقل يتمثل فى إدراك المعلومات ، وجمعها عن طريق الحواس، وترتيبها ، وتخزينها فى الذاكرة لاستدعائها . والغاية الرئيسية من وجود العقل هى معرفة الإنسان ما ينفعه وما يضره ، وكيف يحصل الخير الأعلى والأفضل دائما .
والعاقل هو الذى يحرص على جلب المنافع والخيرات وتحصيلها ، ودفع المضار والمفاسد وإبعادها ، ويتحمل المشقة الأدنى لتحصيل المنفعة الأعلى ، ويحرص على الباقى ويزهد فى الفانى، ولا نجد عاقلا يفضل الخير الأدنى على الخير الأعلى .
ولذلك كانت دعوة الإسلام راقية عظيمة موافقة للفطرة ، لأنها بنيت على إيثار المصالح العليا، وأعظمها الجنة ، ودفع المضار، وأشدها : النار. قال تعالى :
" بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى " (الأعلى : 16 ، 17 )
وقال تعالى عن أهل النار :
" وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ " (الملك:10)
وهؤلاء كانت لهم عقول يميزون بها أمور الدنيا كلها ، الجليل والدقيق ، ولكن كانوا للآخرة لا يعقلون ، ولكلام الله لا يسمعون .
ما هي حدود المعرفة بالعقل؟
حدود المعرفة بالعقل :
1- ما وقع تحت مدارك الإنسان من معلومات يدركها بحواسه الخمس .
2- وما نشأ فى القلب من علم نتج عن :
· النظر فى عالم الشهادة من خلال الأسباب .
· الدلالات العقلية المختلفة ، كفهم دلالة الأسباب على نتائجها ، والعكس .
والله خلق الإنسان بجهاز إدراكى محدود ؛ تحقيقا لحكمة الله فى تكليف العباد بالشرائع والأحكام ، وتمييز الحلال من الحرام ، ووجوب التصديق الجازم بما جاء فى رسالة الإسلام، من كل خبر ورد عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله ، وأركان الإيمان ، وتحريم القول على الله بغير علم ، وتقديم العقل والهوى على نصوص الشرع .
" وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " ( النحل : 78)
ما هي العتبات المطلقة للحواس الخمس؟
أى : ما هي الحدود التقريبية التي يمكن أن يستقبلها الجهاز الحسى من المؤثرات الخارجية .
العتبات المطلقة لحاسة البصر : أن يدرك العقل عن طريق حاسة البصر : صورة شمعة مضاءة تُرى على بعد 30 ميلاً في ليلٍ مظلمٍ صافٍ في الظلام 290 مليميكرون .
العتبات المطلقة لحاسة السمع : أن يدرك العقل عن طريق السمع : صوت دقة ساعة في ظروف هادئة تماماً على بعد 20 قدماً.
العتبات المطلقة لحاسة الذوق : أن يدرك العقل عن طريق الذوق : ملعقة صغيرة من السكر مذابة في جالونين من الماء .
العتبات المطلقة لحاسة الشم : أن يدرك العقل عن طريق الشم : نقطة عطر منتشرة في غرفة مساحتها 6 أمتار مربعة .
العتبات المطلقة لحاسة اللمس : أن يدرك العقل عن طريق اللمس : جناح ذبابة يسقط على الصدغ من مسافة 1 سم تقريباً.
فإذا كان الجهاز الإدراكى في الإنسان قاصرا بتلك الصورة في الدنيا ؛ فمن الصعب أن يرى ما وراء ذلك مما يحدث في القبر من عذاب ، أو نعيم ، أو يرى الملائكة ، أو الجن ، أو عالم الغيب، أو يرى ذات الله وصفاته من باب أولى ، وعدم رؤيته لهذه الحقائق لا يعنى عدم وجودها .
انعدام رؤية الأشياء يكون لسببين اثنين
إن الشيء لا يرى لسببين هما :
1- خفاء المرئي . 2-ضعف الجهاز الإدراكى للرائى .
وهذا شأن موسى عليه السلام لما سأل ربه الرؤية ، فتجلى الله للجبل الذى يتحمل أقصى درجة من ضوء الشمس ، والذى لا يتحمله الإنسان أكثر من تسعة دقائق تقريبا ، قال تعالى:
" وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ " (الأعراف:143)
ومن ثم فإن من الخطأ طلب البحث عن ، كيفية الذات الإلهية ، أو كيفية صفاتها ، أو كيفية الأمور الغيبية ، اللهم إلا إذا حدث خرق للعادة فى بعض معجزات الأنبياء ، كما فى حديث الكسوف أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
" لقد رأيت فى مقامى هذا كل شئ وعدته ، حتى لقد رأيت أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتمونى جعلت أتقدم ، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا " . ( البخارى )
أما أمر الإدراك فى الآخرة فمختلف تماما ، فالإنسان يوم القيامة يكون على صورة آدم طوله ستون ذراعا ، فإذا قال النبى صلى الله عليه وسلم r :
" إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون فى رؤيته "
علمنا أن إدراك العين المبصرة فى الدنيا ، يختلف عن إدراك العين المبصرة فى الآخرة ، ولذلك وجب الإيمان بالرؤية فى الآخرة ، وبصفات الله تعالى دون البحث عن كيفيتها
العقل الصريح ومدارك اليقين
أقصى حدود العقل الصريح أن يتعرف على وجود الله وعظمته من خلال الأسباب ودلالتها، وهناك عدة أمور يدرك بها العقل حقائق الأشياء على وجه اليقين :
أولا : البديهيات والأوليات :
فكل مفعول لابد له من فاعل ، وكل نتيجة لابد لها من سبب ، فنحن ما رأينا سيارة تتحرك دون قائدها ، أو أوراقا كتبت وحدها بغير كاتبها .
ولذلك حكمت مريم عليها السلام بالبديهيات لما أتاها الملك :
" قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا " (مريم :19،20)
فمريم عليها السلام تعنى أنه لم يمسسها بشر بزواج ، وأنها لم تكن بغيا بزنا ؛ لأن البديهيات تجعل العقل يحكم حكما يقينيا بأن الولد لا يأتى إلا عن طريق مشروع أو ممنوع .
ولما سئل الأعرابى عن وجود الخالق قال :
" إن البعرة تدل على البعير ، والأثر يدل على المسير ،
فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، ألا تدل على اللطيف الخبير ؟"
فبنى إجابته على دلالة الأوليات على الخالق باليقين ، وأنه من المحال عقلا وجود مخلوق بغير خالق . قال تعالى :
" أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ "
( الطور : 35 ،36)
فالمفعولات دالة على الأفعال ، والأفعال دالة على الصفات ، والمخلوق يدل على الخالق .
ثانيا : المحسوسات :
المحسوسات من الأمور التى يدرك بها العقل الحقائق ، وهى من مدارك اليقين .
وبالمحسوسات يثبت الحكم فى جريمة الزنا على وجه اليقين . قال تعالى :
" وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً " ( النور : 3)
وقد أمر الله عباده باستخدام المحسوسات فى النظر إلى الإبداع فى المخلوقات . قال تعالى :
" أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ .وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ . فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ " ( الغاشية : 17-21)
ثالثا : المتواترات :
المتواترات من الأمور التى يدرك بها العقل حقائق الأشياء ، وهى : الخبر المتواتر بنقل العدل الضابط الصادق ؛ كعلمنا بوجود مكة والمدينة .
والمتواتر من الأحاديث هو ما رواه جمع يستحيل اتفاقهم على الكذب ، عن جمع آخر يستحيل اتفاقهم على الكذب ، إلى نهاية الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم r والحديث المتواتر يدل على اليقين .
ويحصل اليقين أيضا بخبر الواحد المعروف بالعدالة والضبط وعدم الكذب ، كالراوى الثقة الذى لم يعرف بارتكاب كبيرة ، ولا إصرار على صغيرة .
وقد بعث رسول الله إلى الملوك رسولا واحدا يدعوهم إلى الإسلام ، وكان كل رسول يعلم الناس أحكام دينهم عقيدة وشريعة ، وافترض على كل جهة قبول رواية معلمهم ، فصح قبول خبر الواحد الثقة عن مثله مبلغا عن رسول الله .
رابعا : التجريبيات :
التجريبيات من الأمور التى يدرك بها العقل حقائق الأشياء ، كحكمك أن النار محرقة ، وأن الماء يطفئها ، فهى سنن وعادات ، وتجارب وممارسات تدل على حدوث اليقين فى النفس .
لذلك حذرنا الله من العصيان ، وذكرنا بما حدث لأعدائه فى سالف الأزمان .
قال تعالى :
" قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ " ( آل عمران :137)
وعند البخارى من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
"لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين "
خامسا : الاعتراف :
من الأمور التى يدرك بها العقل حقائق الأشياء ، اعتراف الإنسان على نفسه بذنبه ، وهو سيد الأدلة ، وعليه أقام النبى صلى الله عليه وسلم r الحد ، ورجم الزانى والزانية .
روى مسلم عن بريدة بن الحصيب رضى الله عنه أنه قال : " جاء ماعز بن مالك إلى النبى صلى الله عليه وسلم r فقال : يارسول الله طهرنى ، فقال : " ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه"، قال بريدة : فرجع غير بعيد ثم جاء فقال : يارسول الله طهرنى ؟ فقال : " ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه"، فرجع غير بعيد ثم جاء فقال : يارسول الله طهرنى ؟
فقال النبى صلى الله عليه وسلم r مثل ذلك ، حتى إذا كانت الرابعة ، قال له رسول الله r : " ؟فيم أطهرك ؟ " فقال : من الزنا . فسأل رسول الله r : " أبه جنون ؟ " فأخبر أنه ليس بمجنون ، فقال : "أشرب خمرا ؟ " فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر . قال بريدة : فقال رسول الله r : "أزنيت؟" فقال : نعم . فأمر به فرجم ".
وغاية ما للعقل الصريح النظر فى الأسباب ، والتعرف بدلالتها على وجود الخالق ، فقول العامة : ربنا عرفوه بالعقل ، لا يحمل إلا على معرفة وجوده من خلال النظر فى الأسباب ، والتعرف من خلالها على عظمته ، وعلمه ، ومشيئته ، وحكمته .
وأما لو أردنا أن نتعرف على عالم الغيب ، أو ما يحدث فى القبر ، أو عالم الملائكة والجن ، أو نتعرف على ذات الله وأسمائه وصفاته ، فلابد من طريق آخر وهو : طريق النقل .
المقصود بالنقل
والمقصود بالنقل : الوحى المتمثل فى كتاب الله وسنة رسوله ويسمى أيضا بـ : الشرع ، أو السمع ، أو الخبر .
والنقل : هو ما جاءنا من الله يعرفنا فيه بنفسه ، فبين لنا أسماءه وصفاته وأفعاله ، وما فى عالم الغيب .
جملة النقل تمثلت فى القرآن وما ثبت فى السنة
وقد تلقاها النبى عن طريق الوحى بصوره المختلفة . قال تعالى :
" وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى " ( النجم : : 3، 4)
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ "
( الشورى : 51)
وقد تحددت بهذه الآية وسائل خطاب الرسل مع ربهم :
(1) الوحى من خلال الرؤيا فى المنام
قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام :
" فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى "
(الصافات : 102)
وهذه الرؤيا للأنبياء وحى ، ولغيرهم مبشرات ، ولا قيمة لها فى إثبات الأحكام ، او إلزام النفس بأى اعتقاد يراه فى المنام ، أو إلزام الآخرين بمقتضاه .
(2) الكلام الإلهى المباشر من وراء حجاب بدون واسطة يقظة
قال تعالى : " وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا " ( النساء : 164)
(3) الكلام الإلهى غير المباشر بواسطة إرسال أمين الوحى جبريل
وله فى كيفية التبليغ إحدى حالتين ، كما فى حديث الحارث بن هشام رضى الله عنه أنه سأل رسول الله rصلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، كيف يأتيك الوحى ؟ فقال رسول الله r :
" أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس وهو أشده على ، فيفصم عنى وقد وعيت عنه ماقال ، وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فأعى ما يقول " ( البخارى )
وقد انقطع الوحى ، فلا ينزل على بشر إلى يوم القيامة ، فمن ادعى أن ما يقوله أو يكتبه إنما تلقاه بطريق الوحى، فقد كذب على الله ورسوله ، ومن ذلك قول القائل من غلاة الصوفية :
" أخذتم علمكم ميتا عن ميت ، وأخذنا علمنا عن الحى الذى لا يموت ، يقول أمثالنا : حدثنى قلبى عن ربى ، وأنتم تقولون : حدثنى فلان ، وأين هو ؟ قالوا مات ، عن فلان ، وأين هو ؟ قالوا : مات ".
وكذلك ادعاء محيى الدين بن عربى أن كتاب الفصوص أخذه من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوبا من اللوح المحفوظ ، وكذلك ما ادعاه عبد الكريم الجيلى من أصحاب مذهب وحدة الوجود حيث قال : "يتجلى الحق سبحانه وتعالى على العبد بتجلى يسمع فيه صلصلة الجرس "!
النقل الصحيح حجة يوجب تصديق الخبر وتنفيذ الطلب
قال ابن حزم : " الوحى ينقسم من الله عز وجل إلى رسول إلى قسمين : أحدهما : وحى متلو مؤلف تأليفا معجز النظام ، وهو القرآن .
الثانى : وحى مروى منقول ، غير مؤلف ، ولا معجز النظام ، ولا متلو ، ولكنه مقروء ، وهو الخبر الوارد عن رسول الله rصلى الله عليه وسلم ، وهو المبين عن الله مراده منا .
قال تعالى :
" وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " ( الحشر : 7)
وأمثال ذلك فى القرآن كثير ، وكله يدل على أن السنة وحى من الله تعالى لرسوله r ، وأنه لابد من الإذعان لها كالقرآن سواء بسواء .
وقال النبى rصلى الله عليه وسلم :
" ألا إنى أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول :
عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلالا فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه
(صحيح ابن ماجة )
وفى رواية : " وإن ما حرّم رسول الله كما حرم الله " ( صحيح سنن الترمذى )
وجمهور العلماء على أن خبر الواحد العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه إلى رسول الله r يوجب العلم والعمل معا ، فلا عبرة ببعض آراء المعتزلة والمتكلمين الداعية إلى عدم الاحتجاج بالسنة فى الآحاد ، أو المتواتر من الروايات بحجة مخالفتا لآرائهم الكلامية .
النقل الصريح لايثبت إلا بقواعد المحدثين
الطريق الوحيد فى ثبوت السنة هو الالتزام بقواعد المحدثين فى معرفتها ، وهو ما عرف بعلم الحديث ، أو العلم بالأصول التى يعرف بها أحوال السند والمتن ، من حيث القبول والرد .
ولا يصح الحكم على ثبوت الحديث بالأصول الكلامية ، أو المناهج الفلسفية ، أو الكشوفات الذوقية ، كقول ابن عربى : " ربما صح عندنا من أحاديث الأحكام ما اتفق المحدثون على ضعفه، وتجريح نقلته ، وقد أخذناه من الكشف عن قائله صحيحا ، ورب حديث قد صححوه، وليس بصحيح عندنا بطريقة الكشف ، فنترك العمل به ".
وبهذا الهجوم على علم الحديث تنهدم السنة ، وتبقى ألعوبة فى يد هؤلاء ، وليس من ضابط نرجع إليه ، ما دام أن هذا الكشف علم روحى غيبى ، وقد يكون كشف هذا الصوفى غير كشف ذاك .
محاضرات فى أصول العقيدة, ملخصات كتاب ( أصول العقيدة )د. محمود عبدالرازق الرضوانى
الكتاب
http://alridwany.com/?articles=topic&topic=226
دورة أصول العقيدة - المحاضرة الاولي الجزء الأول -ماهية العقل والنقل ومدارك اليقين
http://alridwany.com/?video=show&show=62#player
ماهية العقل والنقل ومدارك اليقين
· ما المقصود بالعقل ؟
· ما هى الغاية الرئيسية من وجود العقل ؟
· ماهى حدود المعرفة بالعقل ؟
· ماهى العتبات المطلقة للحواس الخمس ؟
· انعدام رؤية الأشياء يكون لسببين اثنين .
· العقل الصريح ومدارك اليقين .
· ما المقصود بالنقل ؟
· جملة النقل تمثلت فى القرآن وصحيح السنة .
· النقل الصحيح حجة ، ولايثبت إلا بقواعد المحدثين .
ماهية العقل والنقل ومدارك اليقين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
من أهم الأمور التى ترسخ العقيدة السليمة فى قلوب المسلمين ، وتزيل الخلاف بينهم ، وتقرب القلوب إلى التمسك بالكتاب والسنة على فهم سلف الأمة : بيان حقيقة العقل والنقل ، فالعلاقة بينهما تعد عاملا حاسما فى تحديد هوية المسلم واعتقاده ، لاسيما فى باب الغيبيات.
ما المقصود بالعقل؟
" العقل غريزة وضعها الله في قلوب الممتحنين من عباده ، تابعة للروح ،
موضوعة في الجانب الغيبي من قلب الإنسان ، لا نعرف كيفيتها ،
نتعرف على وجودها من خلال أفعال الإنسان في ظاهر البدن."
فالعقل غريزة لا نعرف كيفيتها ، ولكن نتعرف على وجودها من أفعال الإنسان فى ظاهر البدن، فيقال هذا عاقل إذا فعل أفعال العقلاء ، وهذا مجنون إذا لم يتصف بها .
والعقل موجود فى القلب ، والدليل قوله تعالى :
" أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" ( الحج:46)
ما هي الغاية الرئيسية من وجود العقل؟
دور العقل يتمثل فى إدراك المعلومات ، وجمعها عن طريق الحواس، وترتيبها ، وتخزينها فى الذاكرة لاستدعائها . والغاية الرئيسية من وجود العقل هى معرفة الإنسان ما ينفعه وما يضره ، وكيف يحصل الخير الأعلى والأفضل دائما .
والعاقل هو الذى يحرص على جلب المنافع والخيرات وتحصيلها ، ودفع المضار والمفاسد وإبعادها ، ويتحمل المشقة الأدنى لتحصيل المنفعة الأعلى ، ويحرص على الباقى ويزهد فى الفانى، ولا نجد عاقلا يفضل الخير الأدنى على الخير الأعلى .
ولذلك كانت دعوة الإسلام راقية عظيمة موافقة للفطرة ، لأنها بنيت على إيثار المصالح العليا، وأعظمها الجنة ، ودفع المضار، وأشدها : النار. قال تعالى :
" بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى " (الأعلى : 16 ، 17 )
وقال تعالى عن أهل النار :
" وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ " (الملك:10)
وهؤلاء كانت لهم عقول يميزون بها أمور الدنيا كلها ، الجليل والدقيق ، ولكن كانوا للآخرة لا يعقلون ، ولكلام الله لا يسمعون .
ما هي حدود المعرفة بالعقل؟
حدود المعرفة بالعقل :
1- ما وقع تحت مدارك الإنسان من معلومات يدركها بحواسه الخمس .
2- وما نشأ فى القلب من علم نتج عن :
· النظر فى عالم الشهادة من خلال الأسباب .
· الدلالات العقلية المختلفة ، كفهم دلالة الأسباب على نتائجها ، والعكس .
والله خلق الإنسان بجهاز إدراكى محدود ؛ تحقيقا لحكمة الله فى تكليف العباد بالشرائع والأحكام ، وتمييز الحلال من الحرام ، ووجوب التصديق الجازم بما جاء فى رسالة الإسلام، من كل خبر ورد عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله ، وأركان الإيمان ، وتحريم القول على الله بغير علم ، وتقديم العقل والهوى على نصوص الشرع .
" وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " ( النحل : 78)
ما هي العتبات المطلقة للحواس الخمس؟
أى : ما هي الحدود التقريبية التي يمكن أن يستقبلها الجهاز الحسى من المؤثرات الخارجية .
العتبات المطلقة لحاسة البصر : أن يدرك العقل عن طريق حاسة البصر : صورة شمعة مضاءة تُرى على بعد 30 ميلاً في ليلٍ مظلمٍ صافٍ في الظلام 290 مليميكرون .
العتبات المطلقة لحاسة السمع : أن يدرك العقل عن طريق السمع : صوت دقة ساعة في ظروف هادئة تماماً على بعد 20 قدماً.
العتبات المطلقة لحاسة الذوق : أن يدرك العقل عن طريق الذوق : ملعقة صغيرة من السكر مذابة في جالونين من الماء .
العتبات المطلقة لحاسة الشم : أن يدرك العقل عن طريق الشم : نقطة عطر منتشرة في غرفة مساحتها 6 أمتار مربعة .
العتبات المطلقة لحاسة اللمس : أن يدرك العقل عن طريق اللمس : جناح ذبابة يسقط على الصدغ من مسافة 1 سم تقريباً.
فإذا كان الجهاز الإدراكى في الإنسان قاصرا بتلك الصورة في الدنيا ؛ فمن الصعب أن يرى ما وراء ذلك مما يحدث في القبر من عذاب ، أو نعيم ، أو يرى الملائكة ، أو الجن ، أو عالم الغيب، أو يرى ذات الله وصفاته من باب أولى ، وعدم رؤيته لهذه الحقائق لا يعنى عدم وجودها .
انعدام رؤية الأشياء يكون لسببين اثنين
إن الشيء لا يرى لسببين هما :
1- خفاء المرئي . 2-ضعف الجهاز الإدراكى للرائى .
وهذا شأن موسى عليه السلام لما سأل ربه الرؤية ، فتجلى الله للجبل الذى يتحمل أقصى درجة من ضوء الشمس ، والذى لا يتحمله الإنسان أكثر من تسعة دقائق تقريبا ، قال تعالى:
" وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ " (الأعراف:143)
ومن ثم فإن من الخطأ طلب البحث عن ، كيفية الذات الإلهية ، أو كيفية صفاتها ، أو كيفية الأمور الغيبية ، اللهم إلا إذا حدث خرق للعادة فى بعض معجزات الأنبياء ، كما فى حديث الكسوف أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
" لقد رأيت فى مقامى هذا كل شئ وعدته ، حتى لقد رأيت أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتمونى جعلت أتقدم ، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا " . ( البخارى )
أما أمر الإدراك فى الآخرة فمختلف تماما ، فالإنسان يوم القيامة يكون على صورة آدم طوله ستون ذراعا ، فإذا قال النبى صلى الله عليه وسلم r :
" إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون فى رؤيته "
علمنا أن إدراك العين المبصرة فى الدنيا ، يختلف عن إدراك العين المبصرة فى الآخرة ، ولذلك وجب الإيمان بالرؤية فى الآخرة ، وبصفات الله تعالى دون البحث عن كيفيتها
العقل الصريح ومدارك اليقين
أقصى حدود العقل الصريح أن يتعرف على وجود الله وعظمته من خلال الأسباب ودلالتها، وهناك عدة أمور يدرك بها العقل حقائق الأشياء على وجه اليقين :
أولا : البديهيات والأوليات :
فكل مفعول لابد له من فاعل ، وكل نتيجة لابد لها من سبب ، فنحن ما رأينا سيارة تتحرك دون قائدها ، أو أوراقا كتبت وحدها بغير كاتبها .
ولذلك حكمت مريم عليها السلام بالبديهيات لما أتاها الملك :
" قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا " (مريم :19،20)
فمريم عليها السلام تعنى أنه لم يمسسها بشر بزواج ، وأنها لم تكن بغيا بزنا ؛ لأن البديهيات تجعل العقل يحكم حكما يقينيا بأن الولد لا يأتى إلا عن طريق مشروع أو ممنوع .
ولما سئل الأعرابى عن وجود الخالق قال :
" إن البعرة تدل على البعير ، والأثر يدل على المسير ،
فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، ألا تدل على اللطيف الخبير ؟"
فبنى إجابته على دلالة الأوليات على الخالق باليقين ، وأنه من المحال عقلا وجود مخلوق بغير خالق . قال تعالى :
" أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ "
( الطور : 35 ،36)
فالمفعولات دالة على الأفعال ، والأفعال دالة على الصفات ، والمخلوق يدل على الخالق .
ثانيا : المحسوسات :
المحسوسات من الأمور التى يدرك بها العقل الحقائق ، وهى من مدارك اليقين .
وبالمحسوسات يثبت الحكم فى جريمة الزنا على وجه اليقين . قال تعالى :
" وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً " ( النور : 3)
وقد أمر الله عباده باستخدام المحسوسات فى النظر إلى الإبداع فى المخلوقات . قال تعالى :
" أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ .وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ . فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ " ( الغاشية : 17-21)
ثالثا : المتواترات :
المتواترات من الأمور التى يدرك بها العقل حقائق الأشياء ، وهى : الخبر المتواتر بنقل العدل الضابط الصادق ؛ كعلمنا بوجود مكة والمدينة .
والمتواتر من الأحاديث هو ما رواه جمع يستحيل اتفاقهم على الكذب ، عن جمع آخر يستحيل اتفاقهم على الكذب ، إلى نهاية الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم r والحديث المتواتر يدل على اليقين .
ويحصل اليقين أيضا بخبر الواحد المعروف بالعدالة والضبط وعدم الكذب ، كالراوى الثقة الذى لم يعرف بارتكاب كبيرة ، ولا إصرار على صغيرة .
وقد بعث رسول الله إلى الملوك رسولا واحدا يدعوهم إلى الإسلام ، وكان كل رسول يعلم الناس أحكام دينهم عقيدة وشريعة ، وافترض على كل جهة قبول رواية معلمهم ، فصح قبول خبر الواحد الثقة عن مثله مبلغا عن رسول الله .
رابعا : التجريبيات :
التجريبيات من الأمور التى يدرك بها العقل حقائق الأشياء ، كحكمك أن النار محرقة ، وأن الماء يطفئها ، فهى سنن وعادات ، وتجارب وممارسات تدل على حدوث اليقين فى النفس .
لذلك حذرنا الله من العصيان ، وذكرنا بما حدث لأعدائه فى سالف الأزمان .
قال تعالى :
" قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ " ( آل عمران :137)
وعند البخارى من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
"لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين "
خامسا : الاعتراف :
من الأمور التى يدرك بها العقل حقائق الأشياء ، اعتراف الإنسان على نفسه بذنبه ، وهو سيد الأدلة ، وعليه أقام النبى صلى الله عليه وسلم r الحد ، ورجم الزانى والزانية .
روى مسلم عن بريدة بن الحصيب رضى الله عنه أنه قال : " جاء ماعز بن مالك إلى النبى صلى الله عليه وسلم r فقال : يارسول الله طهرنى ، فقال : " ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه"، قال بريدة : فرجع غير بعيد ثم جاء فقال : يارسول الله طهرنى ؟ فقال : " ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه"، فرجع غير بعيد ثم جاء فقال : يارسول الله طهرنى ؟
فقال النبى صلى الله عليه وسلم r مثل ذلك ، حتى إذا كانت الرابعة ، قال له رسول الله r : " ؟فيم أطهرك ؟ " فقال : من الزنا . فسأل رسول الله r : " أبه جنون ؟ " فأخبر أنه ليس بمجنون ، فقال : "أشرب خمرا ؟ " فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر . قال بريدة : فقال رسول الله r : "أزنيت؟" فقال : نعم . فأمر به فرجم ".
وغاية ما للعقل الصريح النظر فى الأسباب ، والتعرف بدلالتها على وجود الخالق ، فقول العامة : ربنا عرفوه بالعقل ، لا يحمل إلا على معرفة وجوده من خلال النظر فى الأسباب ، والتعرف من خلالها على عظمته ، وعلمه ، ومشيئته ، وحكمته .
وأما لو أردنا أن نتعرف على عالم الغيب ، أو ما يحدث فى القبر ، أو عالم الملائكة والجن ، أو نتعرف على ذات الله وأسمائه وصفاته ، فلابد من طريق آخر وهو : طريق النقل .
المقصود بالنقل
والمقصود بالنقل : الوحى المتمثل فى كتاب الله وسنة رسوله ويسمى أيضا بـ : الشرع ، أو السمع ، أو الخبر .
والنقل : هو ما جاءنا من الله يعرفنا فيه بنفسه ، فبين لنا أسماءه وصفاته وأفعاله ، وما فى عالم الغيب .
جملة النقل تمثلت فى القرآن وما ثبت فى السنة
وقد تلقاها النبى عن طريق الوحى بصوره المختلفة . قال تعالى :
" وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى " ( النجم : : 3، 4)
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ "
( الشورى : 51)
وقد تحددت بهذه الآية وسائل خطاب الرسل مع ربهم :
(1) الوحى من خلال الرؤيا فى المنام
قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام :
" فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى "
(الصافات : 102)
وهذه الرؤيا للأنبياء وحى ، ولغيرهم مبشرات ، ولا قيمة لها فى إثبات الأحكام ، او إلزام النفس بأى اعتقاد يراه فى المنام ، أو إلزام الآخرين بمقتضاه .
(2) الكلام الإلهى المباشر من وراء حجاب بدون واسطة يقظة
قال تعالى : " وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا " ( النساء : 164)
(3) الكلام الإلهى غير المباشر بواسطة إرسال أمين الوحى جبريل
وله فى كيفية التبليغ إحدى حالتين ، كما فى حديث الحارث بن هشام رضى الله عنه أنه سأل رسول الله rصلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، كيف يأتيك الوحى ؟ فقال رسول الله r :
" أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس وهو أشده على ، فيفصم عنى وقد وعيت عنه ماقال ، وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فأعى ما يقول " ( البخارى )
وقد انقطع الوحى ، فلا ينزل على بشر إلى يوم القيامة ، فمن ادعى أن ما يقوله أو يكتبه إنما تلقاه بطريق الوحى، فقد كذب على الله ورسوله ، ومن ذلك قول القائل من غلاة الصوفية :
" أخذتم علمكم ميتا عن ميت ، وأخذنا علمنا عن الحى الذى لا يموت ، يقول أمثالنا : حدثنى قلبى عن ربى ، وأنتم تقولون : حدثنى فلان ، وأين هو ؟ قالوا مات ، عن فلان ، وأين هو ؟ قالوا : مات ".
وكذلك ادعاء محيى الدين بن عربى أن كتاب الفصوص أخذه من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوبا من اللوح المحفوظ ، وكذلك ما ادعاه عبد الكريم الجيلى من أصحاب مذهب وحدة الوجود حيث قال : "يتجلى الحق سبحانه وتعالى على العبد بتجلى يسمع فيه صلصلة الجرس "!
النقل الصحيح حجة يوجب تصديق الخبر وتنفيذ الطلب
قال ابن حزم : " الوحى ينقسم من الله عز وجل إلى رسول إلى قسمين : أحدهما : وحى متلو مؤلف تأليفا معجز النظام ، وهو القرآن .
الثانى : وحى مروى منقول ، غير مؤلف ، ولا معجز النظام ، ولا متلو ، ولكنه مقروء ، وهو الخبر الوارد عن رسول الله rصلى الله عليه وسلم ، وهو المبين عن الله مراده منا .
قال تعالى :
" وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " ( الحشر : 7)
وأمثال ذلك فى القرآن كثير ، وكله يدل على أن السنة وحى من الله تعالى لرسوله r ، وأنه لابد من الإذعان لها كالقرآن سواء بسواء .
وقال النبى rصلى الله عليه وسلم :
" ألا إنى أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول :
عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلالا فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه
(صحيح ابن ماجة )
وفى رواية : " وإن ما حرّم رسول الله كما حرم الله " ( صحيح سنن الترمذى )
وجمهور العلماء على أن خبر الواحد العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه إلى رسول الله r يوجب العلم والعمل معا ، فلا عبرة ببعض آراء المعتزلة والمتكلمين الداعية إلى عدم الاحتجاج بالسنة فى الآحاد ، أو المتواتر من الروايات بحجة مخالفتا لآرائهم الكلامية .
النقل الصريح لايثبت إلا بقواعد المحدثين
الطريق الوحيد فى ثبوت السنة هو الالتزام بقواعد المحدثين فى معرفتها ، وهو ما عرف بعلم الحديث ، أو العلم بالأصول التى يعرف بها أحوال السند والمتن ، من حيث القبول والرد .
ولا يصح الحكم على ثبوت الحديث بالأصول الكلامية ، أو المناهج الفلسفية ، أو الكشوفات الذوقية ، كقول ابن عربى : " ربما صح عندنا من أحاديث الأحكام ما اتفق المحدثون على ضعفه، وتجريح نقلته ، وقد أخذناه من الكشف عن قائله صحيحا ، ورب حديث قد صححوه، وليس بصحيح عندنا بطريقة الكشف ، فنترك العمل به ".
وبهذا الهجوم على علم الحديث تنهدم السنة ، وتبقى ألعوبة فى يد هؤلاء ، وليس من ضابط نرجع إليه ، ما دام أن هذا الكشف علم روحى غيبى ، وقد يكون كشف هذا الصوفى غير كشف ذاك .
محاضرات فى أصول العقيدة, ملخصات كتاب ( أصول العقيدة )د. محمود عبدالرازق الرضوانى
الكتاب
http://alridwany.com/?articles=topic&topic=226
دورة أصول العقيدة - المحاضرة الاولي الجزء الأول -ماهية العقل والنقل ومدارك اليقين
http://alridwany.com/?video=show&show=62#player