memainzin
12-18-2013, 11:36 AM
فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ
د. زغلول النجار
في هاتين الآيتين الكريمتين يقسم ربنا ـ سبحانه وتعالى ـ وهو الغني عن القسم ـ بمواقع النجوم, ثم يأتي جواب القسم: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة: 77 ـ 80)
والمعني المستفاد من هذه الآيات الكريمة أن الله تعالى يخبرنا بقوله ـ عز وجل ـ: أقسم قسماً مغلظاً بمواقع النجوم ـ وأن هذا القسم جليل عظيم ـ لو كنتم تعرفون قدره ـ أن هذا القرآن كتاب كريم, جمع الفوائد والمنافع, لاشتماله على أصول الدين من العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات, وغير ذلك من أمور الغيب وضوابط السلوك وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة والعبر المستفادة منها, وعدد من حقائق ومظاهر الكون الدالة على وجود الله وعلى عظيم قدرته, وكمال حكمته وإحاطة علمه.
ويأتي جواب القسم:
أن الله تعالى قد تعهد بحفظ هذا الوحي الخاتم في كتاب واحد مصون بقدرة الله تعالى, محفوظ بحفظه من الضياع أو التبديل والتحريف, وهو المصحف الشريف, الذي لا يجوز أن يمسه إلا المطهرون من جميع صور الدنس المادي (أي المتوضئون الطاهرون), ولا يستشعر عظمته وبركته إلا المؤمنون بالله, الموحدون لذاته العليا, المطهرون من دنس الشرك, والكفر, والنفاق, ورذائل الأخلاق, لأن هذا القرآن الكريم هو وحي الله الخاتم, المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ، وهو معجزته الخالدة إلى يوم الدين, أنزله الله تعالى بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله، وربنا ـ سبحانه وتعالى ـ وهو الإله الخالق, رب السماوات والأرض ومن فيهن, وقيوم الكون ومليكه ـ سبحانه وتعالى ـ، يقول عز وجل: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة: 75 ـ 80).
لماذا القسم بمواقع النجوم وليس بالنجوم ذاتها؟
هذا القسم القرآني المغلظ جاء بمواقع النجوم وليس بالنجوم ذاتها، علما بأن النجوم من أعظم صور إبداع الله في الكون، وفي هذا القسم نلاحظ أن (الفاء) حرف عطف, يُعطف بها فتدل على الترتيب والتعقيب مع الاشتراك, أو يكون ما قبلها علة لما بعدها, وتجري على العطف والتعقيب دون الاشتراك, وقد تكون للابتداء, ويكون ما بعدها حينئذ كلاماً مستأنفاً, وأغلب الظن أنها هنا للابتداء.
و (لا) أحد حروف الهجاء، اعتبرها نحاة البصريين حرفاً زائداً في اللفظ لا في المعني, بينما اعتبرها نحاة الكوفيين اسماً لوقوعها موقع الاسم, خاصة إذا سُبقت بحرف من حروف الجر, وهي تأتي نافية للجنس, أو ناهية عن أمر, أو جوابية لسؤال, أو بمعني: غير، أو زائدة, وتارة تعمل عمل إن, أو عمل ليس, أو غير ذلك من المعاني.
ومن أساليب اللغة العربية إدخال لا النافية للجنس على فعل القسم: لا أقسم من أجل المبالغة في توكيد القسم, بمعني أنه لا يقسم بالشيء إلا تعظيماً له, كأنهم ينفون ما سوى المقسم عليه فيفيد تأكيد القسم به, وقيل: هي للنفي, بمعني لا أقسم به إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أصلاً فضلا عن هذا القسم العظيم.
ومواقع النجوم هي الأماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء وهي محتفظة بعلاقاتها المحددة بغيرها من الأجرام في المجرة الواحدة, وبسرعات جريها ودورانها, وبالأبعاد الفاصلة بينها, وبقوى الجاذبية الرابطة بينها, واللفظة: مواقع جمع موقع يقال: وقع الشيء موقعه, من الوقوع بمعنى السقوط.
والمسافات بين النجوم مذهلة للغاية لضخامة أبعادها, وحركات النجوم عديدة وخاطفة, وكل ذلك منوط بالجاذبية, وهي قوة لا تُري, تحكم الكتل الهائلة للنجوم, والمسافات الشاسعة التي تفصل بينها, والحركات المتعددة التي تتحركها من دوران حول محاورها وجري في مداراتها المتعددة, وغير ذلك من العوامل التي نعلم منها ولا نعلم...!!!
وهذا القَسم القرآني العظيم بمواقع النجوم يشير إلى سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى إحدى حقائق الكون المبهرة, والتي مؤداها أنه نظراً للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عن أرضنا, فإن الإنسان على هذه الأرض لا يري النجوم أبداً, ولكنه يري مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها, وفوق ذلك أن هذه المواقع كلها نسبية, وليست مطلقة,لأن الضوء كأي صورة من صور المادة والطاقة لا يستطيع أن يتحرك في صفحة السماء إلا في خطوط منحنية، وعين الإنسان لا ترى إلا في خطوط مستقيمة وعلى ذلك فإن الناظر إلى النجم من فوق سطح الأرض يراه على استقامة آخر نقطة انحنى ضوؤه إليها، فيرى موقعا وهميا للنجم غير الموقع الذي انبثق منه ضوءه، فنظرا لانحناء الضوء في صفحة السماء فإن النجوم تبدو لنا في مواقع ظاهرية غير مواقعها الحقيقية، ليس هذا فقط بل إن الدراسات الفلكية الحديثة قد أثبتت أن نجوماً قديمة قد خبت أو تلاشت منذ أزمنة بعيدة, والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها لا يزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلى اليوم الراهن, ومن هنا كان هذا القسم القرآني بمواقع النجوم, وليس بالنجوم ذاتها ـ على عظم قدر النجوم ـ التي كشف العلم عنها أنها أفران كونية عجيبة يخلق الله تعالى لنا فيها كل صور المادة والطاقة التي ينبني منها هذا الكون المدرك، ثم إن عدد ما أحصاه علماء الفلك من النجوم في الجزء المدرك من السماء الدنيا إلى يومنا هذا تعدى سبعين مليار تريليون نجم.
ماهية النجوم
النجوم هي أجرام سماوية منتشرة بالسماء الدنيا, كروية أو شبه كروية, غازية, ملتهبة, مضيئة بذاتها, متماسكة بقوة الجاذبية على الرغم من بنائها الغازي, هائلة الكتلة, عظيمة الحجم, عالية الحرارة بدرجة مذهلة, وتشع موجات كهرومغناطيسية على هيئة كل من الضوء المرئي وغير المرئي بجميع موجاته. ويمكن بدراسة ضوء النجم الواصل إلينا التعرف على العديد من صفاته الطبيعية والكيميائية من مثل درجة لمعانه, شدة إضاءته, درجة حرارته, حجمه, متوسط كثافته، كتلته,تركيبه الكيميائي، ومستوى التفاعلات النووية فيه، موقعه منا, سرعة دورانه حول محوره, وسرعة جريه في مداره, وسرعة تباعده عنا أو اقترابه منا، إلى غير ذلك من صفات.
وقد أمكن تصنيف النجوم العادية على أساس من درجة حرارة سطحها إلى نجوم حمراء (3200 درجة مطلقة) وهي أقلها حرارة, إلى برتقالية, وصفراء, وبيضاء مائلة إلى الصفرة, وبيضاء, وبيضاء مائلة إلى الزرقة, وزرقاء (30,000 درجة مطلقة) وهي أشدها حرارة, وشمسنا من النجوم الصفراء متوسطة الحرارة إذ تبلغ درجة حرارة سطحها حوالي ستة آلاف درجة مطلقة، وتعرف باسم النجوم العادية.
والغالبية الساحقة من النجوم (90%) تتبع هذه الأنواع من النجوم العادية التي تعرف باسم نجـوم النسـق الأسـاسي(The Main Sequence Stars) ، والباقي هي نجوم في مراحل الانكدار أو الطمس أو في مراحل الانفجار, من مثل الأقزام البيضاء, النجوم النيوترونية (النابضة وغير النابضة) والثقوب السود من مجموعة النجوم المنكدرة والمطموسة، والعمالقة الحمر, والعمالقة العظام, والنجوم المستعرة (المستعمرات), والنجوم المستعرة العظمى من مجموعة النجوم المتفجرة. وأكثر النجوم العادية لمعاناً هي أعلاها كثافة, وبعضها يصل في كتلته إلى مائة مرة قدر كتلة الشمس, وتشع قدر إشعاع الشمس ملايين المرات.
وأقل نجوم السماء لمعاناً هي الأقزام الحمر(The Red Dwarfs) وتبلغ درجة لمعانها أقل من واحد من الألف من درجة لمعان الشمس (وعلى ذلك فهي تدخل في نطاق النجوم المنكدرة). وأقل كتلة لجرم سماوي يمكن أن تتم بداخله عملية الاندماج النووي فيسلك مسلك النجوم هو 8% من كتلة الشمس (المقدرة بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن), والنجوم بمثل هذه الكتل الصغيرة نسبيًا هي من النجوم المنكدرة من أمثال النجوم البنية القزمة أو ما يعرف باسم الأقزام البنية (The Brown Dwarfs) .
والنجوم تمر بمراحل من الميلاد والشباب والشيخوخة قبل أن تنفجر أو تتكدس على ذاتها فتنكدر أو تطمس طمسًا جزئيًا أو كاملاً , فهي تولد من الدخان الكوني بتكدس هذا الدخان على ذاته (بإرادة الخالق سبحانه وتعالى) وبفعل الجاذبية، فتتكون نجوم ابتدائية (Prostars)، ثم تتحول هذه النجوم الابتدائية إلى النجوم العادية (The Main Sequence Stars)، ثم تنتفخ متحولة إلى العماليق الحمر (The Red Giants)، فإذا فقدت العماليق الحمر هالاتها الغازية تحولت إلى ما يعرف باسم السدم الكوكبية(The Planetary Nebulae)، ثم تنكمش على هيئة ما يعرف باسم الأقزام البيض (The White Dwarfs)، وقد تتكرر عملية انتفاخ القزم الأبيض إلى عملاق أحمر ثم العودة إلى القزم الأبيض عدة مرات, وتنتهي هذه الدورة بالانفجار على هيئة مستعر أعظم من الطراز الأول (Type I Supernova Explosion)، أما إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم العادي كبيرة (عدة مرات قدر كتلة الشمس) فإنه ينتفخ في آخر عمره على هيئة العمالقة الكبار (The Supergiants), ثم ينفجر على هيئة مستعمر أعظم من الطراز الثاني (Type II Super nova Explosion), فينتج عن هذا الانفجار النجوم النيوترونية النابضة(The Pulsating Neutron Stars or The Pulsars)، وغير النابضة (The Non- Pulsating Neutron Stars) أو الثقوب السود (The Black Holes) أو ما نسميه باسم النجوم الخانسة الكانسة (كما سماها خالقها في القرآن الكريم) وذلك حسب الكتلة الابتدائية للنجم.
والنجوم العادية منها المفرد (The Solitary Stars) ( مثل شمسنا)، والنجوم المزدوجة (The Binary Stars)، ومنها النجوم المتعددة (The Multiple Stars) ، وتشير الدراسات الفلكية إلى أن أغلب النجوم مزدوجة أو متعددة, والنجوم المزدوجة تتشكل من نجمين يدوران في مدار واحد حول مركز ثقلــــهماTheir Common Center of Mass)) ومن النجوم المزدوجة ما يمكن أن يتقارب فيها النجمان من بعضهما البعض بحيث لا يمكن فصلهما إلا عن طريق فصل أطياف الضوء المنبثق من كل منهما بواسطة المطياف الضوئي (The Spectroscope)، ومن هذه النجوم المزدوجة ما يمكن أن يخفي أحدهما الآخر لدرجة الكسوف الكلي لأحدهما فلا يرى.
والنجوم أفران كونية عملاقة، يتم في داخلها سلاسل من التفاعلات النووية التي تعرف باسم عملية الاندماج النووي(The Process of Nuclear Fusion) وهي عملية يتم بواسطتها اندماج نوي ذرات الإيدروجين (أخف العناصر المعروفة) لتكون نوي الذرات الأثقل بالتدريج وتنطلق الطاقة التي تزيد من درجة حرارة النجم حتى يتحول إلى ما يعرف باسم النجم المستعر(The Nova) والعملاق الأحمر (The Red Giant)، أو النجم العملاق الأعظم (The Supergiant)، وحينما يتحول قلب النجم المستعر إلى حديد تستهلك طاقة النجم, وتتوقف عملية الاندماج النووي فيه, وينفجر النجم فيتحول إما إلى قزم أبيض, أو إلى نجم نيوتروني أو إلى ثقب أسود حسب كتلته الابتدائية، فينكدر النجم أو يطمس ضوؤه طمسًا كاملاً.
وعند انفجار النجوم تتناثر أشلاؤها ـ ومنها الحديد ـ في صفحة السماء, فيبدأ بعض هذا الحديد في اصطياد الجسيمات الأولية للمادة لتكوين العناصر الأعلى في وزنها الذري من الحديد بالتدريج، أو قد توجهه الإرادة الإلهية إلى أحد أجرام السماء التي تحتاج إلى الحديد أو إلى غيره من العناصر الأعلى في وزنها الذري.
الشمس نجم عادي من نجوم السماء الدنيا
الشمس هي النجم الذي تتبعه أرضنا فتدور حولها مع باقي أفراد المجموعة الشمسية, وتدور معه حول مركز المجرة, ومع المجرة حول مراكز أعلى بالتدريج إلى نهاية لا يعلمها إلا الله ـ سبحانه وتعالىـ. والشمس هي أقرب نجوم السماء إلينا, ويقدر بُعدها عنا بحوالي مائة وخمسين مليونًا من الكيلومترات, ويقدر نصف قطرها بحوالي سبعمائة ألف كيلو متر، وتقدر كتلتها بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن، ومتوسط كثافتها (1.41 جرام للسنتيمتر المكعب) أي أعلى قليلاً من كثافة الماء, ونظرًا لبعدها الشاسع عنها تبدو الشمس لنا قرصًا صغيرًا في السماء على الرغم من أن حجمها يزيد عن مليون ضعف حجم الأرض. وتقدر درجة حرارة لب الشمس بحوالي 15 مليون درجة مطلقة، ودرجة حرارة سطحها بحوالي ستة آلاف درجة مطلقة (5800 درجة مطلقة) بينما تصل درجة الحرارة في هالة الشمس ( أي إكليلها) إلى مليوني درجة مطلقة, وهذه الدرجات العالية من الحرارة, والانخفاض الشديد في كثافة مادة الشمس لا يسمحان للإنسان من على سطح الأرض برؤية الشمس بالعين المجردة, ولا باستخدام المناظير المقربة إلا إذا احتجبت الكرة المضيئة للشمس (Photosphere) احتجابًا كاملا بالكسوف الكلي للشمس، أو بواسطة عدد من الطرق المختبرية المختلفة, والكثافة في مركز الشمس تتراوح بين 90 و 200 جرامًا للسنتيمتر المكعب, وتتناقص في اتجاه سطح الشمس لتصبح جزءا من عشرة ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب.
وتنتج الطاقة في الشمس أساسًا من تحول الإيدروجين إلى هيليوم بعملية الاندماج النووي, وان كانت العملية تستمر بمعدلات بسيطة لتنتج بعض العناصر الأعلى في وزنها الذري وتتكون الشمس بنسبة 70% إيدروجين, 28% هيليوم, 2% عناصر أخري, والشمس هي المصدر الأساسي للطاقة على سطح الأرض.
ونظرا لأن غالبية جسم الشمس غازي لا تمسك به إلا الجاذبية الشديدة، فإن دورانها حول محورها يتم بطريقة جزئية, قلب الشمس (حوالي ثلث قطرها) يدور كجسم صلب يتم دورته في5.36 يوم من أيام الأرض تقريبًا, بينما الكرة الغازية المحيطة بذلك اللب (وسمكها حوالي ثلثي نصف قطر الشمس) يتم دورته حول مركز الشمس في حوالي 24 يومًا من أيام الأرض، و على ذلك فان متوسط سرعة دوران الشمس حول محورها يقدر بحوالي 27 وثلث يوم من أيامنا.
وتجري الشمس (ومعها مجموعتها الشمسية) في صفحة الكون بسرعة تقدر بحوالي 19 كيلو متر في الثانية نحو نقطة في كوكبة هرقل بالقرب من نجم النسر الواقع (Vega) وهي تسمي علميا باسم قمة الشمس, ولعلها هي ما يسميها خالقها ـ سبحانه وتعالى ـ في محكم كتابه (مستقر الشمس)، كما تجري الشمس (ومعها مجموعتها الشمسية) بسرعة تقدر بحوالي220 كيلو مترا في الثانية حول مركز مجرتنا (درب اللبانة) لتتم هذه الدورة في 225 مليون سنة من سنين الأرض. وأقرب كواكب المجموعة الشمسية إلى الشمس (وهو كوكب عطارد) يبعد عنها بحوالي 58 مليون كيلو متر, وأبعدها عن الشمس (وهو كوكب بلوتو) يبعد عنها بحوالي ستة آلاف مليون كيلومتر. ويعتقد حسابيًا أن هناك كوكب أبعد من (بلوتو) ولكن لم يتم رصده بعد.
وإذا خرجنا عن نطاق المجموعة الشمسية فإن هذه المقاييس الأرضية لا تفي بقياس المسافات التي تفصل بقية نجوم السماء الدنيا عنا, فاتفق العلماء على وحدة قياس كونية تعرف باسم السنة الضوئية, وهي المسافة التي يقطعها الضوء بسرعته المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية في سنة من سنينا, وهي مسافة مهولة تقدر بحوالي 9.5 مليون مليون كيلو متر.
أبعاد النجوم عن أرضنا
اكتشف علماء الفلك أن أقرب النجوم إلينا بعد الشمس هو نجم يعرف باسم النجم المركزي الأول (أو الأقرب القنطوري (Alpha Centaurus) ويبعد عنا بمسافة 4.3 من السنين الضوئية, بينما يبعد عنا النجم القطبي بحوالي 400 سنة ضوئية, ويبعد عنا منكب الجوزاء مسافة 1600 سنة ضوئية, وأبعد نجوم مجرتنا (درب اللبانة) يبعد عنا بمسافة ثمانين ألف سنة ضوئية. ومجموعتنا الشمسية عبارة عن واحدة من حشد هائل للنجوم على هيئة قرص مفرطح يبلغ قطره مائة ألف سنة ضوئية, وسمكه نحو عشر ذلك, وتقع مجموعتنا الشمسية على بعد ثلاثين ألف سنة ضوئية من مركز المجرة, وعشرين ألف سنة ضوئية من أقرب أطرافها.
وتحتوي مجرتنا ( درب اللبانة أو الطريق اللبني) (The Milky Way) تحتوي على تريليون (مليون مليون) نجم, وبالجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي ألف مليون مجرة على الأقل, تسبح في ركن من السماء الدنيا يقدر قطرة بأكثر من عشرين ألف مليون سنة ضوئية. وأقرب المجرات إلينا تعرف باسم سحب ماجيلان Magellanic Clouds) (The وهي تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين ألف سنة ضوئية.
المجرات هي تجمعات للنجوم
المجرات هي نظم كونية شاسعة الاتساع تتكون من التجمعات النجمية والغازات والغبار الكونيين (الدخان الكوني) بتركيز يتفاوت من موقع لآخر في داخل المجرة. وهذه التجمعات النجمية تضم عشرات البلايين إلى بلايين البلايين من النجوم في المجرة الواحدة, وتختلف نجوم المجرة في أحجامها, ودرجات حرارتها, ودرجات لمعانها, وفي غير ذلك من صفاتها الطبيعية والكيميائية, وفي مراحل دورات حياتها وأعمارها, فمنها النجوم العادية المفردة, والمزدوجة, والعديدة, والعماليق الكبار، والأقزام الحمر, والنجوم القزمة البيضاء والبنية والسوداء, والنجوم النيوترونية, والثقوب السود, وأشباه النجوم وغيرها مما يتخلق باستمرار من الدخان الكوني ويُفنى إليه.
ومن المجرات ما هو حلزوني الشكل, ومنها ما هو بيضاني( إهليلجي), ومنها ما هو غير محدد الشكل, ومنها ما هو أكبر من مجرتنا كثيرًا, ومنها ما هو في حجمها أو أصغر منها, وتتبع مجرتنا ما يعرف باسم المجموعة المحلـيـة (The Local Group) وهي عبارة عن تجمع محلي لعدد من المجرات، وقد يتجمع عدد أكبر من المجرات على هيئة أكبر تعرف باسم عنقود مجري (Galactic Cluster) كما قد يتجمع عدد من العناقيد المجرية على هيئة عنقود مجري عملاق (Galactic Supercluster) يضم عشرات الآلاف من المجرات.
وتتراوح المجرات في شدة إضاءتها بين سحب ماجلان العظيمة, وعدد من النقاط الباهتة التي لا تكاد أن تدرك بأكبر المقاريب ( المناظير المقربة), وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمى تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا على مستوى مجرتنا, وتتراوح المسافات بين المجرات في التجمع المجري الواحد بين المليون والمليونين من السنين الضوئية, وتبلغ مائة مرة ضعف ذلك بين التجمعات المجرية التي تعتبر وحدة بناء السماء الدنيا.
وبالإضافة إلى المجرات وتجمعاتها المختلفة في الجزء المدرك من السماء الدنيا فإننا نري السدم (The Nebulae) ، وهي أجسام دخانية عملاقة بين النجوم وقد تتخلق بداخلها النجوم، وعلى ذلك فمن السدم ما هو مضيء وما هو معتم.
أشباه النجوم
وهناك أشباه النجوم (Quasars) وهي أجسام سماوية ضعيفة الإضاءة, ولكنها تطلق أقوي الموجات الراديوية في السماء الدنيا, وقد اشتق اسمها باللغة الانجليزية من الوصف (The Quasi-Srellar Radio Sources) أي أشباه النجوم المصدرة للموجات الراديوية, وإن كان منها ما لا يصدر موجات راديوية (The Radio-quiet Quasi Stellar Objects) ـ وهي أجرام سماوية تتباعد عنا بسرعات فائقة, وتعتبر أبعد ما تم رصده من أجرام السماء إلى الآن بالنسبة للأرض. وتبدو أنها حالة خاصة من حالات المادة غير معروفة لنا, وتقدر كتلة شبيه النجوم بحوالي مائة مليون ضعف كتلة الشمس, وتبلغ كثافته واحدًا على البليون من الطن للسنتيمتر المكعب (واحد على ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب), وتبلغ الطاقة الناتجة عنه مائة مليون مليون مرة قدر طاقة الشمس. وقد تم الكشف عن حوالي1500 من أشباه النجوم على أطراف الجزء المدرك من الكون, وكشفت دراستها بواسطة المقربات الراديوية عن عدد من المفاجآت الفلكية المذهلة, ويتوقع الفلكيون وجود آلاف من هذه الأجرام السماوية العجيبة.
من أسباب القسم بمواقع النجوم
هذه الصفات المذهلة للنجوم تركها القسم القرآني وركز على مواقع النجوم فقال سبحانه وتعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ)
ولعل من أسباب ذلك ما يلي:
أولا: أنه نظرًا للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عنا فإنه لا يمكن لنا رؤية النجوم من على سطح الأرض أبدًا, ولا بأية وسيلة مادية, وكل الذي نراه من نجوم السماء هو مواقعها التي مرت بها ثم غادرتها, إما بالجري في الفضاء الكوني بسرعات مذهلة, أو بالانفجار والاندثار, أو بالانكدار والطمس. فالشمس وهي أقرب نجوم السماء إلينا تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين مليون كيلومتر, فإذا أنبثق منها الضوء بسرعته المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية من موقع معين مرت به الشمس فإن ضوءها يصل إلى الأرض بعد ثماني دقائق وثلث دقيقة تقريبا, بينما تجري الشمس بسرعة تقدر بحوالي 19 كيلومترا في الثانية في اتجاه نجم النسر الواقع (Vega) فتكون الشمس قد تحركت لمسافة لا تقل عن عشرة آلاف كيلومتر عن الموقع الذي انبثق منه الضوء، ونحن لا نرى ضوءها إلا على هيئة صورة وهمية للموقع الذي انبثق منه الضوء الذي رأيناه، وهذا من رحمة الله بنا لأن الإنسان إذا نظر إلى النجم بطريقة مباشرة فإنه يفقد بصره في الحال.
وأقرب النجوم إلينا بعد الشمس وهو المعروف باسم النجم المركزي الأول (أو الأقرب القنطوري) يصل إلينا ضوؤه بعد 4,3 سنة من انطلاقه من النجم, أي بعد أكثر من خمسين شهرًا يكون النجم قد تحرك خلالها ملايين عديدة من الكيلومترات, بعيدًا عن الموقع الذي صدر منه الضوء, وهكذا فنحن من على سطح الأرض لا نري النجوم أبدًا, ولكننا نري صورا قديمة للنجوم انطلقت من مواقع مرت بها, وتتغير هذه المواقع من لحظة إلى أخرى بسرعات تتناسب مع سرعة تحرك النجم في مداره, ومعدلات توسع الكون, وتباعد المجرات عنا, والتي يتحرك بعض منها بسرعات تقترب أحيانا من ثلاثة أرباع سرعة الضوء, وأبعد نجوم مجرتنا عنا يصلنا ضوءه بعد ثمانين ألف سنة من لحظة انبثاقه من النجم, بينما يصلنا ضوء بعض النجوم البعيدة عنا بعد بلايين السنين, وهذه المسافات الشاسعة مستمرة في الزيادة مع الزمن نظرًا لاستمرار تباعد المجرات عن بعضها البعض بسبب اتساع الكون. ومن النجوم التي تتلألأ أضواؤها في سماء ليل الأرض وما ثبت علميًا أنه قد انفجر وتلاشي، أو طمس واختفي منذ ملايين السنين, لأن آخر شعاع انبثق منها قبل انفجارها أو طمسها لم يكن قد وصل إلينا بعد, والضوء القادم منها اليوم يعبر عن ماض قد يقدر بملايين السنين.
ثانيًا: ثبت علميًا أن الضوء مثل المادة ينحني أثناء مروره في مجال تجاذبي مثل الكون, وعليه فإن موجات الضوء تتحرك في صفحة السماء الدنيا في خطوط منحنية يصفها القرآن الكريم (بالمعارج), ويصف الحركة ذاتها (بالعروج), وهو الانعطاف والخروج عن الخط المستقيم, كما يمكن أن يفيد الصعود في خط منعطف, ومن هنا كان وصف رحلة المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ في السماوات العلا (بالعروج), وسميت الليلة باسم (المعراج) والجمع (معارج) و (معاريج). وحينما ينعطف الضوء الصادر من النجم في مساره إلى الأرض فإن الناظر من الأرض يرى موقعا للنجم على استقامة بصره, وهو موقع يغاير موقعه الذي صدر منه الضوء, مما يؤكد مرة أخرى أن الإنسان من فوق سطح الأرض لا يمكنه أن يري النجوم أبدا.
ثالثًا: أن النجوم في داخل المجرة الواحدة مرتبطة مع بعضها بالجاذبية المتبادلة بينها, والتي تحكم مواقع النجوم وكتلها, فمع تسليمنا بأن الله تعالى هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا كما أخبرنا سبحانه وتعالى بقوله:(إن اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (فاطر:41).
ويقول ربنا عز وجل: (... وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحج:65).
إلا أن الله تعالى له سننه التي يحقق بها مشيئته ـ وهو القادر على أن يقول للشيء: (كن فيكون) وهو ـ تعالى ـ وضع للكون هذه السنن المتدرجة لكي يستطيع الإنسان فهمها ويتمكن من توظيفها في حسن القيام بواجب الاستخلاف في الأرض, فمواقع النجوم على مسافات تتناسب تناسبًا طرديًا مع كتلها، ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقوى الجاذبية التي تمسك بها في تلك المواقع، وتحفظ السماء أن تقع على الأرض إلا بإذن الله، ومن هنا كانت قيمة مواقع النجوم التي كانت من وراء هذا القسم القرآني العظيم...!!
رابعًا: أثبتت دراسات الفلك, ودراسات كل من الفيزياء الفلكية والنظرية أن الزمان والمكان شيئان متواصلان, ومن هنا كانت مواقع النجوم المترامية الأبعاد تعكس أعمارها الموغلة في القدم, والتي تؤكد أن الكون الذي نحيا فيه ليس أزليًا, إذ كانت له بداية يحددها الدارسون باثني عشر بليونًا من السنين على أقل تقدير, ومن هنا كان في القسم بمواقع النجوم إشارة إلى قدم الكون مع حدوثه, وهي حقائق لم يتوصل إليها العلم المكتسب إلا بنهاية القرن العشرين.
فقد كان اليونانيون القدامى يصرون على أن الأرض هي مركز الكون, أو أن الشمس هي مركز الكون, وأن كليهما ثابت لا يتحرك, غير متصورين وجود أية بنية سماوية إلا حول الشمس, وكان غيرهم من أصحاب المدنيات السابقة واللاحقة يؤمنون بديمومة الأرض والنجوم, وما بها من صور المادة والطاقة, بل ظل الغربيون إلى أوائل القرن الثامن عشر الميلادي يؤمنون بأن النجوم مثبتات بالسماء, وأن السماء بنجومها تتحرك كقطعة واحدة حول الأرض, وأن الكون في مركزه ثابت غير متحرك, ومكون من عناصر أربعة هي التراب, والماء, والهواء والنار، وحول تلك الكرات الأربع الثابتة تتحرك السماوات..!!
ثم يأتي القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة من السنين ليقسم بمواقع النجوم هذا القسم العظيم, مؤكدًا نسبية وأهمية وتعاظم تلك المواقع, وأن الإنسان لا يمكن له رؤية النجوم من فوق الأرض, وكل ما يمكن أن يراه هي مواقع مرت بها النجوم, ويأتي العلم في نهاية القرن العشرين مؤكدا كل ذلك..!!
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال المهم: من الذي علم سيدنا محمدًا ـ صلي الله عليه وسلم ـ كل هذه المعارف العلمية الدقيقة لو لم يكن القرآن الذي أوحي إليه هو كلام الله الخالق..!!؟ ولماذا أشار القرآن الكريم إلى مثل هذه القضايا الغيبية التي لم يكن لأحد علم بها في زمان الوحي ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك؟ لولا أن الله (تعالى) يعلم بعلمه المحيط أن الناس سوف يأتي عليهم زمان يدركون فيه تلك الحقيقة الكونية, ثم يرجعون إلى كتاب الله فيقرأون فيه هذا القسم القرآني العظيم: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) فيشهدون بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, ويشهدون لهذا النبي الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ أنه كان موصولاً بالوحي, ومعلمًا من قبل خالق السماوات والأرض, وأنه عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم كان ـ بحق ـ كما وصفه ربنا سبحانه وتعالى: (ومَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى *) (النجم:3 ـ 5).
وحينما يتم لهم ذلك تخر أعناقهم للقرآن خاضعين بسلاح العلم الكوني الذي كثيرًا ما استخدم من قبل ـ كذبًا وزورًا ـ لهدم الدين.. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).
د. زغلول النجار
في هاتين الآيتين الكريمتين يقسم ربنا ـ سبحانه وتعالى ـ وهو الغني عن القسم ـ بمواقع النجوم, ثم يأتي جواب القسم: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة: 77 ـ 80)
والمعني المستفاد من هذه الآيات الكريمة أن الله تعالى يخبرنا بقوله ـ عز وجل ـ: أقسم قسماً مغلظاً بمواقع النجوم ـ وأن هذا القسم جليل عظيم ـ لو كنتم تعرفون قدره ـ أن هذا القرآن كتاب كريم, جمع الفوائد والمنافع, لاشتماله على أصول الدين من العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات, وغير ذلك من أمور الغيب وضوابط السلوك وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة والعبر المستفادة منها, وعدد من حقائق ومظاهر الكون الدالة على وجود الله وعلى عظيم قدرته, وكمال حكمته وإحاطة علمه.
ويأتي جواب القسم:
أن الله تعالى قد تعهد بحفظ هذا الوحي الخاتم في كتاب واحد مصون بقدرة الله تعالى, محفوظ بحفظه من الضياع أو التبديل والتحريف, وهو المصحف الشريف, الذي لا يجوز أن يمسه إلا المطهرون من جميع صور الدنس المادي (أي المتوضئون الطاهرون), ولا يستشعر عظمته وبركته إلا المؤمنون بالله, الموحدون لذاته العليا, المطهرون من دنس الشرك, والكفر, والنفاق, ورذائل الأخلاق, لأن هذا القرآن الكريم هو وحي الله الخاتم, المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ، وهو معجزته الخالدة إلى يوم الدين, أنزله الله تعالى بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله، وربنا ـ سبحانه وتعالى ـ وهو الإله الخالق, رب السماوات والأرض ومن فيهن, وقيوم الكون ومليكه ـ سبحانه وتعالى ـ، يقول عز وجل: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة: 75 ـ 80).
لماذا القسم بمواقع النجوم وليس بالنجوم ذاتها؟
هذا القسم القرآني المغلظ جاء بمواقع النجوم وليس بالنجوم ذاتها، علما بأن النجوم من أعظم صور إبداع الله في الكون، وفي هذا القسم نلاحظ أن (الفاء) حرف عطف, يُعطف بها فتدل على الترتيب والتعقيب مع الاشتراك, أو يكون ما قبلها علة لما بعدها, وتجري على العطف والتعقيب دون الاشتراك, وقد تكون للابتداء, ويكون ما بعدها حينئذ كلاماً مستأنفاً, وأغلب الظن أنها هنا للابتداء.
و (لا) أحد حروف الهجاء، اعتبرها نحاة البصريين حرفاً زائداً في اللفظ لا في المعني, بينما اعتبرها نحاة الكوفيين اسماً لوقوعها موقع الاسم, خاصة إذا سُبقت بحرف من حروف الجر, وهي تأتي نافية للجنس, أو ناهية عن أمر, أو جوابية لسؤال, أو بمعني: غير، أو زائدة, وتارة تعمل عمل إن, أو عمل ليس, أو غير ذلك من المعاني.
ومن أساليب اللغة العربية إدخال لا النافية للجنس على فعل القسم: لا أقسم من أجل المبالغة في توكيد القسم, بمعني أنه لا يقسم بالشيء إلا تعظيماً له, كأنهم ينفون ما سوى المقسم عليه فيفيد تأكيد القسم به, وقيل: هي للنفي, بمعني لا أقسم به إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أصلاً فضلا عن هذا القسم العظيم.
ومواقع النجوم هي الأماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء وهي محتفظة بعلاقاتها المحددة بغيرها من الأجرام في المجرة الواحدة, وبسرعات جريها ودورانها, وبالأبعاد الفاصلة بينها, وبقوى الجاذبية الرابطة بينها, واللفظة: مواقع جمع موقع يقال: وقع الشيء موقعه, من الوقوع بمعنى السقوط.
والمسافات بين النجوم مذهلة للغاية لضخامة أبعادها, وحركات النجوم عديدة وخاطفة, وكل ذلك منوط بالجاذبية, وهي قوة لا تُري, تحكم الكتل الهائلة للنجوم, والمسافات الشاسعة التي تفصل بينها, والحركات المتعددة التي تتحركها من دوران حول محاورها وجري في مداراتها المتعددة, وغير ذلك من العوامل التي نعلم منها ولا نعلم...!!!
وهذا القَسم القرآني العظيم بمواقع النجوم يشير إلى سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى إحدى حقائق الكون المبهرة, والتي مؤداها أنه نظراً للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عن أرضنا, فإن الإنسان على هذه الأرض لا يري النجوم أبداً, ولكنه يري مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها, وفوق ذلك أن هذه المواقع كلها نسبية, وليست مطلقة,لأن الضوء كأي صورة من صور المادة والطاقة لا يستطيع أن يتحرك في صفحة السماء إلا في خطوط منحنية، وعين الإنسان لا ترى إلا في خطوط مستقيمة وعلى ذلك فإن الناظر إلى النجم من فوق سطح الأرض يراه على استقامة آخر نقطة انحنى ضوؤه إليها، فيرى موقعا وهميا للنجم غير الموقع الذي انبثق منه ضوءه، فنظرا لانحناء الضوء في صفحة السماء فإن النجوم تبدو لنا في مواقع ظاهرية غير مواقعها الحقيقية، ليس هذا فقط بل إن الدراسات الفلكية الحديثة قد أثبتت أن نجوماً قديمة قد خبت أو تلاشت منذ أزمنة بعيدة, والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها لا يزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلى اليوم الراهن, ومن هنا كان هذا القسم القرآني بمواقع النجوم, وليس بالنجوم ذاتها ـ على عظم قدر النجوم ـ التي كشف العلم عنها أنها أفران كونية عجيبة يخلق الله تعالى لنا فيها كل صور المادة والطاقة التي ينبني منها هذا الكون المدرك، ثم إن عدد ما أحصاه علماء الفلك من النجوم في الجزء المدرك من السماء الدنيا إلى يومنا هذا تعدى سبعين مليار تريليون نجم.
ماهية النجوم
النجوم هي أجرام سماوية منتشرة بالسماء الدنيا, كروية أو شبه كروية, غازية, ملتهبة, مضيئة بذاتها, متماسكة بقوة الجاذبية على الرغم من بنائها الغازي, هائلة الكتلة, عظيمة الحجم, عالية الحرارة بدرجة مذهلة, وتشع موجات كهرومغناطيسية على هيئة كل من الضوء المرئي وغير المرئي بجميع موجاته. ويمكن بدراسة ضوء النجم الواصل إلينا التعرف على العديد من صفاته الطبيعية والكيميائية من مثل درجة لمعانه, شدة إضاءته, درجة حرارته, حجمه, متوسط كثافته، كتلته,تركيبه الكيميائي، ومستوى التفاعلات النووية فيه، موقعه منا, سرعة دورانه حول محوره, وسرعة جريه في مداره, وسرعة تباعده عنا أو اقترابه منا، إلى غير ذلك من صفات.
وقد أمكن تصنيف النجوم العادية على أساس من درجة حرارة سطحها إلى نجوم حمراء (3200 درجة مطلقة) وهي أقلها حرارة, إلى برتقالية, وصفراء, وبيضاء مائلة إلى الصفرة, وبيضاء, وبيضاء مائلة إلى الزرقة, وزرقاء (30,000 درجة مطلقة) وهي أشدها حرارة, وشمسنا من النجوم الصفراء متوسطة الحرارة إذ تبلغ درجة حرارة سطحها حوالي ستة آلاف درجة مطلقة، وتعرف باسم النجوم العادية.
والغالبية الساحقة من النجوم (90%) تتبع هذه الأنواع من النجوم العادية التي تعرف باسم نجـوم النسـق الأسـاسي(The Main Sequence Stars) ، والباقي هي نجوم في مراحل الانكدار أو الطمس أو في مراحل الانفجار, من مثل الأقزام البيضاء, النجوم النيوترونية (النابضة وغير النابضة) والثقوب السود من مجموعة النجوم المنكدرة والمطموسة، والعمالقة الحمر, والعمالقة العظام, والنجوم المستعرة (المستعمرات), والنجوم المستعرة العظمى من مجموعة النجوم المتفجرة. وأكثر النجوم العادية لمعاناً هي أعلاها كثافة, وبعضها يصل في كتلته إلى مائة مرة قدر كتلة الشمس, وتشع قدر إشعاع الشمس ملايين المرات.
وأقل نجوم السماء لمعاناً هي الأقزام الحمر(The Red Dwarfs) وتبلغ درجة لمعانها أقل من واحد من الألف من درجة لمعان الشمس (وعلى ذلك فهي تدخل في نطاق النجوم المنكدرة). وأقل كتلة لجرم سماوي يمكن أن تتم بداخله عملية الاندماج النووي فيسلك مسلك النجوم هو 8% من كتلة الشمس (المقدرة بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن), والنجوم بمثل هذه الكتل الصغيرة نسبيًا هي من النجوم المنكدرة من أمثال النجوم البنية القزمة أو ما يعرف باسم الأقزام البنية (The Brown Dwarfs) .
والنجوم تمر بمراحل من الميلاد والشباب والشيخوخة قبل أن تنفجر أو تتكدس على ذاتها فتنكدر أو تطمس طمسًا جزئيًا أو كاملاً , فهي تولد من الدخان الكوني بتكدس هذا الدخان على ذاته (بإرادة الخالق سبحانه وتعالى) وبفعل الجاذبية، فتتكون نجوم ابتدائية (Prostars)، ثم تتحول هذه النجوم الابتدائية إلى النجوم العادية (The Main Sequence Stars)، ثم تنتفخ متحولة إلى العماليق الحمر (The Red Giants)، فإذا فقدت العماليق الحمر هالاتها الغازية تحولت إلى ما يعرف باسم السدم الكوكبية(The Planetary Nebulae)، ثم تنكمش على هيئة ما يعرف باسم الأقزام البيض (The White Dwarfs)، وقد تتكرر عملية انتفاخ القزم الأبيض إلى عملاق أحمر ثم العودة إلى القزم الأبيض عدة مرات, وتنتهي هذه الدورة بالانفجار على هيئة مستعر أعظم من الطراز الأول (Type I Supernova Explosion)، أما إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم العادي كبيرة (عدة مرات قدر كتلة الشمس) فإنه ينتفخ في آخر عمره على هيئة العمالقة الكبار (The Supergiants), ثم ينفجر على هيئة مستعمر أعظم من الطراز الثاني (Type II Super nova Explosion), فينتج عن هذا الانفجار النجوم النيوترونية النابضة(The Pulsating Neutron Stars or The Pulsars)، وغير النابضة (The Non- Pulsating Neutron Stars) أو الثقوب السود (The Black Holes) أو ما نسميه باسم النجوم الخانسة الكانسة (كما سماها خالقها في القرآن الكريم) وذلك حسب الكتلة الابتدائية للنجم.
والنجوم العادية منها المفرد (The Solitary Stars) ( مثل شمسنا)، والنجوم المزدوجة (The Binary Stars)، ومنها النجوم المتعددة (The Multiple Stars) ، وتشير الدراسات الفلكية إلى أن أغلب النجوم مزدوجة أو متعددة, والنجوم المزدوجة تتشكل من نجمين يدوران في مدار واحد حول مركز ثقلــــهماTheir Common Center of Mass)) ومن النجوم المزدوجة ما يمكن أن يتقارب فيها النجمان من بعضهما البعض بحيث لا يمكن فصلهما إلا عن طريق فصل أطياف الضوء المنبثق من كل منهما بواسطة المطياف الضوئي (The Spectroscope)، ومن هذه النجوم المزدوجة ما يمكن أن يخفي أحدهما الآخر لدرجة الكسوف الكلي لأحدهما فلا يرى.
والنجوم أفران كونية عملاقة، يتم في داخلها سلاسل من التفاعلات النووية التي تعرف باسم عملية الاندماج النووي(The Process of Nuclear Fusion) وهي عملية يتم بواسطتها اندماج نوي ذرات الإيدروجين (أخف العناصر المعروفة) لتكون نوي الذرات الأثقل بالتدريج وتنطلق الطاقة التي تزيد من درجة حرارة النجم حتى يتحول إلى ما يعرف باسم النجم المستعر(The Nova) والعملاق الأحمر (The Red Giant)، أو النجم العملاق الأعظم (The Supergiant)، وحينما يتحول قلب النجم المستعر إلى حديد تستهلك طاقة النجم, وتتوقف عملية الاندماج النووي فيه, وينفجر النجم فيتحول إما إلى قزم أبيض, أو إلى نجم نيوتروني أو إلى ثقب أسود حسب كتلته الابتدائية، فينكدر النجم أو يطمس ضوؤه طمسًا كاملاً.
وعند انفجار النجوم تتناثر أشلاؤها ـ ومنها الحديد ـ في صفحة السماء, فيبدأ بعض هذا الحديد في اصطياد الجسيمات الأولية للمادة لتكوين العناصر الأعلى في وزنها الذري من الحديد بالتدريج، أو قد توجهه الإرادة الإلهية إلى أحد أجرام السماء التي تحتاج إلى الحديد أو إلى غيره من العناصر الأعلى في وزنها الذري.
الشمس نجم عادي من نجوم السماء الدنيا
الشمس هي النجم الذي تتبعه أرضنا فتدور حولها مع باقي أفراد المجموعة الشمسية, وتدور معه حول مركز المجرة, ومع المجرة حول مراكز أعلى بالتدريج إلى نهاية لا يعلمها إلا الله ـ سبحانه وتعالىـ. والشمس هي أقرب نجوم السماء إلينا, ويقدر بُعدها عنا بحوالي مائة وخمسين مليونًا من الكيلومترات, ويقدر نصف قطرها بحوالي سبعمائة ألف كيلو متر، وتقدر كتلتها بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن، ومتوسط كثافتها (1.41 جرام للسنتيمتر المكعب) أي أعلى قليلاً من كثافة الماء, ونظرًا لبعدها الشاسع عنها تبدو الشمس لنا قرصًا صغيرًا في السماء على الرغم من أن حجمها يزيد عن مليون ضعف حجم الأرض. وتقدر درجة حرارة لب الشمس بحوالي 15 مليون درجة مطلقة، ودرجة حرارة سطحها بحوالي ستة آلاف درجة مطلقة (5800 درجة مطلقة) بينما تصل درجة الحرارة في هالة الشمس ( أي إكليلها) إلى مليوني درجة مطلقة, وهذه الدرجات العالية من الحرارة, والانخفاض الشديد في كثافة مادة الشمس لا يسمحان للإنسان من على سطح الأرض برؤية الشمس بالعين المجردة, ولا باستخدام المناظير المقربة إلا إذا احتجبت الكرة المضيئة للشمس (Photosphere) احتجابًا كاملا بالكسوف الكلي للشمس، أو بواسطة عدد من الطرق المختبرية المختلفة, والكثافة في مركز الشمس تتراوح بين 90 و 200 جرامًا للسنتيمتر المكعب, وتتناقص في اتجاه سطح الشمس لتصبح جزءا من عشرة ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب.
وتنتج الطاقة في الشمس أساسًا من تحول الإيدروجين إلى هيليوم بعملية الاندماج النووي, وان كانت العملية تستمر بمعدلات بسيطة لتنتج بعض العناصر الأعلى في وزنها الذري وتتكون الشمس بنسبة 70% إيدروجين, 28% هيليوم, 2% عناصر أخري, والشمس هي المصدر الأساسي للطاقة على سطح الأرض.
ونظرا لأن غالبية جسم الشمس غازي لا تمسك به إلا الجاذبية الشديدة، فإن دورانها حول محورها يتم بطريقة جزئية, قلب الشمس (حوالي ثلث قطرها) يدور كجسم صلب يتم دورته في5.36 يوم من أيام الأرض تقريبًا, بينما الكرة الغازية المحيطة بذلك اللب (وسمكها حوالي ثلثي نصف قطر الشمس) يتم دورته حول مركز الشمس في حوالي 24 يومًا من أيام الأرض، و على ذلك فان متوسط سرعة دوران الشمس حول محورها يقدر بحوالي 27 وثلث يوم من أيامنا.
وتجري الشمس (ومعها مجموعتها الشمسية) في صفحة الكون بسرعة تقدر بحوالي 19 كيلو متر في الثانية نحو نقطة في كوكبة هرقل بالقرب من نجم النسر الواقع (Vega) وهي تسمي علميا باسم قمة الشمس, ولعلها هي ما يسميها خالقها ـ سبحانه وتعالى ـ في محكم كتابه (مستقر الشمس)، كما تجري الشمس (ومعها مجموعتها الشمسية) بسرعة تقدر بحوالي220 كيلو مترا في الثانية حول مركز مجرتنا (درب اللبانة) لتتم هذه الدورة في 225 مليون سنة من سنين الأرض. وأقرب كواكب المجموعة الشمسية إلى الشمس (وهو كوكب عطارد) يبعد عنها بحوالي 58 مليون كيلو متر, وأبعدها عن الشمس (وهو كوكب بلوتو) يبعد عنها بحوالي ستة آلاف مليون كيلومتر. ويعتقد حسابيًا أن هناك كوكب أبعد من (بلوتو) ولكن لم يتم رصده بعد.
وإذا خرجنا عن نطاق المجموعة الشمسية فإن هذه المقاييس الأرضية لا تفي بقياس المسافات التي تفصل بقية نجوم السماء الدنيا عنا, فاتفق العلماء على وحدة قياس كونية تعرف باسم السنة الضوئية, وهي المسافة التي يقطعها الضوء بسرعته المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية في سنة من سنينا, وهي مسافة مهولة تقدر بحوالي 9.5 مليون مليون كيلو متر.
أبعاد النجوم عن أرضنا
اكتشف علماء الفلك أن أقرب النجوم إلينا بعد الشمس هو نجم يعرف باسم النجم المركزي الأول (أو الأقرب القنطوري (Alpha Centaurus) ويبعد عنا بمسافة 4.3 من السنين الضوئية, بينما يبعد عنا النجم القطبي بحوالي 400 سنة ضوئية, ويبعد عنا منكب الجوزاء مسافة 1600 سنة ضوئية, وأبعد نجوم مجرتنا (درب اللبانة) يبعد عنا بمسافة ثمانين ألف سنة ضوئية. ومجموعتنا الشمسية عبارة عن واحدة من حشد هائل للنجوم على هيئة قرص مفرطح يبلغ قطره مائة ألف سنة ضوئية, وسمكه نحو عشر ذلك, وتقع مجموعتنا الشمسية على بعد ثلاثين ألف سنة ضوئية من مركز المجرة, وعشرين ألف سنة ضوئية من أقرب أطرافها.
وتحتوي مجرتنا ( درب اللبانة أو الطريق اللبني) (The Milky Way) تحتوي على تريليون (مليون مليون) نجم, وبالجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي ألف مليون مجرة على الأقل, تسبح في ركن من السماء الدنيا يقدر قطرة بأكثر من عشرين ألف مليون سنة ضوئية. وأقرب المجرات إلينا تعرف باسم سحب ماجيلان Magellanic Clouds) (The وهي تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين ألف سنة ضوئية.
المجرات هي تجمعات للنجوم
المجرات هي نظم كونية شاسعة الاتساع تتكون من التجمعات النجمية والغازات والغبار الكونيين (الدخان الكوني) بتركيز يتفاوت من موقع لآخر في داخل المجرة. وهذه التجمعات النجمية تضم عشرات البلايين إلى بلايين البلايين من النجوم في المجرة الواحدة, وتختلف نجوم المجرة في أحجامها, ودرجات حرارتها, ودرجات لمعانها, وفي غير ذلك من صفاتها الطبيعية والكيميائية, وفي مراحل دورات حياتها وأعمارها, فمنها النجوم العادية المفردة, والمزدوجة, والعديدة, والعماليق الكبار، والأقزام الحمر, والنجوم القزمة البيضاء والبنية والسوداء, والنجوم النيوترونية, والثقوب السود, وأشباه النجوم وغيرها مما يتخلق باستمرار من الدخان الكوني ويُفنى إليه.
ومن المجرات ما هو حلزوني الشكل, ومنها ما هو بيضاني( إهليلجي), ومنها ما هو غير محدد الشكل, ومنها ما هو أكبر من مجرتنا كثيرًا, ومنها ما هو في حجمها أو أصغر منها, وتتبع مجرتنا ما يعرف باسم المجموعة المحلـيـة (The Local Group) وهي عبارة عن تجمع محلي لعدد من المجرات، وقد يتجمع عدد أكبر من المجرات على هيئة أكبر تعرف باسم عنقود مجري (Galactic Cluster) كما قد يتجمع عدد من العناقيد المجرية على هيئة عنقود مجري عملاق (Galactic Supercluster) يضم عشرات الآلاف من المجرات.
وتتراوح المجرات في شدة إضاءتها بين سحب ماجلان العظيمة, وعدد من النقاط الباهتة التي لا تكاد أن تدرك بأكبر المقاريب ( المناظير المقربة), وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمى تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا على مستوى مجرتنا, وتتراوح المسافات بين المجرات في التجمع المجري الواحد بين المليون والمليونين من السنين الضوئية, وتبلغ مائة مرة ضعف ذلك بين التجمعات المجرية التي تعتبر وحدة بناء السماء الدنيا.
وبالإضافة إلى المجرات وتجمعاتها المختلفة في الجزء المدرك من السماء الدنيا فإننا نري السدم (The Nebulae) ، وهي أجسام دخانية عملاقة بين النجوم وقد تتخلق بداخلها النجوم، وعلى ذلك فمن السدم ما هو مضيء وما هو معتم.
أشباه النجوم
وهناك أشباه النجوم (Quasars) وهي أجسام سماوية ضعيفة الإضاءة, ولكنها تطلق أقوي الموجات الراديوية في السماء الدنيا, وقد اشتق اسمها باللغة الانجليزية من الوصف (The Quasi-Srellar Radio Sources) أي أشباه النجوم المصدرة للموجات الراديوية, وإن كان منها ما لا يصدر موجات راديوية (The Radio-quiet Quasi Stellar Objects) ـ وهي أجرام سماوية تتباعد عنا بسرعات فائقة, وتعتبر أبعد ما تم رصده من أجرام السماء إلى الآن بالنسبة للأرض. وتبدو أنها حالة خاصة من حالات المادة غير معروفة لنا, وتقدر كتلة شبيه النجوم بحوالي مائة مليون ضعف كتلة الشمس, وتبلغ كثافته واحدًا على البليون من الطن للسنتيمتر المكعب (واحد على ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب), وتبلغ الطاقة الناتجة عنه مائة مليون مليون مرة قدر طاقة الشمس. وقد تم الكشف عن حوالي1500 من أشباه النجوم على أطراف الجزء المدرك من الكون, وكشفت دراستها بواسطة المقربات الراديوية عن عدد من المفاجآت الفلكية المذهلة, ويتوقع الفلكيون وجود آلاف من هذه الأجرام السماوية العجيبة.
من أسباب القسم بمواقع النجوم
هذه الصفات المذهلة للنجوم تركها القسم القرآني وركز على مواقع النجوم فقال سبحانه وتعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ)
ولعل من أسباب ذلك ما يلي:
أولا: أنه نظرًا للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عنا فإنه لا يمكن لنا رؤية النجوم من على سطح الأرض أبدًا, ولا بأية وسيلة مادية, وكل الذي نراه من نجوم السماء هو مواقعها التي مرت بها ثم غادرتها, إما بالجري في الفضاء الكوني بسرعات مذهلة, أو بالانفجار والاندثار, أو بالانكدار والطمس. فالشمس وهي أقرب نجوم السماء إلينا تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين مليون كيلومتر, فإذا أنبثق منها الضوء بسرعته المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية من موقع معين مرت به الشمس فإن ضوءها يصل إلى الأرض بعد ثماني دقائق وثلث دقيقة تقريبا, بينما تجري الشمس بسرعة تقدر بحوالي 19 كيلومترا في الثانية في اتجاه نجم النسر الواقع (Vega) فتكون الشمس قد تحركت لمسافة لا تقل عن عشرة آلاف كيلومتر عن الموقع الذي انبثق منه الضوء، ونحن لا نرى ضوءها إلا على هيئة صورة وهمية للموقع الذي انبثق منه الضوء الذي رأيناه، وهذا من رحمة الله بنا لأن الإنسان إذا نظر إلى النجم بطريقة مباشرة فإنه يفقد بصره في الحال.
وأقرب النجوم إلينا بعد الشمس وهو المعروف باسم النجم المركزي الأول (أو الأقرب القنطوري) يصل إلينا ضوؤه بعد 4,3 سنة من انطلاقه من النجم, أي بعد أكثر من خمسين شهرًا يكون النجم قد تحرك خلالها ملايين عديدة من الكيلومترات, بعيدًا عن الموقع الذي صدر منه الضوء, وهكذا فنحن من على سطح الأرض لا نري النجوم أبدًا, ولكننا نري صورا قديمة للنجوم انطلقت من مواقع مرت بها, وتتغير هذه المواقع من لحظة إلى أخرى بسرعات تتناسب مع سرعة تحرك النجم في مداره, ومعدلات توسع الكون, وتباعد المجرات عنا, والتي يتحرك بعض منها بسرعات تقترب أحيانا من ثلاثة أرباع سرعة الضوء, وأبعد نجوم مجرتنا عنا يصلنا ضوءه بعد ثمانين ألف سنة من لحظة انبثاقه من النجم, بينما يصلنا ضوء بعض النجوم البعيدة عنا بعد بلايين السنين, وهذه المسافات الشاسعة مستمرة في الزيادة مع الزمن نظرًا لاستمرار تباعد المجرات عن بعضها البعض بسبب اتساع الكون. ومن النجوم التي تتلألأ أضواؤها في سماء ليل الأرض وما ثبت علميًا أنه قد انفجر وتلاشي، أو طمس واختفي منذ ملايين السنين, لأن آخر شعاع انبثق منها قبل انفجارها أو طمسها لم يكن قد وصل إلينا بعد, والضوء القادم منها اليوم يعبر عن ماض قد يقدر بملايين السنين.
ثانيًا: ثبت علميًا أن الضوء مثل المادة ينحني أثناء مروره في مجال تجاذبي مثل الكون, وعليه فإن موجات الضوء تتحرك في صفحة السماء الدنيا في خطوط منحنية يصفها القرآن الكريم (بالمعارج), ويصف الحركة ذاتها (بالعروج), وهو الانعطاف والخروج عن الخط المستقيم, كما يمكن أن يفيد الصعود في خط منعطف, ومن هنا كان وصف رحلة المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ في السماوات العلا (بالعروج), وسميت الليلة باسم (المعراج) والجمع (معارج) و (معاريج). وحينما ينعطف الضوء الصادر من النجم في مساره إلى الأرض فإن الناظر من الأرض يرى موقعا للنجم على استقامة بصره, وهو موقع يغاير موقعه الذي صدر منه الضوء, مما يؤكد مرة أخرى أن الإنسان من فوق سطح الأرض لا يمكنه أن يري النجوم أبدا.
ثالثًا: أن النجوم في داخل المجرة الواحدة مرتبطة مع بعضها بالجاذبية المتبادلة بينها, والتي تحكم مواقع النجوم وكتلها, فمع تسليمنا بأن الله تعالى هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا كما أخبرنا سبحانه وتعالى بقوله:(إن اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (فاطر:41).
ويقول ربنا عز وجل: (... وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحج:65).
إلا أن الله تعالى له سننه التي يحقق بها مشيئته ـ وهو القادر على أن يقول للشيء: (كن فيكون) وهو ـ تعالى ـ وضع للكون هذه السنن المتدرجة لكي يستطيع الإنسان فهمها ويتمكن من توظيفها في حسن القيام بواجب الاستخلاف في الأرض, فمواقع النجوم على مسافات تتناسب تناسبًا طرديًا مع كتلها، ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقوى الجاذبية التي تمسك بها في تلك المواقع، وتحفظ السماء أن تقع على الأرض إلا بإذن الله، ومن هنا كانت قيمة مواقع النجوم التي كانت من وراء هذا القسم القرآني العظيم...!!
رابعًا: أثبتت دراسات الفلك, ودراسات كل من الفيزياء الفلكية والنظرية أن الزمان والمكان شيئان متواصلان, ومن هنا كانت مواقع النجوم المترامية الأبعاد تعكس أعمارها الموغلة في القدم, والتي تؤكد أن الكون الذي نحيا فيه ليس أزليًا, إذ كانت له بداية يحددها الدارسون باثني عشر بليونًا من السنين على أقل تقدير, ومن هنا كان في القسم بمواقع النجوم إشارة إلى قدم الكون مع حدوثه, وهي حقائق لم يتوصل إليها العلم المكتسب إلا بنهاية القرن العشرين.
فقد كان اليونانيون القدامى يصرون على أن الأرض هي مركز الكون, أو أن الشمس هي مركز الكون, وأن كليهما ثابت لا يتحرك, غير متصورين وجود أية بنية سماوية إلا حول الشمس, وكان غيرهم من أصحاب المدنيات السابقة واللاحقة يؤمنون بديمومة الأرض والنجوم, وما بها من صور المادة والطاقة, بل ظل الغربيون إلى أوائل القرن الثامن عشر الميلادي يؤمنون بأن النجوم مثبتات بالسماء, وأن السماء بنجومها تتحرك كقطعة واحدة حول الأرض, وأن الكون في مركزه ثابت غير متحرك, ومكون من عناصر أربعة هي التراب, والماء, والهواء والنار، وحول تلك الكرات الأربع الثابتة تتحرك السماوات..!!
ثم يأتي القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة من السنين ليقسم بمواقع النجوم هذا القسم العظيم, مؤكدًا نسبية وأهمية وتعاظم تلك المواقع, وأن الإنسان لا يمكن له رؤية النجوم من فوق الأرض, وكل ما يمكن أن يراه هي مواقع مرت بها النجوم, ويأتي العلم في نهاية القرن العشرين مؤكدا كل ذلك..!!
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال المهم: من الذي علم سيدنا محمدًا ـ صلي الله عليه وسلم ـ كل هذه المعارف العلمية الدقيقة لو لم يكن القرآن الذي أوحي إليه هو كلام الله الخالق..!!؟ ولماذا أشار القرآن الكريم إلى مثل هذه القضايا الغيبية التي لم يكن لأحد علم بها في زمان الوحي ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك؟ لولا أن الله (تعالى) يعلم بعلمه المحيط أن الناس سوف يأتي عليهم زمان يدركون فيه تلك الحقيقة الكونية, ثم يرجعون إلى كتاب الله فيقرأون فيه هذا القسم القرآني العظيم: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) فيشهدون بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, ويشهدون لهذا النبي الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ أنه كان موصولاً بالوحي, ومعلمًا من قبل خالق السماوات والأرض, وأنه عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم كان ـ بحق ـ كما وصفه ربنا سبحانه وتعالى: (ومَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى *) (النجم:3 ـ 5).
وحينما يتم لهم ذلك تخر أعناقهم للقرآن خاضعين بسلاح العلم الكوني الذي كثيرًا ما استخدم من قبل ـ كذبًا وزورًا ـ لهدم الدين.. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).