المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عرض ومناقشة دليل الحدوث



hamzaD
01-11-2014, 04:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

كثر الكلام على دليل الحدوث، فكل يعرضه بطريقته الخاصة، ولا يلتفت الى كلام الائمة الذي اجادوا في تبسطيه للعامة والخاصة، وهنا انقل تقرير الامام الغزالي لهذا الدليل البسيط جدا والذي به يستدل على وجود الخالق، فهو من اقوى الادلة للاسباب عدة :

- اعتماده على مقدمات قليلة وبسيطة ويقينية لا يختلف عليها اثنان الا المجادلون بالباطل.
- ان الدليل لا يستدل على وجود الله فقط بل على صفاته العلية التي وصف بها نفسه في الكتاب العزيز.
- ان هذا الدليل لا يزعم ان الايمان بالله بديهية، بل يجب الاستدلال عليه، كما هو معلوم عند العقلاء، فان اقررنا ان هناك فطرة توجب على الناس الايمان، فهناك على الاقل من فسدت فطرتهم وارتابوا في وجود ربهم كما قال الشيخ احمد ابن تيمية، فكان لزاما ان تصاغ الادلة التي بها نستدل على الباري عز وجل من اجل اسكات افهواه الملاحدة الذين تطاولوا على الذات العلية بشبههم المتهافتة.
- ان الدليل وهذه هي قوته صالح لكل زمان و مكان، وهذه خاصية الدليل العقلي، والدليل الذي لا يتوفر فيه هذا الشرط، فهو ليس بدليل عقلي، ولن تجد هذا الاضطراد الا في الادلة الكلامية، اما اغلب الادلة التي نستعملها اليوم، فانما عرفنا بتطور العلوم التجريبية، مع العلم ان الاستدلال على وجود الله لا يصح ان يكون رهينا بتطور علم ما، فيكون الله بذلك ظالما للناس وللعالمين.

و بهذا نكون قد بينا اهمية هذا الدليل، وادعوكم هنا ان ترجعوا معي 10 قرون الى الوراء، وتخيلوا نفسكم جالسين في منازلكم، ثم طرق بابكم ملحد، فقال لك : انا لا اؤمن بالله فما دليلك على وجوده ؟ فكيف ستجيبه : هل ستقول له ان العلم اثبت ان التطور مستحيل ؟ هل ستقول له بالضبط الدقيق للكون ؟ هل ستقول اتبع فطرتك ؟ هل ستقول له ان البروتينات لا تنشأ بالصدفة ؟ لن تجد الا الادلة الكلامية التي تمكنك من الزام الخصم، فهي لم تنتشر في هذه العصور لان الناس كانت مجنونة، بل لم يكن هناك وجود لغيرها، والمتكلمون عموما كان علماء بالطبيعيات وبكافة العلوم المتوفرة ومع ذلك اختاروا طريق الكلام والسؤال لماذا ؟ الجواب ببساطة الطابع الالزامي فالدليل الكلامي هو الدليل العقلي الوحيد على وجود الله، اما الادلة التجريبية التي تحصلنا عليها مع الوقت فهي ليست كذلك، ويجب اسنادها واضافتها الى الادلة العقلية المضطردة في الزمان والمكان، وهذا عين ما حدث، فقد استدلينا على حدوث العالم بالعقل منذ قرون مضت وها هي العلوم التجريبية بادلتها تؤكد ما صح اثباته بالعقل، وهذا فيه اشارة على تناسق المعتقدات، ودليل اضافي على صحة المعارف التي توصلنا اليها، فان فرض الخلاف بين الدليل العقلي والتجريبي وهذا الذي لا يحدث الا ناذرا لاسباب معينة، قدمنا الاول ليقينيته، وابطلنا الثاني لظنيته، فالمعارف التجريبية وان كانت مفيدة في حياتنا الا انها لا تفيد اليقين كما هو الحال مع المعارف العقلية، وتقبل منا هذا الفرق الدقيق.

طبعا سيقول قائل لكن علم الكلام لا يورث راحة القلب، فيكون الجواب لهذا السائل : يجب عدم التعميم، فهناك من لم يرتح لهذه الادلة -ليس لفسادها كما سنوضح- وهناك اناس ارتاحوا لها كل الارتياح، وفتنوا بها واعتزوا بها وحمدوا الله الذي عرفهم اياها. فنحن امام هذا المعطى نقول ان علم الكلام دواء، فالدواء قد لا يكون مناسبا للكل، لان هناك من الادوية التي قد تشفي فلانا، وتمرض فلانا اخر، ومع ذلك فهو يبقى دواء.

اما مشكلة الادلة الكلامية فهي تكمن في طابعها الالزامي، بحيث تفرض عليك فرضا فلا تترك لك مجالا للاختيار، فهي تخاطب عقلك ولا تخاطب قلبك، وهذا طبيعي فلا سبيل للحصول على راحة القلب ما دمت لم تشفي غليل العقل، فالاستدلال العقلي هو مرحلة اولى لا مناص منها من اجل التحصيل على راحلة القلب، وعندها تتأمل زيادة في هذا الكون تحس ان الايمان يتمكن من قلبك بهدوء، فلكل دليل مقامه وليس الدليل الذي يخاطب العقل كالدليل الذي يخاطب القلب، فلا يمكنك ان تعيش باحدهما دون الاخر، هذه خلاصة الكلام في هذه المسألة. وسأقدم ان شاء الله في هذا الموضوع ان لم تكن هناك تعليقات للاخوة على عرض دليل الحدوث كما قدمه امامنا حجة الاسلام، نفعنا الله به،والله يوفقنا لما يحب ويرضى....

ملاحظة : لست الزم الكل بتقبل ارائي، فانما نحن هنا دعاة الى الله تعالى، نعرض الادلة ثم نترك السائل يختار ما يشاء منها والباب مفتوح لملاحظاتكم والتي استطيع مناقشتها معكم قبل البدء في عرض الدليل. والله الموفق.

أحمد عبدالله.
01-11-2014, 09:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله...

ما دخلت في هذا الشريط إلا لدعوتك في ابداء الاراء...
فوجدت موضوعا للاخ ابن سلامة أصغر عمرا من موضوعك...
ما ادري كتبه حفظه الله ردا على هذا الشريط أو دون ان يتنبه...
اقول وبالله التوفيق وعليه التكلان
أحجم عن ابداء رأيي لقلة إلمامي بقضايا الاشعرية...
غير اني اطرح كلام ائمة الأشاعرة لا ركضا وراء حوار ولكن طمعا في معرفة سبب الغلو- ان اصبت التعبير- في الرفع من شأن علم الكلام...
واعلم ان اعتمد النقل من مواضيع الاخوة في المنتدى... فأنا أرحب في الطعن فيه ما دمت ترى انه مجتزء من السياق على وضوحه النسبي...


صرح الأشعري في ''مقالات الإسلاميين'' بعدما تراجع عن آرائه أن أهل الحديث هم أهل الحق فقال : "الحقُ والصواب ما عليه أهل الحديث الذين يثبتون آيات وأحاديث الصفات،القائلين بأن لله يدين ووجهاً وعينين وسمعاً وبصراً وأنهُ ينزل إلى السماء الدنيا وأنهُ يجيْ يوم القيامة كما أخبر،وأنهُ يقرب من خلقهِ كيف يشاء لا يتأولونها".

ازيد

نقد الإمام ابن حجر صاحب ''فتح الباري شرح صحيح البخاري'' نقد علم الكلام نقداً شديداً, ودعا إلى تركه، ومعلوم أن المذهب الأشعري قد شيدت أركانه على علم الكلام. قال ابن حجر : "ويكفي في الردع عن الخوض في طرق المتكلمين: ما ثبت عن الأئمة المتقدمين كعمر بن عبدالعزيز, ومالك, والشافعي، وقد قطع بعض الأئمة بأن الصحابة ماتوا ولم يعرفوا الجوهر ولا العرض.. وقد أفضى الكلام بكثير من أهله إلى الشك، وببعضهم إلى الإلحاد". "وصح عن السلف أنهم نهوا عن علم الكلام وعدوه ذريعة للشك والارتياب.

ونعجب معا لهذا:

وقد نقل القرطبي في شرح مسلم أن الجويني كان يقول لأصحابه : " يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام ، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما تشاغلت به " .
وقال عنه الحافظ ابن دحية الكلبى الظاهرى :" ..، و لذلك فر الإمام أبو المعالي في تواليفه في آخر عمره إلى السمعي ، و هو الحق الذي يلجأ إليه كل عالم ألمعي.. " .
توفي الجوينى رحمه الله بنيسابور عام 478 هـ وكان تلامذته يومئذ أربعمائة .

واسمح لي- واعلم أنك لا تمانع :): - ان استبق ردك كما اتوقعه...فقد تقول ان الأئمة أعلاه ما دعوا إلا للتفويض... بغض النظر عن فعلهم لذلك من عدمه... لكن اقل ما يمكن استنباطه ههنا من قولهم انهم قالوا ان علم الكلام ليس أعلى الكلام حجة وان العصور جمعاء لم تقم عليه كما يؤكد الأشاعرة تفويض السلف وعدم خوضهم فيه... فالزمك بقولك الذي حرصت فيه على تنزيه الله جل اسمه عن الظلم

مع العلم ان الاستدلال على وجود الله لا يصح ان يكون رهينا بتطور علم ما، فيكون الله بذلك ظالما للناس وللعالمين.
اذ انى لعلم الكلام ان يخص أقواما دون آخرين... وعصورا دون أخرى... ناهيك عن التشويش على العوام... مع ان ديننا قد يسره الله لكافة الناس كحال الفطرة...
كما لا يخفى عليك ان الحاد الأمس ليس كالحاد اليوم...
ولا يستلزم وجود دليل واحد لكافة الامم - بغض النظر عن وجوده من عدمه- حتى تقام الحجة عليهم... فقد يكون لكل أمة دليل... كأن تحج النصارى بكتابهم... واليهود.... وملاحدة الأمس بعلم كلام مثلا... واليوم بالعلوم التجريبية... وعرب البعثة باللغة... وغير ذلك الكثير... ديننا يسع كل هولاء... وكذا الفطرة والله اعلم في تفاصيلها متى تفسد ومتى...
والله اعلم

د. هشام عزمي
01-11-2014, 10:07 PM
جزاك الله خيرًا أخي حمزة على فتح هذا الموضوع ، وأرجو ألا يكون دفاعك عن دليل الحدوث لأجل تحيزك للأشاعرة :p:

أنا شخصيًا أرى أنه يقع في مقدمة الأدلة على وجود الله بمختلف صياغاته (حدوث الجواهر - حدوث الأعراض - دليل الإمكان الذي صاغه ابن سينا .. إلخ)

أما الاهتمام بالأدلة التي تحوي مقدمات من العلم التجريبي ، فيرجع بصورة أساسية لكون الخصم قد قام بتطوير وتحديث أطروحاته وجدلياته تبعًا لهذه العلوم ، وبالتالي ينبغي على المحاور المسلم أن يطوّر أدواته المعرفية والعلمية والجدلية ليكون قادرًا على مواجهة هذه الاطروحات الإلحادية ..
بل إن دليل الحدوث نفسه ليس استثناءً من هذا التطوير حيث أنه يحوي في بعض صياغاته الحديثة الاستدلال بالبيج بانج ، وهو من مكتشفات أو منتجات العلوم التجريبية الحديثة ..

والله أعلم .

أحمد عبدالله.
01-11-2014, 10:22 PM
للتوضيح... قصدت علم الكلام بشكل عام لا دليل الحدوث بشكل خاص...
ولمعة ذكية للدكتور هشام


بل إن دليل الحدوث نفسه ليس استثناءً من هذا التطوير حيث أنه يحوي في بعض صياغاته الحديثة الاستدلال بالبيج بانج ، وهو من مكتشفات أو منتجات العلوم التجريبية الحديثة ..
لذلك... ومن هذا المنطلق... وعلى صعيد شخصي... لا ادري أصبت فيه ام لا... أحجم قليلا عن تقديمه للملاحدة... بسبب نظريات متهافتة جديدة كتعدد الأكوان أو ما شاكل... وإنما اجعله عمدة في أمرين:
1- تمسك بعض الملاحدة الجهل المفتونين بالعلم بالبيغ بانغ على انه لا وجود لله... هؤلاء على ركاكة حجتهم القصوى قد تصادفهم كثيرا لدى عوام الملاحدة...
2- إذا حاول القول ان الغيبيات ليست علما لأنها غير قابلة للتجريب... الزمناه بنظرياته الجديدة التي لا تقوم إلا على الظن بعيدة كل البعد عن التجريب... فالزمه هنا لا بدليل الحدوث بل بأنه يستند إلى حجة يرفضها لنا... والله اعلم

وغير ذلك فاني متابع ان شاء الله لتتمة موضوعك...

حامل المسك
01-11-2014, 11:14 PM
الخلل المنهجي في دليل الحدوث عند المتكلمين ، أعده أ. سلطان العميري
http://taseel.com/pdf/Project/View.aspx?id=137
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?51291-%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD-%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%B F%BD%EF%BF%BD-%EF%BF%BD%EF%BF%BD-%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD-%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD

hamzaD
01-12-2014, 03:11 AM
الخلل المنهجي في دليل الحدوث عند المتكلمين ، أعده أ. سلطان العميري
http://taseel.com/pdf/Project/View.aspx?id=137
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?51291-%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD-%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%B F%BD%EF%BF%BD-%EF%BF%BD%EF%BF%BD-%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD-%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD%EF%BF%BD
هذا الموضوع لا يناقش الخطأ المنهجي لدليل الحدوث، بل المنهجية التي يعتمدها المتكلمون ككل، فلذلك موضوع هذا المقال هو نقد لنظرية المعرفة عند المتكليمن و كاتب هذا المقال هو من اهل الحديث المعظمين للنصوص، وعند هذا المستوى يكون حوارا اخر يتجاوز هذا الدليل، نتطرق فيه لوسائل المعرفة المستعملة وحجيتها، وكيفية استعمالها من اجل تحصيل المعارف، ارجو الانتباه على هذه النقطة.

أخي احمد ارجو ان تفرق بين بعض الامور :
- هناك فرق بين ان تعتقد بمنهج المتكلمين وبادلتهم كما هو الحال مع امام كالبيهقي مثلا رحمه الله، وبين ان تفني حياتك كلها في علم الكلام، كما هو الحال مع امام الائمة الجويني رحمه الله، فانا اريد منك ومن عامة المسلمين ان تكون كالاول، اما الثاني فلا، لان علم الكلام وايضا علم اصول الفقه علوم جدلية، لا تقربك اصلا من الله عز وجل ان لم تكن خالصة لوجهه الكريم، فهي علوم اصبحت في اغلب اهتماماتها الرد على فلان وعلان، فهي ان اشتغلت بها بالليل والنهار قد تفسد قلبك ان لم تكن على درجة عالية من التقى والخشية من الله عز وجل، فيجب شكر هؤلاء الائمة رحمهم الله الذين خاضوا في هذه اللجج العميقة جدا، يجب ان تعرف ان لا أحد يحب ان يعيش متحيرا، لكن هذا ما دعت اليه الضرورة، وقد حسم الامام الغزالي مسألة علم الكلام في كتابه الماتع : الجام العوام عن علم الكلام، واعلم ان الكثير من الاخبار حول حال المتكلمين اخر حياتهم قد تؤول بشكل خاطئ، او قد تكون مكذوبة عليهم في بعض الاحيان.


جزاك الله خيرًا أخي حمزة على فتح هذا الموضوع ، وأرجو ألا يكون دفاعك عن دليل الحدوث لأجل تحيزك للأشاعرة

أنا شخصيًا أرى أنه يقع في مقدمة الأدلة على وجود الله بمختلف صياغاته (حدوث الجواهر - حدوث الأعراض - دليل الإمكان الذي صاغه ابن سينا .. إلخ)

أما الاهتمام بالأدلة التي تحوي مقدمات من العلم التجريبي ، فيرجع بصورة أساسية لكون الخصم قد قام بتطوير وتحديث أطروحاته وجدلياته تبعًا لهذه العلوم ، وبالتالي ينبغي على المحاور المسلم أن يطوّر أدواته المعرفية والعلمية والجدلية ليكون قادرًا على مواجهة هذه الاطروحات الإلحادية ..
بل إن دليل الحدوث نفسه ليس استثناءً من هذا التطوير حيث أنه يحوي في بعض صياغاته الحديثة الاستدلال بالبيج بانج ، وهو من مكتشفات أو منتجات العلوم التجريبية الحديثة ..

والله أعلم .

بارك الله فيك دكتور هشام والله انت مثال يحتدى به، وما نهدف هنا الا لتتبع خطى شخص مثلك في الدفاع عن دين الاسلام.
واقول : ان المشكلة في دليل الحدوث بين اهل السنة، هو الاصل المعروف الذي يخص قيام الحوادث، كان بودي ان لا اذكره اصلا لكن ما العمل، فهذا الاصل لا يمكن الاستغناء عنه لاسف حتى في في دليل الامكان، وسأكتفي بتقرير الامام الغزالي على الاصل محل النزاع دون الخوض فيه، واترك الحكم للقارئ الكريم.

النقطة الثانية الذي اود الاشارة اليها دكتورنا الفاضل، ان هناك فرقا بين الادلة التي بها نلزم الملاحدة، وبين الادلة التي بها يتحقق يقيننا العقلي، فاضرب مثالا بقضية البيغ بانغ، فنحن نقيم به الحجة على الملاحدة الذين يقدسون التجربة كمصدر رئيس للمعرفة عندهم، لكن البيغ بانغ لا يمكن ان يفيدني انا كمسلم يطمح للحصول على اليقين العقلي، فنموذج البيغ بانغ رغم انه نموذج جميل يتماشى مع مقررات الاسلام الا انه عرف بالتجربة فقط، ويمكن ان يتلاشى في اي لحظة، والتجربة تعطينا معرفة ظنية فقط لا يمكن الوثوق بها فضلا عن ان تعطينا اصولا ينبني عليها توحيدنا. فكانط الوضعي يقر ان التجربة لا تفيد الا الظن، اما المعارف العقلية والتي من بينها دليل الحدوث فهي يقينية بيقينية المقدمات التي بنيت عليها. ومع ذلك فنجد شيخ الاسلام مصطفى صبري يقول بصراحة انه يجب العمل بمعطيات التجربة، رغم انها لا تفيد علما في باب العقائد، وهذه حكمة بليغة من هذا الامام رحمه الله، الذي يرفض ان يسمى المكتسابات التجريبية بالعلم، لان العلم هو الذي يفيد اليقين في ذاته، والتجربة كما مر معنا لا تفيد ذلك، فيعطي رحمه الله للمعارف العقلية فقط مسمى "العلم"، وهذا مما لا يلتفت له الكثيرون في عصرنا، وهي نقطة مهمة من شأنها ان تشكل ثورة في الحوارات مع الملاحدة.

بالمناسبة يمكن ان افتح موضوعا اخر نناقش فيه وسائل المعرفة، حجيتها ومراتبها في ميزان الاستدلال وهي : الفطرة-العقل- الحس-التجربة-الكشف- الالهام-الحدس-القران الكريم والاحاديث المتواثرة- خبر الاحاد- المصادر المعرفية في المدارس الغربية المعاصرة.

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
01-12-2014, 03:22 AM
لم تصل بعد صدقا والله ....
عندما يأتيك النضوج الكامل عندما يتقدم بك العمر ستعرف القصور ومكامن الخلل ....
والسلام عليكم ورحمة الله

hamzaD
01-12-2014, 03:43 AM
لم تصل بعد صدقا والله ....
عندما يأتيك النضوج الكامل عندما يتقدم بك العمر ستعرف القصور ومكامن الخلل ....
والسلام عليكم ورحمة الله
أخي هذا ليس تعليقا يمكنني ان اتفاعل به معك، او يمكن ان يطور موضوع النقاش، ان كانت لك ملاحظات اخي، فسأكون اسعد الناس ان تفضلت بها، وسأناقشها معك بطريقة تتحصل بها الفائدة :)

عماد الدين 1988
01-12-2014, 01:24 PM
متابع ان شاء الله

hamzaD
01-12-2014, 05:58 PM
أرجو ان يحتفظ الاخوة الكرام بتعليقاتهم الان الى حين فراغي من نقل كلام الامام وشرحه...

تعريف بالامام الغزالي :
هو: حجة الإسلام وزين الدين ومجدد القرن الخامس الهجري
كنيته: أبو حامد
اسمه: محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي
اسم العائلة: الغزالي وقيل الغزّالي بتشديد الزاي نسبة لعمل أبيه غزالاً للصوف على طريقة أهل بلده.
مشهورٌ بـ: الغزالي
مولده: بالطابران من قرى طوس بإقليم خراسان عام 450 للهجرة الموافق لـ 1048م.
وفاته: أيضاً بالطابران: طوس بالقرب من مدينة مشهد في شمال شرق جمهورية إيران الإسلامية عام 505 للهجرة الموافق لـ 1111م .

الامام علم مشهور، ولا حاجة لنا هنا الى تعريفه، فشهرته تسبقه، وكل فرقة تفتخر بان تنسب اليها هذا الامام، فقالت الفلاسفة : هو متفلسف، واحتجوا بكتابيه : "مقاصد الفلاسفة"،و"تهافت الفلاسفة"، وقالت المتصوفة هو صوفي خالص، واحتجوا بكتابه " احياء علوم الدين" وقال المتكلمون انه متكلم، محتجين بكتابه الرائع والجميل :الاقتصاد في الاعتقاد، الذي شرح فيه عقيدته وبسطها للناس، وقد كتبه رحمه الله في مراحل متقدمة من عمره، و الذي منه سأنقل تقرير الدليل، ولعل اهم شيء اعجبني في تقريره هو بساطته، ورده على الشبهات التي قد يثيرها اصحاب هذا العصر، وكأنه استسبقها رحمه الله تعالى.

لذلك سأورد كلام الامام في شكل اقتباسات، وسأتعرض لشرح النقاط المهمة وغير واضحة :

يقول رحمه الله بعد ان عرض منهجيته الدقيقة جدا التي اختارها لكتابه :


الدعوى الأولى: وجوده تعالى وتقدس، برهانه أنا نقول كل حادث فلحدوثه سبب، والعالم حادث فيلزم منه إن له سبباً، ونعني بالعالم كل موجود سوى الله تعالى. ونعني بكل موجود سوى الله تعالى الأجسام كلها وأعراضها، وشرح ذلك بالتفصيل أنا لا نشك في أصل الوجود،ثم نعلم أن كل موجود اما متحيزاً أو غير متحيز1، وأن كل متحيز إن لم يكن فيه ائتلاف فنسميه جوهراً فرداً2، وإن ائتلف إلى غيره سميناه جسماً3، وإن غير المتحيز أما أن يستدعي وجوده جسماً يقوم به ونسميه الأعراض ، أو لا يستدعيه وهو الله سبحانه وتعالى4.

1 : وجب شرح لفظ الحيز هنا، فنقول ان الحيز هو الفراغ الموهوم في الذهن الذي نتصوره اذا تصورنا انعدام جسم ما، كالفراغ الذي نتوهمه ان تخيلنا انعدام كأس ما، فالحيز ليس شيئا موجودا، بل هو امر اعتباري نستخلصه من مشاهدة الاجسام من حولنا، وهذا ما تقوله الفزياء الحديثة، اذ تنفي هذه الاخيرة وجود فراغ تام خال من اي شكل من اشكال الطاقة والمادة، فمتى انعدمت المادة والطاقة، انعدم الحيز. فان علمنا ما هو معنى الحيز، علمنا ان القسمة العقلية تفترض ان الموجودات اما متحيزة او غير متحيزة كما قال الامام، ولا تنحصر فقط في المتحيزات كما قالت الكرامية.
2 : الجوهر الفرد هو المتحيز الذي لا يتجزأ، وهو مصطلح مشهور عند المتكلمين، فاغلبهم يثبتون وجوده، والعلم الحديث يؤكد ذلك، فتجد دائما المادة في شكل دقيقات صغيرة كالالكترونات والكواركات وغيرها من اللبنات الاساسية للمادة، والمهم في الامر كله ان الدليل الذي نعرضه الان لا يستند على وجود الجوهر الفرد او انعدامه، تفاديا لتشغيبات المشاغبين.
3 : الجسم هو الشيء المتحيز المؤلف والمتركب من الجواهر الفردة التي سبق تعريفها، واختصارا الجسم هو المتحيز المؤلف والمركب، والعرض هو ما يقوم بالجسم، وهي عموما اي شيء زائد على اثبات الجسم، فنقول ان هذا الجسم متحرك، فتكون الحركة عرضا او هذا الجسم ساكن، فيكون السكون عرضا او قولنا هذا الجسم له طول كذا، فيكون الطول عرضا، وغير ذلك و بهذا نكون عرفنا المصطلحات الاربعة، وسنأتي على شرح هذه الامور بالتفصيل.
4 : اهمل الامام الغزالي قسما اخر هنا، لانه هناك بعض الموجودات غير متحيزة والتي لا تقوم بجسم وليست هي الله تعالى، كالروح مثلا، مع الاشارة ان حقيقة الروح مخالفة تماما لحقيقة الله تعالى.



فأما ثبوت الأجسام وأعراضها، فمعلوم بالمشاهدة5، ولا يلتفت إلى من ينازع في الأعراض وإن طال فيها صياحه وأخذ يلتمس منك دليلاً عليه، فإن شغبه ونزاعه والتماسه وصياحه، وإن لم يكن موجوداً فكيف نشتغل بالجواب عنه والإصغاء إليه6، وإن كان موجوداً فهو لا محالة غير جسم المنازع إذ كان جسماً موجوداً من قبل7، ولم يكن التنازع موجوداً فقد عرفت أن الجسم والعرض مدركان بالمشاهدة. فإما موجود ليس بجسم ولا جوهر متحيز ولا عرض فيه فلا يدرك بالحس ونحن ندعي وجوده وندعي أن العالم موجود به، وبقدرته، وهذا يدرك بالدليل لا بالحس8.

5 : يستخدم هنا الامام الاداة الاولى من ادوات المعرفة في الاسلام التي هي الحس
6 : يقول الامام انه ان كان السائل يشك في وجود الاجسام والاعراض، فكيف نجيب عن سؤاله وهو نفسه غير موجود ؟
7 : بمعنى ان جسم هذا السائل قد تغير من حال الى حال، وهذا الذي نريد قوله بحدوث الاعراض، اي في حدوث التغيرات في اجسام العالم من حولنا،
8 : يقر الامام ان معرفة الله تعالى ليست معرفة بدهية، وانه يجب الاستدلال عليها، فان جاز ان يكون وجود الله بالنسبة لبعض الناس بدهي، فهو ليس كذلك بالنسبة للاخرين، هذا ما يدفعنا لصياغة هذه الادلة.

يكمل الامام فيقول :


والدليل ما ذكرناه، فلنرجع إلى تحقيقه. فقد جمعنا فيه أصلين فلعل الخصم ينكرهما9، فنقول له: في أي الأصلين تنازع ؟ فإن قال إنما أنازع في قولك إن كل حادث فله سبب فمن أين عرفت هذا، فنقول: إن هذا الأصل يجب الاقرار به، فإنه أولي ضروري في العقل10، ومن يتوقف فيه فإنما يتوقف لأنه ربما لا ينكشف له ما نريده بلفظ الحادث، ولفظ السبب، وإذا فهمهما صدق عقله بالضرورة بأن لكل حادث سبباً، فانا نعني بالحادث ما كان معدوماً ثم صار موجوداً فنقول وجوده قبل أن وجد كان محالاً أو ممكناً، وباطل أن يكون محالاً لأن المحال لا يوجد قط، وإن كان ممكناً فلسنا نعني بالممكن إلا ما يجوز أن يوجد ويجوز أن لا يوجد ولكن لم يكن موجوداً لأنه ليس يجب وجوده لذاته إذ لو وجد وجوده لذاته لكان واجباً لا ممكناً، بل قد افتقر وجوده إلى مرجح لوجوده على العدم حتى يتبدل العدم بالوجود. فإذا كان استمرار عدمه من حيث أنه لا مرجح للوجود على العدم، فمن لم يوجد المرجح لا يوجد الوجود، ونحن لا نريد بالسبب إلا المرجح11: والحاصل أن المعدوم المستمر العدم لا يتبدل عدمه بالوجود ما لم يتحقق أمر من الأمور يرجح جانب الوجود على استمرار العدم، وهذا إذا حصل في الذهن معنى لفظه كان العقل مضطراً إلى التصديق به. فهذا بيان اثبات هذا الأصل وهو على التحقيق شرح للفظ الحادث والسبب لاقامة دليل عليه.

9 : الاصلين هما : لكل حادث محدث...والثاني الكون حادث، الاول ضروري في العقل، والثاني يستدل عليه.
10 : ان جاز الاستدلال على كل معرفة، فسوف يتسلسل بنا الامر الى مالانهاية، فنخرج عندها بدون اي معرفة، وهذا من مذاهب الالحاد الابيستيملوجي، لكن الحق اننا نملك معرفة، وهذا كاف من اجل اثبات وجوب معارف اولية في العقل.
11 : هذه من ابداعات الامام رحمه الله

يتبع ان شاء الله من اجل عرض وشرح الاصل الثاني...

hamzaD
01-13-2014, 02:27 AM
يكمل الامام رحمه الله في الاستدلال على الاصل الثاني وهو قولنا ان العالم حادث :


فإن قيل لم تنكرون على من ينازع في الأصل الثاني، وهو قولكم أن العالم حادث، فنقول: إن هذا الأصل ليس بأولي في العقل، بل نثبته ببرهان منظوم من أصلين آخرين هو أنا نقول إذ قلنا أن العالم حادث أردنا بالعالم الآن، الأجسام والجواهر فقط12، فنقول كل جسم فلا يخلو عن الحوادث13 وكل ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث14، فيلزم منه أن كل جسم فهو حادث ففي أي الأصلين النزاع ؟

12 : دليل الحدوث ينطلق فقط من الاستدلال على حدوث هذا العالم الذي نشاهده بابصارنا، وهي اجسام الارض ومجوعتنا الشمسية، وهذا يكفي من اجل اقامة الدليل كما سيتبين، لاننا نحن كمسلمين نؤمن بوجود اكوان اخرى غير هذا العالم كالسماوات السبع والكرسي والعرش وغير ذلك، وقد اشرنا ان الدليل لا يعنى بهذه الموجودات، وفي هذا الكلام جواب على شبهة الاستقراء الذي يثيرها بعض الناس الذين يقولون ان هذا الدليل مبني على استقراء ناقص.
13 : الاصل الاول من المقدمة الثانية للدليل وهو : كل جسم لا يخلو عن الحوادث
14 : الاصل الثاني من المقدمة الثانية للدليل وهو : كل ما لايخلو عن الحوادث فهو حادث


فإن قيل لم قيل أن كل جسم أو متحيز فلا يخلو عن الحوادث ؟ قلنا: لأنه لا يخلو عن الحركة والسكون وهما حادثان، فإن قيل: ادعيتم وجودهما ثم حدوثهما، فلا نسلم الوجود ولا الحدوث، قلنا هذا سؤال قد طال الجواب عنه في تصانيف الكلام، وليس يستحق هذا التطويل فإنه لا يصدر قط من مسترشد إذ لا يستريب عاقل قط في ثبوت الأعراض في ذاته من الآلام والأسقام والجوع والعطش وسائر الأحوال، ولا في حدوثها. وكذلك إذا نظرنا إلى أجسام العالم لم نسترب في تبدل الأحوال عليها، وإن تلك التبديلات حادثة، وإن صدر من خصم معاند فلا معنى للاشتغال به، وإن فرض فيه خصم معتقد لما نقوله فهو فرض محال إن كان الخصم عاقلاً، بل الخصم في حدوث العالم الفلاسفة وهم مصرحون بأن أجسام العالم تنقسم إلى السموات، وهي متحركة على الدوام، وآحاد حركاتها حادثة ولكنها دائمة متلاحقة على الاتصال أزلاً وأبداً وإلى العناصر الأربعة التي يحويها مقعر فلك القمر، وهي مشتركة في مادة حاملة لصورها وأعراضها وتلك المادة قديمة والصور والأعراض حادثة متعاقبة عليها أزلاً وأبداً وإن الماء ينقلب بالحرارة هواء، والهواء يستحيل بالحرارة ناراً، وهكذا بقية العناصر، وإنها تمتزج امتزاجات حادثة فتتكون منهما المعادن والنبات والحيوان، فلا تنفك العناصر عن هذه الصور الحادثة ولا تنفك السموات عن الحركات الحادثة أبداً وإنما ينازعون في قولنا أن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، فلا معنى للإطناب في هذا الأصل15،

15 : لقد شرح الامام مقصودنا من ان الكون لا يخلو من الحوادث، ولاشك ان كل من قرأ كلامه سيجد نفسه مضطرا للتسليم به، فمن منا لا يرى تغير الاحوال في ذاته وفي الموجودات من حوله ؟ لذلك وجب التنبيه ان ما تقدم هو الاصل الاصيل في اثباتنا ان العالم الذي نشاهده لا يخلو من الحوادث، وما سيعقبه من حديث عن الاعراض ما هو الا رسم الدليل.

ثم يستمر الامام فيعرض رسم الدليل فيقول :


ولكنا لإقامة الرسم نقول: الجوهر بالضرورة لا يخلو عن الحركة والسكون، وهما حادثان. أما الحركة فحدوثها محسوس وإن فرض جوهر ساكن كالأرض، ففرض حركته ليس بمحال بل نعلم جوازه بالضرورة، وإذا وقع ذلك الجائز كان حادثاً وكان معدماً للسكون، فيكون السكون أيضاً قبله حادثاً لأن القديم لا ينعدم كما سنذكره في إقامة الدليل على بقاء الله تعالى، وإن أردنا سياق دليل على وجود الحركة زائدة على الجسم، قلنا: إنا إذا قلنا هذا الجوهر متحرك أثبتنا شيئاً سوى الجوهر متحرك أثبتنا شيئاً سوى الجوهر بدليل أنا إذا قلنا هذا الجوهر ليس بمتحرك، صدق قولنا وإن كان الجوهر باقياً ساكناً، فلو كان المفهوم من الحركة عين الجوهر لكان نفيها نفي عين الجوهر. وهكذا يطرد الدليل في إثبات السكون ونفيه، وعلى الجملة. فتكلف الدليل على الواضحات يزيدها غموضاً ولا يفيدها وضوحاً12.

16 : أما السكون فقد بين الامام كيف انه حادث، اذ لو كان قديما، لما تبدل بالحركة كما سنوضح، فالقديم لا يزول ابدا، واعلم ايها القارئ انا لانعتبر الحركة والاجسام اشياء وجودية هنا، بل فقط احوالا للاجسام، فان فرضنا زمنين او كونين بقي فيهما الجسم في نقطة معينة، حكمنا عليه انه ساكن، اما ان تغير مكانه وسط هذين الكونين استنتجنا انه تحرك. وهذا ما نقصده بحدوث الحركة، اي بتغير مكان الجسم من زمن لاخر، وعليه اثبتنا ان هذا العالم لا يخلو من الحوادث، فننتقل الى الاصل الاخر.


فقد بقي الأصل الثاني وهو قولكم إن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث فما الدليل عليه ؟ قلنا: لأن العالم لو كان قديماً مع أنه لا يخلو عن الحوادث، لثبتت حوادث لا أول لها وللزم أن تكون دورات الفلك غير متناهية الاعداد، وذلك محال لأن كل ما يفضي إلى المحال فهو محال، ونحن نبين أنه يلزم عيه ثلاثة محالات: الأول- أن ذلك لو ثبت لكان قد انقضى ما لا نهاية له، ووقع الفراغ منه وانتهى، ولا فرق بين قولنا انقضى ولا بين قولنا انتهى ولا بين قولنا تناهى، فيلزم أن يقال قد تناهى ما لا يتناهى، ومن المحال البين أن يتناهى ما لا يتناهى وأن ينتهي وينقضي ما لا يتناهى17.
17 : الدليل الذي عرضه الامام مبني على فرض عدم تحقق اللانهائية، وقد يصاغ الدليل بطريقة اخرى، فنقول ان الحوادث التي مضت ان كانت لانهائية، لما جاز لنا ان نضيف عليها حادثا اخر، لكننا نعلم بالضرورة امكانية حدوث حادث اخر، كطلوع الشمس يوم غد، فان انضاف الى السلسلة الماضية حادث اخر، علمنا بالضرورة ايضا ان السلسلة التي افترضنا انها لانهائية، هي في حقيقة الامر محدودة، والا لما جاز ان ينضاف اليها حدث اخر، وقد صاغ المتكلمون ادلة عدة على بطلان التسلسل لا نطيل النفس في عرضها. واعلم ان العلم الحديث يتقفى خطى هذا الدليل، فاثبت ان لهذه التغيرات بداية في الزمن، تعود لمليارات السنين، في انفجار محتمل. وهذا دليل على قوة الدليل وتناسقه مع معطيات العلم التجريبي، وكيف لا وكل مقدمة منه لا يتسرب اليها الشك.

ثم يجيب الامام على شبهة قد يأتي بها المفتونون باللانهائية :

فإن قيل: مقدورات الباري تعالى عندكم لا نهاية لها وكذا معلوماته، والمعلومات أكثر من المقدورات إذ ذات القديم تعالى وصفاته معلومة له وكذا الموجود المستمر الوجود، وليس شيء من ذلك مقدوراً. قلنا نحن: إذا قلنا لا نهاية لمقدوراته، لم نرد به ما نريد بقولنا لا نهاية لمعلوماته بل نريد به أن لله تعالى صفة يعبر عنها بالقدرة، يتأتى بها الايجاد، وهذا الثاني لا ينعدم قط. وليس تحت قولنا- هذا الثأني لا ينعدم- إثبات أشياء فضلاً من أن توصف بأنها متناهية أو غير متناهية18، وإنما يقع هذا الغلط لمن ينظر في المعاني من الألفاظ فيرى توازن لفظ المعلومات والمقدورات من حيث التصريف في اللغة، فيظن أن المراد بهما واحد. هيهات لا مناسبة بينهما البتة. ثم تحت قولنا المعلومات لا نهاية لها أيضاً سر يخالف السابق منه إلى الفهم، إذ السابق منه إلى الفهم إثبات أشياء تسمى معلومات لا نهاية لها، وهو محال، بل الأشياء هي الموجودات، وهي متناهية، ولكن بيان ذلك يستدعي تطويلا. وقد اندفع الإشكال بالكشف عن معنى نفي النهاية عن المقدورات، فالنظر في الطرف الثاني وهو المعلومات مستغنى عنه في دفع الالزام، فقد بانت صحة هذا الأصل بالمنهج الثالث من مناهج الأدلة المذكورة في التمهيد الرابع من الكتاب وعند هذا يعلم وجود الصانع إذ بان القياس الذي ذكرناه، وهو قولنا أن العالم حادث وكل حادث فله سبب فالعالم له سبب. فقد ثبتت هذه الدعوى بهذا المنهج، ولكن بعد لم يظهر لنا إلا موجود السبب، فأما كونه حادثاً أو قديماً وصفاً له فلم يظهر بعد فلنشتغل به.
18 : رحم الله الامام فقد اجاد في الجواب عن الشبهة، فمقدورات الله المستقبلية ليس اشياء وجودية حتى توصف بانها لانهائية بل نقول فقط ان لله صفة قدرة يتأتى بها ايجاد الممكنات التي تعلقت بها ارادته ثم نتوقف، فلا احد ينكر أنه تعالى يمكنه ان يخلق الى مالانهاية، فهو تعالى يمكن ان يضيف نعيم اهل الجنة الى غير نهاية، لكن متى اطلعت على مقدروات الله في زمن من الازمان لوجدتها محدودة، وكذلك معلومات الله عز وجل، فبعضها متحقق فعليا في الوجود، اما الذي لم يتحقق فهو ليس موجودا اصلا حتى يوصف بانه لانهائي،لذلك وجب عليك ايها القارئ ان تفرق بين تحقق اللانهائية، وبين امكانية الاضافة الى مالانهاية، فالاول محال والثاني ممكن، ونفس الشيء نعيده بالنسبة لمن يقول ان الاعداد لانهائية، بأنه يتكلم عن مفاهيم ذهنية فقط لا تحقق لها في الواقع، فخد من الامام هذا المعنى الذي وفقه الله له.

النتيجة : بهذا نكون قد اثبتنا ان اجسام العالم لا تخلو من الحوادث، وايضا ان ما لا يخلو من الحوادث فانه حادث، وعليه فاجسام العالم كلها حادثة لا بد لها من محدث، بقي الكلام فقط في اثبات : 1) ان محدث هذا العالم قديم.....2) ان محدث هذه الاجسام كلها واحد 3) ان محدث هذا العالم متصف بالارادة..

ومن الله التوفيق...

مستفيد..
01-13-2014, 01:28 PM
8: يقر الامام ان معرفة الله تعالى ليست معرفة بدهية، وانه يجب الاستدلال عليها، فان جاز ان يكون وجود الله بالنسبة لبعض الناس بدهي، فهو ليس كذلك بالنسبة للاخرين، هذا ما يدفعنا لصياغة هذه الادلة.
في الحقيقة لا يمكن أن نحكم على شيء أنه بديهة لبعض الناس وليس ببديهة للبعض الآخر..هذا مخالف لتعريف البديهيات..
فالبديهيات يُستدل بها ولا يُستدل عليها كما قال شيخ الإسلام رحمه الله (( كيف يطلب الدليل على من هو دليل على كل شيء؟ ))
وكما يقال: وليس يصح في الأذهان شيء..إذا احتاج النهار إلى دليل..
ووجود الله بديهة فطرية وعقلية أظهر من وجود النهار ومن لم يجد ذلك في فطرته وعقله فليتهمهما لا أن يُشكك في البديهيات..ولذلك لم تكن من الأهداف القرآنية إثبات وجود الله من حيث هو موجود ولا كان هدفا من أهداف الأنبياء جميعا حيث قالوا عليهم الصلاة والسلام (( أَفِي اللّهِ شَكٌّ ؟ ))..
بل إن جميع حواراتنا مع الملاحدة هي حوارات في البديهيات بالأساس وليست بالحوارات العقلية كما هو الحال مع النصرانية والوثنية..وصياغتنا للأدلة على وجود الله ليس من باب أنها ليست بالبديهة بالنسبة لهؤلاء كما جاء في الإقتباس..بل هي بديهة ولا شك..فحالنا كحال من اتاه شخص منتكس الفطرة ليس بالأعمى لينكر وجود الشمس أو يشكك..فتنزل معه في الحديث ليثبت له فساد فطرته ويبين له أن الشمس بالفعل موجودة..!..
ومن باب الإنصاف للإمام الغزالي رحمه الله ورغم سلوكه ذاك المسلك إلا أنه تنبه من أنه ليس من طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم..ولا صحابته رضوان الله عليهم وقال في كتاب فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة: (( فليت شعري متى نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة رضي الله عنهم إحضار أعرابي أسلم، وقوله له: الدليل على أن العالم حادث: أنه لا يخلو عن الأعراض، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث ))

hamzaD
01-13-2014, 03:36 PM
بارك الله فيك أخي مستفيد على ردك الذي اثريت به الشريط، وربما أجيب عنه بالتفصيل عند فراغي من النقل.

لكني مع ذلك ادعوك ان تعيد النظر في هذا الكلام الذي في نظري لن يفيد القضية الايمانية وايضا لن يتقبله الباحثون عن الحقيقة، ببساطة لانك تتحدث عن غيب الغيوب سبحانه، فانت تتهم الجهاز العقلي لكل من شك في وجوده سبحانه، بل تصفه بعدم الكفاءة كالمجنون، اذ هو حسب وجهة نظرك منكر لشيء لا يمكن اصلا ان يشك به.

ووجود الله بديهة فطرية وعقلية أظهر من وجود النهار ومن لم يجد ذلك في فطرته وعقله فليتهمهما لا أن يُشكك في البديهيات..
اما هذه الحالة التي تنتابك وهي قولك " اظهر من وجود النهار" وقول الرسل " أفي الله شك " فهي حالة تأتي لكل شخص بعد نظر وتمعن في هذا العالم، ففرق بارك الله فيك بين هذا، وبين ان تولد ومعلومة وجود الله مغروسة في فطرتك، وربنا هو القائل : "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شيئا"، وهو الذي يطلب منا في الكثير من الايات ان نؤمن به، ونصدق بوجوده، فاعد النظر بارك الله فيك، رغم ان هذا الكلام هو تعليق هامشي فقط، لا يتعلق بالدليل ولا بمقدماته.

مستفيد..
01-13-2014, 05:23 PM
مرحبا أخي حمزة وشكرا على التفاعل..

في نظري لن يفيد القضية الايمانية وايضا لن يتقبله الباحثون عن الحقيقة
أخالفك وجهة النظر..وويخالفك فيه الباحثون:
1967
يقول هذا الباحث بأن الأطفال الصغار لديهم إيمان حتى اذا لم يتم تلقينهم ذلك عبر المدرسة او الأهل, و يضيف بأنه حتى اذا نشأو بمفردهم على جزيرة صحراوية فسيتوصلون للايمان بالله
http://www.telegraph.co.uk/news/religion/3512686/Children-are-born-believers-in-God-academic-claims.html

اذ هو حسب وجهة نظرك منكر لشيء لا يمكن اصلا ان يشك به.
شاك لانتكاس فطرته بمؤثرات خارجية..لا لحاجته إلى دليلِِ عقلي عن وجود الله..

اما هذه الحالة التي تنتابك وهي قولك " اظهر من وجود النهار" وقول الرسل " أفي الله شك " فهي حالة تأتي لكل شخص بعد نظر وتمعن في هذا العالم، ففرق بارك الله فيك بين هذا، وبين ان تولد ومعلومة وجود الله مغروسة في فطرتك، وربنا هو القائل : "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شيئا"، وهو الذي يطلب منا في الكثير من الايات ان نؤمن به
عندما تحدث جلبة مثلا بجوار طفل في أشهره الأولى تجده يلتفت بحثا عن مصدر الجلبة..من علّمه..كيف اكتسب هذا العلم ؟..أو كأن يلتقم ثدي أمه..فمن علمه ومتى ؟..
إذن الفطرة أو البديهة باختصار لا تحتاج لمعلم..وهذا الطفل لم يُشَغِّل عقله لِيَعلَم ما عَلِمَه بل ربما ليس في وعيه أصلا..في حين النظريات وتسمى أيضا بالكسبيات لا تأتي إلا بعد حركة العقل في الجمع بين الأدلة أو التفريق..والإنتقال من المقدمة الأولى إلى الثانية لنستنتج في النهاية النتيجة..وهذا الــ process لم يمر به الطفل في ما ذكرناه من أمثلة..فهو لم يستعمل غير الحواس والغريزة وهذا لا يتعارض مع قول الله (أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) وإنما يؤيده فالله تعالى يحدثنا عن تلك النعمة..بل على العكس ما تقوله هو ما يتعارض مع قول الله (( فطرة الله التي فطر الناس عليها ))..وقول النبي (( كل مولود يولد على الفطرة ))..وإن كان المولود مجبول على ما ذكرناه وإحساسه بأمه وغيره.. فإحساسه بوجود خالقه يكون أولى ولا شك..وهذا يتوافق تماما مع البحث المذكور أول الرد..

hamzaD
01-13-2014, 06:26 PM
ان شاء الله أخي نتحدث عن مبحث الفطرة في موضوع منفصل، او في اخر هذا الشريط. فقد ظهرت الحاجة الى اعادة النظر في الادلة المقدمة في هذا المنتدى الكريم للزملاء الملاحدة، ولعل الافادة الكبيرة من هذا الشريط هي القاعدة المنهجية في التفريق بين ما يجب تقديمه للملاحدة وبين ما يجب ان ينبني عليه توحيدنا بالله، فكون فكرة الله مغروسة في قلوبنا منذ ولادتنا لا يستدل عليها بابحاث تجريبية ظنية كما قلت في اول الشريط، و بما ان العقل والحس المشاهد لا يفيدان اي شيء في هذا المبحث، فيجب الاستدلال على هذا المعتقد بالنصوص الشرعية ومحاولة فهمها الفهم الصحيح، وهل دلالتها قطعية ام لا ؟ وغير ذلك من امثال هذه الاسئلة. وسنتعرض لهذا الموضوع بالتفصيل فنأتي بالنصوص من القران والسنة وننظر اينا اصاب في المسألة، وان كنت اظن اننا على رأي واحد، وان اختلافنا في هذه النقطة هو بسبب بعض القشور التي تغطي هذه الموضوع والتي ان ازلناها وصلنا الى اللب وحصل الاتفاق ان شاء الله، ولا تخف، فلست اقول هذا من اجل مقابلة الشيخ تقي الدين ابن تيمية، بل الكثير من العلماء من اهل مذهبي يقولون بما تقول به، ويجعلون الفطرة مرادفة للاسلام او للتوحيد بمعنى اصح. فليس القضية تعصبا لمذهب معين بل بحثا عن الحقيقة.

مستفيد..
01-13-2014, 06:57 PM
وهو كذلك إن شاء الله..فليتك تُفصّل المسألة بالدليل سواء هنا أو في موضوع آخر..لأن الإجمال لا يُفيد في أمور كهذه..
وفقك الله لما يحب..

د. هشام عزمي
01-13-2014, 07:29 PM
بخصوص النقاش الدائر حول قضية مناسبة الدليل لكل أحد ، فالراجح عندي أن كل امرئ بحسبه في هذه القضية ، فهناك من لا يحتاج لإقناع ولا إلى نظر ، وهناك من يحتاج إلى معرفة الدليل اليسير المباشر ، وهناك من لا يقتنع إلا بالدليل الفلسفي بالغ التعقيد ، وأرشح لكم هذا المقطع بما فيه من تأصيل جيد لهذه المسألة :

http://www.youtube.com/watch?v=SAOvi7vk7aU

مستفيد..
01-13-2014, 08:10 PM
ليس الخلاف في نوع الدليل الذي يجب أن يُقدم حسب نوعية المتلقي..
الخلاف عما طُبع في الفِطر عن وجود الله..فالإلحاد كما تعلم دكتور هشام حديث العهد..والبشرية في عصورها الأولى إلى اليوم (في عمومها) لم تعرف غير التدين..هذا يعبد بقر وآخر شجر وآخر حجر..لم يختلفوا في وجود الله باعتباره أمر بديهي يعرفه كل إنسان..بل حتى الطفل الصغير في أي مكان أو زمان لو فعل فعل ما ونهرته بحجة ان هذا الفعل حرام ويُغضب الرب.فلن يرد عليك بسؤال ماذا تقصد بالرب ؟..أو وما معنى حرام ..أو هل هو موجود أم لا..هذا الأمر ينطبق على جميع الاطفال سليمي الفطرة دونما استثناء..مع انك لم تحدثه في المقدمة عن دليل وجود الله وان الكون يستوجب خالق -وهذا الذي أناقش فيه الاخ حمزة-..لكن لو لقنته أن لا وجود للرب وتربى على تلك الفكرة فأكيد سيكون ملحد..وعندها يأتي دور ما تفضلتَ به حول الأدلة وأن لكل دليله حسب نوعية المؤثرات التي أثرت على نقاء الفطرة..وهذه نقطة أخرى..لم أخض فيها..ولا أنكرها..بل وأدعمها..

hamzaD
01-13-2014, 08:23 PM
نستمر ان شاء الله في البحث عن صفات محدث العالم...
1) القدم

الدعوى الثالثة: ندعي أن صانع العالم مع كونه موجوداً لم يزل فهو باق لا يزال لأن ما ثبت قدمه استحال عدمه. وإنما قلنا ذلك لأنه لو العدم لافتقر عدمه إلى سبب فإنه طارئ بعد استمرار الوجود في القدم. وقد ذكرنا ان كل طارئ فلا بد له من سبب من حيث انه طارئ لا من حيث أنه موجود، وكما افتقر تبدل العدم بالوجود إلى مرجح للوجود على العدم، فكذلك يفتقر تبدل الوجود بالعدم إلى مرجح للعدم على الوجود18
18 : اظن ان الكلام واضح، ولا يستلزم منا اضاعة الوقت في شرحه بعد التفصيل الذي قدمه الامام بعد هذه الفقرة، فثبث ان الذي احدث هذه الاجسام او بعضها يجب ان يكون قديما يستحيل فيه.
الحدوث والعدم.

2) في اثبات كون محدث أجسام العالم واحد :

ندعي أنه سبحانه واحد. فإن كونه واحداً يرجع إلى ثبوت ذاته ونفي غيره، فليس هو نظر في صفة زائدة على الذات19، فوجب ذكره في هذا القطب. فنقول: الواحد قد يطلب ويراد به أنه لا يقبل القسمة، أي لا كمية له ولا جزء ولا مقدار، والباري تعالى واحد بمعنى سلب الكمية المصححة للقسمة عنه؛ فإنه غير قابل للانقسام. إذ الانقسام لما له كمية، والتقسيم تصرف في كمية بالتفريق والتصغير، وما لا كمية له لا بتصور انقسامه. وقد يطلق ويراد أنه لا نظير له في رتبته كما تقول الشمس واحدة، والباري تعالى أيضاً بهذا المعنى واحد؛ فإنه لا ند له. فأما انه لا ضد له فظاهراً، إذ المفهوم من الضد هو الذي يتعاقب مع الشيء على محل واحد ولا تجامع وما لا محل له فلا ضد له، والباري سبحانه لا محل له فلا ضد له. وأما قولنا لا ند له، نعني به أن ما سواه هو خالقه لا غير
19 : بمعنى ان الوحدانية هي صفة سلبية فقط، اي تسلب منه معاني لا تليق بذاته العلية كالكمية والتعدد وغيرها، وليس في اثبات ان الله واحد اثبات لمعنى وجودي كعلمه مثلا، لذلك وجب التفريق.


وبرهانه أنه لو قدر له شريك لكان مثله في كل الوجوه أو أرفع منه أو كان دونه. وكل ذلك محال. فالمفضي إليه محال، ووجه استحالة كونه مثله من كل وجه أن كل اثنين هما متغايران، فإن لم يكن تغاير لم تكن الإثنينية معقولة، فإنا لا نعقل سوادين إلا في محلين، أو في محل واحد في وقتين، فيكون أحدهما مفارقاً للآخر ومبايناً له ومغايراً إما في المحل وإما في الوقت، والشيئان تارة يتغايران بتغاير الحد والحقيقة، كتغاير الحركة واللون فإنهما وإن اجتمعا في محل واحد في وقت واحد فهما اثنان، إذ أحدهما مغاير للآخر بحقيقته، فإن استوى اثنان في الحقيقة والحد كالسوادين، فيكون الفرق بينهما إما في المحل أو في الزمان؛ فإن فرض سوادان مثلاً في جوهر واحد في حالة واحدة كان محالاً إذ لم تعرف الاثنينية. ولو جاز أن يقال هما اثنان ولا مغايرة، لجاز أن يشار إلى إنسان واحد ويقال أنه انسانان بل عشرة وكلها متساوية متماثلة في الصفة والمكان وجميع العوارض واللوازم، من غير فرقان، وذلك محال بالضرورة، فإن كان ند الله سبحانه متساوياً له في الحقيقة والصفات استحال وجوده، إذ ليس مغايره بالمكان إذ لا مكان ولا زمان فإنهما قديمان، فإذاً لا فرقان، وإذا ارتفع كل فرق ارتفع العدد بالضرورة، ولزمت الوحدة20. ومحال أن يقال يخالفه بكونه أرفع منه. فإن الأرفع هو الإله والإله عبارة عن أجل الموجودات وأرفعها، والآخر المقدر ناقص ليس بالإله. ونحن إنما نمنع العدد في الإله، والإله هو الذي يقال فيه بالقول المطلق أنه أرفع الموجودات وأجلها. وإن كان أدنى منه كان محالاً، لأنه ناقص ونحن نعبر بالاله عن أجل الموجودات فلا يكون الأجل إلا واحداً،21 وهو الإله ولا يتصور اثنان متساويان في صفات الجلال، إذ يرتفع عند ذلك الافتراق ويبطل العدد كما سبق. فإن قيل: بم تنكرون على من لا ينازعكم في إيجاد من يطلق عليه اسم الإله، مهما كان الإله، عبارة عن أجل الموجودات، ولكنه يقول العالم كله بجملته ليس بمخلوق خالق واحد، بل هو مخلوق خالقين، أحدهما مثلاً خالق السماء والآخر خالق الأرض22،

20 : في هذا جواب لمن يقول ما المانع في ان يكون هناك الهين مثلا متفقان في الارادة، فالامام يريد ان يقول باختصار انه لو كان لهذين الالهين نفس الصفات، فهما في حقيقة الامر اله واحد ولامجال للنزاع في ذلك، فثبت انه لو فرض وجود قديمين فيجب ان يكونا متغايرين،و وفي الكلام الذي بعده تفصيل على استحالة وجود الهين موصفين بالتغاير.
21 : القول بان هناك رتبة بين الالهة يعود الى اثبات ان القديم الاعلى رتبة هو الاله الحق، المستحق لكمال الربوبية والاخر انما هو ناقص تابع له.
22 : يبدأ الامام هنا في الرد على دعاة تقسيم المقدورات فيجعلون الها مثلا يخلق الارض واخرا يخلق الشمس


فنقول: يدل على استحالة ذلك أن هذه التوزيعات للمخلوقات على الخالقين في تقدير هذا السائل لا تعدو قسمين: إما أن تقتضي تقسيم الجواهر والأعراض جميعاً حتى خلق أحدهما بعض الأجسام والأعراض دون البعض23، أو يقال كل الأجسام من واحد وكل الأعراض من واحد، وباطل أن يقال إن بعض الأجسام بخلقها واحد كالسماء مثلاً دون الأرض؛ فإنا نقول خالق السماء هل هو قادر على خلق الأرض أم لا ؟ فإن كان قادراً كقدرته، لم يتميز أحدهما في القدرة عن الآخر، فلا يتميز في المقدور عن الآخر فيكون المقدور بين قادرين ولا تكون نسبته إلى أحدهما بأولى من الآخر،24 . والقاسم الثاني أن يقال: أحدهما يقدر على الجوهر والآخر على الأعراض وهما مختلفان، فلا تجب من القدرة على أحدهما القدرة على الآخر، وهذا محال، لأن العرض لا يستغني عن الجوهر، والجوهر لا يستغني عن العرض، فيكون فعل كل واحد منهما موقوفاً على الآخر25، فإن قيل. فيكون أحدهما خالق الشر والآخر خالق الخير، قلنا: هذا هوس، لأن الشر ليس شراً لذاته، بل هو من حيث ذاته مساو للخير ومماثل له، والقدرة على الشيء قدرة على مثله، فإن إحراق بدن المسلم بالنار شر، وإحراق بدن الكافر خير ودفع شر، والشخص الواحد إذا تكلم بكلمة الإسلام انقلب الإحراق في حقه شراً، فالقادر على إحراق لحمه بالنار عند سكوته عن كلمة الإيمان لا بد أن يقدر على إحراقه عند النطق بها، لأن نطقه بها صوت ينقضي لا يغير ذات اللحم، ولا ذات النار، ولا ذات الاحتراق، ولا يغلب جنساً فتكون الاحتراقات متماثلة، فيجب تعلق القدرة بالكل ويقتضي ذلك تمانعاً وتزاحماً. وعلى الجملة: كيفما فرض الأمر تولد منه اضطراب وفساد وهو الذي أراد الله سبحانه بقوله "لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتا" فلا مزيد على بيان القرآن. ولنختم هذا القطب بالدعوى العاشرة فلم يبق مما يليق بهذا الفن إلا بيان استحالة كونه سبحانه محلاً للحوادث، وسنشير إليه في أثناء الكلام في الصفات رداً على من قال بحدوث العلم والإرادة وغيرهما.
23 : هذه هي الشبهة الاولى وهي المشهورة بين الملاحدة، اما الثانية فلا أحد يقول بها تقريبا
24 : بمعنى ان فرض الهين مطلقي القدرة مع وحدة الاثر كالارض مثلا هو محال، لان يستحيل ان تتعلق قدرتهما بنفس الاثر، فان قدر واحد على خلق الارض ولم يقدر الاخر كان هذا مناقضا للفرض الاول، اي في كونهما مطلقي القدرة، وهذا يعود بنا الى ان الفرض من اساسه محال.
25 : وهذا يكفي من اجل الاجابة عن هذه الشبهة الساذجة
25 : الشر والخير ليس امورا وجودية حتى نقول انها تخلق، بل الشر والخير نسبيين يتبعان افعاله تعالى، فالقادر على خلق نعيم الجنة قادر ايضا على خلق النار، فان كان اختص احد الالهين بخلق الجنة رجعنا الى الرد الاول في استحالة محدودية القدرة بقدر من الممكنات،اذ يرجع ذلك على اثبات النقص، اما ان كانت قدرة الالهين متعلقة بخلق الجنة والنار، فليزم من ذلك تزاحم قادرين على مقدور واحد والتزاحم محال كما اشرنا اعلاه وبهذا تكون كل الاشكالات والشبهات مندفعة ولله الحمد.

hamzaD
01-13-2014, 08:31 PM
وبعيدا عن الادلة العقلية على نفي التعدد، هناك العديد من الشواهد التي نراها في حياتنا اليومية التي تدل على وحدانيته تعالى، فنرى الكون كله يخضع لنفس القانون، فالالكترون المتواجد في مجرات تبعد عنا بملايين السنوات الضوئية له نفس الكتلة كالالكترونات المشكلة لجسد الانسان، ومن هذا ايضا وحدة القانين الاخرى كالجاذبية، والنسبة الذهبية التي نجدها في كل مخلوقات الكون وفي كل المتسويات سواء في الاجرام الكبيرة او في الدقائق الصغيرة،وغير ذلك كثير، وايضا التشابه بين الخلائق، فتجد كافة الكائنات تملك تصاميم متقاربة، وتملك نظاما بيلوجيا كونيا مبني على التشفير بلغة واحدة، والامر لا يقف عند هذا الحد فقط، بل الكون كل بذراته مترابط و متشابك مع بعضه البعض، فتحريك الكترون على الارض قد يصدر عنه انيا تغيير في حركة الكترون يقع على بعد ملايين السنوات الضوئية، وهذا لا يكون الا في كون يقوم عليه اله واحد، لا اله الا هو، وعلى العموم الانسانية تجاوزت الشرك ولله الحمد وقد قضت ايات الكتاب العزيز على هذا المرض منذ الاف السنين، فلا نطيل المقام في توضيح الواضحات، واعلم ان فرض خالقين او ثلاثة يجعلهما حادثين وليس واجبي الوجود، لانه عددها ان كان اثنان او ثلاثة هو في حد ذاته ممكن، والممكن حادث، اما العدد واحد فهو ليس عددا اصلا حتى يقال انه ممكن هذا وقد اشرنا ان الله تعالى منزه عن الكمية، هذا فرق دقيق وهو لمن تنبه له، علم بوحدانيته تعالى.

3) اثبات ان محدث العالم القديم متصف بالارادة :


ندعي أن الله تعالى مريد لأفعاله وبرهانه أن الفعل الصادر منه مختص بضروب من الجواز لا يتميز بعضها من البعض إلا بمرجح، ولا تكفي ذاته للترجيح، لأن نسبة الذات إلى الضدين واحدة فما الذي خصص أحد الضدين بالوقوع في حال دون حال ؟26
26 : الدليل واضح، فانت ايها القارئ عندما ترى هذا العالم وترى الظواهر من حولك، تسأل السؤال المشهور، " لماذا الاشياء هكذا ؟" "من الذي هكذها هكذا ؟"، ولا يمكنك تجيب على هذه الاسئلة ما دمت لم تثبت لصانع هذا العالم صفة تفسر امرين : الاول كون سبحانه غير مكره على الفعل، اذ في ذالك دليل على حدوثه، وهذا محال فقد بينا انه قديم، والثاني : تفسر لنا سر خلق العالم على النحو الذي هو عليه، وقد اضرب مثلا تشبيهيا والله المثل الاعلى بطالب دخل كلية الهندسة، فأقرباؤه سيسألونه السؤال التالي : لما دخلت هذه الكلية يا زيد ؟ فيكون جواب هذا الاخير : انني اولا لم اكره على دخول هذه الجامعة، ثانيا ان ليس تخرجي كمهندس هو سبب دخولي لهذه الجامعة، بل حبي لهذه الغاية هو السبب، فالحب الذاتي عند الانسان هو منبع الاختيار، فكيف برب العزة، لذلك فسر اختيار الله تعالى لخلق العالم على هذه الشاكلة انما هو راجع لمعنى قائم بذاته اطلقنا عليه اسم "صفة الارادة" نعلم تعلقاتها، ونجهل حقيقتها وماهيتها فلا يجوز تشبيهه تعالى بأحد من خلقه.

و بهذا نكون قد اثبتنا ان العالم حادث مفتقر الى محدث قديم لا اول له واحد في ذاته وصفاته متصف بالصفات الكمالية الجلالية والجمالية التي تليق بقدمه وبوحدانيته جل جلاله، عند هذا الحد نكون ولله الحمد قد اثبتنا وجود الله تعالى بالادلة الجلية، والحمد لله رب العالمين.


وأفتح الباب لتعليقاتكم وملاحظاتكم وأرائكم أيها الافاضل ومن استفاد من هذا العمل ولو بمعلومة بسيطة فليدعو للفقير في ظهر الغيب....

ابن سلامة القادري
01-13-2014, 09:55 PM
إجابتي أختصرها في توقيعك أخي الفاضل حمزة :

هناك الدليل الفطري يعلوه مقاما دليل التصميم
ويعلو هذا الاخير الدليل الكلامي، يعلوه الدليل الانساني القراني
ثم يأتي دليل صدق النبوة مصدقا لهم كلهم جميعا ليقطع الشك باليقين.



غير أني لا أقول بالعلو و التفاضل بين هذه الدلائل (اعتبارا لما ذكره الدكتور الجليل هشام عزمي من حيث أن لكل منا دليل يناسبه) و أقول بالخصوصية. أي الثاني أخص دلالة من الأول و هكذا، لكنني حينما وصلت إلى عبارة الدليل الإنساني القرآني لم أفهمها حقا، فماذا تقصد بها بارك الله فيك ؟

hamzaD
01-13-2014, 11:05 PM
إجابتي أختصرها في توقيعك أخي الفاضل حمزة :



غير أني لا أقول بالعلو و التفاضل بين هذه الدلائل (اعتبارا لما ذكره الدكتور الجليل هشام عزمي من حيث أن لكل منا دليل يناسبه) و أقول بالخصوصية. أي الثاني أخص دلالة من الأول و هكذا، لكنني حينما وصلت إلى عبارة الدليل الإنساني القرآني لم أفهمها حقا، فماذا تقصد بها بارك الله فيك ؟

ليس التفاضل أخي الفاضل، بل كل دليل يستعمل في حالة معينة وفي وقت معين، وما قاله الدكتور هشام في هذا الباب هو الذي يقوله اهل السنة، يكفي الانسان العادي ان يعرف الدليل الاجمالي على وجود الله فقط.

سأعطيك مثالا من جنس هذا الموضوع و أرجو من الجميع ان ينتبهو له، فدليل الحدوث الذي قدمته والذي به استدليت على وجود الباري عز وجل، لا يستطيع ان يقطع بعدم وجود موجود ازلي غير متحيز وغير وغير مقتض لغيره من الاشياء جنبا الى جنب مع الله تعالى، الجواب اخي لمن فتن بدليل الحدوث هو استنجاده بالسنة المطهرة، وقالوا ان امام عدم قدرة الدليل على نفي وجود هذا الشيء، فلا بد بأن نستنجد بنصوص الشرع التي يقول فيها عليه الصلاة والسلام : "كان الله ولم يكن شيء غيره"، فابطلوا بهذا امكانية وجود هذا الشيء. فهذه من الامور التي تحسب لاهل الكلام وهي توفيقهم بين العقل والشرع، فالعقل ليس اداة مطلقة يعرف بها كل شيء، بل هي اداة لها حيز ضيق، لكن مع ذلك فالاحكام الصادرة في هذا الحيز تتسم بالقطعية وقد مكنتنا من الاستدلال على وجود الله وعلى صفاته

اما الجواب على سؤالك :

هناك دليل الفطرة، واقصد بالفطرة هنا قابلية الانسان للتعرف على الله عز وجل، فنحن عندما نخرج الى هذا العالم ونراه من حولنا، نحس مباشرة بتوغل عقيدة التوحيد في قلوبنا، لكن المشكل ان فئة من الناس لا يتحقق فيها هذا الامر، فنستعمل معها كخطوة ثانية ادلة التصميم في الكون، فنوريهم الكائنات المعقدة والثوابث الفزيائية الدقيقة التي تحكم الكون، لكن مع ذلك هناك فئة تصر على ان التصميم الذي نشاهده في الكون ما هو الا نتاج صدفة، فيستنجدون بالانتخاب الطبيعي وبالاكوان المتوازية وغير ذلك، فنستعمل مع هؤلاء الدليل الكلامي، الذي يقطع اي طريق على دوي الشبهات ويبرهن على وجود الله بصفات العلية، لكن حتى مع الالزام العقلي، فالملاحدة كي يؤمنوا يلزمهم نوع اخر من الادلة، أدلة تخاطب القلب، ارجو ان يكون كلامي واضحا ان شاء الله، فالادلة الوحيدة التي تخاطب القلب هي الادلة القرانية الانسانية، كالتي تجدها في اوائل سورة النحل، او كالتي تجدها في سورة الروم، وغيرها، وأستسمحك وكل قارئ لكلامي ان تقرأ معي هذه الايات بارك الله فيك :

وَالأَنعامَ خَلَقَها لَكُم فيها دِفءٌ وَمَنافِعُ وَمِنها تَأكُلونَ ﴿5﴾ وَلَكُم فيها جَمالٌ حينَ تُريحونَ وَحينَ تَسرَحونَ ﴿6﴾ وَتَحمِلُ أَثقالَكُم إِلى بَلَدٍ لَم تَكونوا بالِغيهِ إِلّا بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُم لَرَءوفٌ رَحيمٌ ﴿7﴾ وَالخَيلَ وَالبِغالَ وَالحَميرَ لِتَركَبوها وَزينَةً وَيَخلُقُ ما لا تَعلَمونَ ﴿8﴾ وَعَلَى اللَّـهِ قَصدُ السَّبيلِ وَمِنها جائِرٌ وَلَو شاءَ لَهَداكُم أَجمَعينَ ﴿9﴾ هُوَ الَّذي أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُم مِنهُ شَرابٌ وَمِنهُ شَجَرٌ فيهِ تُسيمونَ ﴿10﴾ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرعَ وَالزَّيتونَ وَالنَّخيلَ وَالأَعنابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ﴿11﴾ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمرِهِ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَعقِلونَ ﴿12﴾ وَما ذَرَأَ لَكُم فِي الأَرضِ مُختَلِفًا أَلوانُهُ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَذَّكَّرونَ ﴿13﴾ وَهُوَ الَّذي سَخَّرَ البَحرَ لِتَأكُلوا مِنهُ لَحمًا طَرِيًّا وَتَستَخرِجوا مِنهُ حِليَةً تَلبَسونَها وَتَرَى الفُلكَ مَواخِرَ فيهِ وَلِتَبتَغوا مِن فَضلِهِ وَلَعَلَّكُم تَشكُرونَ ﴿14﴾ وَأَلقى فِي الأَرضِ رَواسِيَ أَن تَميدَ بِكُم وَأَنهارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُم تَهتَدونَ ﴿15﴾ وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجمِ هُم يَهتَدونَ ﴿16﴾أَفَمَن يَخلُقُ كَمَن لا يَخلُقُ أَفَلا تَذَكَّرونَ ﴿17﴾ وَإِن تَعُدّوا نِعمَةَ اللَّـهِ لا تُحصوها إِنَّ اللَّـهَ لَغَفورٌ رَحيمٌ ﴿18﴾وَاللَّـهُ يَعلَمُ ما تُسِرّونَ وَما تُعلِنونَ ﴿19﴾ وَالَّذينَ يَدعونَ مِن دونِ اللَّـهِ لا يَخلُقونَ شَيئًا وَهُم يُخلَقونَ ﴿20﴾ أَمواتٌ غَيرُ أَحياءٍ وَما يَشعُرونَ أَيّانَ يُبعَثونَ. - سورة النحل-

لاحظ كم منفعة للانعام اشار الله تعالى اليها... أليس مذهلا ؟ هذه المنافع ليست مرتبطة مع بعضها البعض،كالعلاقة بين الحليب والبروتينات، لا بل كل منفعة لا علاقة لها بالاولى، فلا علاقة بين لحمها وبين جمالها وبين قدرتها على التحمل، وتراه تعالى يركز على هذا المعطى وكأنه يقول لك سبحانه : "انظر كيف جمعت لك هذه الفوائد في مخلوق واحد مسخر لك"، ويستمر المولى في احصاء المنافع الظاهرة لكل موجود من حولنا، فهو لم يترك شيئا تقريبا الا واعطاك وظيفة يحققها للانسان حتى يقول سبحانه : ( وَإِن تَعُدّوا نِعمَةَ اللَّـهِ لا تُحصوها إِنَّ اللَّـهَ لَغَفورٌ رَحيمٌ ).

لذلك لا تسطيع اي نظرية صدفوية ان تفسر لنا هذا النظام البديع، وهو كيف تكون كل اجزاء الوجود عاملة من اجل هذا الانسان بالشكل الذي وصفه رب العزة، لا اعلم لكن لاحظ اللفتة العظيمة حين يقول سبحانه ان هذه النجوم الضخمة من وظائفها ان ترشد الناس في ظلمات الليل. فلا علاقة بين وظيفة انشاء الذرات الثقيلة كذرات الحديد التي تتم في بطن هذه النجوم، وبين وظيفتها الارشادية... هذا فقط مثال والكتاب العزيز طافح بهذه الايات التي تدل على بصمته لا اله الله وهدايته للمخلوقات ولله الحمد. وهذه الايات اخي العزيز هي وحدها التي تجعلك ترتاح في قلبك لعقيدة التوحيد، وتجعلك تتعرف على صفات المولى عز وجل بطريقة اكثر عمقا من الادلة الكلامية. قال الإمام الرازي رحمه الله في تفسيره مفاتيح الغيب :(( فكل من وقف على نوع آخر من أنواع تلك الحكمة فقد وصل إلى معرفة اسم آخر من أسماء الله تعالى ، ولما كان لا نهاية لمراتب حكمة الله تعالى ورحمته فكذلك لا نهاية لأسمائه الحسنى ولصفاته العليا)

لكن المرحلة الكلامية لا بد منها من اجل افحام العقل، وصده عن اثارة الشبهات، لان الادلة القرانية الانسانية ادلة قلبية لن تستطيع استعمالها في الدفاع عن الدين ضد من يؤمن بوحدة الوجود وغيرهم من المبتدعة، هذا رأيي في هذه القضية والله تعالى أعلى واعلم

بالمناسبة كنت انتظر واقول من هذا الذكي الذي سينتبه على توقيعي، فلما رأيت تعليقك ارتسمت على وجهي ابتسامة عريضة :)

YaCiine
01-13-2014, 11:15 PM
تسجيل متابعة ...

ابن سلامة القادري
01-13-2014, 11:40 PM
أعتقد أن تقريب فلسفة الغزالي هي مَهمّتك أخي الحبيب، طبعا مع مراعاة ثوابت القرون الفاضلة الأولى لأهل السنة في الإعتقاد قبل ظهور الملوثات الفلسفية التي ظهرت من خلالها بدع كثيرة من القول و العمل، و إني لأراك جديرا بتلك المهمة أخي و أهلا لها. و أحسب أن هذا رأي الأساتذة الكرام (إلى ما خفت نكذب) و هذه لهجة تعرفها.



فهذه من الامور التي تحسب لاهل الكلام وهي توفيقهم بين العقل والشرع، فالعقل ليس اداة مطلقة يعرف بها كل شيء، بل هي اداة لها حيز ضيق، لكن مع ذلك فالاحكام الصادرة في هذا الحيز تتسم بالقطعية وقد مكنتنا من الاستدلال على وجود الله وعلى صفاته[/U]



لدي تعليق طفيف على مقولتك هاته، ذلك أن الأدلة الكلامية و أخص بالذكر دليل الحدوث الذي تفضلت بشرحه - و بالإضافة لما قلت أنه لا يتضمن دليل الوحدانية - فهو لا يخبر عن صفات الله الذاتية و الفعلية التي جاءت عن الوحي المنزل. و لذلك لا يُعتمد عليه بالكامل إلا بقدر إثبات أن هذا الكون محدث بقدرة و إرادة إلهيتين و ليس بذاته.

زادك الله حرصا على الخير أخي الفاضل.

hamzaD
01-14-2014, 01:15 AM
أعتقد أن تقريب فلسفة الغزالي هي مَهمّتك أخي الحبيب، طبعا مع مراعاة ثوابت القرون الفاضلة الأولى لأهل السنة في الإعتقاد قبل ظهور الملوثات الفلسفية التي ظهرت من خلالها بدع كثيرة من القول و العمل، و إني لأراك جديرا بتلك المهمة أخي و أهلا لها. و أحسب أن هذا رأي الأساتذة الكرام (إلى ما خفت نكذب) و هذه لهجة تعرفها.
هذا من حسن ظنك أخي...بارك الله فيك...

YaCiine
04-15-2014, 09:00 PM
شكرا على الموضوع و الايضاح الأخ حمزة ، جزاك الله خير

زينون الايلي
04-28-2014, 01:54 AM
بارك الله فيك اخ حمزة على الموضوع الجميل . لدي استفسار لو سمحت . عند استدلال الغزالي على ان السكون حادث قال
وإن فرض جوهر ساكن كالأرض، ففرض حركته ليس بمحال بل نعلم جوازه بالضرورة، وإذا وقع ذلك الجائز كان حادثاً وكان معدماً للسكون، فيكون السكون أيضاً قبله حادثاً لأن القديم لا ينعدم كما سنذكره في إقامة الدليل على بقاء الله تعالى، . لماذا قال الغزالي ان الجوهر الساكن فرض حركته ليس بمحال ? وقال ايضا بانه اذا وقع جواز الحركة كان حادثا ; لكن ماذا لو لم يقع ذلك الجائز ? . بعد ذلك انكر الغزالي ان يخرج الجسم من حالة السكون اللانهائي الى الحركة على اساس ان القديم لا ينعدم . لماذا انكر الغزالي ذلك ولم ينكر خروج العالم من عدم لا نهائي الى الوجود على اساس نفس الحجة ? . وشكرا لك اخي الكريم ونفعنا الله بعلمك .