هشام بن الزبير
02-01-2014, 10:00 AM
كتب ملحد قبل أسابيع تعليقا حين ذكر له أحد الإخوة سورة الفاتحة قال فيه:
"وأي شيء في سورة الفاتحة؟"
فقلت في نفسي لا بد أن أكتب شيئا عن هذه السورة العظيمة.
1992
يحيا الملحد في صحراء شكه وتشكيكه وتخبطه وانغلاق قلبه وبصيرته عن رؤية النور القرآني, فيظن أنه يستطيع أن يرد آيات القرآن وحججه وبراهينه بالدعاوى الجوفاء المجردة, لكن أنى للملحد أن يرد البرهان القرآني العملي الذي نراه في واقع الحياة كل يوم؟ أنّى له أن ينكر الأثر القرآني المتزايد في مشارق الأرض ومغاربها؟
نفتتح الفاتحة بالبسملة, ونقرأ فيها اسم الله, واسمه ينادى في الأرض بكل لسان, إن الحاجة لذكر الله ومناجاته ودعائه لم تنقرض من الأرض أيها الملحد, لذا كان من يقبل على القرآن أو ترجمات معانيه تاليا وللهداية طالبا, يقرأ (بسم الله...) فلا يقول أنا لا أدري ما الله, بل يستمر: (بسم الله الرحمن الرحيم), فهل يصل إنسان مهما كان جنسه أو موطنه إلى هذا الموضع فيلتبس عليه وصف الخالق بالرحمة؟ أليس العالم من حولنا يفيض بتجليات الرحمة؟ ألسنا نراها حتى في العجماوات والبهائم؟ فهل هذه الرحمة من تجليات المادة؟ هل الرحمة مطلب من مطالب الجسد؟ أم أن الجسد لا يطلب إلا إشباع حاجاته الغريزية؟ أليست الرحمة مطلبا من عالم آخر؟ دعونا نفكر قليلا, القانون الوضعي اخترعه الإنسان الأبيض الملحد ليبني مجتمعا يائسا من لقاء ربه, ففي أي فصل من فصول القوانين الوضعية تجدون معاني الرحمة, وتغليب العفو على العقوبة؟ أم أن ذلك لا يوجد إلا في الدين؟
العالم المادي في زعم الملحد ثمرة تفاعل عشوائي لعوامل مادية طبيعية, فمن أين اكتسبت البهائم الرحمة حتى ترفع الدواب حوافرها رحمة بصغارها؟ في أي طبقة من طبقات المادة تطورت الرحمة؟ هل اكتشف العلماء إلكترون الرحمة أم "جين" الرحمة؟
يقرأ الإنسان اسم ربه فيشعر بالهيبة, ثم يقرأ اسمين يفيضان بالرحمة, فتطمئن نفسه وتمتلئ طمعا ورجاء فيما عنده, ثم يقرأ: (الحمد لله رب العالمين) إن الله محمود بكل لسان, إني لا أعلم لغة من اللغات ليس فيها هذا المعنى, يحمد الناس ربهم باللسان ويشكرونه عند انفراج الشدائد خاصة فيقول الإنجليزي: "Thank God" ويقول الفرنسي: "Dieu soit loué" ويقول الألماني: "Gott sei Dank" هؤلاء كلهم من هذا العالم, فهل من مانع عقلي لوجود عوالم أخرى لا ندركها ولا نعيها؟
توسط العالَمون في سورة الفاتحة أسماء الرحمة (بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم) فدل ذلك على أن رحمة الله سبقت غضبه, إن الرحمة تكتنف تالي القرآن كما اكتنفت "العالمين" عن يمين وشمال.
إذن سورة الفاتحة تحقق للإنسان ذلك المطلب العجيب المسمى "رحمة" وتغمره بالأمل وتمسح عنه اليأس.
(ملك يوم الدين)
ومما ينشد الناس أيضا مما ليس من مطالب الجسد: "العدل" لكن العدالة في أغلب الأحيان غير متحققة في هذا العالم, لكننا -ويا للغرابة- لا نعتقد سقوط الجرم عن المجرمين بعد موتهم, بل إنا لا نفتأ نذكرهم بالثلب والهجاء لإجرامهم, بل إن الإسبان يضعون الأغلال على قبور من لم يتموا مدة عقوباتم من المجرمين! فما بالكم بالإجرام الذي يخفى على البشر؟ ما بالكم بالإجرام الذي انطوت عليه السرائر؟ ما بالكم بالإجرام الذي لم تسجله كاميرا ولا اطلع عليه إنسان؟ هل يُبطل خفاؤه علينا توقنا وظمأنا إلى تحقيق العدالة؟ إننا نتوق إلى يوم يعتدل فيه الميزان, ويرجع الحق إلى ذويه, وينكشف من أمر المجرمين ما كانوا يخفون من قبل, ونحن إنما نتوق في واقع الأمر إلى يوم الدين, يوم الحساب, يوم الفصل, وقد أجمع كل من أدركه شيء من علم النبوة على وجود ذلك اليوم, والآية تقرره من أقرب سبيل, فهي تصف الله الرحمن الرحيم المستحق للحمد كله, بأنه (ملك يوم الدين) (مالك يوم الدين) كأن الآية تبشر المؤمنين ممن عبدوا الله وحمدوه حق حمده, بالأمن يوم الدين, فإن ربهم رحمن رحيم.
(إياك نعبد وإياك نستعين)
ولما ذكّرت الآية المؤمنين بذلك اليوم العظيم, وقد جعلوه نصب أعينهم, ناسب ذكر حالهم: فهم يُخلصون في عبادة ربهم وفي استعانتهم به, فجمعوا بين طرفي العبادة, فلم يغلب عليهم التأله حتى تركوا الأسباب, بل جمعوا بين العبادة والتوكل. فتأمل -هداني الله وإياك- المناسبة اللطيفة بين ذكر يوم الدين الذي هو زمان الجزاء, وبين ذكر العبادة والإستعانة الذين هما موضوع التكليف. إن المؤمنين يحتاجون للعبادة للنجاة من أهوال ذلك اليوم, ويحتاجون إلى الإستعانة بربهم على العبادة نفسها, وعلى ما يترقبونه من شدة ذلك الموقف.
(اهدنا الصراط المستقيم)
(صراط الذين أنعمت عليهم, غير المغضوب عليهم ولا الضالين)
ثم يسأل العباد ربهم الهداية إلى الصراط المستقيم, وقد علم البَرُّ والفاجر أن وجود طريق واحد مستقيم ناصع واضح ضرورة عقلية, وإلا لما كان لحياة الإنسان ولا لبحثه عن الحق معنى. ولما سألوه الهداية إلى الصراط المستقيم وهم سالكوه بالفعل, دل ذلك على أن الثبات عليه مِنَّة زائدة على مجرد الإهتداء إليه, فلا بد لطالب النجاة أن يحقق الهداية إليه والهداية فيه, وهذه إشارة إلى كثرة العوائق والقواطع. ولما أفردت الآية الصراط, دلت على أن الطرق المخالفة له سبل ضلال مهما تعددت واختلفت وانخدع بها الناس. ثم إن الآية تجلي حقيقة هذا الصراط ببيان حال من سلكوه, وحال من تنكّبوه, فالأولون الناجون المفلحون, فهم أهل سابقة إنعام من ربهم الرحمن الرحيم, فما أعظم منزلتهم وقد نسب الله الصراط إليهم, فصاروا علامة له, وصار علامة لهم.
ولما كان الناس بطبعهم يغترّون وينخدعون, فإن الآية زادت أمر الصراط المستقيم بيانا, بذكر حال النَّاكِبين عنه, فهم بين ضالٍّ ومغضوبٍ عليه, جزاء وفاقا, فإن العدول عن هذا الصراط الواضح البين المستقيم مما يدعو للعجب. إن هذه السورة لعجيبة من العجائب, ولكأني بها بذرة للقرآن وغيرها لها فروع, فيا ويل من أنكرها وطعن فيها, إنه إذن لضالٌّ أو مغضوبٌ عليه.
فيا من لم يتذوق شيئا من هذه المعاني من أهل الإلحاد والشك والعناد, فإنا ندعوك أن تأتينا بكلام:
- يحوي من المعاني ما يداني ما حوته الفاتحة.
- ترابطت أجزاؤه فبعضه آخذ بحجز بعض كأنه قطعة واحدة لا خلل فيه ولا عوج.
- حصلت به الهداية والطمأنينة لتاليه ومتبعيه.
"وأي شيء في سورة الفاتحة؟"
فقلت في نفسي لا بد أن أكتب شيئا عن هذه السورة العظيمة.
1992
يحيا الملحد في صحراء شكه وتشكيكه وتخبطه وانغلاق قلبه وبصيرته عن رؤية النور القرآني, فيظن أنه يستطيع أن يرد آيات القرآن وحججه وبراهينه بالدعاوى الجوفاء المجردة, لكن أنى للملحد أن يرد البرهان القرآني العملي الذي نراه في واقع الحياة كل يوم؟ أنّى له أن ينكر الأثر القرآني المتزايد في مشارق الأرض ومغاربها؟
نفتتح الفاتحة بالبسملة, ونقرأ فيها اسم الله, واسمه ينادى في الأرض بكل لسان, إن الحاجة لذكر الله ومناجاته ودعائه لم تنقرض من الأرض أيها الملحد, لذا كان من يقبل على القرآن أو ترجمات معانيه تاليا وللهداية طالبا, يقرأ (بسم الله...) فلا يقول أنا لا أدري ما الله, بل يستمر: (بسم الله الرحمن الرحيم), فهل يصل إنسان مهما كان جنسه أو موطنه إلى هذا الموضع فيلتبس عليه وصف الخالق بالرحمة؟ أليس العالم من حولنا يفيض بتجليات الرحمة؟ ألسنا نراها حتى في العجماوات والبهائم؟ فهل هذه الرحمة من تجليات المادة؟ هل الرحمة مطلب من مطالب الجسد؟ أم أن الجسد لا يطلب إلا إشباع حاجاته الغريزية؟ أليست الرحمة مطلبا من عالم آخر؟ دعونا نفكر قليلا, القانون الوضعي اخترعه الإنسان الأبيض الملحد ليبني مجتمعا يائسا من لقاء ربه, ففي أي فصل من فصول القوانين الوضعية تجدون معاني الرحمة, وتغليب العفو على العقوبة؟ أم أن ذلك لا يوجد إلا في الدين؟
العالم المادي في زعم الملحد ثمرة تفاعل عشوائي لعوامل مادية طبيعية, فمن أين اكتسبت البهائم الرحمة حتى ترفع الدواب حوافرها رحمة بصغارها؟ في أي طبقة من طبقات المادة تطورت الرحمة؟ هل اكتشف العلماء إلكترون الرحمة أم "جين" الرحمة؟
يقرأ الإنسان اسم ربه فيشعر بالهيبة, ثم يقرأ اسمين يفيضان بالرحمة, فتطمئن نفسه وتمتلئ طمعا ورجاء فيما عنده, ثم يقرأ: (الحمد لله رب العالمين) إن الله محمود بكل لسان, إني لا أعلم لغة من اللغات ليس فيها هذا المعنى, يحمد الناس ربهم باللسان ويشكرونه عند انفراج الشدائد خاصة فيقول الإنجليزي: "Thank God" ويقول الفرنسي: "Dieu soit loué" ويقول الألماني: "Gott sei Dank" هؤلاء كلهم من هذا العالم, فهل من مانع عقلي لوجود عوالم أخرى لا ندركها ولا نعيها؟
توسط العالَمون في سورة الفاتحة أسماء الرحمة (بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم) فدل ذلك على أن رحمة الله سبقت غضبه, إن الرحمة تكتنف تالي القرآن كما اكتنفت "العالمين" عن يمين وشمال.
إذن سورة الفاتحة تحقق للإنسان ذلك المطلب العجيب المسمى "رحمة" وتغمره بالأمل وتمسح عنه اليأس.
(ملك يوم الدين)
ومما ينشد الناس أيضا مما ليس من مطالب الجسد: "العدل" لكن العدالة في أغلب الأحيان غير متحققة في هذا العالم, لكننا -ويا للغرابة- لا نعتقد سقوط الجرم عن المجرمين بعد موتهم, بل إنا لا نفتأ نذكرهم بالثلب والهجاء لإجرامهم, بل إن الإسبان يضعون الأغلال على قبور من لم يتموا مدة عقوباتم من المجرمين! فما بالكم بالإجرام الذي يخفى على البشر؟ ما بالكم بالإجرام الذي انطوت عليه السرائر؟ ما بالكم بالإجرام الذي لم تسجله كاميرا ولا اطلع عليه إنسان؟ هل يُبطل خفاؤه علينا توقنا وظمأنا إلى تحقيق العدالة؟ إننا نتوق إلى يوم يعتدل فيه الميزان, ويرجع الحق إلى ذويه, وينكشف من أمر المجرمين ما كانوا يخفون من قبل, ونحن إنما نتوق في واقع الأمر إلى يوم الدين, يوم الحساب, يوم الفصل, وقد أجمع كل من أدركه شيء من علم النبوة على وجود ذلك اليوم, والآية تقرره من أقرب سبيل, فهي تصف الله الرحمن الرحيم المستحق للحمد كله, بأنه (ملك يوم الدين) (مالك يوم الدين) كأن الآية تبشر المؤمنين ممن عبدوا الله وحمدوه حق حمده, بالأمن يوم الدين, فإن ربهم رحمن رحيم.
(إياك نعبد وإياك نستعين)
ولما ذكّرت الآية المؤمنين بذلك اليوم العظيم, وقد جعلوه نصب أعينهم, ناسب ذكر حالهم: فهم يُخلصون في عبادة ربهم وفي استعانتهم به, فجمعوا بين طرفي العبادة, فلم يغلب عليهم التأله حتى تركوا الأسباب, بل جمعوا بين العبادة والتوكل. فتأمل -هداني الله وإياك- المناسبة اللطيفة بين ذكر يوم الدين الذي هو زمان الجزاء, وبين ذكر العبادة والإستعانة الذين هما موضوع التكليف. إن المؤمنين يحتاجون للعبادة للنجاة من أهوال ذلك اليوم, ويحتاجون إلى الإستعانة بربهم على العبادة نفسها, وعلى ما يترقبونه من شدة ذلك الموقف.
(اهدنا الصراط المستقيم)
(صراط الذين أنعمت عليهم, غير المغضوب عليهم ولا الضالين)
ثم يسأل العباد ربهم الهداية إلى الصراط المستقيم, وقد علم البَرُّ والفاجر أن وجود طريق واحد مستقيم ناصع واضح ضرورة عقلية, وإلا لما كان لحياة الإنسان ولا لبحثه عن الحق معنى. ولما سألوه الهداية إلى الصراط المستقيم وهم سالكوه بالفعل, دل ذلك على أن الثبات عليه مِنَّة زائدة على مجرد الإهتداء إليه, فلا بد لطالب النجاة أن يحقق الهداية إليه والهداية فيه, وهذه إشارة إلى كثرة العوائق والقواطع. ولما أفردت الآية الصراط, دلت على أن الطرق المخالفة له سبل ضلال مهما تعددت واختلفت وانخدع بها الناس. ثم إن الآية تجلي حقيقة هذا الصراط ببيان حال من سلكوه, وحال من تنكّبوه, فالأولون الناجون المفلحون, فهم أهل سابقة إنعام من ربهم الرحمن الرحيم, فما أعظم منزلتهم وقد نسب الله الصراط إليهم, فصاروا علامة له, وصار علامة لهم.
ولما كان الناس بطبعهم يغترّون وينخدعون, فإن الآية زادت أمر الصراط المستقيم بيانا, بذكر حال النَّاكِبين عنه, فهم بين ضالٍّ ومغضوبٍ عليه, جزاء وفاقا, فإن العدول عن هذا الصراط الواضح البين المستقيم مما يدعو للعجب. إن هذه السورة لعجيبة من العجائب, ولكأني بها بذرة للقرآن وغيرها لها فروع, فيا ويل من أنكرها وطعن فيها, إنه إذن لضالٌّ أو مغضوبٌ عليه.
فيا من لم يتذوق شيئا من هذه المعاني من أهل الإلحاد والشك والعناد, فإنا ندعوك أن تأتينا بكلام:
- يحوي من المعاني ما يداني ما حوته الفاتحة.
- ترابطت أجزاؤه فبعضه آخذ بحجز بعض كأنه قطعة واحدة لا خلل فيه ولا عوج.
- حصلت به الهداية والطمأنينة لتاليه ومتبعيه.