المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عشرة ملاحظات في خطابنا المعاصر عن الإلحاد (الجزء الثاني)



مهاب السعيد
03-15-2014, 03:16 AM
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله، وبعد...

أحاول إن شاء الله أن أستكمل ما قد بدأتُه في هذا الموضوع : http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?56495-%DA%D4%D1%C9-%E3%E1%C7%CD%D9%C7%CA-%DD%ED-%CE%D8%C7%C8%E4%C7-%C7%E1%E3%DA%C7%D5%D1-%DA%E4-%C7%E1%C5%E1%CD%C7%CF-%28%C7%E1%CC%D2%C1-%C7%E1%C3%E6%E1%29


...(3)...
مقام الدعوة
------
عندما تتعامل مع من ينكر وجود الله عزوجل، فهذا رجل قد بلغ من الكفر مبلغًا يجعل قلبك يفيض بلفظه..
وهذا أمر طبيعيّ جدًا بل وواجب علينا جميعًا، ألا نحتفظ لهم في قلوبنا إلا البُغض.. وفي الحديث "أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الحُبُّ فِي اللهِ وَالبُغْضُ فِي اللهِ"..
لكن في بعض المواقف أنت مطالب بإظهار هذا الحب على لسانك وأفعالك "كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا"، فـ (بدا) أي ظهر.. وهذا في مقام الجهاد بالحجة وإبطال حجج المعاندين الداعين لكفرهم، ولبدعتهم، كما قال الله تعالى: "وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراًً" أي بالقرآن.. والجهاد الكبير هو مثل قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ" ففي هذا المقام تحسن الغلظة والشدة عليهم... مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصناديد الكفر في مكة: "أَمَا وَالّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُم بِالذَّبْحِ"..
بيْد أن هناك مقام آخر، وهو مقام الدعوة والترغيب، هنا أنت مطالب بالاحتفاظ بالبغض القلبي كاملًا، ولكن أن يصاحب ذلك رفقًا ولينًا في الكلام والأفعال..!
فهذا مثل قول الله عزوجل: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" - "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" - "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن السَّيِّئَة"..
نلاحظ اللفظ المتكرر في الآيات الثلات، وهي كلمة "أحسن".. وهي لفظة توحي لك بأن مجال التطوير والتحسين والتجميل من خطابك الدعوي لربما لا يتوقف، لأنك غالبًا ستجد في كل حين ما كان سيكون (أحسن) لو قلته، فتقوله في المرة القادمة.. فنلاحظ أن مخاطبة الأنبياء عليهم السلام لقومهم في مقام الدعوة كانت من بوابة (الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).. فهذا صالح عليه السلام "قَالَ أَوْلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ".. وهذا شعيب عليه السلام يقول: "إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ"..
الخلاصة.. أن في خطابنا للملحدين، يحسن بنا أن نفرق بين الملحد الداعية وغير الداعية..
الذي يدعو إلى إلحاده يحسن التصدي له بالمحاججة والإغلاظ فيها، وإظهار عواره، وخطل موقفه، ونقصان عقله..
أما الملحد غير الداعية، فيحسن التعامل معه كأي كافر آخر ندعوه للإسلام..
وهذا هو ما أجده ناقصًا في خطابنا المعاصر.. غياب عنصر الإشفاق واللين في مخاطبتهم، فنجد أن غالب المواد المكتوبة والمسموعة إنما هي في رأيي من القبيل الأول فقط..

...(4)...
التخصصية الزائدة
---------
اعتماد الإلحاد الجديد على معطيات العلم التجريبي وخصوصًا في علميْ الفيزياء والبيولوجيا، وعلى كثير من الجوانب الفلسفية، وقع بنا في تحدٍّ جديد..
المشكلة تبدأ حين ندخل مرحلة الإغراق في هذه اللغة الخاصة.. فتجد أن كثيرًا من المقالات تكون عسيرة على الفهم لا على عامة الناس فحسب ولكن على (عامة) من يرغب في التزوّد المعرفي فيما يخص هذا الجانب..
تصبح المشكلة عميقة بالفعل في المصطلحات الفلسفية مثلًا، حيث بعض الألفاظ التخصصية التي تُشرح عادةً في كتب كاملة..
وفي علم الفيزياء، حيث بعض المعضلات التي لا يفهمها أصلًا الكثير من كبار الفيزيائيين أنفسهم (نظريّة الكم مثالًا)..
فيأتي الكاتب ويذكر هذا المصطلح أو ذاك ويبني عليه، دون حتى أن يبذل عناء توضيحه..
ولربما استعنّا بأدلة عامة جدًا على هذا المعنى مثل قول الله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ" .. وقول عليّ رضي الله عنه: "حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ"..
ربما تبدو هذه المشكلة باهتة للغاية، حيث أتكلم عن بعض الأجزاء في بعض المقالات لبعض الكتاب غير مفهومة..!
ولكن ما دفعني للكلام عنها، أني بدأت ألاحظ أنها أصبحت كالظاهرة العامة أو السمة المتفق عليها ضمنًا التي تتخذها الأدبيّات الخاصة بهذا الفن..

...(5)...
الدفع والرفع
------
الوقاية أسهل وأهم كثيرًا من العلاج..
ملحد اليوم كان مؤمن الأمس، ومؤمن اليوم لا تدري أي حال يكون عليه غدًا..
كلنا لامس ذلك العناد الواضح لدى كثير من الملحدين، اجتمعت عليهم للأسف محارات العقول، وتيه الأفكار، وهوى النفوس، واستمساك الشيطان بهم..
كم من ملحد تعلمه عاد إلى الإيمان..؟ بالتأكيد نسبة قليلة، وحالات نفرح بها ولكنك تشعر أنها غير كافية لانشغالك أخي الكريم وإياي ببذل كل هذا الجهد والوقت من أجل مناقشته..
فلو نظرت للأمر بهذه النظرة لتسربت إلى نفسك الهموم اليائسة من كثرة ما تتكلم وقلة ما تجد.. فتحتاج حينها إلى صبر الأنبياء، الذين يأتون يوم القيامة معهم الرجل والرجلان، وبعضهم ليس معه أحد..
لكن لو حولنا جزءًا من هذه الجهود من مجال الرفع إلى مجال الدفع، لربما كان أنفع كثيرًا..
كان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم ينصبّ غالبًا على دعوة أهل الكفر "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً" .. فذكره الله عزوجل بأهمية مراقبة من معه من المؤمنين: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ"..
فما أريد أن نركز عليه هي منهجيّة: (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ).. أن نبدأ في مخاطبة الشباب المسلم بالقضايا التحصينية أمام قضية الإلحاد..
فلماذا مثلًا ننتظر حتى نحاور ملحدًا في نظرية التطور حتى نستدل بكلام مايكل بيهي وستيفن ماير وأمثالهما عن التصميم العظيم للخلية الحية..؟
لماذا لا يكون مثل هذا التفكر في خلق الله هو مما نخاطب به الشباب المسلم ابتداءً..؟
معظم كتب العقيدة لدينا تعني بتوحيد الألوهية والأسماء والصفات اللتان كانتا محل النزاع الأكبر وقت تأليف هذه الكتب، ولم يكونوا يسمعون تقريبًا عن أي ملحد..!
بينما الآن نحتاج إلى العقيدة التي (تتعمق) بشدة في مجال توحيد الربوبية، والتفكر في بديع خلق الله عزوجل، وإثبات النبوات والرسالات وغيره..

...(6)...
فخ المادية
-----
ربما بحمد الله يكون كل من هو قريب من بيئة العلم الشرعي، ومنهج السلف الصالح، بعيدًا عن هذه الإشكاليّة، ولكنها ظاهرة في بعض الكتابات عن حسن نية كبير من صاحبها..
وهي أن يأتي على معجزة إلهية ما، أو خبر غيبي، فيفسره بشواهد العلم المادي التجريبي..
مثل أن يتحدث عن اختلاف مفهوم الزمن عند الملائكة عن البشر بالنظرية النسبية باعتبار أن سرعات تنزل الملائكة الخرافية تجعل مقياسهم للزمان يختلف عن مقاييسنا..! أو يتحدث عن وجود الجن والشياطين والعالم غير المرئي للإنسان بنظريات الكم والأبعاد المتعددة..!
وهناك من يتخذ منحنىً أكثر خطورة حتى بمحاولة تفسير آيات القرآن نفسها بهذا الأسلوب، فيتحدث عن أن آية "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوآ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا" تدل على الـ Big Bang ..! فهؤلاء قد تخطوا الأخطاء التقليدية التي يقع فيها المغرقون في الإعجاز العلمي في القرآن، إلى أخطاء أكثر منها بكثير..
إنك حين تُفسر أفعال الله عزوجل ومعجزاته وعالمه الذي أغابه عنا بقوانين وشواهد العلم التجريبي، فإن هذا تسليم ضمني منك لهم بإخضاع أفعال الله عزوجل إلى هذا العلم..!
وهو التزام لا يلتزمه قطعًا أصحاب هذا المنهج الذين يقومون به بحسن نية.. ولكنهم يفسدون في رأيي أكثر مما يصلحون..
يسخر ستيفن هوكنج من المعجزة المشهورة في إمساك الله عزوجل للشمس ليوشع بن نون حتى يفتح الله عليه، فيقول أن هذا معناه أن تتوقف الأرض عن الدوران، ويتحرك كل من عليها بفعل القصور الذاتي بسرعة تحرك الأرض، لكن - في رأيه - لم يشكل هذا مشكلة لنيوتن الذي ابتكر أصلًا قانون القصور الذاتي لأنه كان يرى أن الله بإمكانه أن يتدخل ويغيّر من سيادة القانون..
فكل هذه أزمات ومزانق قد يدخلها هؤلاء من حيث أرادوا الإصلاح، وأغفلوا قول الله عزوجل: "مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً".. فالله عزوجل لم يجعل هذه الغيبيات من علم الشهادة ولكن جعلها غيبًا وصرتَ أنت مطالب بالإيمان والتصديق المطلق بهذا الغيب، أما أن تحاول نقله إلى عالم الشهادة، ففضلًا عن أنك لن تنجح، وفضلًا عن أنك ستخرج عن مراد الله الذي جعل التصديق بالغيب هو ما يفرق المؤمن عن الكافر: "الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ".. فضلًا عن كل ذلك فإنك ستقع في مأزق أكبر هي أنك سلّمت لهم بمنطقهم فدخلت تحت كمّ كبير من المحاجات التي ما كان عليك أن تتحملها أصلًا..

...
يتبقى لنا إن شاء الله 4 ملاحظات..
أحب فقط أن أعرف رأي أساتذتي وإخواني فيما قلت..
وما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان..
أسأل الله أن يهدينا سواء السبيل..
وجزاكم الله خيرًا على المتابعة والاهتمام..

عبد التواب
03-15-2014, 03:41 AM
ماشاء الله
جزاك الله خير
هذه ليست ملاحظات
بل درر

فما أريد أن نركز عليه هي منهجيّة: (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ).. أن نبدأ في مخاطبة الشباب المسلم بالقضايا التحصينية أمام قضية الإلحاد..
فلماذا مثلًا ننتظر حتى نحاور ملحدًا في نظرية التطور حتى نستدل بكلام مايكل بيهي وستيفن ماير وأمثالهما عن التصميم العظيم للخلية الحية..؟
لماذا لا يكون مثل هذا التفكر في خلق الله هو مما نخاطب به الشباب المسلم ابتداءً..؟
معظم كتب العقيدة لدينا تعني بتوحيد الألوهية والأسماء والصفات اللتان كانتا محل النزاع الأكبر وقت تأليف هذه الكتب، ولم يكونوا يسمعون تقريبًا عن أي ملحد..!
بينما الآن نحتاج إلى العقيدة التي (تتعمق) بشدة في مجال توحيد الربوبية، والتفكر في بديع خلق الله عزوجل، وإثبات النبوات والرسالات وغيره..

مهاب السعيد
03-15-2014, 04:16 AM
جزاك الله خيرًا يا أخ عبد التواب..
من يكن جميلًا يرى ما حوله جميلًا.. :):

muslim.pure
03-15-2014, 06:59 PM
ابدعت خاصة في النقطة التي عنونتها بفخ المادية و ارى انه يجب الاكتفاء فقط بهذه النقطة للرد على الملحدين في اطار التنزل يعني نذكر الادلة العقلية الغير مادية ثم نذكر الادلة المادة اخيرا زيادة في اذلال و فضح الملحد المتشدق بالعلم و لكن لا تكون هي اساس الحجة و لا نبني عليها شيئا فيما يخص العقيدة
درر قد خط قلمك
في انتظار بقية مشاركاتك
بارك الله فيك

مهاب السعيد
03-16-2014, 02:56 PM
جزاك الله خيرًا/ أخ muslim.pure
أسعدتني موافقتك لي..
شكرًا على المتابعة..