رمضان مطاوع
04-03-2014, 12:20 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيهما قبل الآخر الإيمان أم الإسلام ؟
هذا السؤال سأله لي إنسان مسيحي زميلي في العمل وتناقشنا في موضوعات كثيرة ومن بينها السؤال المطروح محل النقاش الآن بكل احترام ومحبة دون أن يجرح أحدنا مشاعر الآخر - ولا أنكر أن هناك أمور كثيرة كانت غائبة عني ولكنه نبهني لأن أسأل وأستفسر وأبحث وأتناقش مع علماء الإسلام في هذه الموضوعات - والحمد لله كان نقاشي معه فاتحة خير بالنسبة لي لمعرفة أشياء في الدين لم يكن ببالي أن أسأل وأتناقش فيها
المهم أني أجبته بأن الإيمان قبل الإسلام وذلك من واقع رؤيتي التالية :
أن الإنسان عبارة عن ( نفس + جسد ) - النفس هي جوهر أو حقيقة الإنسان من عالم الغيب أما الجسد فهو مجرد وسيلة أو أداة من عالم الشهادة تتحرك وتسعى به النفس في هذا العالم المادي - والله تبارك وتعالى يخاطب الذين آمنوا به بقلوبهم ( أي بأنفسهم ) وليس الذين أسلموا له بأجسادهم - والإيمان هنا هو الإيمان الصادق الذي دخل واستقر في القلب وليس الإيمان الكاذب الذي تشوبه الريبة - الله سبحانه وتعالى يخاطب القلوب أي النفوس وليس الأجساد - والإيمان الصادق الحقيقي ليس هو ما دخل ووقر في القلب ( النفس ) فقط دون أن يصدقه العمل الصالح بواسطة الجسد - بل لابد أن يصدقه العمل الصالح بواسطة الجسد أي لابد أن يقيد بعمل الجوارح
بالضبط النفس كسائق السيارة إذا آمن السائق بصانع السيارة واقتنع به استقام على أمره والتزم بتعليمات القيادة فينعكس ذلك على حركة السيارة - والسيارة هي بمثابة الوسيلة أو الأداة التي يتحرك ويسعى بها السائق في البيئة التي يعيش فيها - وليس في كل الأحوال عمل الجوارح ( الجسد ) دليلا على إيمان القلب ( النفس ) - فالأعراب مثلا أسلموا بجوارحهم فقط ولم تؤمن قلوبهم بعد على الحقيقة ولكنهم قالوا آمنا فكشف الله كذبهم - ووصف لنا المؤمنين الحقيقيين بأنهم هم الذين (.... لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) - ثم منوا على الرسول (ص) إسلامهم فقال تعالى له ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) أي أن المنة الحقيقية هي منة الله عليهم بالإيمان وليس منتهم عليك يا محمد - فهذا الإيمان الذي من الله عليهم به إن كانوا صادقين فيه - هو الذي جعلهم مسلمين لله إسلاما صادقا بجوارحهم فكانت أعمالهم صالحة - فلا يمنوا عليك إسلامهم هذا
ولنتأمل معاً حيث يقول تعالى في بداية كثير من الآيات التشريعية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ) أي يا أيها الذين آمنوا بالله الإيمان الصادق الذي لا تشوبه ريبة ودخل واستقر في قلوبهم ( أنفسهم ) - فالله يخاطب المؤمنين وليس المسلمين لأن هؤلاء بسبب إيمانهم الصادق هذا سوف لا يترددوا للحظة واحدة عن تنفيذ أمر الله بجوارحهم ( بأجسادهم ) - وهذه بعض الأوامر الصالحة التي أمر بها الذين آمنوا به الإيمان الصادق الذي دخل واستقر في قلوبهم ( أنفسهم ) فلابد أن ينعكس ذلك على جوارحهم ( أجسادهم ) فتكون بالطبع أعمالهم صالحة فقال تعالى في بداية كل آية :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا :
• .......... اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)
• .......... كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)
• .......... كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ..........
• .......... إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
• .......... كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)
• .......... أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)
• .......... لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ .......
• .......... لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ .......
• .......... كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ .............
• .......... لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ ........
وهناك أمران هامان :
الأمر الأول : من آمن بالله وقيد إيمانه بالعمل الصالح - لا يضيع من عمله شيئا ( وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ) ولابد أن يجازيهم الله على أعمالهم الصالحة الناتجة عن الإيمان الصادق بالله كالنبي والذين آمنوا معه والذين ساروا على دربهم - وهؤلاء هم الذين قيدوا إيمانهم بالعمل الصالح وهم المعنيين في هذه الآيات :
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ :
• .......... يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)
• .......... وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)
• .......... إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)
• .......... كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)
• .......... سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)
• .......... لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
• .......... لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)
• .......... لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)
الأمر الثاني : من كفر بالله وكان عمله صالحا - فلا يجازيهم على أعمالهم وإن كانت صالحة لأنهم قيدوا أعمالهم الصالحة هذه بالمنفعة الشخصية وليس بالإيمان كسكان دول الغرب المتقدمة كأوروبا وأمريكا - فهؤلاء الصنف الأخير هم الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ - ولذلك سوف تكون ( أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ )
ومن الأدلة الشرعية على أن الإيمان مرتبة تسبق مرتبة الإسلام - يقول تعالى :
• يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)
• يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)
• وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)
• يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69)
ومن الأدلة الشرعية على أن الإيمان شرطا للعمل الصالح - يقول تعالى :
• وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)
• وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)
• مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
• وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)
• وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)
• فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)
وهذا هو جزاء الذين آمنوا إيمانا صادقا وعملوا الصالحات - فالعمل الصالح الصادق أساسه الإيمان الصادق بالله - والله تعالى أمره صالح فمن آمن به واستقام على أمره ( أي أسلم جوارحه لله ) فقطعا يكون عمله صالح
• ولا قيمة للإيمان بدون الإسلام - وإلا سيكون كإيمان إبليس
• ولا قيمة للإسلام بدون الإيمان - وإلا سيكون كإسلام الأعراب
وبصفة عامة : إذا صدق الإيمان صدق العمل وإذا كذب الإيمان كذب العمل - والإيمان والإسلام كل منهما مقيد بالآخر
• العامل الذي يعمل عملا وهو مؤمن بصاحب العمل سوف ينجح عمله
• العامل الذي يعمل عملا وهو لم يؤمن بعد بصاحب العمل سوف ينقص عمله
• والعامل الذي يعمل عملا وهو كافر بصاحب العمل سوف يفشل عمله
والذي يقدم الإسلام قبل الإيمان بالله - كالذي يقدم العمل قبل الإيمان بصاحب العمل - أو كالذي يقدم الصلاة قبل الوضوء
فأنا أرى والله أعلم أن الإيمان كالأساس والإسلام كالبناء وعليه لا يصح البناء بدون الأساس
أو أن الإيمان كالميزان والإسلام كالوزن وعليه إن صح الميزان صح الوزن
ويقول رسول الله (ص) :
ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وان فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب - ( أي النفس )
إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني ، إن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل - ( أي العمل الصالح )
والخلاصة : أن من طبيعة غير المسلم مسيحي كان أو يهودي أو ملحد أو كافر أو غير ذلك لا يمكن إقناعه بأن يسلم نفسه وجسده لله الذي لم يؤمن به بعد - هو يريد أن يؤمن به أولا ثم إن اقتنع وآمن بهذا الإله فلا بأس أن يدخل في الإسلام
فهل إجابتي له من واقع هذه الرؤية صحيحة أم أن الإسلام لله قبل الإيمان به ؟
وجزاكم الله خيرا
أيهما قبل الآخر الإيمان أم الإسلام ؟
هذا السؤال سأله لي إنسان مسيحي زميلي في العمل وتناقشنا في موضوعات كثيرة ومن بينها السؤال المطروح محل النقاش الآن بكل احترام ومحبة دون أن يجرح أحدنا مشاعر الآخر - ولا أنكر أن هناك أمور كثيرة كانت غائبة عني ولكنه نبهني لأن أسأل وأستفسر وأبحث وأتناقش مع علماء الإسلام في هذه الموضوعات - والحمد لله كان نقاشي معه فاتحة خير بالنسبة لي لمعرفة أشياء في الدين لم يكن ببالي أن أسأل وأتناقش فيها
المهم أني أجبته بأن الإيمان قبل الإسلام وذلك من واقع رؤيتي التالية :
أن الإنسان عبارة عن ( نفس + جسد ) - النفس هي جوهر أو حقيقة الإنسان من عالم الغيب أما الجسد فهو مجرد وسيلة أو أداة من عالم الشهادة تتحرك وتسعى به النفس في هذا العالم المادي - والله تبارك وتعالى يخاطب الذين آمنوا به بقلوبهم ( أي بأنفسهم ) وليس الذين أسلموا له بأجسادهم - والإيمان هنا هو الإيمان الصادق الذي دخل واستقر في القلب وليس الإيمان الكاذب الذي تشوبه الريبة - الله سبحانه وتعالى يخاطب القلوب أي النفوس وليس الأجساد - والإيمان الصادق الحقيقي ليس هو ما دخل ووقر في القلب ( النفس ) فقط دون أن يصدقه العمل الصالح بواسطة الجسد - بل لابد أن يصدقه العمل الصالح بواسطة الجسد أي لابد أن يقيد بعمل الجوارح
بالضبط النفس كسائق السيارة إذا آمن السائق بصانع السيارة واقتنع به استقام على أمره والتزم بتعليمات القيادة فينعكس ذلك على حركة السيارة - والسيارة هي بمثابة الوسيلة أو الأداة التي يتحرك ويسعى بها السائق في البيئة التي يعيش فيها - وليس في كل الأحوال عمل الجوارح ( الجسد ) دليلا على إيمان القلب ( النفس ) - فالأعراب مثلا أسلموا بجوارحهم فقط ولم تؤمن قلوبهم بعد على الحقيقة ولكنهم قالوا آمنا فكشف الله كذبهم - ووصف لنا المؤمنين الحقيقيين بأنهم هم الذين (.... لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) - ثم منوا على الرسول (ص) إسلامهم فقال تعالى له ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) أي أن المنة الحقيقية هي منة الله عليهم بالإيمان وليس منتهم عليك يا محمد - فهذا الإيمان الذي من الله عليهم به إن كانوا صادقين فيه - هو الذي جعلهم مسلمين لله إسلاما صادقا بجوارحهم فكانت أعمالهم صالحة - فلا يمنوا عليك إسلامهم هذا
ولنتأمل معاً حيث يقول تعالى في بداية كثير من الآيات التشريعية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ) أي يا أيها الذين آمنوا بالله الإيمان الصادق الذي لا تشوبه ريبة ودخل واستقر في قلوبهم ( أنفسهم ) - فالله يخاطب المؤمنين وليس المسلمين لأن هؤلاء بسبب إيمانهم الصادق هذا سوف لا يترددوا للحظة واحدة عن تنفيذ أمر الله بجوارحهم ( بأجسادهم ) - وهذه بعض الأوامر الصالحة التي أمر بها الذين آمنوا به الإيمان الصادق الذي دخل واستقر في قلوبهم ( أنفسهم ) فلابد أن ينعكس ذلك على جوارحهم ( أجسادهم ) فتكون بالطبع أعمالهم صالحة فقال تعالى في بداية كل آية :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا :
• .......... اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)
• .......... كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)
• .......... كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ..........
• .......... إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
• .......... كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)
• .......... أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)
• .......... لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ .......
• .......... لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ .......
• .......... كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ .............
• .......... لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ ........
وهناك أمران هامان :
الأمر الأول : من آمن بالله وقيد إيمانه بالعمل الصالح - لا يضيع من عمله شيئا ( وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ) ولابد أن يجازيهم الله على أعمالهم الصالحة الناتجة عن الإيمان الصادق بالله كالنبي والذين آمنوا معه والذين ساروا على دربهم - وهؤلاء هم الذين قيدوا إيمانهم بالعمل الصالح وهم المعنيين في هذه الآيات :
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ :
• .......... يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)
• .......... وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)
• .......... إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)
• .......... كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)
• .......... سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)
• .......... لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
• .......... لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)
• .......... لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)
الأمر الثاني : من كفر بالله وكان عمله صالحا - فلا يجازيهم على أعمالهم وإن كانت صالحة لأنهم قيدوا أعمالهم الصالحة هذه بالمنفعة الشخصية وليس بالإيمان كسكان دول الغرب المتقدمة كأوروبا وأمريكا - فهؤلاء الصنف الأخير هم الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ - ولذلك سوف تكون ( أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ )
ومن الأدلة الشرعية على أن الإيمان مرتبة تسبق مرتبة الإسلام - يقول تعالى :
• يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)
• يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)
• وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)
• يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69)
ومن الأدلة الشرعية على أن الإيمان شرطا للعمل الصالح - يقول تعالى :
• وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)
• وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)
• مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
• وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)
• وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)
• فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)
وهذا هو جزاء الذين آمنوا إيمانا صادقا وعملوا الصالحات - فالعمل الصالح الصادق أساسه الإيمان الصادق بالله - والله تعالى أمره صالح فمن آمن به واستقام على أمره ( أي أسلم جوارحه لله ) فقطعا يكون عمله صالح
• ولا قيمة للإيمان بدون الإسلام - وإلا سيكون كإيمان إبليس
• ولا قيمة للإسلام بدون الإيمان - وإلا سيكون كإسلام الأعراب
وبصفة عامة : إذا صدق الإيمان صدق العمل وإذا كذب الإيمان كذب العمل - والإيمان والإسلام كل منهما مقيد بالآخر
• العامل الذي يعمل عملا وهو مؤمن بصاحب العمل سوف ينجح عمله
• العامل الذي يعمل عملا وهو لم يؤمن بعد بصاحب العمل سوف ينقص عمله
• والعامل الذي يعمل عملا وهو كافر بصاحب العمل سوف يفشل عمله
والذي يقدم الإسلام قبل الإيمان بالله - كالذي يقدم العمل قبل الإيمان بصاحب العمل - أو كالذي يقدم الصلاة قبل الوضوء
فأنا أرى والله أعلم أن الإيمان كالأساس والإسلام كالبناء وعليه لا يصح البناء بدون الأساس
أو أن الإيمان كالميزان والإسلام كالوزن وعليه إن صح الميزان صح الوزن
ويقول رسول الله (ص) :
ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وان فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب - ( أي النفس )
إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني ، إن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل - ( أي العمل الصالح )
والخلاصة : أن من طبيعة غير المسلم مسيحي كان أو يهودي أو ملحد أو كافر أو غير ذلك لا يمكن إقناعه بأن يسلم نفسه وجسده لله الذي لم يؤمن به بعد - هو يريد أن يؤمن به أولا ثم إن اقتنع وآمن بهذا الإله فلا بأس أن يدخل في الإسلام
فهل إجابتي له من واقع هذه الرؤية صحيحة أم أن الإسلام لله قبل الإيمان به ؟
وجزاكم الله خيرا