المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة علمية : الايمان والصدق هما الفطرة



الدكتور قواسمية
05-07-2014, 07:52 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علىى أشرف المرسلين

يشكل الالحاد شذوذ عقليا ونفسيا يمثله 1 بالمئة من الانسانية- استنادا الى ويكيبيديا- و يعني لغة الميل
وهذا الميل هو ميل عن الفطرة وعن مبادئء العقل ومن أهم مزاعم هذا الدين هو القول أن الناس ولدوا ملاحدة كافرين
ولكن الرسل هم من أضلوهم عن الفطرة وعن سواء السبيل
وفي وقت انفجرت فيه الأبحاث العلمية أصبح من الممكن عرض أركان الالحاد على العلم
ولعل أهم ضربة قاسية مني بها الالحاد هي اثبات العلم حدوث المادة والكون ودحض جميع الأسس التي قامت عليها الفلسفة المادية
واليوم نستعرض زعم الملاحدة بأن الالحاد هو الفطرة على العلم ولنرى اجابة البحوث العلمية بهذا الشأن

مغالطة الملاحدة تحت مجهر العلم

يدعي الملحدون أن الإيمان بالله تعالى من صنع البشر وأن الرسل يكذبون على الناس ليسيطروا عليهم. ولذلك فإن الأديان حسب زعمهم من صنع الإنسان نفسه وأنه لا يوجد إله لهذا الكون، ولذلك سعوا لجعل الأطفال ملحدين بالفطرة أي منذ ولادتهم يلقنونهم تعاليم الإلحاد.
ولكن المفاجأة أنه في أحدث بحث علمي تبيَّن أن الأطفال يولدون وفي داخلهم معلومات ولا علاقة للوراثة بها وهي محددة بثلاث صفات أساسية كما يلي:
2180

1- الإيمان بالله الواحد: حيث وجد العلماء أن الطفل يولد ودماغه مجهز بأفكار محددة تقول له: إن الله هو خالق الكون، وأن كل شيء له سبب، وأن الله واحد وليس متعدد.

2- الصدق: حيث وجد العلماء بعدد دراسة الدماغ أن خلايا الدماغ مهيَّأة للصدق، وأن دماغ الطفل مبرمج لكي يكون صادقاً وليس كاذباً. وكذلك تمييز الخير عن الشر.

3- التعلم: حيث يولد الطفل وهو مهيَّأ لتعلم اللغة، على عكس بقية الكائنات التي لا تستطيع النطق أو البيان. فدماغ الإنسان مجهز بمعلومات دقيقة ليتعلم ويتكلم ويبدع!

وأقول: أليس هذا بالضبط ما تعبر عنه الآية الكريمة: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 30]، فسبحان الله!
هذا بحث علمي جديد يؤكد أن الإنسان يؤمن بالله فطرياً أو طبيعياً (حسب صحيفة التلغراف 2011) فالإيمان بالله تعالى هو جزء من الطبيعة البشرية وجزء من تصميم الإنسان. وهنا نتذكر قوله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) [الأعراف: 172]..

فالله عز وجل منذ أن كان الإنسان في عالم الذرّ وقبل أن يخلق البشر وضع في داخله فطرة الإيمان بالله، وهو ما يكتشفه العلماء اليوم، فسبحان الله!!

وفي بحث جديد أيضاً لجامعة أكسفورد تبين أن الإنسان بفطرته يؤمن بالله تعالى ويؤمن بالآخرة أيضاً.. لقد أكدت أربعون دراسة منفصلة وفي بلدان متفرقة وتشمل ثقافات متنوعة، أثبتت الدراسات التحليلية أن البشر لديهم ميول طبيعي للاعتقاد بوجود خالق للكون وكذلك يقين بالآخرة.
2181

ويقول الباحثون من جامعة أكسفورد إن الاعتقادات الدينية للبوذيين أو الهندوس أو اليهود والنصارى... تأتي حسب التعاليم التي يلقنها الآباء للأبناء، وتختلف من ثقافة لأخرى، ولكن الشيء الذي يوجد في أعماق الإنسان ويولد معه هو الإيمان بالله واليوم الآخر!!
ومن هنا نتذكر أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قد سبق هؤلاء العلماء لتأكيد هذه الحقيقة عندما قال: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) [رواه مسلم]. هذا الحديث يشهد على صدق النبي الكريم... تطابق كامل بين الدراسة العلمية التي أنفق العلماء فيها ثلاثة ملايين دولار (بتاريخ 2013 May 11) وشارك فيه الكثير من الباحثين برعاية جامعة أكسفورد.. والآن سؤالنا لكل ملحد: هل تصدق ما تقوله جامعة أكسفورد؟ نحن نصدق ما قاله النبي الأعظم قبل 14 قرناً ولذلك فإننا نؤمن بالله تعالى... فالحمد لله على نعمة الإسلام..

المراجع
Children are born believers in God, academic claims, www.telegraph.co.uk

Cambridge University

http://www.telegraph.co.uk/news/politics/8510711/Belief-in-God-is-part-of-human-nature-Oxford-study.html

http://www.ox.ac.uk/media/news_stories/2011/110513.html

Doug Dusik, Maureen Morley, Brain Imaging with MRI Could Replace Lie Detector, www.rsnalink.com, Nov. 29, 2004.

Fib detector Study shows brain scan detects patterns of neural activity when someone lies, www.sfgate.com, November 26, 2001.

أبو أحمد العامري
05-07-2014, 10:22 PM
السلام عليكم يا دكتور قواسمية
الرابط الرابع و الخامس لا يعملان (أي الموضوع الثالث و الرابع)،
أود أن تتطلع على هذا الموضوع و بعدها أود أن أتبين معك شأن الفطرة فأنا فيه بين رأيين، كنت أذهب فيه سابقا
إلى المعنى الذي طرحته أو قريبا منه، أما الآن فأنا أقرب إلى رأي آخر و هو الذي في الكتاب المرفق، كما أود أن تأخذ الأمر بجدية و تعيره اهتمامك لأنه يجعل حواراتي لغير المسلمين بل و حتى المسلمين ينحو منحى آخر.
و شكرا مسبقا.
http://www.google.dz/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=2&cad=rja&uact=8&ved=0CDAQFjAB&url=http%3A%2F%2Fwww.riyadhalelm.com%2Fresearches% 2F11%2F39w_jadid_fitrah.doc&ei=sLtmU8-nC6fC0QWdnYC4AQ&usg=AFQjCNGGFE1VatcYM77i89w4mw2rHXZijw&bvm=bv.65788261,d.bGQ
و شكرا

أبو أحمد العامري
05-07-2014, 10:45 PM
لعل هذا يوافق الرابط الرابع (أي الموضوع الثالث)
http://www2.rsna.org/timssnet/media/pressreleases/PDF/pressreleasePDF.cfm?ID=206

أبو أحمد العامري
05-07-2014, 10:51 PM
و لعل هذا يوافق الرابط الخامس (أي الموضوع الرابع)
http://www.sfgate.com/news/article/Fib-detector-Study-shows-brain-scan-detects-2850153.php

الدكتور قواسمية
05-08-2014, 08:28 PM
السلام عليكم يا دكتور قواسمية
الرابط الرابع و الخامس لا يعملان (أي الموضوع الثالث و الرابع)،
أود أن تتطلع على هذا الموضوع و بعدها أود أن أتبين معك شأن الفطرة فأنا فيه بين رأيين، كنت أذهب فيه سابقا
إلى المعنى الذي طرحته أو قريبا منه، أما الآن فأنا أقرب إلى رأي آخر و هو الذي في الكتاب المرفق، كما أود أن تأخذ الأمر بجدية و تعيره اهتمامك لأنه يجعل حواراتي لغير المسلمين بل و حتى المسلمين ينحو منحى آخر.
و شكرا مسبقا.
http://www.google.dz/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=2&cad=rja&uact=8&ved=0CDAQFjAB&url=http%3A%2F%2Fwww.riyadhalelm.com%2Fresearches% 2F11%2F39w_jadid_fitrah.doc&ei=sLtmU8-nC6fC0QWdnYC4AQ&usg=AFQjCNGGFE1VatcYM77i89w4mw2rHXZijw&bvm=bv.65788261,d.bGQ
و شكرا

لقد قرأت مقالك بامعان شديد وأود أن أوضح لك أن الفطرة هي الحنفية دين ابراهيم عليه السلام...
كل البشر يلدون حنفاء أي مقرون بوجود خالق للكون قائم عليه بالتصرف والأمر والتدبير
واذا قلنا أن الاسلام هو الفطرة فلسنا نعني الاسلام بمعناه الاصطلاحي _ كدين خاتم للديانات السماوية رسوله النبي محمد عليه الصلاة والسلام - ولكن الاسلام بمعناه اللغوي -الحنفية - الذي عليه جميع الانبياء وأتباعهم من آدم عليه السلام حتى آخرهم محمد عليه أزكى الصلاة والتسليم
قال تعالى عن قوم نوح " فلم نجد فيها غير بيت من المسلمين" قرآن كريم.

ملاحظة هامة الحنفية تعني الاقرار بوجود خالق للكون قائم عليه بالأمر والتصرف والتدبير وهي العقيدة الصافية التي قد تتعرض للتكدير بتعليم ديني يجسد الخالق في انسان كالمسيحية أو وثن او بعض مخلوقاته كالبقرة والشمس والنار والكواكب....الخ
والله أعلم

أبو أحمد العامري
05-09-2014, 09:26 PM
لقد قرأت مقالك بامعان شديد
رزقك الله طول العمر وهناء العيش مع صلاح العمل


وأود أن أوضح لك أن الفطرة هي الحنفية دين ابراهيم عليه السلام...
معك في هذا فالفطرة هي الحنيفية و هي الإسلام بالمعنى العام وهي الملة


كل البشر يلدون حنفاء أي مقرون بوجود خالق للكون قائم عليه بالتصرف والأمر والتدبير
الله جلا و علا يقول: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل (78)
نكرة في محل النفي تفيد العموم، فكيف يولد على إقرار بخالق الكون والقرآن يثبت للمولود الجهل التام ؟
نعم قد يقال إن الفطرة هي أن يولد المولود على هيئة لو ترك معها و خلي بدون معارض لما كان إلا مقرا بخالق الكون لا أنه حين يولد يكون عالما بذلك مقرا به،
و لكن صاحب المقال ينقض هذا القول بالترك و التخلية ويعتبره من بقايا الفلسفة، و يذهب إلى أن الإنسان لا بد له من تعليم حتى يكون مقرا بالخالق أما بلا تعليم فهو باق على جهله الأول،
فحي بن يقضان الذي نشأ بعيدا عن البشرية لن يكون له نصيب من الإقرار بالخالق فضلا عن تأليهه و توحيده، و لن يكون في نفس الوقت كافرا به،
فربما يقال و أين الفطرة هنا؟ يقال إن الفطرة هي أن يولد المولود على هيئة لا يكون الحق و الباطل بالنسبة لها سواء، فالحق تطمئن له النفس و ينشرح له الصدر خلاف الباطل، و أيضا فالله لما خلق أول بشر -آدم عليه السلام - علمه و أوحى له الإسلام و هو الفطرة،


واذا قلنا أن الاسلام هو الفطرة فلسنا نعني الاسلام بمعناه الاصطلاحي _ كدين خاتم للديانات السماوية رسوله النبي محمد عليه الصلاة والسلام - ولكن الاسلام بمعناه اللغوي -الحنفية - الذي عليه جميع الانبياء وأتباعهم من آدم عليه السلام حتى آخرهم محمد عليه أزكى الصلاة والتسليم
قال تعالى عن قوم نوح " فلم نجد فيها غير بيت من المسلمين" قرآن كريم.
معك في هذا تماما، فالفطرة هي الإسلام وليس الإقرار بالخالق فقط


ملاحظة هامة الحنفية تعني الاقرار بوجود خالق للكون قائم عليه بالأمر والتصرف والتدبير وهي العقيدة الصافية التي قد تتعرض للتكدير بتعليم ديني يجسد الخالق في انسان كالمسيحية أو وثن او بعض مخلوقاته كالبقرة والشمس والنار والكواكب....الخ
والله أعلم
الحنيفية ليست الإقرار بالخالق فقط بل توحيده بالعبادة أيضا، و أعلم أنك يا دكتور قواسمية تعلم ذلك و لكن لماذا قصرت معنى الحنيفية على الإقرار بالخالق؟ ما أظنه و الله أعلم هو أننا عندما نرى أن الفطرة هي الإقرار بالخالق و أن الفطرة هي الحنيفية فتكون الحنيفية هي الإقرار بالخالق و ليس الأمر كذلك،
ربما يكون شرحي صعب الفهم و ما ذلك إلا لدقة المعنى و بضاعتي المزجاة في البيان و الإيضاح،

و شكرا لك أخي الدكتور قواسمية.
أخوكم المحب أبو أحمد العامري

الدكتور قواسمية
05-10-2014, 12:28 PM
تحية عطرة للعضو القدير أبو أحمد العامري
بارك الله فيك أخي
قوله تعالى " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا" قرآن كريم
وقوله تعالى " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها" قرآن كريم
نفرق في علم النفس بين الفطري والمكتسب
الفطرة inné تعني وجود استعداد قبلي لتقبل شيء ما وهي ما تشير اليه الآية الثانية
والاكتساب acquisition أو التعلم تعني الحصول على معرفة عن طريق عملية تعلمية وهو ما تشير اليه الآية الثانية
وجميع مبادئء العقل فطرية ولدنا بها فنحن نعتقد فطريا دون تعليم من أنه لكل حادث سبب
فلو صفعت طفلا على قفاه والتفت ولم يجد أحدا لتملكه الرعب لأن فطرته تقول أن لكل حادث سبب
ولو التفت طفل صغير ووجد كأسا لم يكن موضوعا بجانبه دون سبب لفر مدبرا ولم يعقب من المنزل
فالبشر يلدون باستعداد قبلي بوجود خالق للكون
وقد يتلقى تعليما من والديه موافقا لتلك الفطرة وقد يتلقى تعليما مكدرا لتلك الفطرة
ودمت بود
ودمت سالما.

Omar ElShanbly
05-10-2014, 01:58 PM
أزيدك من الشعر بيتاً يا دكتور.
بخبرنا روبرت وينستون (رئيس الاتحاد البريطانى لتقدم العلوم) فى كتابه (الفطرة البشرية) أن الحس الدينى جزء من بنيتنا النفسية وأنه مسجل فى جيناتنا وأنة يتراوح قوة وضعفاً من إنسان لاخر.
يخبرنا جيمس واطسون (الحاصل على جائزة نوبل 1962 مشاركة مع فرانسيس كريك لتوصله إلى اكتشاف الdna) فى كتابه (dna) أن المفاهيم الأخلاقية مدموغة فى جينات الإنسان منذ نشأته.

المصدر : كتاب رحلة عقل للدكتور عمرو شريف.

أبو أحمد العامري
05-10-2014, 02:50 PM
الفطرة inné تعني وجود استعداد قبلي لتقبل شيء ما وهي ما تشير اليه الآية الثانية
معك في هذا. (تقبل شيئ ما)


والاكتساب acquisition أو التعلم تعني الحصول على معرفة عن طريق عملية تعلمية وهو ما تشير اليه الآية الثانية
و معك في هذا أيضا.


نفرق في علم النفس بين الفطري والمكتسب
معك في هذا إن كنت تقصد بعلم النفس الفطري الاستعداد لقبول الحق لا أن يكون في النفس علم عند الولادة أيا كان هذا العلم.


وجميع مبادئء العقل فطرية ولدنا بها فنحن نعتقد فطريا دون تعليم من أنه لكل حادث سبب
هذا يا أخي الدكتور قواسمية بالضبط ما وددت أن نتبين فيه الصواب، فأقول إن مبادئء العقل فطرية من حيث قبول النفس لها لا أننا ولدنا بها، فالنفس تقبل هذه المبادئ كما تقبل سائر الحق إلا أن هذه المبادئ تتميز بالوضوح و البداهة.


فنحن نعتقد فطريا دون تعليم من أنه لكل حادث سبب
حتى مبدأ السببية لم يولد معنا، لأنه علم ونحن ولدنا و لا نعلم شيئا حسب الآية الأولى، و إنما هو مقتضى ما نعايشه في هذه الحياة منذ الميلاد و إلى الممات ما يكون حادث إلا بسبب، لأن خالق الجميع هو الله جلا و علا، هو خالق النفس و خالق الكون فانسجمت النفس مع ما حولها، كما أن القرآن الكريم جاء بما يوافق النفس و الكون معا، فهو الحق سبحانه و قوله الحق.
(بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) الصافات (37)
(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) الحجر (85)


فلو صفعت طفلا على قفاه والتفت ولم يجد أحدا لتملكه الرعب لأن فطرته تقول أن لكل حادث سبب
ولو التفت طفل صغير ووجد كأسا لم يكن موضوعا بجانبه دون سبب لفر مدبرا ولم يعقب من المنزل
هذا و الله أعلم لا يكون إلا في سن معينة للطفل أما قبلها فلا يكون له هذا التصرف، بل ما لاحظته أن الطفل في أول عمره ينسب حدوث أشياء إلى نفسها أو إلى لا شيئ، و خاصة عندما يتهم بذلك الحدث.


فالبشر يلدون باستعداد قبلي بوجود خالق للكون
كما قلتُ يولدون باستعداد قبلي لقبول وجود خالق للكون،
و يولدون باستعداد قبلي لقبول عبادة الله الواحد الأحد،
و يولدون باستعداد قبلي لقبول اليوم الآخر،
و يولدون باستعداد قبلي لقبول الأخلاق الحسنة،
و يولدون باستعداد قبلي لقبول العلوم الصحيحة،
و باختصار، يولدون باستعداد قبلي لقبول الحق و رفض الباطل.


وقد يتلقى تعليما من والديه موافقا لتلك الفطرة وقد يتلقى تعليما مكدرا لتلك الفطرة
معك في هذا.
إنما أكتب كل هذا لأجد حوارا أقيم به ما يجول في نفسي.
و بارك الله فيك.

أبو أحمد العامري
05-11-2014, 02:12 PM
كتوضيح أكثر أقول أن الأمر أحد ثلاث:
الأول: أننا ولدنا مقرين بالخالق سبحانه حيا مريدا قادرا عليما، و مجهزين بالأفكار الفطرية أو قل البديهيات العقلية كمبدأ السببية و مبدأ عدم التناقض و مبدأ الثالث المرفوع وغيرها، و أيضا مجهزين بالأسس الأخلاقية كالصدق والخير و العدل.
و هذا يطرح أسئلة عدة:
أ- إقرارنا حين ميلادنا بخالق للكون يعني إقرارنا بهذا الكون أيضا، فكيف نكون حين ميلادنا مقرين بهذا الكون ؟ و ما تصورنا للكون ؟
بـ- هل هو إقرار بربوبية الله فقط أم هو إقرار أيضا بألوهيته وحده دون سواه؟ أطرح هذا السؤال لأن الفطرة في القرآن هي الحنيفية و في الحديث هي الملة و في آثار السلف هي الإسلام وكلها معنى واحد و تتضمن توحيد الله بالعبادة فلماذا نقصر معنى الفطرة على الإقرار بالربوبية؟
جـ- هل يمكن أن نحدد بالضبط ما هي جميع البديهيات العقلية في قائمة واضحة يكون منها الإنطلاق في أنواع البراهين؟ هل البديهيات الرياضية تدخل في هذا؟
د- ما شأن مسلمات العلوم و التي بقيت عالقة بين البديهيات و المبرهنات؟ لماذا لم يفصل فيها فتعتبر بديهيات هي الأخرى إذ لم يمكن برهنتها؟
هـ- ما بال الأولاد حينما يضطرون للكذب يكذبون؟ كيف يكون الولد مقرا حين و لادته بالعدل و تجده يتمنى أن كل الأشياء له دون الآخرين و لو على حسابهم؟

الثاني: أننا ولدنا صفحة بيضاء خالية من أي علوم أو معارف أو إقرار، و لكن ولدنا على هيأة ترتاح للحق و تطمئن له وتنجذب إليه و تقلق بالباطل وتضيق به و تنفر منه، ثم أننا بمكابدتنا لهذه الحياة التي هي هكذا و ليست غيرها تعلمنا أشياء كثيرة منها هذه التي نسميها البديهيات و التي تتميز بالبداهة و الوضوح و الشمول، و أيضا أدركنا الأخلاق الحسنة كالصدق والخير و العدل و ما يضادها من أخلاق سيئة و ما ذلك إلا لحاجة المجتمعات البشرية لها بل و ضرورتها لاستمرار الحياة. و بالفضول الإنساني الذي ينشأ عنده لمعرفة ما يجهله أدرك أن لهذا الكون البديع العظيم مبدعا عظيما حيا مريدا قادرا عليما، و أيضا لضعفه و قلة حيلته و عظيم احتياجه عرف أن له ربا قويا حكيما غنيا عمن سواه رحيما به فاتخذه إلها و تقرب إليه بما علم و استطاع.
و هذا أيضا يطرح أسئلة عدة:
أ- هل هذا الأمر الثاني هو ما يراد عندما يقال بالترك و التخلية؟ أم هو الأمر الأول؟ يعني هل قصة حي بن يقظان الذي عرف ربه دون تعليم من أحد يراد بها إثبات الأمر الأول أم الثاني؟
بـ- أ يمكن حقيقة أن يتعلم حي بن يقظان كل هذا بدون معلم؟ فقط من مكابدته للحياة؟
جـ- ربما استطاع حي بن يقظان أن يعرف البديهيات العقلية كما يعرف الأشياء التي حوله و العلاقات بينها، و لكن أيمكنه أن يعلم شيئا عن الأخلاق و هو خارج المجتمعات البشرية؟
د- حتى و إن أمكن حي بن يقظان أن يعلم شيئا عن الأخلاق فهل يستطيع حقا أن يعلم أن له ربا هو خالقه و خالق الكون حي مريد قادر عليم؟ و هل سيلجأ إليه و يسعى للتقرب إليه لحاجته إليه؟ هل سيعلم حي بن يقظان ما وراء عالم الشهادة؟ هل سيعلم بيوم آخر بعد الموت؟
هـ- باختصار و الحال هكذا، أي يكون الإنسان مستغنيا عن التعليم في إدراك هذه المهمات؟ لماذا علم الله جلا و علا آدم عليه السلام قبل أن يوحي إليه إن كان أبناؤه في غنى عن ذلك؟

الثالث: أننا ولدنا صفحة بيضاء خالية من أي علوم أو معارف أو إقرار، و لكن ولدنا على هيأة ترتاح للحق و تطمئن له وتنجذب إليه و تقلق بالباطل وتضيق به و تنفر منه، و لكن نحتاج لمعلم حتى نعلم أن للكون خالقا له تلك الصفات و مستحق للعبادة و نعلم ما به صلاحنا من حسن الأخلاق و ما به هلاكنا من سيئ الأخلاق و لهذا لما خلق الله جلا وعلا آدم عليه السلام علمه و أوحى إليه، و لا يزال الله يرسل الرسل يعلمون الناس حتى آخرهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم و لا يزال دينه باق في أمته يتوارثه العلماء عالما عن عالم و لا تجتمع أمته على ضلالة فهي بمجموعها معصومة حتى تكون شاهدة على الأمم يوم الدين، و لا تزال طائفة من أمته باقية على الحق حتى يأتي أمر الله و هم كذلك، حتى إذا لم يبقى على المعمورة من يؤمن بالله لم يبعث لهم رسولا يعلمهم و لكن أذن أن تقوم القيامة.
و الأمر لا يضر في ظن أحد هذه الأمور الثلاث لدقة المعنى و عدم تأثيره في إيمان المؤمن، و لكنه يجعل المسلم في محاورته لغير المسلمين أو للمسلمين المخالفين يتجه اتجاهات شتى. و أنا وإن كنت أميل إلى الأمر الثاني أو الثالث و أستبعد الأول فإني أنتظر المناقشة في هذا بعمق أكثر إن كان أحد الإخوة يرى ذلك بعد إذن الدكتور قواسمية.
و اعلم أن الأمر له تعلق كبير بمحاورة الملحد و غيره حتى إني رأيت بعض الإخوة في رده لباطل الملحد و غيره يرد معه حقا التبس به فيقع في خطرين، الأول رده للحق و الثاني صده لمحاوره عن الحق برده بعضه.
و شكرا.

مستفيد..
05-11-2014, 02:56 PM
السلام عليكم ورحمة الله..
أخي الحبيب أبو أحمد..الإستعداد القبلي للإيمان بالخالق هو في ذاته علم لأنه من غير المنطقي أن يتأتى الإستعداد من اللاشيء..ولا اتفق معك في قولك أن الطفل ينسب الأحداث إلى ذاتها أو إلى اللاشيء..إذ من الملاحظ أن الرضيع في ساعاته الأولى تجده يبحث عن ثديي أمه بحثا عن الغذاء..فمن علمه ومن أين اكتسب تلك الملكة..هذا ما نعبر عنه بالفطرة أو الغريزه أو سمها ما شئت..وهذا متحقق حتى في الحيوان كما لا يخفى عنك فالكتكوت وفي أول خرجة له تجده ينقر في الأرض فمن علمه أن رزقه في الأرض..تلك النزعة في البحث هي ما نعبر عنه بالفطرة..يقول الفيلسوف الملحد ألبير كامو: (( إن مشكلة الإِنسَان المعاصر تتلخص في كلمة واحدة، وهي البحث عن الإله ))..إذن كل المجتمعات تسعى للبحث عن الإله وهذا ما قرره باحثي مقارنة الأديان حيث خلصوا إلى أنه لم تخلُ أمة من الأمم على مر التاريخ من معابد وهذا ما يدل على وجود فطرة تحث الناس للتوجه نحو العبادة..ولكنها قد تخطئ وقد تصيب في معرفة الإله على الوجه الذي يرتضيه ولهذا لم يحاسبنا الله بمقتضى العهد الذي أخذه علينا في عالم الذر وهذا العهد هو من أدلة القرآن على وجود علم مسبق عن الخالق ولكنه غير كافِِ كما ذكرنا فبعث الله النبيين مشرين ومنذرين إيقاظا للفطر وموافقة لها عن البعض وتقويما لها عند البعض الآخر..

أبو أحمد العامري
05-12-2014, 01:18 AM
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
أخي الحبيب مستفيد...أنا متابع لمداخلاتك في مواضيع أخرى.


..الإستعداد القبلي للإيمان بالخالق هو في ذاته علم لأنه من غير المنطقي أن يتأتى الإستعداد من اللاشيء..
لا أوافقك على أن الاستعداد علم لأنه مناف للآية، فالنكرة في محل النفي تفيد العموم، و أيضا لا كلمة أعم من كلمة شيء فإذا نفيت أفادت عدم العلم تماما، فالمولود يولد جاهلا جهلا بسيطا، لا علم ولا جهل مركب.
و من قال أن الاستعداد يتأتى من لا شيء، الاستعداد يتأتى من الهيئة التي خلق الله عليها النفس روحا و جسدا، أما الجسد فمعروف أما الروح فمن أمر الله.
و لما نحصر الاستعداد القبلي فقط في الإيمان بالخالق؟ بل المولود مستعد لقبول الحق مطلقا.


ولا اتفق معك في قولك أن الطفل ينسب الأحداث إلى ذاتها أو إلى اللاشيء..
الكبير عندما يقوم بشيء ثم يلام عليه ينسبه إلى آخر أو ينفي قيامه بذلك أو ينسبه إلى سبب خارج عن نطاقه هذا إن أراد التهرب من فعله و استمرأ الكذب ولا ينسبه أبدا إلى لا شيء لأنه يعلم و يدرك استحالة ذلك.
أما الصغير في سن معينة فإنه ينسب خطأه أحيانا إلى لا شيء، و هذا كثيرا ما لاحظته و لاحظه الكثير، ويعبر عن ذلك بعبارة "هاكّا" عندنا يعني حدث "هكذا"، و أحيانا كمثال عندما يكسر مزهرية و يلام فإنه ينسب الانكسار إلى المزهرية فيقول "انكسرت لوحدها"، ما معنى هذا؟ معناه لا سبب. و هو مشاهد بكثرة لمن تتبعه و لكن في سن معينة قبل الأربع سنوات و لا أضبطها الآن.


إذ من الملاحظ أن الرضيع في ساعاته الأولى تجده يبحث عن ثديي أمه بحثا عن الغذاء..فمن علمه ومن أين اكتسب تلك الملكة..هذا ما نعبر عنه بالفطرة أو الغريزه أو سمها ما شئت..
هذا سأوافيك به لاحقا.


وهذا متحقق حتى في الحيوان كما لا يخفى عنك فالكتكوت وفي أول خرجة له تجده ينقر في الأرض فمن علمه أن رزقه في الأرض..تلك النزعة في البحث هي ما نعبر عنه بالفطرة..
بل أكثر من ذلك، الحيوانات تفوق الإنسان في هذا الشأن و إن شئت أنقل لك هذا الكلام من الكتاب المرفق أعلاه للدكتور عثمان مصباح:
ويعجبني في هذا الباب ما نقله الأستاذ مالصون عن أحد المهتمين بظاهرة التوحش إذ قال : " يتميز الإنسان عن الحيوان بكونه يولد ناقصا ، وتأخذ شخصيته في التخلق بعد الولادة عبر سلسلة من الأرحام الثقافية ، والتي هي أهم في نموه من رحم الأم "
ويـنـقـل أيضـا عن الفيلسوف الألماني كارل جاسبي Karl Jaspers (1883-1969 م) قولـه : " مكتسباتنا ، وتقاليدنا ، وتربيتنا هي التي تجعل منا إنسانا من الناحية النفسانية " .
وقد ادخرت لخاتمة هذا المطلب كلمة نفيسة لأستاذنا جودت سعيد المفكر الإسلامي المعروف ، وهي كلمة وإن كانت مبنية على أساس الظن والتخمين ، فإن ما ظنه وخمنه قد أصاب فيه ما شاء الله ، حتى كأنه مطلع على وقائع التوحش الإنساني ، وعلى ما قرره بعض فضلاء الغرب حول حقيقة الإنسانية التي يتمتع بها هذا الكائن الغريب ، يقول أطال الله عمره :
" لو أخذنا مولودا حديثا من الحيوانات ، وليكن من البقر ، وربيناه من غير أن يرى واحدا من بني جنسه ، حتى إذا بلغ مرحلة الإخصاب ، وأدخلناه بين بني جنسه ، لا نجد فرقا كبيرا بينه وبين الذي عاش بين أفراد جنسه . ولكن لو تصورنا هذا الأمر في جنس الإنسان ، فأخذنا طفلا من يوم ولادته ، وبطريقة ما وصل هذا الطفل إلى مرحلة الإخصاب ، دون أن يرى أحدا من بني آدم ، كيف نتصور أن يكون هذا الإنسان عندما ندخله إلى بني جنسه ؟ يمكنك أيها القارئ أن تتخيل كيف سيكون هذا الإنسان ؟
إنه لا يستطيع أن يتكلم أية لغة من اللغات ، بل تكون قد فاتته المرحلة الذهبية في تعلم لغة ما بسهولة ويسر . ثم كم جانب من جوانب القدرات الإنسانية يظل ضائعا ؟ بل إن هذا الإنسان يكون أدنى من الحيوانات ، لأن الحيوانات بغرائزها تنظم حياتها ، بينما الإنسان مركب من قدرات الإنسان التاريخية التي اكتسبها عبر مر التاريخ ، كالأمور الأخلاقية ، ومعنى الحلال والحرام ، والحق والواجب ، وما إلى ذلك من أمور .
ومهما حلقت في التفكير ، فما أظنك تحيط بما يفقد هذا الإنسان بفقده الحياة مع بني جنسه.
ومن هنا نعلم أن الإنسان لا يمكن أن يستقل عن بني جنسه ، ليس عن بني جنسه المعاصرين لـه ، بل عن بني جنسه الأقدمين ، لأن كل المعارف التي للأجيال الماضية تعطى مختصرة للطفل الذي ينشأ في المجتمع . وبهذا يعرف أن الإنسان يكتسب قدرات هائلة ، ولو كان في قبيلة بدائية ، لأننا لا نشك في أن الفرق كبير بين من نشأ في قبيلة ولو بدائية ، وبين من لم ير إنسانا قط .
وكذلك يمكن ملاحظة الفرق بين من نشأ في قبيلة بدائية ، وبين من نشأ في مجتمع متمدن . وهذا يدلنا على أن الإنسان حين يولد فإن المجتمع هو الذي يعطيه القدرات المكتسبة المتراكمة على مر التاريخ .
ينبغي أن لا ننسى هذا ، وهو أن الإنسان في قدراته وصلاته بالكون والإنسان في حاجة إلى أن نلخص لـه تاريخ مكاسب الإنسان كلها ، لنعطي لـه خلال سنوات قصيرة كل ما تعبت به البشرية في الحصول عليه خلال آلاف السنين . وهذا أوضح ما يكون في العلوم : الطب ، والفلك ، والرياضيات . . . فكم تعبت البشرية حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في هذه العلوم ".
و قوله هذا أيضا:
فظهر بهذا الخذلان أن الإنسان متى انقطعت عنه هداية السماء ، كان أعجز مخلوق على وجه الأرض . ولهذا جاءت رسل الله تترى ، تجدد ما بلي ، وتحيي ما نسي ، وتفتح لمآزق الإنسانية الطارئة آفاق جديدة .
و قوله أيضا:
هذا غيض من فيض ، وباب واسع يحتاج حقا إلى بحث وتنقيب في صحيح الأخبار ، وشاخص الآثار ، لكن من وقف وقفة ذوي الأبصار على ما سقناه هاهنا سيقر معنا بلا شك أن الإمام ابن القيم رحمه الله ( ت : 751 هـ) لم يكن مبالغا حين قال :
" لولا النبوات لم يكن في العالم علم نافع البتة ، ولا عمل صالح ، ولا صلاح في معيشة ، ولا قوام لمملكة . ولكان الناس بمنزلة البهائم والسباع العادية ، والكلاب الضارية التي يعدو بعضها على بعض . وكل دين في العالم فمن آثار النبوة . وكل شر وقع في العالم أو سيقع فبسبب خفاء آثار النبوة ودروسها .
فالعالم حينئذ روحه النبوة ، ولا قيام للجسد بدون روحه . ولهذا إذا تم انكساف شمس النبوة من العالم ، ولم يبق في الأرض شيء من آثارها البتة ، انشقت سماؤه ، وانتثرت كواكبه ، وكورت شمسه ، وخسف قمره ، ونسفت جباله ، وزلزلت أرضه ، وأهلك من عليها . فلا قيام للعالم إلا بآثار النبوة . ولهذا كان كل موضع ظهرت فيه آثار النبوة فأهله أحسن حالا وأصلح بالا من الموضع الذي يخفى فيه آثارها .
وبالجملة فحاجة العالم إلي النبوة أعظم من حاجتهم إلى نور الشمس ، وأعظم من حاجتهم إلي الماء والهواء الذي لا حياة لهم بدونه ".


يقول الفيلسوف الملحد ألبير كامو: (( إن مشكلة الإِنسَان المعاصر تتلخص في كلمة واحدة، وهي البحث عن الإله ))..

إذن كل المجتمعات تسعى للبحث عن الإله وهذا ما قرره باحثي مقارنة الأديان حيث خلصوا إلى أنه لم تخلُ أمة من الأمم على مر التاريخ من معابد وهذا ما يدل على وجود فطرة تحث الناس للتوجه نحو العبادة..ولكنها قد تخطئ وقد تصيب في معرفة الإله على الوجه الذي يرتضيه
نعم تدل على الفطرة بالمعنى المبين في الكتاب المرفق، أتعلم لماذا مفهوم الإله موجود في بني آدم جميعا إلا من كابر و ألحد؟ أجيبك:
.
.
.
لأنه و بكل بساطة ميراث أبيهم آدم عليه السلام، فآدم عليه السلام علم أولاده هذا و علمهم معه التوحيد فكيف يُنسى في الناس أمر كهذا، و إن كان إبليس اللعين يحيد بالناس قدر ما استطاع عن هذا فيلبس لهم دين أبيهم آدم بالشرك بربهم كما حدث مع قوم نوح و انظر كيف حاول لقرون حتى يلبس لهم أمر عبادتهم لله فيا ترى كم يلزم من قرون حتى يكفروا بالله أصلا؟ خاصة إذا علمنا ان الله جلا و علا أرسل رسله تترى يعلمون الناس توحيده.


ولهذا لم يحاسبنا الله بمقتضى العهد الذي أخذه علينا في عالم الذر وهذا العهد هو من أدلة القرآن على وجود علم مسبق عن الخالق ولكنه غير كافِِ كما ذكرنا فبعث الله النبيين مشرين ومنذرين إيقاظا للفطر وموافقة لها عن البعض وتقويما لها عند البعض الآخر..
هذا سأوافيك به لاحقا.
و شكرا جزيلا.

مستفيد..
05-12-2014, 05:46 PM
إلى حين عودة الأخ الفاضل أبو أحمد لاستكمال مداخلته..وددت التعريج على ما أثاره من نقاط..

لا أوافقك على أن الاستعداد علم لأنه مناف للآية، فالنكرة في محل النفي تفيد العموم، و أيضا لا كلمة أعم من كلمة شيء فإذا نفيت أفادت عدم العلم تماما، فالمولود يولد جاهلا جهلا بسيطا، لا علم ولا جهل مركب.
قد يكون رغم أن أهل التفسير اختلفوا في الآية على ثلاثة أقوال ومنهم من خصص..أحدها : لا تعلمون شيئا مما أخذ عليكم من الميثاق في أصلاب آبائكم..الثاني : لا تعلمون شيئا مما قضي عليكم من السعادة والشقاء..والثالث : لا تعلمون شيئا من منافعكم..
ثم إن قصدي بأن الإستعداد القبلي للتعلم هو في ذاته علم..هو ذاك الإحساس الضمني للنفس بأن ما وقع تعلمه وكسبه من خلال الحواس والعقل هو مدرك مسبقا من قبلها..فلحظة علمها بالموضوع محل البحث تجد نفسها عالمة به..فهي شبيهة بعملية تذكير ومطابقة لما ركز في النفوس..يقول بن تيمية رحمه الله: (( من نظر في دليل يفيد العلم وجد نفسه عالمة عند علمه بذلك الدليل كما يجد نفسه سامعة رائية عند الإستماع للصوت والترائي للشمس أو الهلاك أو غير ذلك..والعلم يحصل في النفس كما تحصل سائر الإدراكات بما يجعله الله من الأسباب..والله سبحانه خلق عباده على الفطرة التي فيها معرفة الحق والتصديق به ومعرفة الباطل والتكذيب به ))..
أو كما قال الكتور يوسف كرم في كتاب العقل والوجود: (( إنما يلتمس البرهان على صدق العقل في التعقل نفسه كما يستوثق من صلاح آلة باستعمالها. فالعقل حين يزاول فعله الأساسي الذي هو الحكم سواء أكان الحكم بديهيا أم نتيجة إستدلال يدرك مطابقته للموضوع المحكوم عليه..أي يحس ضمنا أنه يدرك ان الموضوع هو كما يُحكم عليه..وحين يعود على هذا الإدراك هذه المطابقة بالفعل يحس بالفعل أنه كفئ لإدراك الحق. فليس البرهان ههنا قياسا حتى يتسلسل من مقدمة إلى أخرى ولكنه اقتناع بديهي في مزاولة التعقل..أي بشكل أيسر وأوضح في التعقل البديهي للمبادي العامة ))
هذا هو المقصود ولا أرى في ذلك تعارضا مع الآية حتى لو أخذنا معنى نفي العلم في الآية على عمومه..فكونك تكتسب علما لتعرف من خلاله أن ما اكتسبته معلوما مسبقا ومجبولا بداخلك..فهذا ما قصدناه..لكن أخي أبو أحمد أنت تقول:
(( يولدون باستعداد قبلي لقبول وجود خالق للكون،
و يولدون باستعداد قبلي لقبول عبادة الله الواحد الأحد،
و يولدون باستعداد قبلي لقبول اليوم الآخر،
و يولدون باستعداد قبلي لقبول الأخلاق الحسنة،
و يولدون باستعداد قبلي لقبول العلوم الصحيحة، ))
ثم تقول: (( إن مبادئء العقل فطرية من حيث قبول النفس لها لا أننا ولدنا بها ))
لا يمكن ان نجمع بين الفكرتين إلا إن فرقنا بين الإستعداد القبلي -الذي نولد به- وبين المبادئ الفطرية التي لا تولد معنا -حسب قولك-
ولا يمكننا التفريق كما فعلت أنتَ لأني إن سألتك ما هو هذا الإستعداد القبلي (الذي يولد معنا كما قررتم) والذي يجعلنا مهيئين لقبول كل ما ذكرت..فلن تجد إجابة غير القول بأن هذا الإستعداد هو هو المبادئ الفطرية الأولية (ولكن المشكل هنا انك قررت أنها لم تولد معنا)..لتسقط في التناقض ولدت معنا ولم تولد..ولهذا قلتُ أن الإستعداد في ذاته علم (أقصد بالعلم تلك المبادئ الفطرية)..


لأنه و بكل بساطة ميراث أبيهم آدم عليه السلام، فآدم عليه السلام علم أولاده هذا و علمهم معه التوحيد فكيف يُنسى في الناس أمر كهذا، و إن كان إبليس اللعين يحيد بالناس قدر ما استطاع عن هذا فيلبس لهم دين أبيهم آدم بالشرك بربهم كما حدث مع قوم نوح و انظر كيف حاول لقرون حتى يلبس لهم أمر عبادتهم لله فيا ترى كم يلزم من قرون حتى يكفروا بالله أصلا؟ خاصة إذا علمنا ان الله جلا و علا أرسل رسله تترى يعلمون الناس توحيده.
لا أتفق معك في ما استنتجته من وراء تعليم آدم عليه السلام لذريته التوحيد..ولا اختلف معك في التعليم ذاته..لماذا لأن ما علّمه آدم لذريته والأنبياء من بعده لأقوامهم هو موافق للفطرة ..بينما لو قصرنا النزعة الدينية للمجتمعات القديمة والحديثة على آثار ذاك التعليم وألغينا الفطرة كونها المحرك الرئيسي لتلك النزعة (ولا أنكر دور الأنبياء والمرسلين كذلك في تلك النزعة)..نسقط في إشكالية كبرى..وهو أن التعليم والتلقين يطمئن به الإنسان وهذا غير مطابق للواقع..فبعض المجتمعات المادية اليوم وقع تلقينها الإلحاد صباحا مساء ويوم الأحد ونسيت شيء اسمه دين..ومع ذلك اضطربوا نفسيا ومرضوا عصبيا لا لشيء إلا لكون ما وقع تلقينهم وتعليمهم إياه مخالف للفطرة الإنسانية..(( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ))..(( فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا))..(( يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ))..
هذا والله اعلم..

أبو أحمد العامري
05-13-2014, 01:33 AM
أهلا بالأخ مستفيد، معذرة على التأخر لكثرة المشاغل و دقة الموضوع، فأنا سعيد بالحوار معك و أتمنى لو يشاركنا الإخوة الذين لهم اهتمام بهذا الموضوع المهم و خاصة الدكتور قواسمية الذي هو صاحب الموضوع في الحقيقة.


قد يكون رغم أن أهل التفسير اختلفوا في الآية على ثلاثة أقوال ومنهم من خصص..أحدها : لا تعلمون شيئا مما أخذ عليكم من الميثاق في أصلاب آبائكم..الثاني : لا تعلمون شيئا مما قضي عليكم من السعادة والشقاء..والثالث : لا تعلمون شيئا من منافعكم..

بل يكون يا أخي مستفيد، و إليك أنقل بعض كلام أهل التفسير وعذرا على الإطالة:

الشوكاني
ثم إنه سبحانه ذكر حالة أخرى للإنسان دالة على غاية قدرته، ونهاية رأفته، فقال: { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا } وهذا معطوف على قوله: { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } منتظم معه في سلك أدلة التوحيد، أي: أخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالاً لا علم لكم بشيء، وجملة { لا تعلمون شيئاً } في محل نصب على الحال، وقيل: المراد: لا تعلمون شيئاً مما أخذ عليكم من الميثاق. وقيل: لا تعلمون شيئاً مما قضي به عليكم من السعادة والشقاوة. وقيل: لا تعلمون شيئاً من منافعكم. والأولى التعميم لتشمل الآية هذه الأمور وغيرها اعتباراً بعموم اللفظ، فإن { شيئاً } نكرة واقعة في سياق النفي.

روح المعاني للألوسي
{ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا } في موضع الحال و { شَيْئاً } منصوب على المصدرية أو مفعول { تَعْلَمُونَ } ، والنفي منصب عليه، والعلم بمعنى المعرفة أي غير عارفين شيئاً أصلاً من حق المنعم وغيره، وقيل: شيئاً من منافعكم، وقيل: مما قضى عليكم من السعادة أو الشقاوة، وقيل: مما أخذ عليكم من الميثاق في أصلاب آبائكم، والظاهر العموم ولا داعي إلى التخصيص.


الفيروز آبادي
{ قَدِيرٌ وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً } من الأشياء ويقال كل شيء { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ } تسمعون بها الخير { وَٱلأَبْصَارَ } تبصرون بها الخير { وَٱلأَفْئِدَةَ } يعني القلوب تعقلون بها الخير { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } لكي تشكروا نعمته وتؤمنوا به

عبد الرحمان بن ناصر السعدي
هو المنفرد بهذه النعم حيث { أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً } ولا تقدرون على شيء ثم إنه { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ } خص هذه الأعضاء الثلاثة، لشرفها وفضلها، ولأنها مفتاح لكل علم، فلا وصل للعبد علم إلا من أحد هذه الأبواب الثلاثة، وإلا فسائر الأعضاء والقوى الظاهرة والباطنة، هو الذي أعطاهم إياها، وجعل ينميها فيهم شيئاً فشيئاً إلى أن يصل كل أحد إلى الحالة اللائقة به، وذلك لأجل أن يشكروا الله، باستعمال ما أعطاهم من هذه الجوارح في طاعة الله، فمن استعملها في غير ذلك كانت حجة عليه وقابل النعمة بأقبح المقابلة.

أبو بكر الجزائري
وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً } حقيقة لا تُنكر، الله الذي أخرجنا من بطون أمهاتنا بعد أن صورنا في الأرحام ونمانا حتى صرنا بشراً ثم أذن بإخراجنا، فأخرجنا، وخرجنا لا نعلم شيئاً قط،

البحر المحيط: أبو حيان
ولا تعلمون جملة حالية أي: غير عالمين. وقالوا: لا تعلمون شيئاً مما أخذ عليكم من الميثاق في أصلاب آبائكم، أو شيئاً مما قضى عليكم من السعادة أو الشقاوة، أو شيئاً من منافعكم. والأولى عموم لفظ شيء، ولا سيما في سياق النفي.

يتبع في هذه النقطة...

أبو أحمد العامري
05-13-2014, 01:50 AM
و في سياق النقطة السابقة أجيبك على النقطة الأخيرة في مداخلتك الأولى كما وعدتك:

ولهذا لم يحاسبنا الله بمقتضى العهد الذي أخذه علينا في عالم الذر وهذا العهد هو من أدلة القرآن على وجود علم مسبق عن الخالق ولكنه غير كافِِ كما ذكرنا فبعث الله النبيين مشرين ومنذرين إيقاظا للفطر وموافقة لها عن البعض وتقويما لها عند البعض الآخر..

لا وجود لعلم مسبق عن الخالق حين ميلادنا فضلا عن كونه غير كاف في إقامة الحجة، و جواب هذا في كلام أهل التفسير الذي نقلته أنت و هو القول الإول:

أحدها : لا تعلمون شيئا مما أخذ عليكم من الميثاق في أصلاب آبائكم..
و ليعلم أن آية الميثاق لها علاقة و ثيقة بالفطرة و لكنها لا تعني بحال من الأحوال أنه حين ميلادنا نكون على علم بهذا الميثاق أو على علم بخالق الكون.
يتبع...

أبو أحمد العامري
05-13-2014, 02:06 AM
إذا مواصلة مع هذه النقطة :

قد يكون رغم أن أهل التفسير اختلفوا في الآية على ثلاثة أقوال ومنهم من خصص..أحدها : لا تعلمون شيئا مما أخذ عليكم من الميثاق في أصلاب آبائكم..الثاني : لا تعلمون شيئا مما قضي عليكم من السعادة والشقاء..والثالث : لا تعلمون شيئا من منافعكم..

و للتأكيد على أن المولود يولد و لا علم لديه البتة.
ربما يبقى المرء حائرا فيما يخص البديهيات العقلية أو ما يسمى بالأفكار الفطرية، أو ليست مولودة معنا؟ يجيبك هنا الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير و التنوير عند هذه الآية { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فيقول رحمه الله:
" وجملة { لا تعلمون شيئاً } حال من الضمير المنصوب في { أخرجكم }. وذلك أن الطفل حين يولد لم يكن له علم بشيء ثم تأخذ حواسّه تنقل الأشياء تدريجاً فجعل الله في الطفل آلات الإدراك وأصول التفكّر.
...
فالسمع والبصر أعظم آلات الإدراك إذ بهما إدراك أهم الجزئيّات، وهما أقوى الوسائل لإدراك العلوم الضرورية.
...
ثم ذكر بعدهما الأفئدة، أي العقل مقرّ الإدراك كلّه، فهو الذي تنقل إليه الحواس مدركاتِها، وهي العلم بالتصوّرات المفردة.
وللعقل إدراك آخر وهو إدراك اقتران أحد المعلومين بالآخر، وهو التصديقات المنقسمة إلى البديهيّات: ككون نفي الشيء وإثباته من سائر الوجوه لا يجتمعان، وككون الكلّ أعظم من الجزء.
وإلى النظريات وتُسمّى الكسبيّات، وهي العلم بانتساب أحد المعلومين إلى الآخر بعد حركة العقل في الجمع بينهما أو التّفريق، مثل أن يحضر في العقل: أن الجسم ما هو، وأن المحدَث ــــ بفتح الدال ــــ ما هو.
فإن مجرد هذين التصوّرين في الذهن لا يكفي في جزم العقل بأن الجسم محدث بل لا بد فيه من علوم أخرى سابقة وهي ما يدلّ على المقارنة بين ماهية الجسمية وصفةِ الحدوث.
فالعلوم الكسبية لا يمكن اكتسابها إلا بواسطة العلوم البديهية. وحصول هذه العلوم البديهية إنما يحصل عند حدوث تصوّر موضوعاتها وتصوّر محمولاتها. وحدوث هذه التصوّرات إنما هو بسبب إعانة الحواس على جزئياتها، فكانت الحواس الخمس هي السبب الأصلي لحدوث هذه العلوم، وكان السمع والبصر أول الحواس تحصيلاً للتصوّرات وأهمّها." انتهى.
يتبع...

أبو أحمد العامري
05-13-2014, 02:19 AM
و لإيضاح كلام الشيخ الطاهر بن عاشور أكون مضطرا لأنقل كلام فخر الدين الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب و هو قوله:
"المسألة الثالثة: الإنسان خلق في مبدأ الفطرة خالياً عن معرفة الأشياء.
ثم قال تعالى: { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } والمعنى: أن النفس الإنسانية لما كانت في أول الخلقة خالية عن المعارف والعلوم بالله، فالله أعطاه هذه الحواس ليستفيد بها المعارف والعلوم، وتمام الكلام في هذا الباب يستدعي مزيد تقرير فنقول: التصورات والتصديقات إما أن تكون كسبية، وإما أن تكون بديهية، والكسبيات إنما يمكن تحصيلها بواسطة تركيبات البديهيات، فلا بد من سبق هذه العلوم البديهية، وحينئذ لسائل أن يسأل فيقول: هذه العلوم البديهية إما أن يقال إنها كانت حاصلة منذ خلقنا أو ما كانت حاصلة. والأول باطل لأنا بالضرورة نعلم أنا حين كنا جنيناً في رحم الأم ما كنا نعرف أن النفي والإثبات لا يجتمعان، وما كنا نعرف أن الكل أعظم من الجزء.
وأما القسم الثاني: فإنه يقتضي أن هذه العلوم البديهية حصلت في نفوسنا بعد أنها ما كانت حاصلة، فحينئذ لا يمكن حصولها إلا بكسب وطلب، وكل ما كان كسبياً فهو مسبق بعلوم أخرى، فهذه العلوم البديهية تصير كسبية، ويجب أن تكون مسبوقة بعلوم أخرى إلى غير نهاية، وكل ذلك محال، وهذا سؤال قوي مشكل.
وجوابه أن نقول: الحق أن هذه العلوم البديهية ما كانت حاصلة في نفوسنا. ثم إنها حدثت وحصلت، أما قوله فيلزم أن تكون كسبية.
قلنا: هذه المقدمة ممنوعة، بل نقول: أنها إنما حدثت في نفوسنا بعد عدمها بواسطة إعانة الحواس التي هي السمع والبصر، وتقريره أن النفس كانت في مبدأ الخلقة خالية عن جميع العلوم إلا أنه تعالى خلق السمع والبصر، فإذا أبصر الطفل شيئاً مرة بعد أخرى ارتسم في خياله ماهية ذلك المبصر، وكذلك إذا سمع شيئاً مرة بعد أخرى ارتسم في سمعه وخياله ماهية ذلك المسموع وكذا القول في سائر الحواس، فيصير حصول الحواس سبباً لحضور ماهيات المحسوسات في النفس والعقل ثم إن تلك الماهيات على قسمين: أحد القسمين: ما يكون نفس حضوره موجباً تاماً في جزم الذهن بإسناد بعضها إلى بعض بالنفي أو الإثبات، مثل أنه إذا حضر في الذهن أن الواحد ما هو، وأن نصف الاثنين ما هو كان حضور هذين التصورين في الذهن علة تامة في جزم الذهن بأن الواحد محكوم عليه بأنه نصف الاثنين، وهذا القسم هو عين العلوم البديهية.
والقسم الثاني: ما لا يكون كذلك وهو العلوم النظرية، مثل أنه إذا حضر في الذهن أن الجسم ما هو وأن المحدث ما هو، فإن مجرد هذين التصورين في الذهن لا يكفي في جزم الذهن بأن الجسم محدث، بل لابد فيه من دليل منفصل وعلوم سابقة." انتهى.
عند هذا أكون قد انهيت ما يتعلق بالآية { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
و يتبع فيما يخص بقية الموضوع...

أبو أحمد العامري
05-13-2014, 02:58 AM
ثم إن قصدي بأن الإستعداد القبلي للتعلم هو في ذاته علم..هو ذاك الإحساس الضمني للنفس بأن ما وقع تعلمه وكسبه من خلال الحواس والعقل هو مدرك مسبقا من قبلها..فلحظة علمها بالموضوع محل البحث تجد نفسها عالمة به..فهي شبيهة بعملية تذكير ومطابقة لما ركز في النفوس..
توضيح أخي مستفيد فالموضوع شديد الدقة:

أن ما وقع تعلمه وكسبه من خلال الحواس والعقل هو مدرك مسبقا من قبلها
لا ليس بمدرك مسبقا.

فلحظة علمها بالموضوع محل البحث تجد نفسها عالمة به
عالمة به في تلك اللحظة، و هذا أتفق معك فيه. وهذا مقصود شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي سأوضحه أكثر فيما بعد.

فهي شبيهة بعملية تذكير ومطابقة لما ركز في النفوس
مطابقة بمعنى القبول نعم أما تذكير فلا. التذكير هو ما ذهب إليه ابن سينا فيما أعلم.


يقول بن تيمية رحمه الله: (( من نظر في دليل يفيد العلم وجد نفسه عالمة عند علمه بذلك الدليل كما يجد نفسه سامعة رائية عند الإستماع للصوت والترائي للشمس أو الهلاك أو غير ذلك..والعلم يحصل في النفس كما تحصل سائر الإدراكات بما يجعله الله من الأسباب..والله سبحانه خلق عباده على الفطرة التي فيها معرفة الحق والتصديق به ومعرفة الباطل والتكذيب به ))
تشبيهه رحمه الله العلم بالسمع بين مقصوده، و ليتك انتبهت له أخي مستفيد فأنت عندما تسمع شيئا لا يكون ذلك تذكيرا لك بمسموع سابق فكذلك عندما تعلم شيئا لا يكون ذلك تذكيرا لك بمعلوم أو علم سابق. و قصد الشيخ و الله أعلم أنك تجد نفسك عالمة بالشيء عند علمك به كما أنك تكون رائيا للشيء عندما تراه، يعني أنه إذا اجتمعت الأسباب التي تجعل علمك بالشيء متحققا فإنك تكون عالما به في نفس اللحظة فلا يتأخر العلم أبدا إذا تحققت أسبابه كسائر الإدراكات، و كما تعلم فهذا خلاف ما تصورته.
و أصدقك القول يا اخي مستفيد أني كنت فيما قبل أرى ما تراه، و كنت قد حاولت رسم خارطة للفطرة التي تولد عليها النفس و التي تحمل المحبوبات و المكروهات الفطرية التي تولد معنا، و كم حاولت جمع البديهيات التي نولد بها حتى تكون منطلقي في سائر العلوم و لكن هيهات لما ظننت.
أما قول الشيخ:
الفطرة التي فيها معرفة الحق والتصديق به ومعرفة الباطل والتكذيب به
نعم إن الهيئة التي التي تولد بها النفس إذا أدركت حقا وعرفته انشرح الصدر و الباطل عكس ذلك أي هذا مقتضى الفطرة.
يتبع إن شاء الله...

أبو أحمد العامري
05-13-2014, 11:46 AM
أحمد أنت تقول:
(( يولدون باستعداد قبلي لقبول وجود خالق للكون،
و يولدون باستعداد قبلي لقبول عبادة الله الواحد الأحد،
و يولدون باستعداد قبلي لقبول اليوم الآخر،
و يولدون باستعداد قبلي لقبول الأخلاق الحسنة،
و يولدون باستعداد قبلي لقبول العلوم الصحيحة، ))
ثم تقول: (( إن مبادئء العقل فطرية من حيث قبول النفس لها لا أننا ولدنا بها ))

لا يمكن ان نجمع بين الفكرتين إلا إن فرقنا بين الإستعداد القبلي -الذي نولد به- وبين المبادئ الفطرية التي لا تولد معنا -حسب قولك-
و أنا أفرق بينهما أعظم تفريق.

ولا يمكننا التفريق كما فعلت أنتَ لأني إن سألتك ما هو هذا الإستعداد القبلي (الذي يولد معنا كما قررتم) والذي يجعلنا مهيئين لقبول كل ما ذكرت..فلن تجد إجابة غير القول بأن هذا الإستعداد هو هو المبادئ الفطرية الأولية (ولكن المشكل هنا انك قررت أنها لم تولد معنا)..لتسقط في التناقض ولدت معنا ولم تولد..ولهذا قلتُ أن الإستعداد في ذاته علم (أقصد بالعلم تلك المبادئ الفطرية)..
ليس الاستعداد القبلي هو المبادئ الفطرية و لو قلت ذلك لكنت متناقضا في كل ما قلته.
سأبين ما هو هذا الاستعداد القبلي فيما بعد إن شاء الله.


لا أتفق معك في ما استنتجته من وراء تعليم آدم عليه السلام لذريته التوحيد..ولا اختلف معك في التعليم ذاته..لماذا لأن ما علّمه آدم لذريته والأنبياء من بعده لأقوامهم هو موافق للفطرة ..بينما لو قصرنا النزعة الدينية للمجتمعات القديمة والحديثة على آثار ذاك التعليم وألغينا الفطرة كونها المحرك الرئيسي لتلك النزعة (ولا أنكر دور الأنبياء والمرسلين كذلك في تلك النزعة)..نسقط في إشكالية كبرى..وهو أن التعليم والتلقين يطمئن به الإنسان وهذا غير مطابق للواقع..فبعض المجتمعات المادية اليوم وقع تلقينها الإلحاد صباحا مساء ويوم الأحد ونسيت شيء اسمه دين..ومع ذلك اضطربوا نفسيا ومرضوا عصبيا لا لشيء إلا لكون ما وقع تلقينهم وتعليمهم إياه مخالف للفطرة الإنسانية..(( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ))..(( فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا))..(( يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ))..
هذا والله اعلم..
و أنا لا أنكر هنا دور الفطرة أيضا، أوضح أكثر فأقول إن ما نراه من نزعة دينية عند البشر هو من موروث آدم و الأنبياء عليهم السلام و لولا هذا لما كان للبشرية معنى. و موروث الأنبياء جاء موافقا للفطرة بمعنى الهيئة التي يولد عليها سائر البشر، يعني هذا الموروث تقبله النفوس السليمة التي لم تتعرض للتغيير، إذا فأنا أوافقك في أنه أيضا لولا هذه الهيئة التي نولد عليها لما بقي هذا الموروث و لاختفى مع موت النبي، بل لا يتصور تعليم و لا تعلم لولا هذه الهيئة.
أما ما ذكرته أخي مستفيد من الاطمئنان و الانشراح فأوافقك عليه تماما، و سأوضحه لك لاحقا أشد توضح.
يتبع..

مستفيد..
05-13-2014, 12:06 PM
جميل هذا التباحث وممتع اخي أبو أحمد..
بقيت نقطة الرضيع عالقة..ولم أسمع رأيك..وكذلك توضيح معنى الإستعداد والتفرقة بينه وبين المبادئ الفطرية..فهي أساسية في النقاش..

مستفيد..
05-13-2014, 02:56 PM
إلى حين عودة أخي الفاضل أبو احمد للإجابة عن النقطتين السابقتين فهما جوهر ومحور هذا النقاش..أعقب على ما سبق..
بداية أردتُ التنويه بأن إيرادي للأقوال المخالفة للعموم حول الآية لا علاقة له بإثبات الفطرة من عدمه ولم أتبنى الرأي القائل بتخصيص نفي العلم سواء لمن قال بأنه العلم بالعهد او العلم بالسعادة والشقاوة..التقسيم أورته انتصارا للتفاسير واختلاف التنوع ليس أكثر بعد ان رأيت أخي الفاضل أبو احمد ألغى تلك الأقوال مع أن لها ووجه..فأورت الأقوال المخالفة للإشارة إلى وجود أقوال اخرى خصصت ولم تعمم..بل على العكس فقد سلمتُ بأن المعنى هو نفي العلم بالكلية وبينت أنه لا يتعارض مع وجود الفطرة بل ومن علمائنا من استدل بالآية على وجود الفطرة كما سيأتي..ومن هنا فإن ما سيأتي على لساننا بخصوص الآية لا علاقة له بالموضوع محل البحث ..وقد تمنيت لو أن اخي أبو احمد عقب على تسليمنا بالمعنى العام واستدلالنا به على وجود الفطرة..بدل الخوض في التفاسير والنقولات..
أقول ان الإستدلال بعموم اللفظ لا يلغي بقية الأقوال فقد جاء في قوله تعالى عن ريح قوم عاد (( تدمر كل شيء بأمر ربها ))..وكل شيء تفيد العموم ولو اخذناها هذا المأخذ للزم تدمير كوكب الأرض والسماوات إلا انه وبالجمع بين الأدلة يتبين أن ما دمر هم قوم عاد وأبنيتهم وعروشهم..ثم استدل أخي الحبيب بالنكرة محل النفي وأنها تفيد العموم ولا اخالفه في هذا بيد أنه وبتوافر الأدلة وبالجمع بينها قد يختلف الحكم..فبين أيدينا آية التخصيص في عموم أثر الريح التي دمرت قوم عاد : (( ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ))..ومعلوم ان الريح اتت على الأودية والجبال والصخور ولم تجعلها كالرميم..وأنقل لك من التحرير والتوير كلام بن عاشور: (( و " شيء " في معنى المفعول ل " تذر " فإن ( من ) لتأكيد النفي ، والنكرة المجرورة بمن هذه نص في نفي الجنس ولذلك كانت عامة ، إلا أن هذا العموم مخصص بدليل العقل ؛ لأن الريح إنما تبلي الأشياء التي تمر عليها إذا كان شأنها أن يتطرق إليها البلى ، فإن الريح لا تبلي الجبال ولا البحار ولا الأودية ، وهي تمر عليها وإنما تبلي الديار والأشجار والناس والبهائم ))..وانقل لك أيضا من مفاتيح الغيب: (( ( أتت عليه ) وصف لقوله : ( شيء ) كأنه قال كل شيء أتت عليه أو كل شيء تأتي عليه جعلته كالرميم ولا يدخل فيه السماوات لأنها ما أتت عليها وإنما يدخل فيه الأجسام التي تهب عليها الرياح ، فإن قيل فالجبال والصخور أتت عليها وما جعلتها كالرميم ؟ نقول المراد أتت عليه قصدا وهو عاد وأبنيتهم وعروشهم وذلك لأنها كانت مأمورة بأمر من عند الله فكأنها كانت قاصدة إياهم فما تركت شيئا من تلك الأشياء إلا جعلته كالرميم ))..
وقياسا على ما ذُكر..فلا إشكال عندي في التفسير الذي يجعل من آية (( أخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا ))..استأنافا بيانيا للعهد الذي أخذه الله على عباده..أو أن تكون استأنافا بيانيا لما قرره ملك الأرحام من سعادة وشقاوة للطفل وهو في بطن أمه..أو لمن أراد الجمع بين الآية وحديث النبي: (( إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين فحرمت عليهم ما أحللت لهم, وأمروهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ))..والحنيفية كما قال عنها إمام المفسرين الطبري: (( فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم, الذي هداك الله لها وكملها لك غاية الكمال, وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها, فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره ))

واذكر أني لا أستدل بهذا القول لأثبت وجود الفطرة كما أسلفت وإنما إيضاحا لما خفي من التفسير وأنه ليس بالضعف المذكور في كلام اخينا أحمد..وكما قلت فكون الله اخرجنا من بطون امهاتنا لا نعلم شيئا لا ينفي الفطرة .. فاكتسابنا العلم بعد الولادة لنعلم من خلاله أن ما اكتسبناه هو أصلا مركوز في فطرنا ونفوسنا لهو اكبر دليل على وجود الفطرة فهو نور على نور بالمصطلح القرآني وكما قال الدكتور راجح عبد الحميد الكردي في كتاب نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة: اليقين المنطقي تنتهي مقدماته إلى البديهيات ومن سعى لاثبات البديهيات فقد استخف بعقول البشر..
والآية يمكن الإستدلال من خلالها على وجود الفطرة من وجه آخر ذكره الدكتور سفر الحوالي وكنا قد أشرنا إليه: (( يولد الطفل.. من الذي علمه؟ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً [النحل:78] علَّمه أن يرضع من هذا الثدي، ولو أن الله لم يُعلِّمه ذلك من يستطيع أن يعلمه من الناس أو من الأطباء؟!
لا يستطيع أحد أن يعلم المولود في يومه الأول، بل في عامه الأول فما بعد، إلا بعد حين أن يُعلَّمه شيئاً من الأمور..ولكن الله تبارك وتعالى علَّمه وهداه أن يأخذ هذا الثدي وأن يتغذى به ))

توجد نقطة أغفلتها في ردي السابق وهو قولك أخي أحمد:

أما الصغير في سن معينة فإنه ينسب خطأه أحيانا إلى لا شيء، و هذا كثيرا ما لاحظته و لاحظه الكثير، ويعبر عن ذلك بعبارة "هاكّا" عندنا يعني حدث "هكذا"، و أحيانا كمثال عندما يكسر مزهرية و يلام فإنه ينسب الانكسار إلى المزهرية فيقول "انكسرت لوحدها"، ما معنى هذا؟ معناه لا سبب. و هو مشاهد بكثرة لمن تتبعه و لكن في سن معينة قبل الأربع سنوات و لا أضبطها الآن
أبدا هذا غير صحيح..وما يصدر من الطفل من ردود الأفعال التي ذكرت يكون من باب الهروب من المسؤولية والخوف من العقاب..لا انه ينسب الأفعال للا شيء فهو يدرك يقينا أنه هو من كسر المزهرية وإنما أنكر لغاية في نفسه لا توصيفا لواقع..والدليل امنح لعبة لطفل صغير ودعه يلعب بها بعض الوقت ثم اخفها عنه..ولاحظ ردة الفعل وكيف أنه سيلتفت يمنة ويسرة بحثا عنها..أي سيتصرف على أساس انها موجودة وأبدا لن يتصرف على أساس أنها لم توجد قط..والأمثلة كثير الصراحة ومعلومة..

أكتفي بهذا القدر حتى الساعة..إلى ان أتبين رأي اخي أبو أحمد في هذه النقاط:

بقيت نقطة الرضيع عالقة..ولم أسمع رأيك..وكذلك توضيح معنى الإستعداد والتفرقة بينه وبين المبادئ الفطرية..فهي أساسية في النقاش..

أبو أحمد العامري
05-14-2014, 02:03 AM
السلام عليكم أخي مستفيد
معذرة على التأخر فنحن مشغولون لقرب نهاية السنة الجامعية و ما يتطلبه الأمر من تحضير.
قبل مواصلة النقاش أضع بين يديك هذا الكلام المأخوذ من الكتاب المرفق:
كثرة اختلاف المسلمين في الفطرة بعد سلفهم ، حتى لقد حكى ابن عبد البر في كتابه التمهيد سبع مقالات لعلماء أهل السنة والجماعة ، وهذا يعني أنها أكثر من ذلك، ولقد قال الإمام ابن قيم الجوزية : " هذا موضع اضطربت فيه الأقدام ، وطال فيه النزاع والخصام ".

الاضطراب في تقرير مذهب السلف، وقد كان المعروف عن عامة أهل التأويل منهم تفسير الفطرة بالإسلام، ولا يزيدون على ذلك تفصيلا. لكن فقهاء ومتكلمين أثاروا حول هذا المذهب شبهات، فكان الذين يقولون بقول السلف يجيبون فتختلف أجوبتهم، فصار السؤال الذي لا تكاد تجد لـه جوابا شافيا هو: ما معنى كون الفطرة هي الإسلام ؟ حتى لقد قال العلامة الطاهر بن عاشور: " هو معنى لم أر من أتقن الإفصاح عنه "

خلاصة رأيي هو أن المولود يولد على الفطرة و يولد و لا يعلم شيئا لا بديهيات عقلية و لا خالقا للكون و لا أسس أخلاقية بل لا عقل له حين ولادته. هو جاهل جهلا بسيطا.
و من مقتضى الفطرة أن يكون المولود على هيئة تقبل الحق و ترفض الباطل، و الله لما خلق أول إنسان - آدم عليه السلام – لم يتركه هملا بل علمه الحق و أوحى إليه الحق، و هذا الحق هو الإسلام و هو الحنيفية و هو الملة، وعلمه آدم لأولاده و لا زالت رسل الله جلا و علا تترى يرجعون الناس إلى الحنيفية التي خلقهم الله عليها بعد أن اجتالتهم الشياطين عن دينهم.


بل على العكس فقد سلمتُ بأن المعنى هو نفي العلم بالكلية وبينت أنه لا يتعارض مع وجود الفطرة بل ومن علمائنا من استدل بالآية على وجود الفطرة كما سيأتي
أخي مستفيد، بتسليمك بنفي العلم بالكلية حين الولادة نكون قد اقتربنا من الاتفاق حول الموضوع المثار. و هذا معناه أن المولود حين الولادة لا يكون عالما لا بخالقه و لا ببديهيات عقلية و لا بأسس أخلاقية، و هذا كما تعلم خلاف ما هو منتشر في أوساط المسلمين.


وقد تمنيت لو أن اخي أبو احمد عقب على تسليمنا بالمعنى العام واستدلالنا به على وجود الفطرة
أنا أوافقك على نفي العلم حين الولادة و أوافقك على وجود الفطرة أيضا فلا تعارض بينهما.


بدل الخوض في التفاسير والنقولات
إن ثبت أحد التفاسير التي تقول بوجود العلم حين الولادة انتقض كل ما أقوله، لهذا أخذت بما يرجحه المفسرون بالنفي العام.


وكما قلت فكون الله اخرجنا من بطون امهاتنا لا نعلم شيئا لا ينفي الفطرة
طبعا.


اليقين المنطقي تنتهي مقدماته إلى البديهيات ومن سعى لاثبات البديهيات فقد استخف بعقول البشر..
معه في هذا و لكن لا يكون القصد من ورائه أن البديهيات تولد معنا.


وما يصدر من الطفل من ردود الأفعال التي ذكرت يكون من باب الهروب من المسؤولية والخوف من العقاب..لا انه ينسب الأفعال للا شيء فهو يدرك يقينا أنه هو من كسر المزهرية وإنما أنكر لغاية في نفسه لا توصيفا لواقع
نعم هي من باب الهروب من المسؤولية، نعم هو يدرك يقينا أنه هو من كسر المزهرية، و نعم هو أنكر لغاية في نفسه لا توصيفا لواقع. و لكن الكبير عندما يكذب لا ينسب أبدا حدوث الأشياء إلى اللاشيء لأنه يعلم أنه غير معقول، في حين يفعلها الصغير لعدم نضج مبدأ السببية في ذهنه، هو يرى أن نسبة الحادث إلى لا شيء أمر مقبول، هو يعلم أنه يكذب و لكن لا يعلم أن كذبته غير متحققة البتة بل غير معقولة. أرجو أن أكون قد أوضحت هذه النقطة.


..وكذلك توضيح معنى الإستعداد والتفرقة بينه وبين المبادئ الفطرية..فهي أساسية في النقاش..
هذا قد ألمحت له كثيرا في مداخلاتي السابقة و لكن أضرب مثالا ليتضح الأمر أكثر:
نأخذ بديهية معروفة لا يمكن برهنتها وهي 1+1=2.
هذه البديهية قطعا لم تولد معنا ولم يكن لها تصور عندنا البتة و لكن نقبلها و لا ينكرها إلا مجنون ومن سعى في برهانها سعى إلى العبث.
إذا هذه البديهية لم تولد معنا، و سؤالك أخ مستفيد فماذا يعني كوننا ولدنا مستعدين لقبولها؟ حتى يتبين الفرق بين الاستعداد لتقبل البديهية و بين البديهية في حد ذاتها.
أقول مستعينا بالله
عندما أقول أننا نولد مستعدين لقبول أن للكون خالقا، و مستعدين لقبول عبادة الله الواحد الأحد، و مستعدين لقبول أن 1+1=2، و مستعدين لقبول أن لكل حادث سبب، لا يعني ذلك أن الاستعداد متعدد بل استعداد واحد و هو الاستعداد لقبول الحق و رفض الباطل. هذا أمر.
و الأمر الآخر كيف قبلنا أن 1+1=2 و هي لم تولد معنا؟
هذا في الحقيقة بين، فالنفس علمت ما هو الواحد من رؤيتها لآحاد الأشياء ثم تجريدها لمعنى الواحد، فهي رأت تفاحة و رأت جملا و رأت نخلة و رأت سيارة و ما إلى ذلك من الآحاد التي اتحدت في هذا المعنى المجرد و هو الواحد، و هذه الطريقة هي المستعملة في مدارس الطور الأول لتعليم الأطفال الأعداد. و ربما لا يتميز الواحد إلا بإظهار الاثنين و الثلاثة.
إذا علم الولد معنى الواحد يعلم معنى الاثنين بنفس الطريقة، أي يرى تفاحتان و يرى جملين و يرى نخلتين و يرى سيارتين و هكذا حتى يتجرد عنده معنى الاثنين.
عند هذه النقطة يكون للولد تصوران هما الواحد و الاثنان.
يبقى أمر آخر وهو تصور عملية الجمع و التي تتم بتقريب تفاحتين أو و ضعهما في مجموعة واحدة على شكل دائرة، وتقريب جملين بنفس الطريقة و هكذا مع عدة أشياء و يعلم بأن هذا هو معنى الجمع حتى يقع عنده تصور لهذه العملية.
أمر آخر و هو معنى التساوي، التساوي هو الانطباق، انطباق الصور فهو يرى تشابه صورة تفاحة مع صورة تفاحة أخرى، وهكذا مع انطباق الاثنين مع الاثنين، و يعلم بأن هذا التشابه و الانطباق هو التساوي.
و لهذا يعلم دور المعلم الذي ليس بالهين، فهو في الحقيقة من يعلم الأطفال البديهيات طبعا بعد البيت.
إذا ماذا تبقى ؟ تبقى أن يقارن بين صورة جمع الواحد و الواحد التي تعلمها مؤخرا مع صورة الاثنين التي تعلمها سابقا فماذا سيجد يا ترى؟ هل سيجد اختلافا أم انطباقا؟ الجواب واضح الانطباق و التساوي. و هذا معنى البديهية 1+1=2.
نعم لقد علمت الولد كل تلك المعاني و التصورات، ولكن الانطباق الأخير كان حتما من نفسه، يعني أيمكنك أنت ولي نعمته في تعليمه تلك المعاني أن يقبل منك أن 1+1+1=2؟ لن يقبلها أبدا، و إن أرغمته عليها في سنه الصغيرة ستخلط عليه أمره.
هذا مثال عن الاستعداد القبلي لقبول الحق. و الحق في مثالنا هنا هو ما وافق الواقع الذي خلقه الله هكذا و ليس غير هذا.
و إن كنت أعلم أني قد أثير تساؤلات أخرى بإيضاحي هذا.
بقي أن أشرح انشراح الصدر للحق و ضيقه بالباطل و ذلك ما يجعل المؤمن سعيدا مطمئنا منشرح الصدر، ويجعل الملحد و الكافر عموما كئيبا ضيق الصدر. فأنا أقول به كما تقول به أنت يا مستفيد.
أما فيما يخص التقام الولد لثدي أمه فاصبر علي.
و شكرا على الحوار الذي تبادلني إياه

مستفيد..
05-14-2014, 05:45 PM
كان الله في العون أخي أبو أحمد..ولا أرضَ أن أكون سببا في تشتيتك عما أنتَ فيه..فمتى يَسَّرَ الله لك يمكنك التعقيب ولا تلقِ بالا للتأخير..
------
افتتحتَ المشاركة أخي أبو احمد بالإشارة إلى خلافية المسألة..وهذا الأمر معلوم مشهور..وكوننا نرجح أحد الأقوال على غيرها في إطار الدليل لا يعني أننا نفسق ونبدع بقية الأقوال حاش لله.. ولو كان المسلك في ابتغاء الآراء بمعزل عن أدلتها..وجعل الخلاف ذاته دليلاً على المشروعية لما كان لسؤالك الدكتور عن معنى الفطرةِ أول الموضوع معنََى..ولا ما كان لترجيحك معنىََ..إذ الرد سيكون في كلتا الحالتين بأن المسألة خلافية وقضي الأمر..بل ما كان للدكتور قواسمية أن يفتح هذا الموضوع من الأساس..
أعود للموضوع:

أخي مستفيد، بتسليمك بنفي العلم بالكلية حين الولادة نكون قد اقتربنا من الاتفاق حول الموضوع المثار. و هذا معناه أن المولود حين الولادة لا يكون عالما لا بخالقه و لا ببديهيات عقلية و لا بأسس أخلاقية، و هذا كما تعلم خلاف ما هو منتشر في أوساط المسلمين.
لم يبلغك مرادي أخي أبو أحمد..لم أقصد ما ذهبتَ إليه..ولعله ضعف في البيان والله المستعان..فقصدي لم يخرج عما هو منتشرا في أوساط المسلمين..
كل ما في الأمر أني اتخذتُ من حجتك حجةََ لي..فنفي العلم بالكلية عن المولود لا يلغي الفطرة بمعنى الحنيفية أو البديهيات وخلافه ولاحظ معي:
(( الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ))..
الله ركز في نفس هذا الطفل عند ولادته معلومات أولية..هل هذا المولود وفي تلك اللحظة عليم بتلكم المعلومات الفطرية ؟..لا..لا يعلم عنها شيئا..رغم كونه يتصرف وفقا لها كالرضاعة مثلا..إلا أنه لا يعيها علما وإدراكا..فهل خالفنا الآية ؟..في رأيي لا..إذن كونه لا يكون عالما بها عند ولادته لا ينفي وجودها..فالإنسان قد تقوم بنفسه من العلوم والإرادات وغيرها من الصفات ما لا يعلم أنه قائم بنفسه..فإن قيام الصفة بالنفس غير شعور صاحبها بأنها قامت به..فوجود الشيء في الإنسان..غير علم الإنسان به..فالطفل لم يأتِ بتلك المعلومات من عنده فهو لا يعلم شيئا بنص الآية ولا هو في وضع يسمح له بالتعلم إذن من أين جاءت..جاءت من الله سبحانه وتعالى فهو الذي علمه وهداه..وبهذا المنطق استدل شيخنا الدكتور سفر الحوالي بالآية إذ يقول: (( ولد الطفل.. من الذي علمه؟ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً [النحل:78] علَّمه أن يرضع من هذا الثدي، ولو أن الله لم يُعلِّمه ذلك من يستطيع أن يعلمه من الناس أو من الأطباء؟! لا يستطيع أحد أن يعلم المولود في يومه الأول، بل في عامه الأول فما بعد، إلا بعد حين أن يُعلَّمه شيئاً من الأمور..ولكن الله تبارك وتعالى علَّمه وهداه أن يأخذ هذا الثدي وأن يتغذى به ))..
والدليل الثاني أن الطفل لما يكبر وتنمو مداركه العقلية والحسية..يدرك ويعلم بالحس والعقل ان الله فطره وأنعم عليه بما لم يعلمه ويدركه وهو رضيع..
أتمنى أن تكون الفكرة قد اتضحت الآن..

أنا أوافقك على نفي العلم حين الولادة و أوافقك على وجود الفطرة أيضا فلا تعارض بينهما.
التعارض سيكون مع الأدلة..ففي الحديث (( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرّانه ويمجسانه ))..ذكر يهودانه وينصرانه ويمجسانه..يوضح معنى الفطرة..وإلا لقال يسلمانه (بمعنى الحنيفية)..وكذلك حديث (( إني خلقت عبادي حنفاء )) وآخر الحديث يفسر معنى الحنيفية أي (( فاجتالتهم الشياطين فحرمت عليهم ما أحللت لهم, وأمروهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ))..وطبعا ليس المقصود هنا الإسلام الكامل بأحكامه وأوامره ونواهيه..والأدلة كثيرة في هذا الباب..


إن ثبت أحد التفاسير التي تقول بوجود العلم حين الولادة انتقض كل ما أقوله، لهذا أخذت بما يرجحه المفسرون بالنفي العام.
إن كانت كل حجتك في نفي الفطرة مرتكزة على النكرة محل النفي فهي بالفعل انتقضت..لأني جئتك بآية تحمل نكرة محل النفي بل وحركة لتأكيد النفي ومع ذلك وقع الإجماع على التخصيص..ولا يعني هذا أن كل من رجح النفي العام في الآية يرجح نفي الفطرة..فقد بينا خلاف هذا الأمر..

ما تبقى من كلامك أخي أبو أحمد أرجئه إلى حين إجابتي على مسألة الرضيع..فموقفك من هذه النقطة تحديدا قد يكون هو الرد على كلامك أعلاه..ولستُ أستعجلك أيها الفاضل..ركز في دراستك ولا تجعل عليَّ ذنبا (ابتسامة)..

أبو أحمد العامري
05-20-2014, 03:26 AM
كان الله في العون أخي أبو أحمد..ولا أرضَ أن أكون سببا في تشتيتك عما أنتَ فيه..فمتى يَسَّرَ الله لك يمكنك التعقيب ولا تلقِ بالا للتأخير..

ولستُ أستعجلك أيها الفاضل..ركز في دراستك ولا تجعل عليَّ ذنبا (ابتسامة)..
بارك الله فيك أخي مستفيد على تفهمك و رحابة صدرك وحسن حوارك. ابتسامة متبادلة.
سأركز في تدريسي و امتحاني و إشرافي، و شكرا على النصيحة.
حقيقة موضوع كهذا يتطلب الدقة و التركيز لهذا تأخرت في الرد زيادة على الانشغال المذكور.

افتتحتَ المشاركة أخي أبو احمد بالإشارة إلى خلافية المسألة..
أشرت إلى ذلك لسبب هام و هو:
قد يطلع أحد أعضاء المنتدى و يرى الأخذ و الرد مني و منك في مسألة الفطرة فيعقب علينا بخلافية المسألة ظانا أننا لا نعلمها فاستبقت الأمر و كتبت ما كتبت.

ولو كان المسلك في ابتغاء الآراء بمعزل عن أدلتها..وجعل الخلاف ذاته دليلاً على المشروعية لما كان لسؤالك الدكتور عن معنى الفطرةِ أول الموضوع معنَى..ولا ما كان لترجيحك معنىَ..
طبعا ليس مسلكي هو ابتغاء الآراء بمعزل عن أدلتها و لا جعل الخلاف ذاته دليلاً على المشروعية.

الله ركز في نفس هذا الطفل عند ولادته معلومات أولية
هنا محل الخلاف بيننا، أنا أرى أن الله جلَّ و علا خلق الطفل جاهلا حقيقة، ليس بداخله علم بشيء البتة شعر بذلك أم لم يشعر. و هذا و الحمد لله منطوق و مفهوم (راجح) قوله تعالى: { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
حتى التفاسير الأخرى لا يفهم منها إثبات علم للمولود حين الولادة، و تبيان ذلك كالآتي:
تفسير الآية بأنكم لا تعلمون شيئا مما أخذ عليكم من الميثاق: هذا ميثاق قد أخذ عليهم و لا يعلمون عنه شيئا، فأشياء أخرى من باب أولى.
فالعلم بالميثاق خصص بذكر النفي لا بالنفي دون سائر العلوم.
فنفي العلم بالميثاق لا يفهم منه إثبات العلم بشيء آخر، وهذا في اللغة كثير. و لا تستطيع أخي مستفيد أن تثبت أن الذي ذهب إلى هذا التفسير يذهب إلى إثبات علم آخر للولد حين ولادته.
و تفسير الآية بأنكم لا تعلمون شيئاً مما قضي به عليكم من السعادة والشقاوة: نفي هذا حتى لا يقال أن المولود يكون عالما بما قضي عليه من سعادة أو شقاوة و هو في بطن أمه. و يقال هنا أيضا ما قيل في القول الذي قبله.
تفسير الآية بأنكم لا تعلمون شيئاً من منافعكم: و هذا التفسير قد يدخل فيه كل شيء، فالعلم مثلا بخالق للكون هو من أعظم المنافع، و مثله العلم بالأسس الأخلاقية و البديهيات العقلية و التي هي من أهم المنافع بل هي أساسها. و يقال هنا أيضا ما قيل في القول الأول.
إذا فكما نرى أنه ليس من منطوق هذه التفاسير و لا من مفهومها أيضا أن المولود حين يولد يكون عالما أو بداخله معلومات أولية لا يشعر بها. هل من قال بهذه الأقوال نبه إلى وجود علم آخر عند المولود؟

الله ركز في نفس هذا الطفل عند ولادته معلومات أولية
لم أرى في القرآن و لا في السنة ما يدعم هذا القول أبدا، أما الفطرة فلا تعني العلم كما هو بين و لا تعارض بين الفطرة و أن يولد المولود جاهلا.
ثم ما الذي يدعونا للقول بأن المولود يولد بتلك المعلومات الأولية؟ ما الضير إن بقينا على الأصل و هو عدم العلم؟ نعم الأصل الجهل و العلم طارئ.

الله ركز في نفس هذا الطفل عند ولادته معلومات أولية
هل يمكن تحديد قائمة بهذه المعلومات الأولية؟ ثم ما دليلها هي بالذات ؟
ولتكن مثلا:
خالق الكون هو الله...لكل حادث سبب...النقيضان لا يجتمعان و لا يرتفعان معا...مبدأ الثالث المرفوع...الشيء لا يكون في مكانين...الكل أكبر من الجزء...إضافة قيمة إلى قيم متساوية تبقيها متساوية...1+1=2...الصدق...العدل...الخير...إلى غير ذلك.
هل هذه هي كلها أو تبقت بديهيات أخرى؟
ربما ما يزال :
أنا أفكر إذا أنا موجود...الله مستحق للعبادة لأنه هو الخالق...توجد حياة بعد الموت...الخالق لا بد أن يكون حيا عليما مريدا قديرا...الذي لا يكذب على الناس لا يكذب على الله...

الله ركز في نفس هذا الطفل عند ولادته معلومات أولية
إذا لم يكن الأمر علما، بل هو وجود للمعلومات دون الشعور بها أمكننا القول بأن الله جلَّ و علا ركز في نفس هذا الطفل عند ولادته العلم كله، و ما التعلم سوى عملية تذكر كما قلتَ سابقا.

إذن كونه لا يكون عالما بها عند ولادته لا ينفي وجودها
و لكن ما دليل وجودها؟

فالطفل لم يأتِ بتلك المعلومات من عنده فهو لا يعلم شيئا بنص الآية
هذا لا يجتمع أبدا،
لا علم له ... عنده معلومات
لا علم له ... عنده علم لا يشعر به
أنت تريد أن تقول أننا خلقنا بعلم ما و لكن لا نشعر به و عدم الشعور هو قصد الآية لا تعلمون شيئا،
و لكن اسمح لي أن أقول لك أخي مستفيد أنك عبثا تحاول، لن تسعفك الكلمات.

إذن من أين جاءت..جاءت من الله سبحانه وتعالى فهو الذي علمه وهداه
لا دليل على هذا التعليم، لا من كتاب و لا من سنة، و كيف لشأن عظيم كهذا ألا يذكره الله جلّ و علا ممتنا به على عباده. الله جلَّ و علا خلق آدم عليه السلام ثم علمه و ذكر لنا ذلك في كتابه.
الله جل وعلا لما نفى العلم عن المولود حين ولادته ذكر بعدها نعمة السمع و الأبصار و الأفئدة تبيانا إلى أنها وسائل التعلم، فكيف حدث التعليم الأول؟

التعارض سيكون مع الأدلة
القول بالفطرة و عدم العلم معا لا يعارض الأدلة أبدا كما سترى بإذن الله.

ففي الحديث (( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرّانه ويمجسانه ))..ذكر يهودانه وينصرانه ويمجسانه..يوضح معنى الفطرة..وإلا لقال يسلمانه (بمعنى الحنيفية)
يتضح المراد هنا بأمور عدة:
الأول: أن قوله صلى الله عليه وسلم: " فأبواه يهودانه وينصرّانه و يمجسانه " يفهم منه مع تمام الحديث أن هذه الأديان مخالفة للفطرة تم تلقينها للمولود منذ صغره، يبينه الأمر الثاني.
الثاني: أنه عليه الصلاة و السلام لم يقل "يسلمانه" لأن الفطرة هي الإسلام، و لكن لا يعني ذلك أن المولود حين يولد يكون عالما بهذا الإسلام أو يكون بداخله و لا يشعر به و لا يدركه، يبينه الأمر الثالث.
الثالث: و هذا كما ذكر سابقا معناه أن المولود يولد على هيئة تقبل الحق و ترفض الباطل، ومن قبولها للحق قبولها للإسلام، و القبول يكون بانشراح الصدر و الرفض يكون بضيق الصدر. قال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) الأنعام (125). و هذه الهيئة وحدها لا تغني شيئا، يبينه الأمر الرابع.
الرابع: لكي يكون المولود على الإسلام لا بد له من معلم، و هذا يبينه الأمر الخامس و السادس و السابع.
الخامس: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " كُلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَأَبَوَاهُ بَعْدُ يُهَوِّدَانِهِ ، وَيُنَصِّرَانِهِ ، وَيُمَجِّسَانِهِ ، فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ ، فَمُسْلِمٌ كُلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ يَلْكُزُهُ الشَّيْطَانُ فِي حِضْنَيْهِ إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا " رواه مسلم، فهنا يتبين اشتراط المعلم المسلم و لكن سياق اللفظ هنا يدعم موافقة الإسلام للفطرة خلاف لفظ التهويد و التنصير و التمجيس،
السادس: لو كان أحد مستغنيا عن العلم لاستغنى عنه آدم عليه السلام قال تعالى: (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا)
السابع: أعظم لوازم الفطرة لا إله إلا الله تحتاج للعلم قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه)

وكذلك حديث (( إني خلقت عبادي حنفاء ))
يقال فيه ما قيل في الفطرة، و يضاف إليه التالي:
لما خلق الله آدم عليه السلام علمه و أوحى إليه الحنيفية، و آدم عليه السلام علم أولاده الذين أورثوا العلم لمن بعدهم فالعلماء ورثة الأنبياء، و هكذا كان الناس حنفاء على التوحيد، فالحنيفية هي الأصل.
ثم اجتالتهم الشياطين عن دين الفطرة الإسلام فأرسل الله أول الرسل نوح عليه السلام يدعو الناس إلى دين الفطرة، ثم أهلك الله كل كافر به ولم ينج إلا المؤمن الموحد، وهكذا عادت البشرية إلى الإسلام و أصبح هو الحنيفية هي الأصل من جديد. قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)
و كلما اجتالت الشياطين الناس عن الحنيفية أرسل الله جل و علا رسله تترى يعلمون الناس الإسلام و يدعونهم للتوحيد.

وآخر الحديث يفسر معنى الحنيفية أي (( فاجتالتهم الشياطين فحرمت عليهم ما أحللت لهم, وأمروهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا )) ..وطبعا ليس المقصود هنا الإسلام الكامل بأحكامه وأوامره ونواهيه
هنا الفيصل،

فحرمت عليهم ما أحللت لهم,
ما محل هذه عندكم من الفطرة؟ أكان يعلم عند ولادته ما هو حلال و ما هو حرام ؟ أم كان موجودا في نفسه و لكن لا يشعر به و لا يدركه؟
أما عني، فالأمر واضح و هو أن الشياطين حرمت عليهم ما أحل الله لهم على لسان الأنبياء.

وأمروهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا
و هنا أيضا يتبين الأمر أكثر، فأقول كيف يسبق أمر الشيطان عموم الناس بالشرك تعليم الله التوحيد لهم؟ أبدا لن يكون، فالأصل هو التوحيد تهيئة و تعليما.

ما لم أنزل به سلطانا
و هنا يتبين الأمر أكثر و أكثر، فالله لم ينزل بالشرك سلطانا، إذاً مع كل ما قيل سابقا فقد أنزل الله بالتوحيد سلطانا، و هو إرساله رسله، و هو المطلوب.

..والأدلة كثيرة في هذا الباب..
كل الأدلة التي ترمي إليها يا مستفيد، عسى أن أستفيد و تستفيد، تذهب المذهب الذي وضحته لك. يكفي أن تأتيني بدليل يثبت علما للمولود حين ولادته.

إن ثبت أحد التفاسير التي تقول بوجود العلم حين الولادة انتقض كل ما أقوله، لهذا أخذت بما يرجحه المفسرون بالنفي العام.
قلت هذا سابقا حين ظننت أن التفاسير الثلاثة الأخرى تقول بوجود علم عند المولود و هذا ما لم أجده حقيقة، فلا أحد من أصحاب الأقوال الثلاثة قال بذلك. و كما قلت لك آنفا يا مستفيد أيمكن أن تؤكد أن أصحاب تلك التفاسير قالوا بوجود علم عند المولود؟

إن كانت كل حجتك في نفي الفطرة مرتكزة على النكرة محل النفي فهي بالفعل انتقضت
أنا لا أنفي الفطرة إطلاقا أخي مستفيد، و أربأ بك أن تقول عني هذا القول. أنا أنفي العلم (أو وجود المعلومات كما ذهبت إليه أنت) عند المولود حين ولادته.
فنفي الفطرة رد للكتاب و السنة و هذا كما تعلم جرم عظيم.

لأني جئتك بآية تحمل نكرة محل النفي بل وحركة لتأكيد النفي ومع ذلك وقع الإجماع على التخصيص
نعم وقع الإجماع على التخصيص في الآيتين المذكورتين، و لكن لا يوجد من خصص النفي في الآية محل الشاهد؟ و تلك الأقوال الثلاثة مخصصة للذكر دون النفي. و هذا بين فدقق فيه يا أخي.
هل هناك من ذهب في تفسير الآية إلى ما ذهب به آخرون في آيتي نفي النكرة اللتين ذكرتهما؟

ولا يعني هذا أن كل من رجح النفي العام في الآية يرجح نفي الفطرة..فقد بينا خلاف هذا الأمر..
و أنا كذلك أرى بقول من رجح النفي العام و لا أنفي الفطرة قطعا فضلا عن أن أرجح نفيها، فإثبات الفطرة ليس محل ترجيح بين المسلمين.

مسألة الرضيع..فموقفك من هذه النقطة تحديدا قد يكون هو الرد على كلامك أعلاه
هيهات لما تروم (ابتسامة)
مسألة الرضاعة، تلك المسألة التي كانت تقف عائقا أمام ما أراه في شأن الفطرة زمنا ليس بالقصير، و قد أسديت يا مستفيد لي معروفا لا أنساه بأن حمستني للبحث فيها.
لقد كانت تقلقني بحق، فمن جهة أرى صحة معنى الفطرة كما بيينته لك و من جهة أتعجب لشأن التقام المولود للثدي.
فبماذا نبدأ؟
نبدأ بنقلك الآتي:

وبهذا المنطق استدل شيخنا الدكتور سفر الحوالي بالآية إذ يقول: (( ولد الطفل.. من الذي علمه؟ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً [النحل:78] علَّمه أن يرضع من هذا الثدي، ولو أن الله لم يُعلِّمه ذلك من يستطيع أن يعلمه من الناس أو من الأطباء؟! لا يستطيع أحد أن يعلم المولود في يومه الأول، بل في عامه الأول فما بعد، إلا بعد حين أن يُعلَّمه شيئاً من الأمور..ولكن الله تبارك وتعالى علَّمه وهداه أن يأخذ هذا الثدي وأن يتغذى به ))..
أتعلم مقصود الشيخ هنا؟ إنه يقصد أن الطفل علمه الله بعد مولده، إذ ما معنى ذكره للآية في هذا الموضع؟ بل ما محل كلامه هذا " لا يستطيع أحد أن يعلم المولود في يومه الأول" إذا لم يكن يرى أن الطفل علمه الله بعد مولده مباشرة؟
إذا كما ترى أخي مستفيد فالرضاعة عند الشيخ تعلمها المولود بعد مولده مباشرة، والله هو من علمه. إذا فليس في هذا دليل على وجود علم عند المولود قبل ولادته، هذا أمر.
و الأمر الآخر، هل مص المولود للثدي طلبا للبن دليل على وجود علوم أولية فيه؟ ربما هذا من أهم ما يتعلق به من يذهب إلى ذلك.
لو كان مص الثدي طلبا للبن دليلا على و جود علوم أولية عند المولود لكان أمر آخر أولى بذلك و هو الاستنشاق طلبا للهواء، نعم.
لماذا لا يُعَدُّ التنفس دليلا على علم الولد بحاجته للهواء و أن استنشاقه للهواء يحقق له ذلك؟ أيجرأ عاقل أن يقول أن المولود حين ولادته كان عالما بحاجته للهواء و عالما بأن الاستنشاق سبيل للحصول عليه؟ لا يقوله عاقل. إذاً استنشاقه للهواء لم يكن عن علم بل كان شأنا أقرب ما يكون من نبض القلب و عمل الرئتين.
يسعفني أن أقول هنا أن مصه للبن لم يكن عن علم عنده بحاجته للبن و لم يكن عن علم عنده بأن ذلك المص سبيل للحصول على اللبن. و هذا قول كل عاقل. إذا مصه للبن لم يكن عن علم بل كان شأنا أقرب ما يكون من هضم المعدة للبن و تبرزه وتبوله فيما بعد.
أوضح أكثر فأقول، أول فعل يقوم به المولود هو البكاء كما جاء في الحديث، ثم إذا جاع المولود أول مرة و لم يعطى اللبن فإنه سيبكي، هل سيقول أحد إنه بكى عن علم بأن بكاءه ستسمعه أمه وأنها ستلقمه الثدي لينال اللبن؟ طبعا لا يقوله عاقل. إذا كيف بكى؟
إن هذه الأفعال الأولى للمولود لم تكن عن علم، فهي إذا لاإرادية. هي تلقائية رحمة من الله به كما هي سائر ما يحدث داخل بدن الإنسان كنبض القلب و عمل الرئتين و تصفية الكلى و عمل الغدد و دورة الدم و هضم المعدة و التبرز و التبول.
إلا أن أكثر هذه الأمور تبقى على تلقائيتها، و أخرى يصير للطفل فيما بعد القدرة و الإرادة على التحكم بها كالأكل و الشرب و التبول و التبرز، أما التنفس فهو تلقائي و يكون له القدرة على إيقافه و تغيير سرعته.
إذا حتى و إن عدّت الرضاعة أمرا فطريا تنزلا فلا دليل فيها على وجود علوم أولية عند المولود. هي فطرية بمعنى تلقائية أي لاإرادية.
ربما يحتاج الأمر إلى إيضاح أكثر.
إلى هنا أكون قد أجبت على كل ما أثير يا أخي مستفيد.
يبقى علي أن أشرح انشراح الصدر للحق و ضيقه للباطل لاحقا.
يتبع إن شاء الله.

مستفيد..
05-20-2014, 07:35 PM
أخي أبو أحمد..فصلك للكلام بعضه عن بعض والتعقيب بالكلمة بالكلمة أرهقني الصراحة..فكل كلامي تقريبا يتحمور حول نقطتين هما العلم والرضاعة..يعني لم تكن في حاجة لأكثر من اقتباسين..هذه فقط ملاحظة عابرة لأن الأمر متعب قراءة وتعقيبا..ولذا سأختصر النقاط قدر المسطاع..فقد بعثرتها يا رجل :)

لم أرى في القرآن و لا في السنة ما يدعم هذا القول أبدا، أما الفطرة فلا تعني العلم كما هو بين و لا تعارض بين الفطرة و أن يولد المولود جاهلا.
ثم ما الذي يدعونا للقول بأن المولود يولد بتلك المعلومات الأولية؟ ما الضير إن بقينا على الأصل و هو عدم العلم؟ نعم الأصل الجهل و العلم طارئ.

كل الأدلة التي ترمي إليها يا مستفيد، عسى أن أستفيد و تستفيد، تذهب المذهب الذي وضحته لك. يكفي أن تأتيني بدليل يثبت علما للمولود حين ولادته.
حديث كل مولود يولد على الفطرة ومن طريق الأعمش بلفظ (( يولد على الملة ))..ومن طريق أبي معاوية بلفظ : ((إِلاَّ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ حَتَّى يُبَيِّنَ عَنْهُ لِسَانُهُ))..ولفظ: (( حتى يعرب عنه لسانه ))..والحديث ألفاظه يوضح بعضها بعضا..
حديث آخر: عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال للناس يوما: (( ألا أحدثكم بما حدثني الله –تعالى- به في الكتاب؟ إن الله خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين، وأعطاهم المال حلالا لا حرام فيه )) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق
وتوجد احاديث أخرى قيلت في أبناء المشركين تصب في نفس المعنى تقريبا..
أما حديث خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين فحرمت..الحديث..اعتراضاتك عليه لم تقنعني الصراحة..لأني لا أقول بأن المولود يعرف الحلال والحرام وهو في اللفة..أليس زواج المحارم محرم شرعا..لو فرضنا أن عائلة عاشت في عزلة عن العالم وفي عزلة عن الشياطين -فرضا- ولم يأتهم نذير هل تتصور أن الإبن سيتزوج أخته..قطعا لا..إذن سيسير في طريق الحلال بفطرته إلا إن اجتالتهم الشياطين فتحل ما حرم الله ..وهو واقع في المجتمعات التي تحل زواج المحارم..كما لا يعني هذا الإستغناء عن الرسل والانبياء فمحال ان يعرف شرع الله على حقيقته وتفصيلاته..وسبق وان أشرت لهذه الفكرة وأعيدها كي لا يقع لبس..

هذا لا يجتمع أبدا،
لا علم له ... عنده معلومات
لا علم له ... عنده علم لا يشعر به
أنت تريد أن تقول أننا خلقنا بعلم ما و لكن لا نشعر به و عدم الشعور هو قصد الآية لا تعلمون شيئا
أخي أبو أجمد كلامي مترابط ويشرح بعضه بعضا..وبتقسيمه إلى كلمات يضيع المعنى..كنتُ قد شرحتُ الفكرة بقولي:
(( فالإنسان قد تقوم بنفسه من العلوم والإرادات وغيرها من الصفات ما لا يعلم أنه قائم بنفسه..فإن قيام الصفة بالنفس غير شعور صاحبها بأنها قامت به..فوجود الشيء في الإنسان..غير علم الإنسان به ))
لا أدري إن كان لك اعتراض على هذا الكلام أم لا..فالمسألة هي كما قلت شبيهة بعملية تذكير يقول ابن القيِّم : (( هذا كثير في القرآن ؛ يخبر أنّ كتابه ورسوله مذكّر لهم بما هو مركوز في فطرهم من معرفته ومحبّته وتعظيمه وإجلاله والخضوع له والإخلاص له ، ومحبّة شرعه الَّذي هو العدل المحض ، وإيثاره على ما سواه ))..شفاء العليل 497

قلت هذا سابقا حين ظننت أن التفاسير الثلاثة الأخرى تقول بوجود علم عند المولود و هذا ما لم أجده حقيقة، فلا أحد من أصحاب الأقوال الثلاثة قال بذلك. و كما قلت لك آنفا يا مستفيد أيمكن أن تؤكد أن أصحاب تلك التفاسير قالوا بوجود علم عند المولود؟

نعم وقع الإجماع على التخصيص في الآيتين المذكورتين، و لكن لا يوجد من خصص النفي في الآية محل الشاهد؟ و تلك الأقوال الثلاثة مخصصة للذكر دون النفي. و هذا بين فدقق فيه يا أخي.
هل هناك من ذهب في تفسير الآية إلى ما ذهب به آخرون في آيتي نفي النكرة اللتين ذكرتهما؟
سبق وأن قلت أني لا أحتج بتلك التفاسير لأثبت الفطرة -بالمعنى الذي قلت-..وما جاء ذكرها أي التفاسير إلا لكونك ألغيتها..كما أني لا أتفق معك في طريقتك في الإستدلال..فربط نفي العلم بالعهد او بالسعادة والشقاوة..هو من جهة لا يثبت وجود علم عند المولود كما قلتَ..ولكنه كذلك لا ينفي وجوده ..فتضعف حجتك بالضرورة..

هيهات لما تروم (ابتسامة)
مسألة الرضاعة، تلك المسألة التي كانت تقف عائقا أمام ما أراه في شأن الفطرة زمنا ليس بالقصير، و قد أسديت يا مستفيد لي معروفا لا أنساه بأن حمستني للبحث فيها.
لقد كانت تقلقني بحق، فمن جهة أرى صحة معنى الفطرة كما بيينته لك و من جهة أتعجب لشأن التقام المولود للثدي.
أخشى ان يكون الأمر بالفعل كما أروم..-ابتسامة أعرض-

أتعلم مقصود الشيخ هنا؟ إنه يقصد أن الطفل علمه الله بعد مولده، إذ ما معنى ذكره للآية في هذا الموضع؟ بل ما محل كلامه هذا " لا يستطيع أحد أن يعلم المولود في يومه الأول" إذا لم يكن يرى أن الطفل علمه الله بعد مولده مباشرة؟
إذا كما ترى أخي مستفيد فالرضاعة عند الشيخ تعلمها المولود بعد مولده مباشرة، والله هو من علمه. إذا فليس في هذا دليل على وجود علم عند المولود قبل ولادته، هذا أمر.
وذاك هو قولنا بالمسطرة..فهل كنتَ تظن أخي أبو احمد أني أحاول إثبات علم عند المولود قبل ولادته.. :)..أصلا العبارة متناقضة الحديث عن مولود وهو لم يولد بعد :)
أم تراني أستدل بالرضاعة لأثبت وجود العلم قبل ولادة المولود :)
كل مولود يولد على الفطرة..خلقتُ عبادي حنفاء..
والآن نأتي لذاك العائق الذي ظننتَ انه قد أزيل:

لماذا لا يُعَدُّ التنفس دليلا على علم الولد بحاجته للهواء و أن استنشاقه للهواء يحقق له ذلك؟

أما التنفس فهو تلقائي
أسئلة توضح الفارق في القياس بل وتبطله:
هل يُعد التنفس غريزة ؟..هل سمعتَ يوما بغريزة التنفس ؟
هل تُعد عملية الهضم في المعدة غريزة ؟..هل سمعت يوما بغريزة الهضم ؟
هل الرضاعة غريزة ؟..
الإجابة على الأسئلة الثلاث هي من سيحدد إن كان القياس سليم ام لا..
وفي رأيي غير سليم لأن الغريزة باختصار هو سلوك فطري عقلاني يصدر عن اللاوعي..والتنفس أو الهضم هو عملية بيولوجية بحته لاعقلانية لا يعبر عنها بأنه ""سلوك"" ..وهذا السلوك الفطري هو معضلة بحق حتى لدى دعاة التطور ولو كان بالإمكان تفسيره على شاكلة التنفس والهضم لما قال العالم التطوري Gordon Taylor Rottary في كتابه The great evolution Myster: (( لو تساءلنا عن كيفية ظهور أول سلوك غريزي وعن كيفية توارث هذا السلوك الغريزي لما وجدنا أية إجابة ))..

إذا حتى و إن عدّت الرضاعة أمرا فطريا تنزلا فلا دليل فيها على وجود علوم أولية عند المولود. هي فطرية بمعنى تلقائية أي لاإرادية.
كيف لا يوجد اخي أبو احمد وأنتَ القائل: ((و من جهة أتعجب لشأن التقام المولود للثدي ))..
وحق لك ان تتعجب ففاقد الشيء لا يعطيه..أم تراه يعطيه :)

أبو أحمد العامري
05-20-2014, 11:14 PM
أهلا أخي مستفيد.
الآن و بعد هذا الحوار الممتع معك أخي أقول مختصرا الكلام:
إن المولود حين يولد يكون جاهلا من كل معلومات، و هذا ما تؤكده الأدلة.
و المولود يولد على الفطرة، و الفطرة هي الحنيفية كما جاء في القرآن، و هي الملة كما جاء في الحديث، وهي الإسلام كما فسرها السلف قبل حدوث الإختلاف.
و هذا لا يعني أن المولود حين يولد يكون عالما بهذا الإسلام أو يكون بداخله معلومات أولية عنه.
و هذا ما يبين حاجة الإنسان للعلم و لا بد و لو كان أحد مستغنيا عن التعليم لاستغنى عنه آدم أبو البشر.
و العلم لا يحدث فجأة بل ينمو مع الوقت يوما بعد يوم.
و لو ترك الولد و شأنه بعيدا عن الناس لما عرف شيئا إلا قدر ما يواجه من أمور هذه الحياة.
ثم لماذا يقتصر القائلون بمبدأ الترك و التخلية على معرفة المتروك أن للكون خالقا؟ كان المفروض أن يعرف هذا المتروك أن له خالقا يستحق العبادة و التأليه وحده دون سواه لأن هذا الأمر هو حقيقة الإسلام و الحنيفية و الملة.
و هذا القول في المسألة تعضده الأدلة بدون تكلف يزول معه كل اعتراض و يجيب عن كل سؤال و ينشرح له الصدر.
راجع أخي مستفيد الأمر بكل راحة و ستجد ما أقول لك.
لقد أجبت عن كل اعتراض لك و الحمد لله. و تبقى الاعتراضات التي طرحتها لعلك تجيب عنها أو يجيب عنها أحد الإخوة و شكرا.

أبو أحمد العامري
05-24-2014, 04:54 PM
ربما أعود إلى الموضوع لأبين موقفي مما كتبته مؤخرا أخي مستفيد.

يبقى علي أن أشرح انشراح الصدر للحق و ضيقه للباطل لاحقا.
يتبع إن شاء الله.
أما فيما يخص هذه النقطة ارتأيت أن أفتح لها موضوعا خاصا لاحقا إن شاء الله. فهو من أعظم أدلة الإسلام و حجة على الإلحاد.
و شكرا جزيلا مرة أخرى.