المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تهافت اللاأدرية أمام المنهج القرآني



ابن سلامة القادري
05-07-2014, 11:24 PM
تقود إلى التدهور الأخلاقي والعلمي والحضاري: «اللاأدرية» و«اللايقين»
بقلم : د . محمد عثمان الخشت / 2009-10-05


الأصل الأول لكل تعصب هو اليقين المطلق التي تتسم به بعض المعتقدات اعتمادًا على التسليم دون الاستناد إلى براهين كافية، ودون تمحيص نقدي للأسس التي تقوم عليها.

من هنا يرفض القرآن بحسم اليقين الساذج الذي نلتقي به عند المتطرف، فالمتطرف متعصب لآرائه إلى أبعد الحدود، لا يقبل أن يناقش آراءه ومعتقداته أحد، يعتقد في ذكائه المفرط وقدرته الخارقة على معالجة الأمور. كما يعتقد في سلطة الآباء أو العلماء أو غيرهم من أصحاب النفوذ الديني أو الفكري أو الاجتماعي. وهذه هي طريقة الذين يقولون إن الحق يعرف بالرجال!

ولذا يستنكر القرآن بوضوح التسليم بأقوال السابقين دون الاستناد إلى براهين عقلية يقينية، فقال تعالى: }وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون{ (البقرة:170). فهذا أمر مستهجن وضد مبادئ العقل المنطقي وضد البداهة، لأن المعتقدات ينبغي أن تؤسس على براهين وليس على سلطة الرجال، ولذا قال الإمام علي: «إن الحق لا يعرف بالرجال».

ومن ثم انتبذ القرآن الطريقة المتعصبة في التفكير التي تقوم على التسليم اليقيني المغلق، مثلما انتبذ – من جهة أخرى - الشك المذهبي المطلق لكونه غير مؤسس على برهان ولما تترتب عليه من آثار نفسية وحضارية مدمرة.

ومثلما يستخف القرآن بيقين المتعصبين من ذوي العقول المغلقة، يستخف أيضًا بيقين الملحدين والمنكرين للعقائد الدينية، لأن موقفهم يستند إلى يقين جامد وثقة كاملة في صحة موقفهم وتصوراتهم وفي جزمهم بعدم وجود الله! يا لها من سذاجة! فكيف تنكر وجود كائن ما في حجرة مظلمة وأنت لم تحط علمًا بها! ولله المثلى الأعلى .. فالكون لا يزال حجرة مظلمة أمام العلم الإنساني، ولم يحط الإنسان علمًا به حتى يتمكن من الإنكار!

تأسيس المعتقدات على براهين لا على أدلة ظنية

يؤكد القرآن إمكانية المعرفة اليقينية ووجود معايير لماهية الحقيقة، لكن من جهة أخرى يرفض اليقين المطلق الذي يزعم امتلاكه البعض دون براهين محكمة، حيث ينتقد الأساليب الزائفة غير البرهانية، ويدعو للمعرفة التجريبية المبنية على النظر في الكون والآفاق والنفس، وغير ذلك من الأساليب التي توصل للمعرفة المضبوطة أو العلم الدقيق بالعالم الخارجي أو النص المكتوب.

والعلم اليقيني يحصل عليه الإنسان بوسائل متعددة : الواقع، أو التجريب، أو الاستدلال العلمي، أو القراءة الفاحصة، قال تعالى: }قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ{ (يونس:101) .. }الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{ (العلق: 4 -5).. بل هناك أنماط أخرى غير مألوفة من العلم، منها علم الكتاب.. }قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ{ (النمل:40).

ودعا القرآن الكريم إلى استخدام البرهان للوصول للمعرفة اليقينية: }قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ{ (البقرة: 111)، فحجية العقل المنطقي سند للتمييز بين اليقين والظن في مسائل الإيمان.

ولذا أبطل القرآن ادعاء بعض الفلسفات والأديان التي تقول بأن الإيمان ميدان بعيد عن العقل.. قال تعالى : }وما يعقلها إلا العالمون{ (سورة العنكبوت، 43)، والعالمون هم الذين يملكون أدوات البحث العلمي في الواقع الخارجي أو النص المكتوب ويعرفون طرق البرهان والاستدلال، كما يعرفون قدرات العقل وحدوده والشروط التي تحكم عمله وتبين ما الذي يستطيع العقل أن يعرفه، وما الذي لا يستطيع أن يعرفه، وما هي الطريقة المنضبطة التي يتوصل بها العقل إلى المعارف، فالعقل المنضبط بمعايير البرهنة والاستدلال العلمي له دور لا يُنكر في عملية المعرفة بالواقع أو الكتاب. مع الإقرار بنسبية العقل البشري وتطوره بتطور العلم والمعارف، ومن ثم انتباذ الجمود الأيديولوجي النظري الذي تتسم به التيارات المتعصبة التي تعارض تجديد أمر الدين أو تطور العلوم الإنسانية والطبيعية.

تهافت اللاأدرية والتصدع الذاتي للشك المذهبي

يرفض القرآن موقف الفلسفات اللاأدرية Agnosticism التي تتشكك في كل شيء، وتنكر العلم وتهدم قواعد التفكير المنطقي، وتستبعد إدراك القوانين الموضوعية للطبيعة، تلك القوانين الثابتة التي خلقها الله بقدر }إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ{ (القمر:49). واللاأدرية هي إحدى صور المذهب الشكي، وقد عرف البروفسور توماس هكسلي (عام 1876م) اللاأدري على أنه الذي ينكر الإيمان والإلحاد معًا، ويعتقد أن معرفة وجود إله أو عدمه أمر غير ممكن التيقن منه.

ويختلف المذهب الفلسفي اللاأدري عن المذهب الفلسفي الشكي Skepticism، فالمدرسة اللاأدرية تتسم بموقفها العام القائم على «تعليق الحكم» أي التوقف عن إصدار الأحكام على الأشياء بزعم أن العقل ليس في استطاعته الوصول إلى الحقيقة، فلا يمكنه أن يثبت أو ينفي. وأما فلاسفة الشك خاصة في الأكاديمية الجديدة فقد أكدوا فقط عدم إمكانية الوصول إلى المعرفة اليقينية، لكنهم فرقوا بين المحتمل وغير المحتمل في المعارف، والحكمة والحمق، والخير والشر.

إن اللاأدرية تعكس حالة من السلبية، وتجعل الإنسان لا يهتم بأي شيء، ولا يسعى للوصول إلى المعرفة. وهي تخالف الموقف الإنساني الطبيعي، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون قدر ما من اليقين (بالمعنى الواسع).

والمشكلة الكبرى أن الحجج الهادمة للمعرفة اليقينية انتقلت إلى مجال الأخلاق، ومن ثم تؤدي لا محالة إلى التدهور الأخلاقي والعلمي والحضاري عامة، وتجعل الإنسانية تعجز عن مواصلة كفاحها ضد الخرافة والتخلف والجهل، بل تجعل الإنسان عاجزًا أمام الظلم، وليس لديه رغبة في تغيير العالم نحو الأفضل.

ولا شك أن اللاأدرية توصل المجتمع إلى حالة من العدمية السياسية، إذ تبرر الأنظمة الاستبدادية بوصفها أمرًا واقعًا، ولا يدري الإنسان هل تغييرها أفضل أم لا ، بحجة أنه ربما يكون النظام التالي أسوأ من الحالي.

وكما يقول الفيلسوف نيتشه Nietzche: «لا يوجد هناك أكثر تخديرًا وسكونًا من الذي يقف موقف اللاأدري».

وعلى المستوى الواقعي لعل أفضل رد على اللاأدرية هو الخبرة والممارسة التي يعيشها الإنسان، والتي تجعله على معرفة يقينية ببعض الأمور مثل التمييز بين أنواع الطعام، والبعد عن المهالك والمؤذيات، والإحساس بالألم واللذة، والتمييز بينهما، ومعرفة الفروق بين مذهبهم والمذاهب الأخرى، وأن الكل أكبر من الجزء...إلخ.

وربما تصلح أن تكون اللاأدرية مجرد خطوة منهجية تعبر عن البداية المحايدة، والتشكك في كل المعارف السابقة في بداية طريق البحث، وعدم الانحياز للأفكار الموروثة، على أن يعقبها البحث المنظم عن الحقيقة.

ولعل هذا هو المقصود من قوله تعالى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم: }وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ{ (سـبأ: من الآية 24).

القرآن يمتدح الشك المنهجي

يختلف الشك المذهبي عن الشك المنهجي، فالأول دائم، والثاني مؤقت وهو وسيلة لا غاية حيث يعقبه اليقين. وقديمًا استخدم سقراط وأرسطو نوعًا قريبًا منه في دحض شبهات السوفسطائين من أجل الوصول إلى المعرفة. كما استخدمه القديس أوغسطين (ت 430م).

ويُعد أبو حامد الغزالي رائد الشك المنهجي بمعناه المنضبط في كتابه «المنقذ من الضلال»، لأنه حدد معالمه، وعاش تجربته كاملة معايشة واقعية، على نحو مؤقت، ثم وصل إلى اليقين بالله والنبوة والإسلام.

ولا يرفض القرآن الشك بكل أنواعه ومستوياته، إنه فقط يرفض الشك كمذهب فلسفي متكامل وجذري، ويرفض اللاأدرية كرؤية دائمة للمعرفة، لكنه يدعو إلى الشك المنهجي الذي يبدأ باللاأدرية كمرحلة من مراحل التفكير من أجل الوصول إلى الحقيقة .

ويتجلى هذا بوضوح في عرض القرآن الكريم لقصة إبراهيم عليه السلام عندما شك في معتقدات قومه الوثنية، لكنه لم يقف عند هذا الشك كأمر نهائي مثل الشكاك في العصر الهيلينستي، وإنما واصل السعي نحو الحقيقة، وبالفعل وصل إليها عندما أدرك أن هناك حقيقة واحدة تنتظم كل الوجود، هي الإله الواحد الأحد لا شريك له، والمنزه عن كل ما لا يليق بجلاله وعظيم سلطانه.

فالشكية المنهجية هي مجرد خطوة في عملية التفكير نحو المعرفة المضبوطة، يقول تعالى: }فلما جن عليه الليل رأى كوكبًا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين، فلما رأى القمر بازغًا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكوننّ من القوم الضالين ، فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين{ (الأنعام:76-79).

وهكذا في الوقت الذي يقبل فيه القرآن الشك المنهجي، يرفض اللاأدرية المذهبية، ويرفض أيضًا الشك المذهبي . كما يرفض موقف الذين يتسرعون برفض العقائد الدينية استنادًا إلى عقل ظني، أو الذين يتسرعون بتأويل العقيدة لتوافق آراء غير برهانية.

درجات اليقين

يحدد القرآن درجات ومراتب اليقين، وهي :

- علم اليقين: وهو العلم القائم على البرهان الاستدلالي الذي يتم من خلاله تصور الأمور على ما هي عليه.. }كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ، لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ{.

- عين اليقين: هو اليقين التجريبي الذي لا يشوبه تردد حيث إنه يطابق الواقع نتيجة رؤية العين.. }ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ{.

- حق اليقين: أي اليقين الحق نتيجة المعايشة الكاملة، لأن المعايشة حق لا بطلان فيه ويقين لا ريب فيه، ثم أضيف أحد الوصفين إلى الآخر للتأكيد.. }إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ{. وهو في مقابل اليقين الزائف.

فعلم اليقين ما كان عن براهين واستدلالات محكمة، وعين اليقين ما كان عن رؤية ومشاهدة، وحق اليقين ما كان عن معايشة تامة بكل الجوارح والحواس الظاهرة والباطنة.

هل اليقين تسليم دون تفكير؟

اليقين في الحياة الدنيا ليس تسليمًا دون بحث أو تفكير، بل هو نتاج استدلال الإنسان وتدبره: }وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ{، وهو من ناحية أخرى نتاج تدبير الله للأمر ونتاج تفصيله للآيات الدالة على الحق..}يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ{.

ويرفض القرآن الطريقة المسيحية اللاهوتية القائمة على التسليم في تكوين اليقين الإيماني دون برهان، تلك الطريقة التي تقوم على مبدأ «آمن ثم تعقل».

وطريقة الأنبياء أنفسهم في دعوتهم إلى اليقين الإيماني تبدأ بتقديم الدليل الحاسم على الإيمان، أي أنهم يعتمدون مبدأ «تعقل ثم آمن».

فهذا موسى عليه السلام يقدم المعجزات الحسية، ومن بعده عيسى عليه السلام يسير على الدرب نفسه، كبراهين أو بمعنى أدق أدلة على صدق دينهما، أي أنهما يعولان على الدليل كطريق للاعتقاد، وليس على الإرادة.

وإن كان من الملاحظ أن منهجهما في التدليل غير مباشر لأنه لا يستقي الدليل من داخل الدين نفسه، وإنما من آيات خارجية طارئة هي المعجزات. فهو برهان غير مباشر، أو إذا شئنا الدقة الاصطلاحية هو دليل غير مباشر، لأن البرهان غير المباشر له معنى اصطلاحي لا ينطبق على هذه الحالة، فالبرهان غير المباشر في المنطق هو : «برهان تؤسس فيه صحة المطلوب عن طريق إثبات كذب نقيض المطلوب antithesis. وهو يستخدم عندما لا تكون ثمة حجج للبرهان ... وتنقسم البراهين غير المباشرة إلى نوعين : برهان الخلف والبرهان المنفصل(طريقة الاستبعاد)».

القرآن والبرهنة على اليقين

سلك القرآن طريقة البرهنة المباشرة وغير المباشرة لإيصال المتلقين إلى درجة اليقين بصحته، إذ إن القرآن هو الرسالة وهو نفسه البرهان عليها من حيث كونه معجزًا لا يمكن الإتيان بمثله، فهو برهان مباشر.

كما أن القرآن يستخدم براهين عقلية وتجريبية –تارة مباشرة وتارة غير مباشرة- على قضاياه الإيمانية الكبرى في كل مرة يطرح فيها قضية من هذا النوع، ويدعو المتلقي لفحص هذه البراهين على أسس استدلالية فحصًا موضوعيًا محايدًا، مثل إثبات أن الله تعالى واحد، بقوله: }لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا{ (الأنبياء:22)، هنا يرتب القرآن قضية شرطية، يستثني فيها المقدم ولا يذكر التالي وفق تحليل المناطقة. ويظهر أيضًا البرهان العقلي في قوله تعالى: }قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً{ (الإسراء:42).

وفي قضية الإيمان بالآخرة تارة يستخدم برهانًا عقليًا وتارة يستخدم برهانا تجريبيًا، فالبرهان العقلي مثلاً في قوله تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{ (الروم:27).. في قوله تعالى: }وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ{ (يّـس:78). والبرهان التجريبي في قوله تعالى: }وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) (يّـس:33).

ويقدم القرآن دليلاً على صدقه من التطابق مع وقائع العالم الخارجي.. }سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ{ (فصلت:53).

فضلاً عن عدم وجود تناقض داخلي بين آياته، ولو كان باطلاً لاشتمل على تناقضات كثيرة.. }أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً{ (النساء:82)

ومن ثم فإن الدلالة الموصلة إلى اليقين بصدق القرآن ليست معجزات حسية يقوم بها النبي ذاته، وإنما هي متمثلة في انتهاجه للأسلوب البرهاني في التدليل على صدق قضاياه، ومطابقة الواقع، والاتساق الداخلي.

ومن ثم يتحقق اليقين هنا بثلاثة معايير:

- البرهان المحكم القائم على اللزوم الضروري.

- التطابق مع وقائع العالم الخارجي.

- عدم وجود تناقض داخلي.

وهذه المعايير الثلاثة التي يستخدمها القرآن هي نفسها معايير اليقين في أي علم من العلوم، سواء العلوم الاجتماعية أو الإنسانية أو الطبيعية أو الرياضية، مع تفاوت نسبي بينها في مقدار توظيف كل معيار حسب طبيعة كل علم.

الدكتور قواسمية
05-08-2014, 08:16 PM
لا يوجد شيء اسمه لا أدرية .....
الاأدري يدري جيدا وقد اختار الكفر والالحاد والزندقة والعهر والاباحية ....
هل شعرت ذات يوم بالفرق بين الأدري والملحد...
عندما تقول له ارم نفسك من هاته الشرفة لا يفعل ذلك لاانه يدري أن قوانين الجاذبية والسقوط الحر ستحطم جمجمته
وحين تقول له ضع يدك في النار يدري جيدا أنه سيشتعل
ولكنه كفر بالله و قذف نفسه خالدا مخلدا في النار وهو لا يدري - على حد زعمه-

أبو أحمد العامري
05-08-2014, 09:32 PM
فالإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون قدر ما من اليقين (بالمعنى الواسع).
لهذا يقصرون يقينهم على اللذات الدنيوية، و لولا هذه اللذات لانفتقت قلوبهم في نفس اللحظة التي اتخذوا فيها اللاأدرية مذهبا لشدة الفراغ القاتل، و حينما يقضي أحدهم و طره من تلك اللذات العاجلة لا يجد معنى للحياة فيضع لها حدا بانتحاره.


ولذا أبطل القرآن ادعاء بعض الفلسفات والأديان التي تقول بأن الإيمان ميدان بعيد عن العقل.. قال تعالى : }وما يعقلها إلا العالمون{ (سورة العنكبوت، 43)،
أحسنت، فالعقل ممدوح في القرآن باطلاق و هو سبيل إلى الإيمان


وربما تصلح أن تكون اللاأدرية مجرد خطوة منهجية تعبر عن البداية المحايدة، والتشكك في كل المعارف السابقة في بداية طريق البحث، وعدم الانحياز للأفكار الموروثة، على أن يعقبها البحث المنظم عن الحقيقة.

ولعل هذا هو المقصود من قوله تعالى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم: }وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ{ (سـبأ: من الآية 24).

هو المقصود إذا أريد به تشكيك الكفار في دينهم كبداية لاقتناعهم بالدين الحق


القرآن يمتدح الشك المنهجي
صحيح إن قصدت به تشكيك الكفار في دينهم تمهيدا لاقتناعهم بدين الإسلام، أما إن يمتدح شك المسلمين فلا، بل القرآن ينقلنا من يقين إلى يقين،


ويُعد أبو حامد الغزالي رائد الشك المنهجي بمعناه المنضبط في كتابه «المنقذ من الضلال»، لأنه حدد معالمه، وعاش تجربته كاملة معايشة واقعية، على نحو مؤقت، ثم وصل إلى اليقين بالله والنبوة والإسلام.
هو قبل الشك كان كعامة المسلمين على يقين من دينه، و ما زاده الشك إلا أن دار و طاف ثم عاد إلى يقين العجائز، اللهم إلا ما جربه من مزالق الشك حتى يحذر منه غيره لا أن يكون رائدا له كما تقول أو داعيا له،
و أسألك أخ ابن سلامة ماذا لو مات الشيخ أبو حامد فترة شكه الذي وصفه لنا؟


شك في معتقدات قومه الوثنية
نعم هذا هو المطلوب من الكفار، و لكن لا أدري إن كان إبراهيم عليه السلام على يقين بمعتقدات قومه حتى يشك بها،


«آمن ثم تعقل»

«تعقل ثم آمن»
لا هذه و لاتلك،



- التطابق مع وقائع العالم الخارجي.

- عدم وجود تناقض داخلي.

أجدت في هذه، فلا تناقض داخلي في القرآن كما أنه لا فطور في الخلق،
و ايضا لا تناقض بين الآيات القرآنية مع الآيات الكونية لأن الكل من عند الواحد الأحد، و الله يدعو للتدبر في آياته المتلوة و التأمل في آياته الكونية،

و شكرا على العموم،