المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منطق الايمان بالله



زيد الجزائري الجزائر
05-17-2014, 02:35 PM
كم يعلم الجميع ان الفلسفة اليونانية كانت مؤمنة بالطبيعة المادية في عصورها الأولى بعيدة عن قضية الدين إلا ما اقتضته المرحلة من عبادة آلهة اليونان والوثنية التي كانت سائدة آنذاك يقول مؤرخو الفلسفة اليونانية إن الفيلسوف آنكسجوراس هو صاحب أول خطوة خطت بالفلسفة من المادة والوثنية والتجسيدية إلى أن هناك عقلا حكيما مدبرا يسلك بالمادة سبيلا سويا إلى غاية معلومة وهكدا بدأت الفلسفة تفرق بين المادة المجسدة والقوة العقلية المجردة المتحكمة ولم يكن يعتقد ألوهية العقل وإنما كان يراه هو من رتب الموجودات وأبرزها وميزها ولذلك كان الحكماء في عصره يسمونه بالعقل وكان اليونانيون يؤلهون الشمس والقمر والكواكب وكان آنكسجوراس يعلن أن القمر أرض فيها جبال ووديان وأن الكواكب كالأجسام الأرضية فكانت ضربة قوية وموجعة لفكرة الوثنية فقاموا بمحاربته وقتله والديانة اليونانية تطورت من عبادة الآلهة المشهورة آنذاك أبلون، وذوس، وليتو، وأوقانوس، وهيرا، وعفروديت وغيرها إلى الإيمان بالله عن طريق عدد من الفلاسفة منهم فيثاغورس وآنكسجوراس، وسقراط، وأفلاطون وغيرهم، وإن كان إيمانهم يتناسب مع أحوالهم الفكرية والاجتماعية والإرث النابع من اجتهادات وتأملات عميقة وبعضهم تأثر بالأنبياء الذين عاصروهم في دلك الزمن وهذا التطور نشهده في أنواع الفكر البشري حيث تتغير المفاهيم والافكار وتتجدد الآراء والاجتهادات وتتمخض المراحل عن مذاهب جديدة ممتدة من الماضي إلى الحاضر ولا يستثنى من ذلك الفكر الديني الذي هو اجتهاد بشري يتغير بتغير أدوات الإنسان وتجاربه واكتشافه لجوانب أخرى من المفاهيم كانت غائبة عنه رغم أن الدين ثابت بنصوصه وتعاليمه
والفلاسفة أنفسهم يعترفون ويقرون بأن كثيرا من أفكارهم قابلة للتغيير والتطور والنقد ولم نجد غضاضة عند اليونانيين من اختلاف أفلاطون مع أستاذه سقراط واختلاف أرسطو مع أستاذه أفلاطون واختلاف الفلاسفة فيما بينهم انطلاقا من القضايا السطحية وصولا إلى الجذرية وهو دليل واضح على إيمانهم بأن ما ينتج من أفكارهم قابل للأخذ والرد
من هنا نستغرب من أهل الإلحاد ويحق لنا ان نستغرب من هؤلاء القوم الذين اتجهوا وساروا بطريقة عكسية للمسار الفكري الذي سلكه أئمة الفلاسفة القدماء وكثير من المحدثين ثم يريدون أن يجعلوا من الفلسفة قوة برهانية يستندون إليها في إثبات إلحادهم هيهات لهم فالوجود الإلهي عند الفلاسفة ينطلق من جانبين أساسيين جانب مادي برهاني منطقي تجريبي يأتي بالنظر والبحث العلمي لإثبات وجود الله وجانب تجريدي روحي على هيئة الكشف الصوفي يأتي بالتأمل والتخلية والرياضة الروحية وكلا الجانبين موجودان لدى الفلاسفة لإثبات وجود الخالق لهذا الكون
وجميع الديانات الوثنية إما أنها جعلت شريكا مع الله أو أنها اتخذت إلها غير الله ولكنها لم تذهب إلى العدمية بهذا الشكل لأن جميع التجارب الروحية والعلمية على حد سواء لا يمكن بأي حال من الأحوال مهما انحرفت في النتائج أن تثبت كونا وخلقا بلا إله حتى لو ذهبت إلى متوهم تصنعه بيدها أو في خيالها فمن أين ينطلق الملحد في إلحاده ليس لذلك تفسير علمي بعد أن أطبقت العقول المعتبرة الكبرى على استحالة وجود بلا موجد إلا تفسيرا واحدا هو العقلية الوهمية التي جاءت من منطلقات غير سوية لا من جهة الإثبات العلمي التجريبي ولا من جهة الإثبات الكشفي الروحي
وهذه العقليات الإلحادية العدمية تتبنى جانبا ممانعا لأنها جاءت من بيئات سيئة أو ظروف مثلها في السوء وقبل أن نوجه اللوم إلى الملحد علينا أن نبحث عن الظروف الخفية التي عايشها قبل أن يعلن إلحاده مهما ظهر علينا بعقلية قوية مجادلة أو منطق يعتاص على النقاش لأن هذه الحالة هي في حقيقتها حالة رفض قبل أن تكون حالة عطاء فكري أو إثبات حقيقة قائمة أي أن الأمر باختصار يعود إلى قلق نفسي وغبش ذهني يزول بالتدريج إذا كان الملحد بعيدا عن الغرور ورؤية النفس والتعالي على الاعتراف بالحق حين تتضح النتائج وهذا التدرج عاشه كثير من عباقرة البشرية كحالة نفسية انتهت إلى اليقين بعد عذاب الشك الذي قد يطول أو يقصر والله عز وجل يمهل المستريب فإن كان صادقا في البحث عن الحقيقة فتح له باب اليقين وإن كان متكبرا على الحق دخل في قوله سبحانه:»سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق.