المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صيحةُ تحذير وصرخةُ نذيرٍ .. د.محمد إسماعيل المُقَدَّم



الفرصة الأخيرة
06-27-2006, 03:04 PM
صَيْحَةُ تَحْذِير
وَصَرْخَةُ نَذِيرٍ

لفضيلة الشيخ/الدكتور
محمد أحمد إسماعيل المقدم
عفا الله عنه



الدعوة السلفية
Omar_rahal2005@yahoo.com










الحمد لله العليم بخلقه ، القائل في محكم كتابه: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] . الرحيم بهم ، ون رحمته أنزل شريعته ناصحة لهم ، ومُصلحة لمفاسدهم ، ومُقوّمة لاعوجاجهم ، ومن ذلك ما شرع من التدابير الوقائية ، والإجراءات العلاجية التي تقطع دابر الفتنة بين الرجال والنساء ، وتُعين على اجتناب المُوبقات رحمةً بهم ، وصيانة لأعراضهم ، وحماية لهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .
وبيَّن لهم أن غايةَ الشيطان في هذا الباب أن يُوقع النوعين في حضيض الفحشاء!! لكنه يسلك في تزيينها ، والإغراء بها مسلك التدرج , عن طريق خطوات يقود بعضها إلى بعض ، وتُسلم الواحدة منها إلى الأخرى ، وهي المعنيَّة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21].
والصلاة والسلام على الصادق الأمين , المبعوث رحمةً للعالمين ، القائل: " ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء " ( ) .
والقائل: " فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " ( ) ، الذي حذرنا من خطوات الشيطان إلى إشاعة الفساد , خصوصًا ما أضلَّ به كثيراً من العباد من تزيين التبرج ، وإشاعة الفاحشة ، وإطلاق البصر إلى ما حـرَّم الله ، ومصافحة النساء الأجنبيات ، وسفر المرأة بدون مَحرَم ، وخروجها متطيبة متعطرة , وخضوعها بالقول للرجال ، وخلوتها بهم واختلاطها معهم.
وحول هاتين الأخريين: الخُلوة ، والاختلاط تدور هذه الرسالة تذكرةً لمن كان له قلب , أو ألقى السمعَ وهو شهيد , وتبصرة لمن خاف عذاب الآخرة ، {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود: 103] .


محمد بن أحمد إسماعيل المقدم.
الإسكندرية



أولاً: الخلوة

ما هي الخلوة المحرمة ؟
هي أن ينفرد رجل بامرأة أجنبية ( ) عنه ، في غيبة عن أعين الناس ، وهي من أفعال الجاهلية , وكبائر الذنوب .
ما هو الدليل على تحريمها ؟
* ما رواه ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: سمعت النبي r يخطب يقول: " لا يخلُونَّ رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو محرم " ( ).
* وما رواه عامر بن ربيعة- رضي الله عنه- أن رسول الله r قال: " ألا لاَ يخلُونَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان " ( ) ، وهذا يعم جميع الرجال , ولو كانوا صالحين أو مسنين, وجميع النساء , ولو كنَّ صالحات أو عجائز .

وعن جابر- رضي الله عنه- أن النبي r قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها , فإن ثالثهما الشيطان " ( ) .
* وعنه –رضي الله عنه-أيضاً عن النبي r قال: " لا تلجُو على المغيبات , فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم " ( ) .
أي: لا تدخلوا على النساء اللاتي غاب أزواجهن , بسفر ونحوه .
وقد تكون القرابة إلى المرأة أو زوجها سبيلاً إلى سهولة الدخول عليها أو الخلوة بها , كابن العم وابن الخال مثلاً , ولذلك حذرنا النبي r من ذلك لأنه من مداخل الشيطان , ومسارب الفساد .
فعن عقبة بن عامر-رضي الله عنه-أن رسول الله r قال: " إياكم والدخول على النساء , فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله ! أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت " ( ) .
والحمو هو قريب الزوج , الذي لا يحل للمرأة , كأخيه وابن عمه , فبينَّ النبي r أنه يفسد الحياة الزوجية , كما يُفسد الموت البدن .
قال الأبِّي-رحمه الله-: (( لا تُعرِّضُ المرأةُ نفسَها بالخلوة مع أحد , وإن قلّ الزمن , لعدم الأمن لاسيما مع فساد الزمن , والمرأة فتنة , إلا فيما جُبلت عليه النفوس من النفرة من محارم النسب )) ( ) ا.هـ.
فالحمكة من تحريم الخلوة هي: سد الذّريعة إلى الفاحشة أو الاقتراب منها , حتى يظل المرء واقفاً على مسافة بعيدة قبل أن يفضي إلى حدود الجريمة الأصلية , {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] .


ثانياً: الاختلاط

ماهو الاختلاط ؟
هو اجتماع الرجل بالمرأة التي ليست بمحرم له اجتماعاً يؤدي إلى ريبة , أو: هو اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد , يمكنهم فيه الاتصال فيما بينهم بالنظر , أو الإشارة , أو الكلام , أو البدن من غير حائل أو مانع يدفع الريبة والفساد .

ما هي أدلة تحريم الاختلاط ؟
أولاً: من القرآن الكريم:
* قول الله سبحانه وتعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] , فخير حجاب للمرأة بيتها .
* وقوله جلَّ وعلا: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53] .
ثانياً: من السنة الشريفة:
* قول رسول الله r: " المرأة عورة , فإذا خرجت استشرفها الشيطان , وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها " ( ) .
* وعن أبي أسيد , مالك بن ربيعة-رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله r , يقول وهو خارج من المسجد , وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق: " استأخِرن , فليس لكنّ أن تَحققن الطريق , عليكن بحافات الطريق , فكانت المرأة تلصقُ بالجدار , حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به " ( ) .
ومعنى تَحْقُقْنَ: أي تذهبن في حاق الطريق , وهو الوسط , كما في حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- قال رسول الله r: " ليس للنساء وسط الطريق " ( ) .

وقد أفرد r في المسجد باباً خاصًّا للنساء يدخلن , ويخَرجن منه , لا يُخالطهن , ولا يُشاركهن فيه الرجال .
فعن نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله r قال: " لو تركنا هذا الباب للنساء ؟ قال نافع: فلم يدخلمنه ابنُ عمر حتى مات " ( ) .
وعن نافع مولى ابن عمر-رضي الله عنهما- قال: (( كان عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-ينهى أن يُدخَل المسجد من باب النساء )) ( ) .
* ومن ذلك: تشريعه للرجال إماماً ومؤتمين ألاَّ يخرجوا فور التسليم من الصلاة , إذا كان بالصفوف الأخيرة بالمسجد نساء , حتى يخرجن , وينصرفن إلى دورهن قبل الرجال , لكي لا يحصل الاختلاط بين الجنسين-ولو بدون قصد- إذا خرجوا جميعاً .
قال أبو داود في " سننه ": ( باب إنصراف النساء قبل الرجال من الصلاة ) , ثم ساق حديث أم سلمة-رضي الله عنها-قالت: " كان رسول الله r , إذا سلم مكث قليلاً , وكانوا يرون أن ذلك كيما يَنفذ النساء قبل الرجال " ( ) .
ورواه البخاري أيضاً , وفيه:
قال ابن شهاب: " فُترى-والله أعلم-لكي ينفذ من ينصرف من النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم " ( ) أي الرجال .
وعن أم سلمة-رضي الله عنها- قالت: " كانَ يُسلِّم فينصرفُ النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله r " ( ) .

وروي النسائي: " أن نساء كنَّ إذا سلّمن قمنَ , وثبت رسول الله r , ومن صلى من الرجال ما شاء الله , فإذا قام رسول الله r , قام الرجال " ( ) .
قال الحافظ ابن حجر: " وفي الحديث... كراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات , فضلاً عن البيوت " ( ) اهـ .
* وعن أم حميد الساعدية , أنها جاءت إلى رسول الله r فقالت: يا رسول الله إني أحبُّ الصلاة معك !! فقال: " قد علمت أنكِ تُحبّين الصلاة معي , وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك , وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك , وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك , وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي " ( ) .
وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-أن رسول الله r قال: " لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد , وبيوتهن خير لهن " ( ) .
وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله r: " خير صفوف الرجال أولها , وشرّها آخرها , وخير صفوف النساء آخرها , وشرّها أولها " ( ) .
وهذا كله في حال العبادة والصلاة التي يكون فيها المسلم أو المسلمة أبعد ما يكون عن وسوسة الشيطان وإغوائه , فكيف بما عداها ؟! .

عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: " شهدت الفطر مع النبي r , وأبي بكر , وعمر , وعثمان-رضي الله عنهم- يصلون قبل الخطبة , ثم يخطب بعد , خرج النبي r كأني أنظر إليه حين يُجَلِّسُ بيده , ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء " ( ) . الحديث .
وفي رواية مسلم: " يُجَلِّسُ الرجال بيده " , وذلك كي لا يختلطوا بالنساء .
ولقد حرصت الصحابيات على عدم الاختلاط حتى في أشدّ المساجد زحاماً , وفي أشد الأوقات زحامًا , موسم الحج بالمسجد الحرام .
فلقد كانت أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- تطوف محجوزاً بينها وبين الرجال بثوب , لا تخالطهم , فقالت لها امرأة: " انطلقي نستلم يا أم المؤمنين " تعني: هيَّا نقبل الحجر الأسود , فقالت لها: عنكِ وأبت ( ) , يعني حتى لا تخالط الرجال .
وكانت النساء في عهده r , إذا أردن دخول الكعبة المشرفة , يقفن إلى أن يخرج الرجال , ثم يدخلن إذا خرجوا .
ودخلت على عائشة-رضي الله عنها- مولاة لها , فقالت لها: " يا أمّ المؤمنين , طُفْتُ بالبيت سبعاً , واستلمتُ الركن مرتين أو ثلاثاً " , فقالت لها عائشة-رضي الله عنها-: لا آجَرَكِ الله , تدافعين الرجال ؟! ألا كبَّرتِ , ومررتِ ؟! " ( ) .
وعن إبراهيم النخعي , قال: " نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء , قال: فرأى رجلاً معهن فضربه بالدِّرِّة ( ) , والدِّرِّة: التي يُضربُ بها .
ولقد حطَّ الله عن النساء الجمعة , والجماعة , والجهاد , وجعل جهادهن لا شوكة فيه , وهو الحج المبرور , من أجل أن أفضل أحوالهن الستر والقرار في البيوت , وأداء رسالتهن السامية من وراءِ الحجاب .

من ثمرات الاختلاط :

قال الإمام ابن القيم الجوزية- رحمه الله-:
" ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشرّ , وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة , كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة , واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا , وهو من أسباب الموت العام , والطواعين المتصلة " ( ) اهـ .
أضف إلى هذا شيوع الطّلاق , وتفشّي التبرّج بالزينة , وانعدام الغيرة , واضمحلال الحياء , وفساد الأخلاق , وتعسير غضّ البصر , وتيسير زنا العين , والتسبب في بلاء العشق الذي يتلف الدنيا والدين .

من صور الاختلاط الحرم:
1- اختلاط الأولاد الذكور والإناث- ولو كانوا إخوة بعد التمييز في المضاجع ، فقد أمر النبي r ، بالتفريق بينهم في المضاجع .
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما-قال رسول الله r: " مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع " ( )
2- اتخاذ الخدم الرجال ، واختلاطهم بالنساء وحصول الخلوة بهن ، رُوى في بعض الآثار أن فاطمة-عليها السلام- لما ناولت ابنها أنسًا قال: " رأيت كفًّا " ( ) يعني أنه لم يَرَ وجهًا ، وقد كان أنس-رضي الله عنه- خادماً للنبي r وكان يعيش عنده كأحد من أهله .
3- اتخاذ الخادمات اللائي يبقين بدون محارم ، وقد تحصل بهن الخلوة .
4- السماح للخطيبين بالمصاحبة والمخالطة التي تجر إلى الخلوة ، ثم إلى ما لا تحمده عقباه ، فيقع العبث بأعراض الناس بحجة التعارف ومدارسة بعضهم بعضًا .
5- استقبال المرأة أقارب زوجها الأجانب ، أو أصدقائه في حال غيابه ، ومجالستهم .
6- الختلاط في دور التعليم ، كالمدراس والجامعات والمعاهد والدروس الخصوصية .
7- الاختلاط في الوظائف ، والأندية ، والموصلات ، والأسواق ، والمستشفيات ، والزيارات بين الجيران ، والأعراس ، والحفلات .
8- الخلوة في أي مكان ولو بصفة مؤقتة كالمصاعد ، والمكاتب ، والعيادات وغيرها .

فيا أولياء النساء والزوجات والبنات:
تذكروا: أنكم موقوفون بين يدي الله تعالى غداً ، ومسؤولون عنهن ، قال رسول الله r: " الرجل راعٍ على أهله وهو مسؤول عن رعيته " .
احذروا: " الخلوة ، والاختلاط ، والتبرج " فإنها والزنى رفيقان لا يفترقان ، وصنوان لا ينفصمان غالباً .
واعلموا: أن الستر والصيانة هما أعظم عون على العفاف والحصانة ، وأن احترام القيود التي شرعها الإسلام في علاقة الجنسين هو صمام الأمن من الفتنة والعار ، والفضيحة والخزي .
احذروا: أجهزة الفساد السمعية منها والبصرية التي تغزوكم في عقر داركم ، وهي تدعو نسائكم وأبناءكم إلى الافتتان ، وتُضعفُ منهم الإيمان ، وقد قيل: حسبك من شرٍّ سماعُه ، فكيف رؤيته؟! صونوا بناتكم وزوجاتكم ولا تتهاونوا فتعرضوهن للأجانب .
إن الرجال الناظرين إلى النسا مثل السباع تطوف باللحمان .
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها أُكـلت بلا عوضٍ ولا أثمان .

إن الأعراض إذا لم تُصنْ بهذه الحصون والقلاع ، ولم تحصن بالأسوار والسدود ، فتسقط-لا محالة- أمام هذه الهجمة الشرسة ، ويقع المحظور ، ولا ينفع حينئذ بكاء ولا ندم ، والتبعة كل التبعة ، واللوم أولاً وأخيراً على وليِّ البنت الذي ألقى الحبل على غاربه ، وأرخى لابنته العنان ، فيداه أوكتا ، وفوه نفخ:
نعبَ الغرابُ بما كرهـ ولا إزالـة للقـــدر .
تبكي وأنـت قتلتهـا اصبرو إلا فانتحـــر .
* * *
أتبكـي على لبنى وأنت قتلتها لقد ذهبت لبنى فما أنت صانع ؟!

فتش عن الثغرة:
إن جعبة الباحثين والدارسين لظاهرة الاختلاط حافلة بالمآسي المخزية ، والفضائح المشينة ، التي تمثل صفعة قوية في وجه كل من يجادل في الحق بعدما تبين .
وإن الإحصائيات الواقعية في كل البلاد التي فيها الاختلاط ناطقة بل صارخة بخطر الاختلاط على الدنيا والدين ، لخصها العلامة/ أحمد وفيق باشا العثماني ، الذي كان سريع الخاطر ، حاضر الجواب عندما سأله بعض عُشَرائه من رجال السياسة في أوربا ، في مجلس بإحدى تلك العواصم قائلاً: ( لماذا تبقى نساء الشرق محتجبات في بيوتهن مدى حياتهن ، من غير أن يخالطن الرجال ، ويغشين مجامعهن؟ ) ..
فأجابه في الحال قائلاً: ( لأنهن لا يرغبن أن يلدن من غير أزواجهن ) .
وكان هذا الجواب كصب ماء بارد على رأس هذا السائل ، فسكت على مضض كأنه ألقم الحجر( ).

ولما وفعت فتنة الاختلاط بالجامعة المصرية ، كان ما كان من حوادث يندى لها الجبين ، ولما سئل " طه حسين " عن رأيه في هذا ، قال: ( لابد من ضحايا (1) ! ، ولكنه لم يبين: "بماذا" تكون التضحية ؟ و" في سبيل ماذا " لابد من ضحايا ؟! .
وأي ثمرة ممكن أن تكون أغلى وأعز وأثمن من أعراض المسلمين .
فتبًّا لهؤلاء المستغربين ، وسحقاً سحقاً لعبيد المدنية الزائفة الذين أطلقوا لبناتهم ونسائهم العنان يسافرون دون محرم ، ويخلون بالرجال الأجانب ، مُدَّعين أن الظروف تغيرت ، وأن نا اكتسبته المرأة من التعليم ، وما أخذته من الحرية يجعلها موضع ثقة أبيها وزوجها ، فما هذا إلا فكر خبيث دَلَفَ إلينا ليفسد حياتنا ، وما هي إلا حجج واهية ينطق بها الشيطان على ألسنة هؤلاء الذين يتهاونون في الخلوة والاختلاط الآثم بدعوى أنهم رُبُّوا على الاستجابة لنداء الفضيلة ورعاية الخلق ، مثل قوم وضعوا كمية من البارود بجانب نار متوقدة ، ثم ادعوا أن الانفجار لا يكون لأن على البارود تحذيراً من الاشتعال والاحتراق ... إن هذا خيال بعيد عن الواقع ، ومغالطة للنفس ، وطبيعة الحياة وأحداثها .
والآن نستطيع- بكل قوة – أن نجزم بحقيقة لا مراء فيها ، وهي أنك إذا وقفت على جريمة فيها نهش العرض ، وذبح العفاف ، وأهدر الشرف ، ثم فتشت عن الخيوط الأولى التي نسجت الجريمة ، وسهَّلت سبيلها ، فإنك حتمًا ستجد أن هناك ثغرة حصلت في الأسلاك الشائكة التي وضعتها الشريعة الإسلامية بين الرجال والنساء ، ومن خلال هذه الثغرة ... دخل الشيطان! وصدق الله العظيم:{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)} [النساء:27-28] .

تمت الرسالة والحمد لله رب العالمين .

وجزى الله خيراً كلَّ من نشرها ، وأذاعها نصيحة للمسلمين ، وقد قال رسول الله r: " الدال على الخير كفاعله " .


--------
( ) رواه من حديث أسامة بن زيد-رضي الله عنهما-البخاري ومسلم والترمذي .
( ) رواه من حديث أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-مسلم وابن ماجه .
( ) المرأة الأجنبية: هي غير المَحرمَ , والمَحْرمَ: كل من حرم تزوجها على التأبيد , وتحريمها إما بالنسب , أو بالرضاع , أو بالمصاهرة , فالمحرمات بالنسب: الأمهات , ثم البنات , ثم الأخوات , ثم العمات , والخالات , ثم بنات الأخ , وبنات الأخت , ويحرم من الرضاع كل ما يحرم من النسب . أما المحرمات بسبب المصاهرة: فزوجة الأب , وزوجة الابن , وأمّ الزوجة ( وهذه تحريم بمجرد العقد على ابنتها ) , وبنت الزوجة ( وهذه لا تحرم إلا بالدخول بالأم ) .
وعلى هذا من الأجنبيات على الرجل ابنة كل من: عمه , وعمته , وخاله , وخالته .
وزوجة كل من: عمه , وخاله , وابن أخيه , وابن أخته , وكذا أخت زوجته وابنة الصديق والجار , وهكذا .
( ) رواه البخاري ومسلم .
( ) رواه أحمد والترمذي , وقال: " حسن صحيح " والحاكم , وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي .
( ) رواه أحمد .
( ) رواه الترمذي .
( ) رواه البخاري ومسلم والترمذي .
( ) إكمال إكمال المعلم ( 3/436 ) .
( ) رواه الترمذي , وقال: "حسن غريب" وابن حبان , ورواه الطبراني في الكبير , وابن عدي واللفظ لهما .
( ) رواه أبو داود .
( ) رواه ابن حبان .
( ) رواه أبو داود .
( ) رواه أبو داود وإسناده منقطع .
( ) رواه أبو داود .
( ) رواه البخاري .
( ) رواه البخاري .
( ) انظر: فتح الباري (2/336) .
( ) فتح الباري (2/336) .
( ) رواه أحمد والطبراني , وابن خزيمة , وابن حبان .
( ) رواه أحمد وأبو داود .
( ) رواه مسلم , وأبو داود , والترمذي , والنسائي .
( ) رواه الشيخان .
( ) رواه البخاري .
( ) رواه الإمام الشافعي في مسنده .
( ) عزاه الحافظ إلى الفاكهاني كما في الفتح (3/480) .
( ) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية (ص281) .
( ) رواه أبو داود .
( ) انظر: تكملة فتح القدير ( 8/98) .
( ) الفتن للبيافوني ( ص214 ) .




المصدر (http://saaid.net/book/open.php?cat=6&book=2028)