شهاب المسلم
08-07-2014, 11:05 PM
النسبية هي وضع فلسفي يرى كل وجهات النظر أنها صحيحة شرعية متساوية، فكل الحقائق نسبية إلى الفرد. وهذا يعني أن كل الأوضاع الأخلاقية، وكل الأنظمة الدينية، وكل الأشكال الأدبية، وكل الحركات السياسية هي حقائق نسبية للفرد.
وأول عبارة واضحة عن النسبية ظهرت في قول أفلاطون:" تظهر الأشياء لي، كما توجد بالنسبة لي، وتظهر الأشياء للآخرين، كما توجد بالنسبة لهم" فالنسبية تقرر أنه لا يوجد هناك حقيقة موضوعية، فما أراه هو الحقيقة بالنسبة لي، وما تراه هو الحقيقة بالنسبة لك، فلا يوجد خطأ.
ففي النسبية ليس هناك أحد يقول أن منهجي وطريقي هو المنهج الصحيح الوحيد لذا يجب أن لا نقهر أحد على قبول منهج ما أو طريقة معينة. فمنهج الإرساليات التبشيرية والعسكرية انتهى.
وفي النسبية مقياس السلوك هو ذواتنا، فما هو الحق والعدل في عين شخص ربما لا يكون حقاً وعدلاً في عين شخص آخر. ولا أحد يستطيع أن يزعم أنه هو على الحق والصواب أو الحقيقة المطلقة. والاختلاف في الحقائق يعود إلى اختلاف الرؤية والوضع الملائم للشخص. فمثلاً في أمريكا يقودون السيارة على اليمين وفي بريطانيا وأستراليا على اليسار، فهذا اختلاف في الأشكال والأساليب ولكنهم يشتركون في وضع ضوابط وقوانين تضبط حركة السير ، فكذلك الإنسانية لا يمكن أن تعيش دون ضوابط وإن كان هناك اختلاف في الوسيلة والأسلوب .
والفلسفة النسبية منتشرة في ثقافة الفكر الغربي المعاصر متمثلة في رفض الإله والحقيقة المطلقة. وقد أدت هذه الفلسفة إلى انتشار الأمراض الأخلاقية فقد شجعت الفرد إلى أن يقبل الشذوذ الجنسي والإباحية والتفسخ ونشر الرذيلة. فمبدأ: كل فرد على حق. أو بعبارة أخرى: لا توجد حقيقة مطلقة. أو: هذا حق عندك وليس عندي وعبارات أخرى غير منطقية شبيهة لهذا المعنى المقصود منها تسويغ أعمال الرذيلة وإعطائها نوعاً من القبول الذاتي والاجتماعي.
يقول "سيمون" أحد الفلاسفة الغربيين المعاصرين: " إذا نحن تخلينا عن أي سلطة فوق الطبيعة فإننا سنواجه قوانين أنشاءناها بأنفسنا، وعليه يظهر التفكير أن القوانين أنشئت بطرق مختلفة بأناس مختلفين في أزمان متفاوتة، وفي أي حالة، وليس هناك حقيقة واحدة وإنما هناك فقط حقائق مختلفة لمجتمعات متباينة " هذه هي فكرة النسبية وذلك أن "الحقائق الأخلاقية تتفاوت تبعاً للفرد والزمان والظروف"
وتحت المظلة النسبية تصنف المجموعات وفق التالي:
أ ـ النسبية المعرفية: وهي تؤكد أن كل الحقائق نسبية. وهذا يعني أنه لا توجد هناك حقيقة أكثر مصداقية من الأخرى وبالتالي لا يوجد مقياس موضوعي للحقيقة، ونتيجة طبيعة أن تنكر وجود إله مطلق.
ب ـ النسبية الأخلاقية: كل الأخلاقيات نسبية داخل المجموعة الاجتماعية التي يتكون فيها.
جـ ـ النسبية الوضعية: كل أخلاقيات الصواب والخطأ يعتمد على الوضع التي تعيشه.
النسبية المعرفية:
تؤكد النسبية المعرفية أن كل الحقائق نسبية. وهذا يعني أنه لا يوجد نظام حقيقي محدد أكثر صحة ومصداقية من نظام آخر، ولا يوجد مقياس موضوعي للحقيقة. ولذلك من الطبعي أن تنكر حقيقة وجود إله مطلق. وكذلك تنكر أن التفكير العقلي يمكن أن يكتشف الحقيقة ويؤكدها. وإن كانت النسبية المعرفية لا تنكر وجود اختلافات في الثقافات المتنوعة؛ بل تؤكد ذلك، إلا إنها في المقابل لا يوجد هناك نظام ابستميولوجي (طريقة معرفة الأشياء) أعلى من نظام آخر. وبالطبع هذا يؤدي إلى إدحاض ذاتي وذلك بزعمها أن مبدئها للحقيقة النسبية هو حقيقة مطلقة وأنها تستخدم لتحديد النسبية المعرفية بأنها حق.
النسبية الأخلاقية:
النسبية الأخلاقية تعني عدم وجود أخلاق مطلقة، فليس هناك صواب وخطأ أخلاقي. فالنسبية تسمح للأشخاص بأن يتبنوا الأخلاقيات التي يريدونها كما يتبنون الثقافة والمعرفة. وإنكار الأخلاقيات المطلقة هو إنكار للقيم الإيمانية التي تقرر أصول أخلاقية يجب أن يتحلى بها المرء. فإذا كانت الأخلاق تتغير مع مضي الوقت فإن هناك إشكالية تناقضية ذاتية داخل المنظور النسبي، فمثلاً الاسترقاق كان مباحاً لدى الأمريكان ويرونه أمراً مقبولاً لا يتعارض مع القيمة الأخلاقية ثم مع مرور الوقت منعوا الاسترقاق واعتبروه عملاً غير أخلاقي. وقد تتغير وجهة نظرهم في المستقبل فتعاد فكرة قبول الاسترقاق وأنه لا يتصادم مع القيم الأخلاقية، فكيف نقول أن الاسترقاق حق أم باطل؟ فلا شك أن هذا يحدث مجموعة من التناقضات في القضية الواحدة هل هي حق أم باطل؟
النسبية الأخلاقية تجعل المجتمع هش سريع الانحلال والذوبان، فالأخلاق هي الرابط الاجتماعي كالرابط العنصري في تماسك المجتمع، لذا لابد أن تكون هناك قضايا أخلاقية مجمع على صوابها أو خطأها. فالرشوة وإن كانت قضية إيمانية فهي كذلك قضية أخلاقية، فلابد أن يكون هناك اتفاق جمعي بأنها عمل مشين يؤدي إلى فساد المجتمع وينبغي أن ترفض من الكل.
انتشار المذهب النسبي:
إلا أن هناك تساؤل: لماذا النسبية اكتسبت لها مكانة رفيعة في المجتمع الحديث؟ في الواقع يوجد هناك عدة عوامل ساهمت في قبول النسبية:
أولاً: النجاح العملي زاد في اعتقاد فكرة أن الإجابات الحقيقية توجد في العلم. لذا يعتقد كثير من الناس أن ما يقولونه العلماء ـ مهما يكن ذلك القول ـ هو صحيح. وإذا لم يستطع العلم أن يجد جواباً لشيء ما فإنه ببساطة ستكتشف الحقيقة لاحقاً. فالناس يؤمنون بالعلم والمطلق فقط فيما نعرفه الآن. والذي ربما يكون غير حقيقي لاحقاً. وهذا يقوض الحقيقة المطلقة.
ثانياً: مع القبول الواسع لنظرية التطور، فالإله أُزيح بعيداً خارج المنظومة الفكرية، وبدون اعتقاد وجود الإله المقرر للحقيقة والباطل فإن الإنسان سيكون بديلاً عن الإله ويقرر ويعتقد ما هو الحق وما هو الباطل.
ثالثاً: نحن نواجه ثقافات متنوعة ومتفاوتة، وهذا الاتجاه يجعلنا أكثر انسجاماً وقبولاً مع فكرة وجود أكثر من طريق لعمل شيء ما. والإيمان بتعدد الثقافات لا يشترط ببطلان هذه الفكرة لكنه يعمل على تقويض أو إنكار الحقيقة المطلقة.
رابعاً: زيادة الفلاسفة النسبيين وخصوصاً المنتمين إلى حركة العصر الجديد الذين يقولون: أنه لا يوجد حقيقة مطلقة، وأن كل شيء بإمكانه أن يخلق واقعه.
خامساً: التحرر من القيم الأخلاقية ، والقيود الاجتماعية فالنسبية تقرر مذهب دعه يعمل ما يشاء.
نقض النسبية:
لا يمكن لأي مجتمع أن يعيش دون حقائق مطلقة مشتركة بين أفراد مجتمعه ، فبدون الحقيقة المطلقة لن يكون هناك تماسك اجتماعي وسينشأ الصراع والنزاع وستصدم الآراء ويحدث الانشراخ الاجتماعي والتمزق الثقافي وبالتالي يؤدي إلى ضعف المجتمع وسقوطه.
من الطبعي أن يحدث هناك اختلاف في تقييم الأشياء واختلاف في كيفية التعامل معها ولكن يظل هذا الاختلاف والتفاوت في ظل مظلة عامة متفق عليها. فقد يختلف الآباء في تربية أبنائهم ولكنهم في الغالب يتجهون إلى نفس الهدف. فالحقيقة العامة متفق عليها ولكن الأساليب في التعامل مع هذه الحقيقة قد يختلف.
والاختلاف في قيادة السيارة لا يؤثر على المعنى الأساسي للقيادة أو يمنع من وجود قوانين للقيادة. وقس على ذلك عادات وأعراف الناس فقد تختلف ولكنها تتفق في المعنى العام. وهذه القضية أمر مسلم به وليست من النسبية التي تؤدي إلى انعدام الحقيقة المطلقة؛ بل هذا اختلاف في الأساليب والوسائل وليس في المعاني والغايات.
إن الاختلاف في الأساليب لا يعني هذا أنه لا يوجد حقيقة مطلقة، ولو قلنا باختلاف الممارسات الفردية فإنه لن توجد هناك أرضية مشتركة بين الناس، وميزان يحكمون فيه الصواب والخطأ، والحق والباطل. ولتنازعوا الناس في حكم الكذب والسرقة والاغتصاب، ولتنازعوا في تقرير القضايا العقلية والعلمية كنتيجة (1+1=2) . ولتنازعوا في الموجودات والمعدومات، فهل الموجود موجود، وهل المعدوم معدوم.
إن الحقائق المطلقة كثيرة جداً لا يستطيع العقل أن يردها وهي تشهد على زيف النسبية فمن ذلك أن الإنسان لا يوجد نفسه من العدم فهذه حقيقة مطلقة.
وهنا يتجه سؤال: لو كانت وجهات النظر الأخلاقية كلها صواب، فهل يكون لنا الحق في معاقبة شخص ما؟ وهل لنا الحق في إصدار حكم على أمر ما بأنه خاطئ؟ فلكي نقول أن ذلك الشخص مخطئ فإنه يجب أولاً أن يكون لدينا مقياس نفرق بيه بين الصواب والخطأ كي نحكم على الأشخاص، فلو كان هذا المقياس بُني على النسبية فلن يكون لدينا مقياس مطلقاً. ففي السببية، مقياس الصواب والخطأ مشتقة من القيم الاجتماعية. فإذا تغيرت القيم الاجتماعية تغير المقياس تبعاً لذلك؛ وبالتالي لا يمكن لأحد أن يحكم على شخص بالصواب والخطأ إذ يمكن أن يكون هذا الخطأ صواباً في المستقبل!
وبما أن النسبية هي وضع فلسفي يرى أن كل وجهات النظر صحيحة وأنها نسبية للفرد، فإن هذه الوضعية الفلسفية تحمل التناقضات في طياتها
أولاً: كل الحقائق نسبية: إذا كانت الحقيقة نسبية؛ فإن عبارة " كل حقيقة نسبية" تعتبر عبارة مطلقة، والنسبية ترفض المطلق، فالعبارة متناقضة في ذاتها فبالتالي ليست كل الأشياء نسبية وعليه فعبارة " كل حقيقة نسبية" خاطئة. والقول أن " كل حقيقة نسبية" يرفضه الواقع، فهناك حقائق كثيرة مطلقة لا تحمل النسبية بالاتفاق، فالشمس محرقة، والسماء فوقنا، والإنسان ناطق نامي وغير ذلك من الحقائق التي يعجز القلم عن إحصائها.
ثانياً: ما كان حقاً لديك ليس حقاً لدي: فأقول: أن الحق لدي أن النسبية باطلة، فإذا قلت لي: لا هذا ليس صحيحاً. فهذا يلغي المبدأ الذي قررته النسبية أي ما كان حقاً عندي ليس حقاً وبالتالي فالنسبية باطلة؟
وإذا قلت: نعم وأقررت بقولي، فالنسبية باطلة.
وإذا قلت: إن ذلك حقاً فقط عندي أن النسبية باطلة، فإن هذا يعني أنني أعتقد ببطلان النسبية، وإذا كان اعتقادي صحيحاً، فكيف يمكن أن تكون النسبية صحيحة.
ثالثاً: لا أحد يستطيع أن يعرف أي شيء من غير شك: إذا كان هذا صحيحاً، فإننا نعرف أننا لا نستطيع نعرف أي شيء من غير شك، فبالتالي معرفتنا هنا مطلقة وهذا دحض ذاتي.
رابعاً: النسبية غير قادرة على إنكار ما يتناقض مع الحقيقة ذاتها. النسبية تحمل التناقض الذاتي، فالكل لديه الحقيقة فلا ينبغي أن يكون هناك إقناع الآخرين بما تحمله من أفكار ومعتقدات فما تراه أنت حقيقة لا يحق لك أن تقنعهم لأن يرون ما لديك هو الحقيقة. فالنسبية لديها خاصية منطقية غريبة يرفضها الممارسة الواقعية، فالتطبيق الواقعي للنسبية أنها تملك الحقيقة وما عداها من أفكار ورؤى خاطئة فهي تمنع من يناقضها
وأول عبارة واضحة عن النسبية ظهرت في قول أفلاطون:" تظهر الأشياء لي، كما توجد بالنسبة لي، وتظهر الأشياء للآخرين، كما توجد بالنسبة لهم" فالنسبية تقرر أنه لا يوجد هناك حقيقة موضوعية، فما أراه هو الحقيقة بالنسبة لي، وما تراه هو الحقيقة بالنسبة لك، فلا يوجد خطأ.
ففي النسبية ليس هناك أحد يقول أن منهجي وطريقي هو المنهج الصحيح الوحيد لذا يجب أن لا نقهر أحد على قبول منهج ما أو طريقة معينة. فمنهج الإرساليات التبشيرية والعسكرية انتهى.
وفي النسبية مقياس السلوك هو ذواتنا، فما هو الحق والعدل في عين شخص ربما لا يكون حقاً وعدلاً في عين شخص آخر. ولا أحد يستطيع أن يزعم أنه هو على الحق والصواب أو الحقيقة المطلقة. والاختلاف في الحقائق يعود إلى اختلاف الرؤية والوضع الملائم للشخص. فمثلاً في أمريكا يقودون السيارة على اليمين وفي بريطانيا وأستراليا على اليسار، فهذا اختلاف في الأشكال والأساليب ولكنهم يشتركون في وضع ضوابط وقوانين تضبط حركة السير ، فكذلك الإنسانية لا يمكن أن تعيش دون ضوابط وإن كان هناك اختلاف في الوسيلة والأسلوب .
والفلسفة النسبية منتشرة في ثقافة الفكر الغربي المعاصر متمثلة في رفض الإله والحقيقة المطلقة. وقد أدت هذه الفلسفة إلى انتشار الأمراض الأخلاقية فقد شجعت الفرد إلى أن يقبل الشذوذ الجنسي والإباحية والتفسخ ونشر الرذيلة. فمبدأ: كل فرد على حق. أو بعبارة أخرى: لا توجد حقيقة مطلقة. أو: هذا حق عندك وليس عندي وعبارات أخرى غير منطقية شبيهة لهذا المعنى المقصود منها تسويغ أعمال الرذيلة وإعطائها نوعاً من القبول الذاتي والاجتماعي.
يقول "سيمون" أحد الفلاسفة الغربيين المعاصرين: " إذا نحن تخلينا عن أي سلطة فوق الطبيعة فإننا سنواجه قوانين أنشاءناها بأنفسنا، وعليه يظهر التفكير أن القوانين أنشئت بطرق مختلفة بأناس مختلفين في أزمان متفاوتة، وفي أي حالة، وليس هناك حقيقة واحدة وإنما هناك فقط حقائق مختلفة لمجتمعات متباينة " هذه هي فكرة النسبية وذلك أن "الحقائق الأخلاقية تتفاوت تبعاً للفرد والزمان والظروف"
وتحت المظلة النسبية تصنف المجموعات وفق التالي:
أ ـ النسبية المعرفية: وهي تؤكد أن كل الحقائق نسبية. وهذا يعني أنه لا توجد هناك حقيقة أكثر مصداقية من الأخرى وبالتالي لا يوجد مقياس موضوعي للحقيقة، ونتيجة طبيعة أن تنكر وجود إله مطلق.
ب ـ النسبية الأخلاقية: كل الأخلاقيات نسبية داخل المجموعة الاجتماعية التي يتكون فيها.
جـ ـ النسبية الوضعية: كل أخلاقيات الصواب والخطأ يعتمد على الوضع التي تعيشه.
النسبية المعرفية:
تؤكد النسبية المعرفية أن كل الحقائق نسبية. وهذا يعني أنه لا يوجد نظام حقيقي محدد أكثر صحة ومصداقية من نظام آخر، ولا يوجد مقياس موضوعي للحقيقة. ولذلك من الطبعي أن تنكر حقيقة وجود إله مطلق. وكذلك تنكر أن التفكير العقلي يمكن أن يكتشف الحقيقة ويؤكدها. وإن كانت النسبية المعرفية لا تنكر وجود اختلافات في الثقافات المتنوعة؛ بل تؤكد ذلك، إلا إنها في المقابل لا يوجد هناك نظام ابستميولوجي (طريقة معرفة الأشياء) أعلى من نظام آخر. وبالطبع هذا يؤدي إلى إدحاض ذاتي وذلك بزعمها أن مبدئها للحقيقة النسبية هو حقيقة مطلقة وأنها تستخدم لتحديد النسبية المعرفية بأنها حق.
النسبية الأخلاقية:
النسبية الأخلاقية تعني عدم وجود أخلاق مطلقة، فليس هناك صواب وخطأ أخلاقي. فالنسبية تسمح للأشخاص بأن يتبنوا الأخلاقيات التي يريدونها كما يتبنون الثقافة والمعرفة. وإنكار الأخلاقيات المطلقة هو إنكار للقيم الإيمانية التي تقرر أصول أخلاقية يجب أن يتحلى بها المرء. فإذا كانت الأخلاق تتغير مع مضي الوقت فإن هناك إشكالية تناقضية ذاتية داخل المنظور النسبي، فمثلاً الاسترقاق كان مباحاً لدى الأمريكان ويرونه أمراً مقبولاً لا يتعارض مع القيمة الأخلاقية ثم مع مرور الوقت منعوا الاسترقاق واعتبروه عملاً غير أخلاقي. وقد تتغير وجهة نظرهم في المستقبل فتعاد فكرة قبول الاسترقاق وأنه لا يتصادم مع القيم الأخلاقية، فكيف نقول أن الاسترقاق حق أم باطل؟ فلا شك أن هذا يحدث مجموعة من التناقضات في القضية الواحدة هل هي حق أم باطل؟
النسبية الأخلاقية تجعل المجتمع هش سريع الانحلال والذوبان، فالأخلاق هي الرابط الاجتماعي كالرابط العنصري في تماسك المجتمع، لذا لابد أن تكون هناك قضايا أخلاقية مجمع على صوابها أو خطأها. فالرشوة وإن كانت قضية إيمانية فهي كذلك قضية أخلاقية، فلابد أن يكون هناك اتفاق جمعي بأنها عمل مشين يؤدي إلى فساد المجتمع وينبغي أن ترفض من الكل.
انتشار المذهب النسبي:
إلا أن هناك تساؤل: لماذا النسبية اكتسبت لها مكانة رفيعة في المجتمع الحديث؟ في الواقع يوجد هناك عدة عوامل ساهمت في قبول النسبية:
أولاً: النجاح العملي زاد في اعتقاد فكرة أن الإجابات الحقيقية توجد في العلم. لذا يعتقد كثير من الناس أن ما يقولونه العلماء ـ مهما يكن ذلك القول ـ هو صحيح. وإذا لم يستطع العلم أن يجد جواباً لشيء ما فإنه ببساطة ستكتشف الحقيقة لاحقاً. فالناس يؤمنون بالعلم والمطلق فقط فيما نعرفه الآن. والذي ربما يكون غير حقيقي لاحقاً. وهذا يقوض الحقيقة المطلقة.
ثانياً: مع القبول الواسع لنظرية التطور، فالإله أُزيح بعيداً خارج المنظومة الفكرية، وبدون اعتقاد وجود الإله المقرر للحقيقة والباطل فإن الإنسان سيكون بديلاً عن الإله ويقرر ويعتقد ما هو الحق وما هو الباطل.
ثالثاً: نحن نواجه ثقافات متنوعة ومتفاوتة، وهذا الاتجاه يجعلنا أكثر انسجاماً وقبولاً مع فكرة وجود أكثر من طريق لعمل شيء ما. والإيمان بتعدد الثقافات لا يشترط ببطلان هذه الفكرة لكنه يعمل على تقويض أو إنكار الحقيقة المطلقة.
رابعاً: زيادة الفلاسفة النسبيين وخصوصاً المنتمين إلى حركة العصر الجديد الذين يقولون: أنه لا يوجد حقيقة مطلقة، وأن كل شيء بإمكانه أن يخلق واقعه.
خامساً: التحرر من القيم الأخلاقية ، والقيود الاجتماعية فالنسبية تقرر مذهب دعه يعمل ما يشاء.
نقض النسبية:
لا يمكن لأي مجتمع أن يعيش دون حقائق مطلقة مشتركة بين أفراد مجتمعه ، فبدون الحقيقة المطلقة لن يكون هناك تماسك اجتماعي وسينشأ الصراع والنزاع وستصدم الآراء ويحدث الانشراخ الاجتماعي والتمزق الثقافي وبالتالي يؤدي إلى ضعف المجتمع وسقوطه.
من الطبعي أن يحدث هناك اختلاف في تقييم الأشياء واختلاف في كيفية التعامل معها ولكن يظل هذا الاختلاف والتفاوت في ظل مظلة عامة متفق عليها. فقد يختلف الآباء في تربية أبنائهم ولكنهم في الغالب يتجهون إلى نفس الهدف. فالحقيقة العامة متفق عليها ولكن الأساليب في التعامل مع هذه الحقيقة قد يختلف.
والاختلاف في قيادة السيارة لا يؤثر على المعنى الأساسي للقيادة أو يمنع من وجود قوانين للقيادة. وقس على ذلك عادات وأعراف الناس فقد تختلف ولكنها تتفق في المعنى العام. وهذه القضية أمر مسلم به وليست من النسبية التي تؤدي إلى انعدام الحقيقة المطلقة؛ بل هذا اختلاف في الأساليب والوسائل وليس في المعاني والغايات.
إن الاختلاف في الأساليب لا يعني هذا أنه لا يوجد حقيقة مطلقة، ولو قلنا باختلاف الممارسات الفردية فإنه لن توجد هناك أرضية مشتركة بين الناس، وميزان يحكمون فيه الصواب والخطأ، والحق والباطل. ولتنازعوا الناس في حكم الكذب والسرقة والاغتصاب، ولتنازعوا في تقرير القضايا العقلية والعلمية كنتيجة (1+1=2) . ولتنازعوا في الموجودات والمعدومات، فهل الموجود موجود، وهل المعدوم معدوم.
إن الحقائق المطلقة كثيرة جداً لا يستطيع العقل أن يردها وهي تشهد على زيف النسبية فمن ذلك أن الإنسان لا يوجد نفسه من العدم فهذه حقيقة مطلقة.
وهنا يتجه سؤال: لو كانت وجهات النظر الأخلاقية كلها صواب، فهل يكون لنا الحق في معاقبة شخص ما؟ وهل لنا الحق في إصدار حكم على أمر ما بأنه خاطئ؟ فلكي نقول أن ذلك الشخص مخطئ فإنه يجب أولاً أن يكون لدينا مقياس نفرق بيه بين الصواب والخطأ كي نحكم على الأشخاص، فلو كان هذا المقياس بُني على النسبية فلن يكون لدينا مقياس مطلقاً. ففي السببية، مقياس الصواب والخطأ مشتقة من القيم الاجتماعية. فإذا تغيرت القيم الاجتماعية تغير المقياس تبعاً لذلك؛ وبالتالي لا يمكن لأحد أن يحكم على شخص بالصواب والخطأ إذ يمكن أن يكون هذا الخطأ صواباً في المستقبل!
وبما أن النسبية هي وضع فلسفي يرى أن كل وجهات النظر صحيحة وأنها نسبية للفرد، فإن هذه الوضعية الفلسفية تحمل التناقضات في طياتها
أولاً: كل الحقائق نسبية: إذا كانت الحقيقة نسبية؛ فإن عبارة " كل حقيقة نسبية" تعتبر عبارة مطلقة، والنسبية ترفض المطلق، فالعبارة متناقضة في ذاتها فبالتالي ليست كل الأشياء نسبية وعليه فعبارة " كل حقيقة نسبية" خاطئة. والقول أن " كل حقيقة نسبية" يرفضه الواقع، فهناك حقائق كثيرة مطلقة لا تحمل النسبية بالاتفاق، فالشمس محرقة، والسماء فوقنا، والإنسان ناطق نامي وغير ذلك من الحقائق التي يعجز القلم عن إحصائها.
ثانياً: ما كان حقاً لديك ليس حقاً لدي: فأقول: أن الحق لدي أن النسبية باطلة، فإذا قلت لي: لا هذا ليس صحيحاً. فهذا يلغي المبدأ الذي قررته النسبية أي ما كان حقاً عندي ليس حقاً وبالتالي فالنسبية باطلة؟
وإذا قلت: نعم وأقررت بقولي، فالنسبية باطلة.
وإذا قلت: إن ذلك حقاً فقط عندي أن النسبية باطلة، فإن هذا يعني أنني أعتقد ببطلان النسبية، وإذا كان اعتقادي صحيحاً، فكيف يمكن أن تكون النسبية صحيحة.
ثالثاً: لا أحد يستطيع أن يعرف أي شيء من غير شك: إذا كان هذا صحيحاً، فإننا نعرف أننا لا نستطيع نعرف أي شيء من غير شك، فبالتالي معرفتنا هنا مطلقة وهذا دحض ذاتي.
رابعاً: النسبية غير قادرة على إنكار ما يتناقض مع الحقيقة ذاتها. النسبية تحمل التناقض الذاتي، فالكل لديه الحقيقة فلا ينبغي أن يكون هناك إقناع الآخرين بما تحمله من أفكار ومعتقدات فما تراه أنت حقيقة لا يحق لك أن تقنعهم لأن يرون ما لديك هو الحقيقة. فالنسبية لديها خاصية منطقية غريبة يرفضها الممارسة الواقعية، فالتطبيق الواقعي للنسبية أنها تملك الحقيقة وما عداها من أفكار ورؤى خاطئة فهي تمنع من يناقضها