مشاهدة النسخة كاملة : منهجية الرد على منكرى النبوة
القلم الحر
08-11-2014, 07:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
من اروع ما طالعت رد منهجى على كتاب الشخصية المحمدية المنسوب للرصافى
و هو رد بديع منيع يعلمنا كيف نفكر تفكيرا سويا و نكتشف المغالطات
القلم الحر
08-11-2014, 07:58 PM
يرى الكاتب، معروف الرصافي، أنَّ الغاية التي يرمي إليها محمد (ص) من الدعوة إلى توحيد الله الذي لا شريك له، هي إحداث نهضة عربية دينية اجتماعية سياسية: عربيةَ المبدأ، عالمية المنتهى( ). واستدلَّ على ذلك بما جاء في سيرة ابن هشام وفي السيرة الحلبية، وما ادِّعاءُ محمد (ص) الرسالة والوحي، وما التشدُّدُ على قومه في موضوع الشرك بالله إلاَّ لتوحيدهم وتكوين قوَّة منهم، قادرة على تحقيق غايته. ولـمَّا كانت الوحدة الدينية مجرَّدة وغير كافية لإنهاضهم، جعل لها من المرغِّبات المادية والمعنوية، واعتمد في دعوته على المكوِّنات الأساسية لشخصيته، مثل: الذكاء، وقوة الخيال، وعمق التفكير، بالإضافة إلى ما تلقَّاه من أهل الكتاب، وما اكتسبه أثناء أسفاره الكثيرة، وما تعلَّمه أيضا من الأعجميِّ من المعاني التي كان يركِّبها ويصوغها بلسان عربي مبين( )، على أنَّها وحي من الله.
وعلى الرغم من التكذيب الواضح للرسالة المحمدية يصرِّح الكاتب بأنَّ محمدا (ص)صادق في كلِّ ما قاله، ليس لأنَّ أقواله مطابقة للواقع، بل لأنـَّه كان مصلحا لا يريد إلاَّ المصلحة العامَّة. وما الصدق إلاَّ موافقة المصلحة العامَّة وإن خالف الواقع، والكذب هو ما خالف المصلحة العامة وإن وافق الواقع( ).
ومن خلال دراستنا التحليلية النقدية توصَّلنا إلى اكتشاف نقائص كثيرة في مواقف الكاتب، من أبرزها ما يلي:
أ.التناقضات.
ب.المغالطات.
ج. الأحكام المسبقة
د. مسألة تحتاج إلى توضيح.
يتبع باذنه تعالى
د. هشام عزمي
08-12-2014, 09:38 AM
متابع أخي القلم الحر ..
القلم الحر
08-12-2014, 02:03 PM
شكرا لمروركم الكريم
muslim girl1432
08-12-2014, 02:51 PM
متابعة باذن الله
القلم الحر
08-13-2014, 01:47 AM
مرحبا بك
القلم الحر
08-13-2014, 01:49 AM
أ. التناقضات:
من خلال التحليل النقديِّ لصفحات كتاب الشخصية المحمدية، أو اللغز المقدس، ظهرت تناقضات كثيرة، سنكتفي بعرض بعضها كعينة:
التناقض الأول
حول صفات الشخصية المحمدية
وصف الكاتب الرسول بمجموعة من الصفات المميزة لشخصيته، أهمها:
1. «محمد بن عبد الله عظيم عظماء البشر»( ).
2. «أعظم رجل عرفه التاريخ»( ).
3. «أنَّ تلك الشخصية العظمى التي يمثِّلها شخص محمد بن عبد الله في بني آدم قد اجتمع فيها من عناصر الكمال البشريِّ ما لم يعرف التاريخ اجتماعه في أحد قبله»( ).
إنَّ ما يجمع بين هذه الصفات الثلاثة للشخصية المحمدية، كما يصفها الكاتب، هي صفة الكمال البشريِّ، الذي لم يعرف التاريخ شخصا اتصف به قبله. ولا يجادل أحد في أنَّ صفة الصدق هي من أهمِّ صفات - أو مكونات - الكمال البشريِّ، بالإضافة إلى صفة الأمانة، وصفة العدل. وهي صفات عُرف بها محمد (ص)، وشهد له بها من عرفه، حتى أعداؤه.
لنقارن هذه المجموعة من الصفات بمجموعة أخرى ذكرها الكاتب نفسه، وهي:
1. «اخترع محمد كلمة التوحيد»( ).
2. «تفـنَّن بآياته القرآنية ما شاء الخيال أن يتفنن في وصف الجنة»( ).
3. «كان يطلب الملك والسلطان لقريش من وراء دعوته الدينية»( ).
ما يجمع بين عناصر هذه المجموعة الثانية هو صفة الكذب؛ لأنـَّه اخترع كلمة التوحيد، واخترع القرآن بقوَّة خياله، وقال: هو وحي من الله، ولم يوح إليه شيء: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إليَّ ولم يوح إليه شيء".»( ).
إذن، من يدَّعي الوحي وهو في الحقيقة لم يوح إليه شيء فهو كاذب، وأكبر ظالم، وخائن للأمانة. فإذا كان الكمال البشري من صفاته: الصدق، والعدل، والأمانة. وهي صفات مناقضة للكذب، والظلم، والخيانة. فكيف يكون محمد بن عبد الله صادقا وعادلا وأمينا، ثم كاذبا وظالما وخائنا في آن واحد؟
هل يمكن للباحث عن الحقيقة أن يقع في هذا التناقض!
بن حيان
08-13-2014, 10:34 AM
رائع ما شاء الله تبارك الله
استمر أخي
القلم الحر
08-14-2014, 01:32 PM
موقف الكاتب من بعض المصادر
إنَّ الاستعمال المفرط الملحوظ لبعض المصادر، والاعتماد عليها بصورة غير نقدية، في إصدار أحكام قطعية وُثوقِية، في مسائل دقيقة وحسَّاسة في آن واحد، أمر يحتاج إلى عملية تحليلية موضوعية.
فعلى سبيل المثال، وقعت الإشارة في الهوامش إلى السيرة الحلبية مائة مرَّة تقريبا، تليها سيرة ابن هشام.
أمَّا المصادر والمراجع الأخرى المختصَّة في هذا الموضوع مثل: كتب التفسير، وكتب الحديث المشهورة، فلم يعتمد عليها إلاَّ قليلا.
إنَّ هذه الملاحظة تدفعنا إلى طرح السؤال حول القيمة العلمية الحقيقية لهذا الصنف من المصادر المعتمد عليها بصورة تكاد تكون كلية.
والغريب في هذا الموضوع أنَّ الكاتب نفسه تساءل عن القيمة العلمية للمصدرين المذكورين، وأجاب بما يلي:
1. «الذي يتعلق بسيرة محمد فإنه إنَّما كتب ودُوِّن في الصحف على عهد أبي جعفر المنصور، الخليفة الثاني من العباسيين، والذي كتبه هو محمد بن إسحاق، صاحب المغازي والأخبار، ومنه أخذ من جاء بعده من الرواة وكُتَّاب السير، فكلهم فيما كتبوا عيال عليه.... فمحمد بن إسحاق لم يُدون ما دونه من أخبار السير المحمدية إلاَّ بعد أن مرَّ عليها من الزمن ما يزيد على مائة سنة، وقد كانت هذه الأخبار في هذه المدة كلِّها تنقلها الرواة، وتلوكها ألسنتهم، فكانت... ملعبَ أهوائهم، ومسرح تحزُّباتهم المذهبية والسياسية، حتى وقع فيها من الزيادة والنقص ما وقع، وجرى فيها من التغيير والتبديل ما جرى... وتجد في الأمر الواحد روايتين، إحداهما تقول بالنفي والأخرى بالإثبات... ويُستثنى من ذلك القرآن، فإنـَّه جُمع في عهد الخليفة الأول أبي بكر، وكُتب في المصاحف في عهد الخليفة عثمان»( ).
2. «الرواية لا تفيد العلم»( ).
3. «لا شكَّ أنَّ الخبر إذا تداولته الرواة، وطال سيره بينهم من فم إلى أذن، وطال عليه الأمد في سيره وانتقاله بينهم، كان عُرضة للتغيير والتبديل، بسبب ما يكون في الرواة من سوء فهم، ومن ضعف حفظ، ومن ضيق وعي، وبسبب ما يعتريهم من ذهول ونسيان»( ).
لقد أجاب الكاتب من خلال هذه النصوص بعبارات دقيقة وواضحة، عن القيمة العلمية للروايات المدوَّنة في كتب السيَر، والتي بنى عليها أحكامه عن الشخصية المحمدية في كلِّ جوانبها، وهذا يدفعنا إلى طرح السؤال الآتي: لماذا اعتمد الكاتب على المصادر المذكورة، وهو يعلم علم اليقين أنَّها لا تفيد العلم؟
لا وجود لإجابة موضوعية لهذا السؤال، وبالتالي فالتناقض واضح بين الاعتماد المفرط على الروايات في إصدار الأحكام وبين نفي القيمة العلمية عنها.
فهل التناقض هو الوسيلة المناسبة للوصول إلى الحقيقة؟!
القلم الحر
08-14-2014, 01:35 PM
حياكم الله اخى بن حيان
القلم الحر
08-14-2014, 01:36 PM
التناقض الثالث
حول موقف الكاتب من الشرك بالله
يتحدد موقف الكاتب من الشرك بالله من خلال مجموعة من المقدِّمات منها:
1. الشرك بالله جعل الناس منقسمين إلى أكثرية عابدة لأقلية معبودة، وهو نوع من السقوط الإنساني من طور أعلى إلى طور أدنى، ومن مضارِّه شقاء العابد ونعيم المعبود( ).
2. القضاء على الشرك بالله يستلزم التوحيد، أي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أي الرُقيَّ الإنساني من طور أدنى إلى طور أعلى، أو التحرُّر من عبودية المخلوق إلى عبودية الخالق، وهي عبودية شريفة، وفائدتها لا تكون إلاَّ لهم( )، "إنَّ الله غني عن العالمين"
3. للناس في عبوديتهم لله فائدتان:
أ. التحرُّر من المضارِّ المترتبة عن العبودية لغير الله.
ب. اتجاه النفس في جميع أحوالها إلى الأصل الذي تفرَّعت منه، والذي هو مرجعها في المنتهى( ): "وإليه ترجعون"( ).
إنَّ هذه المقدمات التقريرية تثبتها الوقائع التاريخية ولا جدال حولها، ونستطيع التعبير عنها بالصيغتين اللزوميتين التاليتين:
- الشرك بالله مضار اجتماعية وسياسية ونفسية.
- التوحيد (نفي الشرك) فواد اجتماعية وسياسية ونفسية.
لو تمسَّك الكاتب بما تقدَّم لكان موقفه من الشرك بالله واضحا، لكنَّ انتقاله المفاجئ إلى مقدِّمات جدلية إشكالية، جعل موقفه من الشرك بالله غامضا، ولتوضيح ذلك سنعرض عيِّنة من المقِّدمات الجدلية، منها:
1. مهما كانت العبودية لله شريفة فإنَّ هناك مرتبة أعلى منها، وهي مرتبة الفناء في الحقيقة اللانهائية، التي هي ذات الله، وعنوان هذه المرتبة (لا موجود إلا الله)، وهي المعبَّر عنها عند فلاسفة الإسلام بـوحدة الوجود( ).
إنَّ الطابع الجدليَّ الإشكاليَّ لهذه المقدمة لا يحتاج إلى توضيح، فهي محلُّ جدل بين المتكلمين والفلاسفة والمتصوِّفة، انقسموا حولها إلى فرق ومذاهب شتى، كفَّر بعضهم بعضا؛ لأنـَّها قد تؤدِّي إلى دعوى الحلول أو الاتحاد، كما قد تؤدِّي إلى الشرك بالله.
2. لقد عبَّر محمد عن وحدة الوجود في القرآن بقوله: "هو الأول والآخر والظاهر والباطن"( ). هذه المقدمة مبنية على تفسير خاصٍّ للآية القرآنية الكريمة، يجعلها تدعم مبدأ وحدة الوجود، وهي مقدِّمة ذات طابع جدلي؛ لأنَّ هذا التفسير غير مقبول من قبل بعض المفسرين على الأقل.
3. إنَّ الغاية التي يرمي إليها محمد من الدعوة إلى توحيد الله... هي إحداث نهضة عربية دينية اجتماعية سياسية( ).
ويستنتج الكاتب هذه المقدمة من بعض الروايات المدونة في كتب السيرة المحمدية، ومن المعلوم أنَّ هذه الروايات لا تفيد العلم
فسه، وبالتالي فهي مقدمة جدلية.
4. إذا علمتَ ما يريد محمد من وراء دعوة قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، علمتَ سبب تشديده عليهم إنكار الشرك بالله( ).
هذه المقدِّمة تجعل محاربة الشرك بالله وسيلة لخدمة الغاية السياسية والاجتماعية، وليست غايةً (إرجاع النفس الإنسانية إلى أصلها الذي تفرَّعت منه، وتحريرها من عبودية المخلوق) ( )، وطابعها الجدلي واضح لا يحتاج إلى شرح أو تحليل.
وبناءً على هذه المقدمات الجدلية يستنتج الكاتب نتيجة غريبة مناقضة لموقفه السابق من الشرك بالله، وما يترتب عنه من الأضرار المادية والمعنوية، إذ يقول: «إنَّ الشرك بالله لا يضرُّ الناس شيئا، كما أنـَّه لا يضرُّ الناس مضرَّة مادية، وإن كان عبثا مُزريا بهم»( ). وهو تناقض صريح، إذ ينفي ما تقرَّر سابقا بالنسبة إلى الشرك بالله.
إنَّ الوقوع في هذا التناقض ناتج عن الانتقال من مقدِّمات تقريرية إلى مقدِّمات جدلية.
القلم الحر
08-15-2014, 12:11 PM
التناقض الرابع
موقف الكاتب من الرسالة المحمدية
يتضح موقف الكاتب من الرسالة المحمدية من خلال المقدمات الآتية:
1. كلُّ الروايات المدونة في كتب السيرة المحمدية تعرَّضت للتحريف وللزيادة والنقصان، ويُستثنى القرآن الكريم من ذلك( ).
هذه المقدِّمة تثبت سلامة القرآن الكريم من التحريف، وتنفي الاعتماد على كتب السيرة بسبب التحريف الذي تعرَّضت له.
2. «كان محمد واسع الخيال قويَّه جدا... فإذا تفكر في أمرٍ تخيَّله وتصوَّره، وأخذ يصوِّره للعيان حتى يكون كأنه يراه بعينيه، ويسمعه بأذنيه، ويلمسه بيديه»( ).
3. «وأعظم دليل على سعة خياله وقوَّته ما جاء في القرآن... من وصف الجنة وجهنم... ولا ريب أنَّ الجنة التي وصفها محمد بأوصافها الباهرة المعلومة إنَّما هي من بنات خياله الواسع»( ).
. «ومن الدليل على قوَّة خياله ...ما جاء في الأخبار عن بدء الوحي من رؤيته جبريل في أفق السماء»( ).
5. يرى الكاتب أنَّ محمدا (ص)لم ير جبريل في أفق السماء، بل في ذهنه ونفسه، وسمع منه ما كان يفكر فيه( ).
إنَّ هذه المقدمات تنفي - صراحةً - الوحي من الله إلى الرسول (ص) بواسطة جبريل، أو بأيِّ طريقة أخرى. وتُرجِع ما جاء في القرآن الكريم إلى قوَّة خيال محمد (ص).
ويستدل الكاتب على صدق مقدِّماته ببعض الأمثلة على سعة خيال محمد وقوته، منها على سبيل المثال: وصف الجنة وجهنم، وتخيل جبريل عليه السلام...
ويعتبر الكاتبُ هذه الأمثلة أدلة على قوة خيال محمد وسعته، فهو يرى المثال دليلا، وهذا مرفوض لغويا ومنطقيا.
فمن الناحية اللغوية: المثالُ هو توضيح شيء بما هو معروف، أمَّا الدليل فهو ما يبرهن به على المطلوب.
ومن الناحية المنطقية: فالمثال لا يثبت شيئا ولا ينفيه، ولا يوصف بالصدق أو الكذب، أمَّا الدليل فيُثبت أو ينفي شيئا عن شيء، بواسطة الطرق والقواعد المنهجية المناسبة، ويوصف إمَّا بالصدق أو الكذب.
ويمكن أن يُستعمل المثال لتوضيح الدليل، ولا يمكن منطقيا أن ينوب عنه أو يحلَّ محلَّه أبدا، لأنهما مقولتان من نمطين مختلفين.
المثال من نمط الفهم، والدليل من نمط منطقي.
والنتيجة هي: لا وجود لدليل على أنَّ القرآن الكريم هو من خيال محمد (ص)
إنَّ ما قدَّمه الكاتب هو أمثلة توضيحية فقط، لِما افترضه من قبل بالنسبة إلى قوة الخيال؛ ولكنَّه لم يثبت شيئا في النهاية. وبدلا من القول إنَّ محمدا (ص) كاذب، انتقل إلى تعريف خاصٍّ للصدق والكذب، وهو أنَّ الصدق ليس ما وافق الواقع( )، بل الصدق هو ما وافق المصلحة العامَّة وإن خالف الواقع. والكذب هو ما خالف المصلحة العامَّة وإن وافق الواقع( ).
وفي نظر الكاتب إنَّ محمدا (ص)صادق في كلِّ ما أخبر به، ليس بمعنى أنَّ أقواله وأخباره مطابقة للواقع بمفهوم الصدق المنطقي والعلمي، بل بمفهوم الصدق الموافق للمصلحة العامَّة؛ لأنَّ محمدا (ص) لم يكن يقصد إلاَّ المصلحة العامَّة من وراء دعوته إلى توحيد الله. والنتيجة هي أنَّ الكذب المبرَّر بالمصلحة العامَّة يكون صدقا، أي أنَّ القضية الواحدة تكون كاذبة بمخالفتها للواقع، وصادقة بموافقتها للمصلحة العامَّة.
ولا بدَّ من طرح السؤال الآتي:
كيف يمكن التحقُّق من موافقة القضية للمصلحة العامَّة أو عدم موافقتها لها؟
فلا يمكن التحقق من مطابقة القضية للمصلحة العامَّة ما لم تكن محقَّقة في الواقع، وإلاَّ بقيت فرضا ذهنيا غير محقَّق. إذن التحقُّق عن طريق المطابقة أو عدم المطابقة مع الواقع لا مفرَّ منه، وإلاَّ وقعنا في تناقض لا يقبله العقل السليم.
إنَّ تبرير الكذب بالمصلحة العامَّة لا يحوِّله إلى صدق بأيِّ حال من الأحوال؛ لأنَّ المبرر والصدق مقولتان تنتميان إلى نمطين مختلفين:
فالمبرر من نمط سيكولوجي اجتماعي لا يرقى إلى مستوى الكلية (universality) فهو يخضع لعادات وتقاليد ومصالح الأفراد والمجتمعات.
أمَّا الصدق فهو من نمط منطقي كلي (universal) أي ينتمي إلى القاسم المشترك بين كلِّ أفراد الإنسانية المتميزين بالعقل، ويقاس الصدق بعلاقته مع الواقع المشترك بين جميع أفراد الإنسانية.
إنَّ الانتقال من نمط إلى آخر يؤدِّي إلى ما يعرف في المنطق المعاصر بالنقائض (antinomies) وهي أخطر من التناقض؛ لأنَّ حلَّها يستلزم تقنيات منطقية متطورة جدًّا.
وفي الختام اتَّضح موقف الكاتب من الرسالة المحمدية، وقد انطوى على تناقضات ونقائض اكتفينا بعرض وتحليل بعضها، وسننتقل إلى الصنف الثاني من النقائص التي أشرنا إليها في الملخص وهي المغالطات المنطقية:
القلم الحر
08-17-2014, 03:41 PM
ب. المغالطات المنطقية:
إنَّ المنهج التحليليَّ النقديَّ الذي سلكناه كشف لنا مجموعة أخرى من النقائص المنطقية، وهي ما يعرف بالمغالطات المنطقية، وسنكتفي بعرض عيِّنة وتحليلها لتوضيح ذلك.
أ. مغالطة العكس غير المشروع، أو العكس المستوي:
1. بالنسبة إلى الصدق والمصلحة العامَّة: لا يجادل عاقل في أنَّ للصدق نتائج وفوائد تعود بالخير والمنفعة على المصلحة العامَّة. أمَّا الذي يجب توضيحه هنا، هو أنَّ المصلحة العامَّة مهما كانت مفضَّلة فهناك درجة أعلى منها، وهي درجة القيمة (Value) فالصدق قيمة أخلاقية توجِّه السلوك الإنسانيَّ وتقوِّمه، وكذلك هو قيمة منطقية توجِّه التفكير وتقوِّمه، وهذه القيمة المزدوجة هي التي تعطي للصدق محتواه الحقيقيِّ، وتحرِّره من النزعة النفعية البراغماتية الضيقة المبنية على المغالطة الآتية:
«إذا كان الصدق محقِّقا للمصلحة العامَّة فكلُّ ما يحقِّق المصلحة العامَّة صدق»( )، وهو عكس غير مشروع منطقيا وتاريخيا. فمن الناحية المنطقية القضية الكلية لا تُعكس إلى قضية كلية إلاَّ إذا كانت كلية سالبة، أمَّا من الناحية التاريخية فقد استُخدمت المصلحة كمبرِّر لاستعمار الشعوب ونهب خيراتها، وتحويلها إلى عبيد.
. بالنسبة إلى الفضائل والمصلحة العامَّة: يتبنَّى الكاتب موقف النزعة النفعية، وهو الموقف الذي يجعل الفضائل مشروطة بتحقيق المصلحة العامَّة. فبالإضافة إلى أنَّ المصلحة العامَّة ليست واضحة، وقد تُستخدم كمبرِّر للرذيلة، فالنزعة النفعية لا تعرِّفنا بطبيعة الفضيلة، بل بنتائجها، ممَّا يؤدِّي إلى تكرار المغالطة السابقة، أي: «كلُّ فضيلة تحقِّق المصلحة العامَّة، وكلُّ ما يحقِّق المصلحة العامَّة فهو فضيلة»( ). واجتنابا للوقوع في هذه المغالطة يجب تحديد مفهوم الفضيلة أولا، ثم ما ينتج عنها بحكم طبيعتها، وهذا الفصل بين الفضيلة وما ينتج عنها من منفعة ومصلحة عامَّة، هو تحرير للفضيلة كقيمة أخلاقية إنسانية، أي أنَّ المصلحة العامَّة ليست شرطا للفضيلة، وبعبارة منطقية نقول:
إذا كانت الفضيلة بطبيعتها تحقِّق المصلحة العامَّة، فليس كلُّ ما يحقِّق المصلحة العامَّة فضيلة.
ويمكن إضافة سبب رئيسٍ لذلك وهو أنَّ المصلحة العامَّة نسبية، وهذه النسبية قد تجعل مصلحة الأقوى فضيلة مبرَّرة ومفروضة بالقوَّة، كما حدث في الماضي، ويحدث الآن في مناطق كثيرة من العالم.
القلم الحر
08-18-2014, 02:45 PM
ب. مغالطة الخروج عن الموضوع: يسلِّم الكاتب بأنَّ القرآن الكريم مستثنى من التغييرات والزيادات والتحريفات التي تعرَّضت لها الروايات المدوَّنة في الكتب التي تناولت السيرة المحمدية( ).
تُعتبر هذه المسلَّمة، من الناحية المنهجية، أهمَّ خطوة في حلِّ اللغز المقدَّس( ). بما أنَّ الكاتب يتعامل مع القرآن الكريم كما يتعامل مع أيِّ نصٍّ تراثيٍّ، ومن هنا يجب التقيُّد بالمنهجية المتَّبعة في تحقيق النصوص والمخطوطات التراثية، وتتميَّز هذه المنهجية بخطوتين أساسيتين هما:
أولا- التحقَّق من صحَّة النصِّ، ومطابقته للنصِّ الأصليِّ.
ثانيا- التحقَّق من صحَّة المصدر المنسوب إليه.
بما أنَّ الكاتب يسلِّم بصحَّة الخطوة الأولى التي هي شرط أساسيٌّ للانتقال إلى الخطوة الثانية المتعلِّقة بصحَّة المصدر المنسوب إليه أو عدمها، فالسؤال الأساسيُّ الذي يتركَّز حوله البحث هو الآتي:
أنسبة القرآن الكريم إلى الله عزَّ وجلَّ هي نسبة صحيحة؟ أم أنَّ القرآن الكريم من إنتاج قوَّة خيال محمَّد (ص)، كما يرى الكاتب؟
فمن المعلوم لدى المحقِّقين في النصوص التراثية أنَّ التحليل النقديَّ لتلك النصوص يجب أن يتناول النصَّ من جميع النواحي: اللغوية، والعلمية، والمنطقية، والتاريخية... وتحليلها ومقارنتها ونقدها نقدا موضوعيا، للوصول إلى نتيجة واضحة تثبت أو تنفي نسبة المصدر. فهل قام الكاتب بإنجاز هذه الخطوة المكمِّلة للخطوة الأولى التي لا جدال حولها؟
لم نعثر، على الأقلِّ، في الصفحات التي درسناها، ما يشير إلى ذلك. فما قام به الكاتب هو خروج حقيقيٌّ عن موضوع البحث، وقد لجأ إلى أسلوب "مغالطة الخروج عن الموضوع". فانطلق من إنكار نسبة القرآن الكريم إلى الله عزَّ وجلَّ، ونسبته إلى قوَّة خيال الرسول (ص)، معتمدا في ذلك على تأويل الروايات المدوَّنة في كتب السيرة المحمَّدية، رغم انتقادها ورفضها كمصدر للعلم( ).
ولم يتناول الكاتب، لا من قريب ولا من بعيد، النصَّ القرآنيَّ بالتحليل والنقد، كما تقتضي المنهجية السليمة التي أشار إليها القرآن الكريم: "أفلا يتدبَّرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"( ).
لم يثبت الكاتب أنَّ القرآن الكريم من عند غير الله بتدبُّره، أي بدراسته دراسة تحليلية نقدية موضوعية تُبرز الاختلافات الموجودة، إن كانت موجودة فعلا، بل خرج كلية عن مناقشة النصِّ القرآني، معتمدا على تأويل بعض الروايات المطعون في صحَّتها. وهذا ما يسمَّى عند المناطقة بمغالطة الخروج عن الموضوع.
القلم الحر
08-18-2014, 02:48 PM
ج. مغالطة الدور الفاسد: «كان محمَّد واسع الخيال قويَّه جدًّا»( ). هذا الحكم يحتاج إلى دليل. فما هو الدليل الذي بنى عليه الكاتب حكمه هذا؟.
«وأعظم دليل على سعة خياله وقوَّته ما جاء في القرآن وفي الأحاديث النبوية، من وصف الجنَّة وجهنَّم، ولا حاجة إلى إيراده هنا؛ لأنَّه معلوم مذكور في الكتب»( ).
هذا ليس دليلا، بل هو حكم مسبق على أنَّ ما جاء في القرآن الكريم من وصف الجنَّة وجهنَّم هو من سعة خيال محمَّد (ص) وقوَّته، وهذا الحكم يحتاج إلى دليل يثبته وينفي صفة الوحي عنه، ودليل الكاتب هو ما يلي:
«ولا ريب أنَّ الجنَّة التي وصفها محمَّد بأوصافها الباهرة المعلومة هي من بنات خياله الواسع القويِّ»( ).
وهنا يتضح الدور الفاسد الذي وقع فيه الكاتب:
فهو يستدلُّ على صفة الحكم: (محمَّد واسع الخيال قويه جدا) بما جاء في القرآن الكريم من أوصاف الجنَّة وجهنَّم.
ويستدلُّ على أنَّ تلك الأوصاف هي من بنات خياله الواسع القويِّ.
وصورة الدور الفاسد هو كما يلي:
(محمَّد واسع الخيال قويه جدا)؛ لأنَّه وصف الجنَّة بأوصاف باهرة.
(ووصفَ الجنَّة وجهنَّم بأوصاف باهرة)؛ لأنَّه واسع الخيال قويه جدا.
يلاحظ أنَّ الحكم والدليل متطابقان، ولا وجود لدليل يثبت أو ينفي أيَّ شيء. فلم يثبت الكاتب أنَّ محمَّدا (ص) كان واسع الخيال قويه جدا كما زعم، ولم ينف صفة الوحي من الله. فكلُّ ما قام به الكاتب هو مغالطة الدور الفاسد.
وسنكتفي بهذه العينة من المغالطات الرئيسة، وننتقل إلى نوع آخر من النقائص في هذا الموضوع صنفناها تحت عنوان: الأحكام المسبقة.
الباحثة عن الله
08-19-2014, 12:33 AM
رائع جزاك الله خير هناك الكثير من الكتب التي تعتبر نوع من السموم الله يقينا شر اهلها وشر نواياهم السيئة للأمة
القلم الحر
08-19-2014, 02:17 PM
و جزاك الله خيرا اختاه
القلم الحر
08-21-2014, 01:16 AM
ج. الأحكام المسبقة:
يرى بعض الباحثين في ميدان المنطق ومناهج البحث أنَّ الحكم المسبق هو نوع من أنواع المغالطات لا غير؛ لأنَّ كلاًّ منهما يهدف إلى إقناع القارئ أو المخاطَب وجعله يعتقد جازما بصحَّة الحكم الذي هو فاسد في حقيقته.
إنَّ هذا الهدف المشترك لا يكفي لاختزال الحكم المسبق في المغالطة؛ لأنَّ كلاًّ منهما يبنى بوسائل خاصَّة وتقنيات مناسبة لطبيعته، فمن الناحية المنهجية نكتشف المغالطة بواسطة قواعد محدَّدة، أمَّا الحكم المسبق فلا يُكتشف بقواعد محدَّدة، بل يتطلَّب اكتشافه جهدا فكريا تحليليا دقيقا.
ومن المعلوم منطقيا، أنَّ المغالطة تُكتشف من خلال صورتها الفاسدة بعد إفراغها من محتواها الفكري، وتصنَّف المغالطات المشهورة في مجموعاتٍ بناءً على صورها المشتركة( ).
إنَّ عدم خضوع الحكم المسبق لقواعد محدَّدة يجعله أخطر من المغالطة. بالإضافة إلى ذلك فهو من طبيعة تركيبية معقَّدة جدًّا، تشمل عناصر تنتمي إلى أنماط سلوكية متنوعة: سيكولوجية، وثقافية، ودينية، ومعرفية، وتاريخية، في صورة أفكار مسبقة كمقدِّمات دوغماتية ونتائج في آن واحد. فهي أحكام جاهزة قبل الاطلاع على الموضوع ودراسته.
إنَّ المنهجية المناسبة لاكتشاف الأحكام المسبقة وتفادي الوقوع تحت تأثيرها هي اتباع المنهج التحليلي النقدي المقارن، الذي يؤدِّي إلى إبراز عناصر الحكم المسبق وتمييزه بوضوح تامٍّ عن الحكم السليم القائم على مقدِّمات أو معطيات موضوعية لا جدال حولها، تلزم عنها نتائج بواسطة وسائل محدَّدة. ولتوضيح ما سبق ذكره حول الحكم المسبق سنقوم باختيار عيِّنة من الأحكام المسبقة الواردة في هذا الكتاب، وقد تمَّ تصنيفها كما يلي:
1. أحكام مسبقة حول الشخصية المحمَّدية.
1.1. أحكام حول الخصائص الأساسية للشخصية المحمدية.
2.1. أحكام حول الخصائص المكتسبة للشخصية المحمدية.
2. أحكام مسبقة حول الرسالة المحمدية
1.2. أحكام مسبقة حول الغاية من الرسالة المحمدية.
2.2. أحكام حول الوسائل المستعملة لتحقيق الغاية من الرسالة المحمدية.
عرض الأحكام المذكورة وتحليلها:
1.1. تتميز الشخصية المحمدية بالتفكير العميق الدقيق( ).
2.1. تتميز الشخصية المحمدية بالخيال الواسع القوي، الذي يكاد يقاوم الحقيقة بقوَّته( ).
3.1. تتميز الشخصية المحمدية بغزارة العقل والذكاء الثاقب( ).
تلك هي الخصائص الأساسية للشخصية المحمدية.
قد تبدو هذه الأحكام حول الشخصية المحمدية مختلفة من حيث المضمون اللغوي، لكنها في حقيقتها متَّحدة في صورتها المنطقية، فصورتها هي صورة الأحكام الجاهزة، قبل دراسة الموضوع؛ لأنها ليست نتائج مبنية على مقدمات أو معطيات قابلة للتحقُّق، وليست فروضا أو مصادرات قابلة للتحقق عن طريق ما يستنبط منها من نتائج.
إنَّ ما يقدِّمه الكاتب كأدلَّة على صدق أحكامه يفتقد إلى أهمِّ ما يشترط في الدليل، أي ما يسمَّى عند المناطقة باستقلالية الدليل عن الحكم. ويقصدون بذلك عدم استنتاج أحدهما من الآخر؛ حتى لا تتحول العلاقة بينهما إلى مصادرة على المطلوب، أو إلى دور فاسد.
وما يذكره الكاتب كأدلَّة على صدق أحكامه فهي ليست بأدلَّة، بل هي قراءات خاصَّة لروايات مأخوذة من كتب السير، لا تثبت ولا تنفي الأحكام المذكورة، بل تبررها فقط.
والفرق بين الدليل والمبرر هو أنَّ المبرر قد يُبنى على وسائل سيكولوجية أو ثقافية أو غيرها من العوامل ذات الطابع الذاتي، أمَّا الدليل فلا يقبل إلاَّ إذا بني على شروط وعوامل موضوعية.
القلم الحر
08-21-2014, 01:17 AM
التحليل النقدي للأحكام المذكورة:
تحليل الحكم الأول ونقده:
«تتميز الشخصية المحمدية بالتفكير العميق الدقيق»( ).
ما هو الدليل على صحَّة هذا الحكم؟
يستدلُّ الكاتب بما يلي: «جاء في كتب السير أنَّه كان دائم الفكر... وجاء فيها أنَّه يحبُّ الخلوة، فكان يذهب إلى غار، ويبقى وحده الأيام واللياليَّ، ولا شكَّ أنَّه لم يكن له في ذلك الغار شغل عن التفكير... فهذه الحالة منه، أعني طول تفكيره وخلوته لأجل التفكير... تدلُّنا على أنَّه من تغلُّب عقله الفطري على عقله المكتسب... هو إذن ذو عقلية ممتازة على من حوله من الناس»( ).
«ولا ريب أنَّه كلَّما زاد تفكيره زاد شعورا لكي يصل إلى الغاية التي عزم الوصول إليها، وكذلك فعل، وكذلك كان»( ).
إنَّ ما يعتبره الكاتب دليلا على صحَّة حكمه ما هو إلاَّ استنتاج من الروايات، وهو استنتاج غير صحيح، إذ لا وجود لعلاقة لزوم منطقيٍّ أو واقعيٍّ بين الخلوة في غار حراء، وبين التفكير العميق الدقيق. ولا وجود لعلاقة لزوم منطقي أو واقعي بين الخلوة في غار حراء وبين التخطيط لغاية افتراضية.
إنَّ الاستنتاج الذي اعتبره الكاتب دليلا هو استنتاج مرفوض منطقيا، لأنَّه مستنتج من الحكم نفسه، إنَّ استنتاج الدليل من الحكم نفسه يخالف شروط الدليل، ويبقي الحكم بدون دليل، أي أنَّه: حكم مسبق.
القلم الحر
08-21-2014, 02:06 PM
تحليل الحكم الثاني ونقده:
«تميَّز محمد بخيال واسع قويٍّ يكاد يقاوم الحقيقة بقوته»( ).
ما هو الدليل الذي قدّمه الكاتب على صحة هذا الحكم؟
«وأعظم دليل على سعة خياله وقوته ما جاء في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية من وصف الجنة وجهنم، ولا حاجة إلى إيراده هنا؛ لأنـَّه معلوم مذكور في الكتب. ولا ريب أنَّ الجنة التي وصفها محمد بأوصافها الباهرة المعلومة هي من بنات خياله الواسع القوي»( ).
إنَّ صورة الحكم المسبق هنا أوضح من صورة الحكم الأول، ولا تحتاج إلى جهد كبير لإبرازها.
لا يقدِّم الكاتب أيَّ دليل على أنَّ لمحمد خيالا قويا واسعا جدا، بل أصدر حكما مسبقا، ولـمَّا حاول تبريره وقع في مغالطة المصادرة على المطلوب.
فهو يستدل على أنَّ لمحمد خيالا قويا بما جاء في القرآن الكريم من أوصاف للجنة ولجهنم، ويستدل على أنَّ الجنة الموصوفة في القرآن الكريم هي دليل على قوَّة خياله الواسع.
إذن هناك حكم مسبق ومغالطة في آن واحد.
القلم الحر
08-22-2014, 12:41 PM
حليل الحكم الثالث ونقده:
«تميزت الشخصية المحمدية بالذكاء»( ).
ما هو الدليل على ذلك؟
حاول الكاتب أن يستدلَّ على صحة حكمه بمجموعة من النصوص المأخوذة من كتب السيرة النبوية، رغم انتقاده لها وإقرارها بأنها لا تفيد العلم ( ). جاء في تلك الروايات مجموعة من المواقف والسلوك المنسوب إلى الرسول (ص) ومنها أنَّ الرسول (ص) تفطَّن إلى بعض المحاولات التي قام بها بعض المنافقين لقتله، ومنها التنبُّؤ ببعض الحوادث التي وقعت فيما بعد، ولسنا في حاجة إلى سردها مفصَّلة؛ لأنَّـها معروفة في كتب السير، إذ الذي يجب توضيحه هو ما يلي:
1. إنَّ القراءة المحايدة لتلك الروايات لا تثبت الحكم السابق ولا تنفيه.
2. إنَّ القراءة الخاصَّة المنحازة التي قدَّمها الكاتب هي التي جعلها دليلا على صحَّة حكمه.
3. ينفي الكاتب بصورة ضمنية صفة الوحي والإلهام من الله تعالى.
4. لم يتوصَّل الكاتب إلى إثبات صحَّة حكمه، ولا إلى نفي الوحي من خلال محاولته. بل اتـَّضح من خلال التحليل أنـَّه أصدر حكما مسبقا حول قوة ذكاء الرسول (ص)، ليتَّخذ الحكم نفسه دليلا على نفي صفة الوحي عن الرسول (ص) بصورة ضمنية، بل يصرِّح بها.
تلك هي مجموعة الخصائص الأساسية للشخصية المحمدية، عرضناها وحلَّلناها تحليلا نقديا، تبين من خلاله أنَّها أحكام مسبقة.
القلم الحر
08-22-2014, 12:43 PM
وسننتقل إلى تحليل ونقد الأحكام المسبقة حول العناصر المكتسبة للشخصية المحمدية كما يراها الكاتب:
2.1 أحكام مسبقة حول الخصائص المكتسبة للشخصية المحمدية.
1.2 يجزم الكاتب أنَّ الرسول (ص) اطلع على الكتب السماوية من خلال اتصالاته باليهود والنصارى، وبالأخص ورقة ابن نوفل( ).
2.2 اتصالاته بالأعجميِّ الذي ورد ذكره في القرآن الكريم والذي كان يعلِّمه المعاني، في نظر الكاتب، ثم يصوغها الرسول (ص) بلسان عربي مبين( ).
3.2 يجزم الكاتب بأنَّ الرسول (ص) قام بأسفار كثيرة خارج الجزيرة العربية، تعرَّف من خلالها على أشياء كثيرة ليست موجودة في بيئته العربية.
تلك هي أهمُّ الأحكام التي أصدرها الكاتب حول العناصر المكتسبة للشخصية المحمدية، وبتفاعلها مع العناصر الأساسية أو الفطرية المذكورة سابقا تكوَّنت الشخصية المحمَّدية، وسنتناول هذه العناصر بالتحليل والنقد لنرى مدى صحتها.
القلم الحر
08-22-2014, 12:46 PM
تحليل الحكم الأول ونقده:
إنَّ هذا الحكم هو عبارة عن مسلَّمة؛ لأنَّ الكاتب لم يذكر أيَّ دليل على اطلاع الرسول (ص) على الكتب السماوية، والاستفادة منها قبل النبوة وبعدها. إنَّ هذه المسلّمة هي في حدِّ ذاتها حكم ودليل على توظيف ما جاء في الكتب السماوية في وضع القرآن الكريم مع الإضافات الناتجة عن قوة التخيل والذكاء والتفكير العميق والتجارب. لو سلمنا بما ذكره الكاتب لنتج عن ذلك تناقض واضح؛ لأنَّ القرآن الكريم أُنزل من أجل تخليص عقيدة التوحيد من التحريفات التي أدخلها عليها أهل الكتاب من يهود ونصارى، إذن فلا يعقل أن يتم تصحيح التحريف بما هو محرَّف، كما لا يمكن إضافة الصحيح لما هو محرَّف. مما يدل دلالة واضحة أنَّ ما أصدره الكاتب ليس حكما؛ لأنـَّه يعلِّل نفسه بنفسه، وبالتالي فهو : حكم مسبق
القلم الحر
08-22-2014, 08:57 PM
تحليل الحكم الثاني ونقده:
يرى الكاتب أنَّ الآية القرآنية الكريمة الواردة في سورة النحل:"لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين".( ) هذه الآية في نظره ليست دليلا كافيا على أنَّ الرسول (ص) لم يتعلَّم شيئا من الأعجمي؛ لأنـَّه لم يكن يعلِّمه المعاني بلسان عربيٍّ مبين، بل كان يعلِّمه المعاني فقط، إذ أنَّ تعلُّم المعاني ولو بلسان فيه لكنة أعجمية( ).
إنَّ ما قدَّمه الكاتب لإثبات صحَّة حكمه ليس بدليل، بل هو تعليل ضعيف لحكم مسبق، وينطوي على مغالطة هي: مغالطة اعتبار كلِّ ما هو ممكن محقق في الواقع.
فإذا كان كلُّ ما هو ممكن هو قابل للتحقُّق في الواقع، فليس كلُّ ما هو ممكن للتحقق في الواقع واقعيا، أي محقَّق بالفعل في الواقع.
فإذا كان تعلُّم المعاني ممكنا ولو بلسان فيه لكنة أعجمية، فهل هذا يعني أنَّ الأعجمي علَّم الرسول (ص) المعاني بالفعل، أي في الواقع؟!
إنَّ إثبات ذلك يحتاج إلى دليل موضوعي واقعي، ولا يُبنى على ما هو ممكن فقط، ولم يقدِّم الكاتب أيَّ إثبات واقعي لهذا الحكم، وبالتالي فهو حكم مسبق.
القلم الحر
08-22-2014, 09:00 PM
تحليل الحكم الثالث ونقده:
لم يقدِّم الكاتب دليلا على أن ما أخبر به الرسول (ص) هو نتيجة لأسفاره خارج الجزيرة العربية، فكلُّ ما قدَّمه هو تعليل ضعيف لحكمه، مبني على الاحتمال فقط، أي أنَّ ما أخبر به الرسول عن بلاد فارس، على سبيل المثال، هو: إمَّا أنه سمع وصف بلاد فارس ممن رآها، وإمَّا أنـَّه سافر إلى بلاد فارس فرأى تلك الأشياء.
يلاحظ أنَّ هذا الاحتمال مبنيٌّ على حكم مسبق، ينفي الوحي ولو على سبيل الاحتمال.
تلك هي مجموعة الأحكام المسبقة حول الخصائص المكتسبة للشخصية المحمدية. وسننتقل إلى عرض وتحليل ونقد الأحكام التي أصدرها الكاتب حول الرسالة المحمدية، وتنقسم إلى قسمين:
1. أحكام حول الغاية من الرسالة المحمدية.
2. أحكام حول الوسائل المستعملة لأجل تحقيق الغاية من الرسالة المحمدية.
القلم الحر
08-26-2014, 01:29 AM
عرض الحكم الأول:
يجزم الكاتب بأنَّ الغاية التي يرمي إليها الرسول (ص) من النبوة هي إحداث نهضة عربية دينية اجتماعية سياسية: تكون عربية في بداية الأمر، ثمُّ تعمُّ وتشمل الناس أجمعين في النهاية( ).
تحليل هذا الحكم ونقده:
اعتمد الكاتب على الروايات المدوَّنة في كتب السير كدليل على صحَّة حكمه، وبرجوعنا إلى تلك الروايات لم نجد ما يثبت حكمه.
إنَّ ما جاء في تلك الروايات يوضِّح ويؤكِّد أنَّ الغاية من الرسالة المحمدية هي توحيد الله الذي لا شريك له ولا معبود سواه. ولا شك أنََّ التوحيد الخالص له نتائج اجتماعية وسياسية ومادية بصفة عامَّة، أي أنَّ التوحيد الخالص يُحدث تغييرا جذريا في العلاقات بين البشر، يجعلهم متساوين أمام الخالق وهو الله.
إذن هناك مقدِّمة وهي توحيد الله توحيدا خالصا، ونتيجة هي: تغيير جذريٌّ بين البشر، وما يترتب عن ذلك من فوائد اجتماعية وسياسية ومادية.
وقد جعل الكاتب النتيجة هي الغاية المقصودة، والفرق بين الغاية والنتائج التي تلزم عن الغاية واضح. وقد انطلق الكاتب من حكم مسبق وحاول تبريره بعوامل ذاتية لا علاقة لها بالحقيقة التي اعتبرها هي معبوده الوحيد(
القلم الحر
08-26-2014, 01:32 AM
عرض الحكم الثاني:
يجزم الكاتب بأنَّ الرسول (ص) أراد من خلال إحداث النهضة العربية أن يكون الملك والسلطان للعرب القرشيين بالأخص( ).
تحليل ونقد الحكم الثاني:
اعتمد الكاتب كعادته على الروايات المدوَّنة في كتب السيرة النبوية في إثبات حكمه وقد وقع الكاتب في تناقض أساسي في هذا الموضوع، فهو يؤكد أنَّ ما جاء في كتب السيرة النبوية لا يفيد العلم، كما أشرنا إلى ذلك من قبل( )، ولكنَّه يستدل بها. ومن جهة ثانية يؤكِّد أنَّ القرآن الكريم لم يتعرَّض لما تعرَّضت له الروايات من تحريف وتغيير، ولكنه لم يستدل به فيما يتعلق بمبدأ الشورى: "وأمرهم شورى بينهم"( ).
إنَّ مبدأ الشورى يمنح، على الأقل كبار الصحابة، إعطاءَ رأيهم في هذا الأمر العظيم. وكبار الصحابة ليسوا قرشيين فقط.
وللتذكير فإنَّ مسألة الإمامة هي موضوع جدل، وهي من العوامل التي ساهمت في تكوين الفرق الكلامية، والكاتب لا يجهل ذلك، ولكنه اعتمد على ما يبرِّر حكمه المسبق.
القلم الحر
08-26-2014, 02:23 PM
أحكام حول الوسائل المعتمدة لتحقيق الغاية من الرسالة المحمدية:
1.2 عرض الحكم الأول:
يؤكِّد الكاتب على أنَّ محاربة الشرك هي من الوسائل التي لجأ إليها الرسول (ص) لتوحيد كلمة العرب، وتكوين قوة منهم، تساعده على تحقيق الغاية التي سعى إليها، أي أنها ليست دعوة دينية خالصة، بل هي دعوة سياسية( ) في حقيقتها.
تحليل هذا الحكم ونقده:
استدلَّ الكاتب على صحة حكمه بما يلي:
أ. الشرك مضرٌّ بالناس، لأنـَّه يجعلهم يشقون من أجل النعيم المعبود( )، أمَّا التوحيد الذي هو نفي الشرك هو تحريره من العبودية لغير الله( ).
ب. ولكنَّ الشرك لا يضرُّ الناس مضرة مادية؛ لأنَّ بعض المجتمعات المشركة لم يضرَّها شركها بالله( ).
وبالتالي فمحاربة الشرك هي وسيلة لتوحيد الناس، وليس لتحريرهم من العبودية لغير الله.
فالتناقض واضح بين المقدمة التي انطلق منها الكاتب، وهي: أنَّ الشرك مضرٌّ والتوحيد هو تحرير، وبين ما انتهى إليه كنتيجة لتبرير حكمه، وهي: أنَّ الشرك ليس مضرا بالناس. وهل هناك مضرَّة مادية ومعنوية أكبر من الشقاء وفقدان الحرية؟!
ومن ناحية أخرى فلا وجود لعلاقة لزوم ضروري بين تكوين الوحدة الدينية وتحويلها إلى قوة سياسية، وبين محاربة الشرك. فالمجتمعات المشركة لها وحدتها الدينية، والشواهد التاريخية تدلُّ على ذلك.
لقد أصدر الكاتب حكما مسبقا، ولـمَّا حاول تبريره وقع في التناقض، ولا يمكن قبول الدليل المتناقض منطقيا وتاريخيا.
القلم الحر
08-28-2014, 03:07 AM
عرض الحكم الثاني:
يجزم الكاتب بأن الرّسول (ص) ادَّعى النبوة والوحي من الله للتأثير على مشاعر قومه، من أجل تحقيق غايته( ).
تحليل هذا الحكم ونقده:
ينفي الكاتب النبوة والوحي عن الرسول (ص)، ولم يقدم أي دليل ليؤكّد هذا النفي، بل قدَّم مبررا لذلك وهو أنَّ إصلاح القوم وتوحيدهم يقتضي أن يقول لهم إنـَّه رسول الله( )؛ حتى يؤثر فيهم ويستطيع تحقيق غايته, ولم يقدِّم الكاتب أيَّ تحليل نقدي للقرآن الكريم يوضح من خلاله أنـَّه ليس وحيا من الله إلى الرسول (ص).
لقد حاول الكاتب تبرير حكمه المسبق بمغالطة استعمال المبرر في مكان الدليل. ولا يمكن أن يحلَّ المبرر محلّ الدليل؛ لأنَّ الأول قائم على وسائل ذاتية، والثاني يُبنى بناءً منطقيا أو موضوعيا.
القلم الحر
08-28-2014, 03:09 AM
تم الرد بحمد الله
بن حيان
08-28-2014, 10:43 PM
كتب الله أجرك وجعل مثواك في الفردوس الأعلى من الجنة
في الحقيقة أرى منهجية رائعة ومخرسة لكل ناهق كذاب
القلم الحر
08-31-2014, 11:58 AM
شكرا لكم
من الله علينا جميعا برحمته
Powered by vBulletin™ Version 4.2.1 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, ENGAGS © 2010