المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اسم الله الودود



دكتوره نمارق
08-15-2014, 06:28 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم ( الودود )
معنى الود و إختلافه عن الحب
الود: هو الحب، وأيّ إنسان لا يجد حاجة في أن يُحِب، أو أن يُحَب فليس من بني البشر، لأن أصل العلاقة بين الله وبين عباده الحب، يحبهم ويحبونه، لكن الفرق بين الحب والود أن الحب شعور، بينما الود عمل، الابتسامة ود، الهدية ود، الخدمة ود، الإكرام ود، أمّا الحب فإنه:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها
***
إنه شعور داخلي
كيف نفهم أن الله ودود؟
خلق الخلق ليرحمهم و يسعدهم
ولكن كيف نفهم أن الله ودود، ودود لأنه خلق الخلق ليرحمهم، والدليل:
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾
( سورة هود الآية: 119 )
خلقهم ليسعدهم، خلقهم ليرحمهم، خلقهم لجنة عرضها السماوات والأرض، ولكن حينما ننشئ مدرسة، أو جامعة من أجل تخريج قادة للأمة، فالهدف نبيل جداً، تخريج علماء، وقضاة، وقادة، لكن هذه الجامعة لو أن أحد الطلاب قصر أو تجاوز حده يعاقب، فالطالب الساذج الجاهل يظن إذا عوقب أن هذه الجامعة إنما أنشأت من أجل المعاقبة، فهم سقيم وسخيف.
خلق الله الخلق ليرحمهم، خلقهم ليهديهم سبل السلام، خلقهم ليسعدهم، لكنهم انحرفوا عن الصراط المستقيم، فاستحقوا المعالجة من الله عز وجل، إلا أن الله سبحان الله وتعالى:
﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾
( سورة الشورى الآية: 11 )
خلق الخلق ليُحسن إليهم
إذا أحب الإنسان يضعف أمام المحبوب، ويتذلل له، وما قصة مجنون ليلى عنكم ببعيد، وقُصي لُبنى، فإذا أحب الإنسان يضعف، بل يتذلل، لكن الله سبحان الله وتعالى إذا أحب يحسِن، لذلك الله ( ودود )، أي أنه يحب عباده، يحفظهم، يؤيدهم، ينصرهم، يكرمهم، ينزل عليهم رحمته، يلقي في قلوبهم السكينة، يغنيهم ويكرمهم، محبة الله جل جلاله تتجسد بإكرام الإنسان، إذاً الله ( ودود )
خلقنا بأحسن تقويم ود من الله
﴿ َقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
( سورة التين )
هذا ود من الله عز وجل،
العينين
جعل لك عينين، لو جعل لك عينًا واحدة لرأيت بُعدين فقط، طولاً وعرضاً، أما البعد الثالث فهو العمق، ولا يرى إلا بالعينين،
الأذنين
ولو جعل لك أذنًا واحدة لم تعرف مصدر الصوت، لكن الأذنين تكشفان لك مصدر الصوت،
خلق الإنسان هو الكمال المطلق
جعل لك أجهزة بالغة الدقة، جعل لك أعضاء، وقلبًا، ورئتين، وكليتين، ومعدة، أمعاء، لو دققت في خلقك لرأيت خلقك وحده وداً ما بعده ود.
أيّة مركبة صنعت مرّت بأطوار وأطوار، ولو أن أحدكم رأى مركبة صنعت في سنة 1900، ومركبة صنعت سنة 2005 لوجد البون شاسعاً بين المركبتين، الأولى تشغل من مقدمتها، والإضاءة بفوانيس، والعجلات ليس فيها هواء، المحرك حركة واحدة، وأول قطار صنعته الحكومة البريطانية أمرت صاحب القطار أن يمشي وإنسان أمامه ليحذر الناس منه، يمشي إنسان أمام القطار لأن سرعة القطار الأول أقل من سرعة الإنسان، وطور.
أما خلق الإنسان فهو الكمال المطلق منذ أن خُلق، ليس هناك إنسان مطوّر، محدث، موديل 2000، كمال الخلق يدل على كمال الخالق، إذاً الود من الله عز وجل أنه أكرمك.
النباتات
والنباتات التي خلقها الله للزينة هل تؤكل ؟ هناك إنسان أعطى دابة فلّة فأكلتها الدابة، من هو الدابة ؟ التي أكلتها أم التي أعطاها إياها ؟ هناك نباتات لا تعد ولا تحصَى، هذه النباتات للزينة، وهناك أسماك زينة، وأشجار زينة، ونبات أخضر زينة، والعطورات، وأنواع الورود، الأشياء التي لا تتوقف عليها حياتنا، بمئات الألوف من أجل الإنسان، لو أن أحدكم على إطلاع بأنواع النباتات، وأنواع الورود، أنواع الفواكه لأخذه العجب.
والله كنت في أستراليا فقدمت لي فواكه، والله لا أعرفها في حياتي، ولا تعرفونها أنتم، أنواع منوعة من الفواكه تحير العقول، كل نوع فاكهة، هناك ثلاثمئة نوع من العنب، وأنواع كثيرة التفاح، والفواكه الشتوية، والصيفية، والحلوة، والحامضة، كله إكرام، القمح قوت، لكن الفاكهة إكرام.
﴿ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ﴾
( سورة الصافات )
الولد
الطفل أكبر هدية من الله، يملأ البيت سعادة.
أيها الإخوة، لو أن واحداً دعاك إلى طعام في الشتاء، البيت مدفأ، ومعطر، بدأ بالعصير، ثنى بالمقبلات، ثم طبق أول، وطبق ثان، ثم الفواكه، ثم الحلويات، ثم ودعك إلى باب البيت، أليس هذا وداً ؟.
لو تأملت في صنع الله، وفي خلق الله، فكل شيء خلقه الله لك محض ود،
الزوجة
الزوجة ود، إنه كائن:
﴿ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً﴾
( سورة الروم الآية: 21 )
كطرفة، كنت مرة في مؤتمر فقام أحد الدعاة وألقى كلمة، وتعرض لهذه الآية: ﴿ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ﴾
، وقف عند كلمة أنفسكم، قال: هذه التي تنام إلى جانبك ليست وحشاً، إنها إنسان من بني جلدتك، تفكر كما تفكر، تحب كما تحب، تكره كما تكره، تؤمن كما تؤمن، تكفر كما تكفر، ترقى كما ترقى، تسمو كما تسمو ﴿ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ﴾
لكن الله سبحانه وتعالى أسبغ عليها الجمال، وهذا ود لك، وأسبغ على الزوج القوة والمروءة والإكرام، وهذا ود للزوجة، هي تحتاج إلى من يحميها، ويكرمها، وهو يحتاج إلى من ترعاه وتحبه، الزوجة ود، الأولاد ود،
الأم و الأب
الأم ود، أودع في قلوب الآباء والأمهات محبة لا توصف، وهذه المحبة طبع، ليس للآباء خيار فيها، وأنا لا أنسى حينما أزور مستشفى الأطفال كيف أن كل الأمهات المثقفة وغير مثقفة، والبدوية، والتي معها دكتوراه، والمدرسة، والسافرة، والمحجبة، تعطف على ابنها وتبكي، من أودع في قلوب الأمهات محبة الأبناء ؟ إنه الله جل جلاله.
الماء العذب
أيها الإخوة، الماء العذب ود، هل تصدقون أن تكلفة تحلية لتر من الماء أكثر من عشر ريالات في بعض البلاد، تقريباً 150 ليرة لتحلية لتر من الماء، جميع الينابيع ماء عذب فرات، هذا ود، فلو أن الماء كله مالح ندفع معظم دخلنا لتحلية الماء، الماء المالح لا يشرب.
أسماك و ناتات الزينة
الآن هناك أسماك للزينة فقط، من أجل أن تمتع عينيك بها، سمكة شفافة، سمكة فسفورية، سمكة سوداء، وأنواع السمك مليون نوع، وعدد نباتات الزينة داخل البيوت التي لا تحتاج إلى شمس بمئات الألوف، عدد الأبصال بمئات الألوف، وكذا عدد الورود، هذا كله ود.
أحيانا تدعى إلى طعام، وتوضع أمامك باقة ورد ود، هناك أشياء كثيرة تزيد على تلبية الحاجات، إلى التكريم،
جهاز الهضم
أنت تأكل وتنام، لو أن الله أوكل لك هضم الطعام لا تنام الليل ، الآن البنكرياس، بعد قليل المرارة، لا ينام، تأكل وتنام، المعدة، والأمعاء، والبنكرياس والصفراء، والامتصاص، أنت تنام مرتاحا.
الرئتان
وجيب الرئتين، لو أوكل إليك لم تستطع أن تنام، تنام فتموت، تنام والرئتان تنبهان تنبيهاً دورياَ من المخيخ، وإذا تعطل هذا التنبيه الآن هناك دواء غال جداً فوق طاقة أي إنسان، لو تعطل مركز التنبيه الدوري بالمخيخ يحتاج إلى حبة كل ساعة، ينام الساعة العاشرة ويستيقظ الساعة الحادية 11، يأخذ حبة، ينام إلى الساعة 12، وهكذا، هذا إنجاز كبير جداً، هذا إذا تعطل مركز تنبيه الوجيب الدوري، لكنك تنام والرئتان تعملان بانتظام،
لسان المزمار
تنام ولسان المزمار يعمل بانتظام، يتجمع اللعاب في فمك، تذهب إشارة إلى الدماغ، الدماغ يعطي أمرًا إلى لسان المزمار فيغلق طريق الهواء، ويفتح طريق المعدة، فاللعاب الذي تجمع في فمك يدخل إلى معدتك.
تقلبك في السرير
تنام، وتتقلب أكثر من أربعين مرة في الليل الواحدة، وزن العظام مع ما فوقها من العضلات يضغط على ما تحتها فتضيق الأوعية، وتضعف التروية، وتعطي مراكز الإحساس بالضغط الدماغ إشارة، فالدماغ يأمر النائم فينقلب إلى جهة، لكن حكمة الله أن الله يقلبه مرة ذات اليمين، ومرة ذات الشمال حتى لا يقع من السرير.
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾
( سورة الكهف الآية: 18 )
تصور إنسانًا نائمًا أربعين مرة على غير جهة، وهو نائم، أليس هذا وداً ؟
معاني أن الله ودود
المعنى الأول: أنه تودد إلى خلقه بألوان النعم
المعنى الأول: أن الله ودود، أي تودد إلى خلقه، بألوان النعم بدءاً بخلق الإنسان، ثم بالزوجة، بالأولاد، بالفواكه، بالثمار، بالأزهار، بالأطيار، بالأسماك، بالجمال الذي خلقه الله في الكون، كل هذا من مودة الله لك.
المعنى الثاني: أنه يخلق الود بين عباده
المعنى الثاني: أن الله يخلق الود بين عباده،
المودة بين الآباء والأبناء
أودع في قلب الأم والأب محبة للولد لا توصف.
مرة كنت في سفر، فالتقيت بمدير شركة عملاقة في الخليج، فجاءه اتصال هاتفي، بعد أن انتهت المكالمة قال لي: الأفندي ـ ابنه عمره أربع سنوات ـ أعطاني أمره أن أذهب وأوصله إلى رفيقه، وهذا المدير تحت يده ألف موظف، تحت يده عدد من الموظفين كبير جداً، قال لي: هكذا أمره لأنه، من أودع في قلب الأب هذا الحب ؟ هذه محبة الله أودعها الله في قلب الآباء، فإذا أحب أبٌ ابنه أحبه الله.
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾
( سورة طه الآية: 39 )
في قلوب الخلق، فيخلق المودة بين الآباء والأبناء،
بين الأزواج والزوجات
الود بين الزوجة وزوجته في الأصل شيء لا يوصف، تغار عليه من ظلها، وهو يحبها، من خلق هذه المحبة ؟ الله جل جلاله، والود بين العباد من خلق الله عز وجل.
معاني " سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا "
مرة قرأت حديثاً، أن الله يخرج المؤمن من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، كما يخرج الجنين من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا.
قبل أيام كنا في دعوة على طعام الإفطار، جلس إلى جانبي رجل قال لي: هل عرفتني ؟ قلت له: والله ما عرفتك، قال لي: أنا رائد فضاء، تذكرت عندئذٍ اسمه، قلت له: أنا تحدثت عنك كثيراً، قال لي: كيف ؟ قلت له: المؤمن ينتقل من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة كما ينتقل الجنين من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا، ذكرت له أن الإنسان في بطن أمه موجود في حيز لا يزيد على 750 سنتمترا مربعًا، هذا الجنين إذا خرج إلى الدنيا، وتقدمت به السن، وأصبح رائد فضاء ووصل للقمر، وقطع 360 ألف كم، فوازن بين الرحم 750 سنتمترا مربعًا، وبين رائد فضائي وصل إلى القمر، إذاً الإنسان خُلق في ود ما بعده ود، الآية الدقيقة:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً﴾
( سورة مريم )
أيْ ود معه، وود بين خلقه،
﴿ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾
يجعل لهم وداً معه، يتجلى على قلبك، يطمئنك، يجعلك آمناً، أنت آمن والناس خائفون، أنت موقن والناس متشككون، أنت راضٍ والناس ساخطون، أنت واثق من رحمة الله والناس يظنون ظن السوء ، لذلك:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾
دقق في أشياء لا تعد ولا تحصى هي من مودة الله لك.
﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾
( سورة الرحمن )
الله عز وجل منحك الوجود، ومنحك الإمداد، ومنحك الهدى والرشاد، ومنحك زوجة، ومنحك أولادًا، ومنحك ذاكرة، أحد الأشخاص له حجم كبير في البلد، وصاحب معمل، خرج من معمله إلى بيته فلم يهتدِ إلى الرجوع إلى البيت، بقي ساعتين يبحث عن بيته، لكنه تذكر بيت ابنه، سألت طبيباً فقال: إنه فَقْدُ ذاكرةٍ جزئيٌّ، إنسان يفقد ذاكرته، وأنت أعطاك ذاكرة.
أحياناً بائع قطع تبديل يأتيه شخص، ويقول له: عندك القطعة الفلانية، يقول صاحب المحل لموظف عنده: اصعد إلى الرف الرابع، في القسم الثاني، القطعة الثالثة هاتها، معنى ذلك أن هذا المحل كله في ذاكرته.
الآن كلكم حينما يأتي للمسجد يضع حذاءه في مكان، لما يخرج يذهب إليه، هذه الذاكرة شيء لا يصدق، إنسان يعيش 60 سنة هناك 60 مليار صورة، ما هذه الذاكرة ؟ هذا من فضل الله علينا.
إذاً كلما زدت هذا الكون تفكراً زدت معرفة بالله عز وجل،
﴿ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾
الدعاء:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا أرضنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.والحمد لله رب العالمين منقول

أبو جعفر المنصور
08-16-2014, 12:43 AM
أختي جزاك الله خيراً على الجهد ولي إضافتان

الفرق بين المحبة والود هو أن المحبة أعلى الود وكلاهما صفة تقوم في الموصوف وتظهر آثارها في الأفعال ، ولا يصح حصر واحدة منهما بالأثر دون الصفة ولو فعل ذلك كانت طريقة المعطلة

الأمر الثاني : عند الكلام على نعم الله عز وجل على المخلوق لا يكتفى بذكر الطعام والشراب والتزاوج فإن هذا يشترك فيه الإنسان مع غيره من المخلوقات الحيوانية

بل لا بد من بيان الرحمة والمحبة في الأمر الشرعي

فمن ذلك أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسيئة لا يجزى إلا مثلها ولو شاء لجعلهما سواء وكان هذا عدلاً

ومن ذلك أن من هم بسيئة لا تكتب حتى يفعلها ومن هم بحسنة فإنها تكتب وإن لم يفعلها

ومن ذلك أن جعل المصائب مع ما فيها من الموعظة مكفرات للذنوب ولو شاء لجعلها مواعظ فقط

ومن ذلك أنه عرفنا بمواطن استجابة الدعاء وجعل مواسم للخير تضاعف فيها الأعمال ولو شاء لأخفاها

ومن ذلك أن بين لنا الحقائق الدينية أعظم بيان في الكتاب والسنة وفند شبهات أهل الباطل أعظم تفنيد

ومن ذلك أنه سبحانه لك يكتف بالميثاق الذي أخذه على الخلق ولا بالفطرة بل تعهد أنه لا يعذب إلا بعد أن يرسل رسولاً

ومن ذلك أنه رحم الله هذه الأمة بألا يأخذهم بالعذاب عامة وأمهلهم ، وكل نفس يأخذه الكافر أو الفاسق رحمة من الله وفرصة جديدة له للعودة إلى الله والتكفير عما جنت يداه

ومن رحمته أن جعل الذنوب صغائر وكبائر ولو شاء لجعلها كلها كبائر ومن رحمته أن جعل الأعمال الصالحة والاستغفار وإن لم يقترن بتوبة من مكفرات الذنوب

ومن رحمته أن لم يشترط على التائب في أكثر الذنوب كفارة بل توبة العبد بينه وبين ربه ولم يشترط عليه الاعتراف لأحد سواه سبحانه

ومن رحمته أن عرفنا به سبحانه بأسمائه وصفاته حتى عمرت القلوب الخربة بسناء محبته وتعظيمه وخشيته فاستقامت

ومن رحمته أن جعل في هذه الأمة فرقة ناجية وطائفة منصورة وأئمة مجددين يهدون من الغواية ويبصرون من العمى وفتح على قلوبهم بفتوح لولا منه ورحمته لما كانت

ومن رحمته أنه لم ينهَ عن شيء إلا ونهى عن وسائله فلما نهى عن الزنا أمر النساء بالاحتجاب ونهى عن الخلوة وأمر بغض البصر ونهى عن الاختلاط وأمر بالزواج وتيسيره ، ولما نهى عن الاقتتال نهى عن كل من يثيره من الغضب والعصبية والإفراط في حب الدنيا والتظالم بين الناس ، ولما نهى عن السرقة أمر بالزكاة والصدقة وحث على الاكتساب ، بل كانت كفارة الظهار وقتل الخطأ والجماع في نهار رمضان عند العجز عن العتق إطعام ستين مسكينا وتأمل كيف أن تذنب في حق الله عز وجل وتكون كفارتك أن تحسن إلى خلقه ، وفي هذا المعنى حديث ( مرضت فلم تعدني ) وفي آخره ( مرض عبدي فلان ولو جئته لوجدتني عنده )

ومن رحمته أنه يجيب المضطر وإن كان كافراً ، وينصر المظلوم وإن كان كافراً

ومن رحمته أنك ترى في هذه الدنيا الأمراض والآلام والأوجاع فيرق قلبك وتعلم ضعفك وتتجه لربك وتنفر من النار ، ولا تركن إلى الدنيا

قال ابن القيم في طريق الهجرتين :" والمقصود أنه سبحانه أشهد في هذه الدار ما أعد لأوليائه وأعدائه في دار القرار وأخرج إلى هذه الدار من آثار رحمته وعقوبته ما هو عبرة ودلالة على ما هناك من خير وشر وجعل هذه العقوبات والآلام والمحن والبلايا سياطا يسوق بها عباده المؤمنين فإذا رأوها حذروا كل الحذر واستدلوا بما رأوه منها وشاهدوه على ما في تلك الدار من المكروهات والعقوبات وكان وجودها في هذه الدار وإشهادهم إياها وامتحانهم باليسير منها رحمة منه بهم وإحسانا إليهم وتذكرة وتنبيها ولما كانت هذه الدار ممزوجا خيرها بشرها وأذاها براحتها ونعيمها بعذابها اقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن خلص خيرها من شرها وخصه بدار أخرى هي دار الخيرات المحضة ودار السرور المحضة فكتب على هذه الدار حكم الامتزاج والاختلاط وخلط فيها بين الفريقين وابتلى بعضهم ببعض وجعل بعضهم لبعض فتنة حكمة بالغة بهرت العقول وعزة قاهرة فقام بهذا الاختلاط سوق العبودية كما يحبه ويرضاه ولم تكن تقوم عبوديته التي يحبها ويرضاها إلا على هذا الوجه بل العبد الواحد جمع فيه بين أساب الخير والشر وسلط بعضه على بعض ليستخرج منه ما يحبه من العبودية التي لا تحصل إلا بذلك "

ومن رحمته أن فرض الجهاد ولولاه لما وصل هذا الدين الذي فيه حياة القلوب إلى أقوام كثيرين ، وما فيه من القتل أنفى لقتل كثير في المستقبل أرأيت لو ترك الناس بلا دين واستنفزتهم حروب الثأر ( كحرب البسوس ) والحروب على الملك وعلى موارد الحياة وعلى العصبية ( والتي نهي عنها في الشرع ) وتركوا لوأد البنات ويكفيك أن تعلم أن الهلكى بإدمان الخمر في العالم كل عام يقاربون الثلاثة ملايين نفساً ، والهلكى من الإجهاض الناشيء عن السفاح يعد بالملايين أيضاً وهذا في العالم الحديث المتحضر كما يقال

ومن رحمته في الجهاد أن حرم فيه قتل الطفل والشيخ الفاني والمرأة وأمر بالدعوة قبله وعرض الجزية بعد رفض الدعوة وحرم الغدر ونقض المواثيق

ومن رحمته أن لم يوجب على العباد أعمالاً تكافيء نعمه أو نصفها

ومن رحمته أن جعل دائرة المباحات أوسع من دائرة المحرمات في المأكولات والمشروبات والملبوسات

ومن رحمته أن جعل الوضوء فيه تكفير للذنوب وكذا الصلاة وجعل الحج مطهرة عظمى يرجع منه المرء كيوم ولدته أمه

ومن رحمته أن علمنا في القرآن أدعية ندعوه بها ، ما كان البشر ليحسنوا شيئاً منها ولا ليتتلذوا بها لولا تعليم رب العالمين ( وعلمنا ثم هو يثيبنا عليها )

ومن رحمته أن جعل بكل حرف نقرأه في القرآن عشر حسنات

ومن رحمته أن جعل الصلاة في الأجر خمسين وفي واقعها خمسة وجعل صلاة الجماعة بخمس وعشرين ضعفاً

ومن رحمته أن جعل الصدقة تقع في كفه قبل أن تقع في كف السائل ، فيربيها حتى يجدها المرء يوم القيامة كأمثال الجبال

ومن رحمته أن جعل عذاب القبر مكفراً للذنوب بمعنى أنه قد يكون سبباً في عدم دخول النار

ومن رحمته أن أمر ملائكته بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنين بل أمر نبيه بذلك وجعل يوم القيامة الشفاعة للأنبياء والشهداء والصالحين في أهل الذنوب ثم تكون رحمته المستقلة أعظم من هذا كله

قال مسلم في صحيحه 7074- [19-...] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ لِلَّهِ مِئَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا ، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً ، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

ومن رحمته سبحانه أن جعل في هذه الأمة سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ومع كل واحد منهم سبعون ألفاً ثم يحثو ثلاث حثيات بكفه سبحانه إلى الجنة فضلاً منه

ومن رحمته أنه يعين العبد على الطاعة ثم يثيبه عليها، وهذا المعنى موجود في البسملة إذ أن الباء للاستعانة ، وقد قال الله تعالى معلماً عباده المؤمنين ( إياك نعبد وإياك نستعين ) فهو يعينهم ثم يثيبهم

ومن رحمته سبحانه أن جعل النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف

ومن رحمته أنه وسع دائرة العبادة حتى شملت التبسم في وجه الأخ ( بل كل صور الإحسان بنية) وإطعام الزوجة وجماعها بنية ( بل كل ما يدخل فيه اسم العشرة بالمعروف )

ومن رحمته سبحانه أن حبب البنات إلى أوليائهن بأن أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر بأن من عال ثلاث بنات فإن جزاءه الجنة

ومن رحمته أن ذكر العبد بعناء أمه في حمله وجعل بر الوالدين مقترناً بتوحيده

ومن رحمته أن جعل الحدود كفارات تسقط العقوبة الأخروية عن الجاني ولا يجوز أن يعير بعدها

قال الله تعالى في الزاني والزانية (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ)

قال ( رأفة ) ولم يقل رحمة أن جلدهما رحمة بهما وبكل من تسول له نفسه الاقتداء بهما ورحمة بالمجتمع كله من انتشار الشر فيه

ومن رحمته أن نهى عن تقبيح الوجه أي ضربه ، وأن رهب ترهيباً عظيماً من ضرب المملوك أو الخادم وللنبي صلى الله عليه وسلم حوادث عدة في هذا الباب من أشهرها ما حصل له مع أبي مسعود الأنصاري حين قال ( لله أقدر عليك منك عليه ) وحادثة معاوية بن الحكم السلمي الذي أعتق جاريته بسبب ضربه لها على وجهها وغضب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك

ومن رحمته أن جعل الإسلام يجب ما قبله

ومظاهر الرحمة في الشريعة كثيرة جداً ولا يتسع لها المقام

وهذه كلها مظاهر مودة أيضاً