المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اليس منكم رجل رشيد ؟!!!



ISLAMIC SERVICE
07-05-2006, 11:26 PM
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد :

فهذا المعنى يردده الإنسان بلسان حاله ومقاله، إذا تواطأ الناس على الانحراف عن منهج الله وكثر المخالفون لدين الله، وظهرت منهم علامات السفه والفجور في الأقوال والأفعال مع ادعاءات الرشاد والعقل والإدراك.





لقد كان فرعون سفيهًا عندما ادّعى الربوبية والألوهية وقال: {أنا ربكم الأعلى{ [النازعات: 24]، {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي} [الزخرف: 51]، وكان سفيهًا عندما شرع تقتيل الصبيان ويستحي البنات، ويُفسد في الأرض بغير الحق، وينس الإفساد لنبيّ الله موسى عليه السلام ، وهو أحد أولي العزم من الرسل: {إني أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد{ [غافر: 26]، والآيات تدمغه {إن فرعون علا في الآلأرض وجعل أهلها شيعاً يسضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين} [القصص: 4].كان سفيهًا، ولم يمنعه ذلك من أن يقول لقومه: {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد <29>} [غافر: 29]، يقول سبحانه عنه: {وما أمر فرعون برشيد <97>} [هود: 97].

والأمور كل الأمور على ما عند ربك، تحكي كتب التفسير أنَّ الملائكة لما خرجت من عند إبراهيم، وكان بين إبراهيم وقرية لوط أربعة فراسخ، بصرت بنتا لوط - وهما تستقيان - بالملائكة، ورأتا هيئة حسنة، فقالتا ما شأنكم، ومن أين أقبلتم؟ قالوا: من موضع كذا، نريد هذه القرية. قالتا: فإنَّ أهلها أصحاب الفواحش، فقالوا: أبها من يُضيّفنا؟. قالتا: نعم، هذا الشيخ، وأشارتا إلى لوط، لما رأى لوط هيئتهم خاف قومه عليهم، قال تعالى: {ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد <78>} [هود: 77، 78] .

لقد أسرع القوم بالمجئ، لما رأوا الملائكة وكانوا في هيئة بشرية حسنة، طالبين إتيانهم ومواقعة الفاحشة معهم، وهذا من غلبة الشقاء على نفوسهم، وما دروا أنَّ الملائكة إنما جاءت بالعذاب، لتقلب قريتهم على من فيها، وكان موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب، لقد راودوا نبيّ الله لوط عليه السلام عن ضيفه، فقام مدافعًا يقول لهم: { أليس منكم رجل رشيد} أي مؤمن صالح على هدى واستقامة أو رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.



لقد انتكست المعايير في حسّ القوم بأسرهم حتَّى قالوا: {أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون<56>} [النمل: 56] وكانت امرأة لوط مُعينة للقوم، ولذلك شملها الهلاك معهم.

لقد سفهت العقول، وضلَّت الأفهام، وانتكست الفِطر، وهم على كثرتهم لم يُدركوا مصلحتهم في العاجل والآجل، بل دمّروا أنفسهم، إذْ لم يكن منهم رجل رشيد، ونفس الكلمة نقولها لأشباه المنافقين، الذين يوالون أعداء الإسلام والمسلمين، ويُسارعون فيهم، يقولون نخشى أن تُصيبنا دائرة، كان أحرى أن يوثقوا صلتهم بالله، وأن يكون خوفهم منه سبحانه، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده، فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين.

أتطلب العزة ممن أذلهم الله؟!! فإن العزّة لله جميعًا ، قال عمر لأبي عبيدة رضي الله عنه: «إنَّا كنَّا أذل قوم فأعزّنا الله بهذا الدين، فمهما نطلب العز من غيره أذلَّنا الله» .





لقد خيّل أعداء الإسلام على ضعاف البصر والبصيرة، أنَّ الإصلاح كامن في الأخذ بالنظام الديمقراطي وإطلاق الحريات، كالحرية الشخصية، يحيث يزني ويُزنى له بلا اعتراض ، ويكفُر ويرتد على عقبه القهقري بلا رادع، وهذه هي حرية الرأي، وتتعرى المرأة وتفجر وتختلط بالرجال، وهذه هي حرية المرأة...

وصوروا هذا التحلل على أنه عنوان الرقي والتقدم، وأصبحت كلمة الديمقراطية والمطالبة بها على ألسنة المسلمين قبل غيرهم !!! ولكل هؤلاء يقال: أليس منكم رجـل رشيد ؟! أتستبدلون الذي هـو أدنى بالذي هـو خير؟!، إنَّ جنة الديمقراطية ما هي إلاَّ نار كجنة الدجال في آخر الزمان.

لقد أغنانا سبحانه وكفانا ، وقال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}[المائدة: 3].

إنَّ الديمقراطية دين عند أهلها، كما أنَّ الإسلام دين عند أهله، {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19]، {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين <85>} [آل عمران: 85].





لقد كان الواجب علينا أن ندعوهم للدخول في دين الله، لا أن نأخذ من سمومهم ونتشرب أباطيلهم .

{ أليس منكم رجل رشيد} كلمة نوجهها لأصحاب الوطنيات والقوميات والقبليات والشعوبيات، والأحزاب الليبرالية والشيوعية... ولكل من تناسى معاني الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية، وانشغل عن سهموم وجراح المسلمين هنا وهناك، وكأن استصراخهم لا يعنيه .

أين الرشاد عند من صار دينه، وراءه ظهريًا، وكأنه يناديه من مكان بعيد يوم بدر وأُحُد {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين <144>} [آل عمران: 144].

لقد صار كل واحد كيان قائم بذاته، جزيرة مستقلة، له فلسفته في الحياة يتشدق، وله شخصيته كما يعبر، شرائع ونظم ودساتير ومناهج تُخالف الكتاب والسُنَّة، وفرق ضلالة نارية ، انقسمت إليها الأمة الواحدة، بل وانقسمت الفرقة الواحدة - كالخوارج - انقسامات ثنائية، كالمحكمة والصفرية والعجاردة والأزارقة والإباضية...

فكيف تقوم لنا قائمة مع هذا التشرذم والتفرق، وقد أعمل فينا الأعداء سياسة فرق تسد، فينا حظ ونصيب من قوله تعالى: {تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون <14>} [الحشر: 14].





الرشاد يظهر عندما نكون يدًا واحدة على عدو الله وعدونا، وهذا لا يتحقق إلاَّ بأن نكون على مثل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فهذه هي الطائفة الظاهرة الناجية المنصورة.

أبي الإسلام لا أبا لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم




















{ أليس منكم رجل رشيد} كلمة تقال عندما نرى الجحافل الجرارة، قد صرفت العبادة لغير الله وللمقبورين بزعم محبة الأولياء والصالحين، فهذا يتلمس المدد والبركة من فلان، وهذا يذبح ويستغيث ويدعو «سيدي فلان» !! إلى غير ذلك من الصور الشركية.

إنَّ التطور المادي العصري لا يدل على هداية أو على استقامة، فما زالت الأصنام تُعبد من دون الله، والبعض يتبرك بالشجر والحجر، وطوائف تطوف حول قبر لينين، وآخرون يجثون على الرُكب أمام تمثال العذراء، ومن الناس من يزعم أنَّ الدماء الزرقاء تجري في عروقه، فيُجيز لنفسه أن يُشرع مع الله، ويُتابعه آخرون.

والعلمانية اللادينية صارت هي اللافتة المرفوعة هنا وهناك، وكل هؤلاء يصدق عليهم قوله تعالى: {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون(7)} [الروم: 7].

إنَّ صرف العبادة والتشريع لغير الله، كفر وشرك بالله، { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق <31> } [الحج: 31] ، {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 116].





ونفس الكلمة تُقال لأصحاب النزعات العقلانية، وما أكثر مظاهر وصور هذه اللوثة، فالصغير قبل الكبير، والمرأة والرجل، الكل يزعم العقل والإدراك، وأنه لا مثيل لعقله، فهذا يقول بالعقل، ثم يصادم به النقل، والثاني يقول: «ربنا عرفوه بالعقل» بينما هو لا يُعظّم لله حرمة!! ، والثالث أدَّاه عقله الفاسد، لأن يتحالف مع الشيطان في سبيل مصلحته، وبئس الحلف، وبئست المصلحة...







جامعات وكتب ومذاهب معتزلية عقلانية، إنَّ العقل متولٍ ولى الرسول ثم عزل نفسه، والعقل دابة توصلك لقصر السلطان، ولا تدخل بها عليه، ولا يُظن وجود تعارض بين عقل صريح ونص صريح، والعاقل بحق هو الذي يستقيم على شرع الله، وقاعدة تقديم النقل على العقل، من أهم القواعد التي عمل بها سلفنا الصالح، وإلاَّ فالعقول متفاوتة .

{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً <65>} [النساء: 65].

وقال أيضًا : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً <36>} [الأحزاب: 36]، فالتسليم لشرع الله والرد إنما يكون لحكمه سبحانه.

{ أليس منكم رجل رشيد } تُقال لكل من تعامل بالربا، سواء كان فردًا أو جماعة أو دولة ، بزعم الخروج من الأزمات وعلاج الاقتصاد!! فالربا يدمر البلاد والعباد {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} [البقرة: 276].







وفي الحديث : «لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» .





والأوضاع الملعونة لا بركة فيه، بل تهدد سبحانه أهل الطائف، رغم صلاتهم وصيامهم، وقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسولهٌ} [البقرة: 278، 279]، حرب لا طاقة للعباد بها.

ونفس الأمر يُقال لمن يُنشد السعادة في كأس أو غانية، أو يتسلّى بأغنية ورقصة وفيلم وتمثيلية ومسرحية، أو يعالج حزنه لدخان ومخدرات، أو يعالج مشكلته بالإعراض عن منهج الله، فهؤلاء كالمستجير من الرمضاء بالنار، أو كالعير بالرمضاء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول.





قال تعالى: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى <124>} [طه: 123، 124].

كيف تسعد النفوس بالتبرج والاختلاط والعرى والخلاعة، وكيف سمح أولياء الأمور بذلك؟!، «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيّته» ، {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} [التحريم: 6].

ما ترك النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فتنة أضر على الرجال من النساء، وقال: «فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإنَّ أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء».

أين الرشاد عند من صار حربًا على الملتحين والمنتقبات، وعند من صارت الدنيا هي كل همه ومبلغ علمه، وعند من توهّم أنَّ بمقدوره تجفيف منابع التدين، أين الرشاد عند من نسى الموت وسكرتاه والقبر وضمّته، والصراط وحدَّته؟! وعند من لم يتفكر في تطاير الصحف ونصب الميزان، ومن غرَّه طول الأمل، وانخدع بصحة وجاه وسلطان ؟! أين الرشاد عند دعاة التنوير والتثقيف من الملاحدة والزنادقة، وعند من اغتروا بقوّتهم فقالوا: {من أشد منا قوة} [فصلت: 15]؟ ألم يقرأوا عن قيام الحضارات الماديّة وزوالها؟! ألم يُطالعوا كيف أهلك سبحانه قوم نوح وعاد وثمود وقرونًا بين ذلك كثيرًا، إنَّ اغترارًا بالله حمق.





أين الرشاد عند من يعقّ والديه، ويقطع رحمه؟! .. لكل هذه الأصناف يُقال: { أليس منكم رجل رشيد } والبعض يأبى إلاَّ الاعوجاج رغم وضوح الطريق، وهذا من شؤم الحال، {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً} [الأعراف: 146].

إنَّ الرشاد من الله { ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً<17>} [الكهف: 17].

ويكمن في العمل بمنهج الله {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون <186>} [البقرة: 186].





ويُستمطر بالدعوات الصالحات {ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً <10>} [الكهف: 10] ، {وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا <24>} [الكهف: 24].

والأنبياء هم أكثر الخلق رشدًا وهداية ، { ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين <51>} [الأنبياء: 51] ، {قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداًً<66>} [الكهف: 66].



إنَّ الرشاد الحقيقي في الإسلام، {فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً <14>} [الجن: 14] ويجب العمل بمقتضاه بعيدًا عن التزييف والتدليس وقلب الحقائق.

استقيموا يرحمكم الله واستجيبوا إذا قيل لكم يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .