ابن عبد البر الصغير
09-09-2014, 03:53 AM
http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=196168
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
فإن من الأهداف الجليلة التي سعى إليها الإسلام العظيم، أن يسمو بالإنسان ويرقى به في باب العقيدة، ذلك أن المعتقد هو العامل الأساسي الذي يساهم في تكوين الشخصية النفسية La personnalité psychologique ، والسلوكية comportementale على حد سواء .
فكلما كانت عقيدة المرء نقيّةً وصافيةً، بسيطةً ومحكمةً، مفهومةً وواضحةً، كان إيمانه قويّاً، وتصديقه جازماً، ويقينه سليماً، لا يداخله شكٌّ، سليم المنهج، حسن السلوك، والعكس بالعكس . فكلما بعُد عن العقيدة، أو انحرف في فهمها، أو اعتقد في غيرها، كان ذا فهم ممسوخ، وذو استشكالاتٍ عقديةٍ كبيرةٍ، مما يؤثر على صحته النفسية، ويجعله عرضةً للشكوك، فينحرف في سلوكه بالقدر الذي ينحرف فيه عن العقيدة السليمة .
والإسلام يقرر هذه القاعدة السامية، حين يقول الله تعالى في سورة الرعد : {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} ( الآية : 28 ).
والمؤمن يكون ذا نفسٍ مُطمئنَّةٍ، راضياً بقدر الله تعالى، عارفاً بأن الدنيا ابتلاء، وأن الله تعالى يبتلي من يشاء، {ولَنَبلُونَّكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} ( البقرة : 155 )، فيكون أجلد من غيره في الرضا بقضاء الله تعالى، مطمئناً عند المصائب، صابراً على الأهوال، دائم الصلة بالله، مستئنساً بجواره.
وإن المؤمن ليذكر قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، في أحواله مع إيمانه من جهة، ومع تقلبات الدهر وصروفه من جهة ثانية، يعمل ويجتهد بكل الأسباب، ويرضى بالنتائج التي هي من قدر الله، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم- : (عجباً لأمر المؤمن ! إن أمره كله خير : إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، عجباً لأمر المؤمن ! فإن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن ) رواه مسلم.
وفي المقابل فإن غير المؤمن أو صاحب العقيدة المتناقضة، يشتد عليه الخناق، فتضيق به الحياة، مضطربةً نفسه، قلقاً، متبرماً، لا يسكن له بال، ولا يطيب له عيش، لا يدري لماذا جاء لهذه الدنيا، وما مهمته، وما مصيره، وإلى أين مسيره ؟.
فينحدر في دركات العقيدة الفاسدة، فيخبط خبط عشواء كالناقة العمياء، يتعلَّق بخرافات العار والوهم، ويرى فيه أهل الحق كل منقصة وانحدار، فهذا يعبد الحيوانات والبقر، وذاك يعبد " القدّيسين Les saints " والبشر، والآخر يدعو المعقوف – الصليب - والأصنام، والرابع ينكر كل ديانات الأنام. فيغرق الكل في أوحال العدمية الجهلاء، كلٌّ حسب مقدار انحرافه، فهي مآل كل معتقَد هشيم، مطروق الأركان، هشَّ المنطق والبنيان.
بيد أن الإسلام قد ارتقى بالإنسان في باب العقيدة، فكرمَّه بعبادة الله وحده، الذي هو أهل العبادة وأهل السؤال، ولم يرضَ للناس أن يسجدوا لغير الإله الخالق، يقول الله تعالى: {إنَّ الذين تدعون من دون الله عبادٌ أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين * ألهم أرجلٌ يمشون بها أم لهم أيدٍ يبطشون بها أم لهم أعينٌ يبصرون بها أم لهم آذانٌ يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنُظرون * إن وليّي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين * والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون * وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} ( الأعراف : 194 إلى 198).
وهكذا يمضي القرآن في خلخلة الأفكار الوثنية، ليبين ضعفها وبطلانها، ويوقظ نداء العقل في النفس الإنسانية، لترتقي في مدارج العقيدة.
فنفى سبحانه وتعالى أن يكون له شريك، وردَّ كل أقوال من ادعى ذلك، يقول تعالى : {وقل الحمد لله الذي لم يتّخذ ولداً ولم يكن له شريكٌ في الملك ولم يكن له وليٌّ من الذّل وكبّره تكبيراً} ( الإسراء : 111 ).
إنه التوحيد le monothéisme الذي ارتقى بالبشر من الوثنية المتعددة الآلهة، إلى الإله الواحد الذي لا شريك له : {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} ( ص : 5).
والتوحيد هو الإيمان بإله خالق للكون لا شريك له، متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص، اعتقاداً جازماً، ويقيناً قاطعاً.
هذا هو الرقي الذي صاحب البشر منذ خلقهم، فانحرف كثيرهم عنه، وزاغ كبيرهم قبل صغيرهم. تلك الثورة التي ما فتئت تستنهض العقول حين غرقها في أوحال الوثنيات المتعددة، وتبصِّرُ الفطر حين ارتكاسها. فحسب موسوعة يونيفيرساليس الفرنسية: " يُعتبر التوحيد رفضاً لكل الوثنيات، إنه يمثل ثورة دينية حقيقية"(1) .
كيف لا ؟ ومن خصائص الوثنيات المختلفة، إلغاء العقول للسجود للصنم، وكبت نور المنطق لتسويغ عقائد التعدد والشرك، وأي شيء أتعس وأدنس من أن يغرق الإنسان في الضلالات الشيطانية ؟ تاركا عبادة الإله الحق ومضيعاً وقته في عبادة من لا يملك له ضرّاً ولا نفعاً .
ورحم الله ربعي بن عامر رضي الله عنه، حين قال لملك الفرس : " إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه .. " (2).
التوحيد أرقى العقائد وأسمى المطالب وليس يوجد إلا في الإسلام :
ونقصد بهذا أنك لن تجد دينا في هذا العالم الواسع نزَّه الباري سبحانه عن صفات النقص ووصفه بكل صفات الكمال إلا الدين الإسلامي العظيم، ولترسيخ نظريتنا في ذهن القارئ، نجول بشكل مختصر في عقيدة أشهر الأديان، مستدلين بما ورد في كتبهم وما اشتهر من عقائدهم، حتى تتأمّل أيها المهتم فيها، وتتمعَّن في تهافُتها:
اليهودية :
وإن كانت هذه العقيدة تؤمن بإله واحد لا شريك له، إلا أنها خالفت مقتضيات التوحيد، وهوَت بعقيدتها بالتحريف فتأمل على سبيل المثال :
سفر التكوين Le livre de la Genèse، هو أحد الأسفار المكونة للتوراة التي حرفّها اليهود ، والذي يخبرنا مسألة الخلق في ستة أيام وبعدها يقول : " وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل. فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل ، وبارك الله اليوم السابع وقدسه. لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا "(3).
فهنا نسب سفر التكوين التعب والعياء لله عز وجل - تعالى الله عن ذلك – فمقتضى كلمة " استراح " أنه بذل مجهوداً أعياه، وهذا مناقض للعقل الذي ينفي عنه سبحانه كل عوارض النقص، وتأمل معي قول الله تعالى : {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ وما مسَّنا من لُّغُوبٍ * فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب} ( ق : 38 و39 ).
فأبطل الله تعالى زعمَ اليهود وقال صراحة : {وما مسنا من لغوب}: أي ما أصابنا من تعب.
أما في سفر القضاة Le Livre des Juges – وهو أحد أسفار التناخ Tanakh المقدسة عند اليهود – فيقول ذاكراً معركة يهوذا مع قوم في الوادي بينهما حربٌ: "وكان الرب مع يهوذا فملك الجبل ولكن لم يطرد سكان الوادي لأن لهم مركبات من حديد"(4).
وهنا ينسبون لله تعالى صفة الضعف، فيهوذا والرب لم يستطيعا هزم سكان الوادي لأن لديهم مركبات حديدية يستعملونها للقتال !!
فتأمل أيها اللبيب القرآن الكريم حين يقول : {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدّوس السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر سبحان الله عمَّا يُشركون} ( الحشر : 23).
وقوله عز وجل : {أَوَلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوةً وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً} ( فاطر : 44 )
أما في المزمور Le Psaumes – نسبة لمزامير داود وهو الزبور قبل تحريفه، هو كتاب مقدس يستعمله اليهود في عباداتهم على شكل أناشيد - فيقول : " استيقظ، لماذا تتغافى يا رب ؟ انتبه، لا ترفض الى الأبد "(5).
في حين أن الله تعالى يقول في القرآن : { الله لا إله إلا هو الحيُّ القيّوم لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم} ( البقرة : 255 ) . ويقول سبحانه : {ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين} ( المؤمنون : 17 ).
وكفى بهذه النصوص موعظة، دون الحاجة إلى مزيد من الاقتباسات وإظهار لعديد من الطوام التي نسبها اليهود بهتانا في حق رب العباد تعالى علوّاً كبيرا .
هذه الأشياء جعلت الإمامالقرافي رحمه الله يقول في حقهم : " وأما قول اليهود فتأنف منه دبغة الجلود، وهذه المواضع وشبهها من أعظم الأدلة على تبديل التوراة، وأنها غير المنزلة من الله تعالى، وهذا يجزم به كل عاقل "(6).
أما ما جاء عند النصارى والهندوس، ففي المقالات اللاحقة إن شاء الله تعالى .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
هوامش المقال
1- مقال التوحيد ص 102.
2- البداية والنهاية لابن كثير (7/46).
3- الإصحاح الثاني الفقرة : 2 و 3 .
4- الإصحاح الأول، العدد 19.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
فإن من الأهداف الجليلة التي سعى إليها الإسلام العظيم، أن يسمو بالإنسان ويرقى به في باب العقيدة، ذلك أن المعتقد هو العامل الأساسي الذي يساهم في تكوين الشخصية النفسية La personnalité psychologique ، والسلوكية comportementale على حد سواء .
فكلما كانت عقيدة المرء نقيّةً وصافيةً، بسيطةً ومحكمةً، مفهومةً وواضحةً، كان إيمانه قويّاً، وتصديقه جازماً، ويقينه سليماً، لا يداخله شكٌّ، سليم المنهج، حسن السلوك، والعكس بالعكس . فكلما بعُد عن العقيدة، أو انحرف في فهمها، أو اعتقد في غيرها، كان ذا فهم ممسوخ، وذو استشكالاتٍ عقديةٍ كبيرةٍ، مما يؤثر على صحته النفسية، ويجعله عرضةً للشكوك، فينحرف في سلوكه بالقدر الذي ينحرف فيه عن العقيدة السليمة .
والإسلام يقرر هذه القاعدة السامية، حين يقول الله تعالى في سورة الرعد : {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} ( الآية : 28 ).
والمؤمن يكون ذا نفسٍ مُطمئنَّةٍ، راضياً بقدر الله تعالى، عارفاً بأن الدنيا ابتلاء، وأن الله تعالى يبتلي من يشاء، {ولَنَبلُونَّكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} ( البقرة : 155 )، فيكون أجلد من غيره في الرضا بقضاء الله تعالى، مطمئناً عند المصائب، صابراً على الأهوال، دائم الصلة بالله، مستئنساً بجواره.
وإن المؤمن ليذكر قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، في أحواله مع إيمانه من جهة، ومع تقلبات الدهر وصروفه من جهة ثانية، يعمل ويجتهد بكل الأسباب، ويرضى بالنتائج التي هي من قدر الله، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم- : (عجباً لأمر المؤمن ! إن أمره كله خير : إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، عجباً لأمر المؤمن ! فإن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن ) رواه مسلم.
وفي المقابل فإن غير المؤمن أو صاحب العقيدة المتناقضة، يشتد عليه الخناق، فتضيق به الحياة، مضطربةً نفسه، قلقاً، متبرماً، لا يسكن له بال، ولا يطيب له عيش، لا يدري لماذا جاء لهذه الدنيا، وما مهمته، وما مصيره، وإلى أين مسيره ؟.
فينحدر في دركات العقيدة الفاسدة، فيخبط خبط عشواء كالناقة العمياء، يتعلَّق بخرافات العار والوهم، ويرى فيه أهل الحق كل منقصة وانحدار، فهذا يعبد الحيوانات والبقر، وذاك يعبد " القدّيسين Les saints " والبشر، والآخر يدعو المعقوف – الصليب - والأصنام، والرابع ينكر كل ديانات الأنام. فيغرق الكل في أوحال العدمية الجهلاء، كلٌّ حسب مقدار انحرافه، فهي مآل كل معتقَد هشيم، مطروق الأركان، هشَّ المنطق والبنيان.
بيد أن الإسلام قد ارتقى بالإنسان في باب العقيدة، فكرمَّه بعبادة الله وحده، الذي هو أهل العبادة وأهل السؤال، ولم يرضَ للناس أن يسجدوا لغير الإله الخالق، يقول الله تعالى: {إنَّ الذين تدعون من دون الله عبادٌ أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين * ألهم أرجلٌ يمشون بها أم لهم أيدٍ يبطشون بها أم لهم أعينٌ يبصرون بها أم لهم آذانٌ يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنُظرون * إن وليّي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين * والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون * وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} ( الأعراف : 194 إلى 198).
وهكذا يمضي القرآن في خلخلة الأفكار الوثنية، ليبين ضعفها وبطلانها، ويوقظ نداء العقل في النفس الإنسانية، لترتقي في مدارج العقيدة.
فنفى سبحانه وتعالى أن يكون له شريك، وردَّ كل أقوال من ادعى ذلك، يقول تعالى : {وقل الحمد لله الذي لم يتّخذ ولداً ولم يكن له شريكٌ في الملك ولم يكن له وليٌّ من الذّل وكبّره تكبيراً} ( الإسراء : 111 ).
إنه التوحيد le monothéisme الذي ارتقى بالبشر من الوثنية المتعددة الآلهة، إلى الإله الواحد الذي لا شريك له : {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} ( ص : 5).
والتوحيد هو الإيمان بإله خالق للكون لا شريك له، متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص، اعتقاداً جازماً، ويقيناً قاطعاً.
هذا هو الرقي الذي صاحب البشر منذ خلقهم، فانحرف كثيرهم عنه، وزاغ كبيرهم قبل صغيرهم. تلك الثورة التي ما فتئت تستنهض العقول حين غرقها في أوحال الوثنيات المتعددة، وتبصِّرُ الفطر حين ارتكاسها. فحسب موسوعة يونيفيرساليس الفرنسية: " يُعتبر التوحيد رفضاً لكل الوثنيات، إنه يمثل ثورة دينية حقيقية"(1) .
كيف لا ؟ ومن خصائص الوثنيات المختلفة، إلغاء العقول للسجود للصنم، وكبت نور المنطق لتسويغ عقائد التعدد والشرك، وأي شيء أتعس وأدنس من أن يغرق الإنسان في الضلالات الشيطانية ؟ تاركا عبادة الإله الحق ومضيعاً وقته في عبادة من لا يملك له ضرّاً ولا نفعاً .
ورحم الله ربعي بن عامر رضي الله عنه، حين قال لملك الفرس : " إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه .. " (2).
التوحيد أرقى العقائد وأسمى المطالب وليس يوجد إلا في الإسلام :
ونقصد بهذا أنك لن تجد دينا في هذا العالم الواسع نزَّه الباري سبحانه عن صفات النقص ووصفه بكل صفات الكمال إلا الدين الإسلامي العظيم، ولترسيخ نظريتنا في ذهن القارئ، نجول بشكل مختصر في عقيدة أشهر الأديان، مستدلين بما ورد في كتبهم وما اشتهر من عقائدهم، حتى تتأمّل أيها المهتم فيها، وتتمعَّن في تهافُتها:
اليهودية :
وإن كانت هذه العقيدة تؤمن بإله واحد لا شريك له، إلا أنها خالفت مقتضيات التوحيد، وهوَت بعقيدتها بالتحريف فتأمل على سبيل المثال :
سفر التكوين Le livre de la Genèse، هو أحد الأسفار المكونة للتوراة التي حرفّها اليهود ، والذي يخبرنا مسألة الخلق في ستة أيام وبعدها يقول : " وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل. فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل ، وبارك الله اليوم السابع وقدسه. لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا "(3).
فهنا نسب سفر التكوين التعب والعياء لله عز وجل - تعالى الله عن ذلك – فمقتضى كلمة " استراح " أنه بذل مجهوداً أعياه، وهذا مناقض للعقل الذي ينفي عنه سبحانه كل عوارض النقص، وتأمل معي قول الله تعالى : {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ وما مسَّنا من لُّغُوبٍ * فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب} ( ق : 38 و39 ).
فأبطل الله تعالى زعمَ اليهود وقال صراحة : {وما مسنا من لغوب}: أي ما أصابنا من تعب.
أما في سفر القضاة Le Livre des Juges – وهو أحد أسفار التناخ Tanakh المقدسة عند اليهود – فيقول ذاكراً معركة يهوذا مع قوم في الوادي بينهما حربٌ: "وكان الرب مع يهوذا فملك الجبل ولكن لم يطرد سكان الوادي لأن لهم مركبات من حديد"(4).
وهنا ينسبون لله تعالى صفة الضعف، فيهوذا والرب لم يستطيعا هزم سكان الوادي لأن لديهم مركبات حديدية يستعملونها للقتال !!
فتأمل أيها اللبيب القرآن الكريم حين يقول : {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدّوس السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر سبحان الله عمَّا يُشركون} ( الحشر : 23).
وقوله عز وجل : {أَوَلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوةً وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً} ( فاطر : 44 )
أما في المزمور Le Psaumes – نسبة لمزامير داود وهو الزبور قبل تحريفه، هو كتاب مقدس يستعمله اليهود في عباداتهم على شكل أناشيد - فيقول : " استيقظ، لماذا تتغافى يا رب ؟ انتبه، لا ترفض الى الأبد "(5).
في حين أن الله تعالى يقول في القرآن : { الله لا إله إلا هو الحيُّ القيّوم لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم} ( البقرة : 255 ) . ويقول سبحانه : {ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين} ( المؤمنون : 17 ).
وكفى بهذه النصوص موعظة، دون الحاجة إلى مزيد من الاقتباسات وإظهار لعديد من الطوام التي نسبها اليهود بهتانا في حق رب العباد تعالى علوّاً كبيرا .
هذه الأشياء جعلت الإمامالقرافي رحمه الله يقول في حقهم : " وأما قول اليهود فتأنف منه دبغة الجلود، وهذه المواضع وشبهها من أعظم الأدلة على تبديل التوراة، وأنها غير المنزلة من الله تعالى، وهذا يجزم به كل عاقل "(6).
أما ما جاء عند النصارى والهندوس، ففي المقالات اللاحقة إن شاء الله تعالى .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
هوامش المقال
1- مقال التوحيد ص 102.
2- البداية والنهاية لابن كثير (7/46).
3- الإصحاح الثاني الفقرة : 2 و 3 .
4- الإصحاح الأول، العدد 19.